أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

على فرض الذهاب إلى القول بالجزئية ، فيقال : أنّ الشارع لم يشرّع الجزئية لمانع وهو التقية ، لكنّه لا يتم بدون اعتقاد الجزئية ـ وهو المعمول عندنا اليوم ـ إذ الشهادة الثالثة على الفرض الأخير لا تعدو كونها ذِكْرا مستحبّا لا دخل له في ماهيّة الأذان ، بل يؤتى بها لمجرّد التبرّك والتيمّن وكونه كلاما حقا خارجا يقال في الأذان أو لحصول ثواب وفضيلة غير اذانيه ، وهذا لا يتنافى مع المـنع من الإتيان بها بقصد الجزئية والاذانية.

٢٨ ـ الشيخ محمد رضا جدّ محمد طه نجف ( ت ١٢٤٣ ه‍ )

قال الشيخ محمد رضا في ( العدّة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية ) عند ذكر الأذان :

الذي يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنّما هو التقيّة ، ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطّرد ، نعم لو قيل لا بقصد الجزئية لم يبعد رجحانه (١).

فالشيخ لم يستبعد رجحان الاتيان بالشهادة الثالثة ـ لا بقصد الجزئية ـ وقد قوى ان يكون السر في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنما هو التقية.

٢٩ ـ المولى أحمد بن محمد مهدي النّراقي ( ت ١٢٤٥ ه‍ )

قال الشيخ أحمد بن محمد مهدي النّراقي في كتابه ( مستند الشيعة في أحكام الشريعة ) :

صرّح جماعة ـ منهم الصدوق (٢) ، والشيخ في المبسوط (٣) ـ بأنّ

__________________

(١) الكتاب مخطوط في تسع مجلدات بيد حفيده ، اُنظر الذريعة ١٥ : ٢١٣ ، معجم المؤلفين ٩ : ٣١٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٠.

٤٠١

الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة.

وكرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيّتها للأذان ، وحرّمها معه (٤).

ومنهم من حرّمها مطلقا ؛ لخلوّ كيفيّتهما المنقولة (٥).

وصرّح في المبسوط بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء (٦) ، ومفاده الجواز.

ونفى المحدّث المجلسي في البحار البُعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان (٧).

واستحسنه بعض من تأخّر عنه (٨).

أقول : أمّا القول بالتحريم مطلقا فهو ممّا لا وجه له أصلاً ، والأصل ينفيه ، وعمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه.

وليس من كيفيّتهما اشتراطُ التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتّى يخالفها الشهادة ، كيف؟! ولا يحرم الكلامُ اللّغو بينهما فضلاً عن الحقّ.

__________________

(٣) المبسوط ١ : ٩٩.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٨.

(٥) الذخيرة : ٢٥٤.

(٦) المبسوط ١ : ٩٩ ، وفيه التصريح بأ نّه لو فعله الإنسان يأثم به ، ولكن الصحيح : لم يأثم به بقرينة ما بعده ، ويؤ يّده ما حكاه المجلسي في البحار ٨١ : ١١١ نقلاً عن المبسوط : ولو فعله الإنسان لم يأثم به. وعموما فكل من نقل من العلماء كلام الشيخ فإنما نقلها بالنفي ، وهو يورث الجزم بنفي الإثم عن مبسوط الشيخ.

(٧) البحار ٨١ : ١١١.

(٨) كصاحب الحدائق ٧ : ٤٠٤ حيث قال ـ بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار ـ : وهو جيد.

٤٠٢

وتوهُّمُ الجاهلِ الجزئيةَ غيرُ صالحٍ لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينهما من الدعاء ، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم.

بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة ، إذ لا يتصوّر اعتقادٌ إلاّ مع دليل ، ومعه لا إثم ، إذ لا تكليف فوق العلم ، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول ولا يكون ذلك القول تشريعا وبدعةً كما حقّقنا في موضعه.

وأمّا القول بكراهتها : فإن اُريد بخصوصها ، فلا وجه لها أيضا.

وإن اُريد من حيث دخولها في التكلّم المنهيّ عنه في خلالهما ، فلها وجه لولا المعارِض ، ولكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقا ، والأمر بها بعد ذكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام ، رواه في الاحتجاج عن الصادق عليه‌السلام : قال : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام » (١) بالعموم من وجه ، فيبقى أصل الإِباحة سليما عن المزيل ، بل الظاهر من شهادة الشيخ والفاضل والشهيد (٢) ـ كما صرّح به في البحار (٣) ـ ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضا.

قال في المبسوط : وأمّا قول : أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٢٣١.

(٢) الشيخ في النّهاية : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٩٩ ، الفاضل في المنتهى ٣ : ٣٨٠ / المسألة الخامسة ، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى ٣ : ٢٠٢ ، البيان : ١٤٤.

(٣) البحار ٨١ : ١١١.

٤٠٣

وقال في النّهاية قريبا من ذلك.

