نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-759-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٥٢

الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ من أرجاس الأحداث ونجاسات الأقذار الجسمانيّة.

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ الله يحبّ العبد المفتّن (١) التّوّاب ، ومن لا يكون (٢) ذلك منه كان أفضل » (٣) .

وعن ( العلل ) و( العياشي ) عنه عليه‌السلام قال : « كان النّاس يستنجون بثلاثة أحجار لأنّهم كانوا يأكلون البسر فكانوا يبعرون بعرا ، فأكل رجل من الأنصار الدّبّاء فلان بطنه واستنجى بالماء ، فبعث إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فجاء الرّجل وهو خائف أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه في استنجائه بالماء ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله له : هل عملت في يومك هذا شيئا ؟ فقال : [ نعم ] يا رسول الله إنّي - والله - ما حملني على الاستنجاء بالماء إلّا أنّي أكلت طعاما فلان بطني فلم تغن عنّي الحجارة شيئا ، فاستنجيت بالماء.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هنيئا لك ، فإنّ الله عزوجل [ قد ] أنزل فيك آية ، فأبشر ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ فكنت أنت أوّل من صنع هذا ، وأوّل التّوابين ، وأوّل المتطهّرين (٤) » .

قيل : كان الرّجل الأنصاري هو البراء بن معرور (٥) .

وقيل : إنّ المراد من المتطهّرين : المتنزّهين عن الفواحش والأقذار ، كمجامعة الحائض (٦) . ولعلّه المراد من قول الصادق عليه‌السلام : « ومن لا يكون (٧) ذلك منه كان أفضل » (٨) .

﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)

ثمّ لمّا أذن الله تعالى في الانتفاع بالنّساء في غير محل الحيض حالته ، وفيه أيضا : بعد النّقاء منه ، صرّح بتعميم الإباحة من حيث مكان الانتفاع وكيفيّته بقوله : ﴿نِساؤُكُمْ﴾ وأزواجكم ﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾ ومواضع إلقاء بذوركم منهنّ ، تحرثون الولد واللّذّة. ووجه الشّبه بين النّطفة والبذر ظاهر ، فكما أنّ صاحب الحرث له أن يأتي حرثه من أي مكان وبأيّ كيفيّة ، كذلك الزّوج.

ثمّ لمّا شبّه الأزواج بامكنة الحرث عبّر عن مجامعتهنّ بالإتيان في قوله : ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى

__________________

(١) أي الممتحن ، يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ، ثم يعود ثم يتوب.

(٢) في المصدر : لم يكن.

(٣) الكافي ٢ : ٣١٦ / ٩.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٢٣ / ٤٣٢ ، علل الشرائع : ٢٨٦ / ١.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠ / ٥٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢٣٢.

(٦) تفسير روح البيان ١ : ٣٤٧.

(٧) في الكافي : لم يكن.

(٨) الكافي ٢ : ٣١٦ / ٩.

٤٦١

شِئْتُمْ﴾ ومن أيّ مكان وبأيّ كيفيّة أردتم.

عن الصادق عليه‌السلام عن الرّجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس إذا رضيت » .

قيل فأين قول الله عزوجل : ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ قال : « هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إنّ الله تعالى يقول : ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ(١) الخبر.

والظاهر أنّ الاستشهاد بقوله : ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ لجواز الإتيان في الدّبر ، والرّوايات الكثيرة دالّة على جوازه مع كراهة شديدة.

وقيل : إنّ المراد أيّ كيفيّة شئتم ، ومن أيّ جهة أردتم ، بعد أن يكون المأتيّ قبلا (٢) .

نقل أنّ سبب نزول الآية أنّ اليهود كانوا يزعمون أنّ من أتى امرأته في قبلها من دبرها يأتي ولده أحول ، فذكر ذلك للرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت الآية ردّا عليهم (٣) .

وعن الرضا عليه‌السلام : « أنّ اليهود كانت تقول : إذا أتى الرّجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فانزل الله : ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ من خلف أو قدّام ، خلافا لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهنّ » (٤) .

