أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

المسألة الفقهية الكلامية ، وما يمكن أن يستند عليه في الأحكام الشرعيّة عند القدماء والمتأخّرين.

وكذا اتّضح للقارئ أنّ الشهادة بالولاية لم تكن سيرة شائعة عند جميع الشيعة وفي جميع فتراتها ، وان عدم شيوعها لا ينفي محبوبيّتها وجوازها ، بل إنّ في ترك بعض الشيعة لها في بعض الأحيان دلالة قو يّة على عدم قولهم بجزئيتها ، وكذا في عمل البعض الآخر منهم دلالة على محبوبيّتها ، إذ من غير المعقول أن تُطبِق أغلبُ الدول الشيعية على الإتيان بها خصوصا في ظروف خاصة لا تسمح لهم بالإجهار بها ، فما من حاكم شيعي مبسوط اليد إلاّ أتى بـ « حي على خير العمل » مع ما لها من تفسير عن الأئمّة.

ونحن إن شاء اللّه‏ في الفصل القادم سنواصل هذه السيرة مقرونة مع بيان تسالم الفقهاء على جواز الإتيان بها بقصد القربة المطلقة أو لمحبوبيّتها الذاتية بحسب أخبار اقتران الشهادات الثلاث المارة المعتبرة سندا. وهو ما يؤكّد جواز الاتيان بهذا العمل المحبوب ان لم تعقبه مخاطر تودّي إلى إراقة الدماء.

وقد يصير الإتيان بهذا العمل مطلوبا بنحو أكيد بالعنوان الثانوي خصوصا مع دفع اتّهامات المتَّهمين وافتراءات المفترِين الذين يريدون أن ينسبوا الغلوّ إلى شيعة أمير المؤمنين ، فيجب على الشيعة أن يجهروا بالتّوحيد والنبوة مقرونة بالولاية حتى يدفعوا ومن على المآذن تلك الافتراءات ، وهم يعلمون ويؤكّدون في رسائلهم العملية بأنّها ليست من أصل الأذان أو جزءً داخلاً في ماهيته.

٣٤١

الخلاصة

سبق أن وضحنا في القسم الأوّل وجود فصل في الأذان دالّ على الولاية لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام كنائيا ، وكذا فهمنا من فحوى كلام الإمام الكاظم عليه‌السلام أنه يحبّ الحثّ عليها والدعوة إليها ، أي يريد الإتيان بتفسيرها معها.

وفي القسم الثاني بيّنّا موضوع سكوت وتقرير الإمام الحجّة في عصر الغيبة ، وأنّه قد يمكن التمسّك به عند البعضِ كدليل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة إن ثبت إجماع الطائفة على الجواز.

أمّا القسم الثالث فكان الكلام فيه عن بيان مغزى كلام فقهائنا الأقدمين من الشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ه‍ ) إلى = العلاّمة الحلي ( ت ٧٢٦ ه‍ ).

فقد ورد عن الشيخ الصدوق رحمه‌الله لعنه المفوّضة ، لوضعهم أخبارا في زيادة الشهادة الثالثة في الأذان ، لكنّه ترك لعن المتّهمين بالتفو يض ، وهذا يشير إلى احتمال تفريقه بين الأمرين ، فهو رحمه‌الله قد ترحم على من لم يلتق معهم في المذهب وروى عنهم ولم يلعنهم ، وهذا ليؤكّد أنّه عنى بمن لعنهم القائلين بالجزئية على نحو الخصوص ، وقد احتملنا في صدور موقف الصدوق رحمه‌الله ثلاثة احتمالات :

الأوّل : أنّه عنى القائلين بالجزئية الواضعين الأخبار فيها ، أمّا القائلون بمحبوبيّتها النفسيّة فلا يعنيهم في كلامه ، لأنّ من الصعب أن يلعن رحمه‌الله من اجتهد من الشيعة وأفتى بمحبوبيّتها ، لأنّ رجحان ذلك لا غبار عليه ، خصوصا وهم يؤكدون أنّهم يأتون بها لا على نحو الجزئية الواجبة لأ نّها لو كانت جزءا لاتّحدت الصيغ عندهم ، ولما اختلفت ، فتارة يروون « محمد وآل محمد خير البرية » ،

٣٤٢

وأخرى « أشهد أن عليّا ولي اللّه‏ » .. وثالثة ورابعة ، وتارة يأتون بها بعد الحيعلة الثالثة ، وأُخرى بعد الشهادة الثانية.

وقد يكون الذين سُمُّوا بالمفوِّضة عند الصدوق لم يأتوا بها للأخبار الموضوعة من قبل المفوِّضة ، بل لما وجدوها في العمومات الواردة في رجحان الشهادة الثالثة في كلّ شيء ، وبذلك يكون مثلهم مثل العامّة الآتين بأشياء موجودة في أخبارنا ، فنحن نأخذ بها لورودها في أخبارنا لا لعمل العامّة بها.

