مرقاة الأصول

آية الله الشيخ بشير النجفي

مرقاة الأصول

المؤلف:

آية الله الشيخ بشير النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8220-56-5
الصفحات: ٢٦٣

وقيل : زمانه الواقعي ما يكفيه من آخر الوقت.

والصحيح : أنّ مجموع الوقت من أوّله إلى آخره يعتبر وقتا للواجب ، والمكلّف مخيّر في إتيان الواجب في أيّ جزء شاء من الوقت المحدّد بداية ونهاية.

٨١
٨٢

المقصد الثاني

في النواهي

الفصل الأوّل : في مادّة النهي

الفصل الثاني : في صيغة النهي

الفصل الثالث : في دلالة النهي على الدوام والتكرار

الفصل الرابع : في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه

الفصل الخامس : هل النهي يقتضي الفساد؟

٨٣
٨٤

الفصل الأوّل

في مادّة النهي

ونعني بالمادّة مجموعة «ن ، ه ، ي» على الترتيب في ضمن أيّة هيئة تحقّقت.

والظاهر أنّها تدلّ على طلب الترك وعدم الفعل ، فالفرق بين مادّة الأمر ومادّة النهي : أنّ الأولى تدلّ على طلب الفعل والوجود ، والثانية تدلّ على طلب الترك وعدم الفعل ، فكما إذا طلب المولى شيئا من العبد بمادّة الأمر يستفاد منها طلب إيجاد ذلك الفعل ، كذلك إذا طلب ترك الفعل بمادّة النهي فقال : نهيتك عن الزنا ، يستفاد منه طلب ترك الزنا ، وعدم إيجاده في الخارج.

ثمّ كما علمت في بحث الأمر أنّ الوجوب إنّما يستفاد من حكم العقل لا من نفس مادّة الأمر ، كذلك الحرمة تستفاد من حكم العقل لا من لفظ «النهي» ، فإذا نهى المولى عبده عن فعل حكم العقل بلزوم امتثال أمر المولى ووجوب إسعاف طلبه ، ولا يتحقّق الامتثال إلّا بترك ما طلب المولى تركه وبلزوم الانزجار عمّا زجره المولى عنه ، فالحرمة إنّما استفدناها من العقل ، ومادّة النهي ـ أعني مجموعة «ن ، ه ، ي» ـ إنّما دلّت على طلب الترك فقط.

٨٥

الفصل الثاني

في صيغة النهي

والمراد بها كلّ هيئة تستعمل في طلب ترك الفعل ، سواء فيها صيغة النهي على اصطلاح علم الصرف ، والمضارع الملحوق بلا النافية ما إذا كان المطلوب به ترك الفعل.

ثمّ ليس مدلول الصيغة غير طلب الترك ، والحرمة إنّما تستفاد من حكم العقل على نحو ما عرفت آنفا في مادّة النهي ، فتذكّر.

٨٦

الفصل الثالث

في دلالة النهي على الدوام والتكرار

اختلفوا في دلالة صيغة النهي على التكرار مثل اختلافهم في صيغة الأمر ، يعني أنّه لو قال المولى لعبده : لا تفعل هذا ، فهل معناه : لا تفعله أبدا ودائما؟ أو معناه : اترك هذا الفعل من دون نظر إلى أنّ المطلوب تركه دائما أو في وقت محدود؟

الظاهر ـ كما عليه المحقّقون ـ هو الثاني ، فالنهي إنّما يدلّ على طلب ترك الفعل فقط ، أمّا الدوام وعدمه فيستفاد من دليل خارجي ، وهو أنّ المطلوب بالنهي ترك الطبيعة ، ولا يتحقّق إلّا بترك جميع الأفراد ، ولا يتأتّى ذلك بالامتناع عنها دائما.

٨٧

الفصل الرابع

في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه

اختلف الأصوليون من القديم في أنّه هل يجوز اجتماع الأمر والنهي في واحد أو لا يجوز؟

ذهب إلى الجواز أغلب الأشاعرة ، وجملة من الإمامية ، ومنهم فضل بن شاذان على ما قيل ، وأكثر العدلية على عدم جوازه.

