نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-759-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٥٢

فإذا كان الأمر كذلك ، فاذكروهنّ بالتّعريض والتّلويح ﴿وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَ﴾ في مكان ﴿سِرًّا﴾ للتّصريح بالخطبة ، ولا يصدر منكم شيء في الموعد ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا﴾ فيه لهنّ ﴿قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ لا ينكره الشّرع ، وهو التّعريض بالنكاح.

عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه سئل عن هذه الآية : ﴿وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ فقال : « هو الرّجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدّتها : أواعدك بيت آل فلان ، ليعرّض لها بالخطبة. فعنى بقوله : ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ التّعريض بالخطبة » (١) .

نقل أنّ الرّجل كان يدخل على المرأة وهو يعرّض بالنكاح ، فيقول لها : دعيني اجامعك ، فإذا أتممت عدّتك أظهرت نكاحك ، فإنّه تعالى نهى عن ذلك (٢) .

ثمّ نهى الله تعالى عن إيقاع عقد النّكاح بنحو أبلغ بقوله : ﴿وَلا تَعْزِمُوا﴾ ولا تقصدوا ، أو لا تواجبوا ﴿عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ ورابطته وعلاقته ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ﴾ وهو العدّة المكتوبة ﴿أَجَلَهُ﴾ وآخره ، فإذا بلغ فلا بأس في إيجاب العقد.

ثمّ أردف النهي بالتّهديد بقوله : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ وقلوبكم من نيّات السّوء ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾ في مخالفتة سرّا وعلانيّة ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ في مورد المغفرة ﴿حَلِيمٌ﴾ في مورد العقوبة ، لا يعجل بها ، فلا تغترّوا بتأخيرها.

في أنّ المطلقة ليس لها مهر إذا طلقت قبل الدخول ، وإنّما يجب إمتاعها بشيء

ثمّ أنّه تعالى بعد ما بيّن جملة من أحكام المطلّقة ، المدخول بها ، المسمّى لها المهر ، ذكر حكم المطلّقة التي لم يدخل بها ، ولم يسمّ لها مهر ، بقوله : ﴿لا جُناحَ﴾ ولا تبعة ﴿عَلَيْكُمْ﴾ من حيث المهر ، بل ولا من جهة الانتظار والتربّص بالأطهار ، فإنّ غير المدخول بها تطلّق على كلّ حال ﴿إِنْ طَلَّقْتُمُ﴾ وفارقتم ﴿النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ﴾ ومن قبل أن تجامعوهنّ ﴿أَوْ تَفْرِضُوا﴾ أي إلّا أن تقدّروا وتسمّوا ﴿لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ ومهرا مقدّرا في ضمن العقد.

والحاصل : أنّه لا تستحقّ الزّوجة المهر إلّا باشتراط المهر في العقد ، أو بالدّخول مع عدم الاشتراط ، فإن اشترط وطلّق قبل الدّخول بها فلها النّصف ، وإن لم يشترط ودخل بها فمهر المثل. هذا ممّا اتّفق عليه النصّ والفتوى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣٤ / ١.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٣٢.

٤٨١

ثمّ أنّه تعالى بعد نفي استحقاق المهر ، أثبت لهنّ حقّ المتعة وجوبا بقوله : ﴿وَمَتِّعُوهُنَ﴾ بشيء من أموالكم وأعطوهنّ منها ما ينتفعن به.

في رواية عن الباقر عليه‌السلام : « فإنّهنّ يرجعن بكآبة وحرقة (١) وهمّ عظيم وشماتة من أعدائهنّ ، فإنّ الله عزوجل كريم يستحي ، ويحبّ أهل الحياء ، إنّ أكرمكم أشدّكم إكراما لحلائلهم » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « أنّ متعة المطلّقة فريضة » (٣) .

وعن الباقر عليه‌السلام ، أنّه سئل عن الرّجل يريد أن يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : « يمتّعها قبل أن يطلّقها ، فإنّ الله تعالى قال : ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ الآية (٤) .

وهذه المتعة واجبة ﴿عَلَى الْمُوسِعِ﴾ والغنيّ الذي هو في سعة من المال ﴿قَدَرُهُ﴾ وحدّ سعته ﴿وَعَلَى الْمُقْتِرِ﴾ والفقير ﴿قَدَرُهُ﴾ ووسعه ، وعلى قدر حاله ﴿مَتاعاً﴾ أي تمتيعا مقرونا ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ وبالوجه الذي تستحسنه الشّريعة والمروءة.

وهذا التمتّع يحقّ ﴿حَقًّا﴾ ويفرض فرضا ﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ على أنفسهم بفعل الطّاعات ، واجتناب المعاصي.

عن ( فقه الرضا عليه‌السلام ) : « يمتّعها بشيء قلّ أو كثر ، على قدر يساره ، فالموسع يمتّع بخادم أو دابّة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم » (٥) .

وعن ( الفقيه ) ، روي أنّ الغنيّ يمتّع بدار أو خادم ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم (٦) .

وروي أنّ أدناه الخمار وشبهه (٧) .

في أنّ المطلقة غير المدخول بها إذا فرض لها مهر ، لا تستحقّ أزيد من نصف المهر المفروض

وفي خبر الحلبي : « إن كان الرّجل موسعا ؛ عليه أن يمتّع امرأته العبد والدّابّة ، والفقير (٨) يمتّع بالحنطة والزّبيب والثّوب والدرهم ... » الخبر (٩) . والظّاهر أنّ جميع ما ذكر في الرّوايات خارج مخرج التّمثّل.

ثمّ بيّن سبحانه حكم القسم الثّالث من المطلّقات من حيث المهر وهي التي لم يدخل بها وقد سمّى لها المهر بقوله : ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ

__________________

(١) في من لا يحضره الفقيه : ووحشة.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٢٧ / ١٥٨٠.

(٣) التهذيب ٨ : ١٤١ / ٤٩٠.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤١ / ٤٨٩.

(٥) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٤٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٢٧ / ١٥٨٢.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٢٧ / ١٥٨٣.

(٨) في الكافي : والمقتر.

(٩) الكافي ٦ : ١٠٥ / ٣.

٤٨٢

وتدخلوا بهنّ ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ﴾ وسمّيتم في ضمن عقد النّكاح ﴿لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ ومهرا مقدّرا ﴿فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ من المهر يستقرّ في ملكهنّ ويرجع إليكم النّصف الآخر. فحينئذ يجب عليكم إعطاء ما استقرّ للمطلّقات في كلّ حال ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ أزواجهنّ من النّصف ، بأن يبذلنها لهم ولا يطالبنهم إن كنّ كبارا غير مولّى عليهنّ ﴿أَوْ يَعْفُوَا﴾ من النّصف الوليّ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ وفي سلطنته ﴿عُقْدَةُ النِّكاحِ﴾ وهو الأب ، والجدّ للأب ، إذا كنّ قاصرات عن التّصرّف ، كالصّغيرة والمجنونة ، هذا هو المعروف بين الإماميّة ، وتضافرت به أخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هو الزوج » (١) . وعليه جلّ العامّة ، سوى الشّافعي (٢) . ومعنى عفو الزوج إعطاء جميع المهر.