الثاني : أنّه قالها تقيةً ، لإقراره رحمه‌الله بأنّ التقية واجبة إلى قيام يوم الدين ، ولكون بعض مشايخه من العامّة وقيل بأن بعضهم كان من النواصب ، فقد روى الصدوق عن أحمد بن الحسين الضبّي الذي بلغ من نصبه أنه كان يقول : اللهم صل على محمد فردا ، ويمتنع من الصلاة على آله.

وكذلك قوله رحمه‌الله « ولا باس أن يقال في صلاة الغداة على إثر « حي على خير العمل » : الصلاة خير من النوم مرتين للتقية » فإنّه يشير بوضوح إلى صدور النص عنه تقيةً ، لأنّ المؤذّن لو كان في حال التقية فلا يمكنه أن يجهر بـ « حيّ على خير العمل » ، وإن لم يكن في حال التقية فلا يجوز له أن يقول « الصلاة خير من النوم » ، وقد يكون تشدّد في الشهادة الثالثة للحفاظ على أرواح البقية الباقية من الشيعة ، والبراءة الشكليّة ممن يقولونها ، لأنّ الشهادة بالولاية لم تكن واجبة حتى يصرَّ عليها ، مع أنّ كثيرا من الأحكام تترك تقية ، فكيف لا يجوز ترك ما هو جائز الإتيان به؟

الثالث : أنّه اتّبع مشايخه الثقات الذين تسرّعوا في الحكم بالوضع على بعض الأخبار والأصول ، كما شاهدناه في اتّباعه لشيخه ابن الوليد بالحكم بوضع موسى الهمداني لأَ صْلَي زيد الزراد والنرسي ، في حين اجمع الأصحاب على خطأ هذا الحكم من قبل ابن الوليد ومن تبعه كالشيخ الصدوق رحمه‌الله ، ومثل هذا يشكّكنا فيما يجتهد فيه ودعانا التأمّل بحكمه بوضع أخبار الشهادة الثالثة وأنّها من وضع

٣٤٣

المفوّضة.

وفي عصر الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ه‍ ) تساءلنا عن سبب تركه رحمه‌الله الاعتراض على الصدوق في هذه المفردة ، مع أنّه صحّح اعتقاداته في كتاب آخر ، وهل يعني ذلك تأييده له أم لا؟ فقلنا : إنّ الشيخ لم يقبل ما رواه الصدوق في فصول الأذان ، ولكنّ الشهادة الثالثة لم تكن عنده بتلك الأهمية ؛ لاعتقاده بعدم كونها من أصل الأذان ، وجواز فعلها أو تركها ، وأنه رحمه‌الله كان لا يريد الدخول في أُمور جزئية اجتهادية مع الآخرين ، لأنّ الإفتاء بشيء حسّاس كالشهادة الثالثة قد يسبّب مشكلة بين الشيعة أنفسهم ، في حين هم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة ، لأنّ الحكومات الشيعية كانت في تصاعُدٍ وتَنَامٍ في عهده ، وكانوا يؤذّنون بـ « محمد وعلي خير البشر » في مصر وحلب وبغداد واليمامة ، وكان الشيخ المفيد لا يريد أن يبيّن أنّه يتّفق مع هذه الحكومات أو يختلف معهم ، المُهِمُّ أنّه رأى الكفاية فيما تأتي به الشيعة للدلالة على الجواز ولا داعي للإفتاء صريحا بذلك ، وخصوصا أنّه رحمه‌الله لم يُسْئَل ـ كتلميذه المرتضى ـ حتى يجيب.

والخلاصة : أنّ الشيخ اكتفى ببيان الضروري في الأذان وهو جزئيّة الحيعلة الثالثة ، وفي مطاوي كلامه ما يدلّ على قوله بالجواز ، لأ نّه لا يرى بأسا بالكلام في الأذانِ ، والشهادةُ بالولاية من الكلام فلا يخلّ بالأذان حسب قوله ومبناه ، بل إنّ سكوته هو إمضاء لفعل الشيعة في حدود قولهم بالجواز ، أمّا لو اعتقدوا بالجزئية وأتوا بها على هذا الاعتقاد فمن البعيد أن يسكت الشيخ المفيد على خطائهم.

ومن هنا نفهم بأنّ الشيخ المفيد لا يتّفق مع الشيخ الصدوق في القول إتّهام القائلين بالشهادة الثالثة بالوضع والزيادة ، لأنّ الشيخ المفيد كان يرى جواز فعلها لأ نّها من الكلام الراجح والمحبوب ، وكان يعلم بأنّ الناس لا يأتون بها على أنّها جزء ، لاختلاف الصيغ المُؤَدّاة من قبلهم ، فالبعض يأتي بها بعد الحيعلة الثالثة والآخر بعد الشهادة الثانية.

