مرقاة الأصول

آية الله الشيخ بشير النجفي

مرقاة الأصول

المؤلف:

آية الله الشيخ بشير النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8220-56-5
الصفحات: ٢٦٣

وشك في أنّه هل ورد قيد للبيع الذي أحلّه الله سبحانه (١) ، أو البيع على إطلاقه محلّل ، ولم يقم دليل من غير الآية المباركة على التقييد ، فيقال : الأصل الإطلاق ، فنحمل البيع المذكور في الآية على مطلق البيع.

٤ ـ أصالة الظهور :

تمهيد :

مفاد الكلام إذا لم يحتمل خلافه يسمّى نصّا ، وإن احتمل خلافه احتمالا مرجوحا يسمى ظاهرا ، مثل ما إذا قال : الصلاة واجبة ، فالمستفاد منه لزوم الصلاة ولا يحتمل خلاف ذلك. فهذا الكلام نصّ في وجوب الصلاة. وأمّا لو قال : صلّ ، فمفاده أيضا وجوب الصلاة ؛ لأنّ «صلّ» أمر وهو حقيقة في الوجوب على ما يأتي ، ولكن يحتمل أن يكون مقصود المولى من الأمر هاهنا الاستحباب ؛ وحيث إنّ هذا الاحتمال موجود في البين ، فيعتبر الكلام ظاهرا في الوجوب.

إذا عرفت هذا فاعلم :

انّ مورد أصالة الظهور تجسّد مثل هذا الكلام ، فإذا ورد الكلام وله مفاد ظاهر واحتمل خلافه ، فلدفع هذا الاحتمال يقال : الأصل أن يحمل الكلام على المعنى الذي هو ظاهر فيه.

فائدة :

الألفاظ إنّما توضع للمعاني بما هي هي ، لا بما هي مرادة للمتكلّم ، يعني

__________________

(١) هذا على ما عليه المعظم ، وإلّا فقد شككنا فيه لقوّة احتمال أن تكون الجملة حكاية لمقولة أكله الربا.

٤١

إذا أراد الواضع وضع اللفظ للمعنى تصوّر المعنى ووضع اللفظ له فقط ، ولا يأخذ الوجود الخارجي للمعنى ولا الوجود الذهني في ضمن الموضوع له ، فجميع أنحاء الوجودات الخارجية والذهنية خارجة عن الموضوع له.

٤٢

الأمر السابع

في الحقيقة الشرعية

تمهيد :

قد عرفت أنّ الحقيقة : هي اللفظ المستعمل فيما وضع له ، والواضع إذا كان من أهل اللغة فالحقيقة لغوية ، وإن كان من أهل العرف العامّ فالحقيقة عرفية ، وإن كان شارعا فالحقيقة شرعية.

فإذا عرفت هذا فاعلم :

انّه لا خلاف بينهم في أن هنالك ألفاظا وضعها أهل اللغة لمعان مخصوصة ، مثل : لفظ «أسد» للحيوان المفترس الخاصّ ، فالحقيقة اللغوية ثابتة لا محالة ، وكذلك لا إشكال في أنّ العرف قد وضع جملة من الألفاظ لمعان خاصّة ، مثل : «الدابة» لذي القوائم الأربعة ، فالحقيقة العرفية وجودها مسلّم أيضا.

إنّما الإشكال في أنّ الشارع هل وضع بدوره بعض الألفاظ لمعان خاصّة ؛ حتى تكون الحقيقة الشرعية أيضا موجودة ، مثل : الحقيقة اللغوية والعرفية ، أو لا فلا تكون موجودة؟

فمثل لفظ الصلاة «لا شك فيه عند المشهور» كان حقيقة في المعنى

٤٣

المخصوص ، أعني الدعاء أو الاتباع ، إنّما الخلاف والنزاع في أنّ الشارع وضعه لمعنى مخصوص ـ أعني الأركان المخصوصة ـ حتى يكون لفظ الصلاة حقيقة شرعية فيها ، أم لم يضعه للأركان المخصوصة بل استعمل لفظ «الصلاة» في الأركان المخصوصة كثيرا في لسان الشارع والمتشرعة ، ومن كثرة الاستعمال أصبح حقيقة فيها فلا يكون حقيقة شرعية ؛ لأن الشارع لم يضعها للأركان ، بل حقيقة متشرعية ؛ لأنّه صار حقيقة باستعمال المتشرّعة؟

ذهب جماعة من الأصوليين إلى ثبوت الحقيقة الشرعية ، والآخرون إلى عدمها ، وللطرفين أدلّة تعرفها في محلّها.