وعن جبير بن مطعم ، أنّه تزوّج امرأة وطلّقها قبل الدّخول ، وأكمل لها الصّداق ، وقال : أنا أحقّ بالعفو (٣) .

﴿وَأَنْ تَعْفُوا﴾ أيّها المطلّقات والأولياء ، ويمكن إدخال الزوّج في الخطاب على التفسير الثاني ، وتذكير الخطاب لتغليب جانب الذّكور ، فيكون المراد أنّ العفو من الزوج والزوجة وأوليائها ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ فإنّ من سمح بحقّه الحلال يكون أقرب إلى ترك الظّلم ، والتجنّب عن المال الحرام وسائر المعاصي.

عن ( الكافي ) : عن الباقر عليه‌السلام ، أنّه حلف على ضرب غلامه ، فلم يف به ، فلمّا سئل عنه قال : « أليس الله يقول : ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ ... » الخبر (٤) . وفيه تنبيه على أنّ حسن العفو لا يختصّ بالمهر ، بل يعمّ جميع ما يليق للعفو.

ثمّ لمّا كان الطّلاق قبل المسيس سببا لتأذّي المرأة ، وإعطاء نصف المهر قبل الدّخول موجبا لتأذّي الزوّج ، أكّد الله تعالى الأمر بالعفو والإحسان بالنهي عن ترك التفضّل بقوله : ﴿وَلا تَنْسَوُا﴾ ولا تتركوا ﴿الْفَضْلَ﴾ والإحسان فيما ﴿بَيْنَكُمْ

ثمّ بعد التأكيد أردفه بالوعد بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فلا يكاد يضيع عملكم من التّفضّل والإحسان. ويحتمل أن تكون الجملة تهديدا على ترك التفضّل.

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢٤٥.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٩٧.

(٣) تفسير البيضاوي ١ : ١٢٨.

(٤) الكافي ٧ : ٤٦٠ / ٤.

٤٨٣

عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يأتي [ على النّاس ] زمان عضوض يعضّ كلّ أمرىء على ما في يديه ، وينسون الفضل بينهم ، قال الله تعالى : ﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ(١) .

﴿حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ

فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا

 تَعْلَمُونَ (٢٣٩)

ثمّ لمّا بيّن سبحانه ما يوجب الفصل بين الأزواج وأحكامه ، ذكر ما يوجب الوصل بين ذاته تعالى وبين خلقه بقوله : ﴿حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ

ويحتمل وجه آخر للنّظم ، هو أنّه تعالى لمّا بيّن جملة من أحكام الشّرع ، وبالغ في التّهديد على مخالفتها ، بيّن ما يستعان به على الطّاعة وزوال كلفة امتثالها ؛ وهو الصّلاة كما قال : ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ(٢) الآية ، وما يوجب الرّدع عن مخالفتها ، كما قال : ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ(٣) .

والمراد من المحافظة المداومة عليها ، ومراعاة أوقاتها وشرائطها وحدودها.

وعن الصادق عليه‌السلام : الصّلوات الخمس المفروضات ، من أقام حدودهنّ ، وحافظ على مواقيتهنّ لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنّة ، ومن لم يقم حدودهنّ ، ولم يحافظ على مواقيتهنّ لقي الله ولا عهد له ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له » (٤) .

وعن ( الكافي ) : عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « لا يزال الشّيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصّلوات الخمس ، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم » (٥) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « أنّ الصّلاة إذا ارتفعت في (٦) وقتها ، رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة ، تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفت في غير وقتها ، بغير حدودها ، رجعت إلى صاحبها سوداء مظلمة ، تقول : ضيّعتني ضيّعك الله » (٧) .

وعن القمّي ، عن الصادق عليه‌السلام ، في رواية تفسير المحافظة ، قال : « هو إقبال الرّجل على صلاته حتى

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٤٤ / ٥١٧.

(٢) البقرة : ٢ / ٤٥.

(٣) العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ٢٦٧ / ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦٩ / ٨.

(٦) زاد في الكافي : أول.

(٧) الكافي ٣ : ٢٦٨ / ٤.

٤٨٤

لا يلهيه ولا يشغله عنها شيء » (١) .

في تعيين المراد من الصلاة الوسطى

ثمّ خصّ من بين الصّلوات أفضلهنّ ، بالأمر بالمحافظة ، اهتماما بشأنها بقوله : ﴿وَالصَّلاةِ الْوُسْطى﴾ التي هي أفضل الصّلوات المفروضات.

في ( الكافي ) و( التهذيب ) : عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « هي صلاة الظّهر ، وهي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي وسط النّهار ، ووسط صلاتين بالنّهار ؛ صلاة الغداة وصلاة العصر » (٢) .

وفي بعض القراءات : ( حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى و(٣) صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) (٤) والعطف دالّ على المغايرة.

قال (٥) : « نزلت هذه الآية يوم الجمعة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر ، فقنت فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) وتركها على حالها في السفر والحضر ، وأضاف للمقيم ركعتين ، وإنّما وضعت الرّكعتان اللّتان أضافهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجمعة للمقيم ، لمكان الخطبة مع الإمام ، فمن صلّى يوم الجمعة في غير جماعة ، فليصلّها أربع ركعات ، كصلاة الظّهر في سائر الأيام » (٧) ، الخبر.

وبهذا التّفسير وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام روايات متضافرة ، وادّعى عليه بعض الأساطين إجماع الإماميّة.

وقيل : إنّها صلاة الفجر ، واستدلّوا عليه بقوله تعالى : ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً(٨) حيث إنّه فسّر بصلاة الفجر (٩) .

وقيل : إنّها صلاة العصر ، ورواه العامّة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١٠) .

وروي عنه عليه‌السلام قال : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم الخندق : شغلونا عن الصّلاة الوسطى ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا » (١١) .

وفي رواية : « شغلونا عن الصّلاة الوسطى ، صلاة العصر » (١٢) .

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧١ / ٢١ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤.

(٣) ( و) ليس في الكافي والتهذيب.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧١ / ٢١ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤.

(٥) أي الإمام الباقر عليه‌السلام في تتمة الرواية المتقدمة.

(٦) ( رسول الله عليه‌السلام ) ليس في التهذيب.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧١ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٤.

(٨) الإسراء : ١٧ / ٧٨. (٩) مجمع البيان ٢ : ٥٩٩.

(١٠) مجمع البيان ٢ : ٥٩٩ ، تفسير الرازي ٦ : ١٥٠.

(١١) تفسير الرازي ٦ : ١٥٠.

(١٢) تفسير الرازي ٦ : ١٥٠.

٤٨٥

واستدلوا أيضا بما روي فيها من التأكيدات ممّا لم يرد في غيرها ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من فاته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله » (١) .