٣٤٤

وكان الشيخ الصدوق يعتقد أنّهم يأتون بها على نحو الجزئية واضعين في ذلك الأخبار ولاجل ذلك تهجم عليهم.

وأمّا السيّد المرتضى ( ت ٤٣٦ ه‍ ) ، فهو أوّل من أعلن فتوائيّا الجواز بالشهادة بالولاية في الأذان بـ جملة « محمد وعلي خير البشر » ، وذلك بعدما سئل من قبل أهل الموصل فقال رحمه‌الله : « إن قال : محمد وعلي خير البشر ، على أنّ ذلك من قوله خارجٌ من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ، وإن لم يكن فلا شيء عليه ».

فالفقرة الأولى من كلامه رحمه‌الله واضحة لا تحتاج إلى تعليق ، والفقرة الأخيرة « وان لم يكن فلا شيء عليه » ، فالظاهر في « يكن » هنا التامة لا الناقصة ، أي أنّ المؤذن إذا لم يقلها فلا شي عليه ، ويحتمل أن يكون معناها أنّ المؤذّن لو قالها على أنّها جزء فلا شيء عليه ، وهو احتمال مرجوح بنظرنا ، والسياق يأباه تماما.

إنّ فتوى السيّد المرتضى بجواز القول بـ « محمد وعلي خير البشر » دعم حقيقي لسيرة الشيعة في بغداد ، وشمال العراق ، ومصر ، والشام ، وإيران ، والسيّد المرتضى أيضا نفى الجزئية والوجوب على منوال الصدوق ، وأمّا الجواز فالمرتضى قائل به ، وكذلك الصدوق حسبما استظهرناه.

ومن هنا نعلم بأنّ هذه الصيغ موجودة في شواذّ الأخبار ـ وربما في أخبار اخرى ـ وفي العمومات لا في روايات المفوّضة ، وهذا يؤكّد استمرار الشيعة من بداية الغيبة الكبرى إلى عهد السيّد المرتضى في التأذين بها استنادا لما رواه الفضل بن شاذان عن ابن ابي عمير عن ابى الحسن الكاظم المار سابقا ولغير ذلك من الأدلّة ، وأنّه رحمه‌الله لم يتعامل مع الشهادة الثالثة كما تعامل مع « الصلاة خير من النوم » حيث اعتبر الأولى جائزة والثانية بدعة وحراما.

أفتى الشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ه‍ ) بعدم إثم من قال بالشهادة الثالثة ، لان الشهادة بالولاية عنده جائز الفعل والترك ، وهو ليس بمستحبّ « ولا من كمال

٣٤٥

فصوله » كالقنوت. الشيخ رحمه‌الله لا يمنع العمل بالأخبار الشاذّة إلاّ إذا امتنع الجمع ، وهو يفهم بأنّ الشاذّ عنده له حجيّة بنحو الاقتضاء لا الفعلية ، لأنّ الترجيح فرع الحجية الاقتضائية.

واللاّفت للنظر هو أنّ الشيخ أول من صَرَّح بوجود أخبار شاذّة في الشهادة بالولاية ، دون أن يرميها بالوضع كما فعل الصدوق رحمه‌الله ، وهو يتضمّن إمكانية اعتبارها في مرتبة ما من مراتب الاعتبار الشرعي ، والمراجع لكتاب الاستبصار يرى أنّ الشيخ لا يترك الأخبار الشاذّة بالمّرة وإن أمكنه الحمل على الجواز أو الاستحباب حَمَلها على ذلك ، وقد مر عليك بأ نّه رحمه‌الله قد حكم بالشذوذ على الرواية التي أوجبت الوضوء من قص الأظافر بالحديد وترك العمل بها ، لكنّه لم يترك القول باستحباب الوضوء جمعا بين الأدلة.

فالّذي نحتمله هنا أنّ الشيخ تعامل مع روايات الشهادة الشاذّة على منوال رواية الوضوء من الحديد ، فأفتى بالجواز استنادا لذلك.

هذا ، وإنّ فتواه رحمه‌الله تكشف عن سيرة بعض المتشرّعة في عصره ـ في حدود من يرجع له بالفتوى ـ وأنّها امتداد للسيرة التي كانت في عصر المرتضى رحمه‌الله ، وهذا يعني بأنّ لهذه السيرة وجودا في العصور المتأخرة تدور مدار المرتضى والطوسي وغيرهما ممن أفتى بالجواز ، وهم مشهور الطائفة.

وعليه فغالب العلماء بدءً من السيّد المرتضى والشيخ وحتّى الصدوق لا يرتضون جزئيّتها ، وفي الوقت نفسه يذهبون إلى جوازها.