ونسب إلى القاضي أبي بكر الباقلاني أنّ الألفاظ المتداولة في ألسنة المتشرّعة كانت تستعمل في هذه المعاني التي تستعمل فيها اليوم ، يعني لفظ «الصلاة» كان يستعمل في الأركان المخصوصة كما يستعمل فيها اليوم ، وهكذا الصوم والحجّ. واستدل عليه بقوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما‌السلام : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(١) ، وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(٢) ، وقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ)(٣) ، وهذه الآيات وغيرها تدلّ على أنّ هذه الألفاظ كانت تستعمل في المعاني المتعارفة عند أهل الشرع في لسان أهل اللّغة.

__________________

(١) مريم : ٣١.

(٢) البقرة : ١٨٣.

(٣) الحج : ٢٧.

٤٤

الأمر الثامن

في الصحيح والأعمّ

تمهيد :

قد عرفت في البحث السابق أنّ مثل لفظ «الصلاة» و «الصوم» و «الحج» و «البيع» و «الإجارة» ... قد أصبحت اليوم حقائق في المعاني المعروفة عند أهل الشرع ، وإن كان قد اختلف في أنّ صيرورتها حقائق في هذه المعاني بوضع الشرع أو لا.

على أيّة حال بعد ما عرفت أنّها حقائق في المعاني الشرعية ، وقع الخلاف في أنّها حقائق في خصوص المعاني الشرعية الصحيحة ، أو هي حقائق في تلك المعاني أعمّ من الصحيحة والفاسدة.

وبعبارة واضحة : لفظ «الصلاة» حقيقة في الصلاة الصحيحة فقط بحيث لو استعمل في غير الصحيحة كان ذلك استعمالا في غير ما وضع له ، أو هو موضوع لمفهوم الصلاة مع غضّ النظر عن كونها صحيحة أو فاسدة ، فعليه يكون استعمال لفظ «الصلاة» في الفاسدة مثل استعماله في الصحيحة حقيقة.

٤٥

أمور تنبغي معرفتها :

أوّلا : الذي يعتقد بأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني بوصف أنّها صحيحة فهو الصحيحي ، والذي يرى أنّها موضوعة لمعانيها أعمّ من كونها صحيحة أو فاسدة فهو الأعمّي.

ثانيا : الصحّة والفساد وصفان إضافيان ؛ لأنّ الصحّة هي التمامية ، والفساد عدمها ، ومعلوم أنّ التمام باعتبار شخص ما لا يعتبر تماما باعتبار شخص آخر ، فمثلا : الصلاة التامّة بالنسبة إلى المسافر هي غير التامة بالنسبة إلى الحاضر ، وهكذا التامّة للمختار غيرها بالنسبة إلى المضطر.

ثالثا : على رأي الصحيحي لا بدّ من أن يفرض مفهوم عامّ مشترك بين الأفراد الصحيحة ، وينطبق ذلك المفهوم العامّ على جميع الأفراد الصحيحة ، فيكون ذلك المفهوم العامّ موضوعا له لفظ «الصلاة». كما لا بد على قول الأعمي من مفهوم جامع بين جميع الأفراد الصحيحة والفاسدة بحيث ينطبق ذلك المفهوم العامّ على كلّ الأفراد الصحيحة والفاسدة ، ويكون ذلك المفهوم العامّ يوضع له لفظ الصلاة.