وعلى هذا فلا بُعْد في القول باستحبابها فيه ؛ للتسامح في أدلّته.

وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها ، كيف؟! وتراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار بالشذوذ ، فيحملونها على الاستحباب (١).

فالشيخ النراقي وبعد عرضه لأهمّ الأقوال في المسألة فَنّدَ جميع الأقوال المطروحة التي لا تتّفق مع رأيه ، سواء القائلة بالحرمة ، لتوهّم الجاهلين الجزئية ، أو لفوت الموالاة ، أو لكونها لم ترد في الأذان البياني المنقول عن الأئمّة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى القائلين بالكراهة ، فإنه رحمه‌الله قرّر كلامهم وردّه في سطر واحد ، ثم ختم كلامه بإعطاء وجهة نظره ، فقال : « وعلى هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه ، للتسامح في أدلّته ، وشذوذُ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها ، كيف؟! وتراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار بالشذوذ ، فيحملونها على الاستحباب ».

ثم جاء رحمه‌الله في كتابه ( رسائل ومسائل ) يستنصر لقول شيخه كاشف الغطاء القائل بعدم جزئية الشهادة الثالثة في الأذان ، مؤ يِّدا ما اقترحه في استبدال جملة « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ » بـ « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين وخليفته بلا فصل وانه افضل الناس بعد رسول اللّه‏ » ، مستشكلاً على كلام المجلسي الثاني في « بحار الانوار » الذي لم يستبعد أنّها من الأجزاء المستحبة في الأذان ، فقال :

وتحقيق ما أفاده شيخنا الاعظم ومخدومنا الأفهم أدام اللّه‏ أيّام إفاداته ، ومتّع أهل الإسلام بطول حياته : من أنّه ليس من الأذان قول « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ » وأمثاله ، فهو كذلك ، والأحاديث الواردة في بيان الأذان وتعداد فصوله عن أئمّتنا الطاهرين يرشد

__________________

(١) مستند الشيعة ٤ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧.

٤٠٤

إليه ، والإجماعُ المحقّق قطعا يدلّ عليه ، وعدّ جماعة من فحول فقهائنا الأخبارَ المتضمّنة له من الشواذّ غير المعمول بها ، ونسبتها إلى الوضع يؤكّده ، والشواهد التي ذكرها شيخنا الفريد يؤ يّده ، ولم أعثر على من يجوّز كونه من الأذان.

نعم قال شيخنا المجلسي قدس‏سره في البحار بعد نقل قول الصدوق : « ولا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلاّمة به بورود الأخبار بها » ، ثمّ نقل عبارات النهاية والمبسوط والمنتهى الّتي نقلها شيخنا أدام اللّه‏ بقاءه ، وزاد في عبارة النهاية : « ومن عمل بها كان مخطئا » ، وهو مردود بأ نّه ...

كيف يسمع شهادته بوجود الخبر ولا يسمع بكونه شاذّا غير معمول به ، بل يكون العمل به خطأً ، وأيّ حجّة في نقل ذلك الخبر الذي لا يُعلَمُ سنده ولا متنه لينظر في حاله ودلالته ، مع كونه مخالفا للإجماع المقطوع به وتصريح الصدوق بكونه موضوعا ومع معارضته مع سائر الأخبار المشهورة بل الصحيحة أيضا الواردة في فصول الأذان ، ولم يقل أَحَدٌ بحجيّة مثل ذلك الخبر.

وإن كان نظره إلى التسامح في أدلّة السنن ، ففيه أنّه إذا لم يكن لها معارض من إجماع وغيره ، وأمّا معه فلا يبقى دليل حتّى يتسامح ، مع أنّه كما صرّح به جماعة أنّ التسامح فيها إنّما هو إذا كان الدليل مظنونَ الصدق أو غيرَ مظنون الكذب. ويدلّ عليه أنّ معظم دليل التسامح الأخبار المستفيضة المصرّحة بأ نّه « من بلغه شيء من الثواب ففعله التماس ذلك الثواب أو رجاءه فله أجره » ولا يتحقّق التماس الثواب ولا رجاؤه مع ظنّ الكذب. ولا شكّ

٤٠٥

في حصول الظنّ بالكذب مع تصريح مثل الصدوق بالوضع ، وشهادة الجماعة بالشذوذ ، بل يحصل العلم بالمخالفة للواقع بملاحظة الإجماع القاطع.

ثمّ ما أفاده شيخنا المحقّق دام ظله من قوله : « ومن قصد ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام لإظهار شأنه ، أو لمجرّد رجحانه لذاته ، أو مع ذكر ربّ العالمين ، أو ذكر سيد المرسلين ، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة الطاهرين ، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين ، أُثيب على ذلك ». فهو أيضا مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، وبملاحظة الدليلين الأول والآخر يظهر أولويّة التبديل الذي أفاده ، وذلك لأنّ الولاية وإن كانت من المراتب العظيمة والصفات العليّة إلاّ أنّ لفظها يستعمل في معان كثيرة أحدها المحبّ ، فلا يدلّ على المطلوب إلاّ مع القرينة.