وإنّ مطالبة البعض بنقل التواتر في هكذا اُمور ممّا يأباه العقل ، لأنّ وصول أمثال هذه الروايات الشاذّة قد كلَّفنا الكثير ، فكيف يريد هذا البعض نقل التواتر على ما ندّعيه وخصوصا نحن لا نريد إثبات الجزئية؟!

أمّا ابن البرّاج ( ت ٤٨١ هـ ) فهو أوّل من أفتى باستحباب الشهادة بالولاية ولكن على نحو قَوْلها في النفس ، وفي مثل هذه الفتوى نقلةٌ نوعيّة من فتوى

٣٤٦

الجواز عند السيّد المرتضى والشيخ الطوسي إلى القول بالاستحباب بها في النفس ، والمناطُ واحد في الجميع وهو التبرّك والتيمّن.

والمثير للانتباه أنّ ابن البرّاج قيّد الشهادة الثالثة بالعدد أعني المرَّتين ، ومعلوم بأنّ مثل هذا القيد يستبعد أن يكون عن حدس واجتهاد ، بل هو مبتَنٍ على وجود رواية قد شاهدها ابن البراج عن حِسٍّ ، إذ يلوح من التقييد بعددٍ مخصوص التوقيفيَّةُ ، والتوقيفيّةُ لا يناسبها إلاّ الأخبار والروايات ، يشهد لذلك أنّ جملة « محمد وآل محمد خير البرية » هي عينها التي جزم الشيخ الطوسي بورود الأخبار الشاذّة بها ، وشهادة الصدوق بأنّها موضوعة ، ومعنى هذا أنّ هذه الأخبار ليست بشاذّة عند ابن البراج ولا موضوعة.

وممّا يجب التنبيه عليه أنّ الاستحباب عند ابن البراج لا علاقة له بماهية الأذان إلاّ للتبرّك والتيمّن ، بقرينة الشهادة بها في النفس ، بل نحتمل قويّا أنّ كلامه قدس‏سره كان ناظرا إلى أمثال حسنة ابن أبي عمير ، فأراد تفسير الحيعلة الثالثة بما أفتى به.

أمّا حكاية يحيى بن سعيد الحلي ( ت ٦٨٩ ه‍ ) والعلاّمة الحلي ( ت ٧٢٦ ه‍ ) لشواذّ الأخبار ، فهي لتشير إلى وقوف الحليين على تلك الأخبار بعد الشيخ الطوسي ، وذلك لعدم حكايتهما ذلك عن الشيخ الطوسي ، وهو الأخر يؤكّد بأنّ هذه السيرة عند الشيعة لم يكن مرجعها الشيخ الطوسي ، بل كانت قبله واستمرت من بعده ، وأنّ الفقهاء من بعد الشيخ لم يتّبعوه في الفتوى بالجواز تقليدا بل لوقوفهم على تلك الأخبار ، والتي كانت موجودة إلى عهد العلاّمة الحلي.

٣٤٧

الفصل الثاني

بيان أقوال الفقهاء

المتأخّرين ، ومتأخّري المتأخّرين ،

وبعض المعاصرين

٣٤٨
٣٤٩

بعد أن انتهينا من بيان أقوال الشارع المقدّس ، وسيرة المتشرّعة في عصر القدماء إلى أول المتأخرين ـ اعني العلاّمة الحلي رحمه‌الله والنصوص التي وقف عليها قدماء أصحابنا الى أول المتأخرين ، ـ نريد الآن أن نقف على أقوال وآراء متأخّري الأصحاب الناطقة بمحبوبيّة الإتيان بالشهادة بالولاية في الأذان من باب القربة المطلقة مع إصرارهم وتأكيدهم على عدم جزئيتها ، ومخالفتهم لمن أتى بها على نحو الجزئية ، وإنّك من خلال عرضنا لأقوال هؤلاء الفقهاء سترى بأ نّا لا نخرج عن إجماعهم ـ أو مشهورهم الأعظم ـ في ما قالوه عن الشهادة الثالثة ؛ لأ نّهم يتّفقون على حقيقةٍ واحدة هي رجحانها الذاتيّ ، وأنّ ما نسب إلى البعض من أنّه يذهب إلى تحريم كلّ زيادة في الأذان وإن كانت لرجاء المطلوبيّة ، فهو ـ في أحسن تقاديره ـ رأي شاذّ لا يقاومُ الإجماعَ أو الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا ؛ لأ نّنا وبوقوفنا على كلام متأخّري الأصحاب سنوضح مواضع الالتباس الذي وقع للبعض وسوء فهمه لكلماتهم ، إذ غالب هؤلاء الفقهاء ـ ان لم نقل كلّهم ـ لا يريدون نفي المشروعيّة والمحبوبيّة ، بل يريدون نفي الجزئيّة ، وهذا هو منهجهم في التعامل مع هذه المسألة من عصر القدماء إلى يومنا هذا.