قيل : كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرّجل المرأة من دبرها في قبلها ، وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك ، فأنكرت الأنصار ذلك عليهم (٥) .

ونقل عن ابن عبّاس أنّ عمر جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله هلكت ، وحكى وقوع ذلك منه ، فنزلت (٦) .

وعن الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية : « أي متى شئتم في الفرج » (٧) .

وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام : « من قدّامها ومن خلفها في القبل » (٨) .

وفي اخرى عنه عليه‌السلام : « أيّ ساعة شئتم » (٩) .

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١٤ / ١٦٥٧.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ٣٤٧.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٤٧.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٢٤ / ٤٣٧.

(٥) تفسير الرازي ٦ : ٧١.

(٦) وكذا.

(٧) تفسير القمي ١ : ٧٣.

(٨) تفسير العياشي ١ : ٢٢٤ / ٤٣٦.

(٩) تفسير العياشي ١ : ٢٢٥ / ٤٣٩.

٤٦٢

وروى العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث : « ملعون من أتى امرأته في دبرها » (١) . والأظهر ما ذكرنا من الجواز مع الكراهة الشّدّيدة.

ثمّ لمّا ذكر الله تعالى أنّ النّساء حرث ، أشار إلى أنّ الدّنيا أيضا حرث الآخرة ، بقوله : ﴿وَقَدِّمُوا﴾ من الأعمال الصالحة ﴿لِأَنْفُسِكُمْ﴾ في الدّنيا ما تنتفعون به في الآخرة ، وأعملوا ما يكون ثوابه ذخرا لكم ليوم حاجتكم.

قيل : إنّ المراد طلب الولد من إتيان النّساء ، حيث إنّه ينفع الوالد في الآخرة ، ولا تكونوا في قيد قضاء الشّهوة (٢) .

وعن ابن عبّاس : أنّ المراد التّسمية قبل الجماع (٣) .

ثمّ بعد الأمر بالطاعة أمر بالاجتناب عن المعاصي ، بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوا عقابه في مخالفة أوامره ونواهيه التي من جملتها ما ذكر من الامور ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ﴾ في الآخرة ﴿مُلاقُوهُ﴾ وترون جزاءه ، فتزوّدوا ما لا تفتضحوا به عنده ، وفيه بيان علّة وجوب التّقوى حيث إنّه لو لا الثّواب والعقاب لكان تحمّل المشقّة عبثا.

ثمّ أردف الوعيد بالوعد بقوله : ﴿وَبَشِّرِ﴾ بثواب يقصر عنه البيان ، وبالكرامة العظيمة عند الله ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين يتلقون أوامر الله ونواهيه بحسن القبول والامتثال.

﴿وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ

 سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)

ثمّ لمّا أمر سبحانه عباده بالطّاعة والتّقوى ، ذكر أنّ الحلف بالله على تركهما لا أثر له ولا يكون مانعا عنهما بقوله : ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً﴾ ومانعا وحاجزا ﴿لِأَيْمانِكُمْ﴾ ولأجل حلفكم به على ترك عمل برّ من ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ

روي أن بشير بن نعمان الأنصاري كان قد طلّق زوجته التي هي اخت عبد الله بن رواحة ، وأراد أن يتزوّجها بعد ذلك ، وكان عبد الله قد حلف على أن لا يدخل على بشير ولا يكلّمه ، ولا يصلح بينه وبين اخته ، فإذا قيل له في ذلك ، قال : [ قد ] حلفت بالله على أن لا أفعل ، ولا يحلّ لي إلّا أن أحفظ

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٤٧.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ٧٤.

(٣) ايضا.

٤٦٣

يميني وأبرّ فيه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١) .

وعن بعض العامّة : أنّها نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه في حديث الإفك (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام في تفسيرها : « إذا دعيت لصلح بين الاثنين فلا تقل : عليّ يمين أن لا أفعل » (٣) .

وقيل : إنّ المراد لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم بإكثار اليمين به (٤) . وعلّة هذا النّهي إرادة أن تبرّوا ، أي تكونوا بارّين متّقين مصلحين بين النّاس حيث إنّ من عرفه النّاس بالبرّ والتّقوى يقبلون قوله في مقام الإصلاح.