وأيضا أقسم الله تعالى بها فقال : ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ(٢) فدلّ على أنّها أحبّ السّاعات إلى الله تعالى (٣) ، وأيّدوه بوجوه اعتباريّة.

والحقّ هو الأوّل ، وما سواه في غاية الوهن.

وقيل : إنّ الله تعالى أخفاها في الصّلوات الخمس ، ليصير اختصاصها بالفضل موجبا لزيادة الاهتمام بجميع الصّلوات.

نقل عن الرّبيع بن خيثم أنّه سئل عنها فقال : يابن عمّ ، الوسطى واحدة منهنّ ، حافظ على الكلّ تكن محافظا على الوسطى. ثمّ قال الربيع : لو علمتها بعينها لكنت محافظا لها ومضيّعا لسائرهنّ (٤) .

﴿وَقُومُوا﴾ خالصين ﴿لِلَّهِ﴾ في صلواتكم حال كونكم ﴿قانِتِينَ﴾ داعين في قيامكم. وهو مرويّ عن الصادق عليه‌السلام (٥) .

وقيل : أي : مطعين ، روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « كلّ قنوت في القرآن فهو الطّاعة » (٦) .

ثمّ بيّن الله تعالى أنّ المحافظة على الأجزاء والشّرائط مخصوصة بحال الأمن ، بقوله : ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ من عدوّ ، أو لصّ ، أو سبع ، أو غيره ﴿فَرِجالاً﴾ ماشين صلّوا ﴿أَوْ رُكْباناً﴾ سائرين.

عن ( الفقيه ) : عن الصادق عليه‌السلام ، في صلاة الزّحف ، قال : « تكبير وتهليل » ، ثمّ تلا الآية (٧) .

وعنه عليه‌السلام : « إن كنت في أرض مخوفة ، فخشيت لصّا أو سبعا ، فصلّ الفريضة [ وأنت ] على دابّتك » (٨) .

وفي رواية : « الذي يخاف اللصوص يصلّي إيماء على دابّته » (٩) .

﴿فَإِذا أَمِنْتُمْ﴾ على أنفسكم من المخوفات ﴿فَاذْكُرُوا اللهَ﴾ وصلّوا ﴿كَما عَلَّمَكُمْ﴾ من صلاة الأمن ﴿ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

قيل : إنّما عبّر سبحانه عن الصّلاة بالذّكر لكونه معظم أركانها ، أو لأنّه روحها.

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ١٥١. (٢) العصر : ١٠٣ / ١ و٢.

(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٥١.

(٤) تفسير الرازي ٦ : ١٤٧.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٦٠٠ « نحوه » .

(٦) تفسير الرازي ٦ : ١٥٢.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٤.

(٨) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٥.

(٩) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٦.

٤٨٦

وقيل : إنّ المراد : فاشكروا الله شكرا يوازي تعلّمكم الشّرائع ، التي منها كيفيّة صلاة الخوف والأمن (١) .

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ

 إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ

 عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ

اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)

ثمّ بيّن سبحانه حكم نفقة المتوفّى عنها زوجها ، بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ ويشرفون على الموت ﴿مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ﴾ ويتركون من بعدهم ﴿أَزْواجاً﴾ يجب عليهم أن يوصوا ﴿وَصِيَّةً﴾ نافعة ﴿لِأَزْواجِهِمْ﴾ وهي أن يتمتّعن من تركة أزواجهنّ ﴿مَتاعاً﴾ ونفقا كافيا لهنّ ﴿إِلَى الْحَوْلِ﴾ الكامل من حين الوفاة ، حال كونهنّ مقيمات في بيوت أزواجهنّ ﴿غَيْرَ إِخْراجٍ﴾ أي مخرجات منها.

فلا تدلّ الآية إلى هنا على أنّ عدّة الوفاة كانت سنة ، بل ظاهرها وجوب الوصيّة على الزّوج ، بالإنفاق والإسكان إلى الحول ، وهذا منسوخ بآية الإرث ، وإن قلنا بعدم الدّلالة على الوجوب بل على الجواز والاستحباب ، فحكمها باق بلا نسخ.

ولكنّ قوله تعالى : - ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ من منزل أزواجهنّ باختيارهنّ ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ﴿فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ الزّينة والزّواج ، وهو ما لا يكون في الشّرع منهيّا ، بناء على كون المراد من عدم الجناح بعد الخروج : عدم وجوب نهيهنّ عن الزّينة والتّزوّج ، إن خرجن بعد تمام الحول - يدلّ على وجوب الحداد وترك التّزوّج قبل تمام الحول ، ووجوب نهيهنّ عنهما ، فتكون عدّة الوفاة تمام الحول ، ويكون منسوخا بآية : ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً(٢) .

وإن كان المراد من الخروج : قبل تمام الحول ، يكون محمولا على ما بعد ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ ولا نسخ أيضا.

وفي عدّة روايات عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : « هي منسوخة ، نسختها آية : ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٧٣.

(٢) البقرة : ٢ / ٢٣٤.

٤٨٧

أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ ونسختها آية الميراث » (١) .

وروي بطريق عامّي : أنّ رجلا من أهل الطائف يقال له حكيم بن الحارث هاجر إلى المدينة وله أولاد ، ومعه أبواه وامرأته ومات ، فأنزل الله هذه الآية ، فاعطى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والدية وأولاده من ميراثه ، ولم يعط امرأته شيئا ، وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا.

وكانت عدّة الوفاة في بدو الإسلام حولا ، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول ، وكانت نفقتها وسكناها واجبة من مال زوجها ما لم تخرج ولم يكن لها ميراث ، فإن خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها ، وكان على الرّجل أن يوصي بها ، فكان كذلك حتّى نزلت الآية (٢) فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالرّبع عند عدم الولد ، والثّمن مع الولد (٣) .

﴿وَاللهُ عَزِيزٌ﴾ وغالب على خلقه ، قادر على الانتقام ممّن خالفه ﴿حَكِيمٌ﴾ يراعي مصالح العباد في أحكامه وشرائعه.

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان متاع المتوفّى عنها زوجها - وإن كان منسوخا - بيّن متاع المطلّقة بقوله : ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ﴾ البائنات ، أو مطلقا ولو كنّ رجعيّات ﴿مَتاعٌ﴾ وتمتّع ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ عند الشّرع ، والعادة. وهذا التّمتيع يحقّ ﴿حَقًّا﴾ ويثبت ثبوتا ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ فإنّ من لوازم التّقوى التّبرّع بالمتعة تطييبا لقلبها وإزالة لضعفها.

في استحباب امتاع المطلّقات مطلقا

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في رجل يطلّق امرأته أيمتّعها ؟ قال : « نعم ، أما يحبّ أن يكون من المحسنين ، أما يحبّ أن يكون من المتّقين » (٤) .

عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرّجل يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : « عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النّساء » (٥) الخبر ، وهذا محمول على إرادة مثلها باعتبار حال الزّوج.

