المقداد ابن الأسود الكندي أول فارس في الإسلام

الشيخ محمّد جواد آل الفقيه

المقداد ابن الأسود الكندي أول فارس في الإسلام

المؤلف:

الشيخ محمّد جواد آل الفقيه


الموضوع : التراجم
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قال الواقدي : وحدثني موسى بن يعقوب ، عن عمته ، عن أمها ، قالت :

بعنا طعمة المقداد بن عمرو من خيبر « خمسة عشر وسقاً شعيراً » من معاوية ابن أبي سفيان بمائة ألف درهم . (١)



____________________

(١) : المغازي / ٦٩٤ .

١٢١
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMeqdad-Aswadimagesrafed.jpg

١٢٢
 &

زوجته وأولاده

* موقف الإِسلام من الزواج .

* قصة : جويبر ، وجُلبيب ، وتزويجهما .

* تزويج المقداد .

* بين الأشعث بن قيس والإِمام علي عليه السلام .

١٢٣
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMeqdad-Aswadimagesrafed.jpg

١٢٤
 &

موقف الإِسلام من الزواج

كانت مشكلة الشعور بالتفوق العرقي لدى العرب تحول دون شد الأواصر فيما بينهم فضلاً عن تثبيتها بينهم وبين القوميات الأخرى ، فكان العربي الذي ينتمي الى قبيلةٍ ما ، يأنف من تزويج كريمته إلى عربي آخر من جنسه ينتمي إلى قبيلةٍ أخرى يراها دونه في الحسب والنسب والمحتد ، فضلاً عن أن يزوجها إلى رجل حليف ، أو غير عربي ، فإنه يرى في ذلك مجلبةً للمهانة عليه ، بل ومدعاة للصغار والذلة بين القبائل الأخرى .

فكانوا يطلقون على سلالة العربي إذا تزوج من غير العرب : الهجناء ! ولم تكن هذه المشكلة الإِنسانية قائمة لدى المجتمع العربي فقط ، بل عند الفُرْس أيضاً ، وما ذلك إلا إمعاناً في الغيّ . وتجريحاً في نقاء الإِنسانية .

فكانت العرب في الجاهلية لا تُوَرث الهجين ، كما كانت الفُرسُ تطرحه ولا تعدّه ، ولو وجدوا له أمّا أمةً على رأس ثلاثين أمّاً حرة ، ما أفلح عندهم ! (١) فالمأساة إذن كانت عامة وغير مختصة بالعرب . *

____________________

(١) : راجع العقد الفريد ٦ / ١٣٠ .

* : كانت بنو أمية لا تستخلف بني الإِماء . . وكانوا يتحرون أن يكون من تقلد الخلافة منهم من أم عربيةٍ ، وكان أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك من رجالهم المعدودين ، إلا أن كونه ابن أمة حال بينه وبين الخلافة . وعرض مسلمة على عَمْرَة بنت الحارس أن يتزوج منها ، فقالت : يا بْن التي تعلم ! وانك لهناك ؟ تعني أن امه أمة . ( بلاغات =

١٢٥
 &

وجاء الإِسلام ، فكان لا بد له من كلمة فصل تخفف من مآسي الإِنسانية في شتى المجالات ، فكان له في هذا الأمر دور كبير ابتدأه

____________________

= النساء ـ ١٩٠ ) وسابق عبد الملك بين مسلمة وأخيه سليمان ، فسبق سليمان ، فقال عبد الملك :

ألم أنهكم ان تحملوا هجناءكم

على خيلكم يوم الرهان فتدركُ

وما يستوي المرآن هذا بن حرة

وهذا بن أخرى ظهرها متشركُ

فأجابه ابنه مسلمة بقول حاتم الطائي :

وما انكحونا طائعين بناتهم

ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا

فما زادها فينا السباء مذلةً

ولا كُلّفت خبزاً ولا طبخت قدراً

ولكن خلطناها بخير نساءنا

فجاءت بهم بيضاً وجوههم زهرا . .

الأبيات / العقد الفريد ٦ / ١٣٠ .