عن الصادق عليه‌السلام : « لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، فإنّ الله يقول : ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ(٥) الخبر.

﴿وَاللهُ سَمِيعٌ﴾ لأيمانكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائركم ونيّاتكم.

﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ

 وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ

 غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)

ثمّ لمّا ذكر الله تعالى عدم كون الحلف مانعا عن عمل الخير ، ذكر بعض أحكام الحلف من عدم العقوبة والكفّارة على ما يكون منه لغوا وساقطا عن الاعتبار ، بقوله : ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ﴾ وهو كقول العرب : لا والله ، وبلى والله ، وذلك مرويّ عن الصادقين عليهما‌السلام (٦) . فإنّه لا يكون معه قصد وعقد في القلب على الحلف ، بل يجري على اللّسان على حسب العادة أو بقصد تأكيد الكلام.

وقيل : إنّه حلف الرّجل بالله على شيء يظنّ أنّه صادق فيه ، وليس كذلك (٧) .

وقيل : في وجه تسمية الحلف باليمين : إنّ العرب كانوا إذا حلفوا تصافحوا باليمين. أو أنّ أحد

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٤٩.

(٢) تفسير أبي السعود ١ : ٢٢٣.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٢٦ / ٤٤٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢٣٤.

(٤) جوامع الجامع : ٤٠.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٥٦٧ ، تفسير الصافي ١ : ٢٣٤.

(٦) مجمع البيان ٢ : ٥٦٨ ، تفسير الصافي ١ : ٢٣٤.

(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٥٠.

٤٦٤

معاني اليمين : القوّة ، والحالف يتقوّى بحلفه على العمل بما حلف عليه (١) .

﴿وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ﴾ الله ويعاقبكم على حنث الحلف في الدّنيا بإيجاب الكفّارة ، وفي الآخرة على تقدير عدم التّكفير بالعذاب ﴿بِما كَسَبَتْ﴾ وانطوت عليه ﴿قُلُوبُكُمْ﴾ وضمائركم من الجدّ به واقترفت من الكذب فيه.

قيل : كسب القلب هو التعمّد ، وكسب اللّسان هو الخطأ فيه.

قيل : إنّ المؤاخذة في هذه الآية عقوبة الآخرة. وفي قوله : ﴿وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ(٢) المؤاخذة بالكفّارة (٣) .

﴿وَاللهُ غَفُورٌ﴾ وستّار للذّنوب ، كثير الإغماض عن العقوبة ، فلا يؤاخذ على يمين اللّغو مع كونه ناشئا من عدم المبالاة والتّقصير في التّحفّظ ﴿حَلِيمٌ﴾ غير عجول بالعقوبة في مورد استحقاقها غير الصالح للعفو.

في بيان شرائط الإيلاء

ثمّ لمّا ذكر سبحانه القسمين لليمين ، ذكر حكم نوع خاصّ منه ، وهو حلف الزّوج على ترك وطء زوجته بقوله : ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ﴾ ويحلفون على التّباعد ﴿مِنْ نِسائِهِمْ﴾ بترك المجامعة ﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ وانتظار انقضائها من زمان الحلف.

﴿فَإِنْ فاؤُ﴾ ورجعوا عن حلفهم بأن جامعوهنّ قبل انقضاء المدّة مع أداء الكفّارة ﴿فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ للمولى ، وستّار لمعصية حنثه اليمين وقصده الإضرار بالمرأة إذ الفيئ مع الكفّارة توبة له ﴿رَحِيمٌ﴾ بعباده.

﴿وَإِنْ عَزَمُوا﴾ وقصدوا ﴿الطَّلاقَ﴾ وطلّقوهنّ ﴿فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لمقالهم في الطّلاق ولسائر المقالات التي لا يخلو الطّلاق منها عادة ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم وأغراضهم ، وفيه تهديد ووعيد.

قال بعض الفقهاء : يستفاد من الآية وجوب مجامعة الزّوج زوجته في أربعة أشهر مرّة (٤) .