ولا بدّ من تمهيد يشتمل على أمور تعتبر معالم رئيسية لهذا البحث.

الأمر الأوّل : ما المقصود باجتماع الأمر والنهي؟

اعلم أنّ الاجتماع بينهما يتصوّر على ثلاثة أنحاء :

أوّلا : أن يتعلّق الأمر والنهي بشيء واحد شخصي ، بأن يقول المولى : افعل هذا ولا تفعله. وهذا القسم خارج عن محلّ البحث ؛ إذ لا يعقل أن يكون شيء واحد باعتبار واحد مأمورا به ومنهيّا عنه.

ثانيا : أن يتعلّق الأمر بعنوان والنهي بعنوان آخر ، ولكن على نحو الاتّفاق والصدفة قد يجتمعان ويتجاوران بأن يتحقّق العنوان المأمور به في فرد والعنوان المنهيّ عنه فرد آخر ، ويحدث الفردان في وقت واحد من

٨٨

مكلّف واحد ، مثل : عنوان النظر إلى الأجنبية وعنوان الصلاة ، فالأوّل منهي عنه ، والثاني مأمور به ، ولكن قد يحصلان معا من مكلّف فيما إذا نظر إلى الأجنبية في حال الصلاة ، فحينئذ يتحقّق عنوان النظر إلى الأجنبية في الخارج ، كما أنّ عنوان الصلاة أيضا يتحقّق في الخارج ، لكنّهما قد اجتمعا في وقت واحد عند المكلّف ، فيجتمع الأمر بالصلاة والنهي عن النظر إلى الأجنبية في آن واحد.

وهذا النحو من الاجتماع يسمّى اجتماعا مورديا ، ولم يقل أحد بامتناعه.

ثالثا : ما إذا تعلّق الأمر بعنوان والنهي بعنوان آخر ، ويكون بين العنوانين عموم من وجه ، وبسوء اختيار المكلّف يجتمع العنوانان في فرد واحد ، مثل : عنوان الصلاة وعنوان الغصب ، فإنّ الأوّل مأمور به ، والآخر منهيّ عنه ، فإذا صلّى المكلف في المكان المغصوب فحينئذ تلك الحركات التي يأتي بها المكلف لأجل الصلاة تكون مصداقا لعنوانين معا ؛ إذ ينطبق عليه عنوان الصلاة وعنوان الغصب ، فإنّ هذه الحركات ـ أعني القيام والركوع والسجود وغيرها من الأعمال ـ صلاة لا محالة ؛ وحيث إنّها تستلزم التصرّف في المكان المغصوب فتكون مصداقا للغصب أيضا ، ففي هذه الحركات يجتمع العنوان المأمور به أعني الصلاة ، والعنوان المنهيّ عنه أعني الغصب ، فتكون الحركات الخاصّة من أعمال الصلاة متعلّقة للأمر والنهي معا.

وهذا النحو من الاجتماع محلّ البحث في المقام.

٨٩

الأمر الثاني : ما هو المقصود بجواز الاجتماع؟

الجواز قد يطلق ويراد به الجواز الشرعي ، أعني الإباحة ، وقد يطلق ويراد به الإمكان.

والمقصود في المقام الجواز العقلي ، بمعنى الإمكان ، فمعنى جواز الاجتماع : إمكانه لا غير.

الأمر الثالث : معنى جواز الاجتماع وعدمه :

بعد ما عرفت ما قرّرناه لك فاعلم : أنّ النزاع في المقام إنّما هو في أنّ ذلك الفرد الذي يصير مصداقا للعنوانين ، هل يبقى كلّ من العنوانين متعلّقا لحكمه ، بأن تبقى الصلاة متعلّقة للأمر ، والغصب متعلّقا للنهي ، أو لا؟

فإن قلنا : إنّ الأمر المتعلّق بعنوان الصلاة باق على حاله ، وكذا النهي المتعلّق بعنوان الغصب باق على حاله ، فمعنى ذلك أنّ الأعمال التي يقوم بها المكلّف لأجل الصلاة في المكان المغصوب تكون مصداقا للعنوان المأمور به والعنوان المنهي عنه ، فيكون المكلّف المصلّي في المكان المغصوب ـ عند من يقول بجواز اجتماع الأمر والنهي ـ ممتثلا للأمر بالصلاة ، وعاصيا للنهي عن الغصب ، يعني يكون مصلّيا وغاصبا.