وإليك الآن سير هذه المسألة في القرن الثامن الهجري ، ثمّ القرون التي تلته إلى يومنا هذا.

٣٥٠

القرن الثامن الهجري

٨ ـ الشهيد الأوّل ( ٧٣٤ ه‍ ـ ٧٨٦ ه‍ )

قال الشهيد الأوّل محمّد بن مكي العـاملي الجزيني في « ذكرى الشيعة » :

الرابعـة : قال الشيخ : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول : « أنّ عليّا ولي اللّه‏ » و « آل محمد خير البرية » ، مما لا يعمل عليه في الأذان ، ومن عمل به كان مخطئا.

وقال في المبسوط : لو فعل لم يأثم به.

وقال ابن بابويه : والمفوّضة رووا أخبارا وضعوها في الأذان : « محمد وآل محمد خير البرية » ، و « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ » ، وأنّه أمير المؤمنين حقّا حقّا ، ولا شكّ أنّ عليّا وليّ اللّه‏ ، وأنّ آل محمد خير البريّة ، وليس ذلك من أصل الأذان (١).

وقال في البيان :

قال الشيخ : فأمّا قول : أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ ، وأنّ محمّدا خير البرية على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (٢).

وقال في « الدروس الشـرعية » :

__________________

(١) ذكرى الشيعة ٣ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / باب ما روي في شواذّ الأخبار من قول « أنّ عليا وليّ اللّه‏ وأن محمّدا خير البرية » في الأذان.

(٢) البيان : ٧٣ ، ط حجري. وفي تحقيق الشيخ محمد الحسون للكتاب : ١٤٤ : أشهد أن عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية.

٣٥١

٣٥٢

قال الشيخ : أمّا الشهادة لعلي عليه‌السلام بالولاية وأنّ محمدا وآله خير البرية فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان ، وقطع في النّهاية بتخطئة قائله ، ونسبه ابن بابويه إلى وضع المفوّضة ، وفي المبسوط : لا يأثم به (١).

فالشـهيد الأوّل في هذه النصـوص حكى كلام الشيخ الطوسي ، وليس في كلامه رحمه‌الله ما يشير إلى أنّه قد وقف على تلك الأخبار بنفسه ـ كما استظهرنا ذلك من كلام يحيى بن سعيد الحلي ، والعلاّمة الحلي واحتملناه بقوّة ، مؤكّدين أنّهما وقفا على أخبار الشهادة الثالثة كالشيخ رحمه‌الله ـ لكنّ الشيخ التقيّ المجلسي (٢) عدّه مع الشيخ الطوسي والعلاّمة ضمن من وقفوا على تلك الأخبار ، وهذا لا يمكن استفادته من « الذكرى » و « البيان » بوضوح ، فقد يكون الشهيد صرّح بما يشير إلى وقوفه عليها ضمن كتبه المفقودة ، أو أنّ المجلسيّ عدّه مع الشيخ الطوسي لتبنّيه قول الشيخ وأخذه به في كتابَيْه « ذكرى الشيعة » و « البيان ».

وأمّا ما قاله رحمه‌الله : « فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان » ، فهذا ما لا نخالفه ، بل إنّا نقول بما قاله الشيخ الطوسي من عدم الإثم في الإتيان بها ، وأمّا كونها من ألفاظ الأذان فلا نقول به.

والحاصل : أنّ الذي يظهر من الشـهيد الأوّل هو أنّه يفتي بعدم إثم قائل الشهادة الثالثة في الأذان بشرط عدم اعتقاد الجزئية فيها ، على غرار فتوى الشيخ الطوسي ، ويشير إلى ذلك نقله لقول الشيخ الطوسي وعدم تعليقه عليه بشيء ، وهذا يعني التزامه به ، وإلاّ فمن غير المعقول أن تكون كتبه الذكرى والدروس والبيان ، وهي تجمع فتاويه ساكتة عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة فقهية لها علاقة وثيقة

__________________

(١) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ١ : ١٦٢ ، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) روضة المتقين ٢ : ٢٤٥ ، والذي مر عليك قبل قليل في صفحة ٣٣٩.

٣٥٣

بالعقيدة وقد تكون التقيّة العامل الاقوى في ذلك ، لأنّ الشهيد قتل بأيدي العامة.

وفي الجملة فنقل العالِمِ لقولٍ في كتبه الفتوائية وسـكوته عن التعليق عليه يدلّ على التزامه به ، خاصّة إذا اخذنا بنظر الاعتبار ان كتبه قد صُنّفت على أساس البحث والتمحيص والنقض والإبرام.