عن الطبرسي ، في قوله تعالى : ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ(٦) قال : « إنّما

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٤٧ / ٥٢٩ ، مجمع البيان ٢ : ٦٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٤٨.

(٢) في تفسير روح البيان : نزلت آية الميراث.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٧٥ ، وفيه : الولد وولد الابن والثّمن عند وجودهما.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٤٠ / ٤٩٩ ، الكافي ٦ : ١٠٤ / ١.

(٥) الكافي ٦ : ١٠٦ / ٣.

(٦) البقرة : ٢ / ٢٣٦.

٤٨٨

تجب المتعة للتّي لم يسمّ لها صداق خاصّة » (١) . وهو المرويّ عن الصادق عليه‌السلام - إلى أن قال - : وعن ابن عبّاس ، قال : هذا إذا لم يكن [ قد ] سمّى لها مهرا ، فإذا فرض لها صداق فلها نصفه ، ولا تستحق المتعة. قال : وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

وعن أبي الصبّاح (٢) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا طلّق الرّجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن فرض لها مهرا فمتاع بالمعروف » (٣) الخبر. وهذا إذا لم يدخل بها ، وإلّا فمهر المثل.

فعلى هذا ، فالآية والأخبار المطلّقة محمولة في غير المفوّضة على الاستحباب المؤكّد ، كرواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ قال : « متاعها بعد ما تنقضي عدّتها على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره. وكيف [ لا ] يمتّعها وهي في عدّتها ترجوه ويرجوها ، ويحدث الله عزوجل بينهما ما يشاء » (٤) الحديث.

﴿كَذلِكَ﴾ التّبيين والتّوضيح ﴿يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ﴾ الدّالّة على التّوحيد ، وصفاته ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ بدلالتها تخرجون عن حدّ السّفاهة ﴿تَعْقِلُونَ﴾ وتفهمون إن لكم إليها (٥) منه بدءكم ، وإليه عودكم وإيابكم ، وعليه حسابكم.

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ

 مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)

وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان جملة من الأحكام ، ذكر قضيّة دالّة على وحدانيّته ، وكمال قدرته ، وصدق نيّته في دعوى نبوّته ، لأنّها إخبار بالغيب ، وفيها دلالة على إمكان المعاد ، ليفيد المستمع اليقين والاعتبار ، والتّجنّب عن التمرّد والعناد ، ويزيده الخضوع والانقياد.

ولمّا كان إخبار الله تعالى - لقوّة تأثيره في العلم - بمنزلة الرؤية والمشاهدة لما أخبر به ، وكان نور

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٥٩٥ ، تفسير الصافي ١ : ٢٤٩.

(٢) في النسخة : أبي الصلاح ، وما أثبتناه من تفسير العياشي ، راجع معجم رجال الحديث ٢١ : ١٨٩.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٤٠ / ٥٠٠.

(٤) الكافي ٦ : ١٠٥ / ٣.

(٥) كذا ، ولعلها : وتفهمون بها أن.

٤٨٩

نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في عالم الأشباح محيطا ومشاهدا لجميع وقائع هذا العالم ، خاطب نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ ولم تنظر ﴿إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ﴾ وقيل : المراد ألم ينته علمك إليهم ؟ (١)﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ كثيرة ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ ولأجل الفرار منه ﴿فَقالَ لَهُمُ اللهُ﴾ أو بلسان ملك ﴿مُوتُوا﴾ وإسناده إلى ذاته المقدّسة للتّهويل والتّخويف ، أو المراد من القول وصورة الأمر تعلّق إرادته التّكوينيّة بموتهم ، كما كنّى عن إرادة الإيجاد بقوله : ﴿كُنْ*﴾ فماتوا جميعا دفعة في مكانهم ﴿ثُمَّ أَحْياهُمْ

عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : « أنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام ، وكانوا سبعين ألف بيت ، وكان الطّاعون يقع فيهم في كلّ أوان ، فكانوا كلّما أحسّوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوّتهم ، وبقي فيها الفقراء لضعفهم ، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ، ويقل في الذين خرجوا ، فيقول الذين خرجوا : لو كنّا أقمنا لكثر فينا الموت. ويقول الذين أقاموا : لو كنّا خرجنا لقلّ فينا الموت. فاجتمع رأيهم جميعا على أنّه إذا وقع طاعون [ فيهم ] وأحسّوا به خرجوا كلّهم من المدينة ، فلمّا أحسّوا بالطّاعون خرجوا جميعا ، وتنحّوا عن الطّاعون حذر الموت ، فساروا في البلاد ما شاء الله.

ثمّ أنّهم مرّوا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطّاعون ، فنزلوا بها ، فلمّا حطّوا رحالهم وأطمأنّوا قال لهم الله عزوجل : موتوا جميعا ، فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح ، وكانوا على طريق المارّة ، فكنسهم المارّة ونحّوهم وجمعوهم في موضع ، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل ، فلمّا رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال : يا ربّ لو شئت لأحييتهم السّاعة كما أمتّهم ، فعمّروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك ، فأوحى الله تعالى إليه : أفتحبّ ذلك ؟ قال : نعم يا ربّ ، قال : فأوحى الله عزوجل [ إليه ] أن قل كذا وكذا ، فقال الذي أمره الله عزوجل أن يقوله - قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وهو الاسم الأعظم - فلمّا قال حزقيل ذلك نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض ، فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض ؛ يسبّحون الله عزوجل ، ويكبّرونه ويهلّلونه ، فقال حزقيل عند ذلك : أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير » .

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فيهم نزلت هذه الآية » (٢) .

أقول : تدلّ الرواية على أنّ الإماتة كانت عقوبة لهم.

وفي رواية عن الباقر عليه‌السلام ، أنّه سئل : أماتهم ، أم ردّهم إلى الدّنيا حتى سكنوا الدّور ، وأكلوا الطّعام ؟

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٧٧.

(٢) الكافي ٨ : ١٩٨ / ٢٣٧.

٤٩٠

قال : « لا بل ردّهم الله حتى سكنوا الدّور ، وأكلوا الطّعام ، ونكحوا النّساء ، ومكثوا بذلك ما شاء الله ، ثمّ ماتوا بآجالهم » (١) .

وروي أنّ حزقيل ندب قومه إلى الجهاد فكرهوا ، فأرسل الله عليهم الموت ، فلمّا كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، فلمّا رأى حزقيل ذلك قال : اللهمّ إله يعقوب وإله موسى ترى خطيئة عبادك ، فأرهم آية في أنفسهم تدلّهم على نفاذ قدرتك ، وأنّهم لا يخرجون من قبضتك. فأرسل الله عليهم الموت ، ثمّ أنّه عليه‌السلام ضاق صدره بسبب موتهم ، فدعا مرّة اخرى ، فأحياهم الله (٢).