رابعا : إنّ النزاع بين الصحيحي والأعمّي كما يجري في ألفاظ العبادات ـ مثل : لفظ «الصلاة» و «الصوم» و «الحج» ـ كذلك يأتي في ألفاظ المعاملات ، فيبحث أنّ لفظ «بيع» ـ مثلا ـ موضوع لخصوص عقد صحيح أو لمطلق العقد صحيحا كان أو فاسدا.

٤٦

الأمر التاسع

في المشترك

المعروف عندهم أنّ الاشتراك اللّفظي واقع في لغة العرب ، وكذلك في سائر اللّغات ، فإنّا نرى أنّ هناك ألفاظا لم يوضع كلّ منها لمعنى واحد ، بل ربما وضع واحد منها لعدّة معان ـ مثل : لفظ «عين» وغيره ـ وإن أنكره جماعة.

ثمّ لا يجوز استعمال المشترك في معناه إلّا مع القرينة من الحال أو المقال تعيّن المعنى المراد للمتكلّم ، وإذا لم توجد القرينة مع المشترك يبقى الكلام مجملا لا يمكن حمله على شيء من معانيه ، مثلا إذا قال : رأيت عينا ، وسكت ، لا يمكن حمل هذا الكلام على معنى أصلا ؛ إذ لا يدرى ما ذا أراد المتكلّم بلفظ «العين» : أجرم الشمس أراد أو الركبة أو الينبوع أو الجاسوس؟ بخلاف ما إذا قال : رأيت عينا تجري على الأرض ، عرفنا أنّه أراد من «العين» الينبوع لا غير ؛ لأنّ لفظ المتكلّم هذا مقترن بالقرينة التي تعيّن المراد ، وهو قوله : تجري على الأرض. ومثل هذه القرينة تسمّى بالقرينة المعيّنة.

ثمّ قد يستعمل اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد ، ولهذا النحو

٤٧

من الاستعمال صور :

الأولى : أن يستعمل اللّفظ المشترك مكرّرا يراد به في كلّ مرّة معنى غير ما أريد به في مرّة أخرى ، نحو : رأيت عينا تجري ، وعينا تدمع ، وعينا تشرق. حيث أراد المتكلّم من العين الأولى الينبوع ، والثانية الباصرة ، والثالثة جرم الشمس.

الثانية : أن يطلق اللّفظ المشترك مرّة واحدة ويراد به مفهوم عامّ مشترك بين معنيين من معاني اللّفظ المشترك أو أكثر ، وذلك بأن ينتزع مفهوم عامّ ينطبق على كلّ واحد من المعنيين أو أكثر ، فيستعمل اللّفظ المشترك الموضوع لكلّ واحد منهما في ذلك المفهوم المنتزع المشترك بينهما ، مثل : أن ينتزع عنوان «الجارية» الذي ينطبق على الباكية والنابعة ، ويستعمل لفظ «العين» الموضوع لكلّ واحدة من الباكية والنابعة في ذلك العنوان العامّ ، فيقول : رأيت عينا تجري ، ويقصد به مطلق الجارية المنطبقة على الباكية والنابعة ، وهذا النحو من الاستعمال يسمّى عندهم بعموم الاشتراك.

الثالثة : أن يفرض معنى مركّب من عدّة معان ، فيستعمل اللّفظ المشترك الموضوع لكلّ واحد من المعاني في المجموع المركّب منها.

هذه الصور من الاستعمال اتّفق الكلّ على جوازها بشرط أن تكون الأولى على نحو الحقيقة والثانية والثالثة على نحو المجاز.

الرابعة : أن يستعمل اللفظ مرّة واحدة ويراد به كلّ واحد من المعنيين على انفراده ، كما إذا استعمل اللفظ في كلّ واحد من المعاني باستعمال مستقلّ ، وكان كلّ واحد منها مرادا ، كذلك يريد المتكلّم كلّ واحد من المعاني ولكن لا يستعمل اللفظ المشترك إلّا مرّة واحدة.

٤٨

وهذا النحو من الاستعمال وقع فيه النزاع ، وطال النقض والإبرام حوله عند الأصوليين ، كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله. والصحيح أنّه لا يجوز مثل هذا الاستعمال.