القرنان التاسع والعاشر الهجريَّان

يوجدُ في هذين القرنين علماء ، وفقهاء ، ومحدّثون ومتكلّمون ، عظام ، لكنّ غالب كتب هؤلاء العلماء مفقودة ، والموجود منها لم يصرّح بما يرتبط ببحثنا ، فاقتصرنا على ذكر من وقفنا على كتبهم ، وخصوصا البارزين منهم :

فقد ذكر ابن فهد الحلي (١) ( ت ٧٥٧ ـ ٨٤١ ه‍ ) ، والمقداد السيوري الحلي (٢) ( ت ٨٢٦ ه‍ ) ، وشمس الدين محمد بن شجاع القطان (٣) الحلي ( كان حيّا عام ٨٣٢ ه‍ ) الأذانَ والإقامةَ في كتبهم ، ولم يتعرضوا لموضوع الشهادة بالولاية اصلاً.

٩ ـ الشهيد الثاني ( ٩١١ ـ ٩٦٥ ه‍ )

وأما الشـيخ الجليل زين الدين بن علي العاملي الشهير بـ « الشهيد الثاني » فلم يتعرّض إلى الأذان في كتابه « المقاصد العليّة في شرح الألفية » ، لكنّه أشار إلى الاختلاف الواقع في فصوله في ( حاشية المختصر النافع ) (٤) و ( فوائد القواعد ) (٥) و ( حاشية شرائع الإسلام ) (٦) دون الإشارة إلى الشهادة بالولاية لعلي.

__________________

(١) المهذب البارع ١ : ٣٤٩ ، المقتصر في شرح المختصر : ٧٣. الموجز : ٧١ ، المحرر : ١٥٣ ، مصباح المبتدي : ٢٩١ ، والثلاث الاخيرة مطبوعة ضمن الرسائل العشر لابن فهد الحلي.

(٢) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٣) معالم الدين في فقه آل ياسين ١ : ١٠٣.

(٤) حاشية المختصر النافع : ٣٢.

(٥) فوائد القواعد : ١٦٧.

(٦) حاشية شرائع الإسلام : ٨٧.

٣٥٤

وقال في ( الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية ) :

( والدُّعاء عند الشهادة الأولى ).

بقوله : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ، وأنّ محمّدا رسول اللّه‏ ، أُكفى بها عن كُلِّ من أبى وجحد ، وأُعِينُ بها من أَقَرَّ وشهد » ، ليكون له من الأجر عدد الفريقين ؛ روي ذلك عن الصادق عليه‌السلام.

وليقل عند سـماع الشهادتين : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، رضيت باللّه‏ ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد رسولاً ، وبالأئمّة الطاهرين أئمّةً ، اللّهّم صل على محمدٍ وآل محمد ، اللّهّم ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آتِ محمّدا الوسيلةَ والفضيلةَ ، وابعثه المقامَ المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة. وإسرارُ المتّقي بالمتروك. لا تركُهُ ، إذ لا تقية في الإِسرار ، نعم لو خافَ من التلفّظ به ـ وإن كان سرا بسبب ظهور حركة شفتيه أو طول زمانه ـ أجراه على قلبه (٧).

وكان قد قال قبله : ( وروي التعميل ). وهو ( حيّ على خير العمل ) مرّتين قبلها ، أي قبل ( قَد قامت ) ، لأنّ مؤذّنهم لم يقل ذلك (٨).

وقال بعدها : وترك ( الحيعلتين بين الأذان والإقامة ) لأ نّه بدعـة أحدثها بعض العامّة ، وهذا إذا لم يعتقد توظيفها وإلاّ حرم ( والكلامُ فيهما مطلقا ) أي بعد قوله : « قد قامت الصلاة » وقبلها (٩).

وهذه النصوص الثّلاثة توحي لنا ما كان يعيشه هو والشـيعة آنذاك من ظروف قاسية ونزاعات تؤدّي إلى التقية ، فهو رحمه‌الله لم يتعرّض إلى الشهادة الثالثة إلاّ في

__________________

(٧) الفوائد الملية : ١٥٢.

(٨) الفوائد الملية : ١٤٢.

(٩) الفوائد الملية : ١٥٥.

٣٥٥

كتابيه ( شرح اللمعة الدمشقية ) و ( روض الجنان ) ، وبلحن اعتراضي شديد ؛ إذ قال في « اللمعة » ما نصه :

( ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه ) الفصول ( في الأذان والإقامة كالتشهّد بالولاية ) لعلي عليه‌السلام ( وأنّ محمّدا وآله خير البرية ) أو خير البشر ( وإن كان الواقع كذلك ) فما كلّ واقع حقّا يجوز إدخاله في العبادات الموظَّفه شرعا ، المحدودة من اللّه‏ تعالى ، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعا ، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهّدا ، أو نحو ذلك من العبادات ، وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان.

قال الصدوق : إنّ إدخال ذلك فيه من وضع المفوّضة ، وهم طائفة من الغلاة ، ولو فعل هذه الزيادة ، أو إحداها بنّية أنّها منه أثم في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج (١).