وروي عن ابن عبّاس أنّ ملكا من ملوك بني إسرائيل ، أمر عسكره بالقتال ، فخافوا القتال ، وقالوا لملكهم : إنّ الأرض التي تذهب إليها فيها الوباء ، ونحن لا نذهب إليها حتى يزول ذلك الوباء ، فأماتهم الله تعالى بأسرهم ، وبقوا ثمانية أيام حتى انتفخوا. وبلغ بني إسرائيل موتهم ، فخرجوا لدفنهم ، فعجزوا من كثرتهم فحظروا عليهم حظائر. فأحياهم الله بعد الثّمانية ، وبقي فيهم شيء من ذلك النّتن ، وبقي ذلك في أولادهم إلى هذا اليوم (٣) .

وقيل : إنّ حزقيل هو ذو الكفل ؛ لأنّه تكفّل بشأن سبعين نبيّا وأنجاهم من القتل (٤) . ولعلّ المراد من ملك بني إسرائيل - في رواية ابن عبّاس - هو حزقيل.

وقيل : إنّه ثالث أوصياء موسى عليه‌السلام ، وكان أوّلهم يوشع بن نون ، وثانيهم كالب بن يوحنّا ، وثالثهم حزقيل بن يوز ، ويقال له : ابن العجوز ، لأنّ امّه كانت عجوزا ، فسألت الله ولدا بعد ما كبرت وعقمت ، فوهبه الله لها.

﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ جميعا ، حيث إنّه بتلك الإماتة والإحياء عرّفهم نفسه بالقدرة الكاملة ، والرّحمة الشاملة ، وحثّهم على التّوكّل والتّسليم والإذعان بالمعاد ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ لانهماكهم في الشّهوات ﴿لا يَشْكُرُونَ﴾ فضله وإحسانه ، ولا يعتبرون بهذه الآيات ، ولا ينتفعون بها.

وقيل : إنّ الله سبحانه ساق القصّة للحثّ على الجهاد ، لدلالة قوله بعده : ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه لإعلاء كلمته ، فإنّ الفرار من الموت ليس بمنج منه ، كما قال تعالى : ﴿أَيْنَما تَكُونُوا

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٦٠٥.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٦٣.

(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٦٢.

(٤) تفسير الرازي ٦ : ١٦٤.

٤٩١

يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ(١) فلا تتركوا الجهاد بسبب خوف الموت ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لمقالكم في التّرغيب إلى الجهاد والتّرهيب منه ﴿عَلِيمٌ﴾ بما في قلوبكم من الدّواعي الدّينيّة والدّنيويّة.

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ

 وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)

ثمّ لمّا كان الجهاد موقوفا على الإنفاق على نفسه ، وعلى غيره [ من ] العاجزين عن نفقة السّفر ومؤنة الجهاد ، أردف الأمر بالجهاد بالتّرغيب الأكيد في أداء الصّدقات بقوله : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ﴾ بالإنفاق على الفقراء من المؤمنين بإخلاص النيّة وطيب النّفس ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ ومالا حلالا طيبا. وإطلاق القرض على الصّدقة باعتبار أنّ الصّدقة قطع قطعة من المال عن نفسه ، بعوض الأجر الموعود من الله.

روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من تصدّق بصدقة ، فله مثلها في الجنّة » . فقال أبو الدحداح - واسمه عمر (٢) بن الدحداح - : [ يا رسول الله ] إنّ لي حديقتين ، إن تصدّقت بإحداهما فإنّ لي مثليها في الجنّة ؟ قال : « نعم » ، قال : وامّ الدحداح معي ؟ قال : « نعم » (٣) .

وفي رواية قال : والصّبية معي ؟ قال : « نعم » . فتصدّق بأفضل حديقتيه (٤) .

وفي رواية ابن عبّاس : كانت تسمّى الحنينة ، فدفعها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضاعف الله صدقته ألفي ألف ، وذلك قوله تعالى : ﴿أَضْعافاً كَثِيرَةً

قال : فرجع أبو الدحداح ، فوجد امّ الدحداح والصّبية في الحديقة التي جعلها صدقة ، فقام على باب الحديقة ، فكره أن يدخلها ، فنادى : يا امّ الدحداح ، قالت : لبّيك يا أبا الدحداح ، قال : إنّي قد جعلت حديقتي صدقة ، [ واشتريت مثليها في الجنّة وامّ الدحداح معي والصّبية معي ] قالت : بارك الله في ما شريت وفي ما اشتريت. فخرجوا منها ، وأسلموا الحديقة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

﴿فَيُضاعِفَهُ لَهُ﴾ في الأجر والثّواب ﴿أَضْعافاً كَثِيرَةً﴾ لا يعلمها إلّا الله. وقيل : الواحد بسبعمائة ؛ نظرا إلى قوله تعالى : ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ(٦) .

__________________

(١) النساء : ٤ / ٧٨.

(٢) في مجمع البيان : عمرو.

(٣ و٤) . مجمع البيان ٢ : ٦٠٨.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٦٠٨ ، تفسير الرازي ٦ : ١٦٦.

(٦) البقرة : ٢ / ٢٦١.

٤٩٢

وعن ( المعاني ) : عن الصادق عليه‌السلام : « لمّا نزلت : ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ زدني ، فأنزل الله سبحانه : ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها(٢) . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ زدني ، فأنزل الله عزوجل : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً﴾ فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الكثير من الله لا يحصى وليس له منتهى » (٣).

وعن ( الكافي ) : عنه عليه‌السلام ، قال : « ما من شيء أحبّ إلى الله من اخراج الدّرهم إلى الإمام ، وإنّ الله ليجعل له الدّرهم في الجنّة مثل جبل احد » .

ثمّ قال : « إنّ الله يقول في كتابه : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً﴾ إلى قوله : ﴿أَضْعافاً كَثِيرَةً﴾ قال : هو والله في [ صلة ] الإمام » (٤) الخبر.

ثمّ أزال خوف الفقر عن القلوب ، بقوله : ﴿وَاللهُ يَقْبِضُ﴾ ويمنع عن الخلق ﴿وَيَبْصُطُ﴾ ويوسّع عليهم ، فإنّ الغنى والفقر بتقدير الله وبيده ، فلا يفقركم الإعطاء ، ولا يغنيكم البخل ، فتزوّدوا في يومكم هذا ليوم لقاء الله ، فإنّكم إليه تقلبون ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيوفّي ما اقترض منكم بأحسن وفاء ، ويجازيكم بأوفر جزاء.

وفيه تنبيه على أنّ الغنيّ يفارق ماله بالموت ، فليبادر إلى الإنفاق قبل الفوت ، وفي تأخير البسط عن القبض إشارة إلى أنّ الله تعالى قد يوسّع على العبد بعد التّقتير ، ففيه التّسلية للفقراء.

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا

 مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا

 قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ

 عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ

 اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ

 بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً

 فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)

__________________

(١) النمل : ٢٧ / ٨٩.

(٢) الانعام : ٦ / ١٦٠.

(٣) معاني الأخبار : ٣٩٧ / ٥٤.

(٤) الكافي ١ : ٤٥١ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٥١.