وفيه : أنّ الاستفادة موقوفة على تقدير المدّة من زمان الجماع لا من زمان الحلف ، أو الرّفع إلى السّلطان ، وهو خلاف ظاهر الآية والرّوايات.

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٥٠.

(٢) المائدة : ٥ / ٨٩.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٥٠.

(٤) كنز العرفان ٢ : ٢٩٣.

٤٦٥

عن ( العيّاشي ) عن الرّضا عليه‌السلام في رواية : « أنّ أجل الإيلاء أربعة أشهر بعد ما ياتيان السّلطان » (١) .

وعن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « أيّما رجل آلى من امرأته - والإيلاء : أن يقول : والله لا اجامعك كذا وكذا ، والله لاغيضنّك ، ثمّ يغاضبها - فإنّه يتربص بها أربعة أشهر ، ثمّ يؤخذ بعد الأربعة الأشهر فيوقف فإذا فاء - وهو أن يصالح أهله - فإنّ الله غفور رحيم ، وإن لم يفئ أجبر على الطّلاق ، ولا يقع بينهما طلاق حتّى يوقف » (٢) .

وعنه عليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب ويحبسه (٣) فيها ، ويمنعه من الطّعام والشّراب حتّى يطلّق » (٤) .

وعنه عليه‌السلام في المولى : « إمّا أن يفيئ أو يطلّق ، فإن قبل وإلّا ضربت عنقه » (٥) .

وعن الباقر عليه‌السلام في رواية قال : « لا يكون إيلاء حتّى يحلف على أكثر من أربعة أشهر »(٦).

وعن الصادق عليه‌السلام في رواية : « لا إيلاء (٧) حتّى يدخل بها » (٨) .

وعن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الرّجل يؤلي من أمته ؟ فقال : « لا ، كيف يؤلي وليس لها طلاق ؟ ! » (٩) .

﴿وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ

فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ

إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ

وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)

ثمّ لمّا ذكر الله سبحانه الطّلاق ، تعرّض لبيان بعض أحكامه بقوله : ﴿وَالْمُطَلَّقاتُ﴾ من النّساء الحرائر المدخول بهنّ ، غير الحاملات إذا كنّ ذوات أقراء ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ وينتظرن ﴿بِأَنْفُسِهِنَ﴾ بأن يحملنها على ترك التّزويج ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ وهي الأطهار عندنا.

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الأقراء هي الأطهار » (١٠) .

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٢٧ / ٤٥٠.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٠ / ٢.

(٣) في النسخة : يحفر له حفيرة من قصب ويجعله.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٠.

(٥) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١١.

(٦) التهذيب ٨ : ٦ / ١٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٧.

(٧) في الكافي : لا يقع الإيلاء.

(٨) الكافي ٦ : ١٣٤ / ٢.

(٩) قرب الإسناد : ٣٦٣ / ١٢٩٩.

(١٠) الكافي ٦ : ٨٩ / ٤.

٤٦٦

وعنه عليه‌السلام في رواية اخرى : « القرء ما بين الحيضتين » (١) .

وفي التّعبير عن الأمر بصيغة المضارع دلالة على تأكّد الوجوب ؛ لأنّ فيه إشعار بأنّ هذا الوجوب ملازم للعمل ، ويكون امتثاله معه ، كما أنّ في تقديم المطلّقات على فعل ( يتربّصن ) دلالة على قوّة الوجوب.

ثمّ لمّا كان انقضاء العدّة بالأقراء ، ولا يمكن الاطّلاع عليها إلّا من قبل النّساء ، نهاهنّ عن كتمانها بقوله : ﴿وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ﴾ ويخفين ﴿ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ﴾ من الحيض والحبل بأن تقول المرأة : لست بحامل ؛ لحبّ تعجيل الطّلاق ، حيث إنّ الزّوج إذا علم أنّها حامل يمنعه حبّ الولد عن الطّلاق. أو تقول : لست بحائض ؛ وهي حائض ، لكراهة التّعجيل ، حيث إنّها إذا كانت في طهر المواقعة لا يجوز طلاقها ، ولا بدّ من انتظار حيضها وطهرها بعده ، وقد يكون كتمان الولد لحبّ سرعة انقضاء العدّة إذا كانت عدّة الوضع أطول من مدّة الأقراء ، وكتمان الحيض لكراهة سرعة الانقضاء ، فتدّعي بقاء العدّة وتأخير الحيض حتّى يرجع إليها الزّوج.