ولو سلّمنا ظهوره في المطلوب فإنّما نسلّمه في الصدر [ الأوّل [ قبل ورود النصّ بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأمّا بعده فلمّا ثقل ذلك على المخالفين المنافقين ذكروا للفظ الوليّ المعاني الكثيرة وأثبتوها في كتبهم المضلّة ، وأذاعوا بين الناس ، بحيث يمكن أن يقال بصيرورة المعنى المطلوب مهجورا عندهم ، بل الظاهر أنّهم في أمثال هذا الزمان ـ سيّما عوامّهم ـ لا يفهمون المعنى المطلوب ، فلا يحصل به أمرٌ عامُّ الفهم ولا إظهار شأن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل من الأخبار الواردة في ذكر مولانا مع ربّ العالمين وذكر سيّد المرسلين ما يأمر بذكر أمير المؤمنين ، كما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن القاسم بن معاو ية ، عن أبي عبداللّه‏ عليه‌السلام ، انه قال : فإذا قال أحدكم :

٤٠٦

لا إله إلاّ اللّه‏ محمد رسول اللّه‏ ، فليقل : علي أمير المؤمنين.

بل لا يبعد أن يستفاد أولو يّة التبديل في هذا الزمان ممّا ذكره بعض العلماء في وجه امر النّبي بشهادة « ان لا إله إلاّ اللّه‏ » دون « انّ اللّه‏ موجود » ، من أنّه لم يكن أحد نافيا لوجود الصانع ، بل كانوا يثبتون الشريك ، فلو أمر بشهادة الوجود لكان يوهم الخلاف فيه.

فيمكن أن يقال أنّه لمّا كان الشائع في هذا الزمان عند عوامّ المخالفين بل الكفّار من اليهود والنصارى أنّ معنى الوليّ المحبّ ، فالإذعان بشهادته يمكن أن يوهم الخلاف بين المسلمين في كونه محبّا للّه‏.

وبالجملة : ما أفاده شيخنا سلّمه اللّه‏ تعالى موافقٌ للاعتبار ، نابع من عين شدّة الخلوص والحرص على إظهار شأن إمام الأخيار ، وإرغام أنوف مخالفيه عند الخواصّ والعوامّ ، وقد سمعتُ استبعادَ بعضٍ لذلك بل الطعن فيه ، وهو إمّا لعدم الاطّلاع على كلام الشيخ الأجلّ الأوحد ، أو للعناد (١) ...

وهذا الكلام يدلّنا على أنّ فقهاءنا يتعاملون مع المسائل بروح علمية موضوعية بعيدا عن الطائفية ، فيناقشون المشايخ من قبلهم ، ولا يهابون أن يقولوا بعدم حجيّة الأخبار الشواذّ عندهم ، وذلك لأنّ محبوبيّتها الذاتيّة والإتيان بها لمطلق القربة تبعا للعمومات ما لا ينكره أحد.

فالشيخٍ النراقي أراد الإشارة إلى إمكان القول باستحبابها في السنن ، أمّا القول بكونها جزءا مستحبا فبعيد جدا عنده.

__________________

(١) رسائل ومسائل ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٧.

٤٠٧

هذا ، ونحن لا نرتضي استدلال كاشف الغطاء والنراقي رحمهما اللّه‏ في حذف كلمة ( الولاية ) من الأذان ، لأنّ كلمة الولاية وردت في غالب رواياتنا ، فلا يمكننا أن نتغاضى عما فيها من دلالات ومفاهيم عرفها المتشرّعة ، أو نرفع اليد عنها ، لأنّ معناها معروف عندنا ـ بل وعند العامّة ـ بمعنى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في يوم عيد الغدير عن علي عليه‌السلام : « هو أولى بكم من أنفسكم » (١) ، وإن كان الآخرون يريدون أن يتغافلوا عن معناها أو يستفيدوا منها شيئا آخر ، فهذا لا يعنينا بل يعنيهم ؛ فالمؤذّن الشيعي حينما يقول هذه الجملة يريد أن يبوح بما يعتقد به في أئمته ، وهي الرئاسة والزعامة والخلافة المنصوبة من قبل اللّه‏ للأئمّة المعصومين عليٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول اللّه‏ ، وإن كان الآخرون يحاولون التنكُّر لها ، لكنّهم يعرفون معناها تماما على الأقلّ من وجهة نظر الإمامية ، وذلك كافٍ في إظهار شأنه عليه‌السلام ورجحانه الذاتي ، وردّ المخالفين وإرغام أنوف المعاندين.