٤٩٣

ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر بالقتال ، ذكر قصّة مخالفة بني إسرائيل ، وغلبة فئة قليلة منهم فئة كثيرة ، ليعلم المؤمنون قبح مخالفة أمر الجّهاد ، وليتّكلوا في النّصرة على الله لا على الكثرة والعدد والعدّة. ولعلّه لاظهار إحاطة قلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله - في عالم الأشباح - بجميع وقائع العالم من بدء الخلقة كما مرّ ، قال مخاطبا له ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى﴾ حال ﴿الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وأشرافهم ؟ وهذا الاستفهام لتقرير من بلغ إليهم القصّة بالتواتر ، أو العجب من شأن الملأ وهم كانوا ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ وفاة ﴿مُوسى﴾ ابن عمران ﴿إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾ قيل : هو يوشع بن نون وصيّ موسى ، وهو من ولد يوسف. وقيل : شمعون من ولد لاوي بن يعقوب. وقيل : إشموئل من بني هارون (١) .

نقل أنّه لمّا ادّعى النبوّة كذّبه بنو إسرائيل ، وقالوا له : إن كنت صادقا فأتنا بآية. ولمّا كان قوام بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك ، وطاعة الملوك لأنبيائهم ، وكان الملك يسيّر الجموع ، والنبيّ يقيم أمره ، ويشير عليه ، قالوا له : إن كنت نبيّا ﴿ابْعَثْ﴾ وانهض ﴿لَنا مَلِكاً﴾ وأميرا نصدر عن رأيه وتدبيره في قتال كفّار العمالقة ، حتى ﴿نُقاتِلْ﴾ معه ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه.

عن ( العيّاشي ) : عن الصادق عليه‌السلام قال : « فإنّ الملك في ذلك الزّمان هو الذي يسير بالجنود ، والنبيّ يقيم له أمره وينبئه بالخبر من عند ربّه » (٢) .

في استيلاء جالوت رأس العمالقة على بني إسرائيل بعصيانهم وتغييرهم دين الله وعتوّهم عن أوامره

عن الباقر عليه‌السلام : « أنّ بني إسرائيل من بعد موسى عملوا بالمعاصي ، وغيّروا دين الله ، وعتوا عن أمر ربّهم ، وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم ، فلم يطيعوه ، فسلّط الله عليهم جالوت ، وهو من القبط ، فآذاهم وقتل رجالهم ، وأخرجهم من ديارهم ، وأخذ أموالهم ، واستعبد نساءهم ، ففزعوا إلى نبيّهم ، وقالوا : اسأل الله تعالى أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. وكانت النبوّة - في بني إسرائيل - في بيت ، والملك في بيت آخر ، لم يجمع الله لهم النبوّة والملك في بيت واحد ، فمن ذلك قالوا : ابعث لنا ملكا » (٣) الخبر.

﴿قالَ﴾ النّبيّ ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ وقاربتم ﴿إِنْ كُتِبَ﴾ ووجب ﴿عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا﴾ جبنا وخوفا ، فإنّي أظنّ وأتوقّع جبنكم عن القتال.

﴿قالُوا وَما﴾ العذر ﴿لَنا﴾ وأيّ داع يتصوّر في ﴿أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وأن نترك نصرة دينه

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ١٧٠.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٥٠ / ٥٤١.

(٣) تفسير القمي ١ : ٨١ ، بحار الأنوار ١٣ : ٤٣٩ / ٤.

٤٩٤

﴿وَ﴾ الحال أنّا ﴿قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا﴾ وطردنا من أوطاننا ، وأغتربنا من أهلنا ﴿وَأَبْنائِنا﴾ وكلّ من هذه المصائب والبليّات أقوى المهيّجات إلى القتال.

وقيل : إنّ جالوت كان رأس العمالقة وملكهم ، وهو من أولاد عمليق بن عاد ، وكان هو والعمالقة يسكنون ساحل بحر الرّوم بين مصر وفلسطين ، وظهروا على بني إسرائيل ، وأخذوا ديارهم ، وسبوا أولادهم ، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين نفسا وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم (١) .

﴿فَلَمَّا كُتِبَ﴾ وفرض ﴿عَلَيْهِمُ الْقِتالُ﴾ بعد دعاء النبيّ وبعث الملك ، آل أمرهم إلى أن ﴿تَوَلَّوْا﴾ وتخلّفوا عن القتال. قيل : لأنّهم علّلوا قتالهم بحظوظ النّفس ، فخذلوا وظلموا عند الامتحان ﴿إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، بعدد أصحاب بدر ، وأصحاب القائم عليه‌السلام ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالتّقاعد عن الجهاد.

في اصطفاء طالوت للسّلطنة

ثمّ بيّن الله تعالى تفضيل بعث الملك ، وتولّي القوم بقوله : ﴿وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ بعد مراجعة الله ووحيه : ﴿إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً﴾ فأطيعوه وقاتلوا عدوّكم معه.

روي أنّه عليه‌السلام لمّا دعا ربّه أن يجعل لهم ملكا ، أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم ، فلم يساوها إلّا طالوت (٢) .

قيل : إنّ اشموئل (٣) جاء بعصا وقرن فيه دهن القدس ، قال : إنّ صاحبكم الذي يكون ملكا طوله طول هذه العصا ، ونقل أنّه ضلّت حمير لأبي طالوت ، فأرسله أبوه في طلبها ، فمرّ ببيت إشموئل ، فدخل عليه حتى يسأله عن الحمير ، فقاسه طالوت بالعصا ، فكان على طولها ، فقال لطالوت : قرّب رأسك فقرّبه ، فدهنه بدهن القدس ، ثمّ قال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن املّكه عليهم ، قال : بأيّ آية ؟ قال : بآية أنّك ترجع وقد وجد أبوك حميره ، فكان كذلك (٤) . ثمّ أخبر إشموئل بني إسرائيل بنصب طالوت للسلطنة.

وقيل : لمّا كانت السلطنة في بيت يهودا ، وكان طالوت من سبط بنيامين ، وكان سبط بنيامين قليلا مستحقرا بين بني إسرائيل.

﴿قالُوا﴾ متعجّبين من قول النبيّ ، ومنكرين له : ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ﴾ والسلطنة ﴿عَلَيْنا﴾ وكيف يمكن أن يكون ذلك ﴿وَنَحْنُ﴾ لشرافة بيوتنا ﴿أَحَقُ﴾ وأولى ﴿بِالْمُلْكِ﴾ والسّلطنة ﴿مِنْهُ﴾ فتقديم

__________________

(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٣٩.

(٢) تفسير أبي السعود ١ : ٢٤٠.

(٣) في النسخة : الشموئل.

(٤) تفسير روح البيان ١ : ٣٨٣.

٤٩٥

غير المستحقّ على من هو أحقّ قبيح ، كتقديم أبي بكر على عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخلافة.