ولما تنقص هشام بن عبد الملك ، الإِمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، لم يجد ما يعيّره فيه إلا قوله : أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ، وأنت ابن أمة ( مروج الذهب ٢ / ١٦٢ ) ثم اختلف الحال في آخر أيام الأمويين ، فإن آخر من تقلد الخلافة منهم ابراهيم بن الوليد ، ومروان بن محمد ، كانا من أبناء الإِماء ( خلاصة الذهب المسبوك ٤٦ و ٤٧ ) .

أما الخلفاء في الدولة العباسية ، وعددهم سبعة وثلاثون ، فلم يكن فيهم من هو عربي الأم الا ثلاثة ، الأول : ابو العباس السفاح ، أمه ريطة بنت عبد المدان الحارثي ( خلاصة الذهب ٥٣ ) وكان يدعى ابن الحارثية ، وكانت عروبة امه السبب في تقدمه على أخيه المنصور الذي يكبره في السن فإن أم المنصور بربرية اسمها : سلامة ، ( خلاصة الذهب ٥٩ ) والثاني : المهدي بن المنصور ، وأمه أم موسى بنت منصور بن عبد الله الحميري ( خلاصة الذهب ٩٠ ) والثالث : محمد الأمين بن هارون الرشيد ، أمه : زبيدة بنت جعفر بن المنصور ، قالوا : لم يلي الخلافة هاشمي من هاشميين الا ثلاثة : الإِمام علي بن أبي طالب ، وابنه الحسن ، ومحمد الأمين ، ( خلاصة الذهب ١٧١ ) أما بقية الخلفاء العباسيين فكلهم أبناء امهات أولاد . راجع الفرج بعد الشدة ج ١ / ٢٤٥ تحقيق عبود الشالجي .

١٢٦
 &

صاحب الرسالة صلّى الله عليه وآله بنفسه ليكون عبرةً للآخرين وسُنَّةً يقتدى بها المسلمون عبر العصور .

وقد أوضح الإمام زين العابدين عليه السلام ذلك في كتاب بعثه إلى هشام بن عبد الملك حين لامه على زواجه من أمته ، كتب يقول :

« ولنا برسول الله أسوة ، زوّج زينب بنت عمه زيداً مولاه ، وتزوج مولاته بنت حيي بن أخطب . » (١) وكتب إليه أيضاً : « إنه ليس فوق رسول الله صلّى الله عليه وآله مرتقىً في مجدٍ ، ولا مستزادٌ في كرم . . » (٢) .



____________________

(١) : الوسائل ١٤ ب ٢٧ من أبواب النكاح ح ١٠ / ص ٥٠ .

(٢) : الوسائل ١٤ ب ٢٧ من أبواب النكاح ح ٢ / ٤٨ .

١٢٧
 &

« قصة جويبر وجلبيب »

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد استعمل نفوذه في تطبيق هذه الخطة بين المسلمين من المهاجرين والأنصار ، غنيهم وفقيرهم امعاناً منه صلوات الله عليه في دفن هذه الصرعة الجاهلية المقيتة التي لا تزيد الإِنسان إلا بُعداً عن أخيه الإِنسان ، بل التي تخلق فجواتٍ بين المسلمين لا تحمد عقباها ، هم في غنىً عنها وعن أمثالها ، انطلاقاً من المفهوم السهل البسيط للإِنسانية والرحم : « كلكم لآدم ، وآدم من تراب » وانطلاقاً من المفهوم القرآني السمح : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .

إستعمل صلّى الله عليه وآله نفوذه في تطبيق هذه الخطة مع نفسه أولاً ، فتزوج صفية بنت حُييّ بن أخطب بعد أن أعتقها ، وتزوج ابنة عمه زينب بعد أن زوجها من مولاه زيدٍ ، وطلقها زيد . ثم طبّقها ثانياً مع المسلمين . ومنهم جويبر .