في حجية قول المرأة في الحمل والحيض والطهر

ثمّ أنّه استدلّ بحرمة الكتمان على حجّيّة قول النّساء بالنّسبة إلى الحيض والطهر والحمل إثباتا ونفيا ، ولا شبهة فيها نصّا وفتوى ، وليس تعليق الحكم على الإيمان بالمبدأ والمعاد في قوله تعالى : ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ لبيان اشتراط حرمة الكتمان به ، بل إنّما هو لزيادة التّرغيب على تركه ، والتّهديد على فعله ، فيكون المفاد أنّ الإيمان مانع عن الكتمان ، وأنّ الكاتمة لا إيمان لها.

ثمّ بيّن الله تعالى الحكم الثاني في الطّلاق بقوله : ﴿وَبُعُولَتُهُنَ﴾ وهم الأزواج الذين طلّقوهنّ رجعيّا ، كما ينبئ عنه التّعبير بالبعولة التي هي جمع بعل ، وهو في الأصل المالك للأمر ﴿أَحَقُ﴾ وأملك ﴿بِرَدِّهِنَ﴾ إلى الزوجيّة بإنشاء الرّجوع ، أو بالتمتّعات التي لا تنبغي إلّا للزّوج ، كالقبلة والجماع ﴿فِي ذلِكَ﴾ الزّمان والأجل المضروب للتربّص ﴿إِنْ أَرادُوا﴾ الأزواج بالرّجوع إليهنّ ﴿إِصْلاحاً﴾ لما بينهم وبينهنّ ، أو إحسانا إليهنّ ، ولم يريدوا مضارّتهنّ ، وليس هذا الشّرط لتأثير الرّجوع في عود العلقة وزوال أثر الطّلاق ، بل للحثّ على الإحسان ، والزّجر عن الإضرار.

﴿وَلَهُنَ﴾ على أزواجهنّ من الحقوق ﴿مِثْلُ﴾ الحقّ ﴿الَّذِي عَلَيْهِنَ﴾ لأزواجهنّ في تحتم

__________________

(١) الكافي ٦ : ٨٩ / ٣.

٤٦٧

المحافظة ووجوب الرّعاية والحقوق المقرّرة ملابسات ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ المقرّر عند الشّرع والعقلاء ، فلا يكلّف أحدهما الآخر بما ليس له بحقّ.

عن ابن عبّاس : إنّي لا تزيّن لامرأتي كما تتزيّن لي ، لقوله تعالى : ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَ(١) .

﴿وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَ﴾ في الحقوق ﴿دَرَجَةٌ﴾ زائدة ، ومرتبة فاضلة ، لكونهم قوّامين عليهنّ.

سئل الصادق عليه‌السلام عن حقّ المرأة على زوجها. قال : « يشبع بطنها ، ويكسو جثتها ، وإن جهلت غفر لها » (٢) .

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « جاءت امرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله ، ما حقّ الزّوج على المرأة ؟

فقال لها : أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدّق من بيته بشيء إلّا بإذنه ، ولا تصوم تطوّعا إلّا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب (٣) ، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه ، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السّماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرّحمة حتّى ترجع إلى بيتها.

فقالت : يا رسول الله من أعظم النّاس حقّا على الرّجل ؟ قال : والداه.

قالت : فمن أعظم النّاس حقّا على المرأة ؟ قال : زوجها.

قالت : فما لي من الحقّ عليه مثل ماله عليّ ؟ قال : لا ، ولا من كلّ مائة واحدة.

فقالت : والذي بعثك بالحقّ نبيّا لا يملك رقبتي رجل أبدا » (٤) .