ثمّ أعترضوا ثانيا ، بقولهم : ﴿وَ﴾ الحال أنّ طالوت ﴿لَمْ يُؤْتَ﴾ ثروة ولم يعط ﴿سَعَةً مِنَ الْمالِ﴾ فيشرف بالمال إذا فاته شرف الحسب ، بل هو فقير معدم ، لا مال له كي يتقوّى به في تأسيس ملكه وسلطانه. قيل : كان راعيا ، وقيل : مكاريا (١) ، وقيل : دبّاغا ، وقيل : سقّاء (٢) .

﴿قالَ﴾ النبيّ ردّا عليهم ﴿إِنَّ اللهَ﴾ بحكمته ﴿اصْطَفاهُ﴾ واستخلصه للملك واختاره ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وليس لكم أن تعترضوا على الله في ما اختاره واصطفاه.

ثمّ بعد الجواب الإجمالي ، شرع في الجواب التّفصيلي بقوله : ﴿وَزادَهُ بَسْطَةً﴾ وسعة ﴿فِي الْعِلْمِ﴾ بأحكام الدّين وسياسة الملك وشؤون الحرب ، ﴿وَ﴾ بسطة في ﴿الْجِسْمِ﴾ وعظمة في الجثّة ، وطولا في القامة ، وشدّة في البطش.

في أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان أحقّ بالخلافة من غيره

وتوضيح الجواب : أنّ شرافة النّسب ، وكثرة المال ليستا من الكمالات الحقيقيّة ، وممّا له دخل في لياقة الملك وأهليّة الإمارة ، وإنّما الدّخيل في استحقاق هذا المنصب العلم بأحكام الدّين ، وسياسة الملك ، وعظمة الجسم ، وكمال القوى ، والشّجاعة.

فبالعلم تدبّر المملكة وتنظم الامور ، وبالجسامة تعظم مهابته في الأنظار ، وبالشّجاعة يكايد الأعداء ، ويقاوم في الهيجاء ، ولذا كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أحقّ بالخلافة من سائر الصّحابة ؛ لأنّه كان أعلم وأزهد وأشجع من جميع النّاس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان بخلافته أولى ، وهذا مع قطع النّظر عن اصطفائه [ من قبل ] الله ونصبه بالنصّ الصّريح على ولايته.

قيل : كان طالوت أطول من جميع بني إسرائيل برأسه ومنكبه ، حتى إنّ الرّجل القائم كان يمدّ يده فينال رأسه ، وكان أجمل وأقوى من جميعهم.

﴿وَاللهُ﴾ الذي بيده الملك والملكوت ﴿يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ﴾ من عباده. وفيه دلالة على أن لا ملك لغيره ﴿وَاللهُ واسِعٌ﴾ حكمة وفضلا ورحمة ، فيوسع على الفقير ويغنيه ﴿عَلِيمٌ﴾ بمصالح العالم وقابليّات بني آدم.

في اعتراض الفخر الرازي على الإمامة وجوابه

قال الفخر : هذه الآية تدلّ على بطلان قول من يقول : إنّ الإمامة موروثة (٣) ، ولعلّ

__________________

(١) المكاري : هو الذي يكري ، أي : يؤجّر الدّواب - من البغال والحمير - لغيره.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٧٣.

(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٧٣.

٤٩٦

اعتراضه على أصحابنا الإمامية.

وفيه : أنّهم لا يقولون بأنّها موروثة ، بل يقولون بأنّها منصوصة لمن كان في الأصلاب الشّامخة والأرحام المطهّرة والنفوس الزّكيّة التي طهّرها الله من كلّ رجس.

ثمّ إنّا نقول : إنّ الآية تدلّ على بطلان إمامة من اختاره الخلق ، وعدم أهليّة غير الأعلم والأفضل ، ومن يقول : أقيلوني ، ولست بخيّركم وعليّ فيكم لها.

﴿وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ

 مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

 مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)

ثمّ أنّه تعالى - بعد نصب طالوت للسلطنة ؛ بإخبار النبيّ الذي كان قوله حجّة - جعل لقطع العذر ، ودفع اعتراض بني إسرائيل ، دليلا وآية على صدق النبيّ ، وكون سلطنة جالوت بنصبه ، وهو ما أشار إليه بقوله : ﴿وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ﴾ من قبل الله ، وعلامة سلطنته الإلهيّة ﴿أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ

وقيل : إنّه قال ذلك بعد طلب بني إسرائيل من النبيّ آية على سلطنة طالوت.

في ذكر خصوصيات تابوت بني إسرائيل وآثاره

قيل : كان التّابوت صندوقا أنزله الله على موسى عليه‌السلام ، فوضعته امّه فيه فألقته في اليمّ ، فلمّا حضر موسى عليه‌السلام الوفاة ، وضع فيه ألواح التوراة ودرعه وما كان عنده من آيات النّبوّة ، وأودعه يوشع بن نون وصيّه.

ونقل أنّ الله أنزل على آدام تابوتا ، فيه صور الأنبياء من أولاده ، فتوارثه أولاد آدم إلى أن وصل إلى يعقوب ، ثمّ بقي في أيدي بني إسرائيل ، فكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلّم وحكم بينهم ، وإذا حضروا القتال قدّموه بين أيديهم ، يستفتحون به على عدوّهم ، وكانت الملائكة [ تحمله ] فوق العسكر وهم يقاتلون العدوّ ، فإذا سمعوا من التّابوت صيحة استيقنوا بالنّصرة (١) .

وروي أنّ سعته كانت ثلاثة أذرع في ذراعين (٢) .

وروي أنّه إذا وضع التّابوت بين المسلمين والكفّار ، فإن تقدّم التّابوت رجل ، لا يرجع حتى يقتل أو

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ١٧٦.

(٢) معاني الأخبار : ٢٨٤ / ٢.

٤٩٧

يغلب ، ومن يرجع عنه كفر ، وقتله الإمام (١) . فلمّا عصوا وفسدوا واستخفّوا به - حتى إنّ الصّبيان كانوا يلعبون به في الطرقات ويستخفّون به - سلّط الله عليهم العمالقة ، فغلبوهم على التّابوت ، وسلبوه ، فلمّا سألوا نبيّهم آية على ملك طالوت ، قال ذلك النبيّ : إنّ آية ملكه أنّكم تجدون التّابوت في داره.

ثمّ أنّ الكفّار الذين سلبوا ذلك التّابوت ، كانوا قد جعلوه في موضع البول والغائط ، فدعا النبيّ في ذلك الوقت ، فسلّط الله على اولئك الكفّار البلاء ، حتّى إنّ كلّ من بال عنده أو تغوّط ، ابتلاه الله بالبواسير.

ونقل أنّه هلك من بلادهم خمس مدائن ، فعلم الكفّار أنّ ذلك لأجل استخفافهم بالتابوت ، فأخرجوه ووضعوه على ثورين فأقبل الثّوران يسيران ، ووكّل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونها حتى أتوا منزل طالوت ، ثمّ أنّ قوم ذلك النبيّ رأوا التّابوت ، فعلموا أن ذلك دليل على كونه ملكا.