فلو أذعنّا لِما يتأوّله المعاندون ، ويحرّفه المحرّفون للزمنا أن نرفع اليد عن غالب المشتركات اللفظية الاخرى ، كلفظة « الإمام » المخصوصة عندنا بالمعصومين من آل الرسول ، مع أنّها لغةً يصحّ إطلاقها على كُلّ من أَمَّ جماعة قومٍ ؛ حقّا أو باطلاً ، وحسبك قوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) ، وقوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (٣) ، فهذا لا يمنع من استعمالها في خُصوص الإمام المعصوم ومعرفة غير الإمامية بذلك ، بعد استقرار استعمالهم لها في ذلك ، حتّى صارت مصطلحا في الإمام المعصوم ، بحيث لا يتبادر للذهن

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٣ / ح ٦٢٧٢ ، قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، قال الذهبي في تعليقه : صحيح.

(٢) الأنبياء : ٧٣.

(٣) القصص : ٤١.

٤٠٨

عند استعمالنا لها إلاّ ذلك ، ولو أردنا استعمالها في غير ذلك لزم علينا نصب قرينة مقالية أو حالية ، وكذلك بالضبط لفظ المولى والوليّ.

ومن الطريف أن أنقل هنا قصّة حدثت لأحد أعلامنا في القرن الأخير وهو السيّد الكلبايكاني رحمه‌الله ، حيث إنّ الاشتراك اللفظي في كلمة « الولي » قد أنقذه من الفتك به في بلد اللّه‏ الحرام ؛ إِذ شرح هو قصته في كتابه ( نتائج الأفكار في نجاسة الكّفار ) فقال : وقد وقعت ـ في المرّة الأولى من تشرّفي لحجّ بيت اللّه‏ الحرام ـ قضية لطيفة يناسب ذكرها في المقام ، وهي : إنّه عندما تشرّفنا بالمدينة الطيّبة لزيارة قبر النبيّ الأقدس وقبور الأئمة عليهم‌السلام ، فقد سمحت لنا الظروف وساعدنا الأمر فكنّا نصلّي بالناس جماعة في مسـجد النـبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأذّن مـؤذّننا وأجهـر بشـهادة الولايـة ، فأفضى المخبِر الدوليّ هذه القضية إلى قاضي القضاة وأخبره أنّ مؤذّن جماعة الشيعة قال في أذانه : « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ » ، ولكنّ القاضي أجابه : وأنا أيضا أقول : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ »! فهل أنت تقول : « أشهد أنّ عليّا عدو اللّه‏ »؟! فأجابه بقوله : لا واللّه‏ وأنا أيضا أقول أنّه ولي اللّه‏ ، وعلى الجملة فقاضيهم أيضا قد صَرَّح بأن نقول أنّه وليّ اللّه‏ ، غاية الأمر أنّا لا نقول به في الأذان ، وبذلك فقد قضى على الأمر وأُطفِئت نار الفتنة (١).

٣٠ ـ حجة الإسلام الشفتي ( ت ١٢٦٠ ه‍ )

قال السيّد محمد باقر الشفتي المشهور بـ « حجّة الإسلام الشفتي » في كتابه « مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام ».

فعلى هذا ظهر لك أنّ الشهادة بثبوت الولاية لمولانا الأمير عليه‌السلام ليس من جزء الأذان ، نعم هو من أعظم الإيمان ، قال في « الفقيه »

__________________

(١) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار : ٢٤٣ بقلم علي الكريمي الجهرمي.

٤٠٩

بعد أن أورد حديث الحضرمي والاسدي المتقدم : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوّضة لعنهم اللّه‏ قد وضعوا أخبارا زادوا بها في الأذان « محمد وآل محمد خير البرية » مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‏ » : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ » مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقا » مرتين ، قال : ولا شكّ في أنّ عليّا وليّ اللّه‏ ، وأنّه أمير المؤمنين حَقا ، وأنّ محمّدا وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ».

وعن النهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول أن عليّا ولي اللّه‏ حقا وأنّ محمّدا وآله خير البشر فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا.

وبالجملة : لم أجد في الأصحاب من ذهب إلى أنّ الشهادة بالولاية من الأجزاء المقوِّمة للأذان ولا المستحبّة له ، عدا ما يظهر من العلاّمة المروّج السّمِيِّ المجلسي ؛ قال في البحار : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاءِ المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، قال الشيخ في المبسوط : « وأمّا قول أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله ».

قال في النهاية : « فأمّا ما روى في شواذّ الأخبار من قول أنّ عليّا ولي اللّه‏ وأنّ محمّدا وآله خير البشر ، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا ».

٤١٠

وقال في المنتهى : « وأمّا ما روي من الشاذّ من قول أنّ عليّا ولي اللّه‏ وأنّ محمّدا وآل محمد خير البرية فمما لا يعوّل عليه ».