وقال رحمه‌الله في ( روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ) :

وأمّا إضافة « أنّ عليا وليّ اللّه‏ » و « آل محمد خير البرية » ونحو ذلك فبدعة ، وأخبارُها موضوعة وإن كانوا خيرَ البرية ؛ إذ ليس الكلام فيه ، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقَّى من الوحي الإلهي ، وليس كلُّ كلمةِ حقٍّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعا (٢).

وقال في ( مسالك الإفهام ) ـ معلّقا على كلام صاحب ( شرائع الإسلام ) « وكذا

__________________

(١) شرح اللمعة الدمشقية ١ : ٥٧١ تحقيق السيّد الكلانتر.

(٢) روض الجنان ٢ : ٦٤٦ تحقيق مركز الابحاث والدراسات الإسلامية التابعة لمنظمة الإعلام الإسلامي / قم.

٣٥٦

يكره قول الصلاة خير من النوم » ـ :

بل الأصحّ التحريم ، لأنّ الأذان والإقامة سنّتان متلقَّيتان من الشرع كسائر العبادات ، فالزيادة فيهما تشريع محرّم ، كما يحرم زيادة « محمد وآله خير البرية » وإن كانوا : خير البرية ، وما ورد في شذوذ أخبارنا من استحباب « الصلاة خير من النوم » محمولٌ على التقية (١).

فنحن نوافق الشهيد الثاني فيما قاله معترضا على الذين يأتـون بها على أنّها جزءٌ ، لأ نّه « ليس كلّ كلمة حقّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعا » ، لكن لو قالها من دون اعتقاد الجزئية ولمطلق القربة لكونها كلمة حق في نفسها فلا حرج في ذلك عند الشهيد الثاني ؛ لقوله : « وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج » ، وهذا ما نريد التأكيد عليه ، لأنّ الأذان أمرٌ توقيفيّ وشرعيّ فلا يجوز إدخال شيء فيه بقصد التشريع.

لكن يبقى قوله رحمه‌الله « وأخبارها موضوعة » أو « فذاك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان » ، وهذا القول لا نرتضيه على عمومه ، وذلك لاعتبار الشيخ الطوسي تلك الأخبار شواذَّ لا موضوعة ، أي عدم استبعاد العمل به وعدم اثم فاعلها.

إذن دعوى الشهيد الثاني الوضعَ وجزمه بها في غاية الإشكال ، إلاّ أن نقول أنّه جزم بذلك تبعا للشيخ الصدوق والذي وضّحنا كلامه وما يمكن أن يرد عليه.

وعلى هذا ، فما يجب أخذه بنظر الاعتبار هو ورود أخبار كثـيرة دالّة على محبوبية الشهادة بالولاية تلو يحا وإيماء وإشارة ، كما جاء عن الأئمة في معنى «حي على خير العمل» وفي علل الأذان ، وما قلناه من اقتران الشهادات الثلاث في الأدعية والأذكار وسائر الأحكام ، ولحاظ وحدة الملاك بين الشهادة بالنبوّة

__________________

(١) مسالك الإفهام ١ : ١٩٠.

٣٥٧

والشهادة بالولاية ، إلى غيرها من العمومات التي ذكرناها ، والتي فيها جملة : « أشهد أن عليا ولي اللّه‏ » « ومحمد وآل محمد خير البرية » ونحوها.

فإن أتى شـخص بجملة : « علي ولي اللّه‏ » أو « آل محمّد خـير البرية » طبقا لامثال هذه الروايات التي حكاها الشيخ الطوسي في باب فصول الأذان ، أو طبقا لما جاء في تفسير معنى الحيعلة الثالثة عن المعصومين فلا يجوز القول عنها بأ نّه عمل بروايات موضوعة ، إذ الروايات في هذا المجال عامة ـ وقد تكون خاصة ـ وردت عن الأئمّة في جواز القول بها مقرونة مع النبوة ، ولا يمكن انتسابها إلى الوضع.

ثمّ إنّ ما قاله رحمه‌الله عن الشهادة بالولاية وأنّها من « أحكام الإيمان لا من فصول الأذان » فهو كلام سديد ، لكنّه في الوقت نفسه لم يمنع الشهيد الثاني أن يفتي بجواز أن يأتي المكلّف بأمر إيمانيّ في الأذان لا بقصد الجزئية ، فالاستغفار أو القنوت مثلاً هما أمران مستحبّان ، ويا حبّذا أن يُؤتى بهما في الصلاة كذلك ، لا باعتبارهما جزءا من الصلاة ، بل لمحبوبيّتهما النفسية ، وهذا ما التزم به رحمه‌الله في قوله في الروضة : « ولو فعل هذه الزيادة ، أو إحداها بنيّة أنّها منه أثم في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقاده لا حرج ».