وكان جويبر هذا من أهل اليمامة وكان قصيراً دميماً محتاجاً عارياً ، وكان من قباح السودان ، إلا أنه كان قد أسلم وحسن إسلامه . وفي ذات يوم ، نظر رسول الله إليه بعطف ورقة ، وقال له :

« يا جويبر ، لو تزوجت إمرأة » فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك ؟

١٢٨
 &

فقال له جويبر : يا رسول الله ؛ بأبي أنت وأمي ، من يرغب فيّ ؟! فوالله ما من حسب ولا نسب ، ولا مال ، ولا جمال ، فأيّة إمرأة ترغب فيّ ؟

فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا جويبر ، إن الله قد وضع بالإِسلام من كان في الجاهلية شريفاً ، وأعز بالإِسلام من كان في الجاهلية ذليلاً ، وأذهب بالإِسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها ، وباسق أنسابها ، فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم ، وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم ، وان آدم خلقه الله من طين ، وان أحب الناس إلى الله ، اطوعهم له وأتقاهم ، وما أعلم ـ يا جويبر ـ لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً ؟ إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع .

ثم قال له : إنطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنه أشرف بني بياضة حسباً فيهم ، فقل له : إني رسول رسولِ الله إليك ، وهو يقول لك : زوج جويبراً بنتك الدلفاء . (١) الحديث ، فزوجه إياها .

ومرة ثانية يأتي رجل من الأنصار إلى النبي صلّى الله عليه وآله فيقول له :

يا رسول الله ، عندي مهيرة العرب ، وأنا أحب أن تقبلها ، وهي ابنتي .

قال : فقال صلّى الله عليه وآله : قد قبلتها .

قال : وأخرى ، يا رسول الله ، قال : وما هي ؟ قال : لم يضرب عليها صدع قَطْ !

قال صلّى الله عليه وآله : لا حاجة لي فيها ، ولكن زوجها من « جلبيب » ! قال : فسقط رجلا الرجل مما دخله ـ أي اسقط ما في يديه لشدة

____________________

(١) : الوسائل ١٤ / ب ٢٥ ح ١ ص ٤٣ ـ ٤٤

١٢٩
 &

الصدمة لأن جلبيب هذا كان قصيراً دميماً . ـ ثم أتى أمها فأخبرها الخبر ، فدخلها مثل ما دخله * فسمعت الجارية مقالته ورأت ما دخل أباها ( وأمها ) فقالت لهما : ارضيا لي ما رضي الله ورسوله .

قال : فتسلىٰ ذلك عنهما ، وأتى أبوها النبيَّ صلّى الله عليه وآله وأخبره الخبر . فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : قد جعلت مهرها الجنة . (١)



____________________

* : وقال في الإِستيعاب : وكانت فيه دمامة وقصر ، فكأن الأنصاري وامرأته كرها ذلك ، فسمعت ابنتهما بما أراد رسول الله ( ص ) من ذلك ، فتَلَتْ قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) وقالت : رضيتُ وسلّمتُ لما يرضى لي به رسول الله ( ص ) ، فدعا لها رسول الله ( ص ) : اللهم أصبب عليها الخير صبّاً ولا تجعل عيشها نكدا . ثم قتل عنها جلبيبها فلم يكن في الأنصار أيمٌ انفق منها . ( الإستيعاب ١ / ٢٥٦ ) وفي الوسائل : فمات عنها جلبيب ، فبلغ مهرها بعده مائة ألف درهم ( تتمة زيادة الحديث ) .

ومن حديث أنس بن مالك ، عن جلبيب : قال : فعرض عليه رسول الله ( ص ) التزويج . فقال : إذن تجدني ـ يا رسول الله ـ كاسداً ! فقال ( ص ) : انك عند الله لست بكاسد .

وفي حديث عن ابي برزة الأسلمي : ان رسول الله كان في مغزاه ، فأفاء الله عليه ، فقال لأصحابه : هل تفقدون أحداً ؟ قالوا : نعم ، فلاناً وفلاناً ، ثم قال : هل تفقدون أحداً ؟ قالوا : لا ! قال : لكني أفقد جلبيباً ، فاطلبوه . قال فوجدوه الى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قُتِل ، فأتاه النبي ( ص ) فوقف عليه وقال : قَتَل سبعة ثم قُتِل ، هذا مني وأنا منه . . ثم احتمله النبي على ساعديه ، ما له سريرٌ غير ساعدي رسول الله ( ص ) ثم حفروا له ، فوضعه في قبره ( الإِستيعاب ١ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ )

(١) : الوسائل ١٤ ب ٥ من ابواب النكاح ح ٢ ص ٤٤ ـ ٤٥ .