قال : ويؤ يّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج ، عن القاسم بن معاو ية ، قال : قلت لأبي عبداللّه‏ عليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لمّا أُسري برسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى على العرش لا إله إلاّ اللّه‏ محمّد رسول اللّه‏ أبو بكر الصديق ، فقال : سبحان اللّه‏! غيّروا كلّ شيء حتى هذا؟! قلت : نعم ، قال : إنّ اللّه‏ عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه « لا إله إلاّ اللّه‏ محمد رسول الله علي أمير المؤمنين » ، ثم ذكر عليه‌السلام كتابة ذلك على الماءِ ، والكرسيّ ، واللّوح ، وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرضين ، ورؤوس الجبال ، والشمس والقمر ، ثمّ قال عليه‌السلام : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول ، اللّه‏ فليقل : علي أمير المؤمنين. فيدلّ على استحباب ذلك عموما ، والأذان من تلك المواضع ، انتهى كلامه أعلى اللّه‏ مقامه.

وفي التأييد ما لا يخفى ؛ إذ ذكره في الأذان من حيث كونه فردا من أفراد العموم رجحانه ممّا لا ريب فيه ، وإنّما الكلام في إيراده في الأذان من حيث الخصوصيّة.

ومما ذكر يظهر أنّ مَن جمع بين الشهادة بالإمارة والولاية فيقول : « أنّ عليّا أمير المؤمنين ولي اللّه‏ » كان أولى ، ليحصل الامتثال بكلا النصيّن ، فتأمل (١).

وقال في « تحفة الأبرار » بالفارسية ما ترجمته :

__________________

(١) مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام ١ : ٢٤٩.

٤١١

وأمّا الشهادة بالولاية لعليّ فليست من الأجزاء اللاّزمة ولا الأجزاء المستحبة ، وعليه إطباق الفقهاء إلاّ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ؛ حيث ادّعى أنّها من الأجزاء المستحبّة ، لكنّ الإنصاف أنّ الحكم بالجزئية ضعيف ، لكنّ بما أنّ في الاحتجاج حديثا مضمونه أنّ من قال لا إله إلاّ اللّه‏ محمد رسول اللّه‏ فليقل عليّا ولي اللّه‏ ، فلو شهد أحد بالولاية لعليّ بعد الشهادة بالرسالة لمحمد بن عبداللّه‏ بقصد امتثال هذا الحديث لا بقصد أنّه جزء الأذان فقد أتى بعمل مستحبّ وراجح مطلقا ، لا بعنوان الأذان.

لكنّ بعض الأعاظم مثل الشيخ الطوسي والعلاّمة الحليّ قالا بورود أخبار شاذّة في الشهادة بالولاية لعليّ ، فلو قال المؤذّن بعد شهادته بالنبوّة لمحمد : « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين وليّ اللّه‏ » جمعا بين الخبرين المحكيَّين لكان كلامه موافقا لتلك الأخبار ، لكن لا بقصد الجزئية ، بل بقصد امتثال الخبرين الآنفين (١).

أقول : وكلامه صريح في المطلوب ؛ فهو قدس‏سره جزم بأنّ الإنصاف يقضي بضعف القول بالجزئية ، كما يقضي بأنّ الشهادة الثالثة ليست من فصول الأذان ؛ إذ لا دليل واضح على ذلك ، لكنّ هذا لا يمنع أنّ تكون الشهادة الثالثة مستحبة دائما وراجحة مطلقا حسبما جزم به قدس‏سره أيضا ، بقوله : « وفي التاييد ما لا يخفي اذ ذكره في الأذان من حيث كونه فردا من افراد العموم رجحانه مما لا ريب فيه » والسبب في ذلك هو وجود أدلّة منها خبر القاسم ابن معاو ية الذي ينفع لإثبات الاستحباب المطلق انطلاقا من أنّ الأخذ بالحديث الضعيف برجاء الثواب أمرٌ لا يعترض عليه كلّ علماء الإسلام ، سنّة وشيعة ، نعم لا يمكن التمسّك به للقول بالجزئية ، وهذا

__________________

(١) تحفة الابرار الملتقط من اثار الأئمة الاطهار ١ : ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

٤١٢

هو معنى كلامه. وعليه ، فلو تعبّد المسلم بهذا الحديث بقصد الامتثال رجاءً للثـواب فقط ، لا بقصد التشريع وتأسيس الأحكام ، أُثيب على ذلك.

٣١ ـ الميرزا إبراهيم الكرباسي ( ت ١٢٦١ ه‍ )

قال الميرزا إبراهيم الكرباسي في ( المناهج ) عند ذكر كيفية الأذان :

الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة ، ولكن لو شهد بها بقصد رجحانها بنفسها أو بعد ذكر الرسول كان حسنا (١).

وللفقيه الكرباسي رسالة عملية باسم ( النخبة ) علّق عليها جمع من الأعلام ، كالشيخ الانصاري ، والميرزا الشيرازي ، والسيّد إسماعيل الصدر ، والشيخ الميرزا حسين الخليلي ، ومحمد تقي الشيرازي ، والآخوند ملا كاظم الخراساني ، والشيخ زين العابدين الحائري ، وولده الشيخ حسين وغالب هؤلاء امضوا ما قاله الكرباسي.