على أننا لا يمكن أن نغفل احتمال كون الشهيد الثاني قد قالها انسياقا مع مجريات الأحداث الّتي أدّت إلى شهادته ، أو أنّه قالها لوحدة الكلمة بين المسلمين ، أو أنّه عنى الذين قالوها على نحو الجزئية ، لكنّ المتيقّن حسبما جزم به نفسه هو أنّه لا حرج من قولها بدون اعتقاد.

١٠ ـ المولى أحمد الأردبيلي ( ت ٩٩٣ ه‍ )

وهكذا هو الحال بالنسبة إلى نصّ المقدّس الأردبيلي الآتي ، فإنّ الأردبيلي لم يحكم بحرمة الإتيان بها إذا جيء بها من باب المحبوبيّة الذاتية ، بل أشار رحمه‌الله إلى

٣٥٨

قضية موضوعية يجب أخذها بنظر الاعتبار مع الموافق والمخالف ، فإنه رحمه‌الله وبعد أن نقل كلام الصدوق في الفقيه قال :

فينبغي اتّباعه لأ نّه الحقّ [ أي كلام الصدوق حقّ ] ، ولهذا يُشَنَّع على الثاني بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا ينبغي ارتكاب مثله مع التشنيع عليه.

ولا يتوهّم عن المنع الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، لظهور خروجه منه وعموم الأخبار الدالّة بالصلاة عليه مع سماع ذكره ، ولخصوص الخبر الصحيح المنقول في هذا الكتاب عن زرارة الثقة :

وصَلِّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما ذكرته ، أو ذكره ذاكر عنده في أذان أو غيره ، ومثله في الكافي في الحسن ( لإبراهيم ) كما مر (١).

فالمقدّس الأردبيلي لا يتعامل مع الشهادة الثالثة كما تعامل مع مسالة « الصلاة خير من النوم » ، حيث قال في الأخيرة :

والعمدة أنّه تشريع ، وتغيير للأذان المنقول ، وزيادة بدل ما هو ثابت شرعا ، فيكون حراما ، ولو قيل من غير اعتقاد ذلك ، بل مجرّد الكلام ، فلا يبعد كونه غير حرام (٢).

ولا ريب في أنّ كلمة المقـدّس الأردبيلي تصبّ في مجرى ما استظهرناه عن الشهيدين الأوّل والثاني رحمهما اللّه‏ تعالى علاوة على الشيخ الطوسي ، فالتشنيع منه يدور مدار القول بالجزئية ، وفيما عدا ذلك لا تشنيع ، فالمقدّس الأردبيلي صرّح في خصوص التثويب بقوله : ولو قيل من غير اعتقاد الجزئية بل بمجرد

__________________

(١) مجمع الفائدة ٢ : ١٨١ ـ ١٨٢.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ١٧٨.

٣٥٩

الكلام فلا يبعد كونه غير حرام ، وهو المقصود والمفتى به عند علمائنا قديما وحديثا.

فلو كان هذا هو كلامه رحمه‌الله في التثو يب فمن الطبيعي أن يجيز الاتيان بالشهادة الثالثة أو ما يقال في تفسير معنى الحيعلة الثالثة من باب أولى ، لأن غالب الفقهاء يأتون بها من غير اعتقاد الجزئية بل لمجرد أنّه كلام حق « فلا يبعد أن يكون غير حرام » حسب تعبير المقدس الاردبيلي.

القرن الحادي عشر الهجري

وفق تتبّعي ورصدي لأقوال الفقهاء في هذه المسـألة لم أقف ـ فيما بين يدي من التراث الفقهي لفقهائنا العظام في القرن العاشر الهجري ـ على ما يدل على الشهادة بالولاية لعليّ في الأذان ، وقد يعود ذلك إلى أنّ غالب الكتب المصنّفة في هذا القرن هي شروح على كتب لم يتطرّق أصحابها إلى هذه المسألة. وقد يعود اهمالهم لذكرها هو تجنب اثارة الحكومة العثمانية والتي كانت تسعى للحصول على احجية لاثارة العامة ضد الشيعة.

فمثلاً الشيخ مفلح الصيمري البحراني هو من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجريين لا نراه يشير إلى موضوع الشهادة بالولاية في كتابه ( غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ) (١).

وكذلك في كتابه الآخـر ( تلخيص الخلاف ) (٢) مع أنّه قد ذكر مضمون الأذان وما فيه من مسائل فقهية وخلافية.

ومثله المحقّق الكـركي ( ت ٩٤٠ ه‍ ) ، الذي لم يتعرّض لهذه المسألة في كتابه

__________________

(١) انظر غاية المرام في شرح الشرائع الإسلام ١ : ١٣٩.

(٢) انظر تلخيص الخلاف ١ : ٩٥.

٣٦٠