وفي حديث : « جهاد المرأة حسن التبعّل » (٥) .

﴿وَاللهُ عَزِيزٌ﴾ وغالب على خلقه ، لا يعجز عن الانتقام ممّن خالفه ﴿حَكِيمٌ﴾ يشرّع الأحكام على طبق الصّلاح.

﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ

تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ٩٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ١٣٢٧ ، تفسير الصافي ١ : ٢٣٦.

(٣) القتب : الرّحل الصغير يوضع على سنام البعير.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٦ / ١٣١٤ ، الكافي ٥ : ٥٠٦ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٣٧.

(٥) تفسير روح البيان ١ : ٣٥٥.

٤٦٨

يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها

وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ

حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ

يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)

ثمّ لمّا ذكر الطّلاق الرّجعيّ ، بيّن عدده بقوله : ﴿الطَّلاقُ﴾ الرّجعيّ الذي للزّوج حقّ الرّدّ في عدّته ﴿مَرَّتانِ﴾ ودفعتان لا أزيد ، وفيه دلالة على عدم وقوع الطّلقتين دفعة ، بل لا بدّ من التّفريق فيهما.

في حديث ابن عمر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : « إنّما السّنّة أن تستقبل الطّهر استقبالا فيطلّقها بكلّ طهر تطليقة » (١) وبه وردت روايات أهل البيت عليهم‌السلام من طرق أصحابنا ، وفيه أيضا دلالة على شرعيّة الرّجوع لأنّ طلاق المطلّقة غير متصوّر عقلا.

قيل : كان الرّجل في الجاهليّة يطلّق المرأة (٢) ثمّ يراجعها قبل أن تنقضي عدّتها ، ولو طلّقها ألف مرّة كانت القدرة على المراجعة ثابتة له ، فجاءت امرأة إلى عائشة ، فشكت أنّ زوجها يطلّقها ويرجعها ويضارّها بذلك ، فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ(٣) لا يزيد الرّجل عليهما ، وأن يؤدّي جميع حقّها ولا يذكرها بسوء.

ثمّ إذا أوقع التّطليقتان ، يكون الواجب على الزّوج أحد الأمرين :

أحدهما : ما ذكره الله تعالى بقوله : ﴿فَإِمْساكٌ﴾ للزّوجة وأخذ بعلاقة الزّوجيّة بالرّجوع إليها مقرونا ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ وحسن العشرة ، ولطف السّيرة ، والالتزام بحقوق الزوجيّة.

وثانيهما : ما ذكره بقوله : ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ﴾ وإرسال مقرون ﴿بِإِحْسانٍ﴾ بان لا يراجعها حتّى تنقضي عدّتها ، ويحتمل أن يراد منه التّطليقة الثالثة ، كما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل : أين الثالثة ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أو تسريح بإحسان » (٤) .

قيل : إنّ المراد منه أن لا يضرّها حتّى تبذل شيئا وتفدي نفسها.

ثمّ بيّن الحكم الرابع بقوله : ﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ أيّها الأزواج ﴿أَنْ تَأْخُذُوا﴾ بعوض الطّلاق أو لسائر الأسباب ﴿مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ﴾ وأعطيتموهنّ بعنوان الصّداق أو غيره ﴿شَيْئاً﴾ قليلا أو كثيرا ﴿إِلَّا

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٣٠.

(٢) في تفسير الرازي : يطلق امرأته.

(٣) تفسير الرازي ٦ : ٩٦.

(٤) تفسير البيضاوي ١ : ١٢٢.

٤٦٩

بسبب ﴿أَنْ يَخافا﴾ الزّوجان ﴿أَلَّا يُقِيما﴾ ولا يرعيا ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ وحقوقه التي جعلها فيما بينهما من وظائف الزّوجيّة ، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.