١٣٠
 &

تزويج المقداد بن الأسود

ومن هنا ، من هذا المنطلق الإِيماني ، زوج رسول الله صلّى الله عليه وآله المقداد بن الأسود .

وذلك : أن المقداد وعبد الرحمن بن عوف كانا جالسين ، فقال عبد الرحمن للمقداد :

ما لك لا تتزوج ؟

قال : زوجني ابنتك .

فغضب عبد الرحمن وأغلظ له ! (١)

قام المقداد من عنده منكسفاً ، يتعثر بأذيال الفشل ، فلم يكن يتوقع من صحابي كعبد الرحمن أن يرده هذا الرد القاسي ويغلظ له في القول ، وشعر في قرارة نفسه أن طلبه هذا قد جرَّ عليه مهانةً كان في غنى عنها ، وان عبد الرحمن الزهري نظر إليه نظرةً قَبليّةً ؛ فبنو زهرة من صميم قريش ، وأنى لحليف لهم من بهراء لاجىء ان يتطاول على هذا البيت العريق يريد مصاهرته ! ومن يكون المقداد في جنب عبد الرحمن ، وابنة عبد الرحمن !!

غضب عبد الرحمن وأغلظ له ، فما كان من المقداد إلا أن يمم قاصداً رحاب الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله حيث يجد المؤمن فيض الرحمة والحنان

____________________

(١) : الإِصابة ٣ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥ .

١٣١
 &

والعطف ، وحيث تجد الإِنسانية المعذبة من يلم جراحها ويمسح آلامها ، مشى نحو النبي فشكا ذلك إليه .

« فقال صلّى الله عليه وآله » : أنا أزوجك ! (١)

محمدٌ ومن مثل محمد !؟ وهبّت في تلك اللحظات نسمةٌ كأنها أتت من الجنة ، هدأت لها نفس المقداد وارتاحت بعد عناء ، وأطرق يفكر في جوٍّ مفعم بالنشوة ، من يا ترى ؟ من تكون هذه التي سيختارها له محمد ؟

وربما خطر على باله أنه سيختار له واحدةً من بنات المهاجرين والأنصار كما فعل مع جويبر وجلبيب رضي الله عنهما ؛ ولا أظن أن تصوره ذهب إلى أبعد من ذلك ؛ وفي ذلك الهناء والسعادة ، ولكن كانت المفاجأة أعظم وأكبر من التصور !!

فقد اختار له النبي صلّى الله عليه وآله كريمة درجت في أعز بيت من قريش والعرب ، وأعز بيت في الإِسلام ؛ اختار له ابنة عمه « ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب » . وإنما فعل ذلك ، ـ كما ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ « للتتضع المناكح ، وليتأسوا برسول الله صلّى الله عليه وآله وليعلموا أن اكرمهم عند الله أتقاهم . » (٢) وليعلموا أن اشرف الشرف الإِسلام . (٣) كما في حديث آخر .



____________________

(١) : تتمة رواية الإِصابة .

(٢) : راجع الوسائل ١٤ ب ٢٦ ح ١ ص ٤٥ .

(٣) : مكارم الأخلاق / ٢٠٧ : قال رسول الله الخ . .

١٣٢
 &

« بين الأشعث بن قيس والإِمام علي عليه السلام »

ثمة رواية تقول : أن الأشعث بن قيس الكندي « دخل على علي بن أبي طالب عليه السلام فوجد بين يديه صبيّة تدرج ، فقال : من هذه يا أمير المؤمنين ؟

قال هذه زينب بنت أمير المؤمنين !

قال : زوجنيها ـ يا أمير المؤمنين .

قال عليه السلام : أعزب ، بفيك الكثكث (١) ، ولك الأَثْلَبْ ، أغَرك ابن أبي قحافة حين زوَّجك ام فروة ؟! إنها لم تكن من الفواطم ، ولا العواتك من سُلَيمْ !