٣٢ ـ الشيخ محمد حسن النجفي ( ت ١٢٦٦ ه‍ )

قال الشيخ محمد حسن النجفي في ( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) بعد أن ذكر كلام الشيخ الطوسي في النّهاية ، وكلام الصدوق في الفقيه :

قلت : وتبعهما غيرهما على ذلك ، ويشهد له خلوّ النصوص عن الإشارة إلى شيء من ذلك ، ولعلّ المراد بالشواذّ في كلام الشيخ وغيره ما رواه المفوّضة ، لكنْ ومع ذلك كلّه فعن المجلسي أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان استنادا

__________________

(١) سر الايمان ، للمقرم : ٥٢.

٤١٣

إلى هذه المراسيل التي رُميت بالشذوذ وأنّه ممّا لا يجوز العمل بها ، وإلى ما في خبر القاسم بن معاوية المرويّ عن احتجاج الطبرسي ، عن الصادق عليه‌السلام : « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ محمد رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليقل : علي أمير المؤمنين » وهو كما ترى ، إلاّ أنّه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئية عملاً بالخبر المزبور ، ولا يقدح مثله في الموالاة والترتيب ، بل هي كالصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند سماع اسمه ، وإلى ذلك أشار العلاّمة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه ، فقال :

صلِّ إذا ما اسمُ مُحمَّدٍ بدا

عليهِ والآلَ فَصلِّ لِتُحْمدا

وأَ كْمِلِ الشَّهادتينِ بالَّتي

قد أُكمِل الدِّينُ بها في الملَّةِ

وأ نّها مثلُ الصّلاةِ خارِجَة

عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَة

بل لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصيّة ، والأمر سهل (١).

وفي ( نجاة العباد ) قال :

يستحبُّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه ، وإكمالُ الشهادتين بالشهادة لعليٍّ بالولاية للّه‏ِ وإِمرةِ المؤمنين في الأذان وغيره (٢).

وقد أمضى هذه الفتوى كلُّ من علّق على ( نجاة العباد ) من الأعلام ، كالشيخ مرتضى الأنصاري ، والسيّد الميرزا حسن الشيرازي ، والسيّد إسماعيل الصدر ،

__________________

(١) جواهر الكلام ٩ : ٨٦.

(٢) نجاة العباد نسخة خطبة برقم ١٤٧٨ ، الصفحة ١٠١ ، موجودة في مؤسسة كاشف الغطاء العامة / النجف الاشرف ، وقريب منه في مجمع الرسائل ( المحشى لصاحب الجواهر ) ١ : ٣٣٤ ، وانظر صفحة ٢٢٦ منه كذلك.

٤١٤

والسيّد محمد كاظم اليزدي ، والميرزا محمّد مهدي الشهرستاني.

وذكر صاحب الجواهر عين هذه الفتوى في رسالته العملية باللغة الفارسية المطبوعة في إيران سنة ١٣١٣ ، والتي عليها حاشية الشيخ مرتضى الأنصاري ، والميرزا الشيرازي ، والحاج ميرزا حسين الخليلي ، وكلّهم أمضوا الفتوى بلا تعقيب.

٣٣ ـ الشيخ مرتضى الأنصاري ( ت ١٢٨١ ه‍ )

لم يتعرّض الشـيخ الأنصاري في كتاب الصلاة إلى بحث الأذان ، فلذلك لم نقف على نظره فيه ، لكنّ الموجود في رسالته العملية باللّغة الفارسـية المسماة بـ ( النخبة ) ما ترجمته :

الشهادة بالولاية لعليّ ليست جزءا من الأذان ، ولكن يستحب أن يؤتى بها بقصد الرجحان أمّا في نفسه أو بعد ذكر الرسول ، أمّا لو قالها بقصد الجزئية فحرام (١).

٣٤ ـ الشيخ مشكور الحولاوي ( ت ١٢٨٢ ه‍ )

قال الشيخ مشـكور في ( كفاية الطالبين ) :

ويستحبّ الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه ، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي عليه‌السلام بالولاية للّه‏ تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره (٢).

وأمضى ذلك ولده الشيخ محمد جواد المتوفّى ١٣٣٤ ه‍ فيما علقه على تلك الرسالة.

__________________

(١) النخبة : ٥٢.

(٢) كفاية الطالبين : ٨٧.

٤١٥

٣٥ ـ المُلاّ آقا الدربندي ( ت ١٢٨٥ ه‍ )

قال الشـيخ الملاّ آقا الدربندي وهو من تلامذة شريف العلماء في رسالته الفارسية المطبوعة أيّام حياته ما ترجمته :

لا بأس بالشهادة لعليّ بأمرة المؤمنين وقول «أن محمدا وآله خير البرية» إذا لم يكن بقصد الجزئية ، أما لو قالها بقصد الجزئية فإنّه وإن كان حراما إلاّ أنّه لا يبطل الأذان به.