٤٩

الأمر العاشر

في المشتقّ

تمهيد :

للكلام عن المشتق لا بدّ من الإشارة إلى ما يأتي :

أوّلا : المشتقّ لغة : المأخوذ.

وفي اصطلاح الأدباء : هو اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مع اشتماله على حروفه ، وموافقته في الترتيب ، مثل : ضرب وضارب ومضروب ، فهي كلّها مأخوذة من مبدئها ، وهو : «ض ، ر ، ب» لا من الضرب ، كما هو المشهور في ألسنة الطلّاب ، فالصيغ المأخوذة إنّما اشتقّت من مبدئها ، وهو عبارة عن حروف مرتّبة خالية من أيّة هيئة. والمصدر ـ أعني الضرب مثلا ـ أيضا مشتقّ من تلك المادّة.

فالحاصل : كما أنّ جميع الصيغ من الأفعال والأسماء مأخوذة ومشتقّة من تلك المادّة ـ أعني الحروف العارية من الهيئة المرتّبة بترتيب خاصّ ـ كذلك المصدر أيضا مأخوذ منها.

والمشتقّ في الاصطلاح الأصولي : هو اللفظ الذي يمكن حمله باعتبار معناه على الذات ، وكان جاريا عليها باعتبار قيام صفة بالذات ، خارجة عنها.

٥٠

فعليه تكون النسبة بين المشتقّ عند الأدباء وبينه عند الأصوليين عموم من وجه ، فالفعل مشتقّ عند الأديب وهو واضح ، وليس مشتقّا عند الأصولي ؛ لأنّه لا يحمل على الذات ، وهكذا المصدر على البيان السالف ، فإنّه مشتقّ عند النحوي وليس مشتقّا عند الأصولي ؛ لأجل عدم إمكان حمله على الذات.

ومثل : الزوجية والرقيّة والفوقيّة والتحتية ، فإنّها مشتقّات أصولية ؛ لإنّها تحمل على الذات ، وليست مشتقّات نحوية ، وهو واضح.

ومثل : ضارب ومضروب ومضراب مشتقّات أصولية ؛ لإنّها تحمل على الذوات ، ومشتقّات نحوية ، وهو أيضا واضح. فعليه يكون الكلام في المشتقّ الأصولي فقط.

ثانيا : لفظ «الحال» يستعمل عندهم في هذا المبحث في عدّة معان :

١ ـ حال النطق بالمشتقّ ، مثل ما يقول أحد في يوم الجمعة : زيد قائم ، فيوم الجمعة يعتبر حال النطق ؛ لأنّه زمان التكلّم.

٢ ـ حال التلبّس والاتّصاف ، أي زمان اتّصاف الذات بالوصف ، مثلا : قام زيد يوم السبت ، فحينئذ حال اتّصاف ذات زيد بالقيام يوم السبت.

٣ ـ حال النسبة والحمل والجري ، مثلا إذا قلت : زيد قائم يوم الأحد ، فقد نسبت القيام إلى زيد ، وظرف هذه النسبة يوم الأحد.

ثمّ قد تتّحد حالات ثلاث ، وذلك إذا قلت : زيد قائم الآن ، وكان قائما حين التكلّم ، ففي مثل ذلك يتّحد زمان التكلّم وزمان النسبة ، وزمان التلبّس والاتّصاف.

وقد يتّحد اثنان منها ، وذلك إذا قلت : زيد قائم الآن ، فيما إذا لم يكن زيد قائما حال التكلّم ، بل كان قائما قبل التكلّم والنسبة أو قام بعدها.

٥١

ثالثا : التلبّس والاتّصاف يختلف باختلاف مبادئ المشتقّات ، فقد يكون المبدأ من الحرف والصناعات ، وفي بعضها القوّة والملكة ، وفي بعضها يكون فعليا.

فالأوّل : مثل التجارة ، فإنّ الاتّصاف متحقّق ما دام زيد لم يعرض عن هذا العمل.