وأمّا معنى عدم جواز الاجتماع فإنّه إذا صلّى المكلّف في المكان المغصوب ، وصدق عنوان الغصب وعنوان الصلاة على أعماله ، فحينئذ لا يبقى الأمر والنهي معا ، بل إمّا يرتفع الأمر أو النهي ، فتلك الأعمال إمّا أن تكون مأمورا بها فقط أو منهيّا عنها.

إذا عرفت هذه المقدّمات فاعلم :

انّ القائل بالجواز يستند في رأيه هذا إلى أحد أمرين على سبيل

٩٠

البدل ، هما :

١ ـ إنّ النهي تعلّق بعنوان الغصب ولا يسري إلى تلك الأعمال التي أتى بها المكلّف بصورة الصلاة ، وكذا الأمر إنّما تعلّق بعنوان الصلاة لا بتلك الأعمال بالخصوص ، فاجتماع العنوان المأمور به والعنوان المنهي عنه في فرد واحد وعمل فارد لا يستلزم أن يكون ذلك الفرد مأمورا به ومنهيّا عنه بالخصوص ، فلا مانع من اجتماع العنوانين ما لم يسر حكمهما إلى مصداقيهما.

٢ ـ إنّه لو فرض أنّ متعلّق الأمر والنهي في الواقع تلك الحركات والأعمال التي يأتي بها المكلف ؛ ولأنّ الجهة المأمور بها غير الجهة المنهي عنها ، فلا مانع من الاجتماع ، فإنّ تلك الحركات والأعمال بما إنّها مصداق للصلاة مأمور بها ، وبما إنّها مصداق للغصب منهيّ عنها ، والاجتماع إنّما يمتنع فيما إذا كان من جهة واحدة.

والذي يمنع الاجتماع لا يقبل شيئا من هذين الأمرين ، ويرى أنّ الحكم المتعلّق بأحد العنوانين المجتمعين في فرد واحد يسري إلى العنوان الآخر. وبهذا يرفض الأمر الأوّل ، وأنّ الاختلاف في الفرد من حيث الجهة لا يقتضي التعدّد في الجهة ، وهكذا يرفض الأمر الثاني.

ثمّ ثمرة هذا البحث تظهر فيما إذا كان المأمور به أمرا عباديا ، مثل : الصلاة ، فإنّه بناء على القول بامتناع الاجتماع وأنّ الباقي في المقام إمّا النهي أو الأمر ، إن كان الباقي هو النهي يكون الفعل المأتي به حراما ومبغوضا للشارع ، فلا يمكن التقرّب به إلى المولى ؛ لأنّه لا يطاع الله من حيث يعصى ؛ وإمّا على تقدير بقاء الأمر وارتفاع النهي ، فالعمل المأتي به يكون واجبا مقرّبا إلى المولى.

٩١

وكذلك فيما إذا قلنا بجواز الاجتماع ، فإنّ الفعل على ذلك يكون مأمورا به ومنهيّا عنه من جهتين ، فيكون المكلّف مطيعا من إتيانه بالمأمور به وغاصبا باعتبار ارتكابه للمنهي عنه ، ويسقط بهذا العمل التكليف ، وإن كان مستحقّا للعقاب أيضا لأجل العصيان.

وفي المسألة بحوث أصولية دقيقة تعرفها في المطوّلات إن شاء الله تعالى.

٩٢

الفصل الخامس

هل النهي يقتضي الفساد؟

يعني إذا تعلّق النهي بعمل هل يلزم منه أن يكون ذلك العمل فاسدا؟

وهنا تمهيد في عدّة أمور :

أوّلا : إنّ محلّ البحث في المقام هو ثبوت الملازمة بين كون الشيء منهيا عنه وبين كونه فاسدا ، فعليه المبحث هنا عن الملازمة ، فالبحث عقلي لا لفظي ولغوي ، فيكون لفظ «يقتضي» في عنوان البحث بمعنى الاستلزام.