فعلى هذا ، نسبة الإتيان إلى التّابوت من باب التّوسّع والمجاز ، كما يقال ربحت التّجارة (٢) .

وعن ابن عبّاس : أنّ التّابوت صندوق ، كان موسى يضع فيه التوراة ، وكان من خشب ، وكانوا يعرفونه ، ثمّ أنّ الله رفعه بعد ما قبض موسى ؛ لسخطه على بني إسرائيل ، قال نبيّ اولئك القوم : إنّ آية ملك طالوت أن يأتيكم التّابوت من السّماء (٣) .

عن الصادق عليه‌السلام : « حيثما دار التّابوت في بني إسرائيل دار الملك ، وأينما دار السلاح فينا دار العلم » (٤) .

وفي رواية : « أنّ مثل السّلاح فينا مثل التّابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل ، أيّ أهل بيت وجد التّابوت على بابهم أوتوا النّبوّة ، فمن صار إليه السّلاح منّا أوتي الإمامة » (٥) .

﴿فِيهِ سَكِينَةٌ﴾ كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ سئل الكاظم عليه‌السلام عن السّكينة ؟ فقال : « ريح تخرج من الجنّة ، لها صورة كصورة الإنسان ، ورائحة طيّبة ، وهي التي نزلت على إبراهيم ، فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين » (٦) .

وفي رواية اخرى : عنه عليه‌السلام ، قيل : وما السّكينة ؟ قال : « روح الله يتكلّم ، كانوا إذا اختلفوا في شيء

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٨٢.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٧٦.

(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٧٦.

(٤) الكافي ١ : ١٨٥ / ٢.

(٥) الكافي ١ : ١٨٥ / ١.

(٦) قرب الإسناد : ٣٧٣ / ١٣٢٧.

٤٩٨

كلّمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون » (١) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنّ السّكينة التي كانت فيه ريح هفّافة من الجنّة ، لها وجه كوجه الإنسان » (٢) .

﴿وَ﴾ فيه ﴿بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ﴾ عن الباقر عليه‌السلام : « أنّ البقيّة عصا موسى ورضاض (٣) الألواح » (٤) .

وفي رواية : عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت ، والطّست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء » (٥) .

وفي رواية : « البقيّة ذرّيّة الأنبياء » (٦) والظّاهر أنّ المراد من الذّرّيّة ، ما بقي من الأنبياء.

ثمّ بيّن الله كيفيّة إتيان التّابوت بقوله : ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ

عن ( الكافي ) : عن الباقر عليه‌السلام : « فجاءت به الملائكة تحمله » (٧) .

وفي رواية : « يحمله ثوران والملائكة تسوقهما » (٨) .

وفي رواية : « لم تحمله الملائكة ولا الثوران ، بل نزل من السّماء إلى الأرض ، والملائكة يحفظونه » (٩) .

﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من إتيان التّابوت في منزل طالوت بحمل الملائكة ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة ، ومعجزة باهرة ﴿لَكُمْ﴾ يا بني إسرئيل ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بشيء من الآيات.

ثمّ لمّا أذعنوا له بالملك جهّز الجيش لقتال العمالقة. روي أنّ طالوت قال لقومه : لا ينبغي أن يخرج معي رجل يبني بناء لم يفرغ منه ، ولا تاجر مشتغل بالتّجارة ، ولا متزوّج بامرأة لم يبن عليها ، ولا أبغي إلّا الشابّ النّشيط الفارغ. فاجتمع إليه ممّن اختار ثمانون ألفا (١٠) .

﴿فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٨٥ / ٢.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٦١٤.

(٣) في النسخة : رضراض ، والرّضاض : هو فتات الشيء وقطعه المتبقية بعد تحطّمه وتكسّره ، أما الرضراض : فهو الصغير من الحجارة والحصى.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٦١٤ عن الصادق عليه‌السلام.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٥٣ / ٥٤٦.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٥٢ / ٥٤٥.

(٧) الكافي ٨ : ٣١٦ / ٤٩٨.

(٨) تفسير الرازي ٦ : ١٧٦.

(٩) تفسير الرازي ٦ : ١٧٦.

(١٠) تفسير الرازي ٦ : ١٧٩.

٤٩٩

وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ

فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ

 الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ

مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)

﴿فَلَمَّا فَصَلَ﴾ وفارق وجاوز ﴿طالُوتُ﴾ البلد ، وقيل : هو بيت المقدس مصاحبا ﴿بِالْجُنُودِ﴾ والعساكر. قيل : كانوا ثمانين ألفا ، وقيل : سبعون ألفا ، وقيل : ثلاثون ألف مقاتل.

في بيان كيفية ابتلاء بني إسرائيل بنهر

﴿قالَ﴾ طالوت عن نفسه ، أو إخبارا عن نفسه ، أو إخبارا عن النبيّ. وروي أنّ القائل للجنود هو النبيّ (١)﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ﴾ وممتحنكم ﴿بِنَهَرٍ﴾ حتى يعلم المجاهدين والصّابرين.

عن ابن عبّاس : أنّه كان بين الأردن وفلسطين (٢) .

وقيل : كان الوقت قيظا ، فسلكوا مفازة فسألوا أن يجري الله لهم نهرا فقال : إنّ الله مبتليكم بما أقترحتموه من النّهر (٣)﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ ومن أصحابي المطيعين ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ ولم يذقه ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ ومن أصحابي ، وأهل طاعتي ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً﴾ من الماء ﴿بِيَدِهِ﴾ فلا بأس بشرب غرفة واحدة ، فاختصّ المنع بشرب يكون بوضع الفم في ماء النّهر.

روي عن ابن عبّاس : كانت الغرفة يشرب منها هو ودوابّه وخدمه ، ويحمل منها. الخبر (٤) ، ولعلّه لبركة الله بإعجاز النبيّ.

فلمّا انتهى الجنود إلى النّهر وابتلوا به ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ﴾ كالدّوابّ ، ولم يقنعوا بالغرفة فضلا عن أن لا يشربوا ﴿إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ

وعن الرضا عليه‌السلام في رواية : « وقال لهم نبيّهم : يا بني إسرائيل ، إنّ الله مبتليكم [ بنهر ] في هذه المفازة ، فمن شرب منه فليس من حزب الله ، ومن لم يشرب فهو من حزب الله إلّا من اغترف غرفة بيده. فلمّا وردوا النّهر أطلق الله لهم أن يغترف كلّ واحد منهم غرفة [ بيده ] ، فشربوا منه الّا قليلا منهم. فالّذين شربوا منه كانوا ستين ألفا » (٥) .

ونقل أنّ من لم يقتصر على الغرفة غلب عطشه ، واسودّت شفته ، ولم يقدر أن يمضي ، وبقي على

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٨٣ ، تفسير الرازي ٦ : ١٧٩.

(٢) الدر المنثور ١ : ٧٥٩.

(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٨٠.

(٤) تفسير الرازي ٦ : ١٨٢.

(٥) تفسير القمي ١ : ٨٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٥٦.

٥٠٠