والثاني : مثل الاجتهاد ، حيث المقصود به الملكة باقية في نفس زيد ، فيعتبر متّصفا بالاجتهاد وان لم يكن مشتغلا بالاستنباط بالفعل.

والثالث : مثل القيام ، فإنّ زيدا ما دام منتصبا يعتبر قائما ، ولا يعتبر في مثله كونه ملكة أو حرفة أو صناعة.

فالحاصل : أنّ الاتّصاف بالمبدإ يختلف حسب اختلاف المبدأ ، وبتبع ذلك يختلف الاتّصاف والانقضاء.

فإذا تمهّدت لك هذه الأمور فاعلم :

انّه لا خلاف عندهم في أنّه إذا اتّحد حال التلبّس والاتّصاف مع حال النسبة والجري ، يكون ذلك الاستعمال حقيقيا. مثل : زيد قائم يوم الجمعة ، وكان في الواقع أيضا كذلك ، فحينئذ يتّحد زمان التلبّس مع زمان النسبة.

وهكذا لا نزاع بينهم في أنّه مجاز فيما إذا انفصل زمان النسبة عن زمان التلبّس وتأخّر زمان التلبّس عن زمان النسبة ، مثل ما إذا قال : زيد نائم الآن ، وفي الواقع ينام في المستقبل.

إنّما الخلاف فيما إذا تقدّم زمان التلبّس على زمان الجري والنسبة بأن اتّصفت الذات بمبدإ في زمان وزال ذلك الاتّصاف ، ثمّ حصلت النسبة والجري ، مثل ما إذا قال : زيد قائم الآن ، وفي الواقع كان قائما أمس ، فهل هذا الاستعمال حقيقي ـ مثل النحو الأوّل ـ أم مجازي؟

٥٢

المشهور بين القدماء فيه قولان :

أحدهما : إن المشتقّ موضوع لمفهوم عامّ منطبق على ما إذا كان حال التلبّس وحال النسبة متّحدين ، وعلى ما إذا كان التلبّس متقدّما على النسبة.

والآخر : إن المشتقّ موضوع ليستعمل في الذات المتّصفة حال النسبة بمبدإ المشتقّ ، فإذا اتّحد حال التلبّس وحال النسبة يكون الاستعمال حقيقيا وإلّا يكون مجازيّا.

وهناك من يقول بالتفصيل ، وستعرف ذلك في المطوّلات إن شاء الله.

٥٣
٥٤

المقصد الأوّل

في الأوامر

الفصل الأوّل : في مادّة الأمر

الفصل الثاني : في صيغة الأمر

الفصل الثالث : هل الأمر ظاهر في الوجوب عقيب الحظر؟

الفصل الرابع : دلالة الأمر على الفورية أم التراخي؟

الفصل الخامس : إتيان المأمور به هل يقتضي الإجزاء؟

الفصل السادس : في مقدّمة الواجب

الفصل السابع : الأمر بشيء هل يدلّ على حرمة ضدّه؟

٥٥
٥٦

الفصل الأوّل

في مادّة الأمر

الجهة الأولى : مادّة الأمر :

المقصود بمادّة الأمر مجموعة «أ ، م ، ر» مرتّبة على الترتيب في أيّة هيئة تحقّقت ، فإنّ البحث في معنى مجموعة «أ ، م ، ر» مع التغافل عن الهيئة الطارئة عليها.

ثمّ إنّه قيل : إنّها موضوعة لطلب العالي من السافل. مثل : طلب الأب من ابنه ، وطلب السيّد من عبده ، فيكون معناها مؤلّفا من الطلب ، ومن كونه للعالي من الداني.

وقيل : معناها الطلب استعلاء ، يعني يطلب أحد من غيره ، ويظهر علوّه على المقابل الذي وجّه الطلب إليه ، من دون فرق بين أن يكون الطالب عاليا في الواقع أو دانيا أو مساويا له.

وقيل : معناها طلب العالي من الداني استعلاء ، يعني لا بدّ من إحراز شيئين في تحقّق معنى الأمر :

١ ـ أن يكون الطالب عاليا ممّن وجّه الطلب إليه.