فقال : قد زوجتم أخمل مني حسباً ، وأوضع مني نسباً ، المقداد بن عمرو ، وإن شئتَ فالمقداد بن الأسود ؟!

قال علي عليه السلام : ذلك رسول الله فعله ، وهو أعلم بما فعل ، ولئن عُدَتَ إلى مثلها لأَسؤَنّك (٢) !

ورُبَّ معترضٍ على مضمون كلام الإِمام مع الأشعث ، حيث يُستشمُّ منه رائحة التعصيب والمنطق القبلي ـ حاشا الإِمام ذلك ـ فيؤخذ بالوهم والتباس

____________________

(١) الكَثْكَث التراب والحجارة . والَأثْلَبْ : التراب والحجارة . أو مطلق ما يعاب به الإِنسان .

(٢) العقد الفريد ٦ / ١٣٦ .

١٣٣
 &

الحقيقة . فالإِمام علي عليه السلام أبعد ما يكون عن هذا التفكير العشائري لو وجد خصمه أهلاً وكفؤاً لزينب ، حسب الموازين الإِسلامية .

لقد كان الأشعث بن قيس يرى في نفسه كبراً تظهر آثاره بين الفينة والفينة سيما مع الإِمام علي ، فقد كان جريئاً عليه ، وجرأته تلك تنم عن وقاحة وسوء ظن ، وغلظة ، فكان يعترض الإِمام في أحرج المواطن وأشدها * وكان ينهج في

____________________

* : فيما كان الإِمام علي عليه السلام يخطب ذات يوم ، إذ اعترض عليه الأشعث بشأن التحكيم ، فكان من جملة ما قاله الإِمام له : « ما يدريك ما عليّ مما لي ، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك بن حائك ، منافق بن كافر ، والله لقد أسرك الكفر مرة والإِسلام أخرى ، فما فداك من واحدة منهما ما لك ولا حسبك ، وإن إمرءً دل على قومه السيف ، وساق إليهم الحتف لحريٌ أن يمقته الأقرب ، ولا يأمنه الأبعد » . تصنيف نهج البلاغة / ٢٢٢ .

واسم الأشعث : معدي كرب ، وأبوه قيس الأشج ، وكان الأشعث أبداً أشعث الرأس فسمي الأشعث وغلب عليه حتى نُسي إسمُهُ وقد تزوج رسول الله أخته قتيلة ، فتوفي قبل أن تصل إليه . وأما الأسر الذي أشار إليه امير المؤمنين هنا في الجاهلية ، فهو انه حين قتل أبوه خرج يطلب الثأر فأسر ، وفدي بثلاثة آلاف بعير ، لم يفد بها عربي قبله ولا بعده ، وفي ذلك يقول عمرو بن معدي كرب الزبيدي .

فكان فداؤه ألفي بعيرٍ

وألفا من طريفاتٍ وتُلْدِ

وأما الأسر الثاني في الإِسلام ، فقد كان في عهد أبي بكر ، وذلك أن بني وليعة ارتدوا بعد رسول الله ، وملكوا عليهم الأشعث ، فحاصره المسلمون وكان في حصن ، فاستسلم بعد أن شرط عليهم أن يبعثوا به الى ابي بكر ، ثم فتح لهم الحصن ، فدخلوه واستنزلوا كل من فيه وأخذوا أسلحتهم وقتلوهم وكانوا ثمانمائة ، ! وقيل : أمنوه مع عشرة من أهل بيته فقط ، ثم أخذ موثقاً بالحديد . قال الطبري : وكان المسلمون يلعنون الأشعث ويلعنه الكافرون أيضاً وسبايا قومه ، وسماه نساء قومه عرف النار ـ وهو اسم للغادر عندهم .

وقال ابن أبي الحديد : كان الأشعث من المنافقين في خلافة علي عليه السلام ، وهو في أصحاب امير المؤمنين عليه السلام كما كان عبد الله بن أبي بن سلول في اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه ـ راجع شرح النهج ١ / من ص ٢٩٢ ـ ٩٢٧ .