ونحن نفهم من كلامه بأنّ جملة « انّ محـمدا وآله خير البرية » كانت تقال على عهده ، وأنّ شعار الشيعة لم يقتصر على « أشهد أن عليّا ولي اللّه‏ » ، وهو يفهمنا ويؤكّد لنا أنّهم كانوا يأتون بها لا على نحو الجزئية لاختلاف صيغها عندهم منذ تشريعها وحتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري.

٣٦ ـ الشيخ علي الزنجاني ( ت ١٢٩٠ ه‍ )

قال الشيخ الملاّ علي الزنجاني في شـرحه على القواعد :

وأمّا الشهادة على ولاية علي عليه‌السلام فليست منه [ أي من الأذان [ إجماعا من المسلمين إلاّ بعض المفوّضة كما حكاه في الفقيه ، نعم إطلاق المرويّ عن الاحتجاج : « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ محمّد رسول اللّه‏ ، فليقل : علي أمير المؤمنين » وما يدلّ على استحبابها دائما وكونها ذكرا لمن ذكره وزينة للمجالس ـ حتّى باعتراف عائشة كما روي عنها عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ناهضٌ على استحبابها هنا أيضا في أيّ موضع منه كان ، وإن كان بعد الشهادة على الرسالة أولى ، وكذا في الإقامة مضافا إلى الحُسْنِ العقليّ (١).

__________________

(١) نظام الفرائد : ٣٢٧.

٤١٦

٣٧ ـ السيّد محمد علي المرعشي الشهرستاني ( ت ١٢٩٠ ه‍ )

أتى السـيّد الجدّ محمد علي بن محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الحسيني الشهرستاني في كتابه ( شرح التبصرة ) بكلام الصدوق في الفقيه ، وكلامَي الشيخ في النّهاية والمبسوط ، وكلام العلاّمة في التذكرة ، ثمّ قال :

ويجوز الإتيان بالشهادة بالولاية لأمير المؤمنين في الأذان لا على نحو الجزئية ، بل لما لها من المحبوبية تيمّنا وتبرّكا.

٣٨ ـ السيّد علي بحر العلوم ( ت ١٢٩٨ ه‍ )

قال السـيّد علي بن السيّد رضا بن السيّد بحر العلوم في ( البرهان القاطع في شرح المختصر النافع ) :

وأمّا قول « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ » و «أمير المؤمنين » وما أشبه ذلك مما يفيد الشهادة بولاية الأئمّة بعد الشهادة بالرسالة ، فليس من فصول الأذان والإقامة باتّفاق الفتوى ، بل النصّ ، ما عدا شاذّ مرويّ عن المفوّضة ، واعترف بشذوذه الشيخ في المبسوط ، ولعلّ مراده مَن يقول بتفويض اللّه‏ سبحانه إلى عليّ عليه‌السلام لأ نّهم الذين يروون هذا الحديث دون المفوّضة المعهودة في مقابل المجبّرة.

لكنْ في البحار بعد حكايتها قال : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، قال : ويؤ يّده ما رواه في الاحتجاج عن القاسم بن معاو ية في حديث عن الصادق عليه‌السلام في ذيله « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ محمد رسول اللّه‏ ، فليقل : عليٌّ أمير المؤمنين » فيدلّ ذلك على استحباب ذلك عموما ، والأذان من تلك المواضع ، واستجوده في الحدائق.

٤١٧

ومراد المجلسيّ رضي‌الله‌عنه من الاستناد بالأخبار ـ التي اعترف بها الشيخ والعلاّمة وغيرهما ـ أنّها وإن كانت شاذّة وهم قالوا « من عمل بها كان مخطئا » لكنه من اجتهادهم ، وتؤخذ روايتهم وتطرح درايتهم ؛ إذ لا بأس بالاستناد إلى الشاذّ في المستحبّات تسامحا. لكنّ التسامح ممنوعٌ في مثله ممّا منعه جُلُّ الأصحاب بل كلّهم.

واجود منه ما في الجواهر من أنّه لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوص ، ومراده من العموم نحو رواية القاسم لورود مثلها في أخبار أُخر كما أومأ المجلسي رضي‌الله‌عنه إليه بقوله : وقد مرّ امثال ذلك في مناقبه عليه‌السلام. لكن فيه أيضا أنّ العمومات غير صالحة لشرع الجزئية ، بل غايتها استحباب التلفّظ بالشهادة بالولاية حيثما ذَكَرَ الشهادتين ، وهو أعمّ من كونه جزءا ، بل سبيل تلك الاخبار سبيل الوارد بأ نّه « كلّما ذكر اسم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل : اللهمّ صل على محمد وآل محمد » ، وكلما ذكر اللّه‏ سبِّحه وقدِّسه كما ورد في خصوص الأذان والإقامة ، ولم يقل أحد بجزئية التسبيح المذكور أو الصلاة على محمد.