ثانيا : لا فرق في النهي بين كونه مستفادا من لفظ المولى بأن يقول : لا تفعل مثلا ، وبين كونه مستفادا من إجماع أو عقل أو ضرورة دينية ، وأيضا لا فرق بين كون النهي للكراهة أو للحرمة.

ثالثا : المراد بالفساد ما يقابل الصحّة ، وقد تقدّم في بحث الصحيحي والأعمّي أنّ الصحّة والفساد أمران إضافيان ، فيمكن أن يكون الصحيح باعتبار شخص أو حال ، فاسدا باعتبار شخص آخر أو حال أخرى.

رابعا : الفعل الذي تعلّق به النهي لا بدّ وأن يكون في نفسه ـ أي مع قطع النظر عن النهي ـ صالحا لأن يوصف بالصحّة والفساد ، مثل : الصلاة في الحمّام التي تعلّق النهي بها ، حيث لا شكّ في أنّها في نفسها ـ أيّ مع قطع النظر

٩٣

عن النهي المتعلّق بها ـ يمكن أن تكون صحيحة ، فحينئذ مع تعلّق النهي بها ببحث عن أنّها فاسدة لأجل النهي أم لا.

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم :

انّ النزاع في مقامين :

الأوّل : ما إذا تعلّق النهي بالفعل العبادي ، مثل : الصلاة في الحمّام أو صلاة الحائض وصومها.

والثاني : ما إذا كان النهي واردا عن المعاملة ، مثل : البيع وقت النداء لصلاة الجمعة في قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)(١).

أمّا المقام الأوّل ـ وهو ما إذا كان متعلّق النهي أمرا عباديا. والمقصود بالعبادة هنا : كلّ عمل يشترط فيه قصد القربة ، ولا يمكن الامتثال إلّا به ولا يتمّ بدونه ـ فاعلم أنّ النهي المتوجّه إلى العبادة إمّا أن يكون بالذات متعلّقا بنفس العبادة ، مثل ما إذا نهى المولى عن الصلاة في المكان المغصوب.

وإمّا أن يتعلّق بجزء العبادة ، مثلما يأتي بعض أجزاء العبادة كالوقوف في الحجّ على وجه محرّم.

وإمّا أن يتعلّق بوصف ملازم ، كالجهر والإخفات ، بأن يجهر في موضع الإخفات ، أو يخفت في موضع الجهر.

أمّا القسم الأوّل ـ وهو ما إذا تعلّق الأمر بنفس العبادة ـ فالمشهور بينهم فساد تلك العبادة ، وعدم حصول الامتثال بالمأتي به على وجه محرّم ، وكذلك القسم الثاني ، وهو ما إذا تعلّق النهي بجزء العبادة ولم يأت المكلّف

__________________

(١) الجمعة : ٩.

٩٤

بذلك الجزء على وجه مسموح به شرعا ، بأن لا يقف في الحجّ على الوجه المطلوب ، فهو أيضا موجب لفساد الحجّ.

وأمّا إذا تعلّق النهي بشرط العبادة فإن كان الشرط أمرا عباديا ، مثل المشروط كما الطهارة للصلاة ، فحينئذ تبطل الصلاة ، ولكن لا للنهي المتعلّق بشرطها الذي هو الطهارة ، بل لأنّ الطهارة التي تعلّق النهي بها كانت عبادة ، والنهي عنها يوجب فسادها ، وبطلانها يوجب بطلان الصلاة ؛ لأنّ فوات الشرط يوجب فوت المشروط.