١٣٤
 &

ذلك منهج : خالف تُعرف ! وكان الإِمام عليه السلام يعامله بالمثل ، وقد انكشفت حقيقته لديه فيما بعد .

إن هذا الرجل كان بعيداً عن الإِيمان وعن مبدأ علي ، فلم يبق له شيءٌ يفتخر فيه أمام عليّ إلا النسبَ والعشيرة حيث قال : قد زوجتم اخمل مني حسباً !

بيد أن الإمام عليه السلام تناوله من حيث بدأ . فأفهمه أنه ليس كفؤاً لزينب ، ولا لواحدة من الفواطم والعواتك ، وأن كندة التي يفتخر بها الأشعث ، ليست كفؤاً لهاشم وسُلَيمْ ، قرعاً للحجة بالحجة ، وفلّاً للحديد بالحديد .

وحين ضرب له الأشعث مثلاً بالمقداد ، لم يُطل معه الإمام الشرح ، بل أجابه بقوله : ذاك رسول الله فعله .

جواب مسكتٌ لا يمكن معه رَدٌّ ، أو اعتراض من مسلم ! فهل يفعل الرسول إلا ما فيه المصلحة والرجحان ؟ وهل كان ليزوج المقداد من ابنة عمه ضباعة لو لم يكن كفؤاً لها ؟

١٣٥
 &

زوجة المقداد وأولاده

وضباعة كنيتها أم حكيم وقد ولدت للمقداد عبد الله ، وكريمة .

وكانت تروي عن النبي ( ص ) وعن زوجها المقداد . وروى عنها ابن عباس ، وعائشة ، وبنتها كريمة بنت المقداد ، وابن المسيب وعروة ، والأعرج وغيرهم . (١)

وقتل عبد الله بن المقداد في حرب الجمل مع عائشة « سنة ست وثلاثين » فمر به علي بن أبي طالب ، فقال : بئس ابن الأخت أنت . (٢) ولم أجد لعبد الله ترجمةً أوسع مما ذكرت . وأما معبد فقد ذكر في « الإِصابة » . وأظن أن أمره قد التبس على ابن حجر ، فتارةً يقول : مرت ترجمته في ترجمة والده . وتارةً يذكر : معبد بن المقدام بدل المقداد . وأما في غير هذا الكتاب من الكتب التي بين يدي فإنها لا تتعرض لذلك . والله أعلم .

واليوم ، هناك عائلة واسعة الانتشار تسمى : ( بآل المقداد ) وهم يسكنون في سوريا ولبنان وغيرهما من البلاد العربية .

وقد سألت السيد حسن محمد المقداد عن سبب التسمية ، فأجابني أنهم ينتمون إلى « المقداد » وأن هذا أمر توارثه الأبناء عن الآباء ، وقال فيما قال : أن النزوح الأساسي كان إلى الشام قبل مئات السنين بسبب

____________________

(١) : الإِصابة ٤ / ٣٥٢ .

(٢) : الإِصابة ٣ / ٦٥ كما عن طبقات بن سعد .

١٣٦
 &

الإِضطهاد الديني ، ثم توزعوا بين الشام وجهات بعلبك .

وأخبرني الحاج كاظم المقداد : أن شجرة النسب ( نسبهم ) توجد عند آل المقداد الموجودين في « بصرى الشام » وهم وإياهم ابناء العم ، وذلك : أن إثنين من ابناء المقداد كانوا في قلعة السويداء ، فنزحوا الى منطقة ( حجولا ـ كسروان ) ثم رجع أحدهم فسكن بصرى الشام .

وحدثني بعض الثقات بما يقرب من هذه المضامين ، وهو ليس ببعيد ، والله أعلم .

١٣٧
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMeqdad-Aswadimagesrafed.jpg

١٣٨
 &

الشورى ، وموقف المقداد منها

* شبح المؤامرة !

* فكرة الشورى وأبعادها .

* سير عملية الشورى . وما افرزت من تناقضات .

* خلفيات الشورى .

* بدء المعارضة وقصة عبد الله بن عمر مع الهرمزان .

١٣٩
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMeqdad-Aswadimagesrafed.jpg

١٤٠