٢ ـ أن يظهر الطالب العالي علوّه على الذي يطلب منه.

٥٧

ومختار متأخّري المتأخّرين الأوّل.

الجهة الثانية : إفادة مادّة الأمر الوجوب :

المعروف عندهم أنّ لفظ «الأمر» حقيقة في الوجوب ؛ لتبادره منه ، ويؤيّده قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)(١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك» (٢) ، وقوله لبريرة ـ بعد قولها : «أتأمرني يا رسول الله» ـ : «لا ، بل أنا شافع» (٣). فعليه تكون مادّة الأمر موضوعة للوجوب ، وهو الطلب الملزم.

وقيل : إنّها موضوعة لمعنى عامّ شامل للطلب الوجوبي والندبي. فعليه تكون مادّة الأمر مشتركة معنى بين الوجوب والندب.

وقيل : إنّها مشتركة لفظا.

ومختار الاعلام أنّها موضوعة للطلب الصادر من العالي ، على ما عرفت ، ولكن العقل حين يرى أنّ العالي بما هو عال يطلب من الداني ، يحكم بلزوم الانبعاث نحو الامتثال ، ووجوب الانزجار عند زجره ، فالوجوب ليس داخلا في معنى مادّة الأمر بل هو مستفاد من العقل.

__________________

(١) النور : ٦٣.

(٢) صحيح البخاري ، كتاب الجمعة ، الباب ٨.

(٣) مستدرك الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣.

٥٨

الفصل الثاني

في صيغة الأمر

تمهيد :

المقصود من الصيغة : هيئة «افعل» وما في حكمها ، مثل : أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر ، مثل : رويد ، وحيهل ، وهلمّ ، وها. وبعض الجمل الخبرية المستعملة في الإنشاء ، مثل قوله عليه‌السلام : «يعيد الصلاة» (١) عقيب السؤال. فالمقصود من الصيغة تلك الهيئة من دون نظر إلى خصوصية المادّة.

المبحث الأوّل : معاني صيغة الأمر :

ربما تذكر للصيغة معان قد استعملت فيها :

منها : الوجوب ، مثل : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٢).

ومنها : الندب ، نحو : (فَكاتِبُوهُمْ)(٣) ، فإنّ المكاتبة لمّا كانت مقتضية

__________________

(١) وسائل الشيعة ، الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.

(٢) البقرة : ٤٣.

(٣) النور : ٣٣.

٥٩

للثواب وليس في تركها عقاب ـ كما هو شأن المستحب ـ كانت مندوبة.

ومنها : الإباحة ، نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا)(١).

ومنها : التهديد ، نحو : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٢).

ومنها : التسخير ، نحو : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٣) ؛ لأنّ مخاطبتهم بذلك لأجل إذلالهم.

ومنها : التعجيز ، نحو : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٤). وغيرها.

ومختار الأعلام : أنّها موضوعة للطلب فقط.

والحقّ المحقّق : أنّها للنسبة الطلبية.

المبحث الثاني : في أنّ الصيغة حقيقة في الوجوب :

قد علمت أنّها موضوعة للطلب ، وينبغي أن تعلم أنّهم قد اختلفوا في أنّها موضوعة للطلب الإلزامي ـ أعني الوجوب ـ أو الطلب غير الإلزامي ، أعني الندب. قيل هذا وقيل ذاك.

وقيل : إنّها مشتركة بينهما لفظا ، يعني وضعت لكلّ منهما بوضع مستقلّ.

وقيل : إنّها وضعت لمعنى عامّ شامل لهما فتكون مشتركة معنى.

ومختار المحقّقين : أنّها موضوعة للطلب المجرّد من كلّ قيد ، ولكنّه لمّا صدر الطلب عن المولى حكم العقل بلزوم امتثاله ووجوب إسعاف طلبه.

__________________

(١) البقرة : ٦٠.

(٢) فصّلت : ٤٠.

(٣) البقرة : ٦٥.

(٤) البقرة : ٢٣.

٦٠