وبالجملة : بالنظر إلى ورود تلك العمومات يستحبّ كلّما ذُكِرَ الشهادتان ذكر الشهادة بالولاية وإن لم ينصّ باستحبابه في خصوص المقام ؛ إذ العمومات كافية له ، ومنه الأذان والإقامة ، فيستحبّ الشهادة بالولاية بعد الشهادتين فيهما لا بقصد جزئيّتها منهما لعدم الدليل على الجزئية ، وفاقا للدرّة حيث قال :

صلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا

عليه والال فصلِّ تُحْمَدا

وأَكمِلِ الشَّهادتين بالّتي

قد أُكمل الدين بها في الملة

٤١٨

وإِنّها مثل الصلاة خارجه

عن الخصوصِ بالعموم والجِه

أي داخلة بالعموم المذكور وإن خرج عن خصوص حقيقته ، وبملاحظة الخروج عن الحقيقة لا يثبت المرجوحية الثابتة لعموم الكلام في خلالهما ، وهذه منه بعد الخروج ؛ ضرورة استثنائها بتلك العمومات المشار إليها ، مضافا إلى قوّة دعوى عدم انصراف إطلاق الكلام إليها (١).

٣٩ ـ السيّد حسين الكوهكمري الترك ( ت ١٢٩٩ ه‍ )

قال السـيّد الجليل السيّد حسين الترك في رسالته العملية باللّغة الفارسية طبعة إيران ما ترجمته :

ويستحبّ بعد الشهادة بالرسالة ، الشهادة لعلي بالولاية.

وقال في رسالة أخرى له تحت عنوان ( سوال وجواب ) باللّغة الفارسية ما ترجمته :

هذه الكلمة الطيّبة ليست جزءً من الأذان والإقامة ، ولكنّها تذكر تيمّنا وتبركا باسمه الشريف.

وبعد هذا العرض السريع لأقوال الفقهاء الذين توفّوا في القرن الثالث عشر الهجري أريد أن اشير إلى أنّي قد تركت الإشارة إلى الكتب التي ألّفت كشروح على الكتب التي لم تذكر فيها الشهادة بالولاية مثل ( مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة ) للعاملي المتوفى ( ١٢٢٦ ه‍ ) ، لأنّ ترك امثال هؤلاء لموضوع الشهادة بالولاية له مبرّره الخاص.

وقد حكى الشيخ علي النمازي في ( مستدرك سفينة البحار ) عن السيّد محمد

__________________

(١) برهان الفقه ٣ : ١١٠.

٤١٩

قلي خان المَعْنِيّ ( ت ١٢٦٠ ه‍ ) ـ والد صاحب العبقات ـ أنّ له رسالة في أنّ الشهادة بالولاية جزءٌ من الأذان (١).

وهذا يدلّ على أنّ الشهادة بالولاية كان لها أنصارها من الفقهاء والعلماء في ذلك العصر حتّى ذهب البعض منهم إلى القول بجزئيّتها كوالد صاحب العبقات.

وقد حُكي عن جدّي السيّد محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني ـ صهر الميرزا مهدي الشهرستاني احد المهادي الاربعة ـ أنّه لمّا سافر إلى الهند ـ في أوائل القرن الثالث عشر ـ سمع أذانا وفيه الولاية لعليّ بصورة مختلفة عمّا كان يسمعها في العراق وإيران ، وأَحْتَمِلُ أنّه سمع ما أنا سمعته في العام المنصرم حين سفري إلى الهند سنة ١٤٢٧ ه‍ وهو : « أشهد أنّ أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّا وليُّ اللّه‏ ووصيُّ رسول اللّه‏ وخليفته بلا فصل ».

إنّ اختلاف صـيغ الأذان في العراق وإيران والهند وعلى مرّ العصور والأزمان والبلدان يؤكّد أنّهم كانوا لا يأتون بها على أنّها جزء ، بل من باب المحبوبية وبقصد القربة المطلقة. ومن هذا القبيل ما نسمع به من اذكار ومقدمات دعائية قبل الأذان وبعده في بعض البلدان الشيعية ، فالبعض يستفتح الأذان بهذه الجمل : اعوذ باللّه‏ من شر الشيطان الرجيم ، بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم : « ان اللّه‏ وملائكته يصلون على النبيّ يا أيّها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما » اللهم صلّى على محمد وآل محمد ، سبحان اللّه‏ والحمد للّه‏ ولا إله إلاّ اللّه‏ واللّه‏ اكبر ، فهذه الجمل الدعائية ليست زيادات في الأذان كما يريد أن يصوره البعض ، بل هي خارجة عن الأذان صورة وحكما.

وبهذا انتهينا من بيان سـير هذه المسألة في هذا القرن ، ولا أرى ضرورة ملزِمة لمتابعة المسار كما تابعناه سابقا ـ في القرنين الرابع عشر والخامس عشر

__________________

(١) مستدرك سفينة البحار ٥ : ٢٦٦ باب السين.

٤٢٠