وأمّا القسم الأخير ـ وهو ما إذا تعلّق النهي بوصف ملازم للعبادة كالجهر والإخفات ـ فالظاهر أنّ ذلك النهي أيضا يوجب فساد تلك القراءة التي جهر فيها وكان الجهر منهيّا عنه.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو ما إذا تعلّق النهي بالمعاملة. والمقصود بالمعاملة هنا كلّ عمل لا يشترط فيه قصد القربة بل يمكن إتيانه صحيحا بدون ذلك القصد ، مثل : البيع والشراء وتنظيف البدن والملابس من الخبائث ، فإنّه لا يشترط في صحّة شيء منها قصد القربة ـ فالظاهر أنّ النهي في المعاملات لا يدلّ على الفساد ، فالبيع وقت النداء وإن كان حراما إلّا أنّه صحيح إذا استجمع الشرائط المعتبرة فيه شرعا ، وكذا غسل الملابس والبدن من الأقذار والخبائث ، فإنّه صحيح ولو أتى بهما على وجه محرّم ، كأن يغسلهما بماء مغصوب مثلا.

٩٥
٩٦

المقصد الثالث

في المفاهيم

أوّلا : في لفظ المفهوم وأقسامه

ثانيا : مفهوم الوصف

ثالثا : مفهوم الغاية

رابعا : مفهوم الحصر

خامسا : مفهوم العدد

سادسا : مفهوم اللقب

٩٧
٩٨

أولا

في لفظ المفهوم وأقسامه

أ ـ لفظ المفهوم :

يطلق لفظ «المفهوم» في المصطلح على ثلاثة معان :

١ ـ المعنى الذي يدلّ عليه اللفظ ، سواء كانت الدلالة مطابقية أو تضمّنية.

٢ ـ كلّ ما يراد من اللفظ سواء كان اللفظ دالّا عليه بدلالة معتبرة ـ أعني المطابقة أو التضمّن أو بالالتزام ـ أم لم يكن.

٣ ـ ما يقابل المنطوق ، وهو ما يدلّ عليه اللفظ على نحو يعتبر اللفظ مستعملا فيه ، ويقال له : المنطوق تسمية للمدلول باسم الدال ؛ لأنّ المنطوق حقيقة هو اللفظ ، وحيث ما استعمل فيه اللفظ مدلول له فسمّي منطوقا.

والمفهوم ما يقابله ، فالمفهوم هاهنا هي القضية غير الملفوظة اللازمة للقضية الملفوظة لأجل خصوصية فيها ، سواء كانت القضيتان متوافقتين في الإيجاب والسلب أو متخالفتين.

فالأوّل : مثل عدم جواز الشتم والضرب للأبوين اللازم لقوله تعالى :

٩٩

(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما)(١).

والثاني : مثل عدم وجود إكرام زيد اللازم لقول المولى : إن جاءك زيد فاكرمه ، حيث القضية الملفوظة موجبة واللازمة لها سالبة ، ومنه تبيّن أنّ المفهوم ـ الذي هو محلّ البحث في المقام ـ يكون لازما لمدلول الكلام ، فعليه يكون المفهوم من المداليل الالتزامية ، إلّا أنّه لا يكون إلّا في الجمل ، فيكون المفهوم مدلولا التزاميا للجملة.

ثمّ النزاع في بحث المفاهيم إنّما هو في ثبوت المفهوم للكلام لا في اعتباره ؛ لأنّه على تقدير ثبوته يكون معتبرا جزما.

ب ـ أقسام المفهوم :

الأوّل : مفهوم الموافقة أو فحوى الخطاب :

وهو عبارة عمّا يلزم القضية الملفوظة ، ويكون مطابقا للمنطق في الإيجاب والسلب ، كدلالة الأولوية في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(٢) على النهي عن الضرب والشتم للأبوين ، وما هو أشدّ منهما إيلاما ، فإنّه بعد ما يفهم الفقيه أنّ تأفيف الوالدين منهيّ عنه ومحرّم ، يعلم بأنّ شتمهما وضربهما محرّم بطريق أولى ؛ لأنّ الإهانة فيهما وفيما هو أشدّ منهما أقوى ممّا هي في التأفيف.

الثاني : مفهوم المخالفة :

وهو ما كان الحكم فيه مخالفا للمنطوق في الإيجاب والسلب ، مثلما لو قال المولى : أكرم زيدا إن أعطاك درهما. فالمنطوق وجوب إكرامه بشرط

__________________

(١ و ٢) الإسراء : ٢٣.

١٠٠