في طلاق الخلع وجملة من أحكامه

﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ أيّها الحكّام من الزّوجين ﴿أَلَّا يُقِيما﴾ ولا يرعيا ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ من حقوق الزوجيّة وأحكامها الواجبة ، بأن أظهرت الزّوجة البذاء وسوء الخلق والتعدّي في القول ، بأن تقول له : لا أبرّ لك قسما ، ولا اطيع لك أمرا ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه وغير ذلك ، فيخاف من الزّوج التّعدّي عليها وإيذاؤها وحصل من الزّوجة أيضا خوف التعدّي بظهور الكراهة منها لزوجها وهو أمارة قويّة موجبة لخوف الفتنة ، فإذا كان ذلك ﴿فَلا جُناحَ﴾ ولا بأس ﴿عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ﴾ الزّوجة ﴿بِهِ﴾ من نفسها ليطلّقها زوجها ، وفي أخذ الزّوج منها الفداء بعوض طلاقها [ سواء أ ] كان الفداء مساويا للصّداق أو أزيد منه أو أنقص.

روي أنّ هذه الآية نزلت في جميلة بنت عبد الله بن ابيّ ، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس ، وكانت تبغضه أشد البغض ، وكان يحبّها أشدّ الحبّ ، فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : فرّق بيني وبينه فإنّي أبغضه ، ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجيء في أقوام ، فكان أقصرهم قامة وأقبحهم وجها ، وأشدّهم سوادا ، وإنّي أكره الكفر بعد الإسلام.

فقال ثابت : يا رسول الله ، مرها فلتردّ عليّ الحديقة التي أعطيتها. فقال لها : « ما تقولين ؟ » قالت ، نعم وأزيده. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ، حديقته فقط » . فقال : لثابت : « خذ منها ما أعطيتها وخلّ سبيلها » ففعل ، وكان ذلك أوّل خلع في الإسلام (١) .

وفي رواية : أنّ المرأة كانت حفصة بنت سهل الأنصاريّة (٢) .

وعن ( العياشي ) عن الصادق عليه‌السلام في المختلعة ، قال : « لا يحلّ خلعها حتّى تقول : والله لا أبرّ لك قسما ، ولا اطيع لك أمرا ، ولاوطئنّ فراشك ، ولأدخلنّ عليك بغير إذنك ، فإذا هي قالت ذلك حلّ خلعها وحل [ له ] ما أخذ منها من مهرها وما زاد ، وهو قوله تعالى : ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ فإذا فعلت (٣) ذلك فقد بانت منه بتطليقة ، وهي أملك بنفسها ، إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا ، فإن نكحته فهي عنده على ثنتين » (٤) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ١٠٠.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٠٠.

(٣) في المصدر : وإذا فعل.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٣٢ / ٤٧٠.

٤٧٠

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ومن أضرّ بامرأته حتّى تفتدي منه نفسها ، لم يرض الله له بعقوبة دون النّار ، لأنّ الله يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم » .

إلى أن قال : « وأيما امرأة خلعت من زوجها لم تزل في لعنة الله وملائكته [ ورسله ] والنّاس أجمعين حتى إذا نزل بها ملك الموت قال لها : أبشري بالنّار. فإذا كان يوم القيامة قيل لها : ادخلي النّار مع الدّاخلين ، ألا وإنّ الله ورسوله بريئان من المختلعات بغير حقّ ، ألا وإنّ الله ورسوله بريئان ممنّ أضرّ بامرأته حتى تخلع منه » (١) .

في حرمة أخذ العوض للطلاق مع عدم كراهة الزوجة

ثمّ أنّ ظاهر الآية وكثير من الروايات حرمة أخذ العوض للطّلاق على الزوج ، وعدم صحّة طلاق الخلع مع عدم كراهة الزّوجة ؛ ومع ذلك ذهب بعض الأصحاب إلى جواز الطّلاق بالعوض مع عدم تحقّق شرائط الخلع والمباراة لوجوه لا ينبغي أن يعتمد عليها ؛ لكونها اجتهادا في مقابل النصّ.

فعلى هذا يكون نفي الجناح في الآية عن الزوج والزوجة باعتبار أنّ الزّوج عند خوف الفتنة يحلّ له أخذ الفدية ، ولا بأس عليه فيه ، ويصحّ طلاق الزوجة خلعا ، ولا بأس عليها بالتزوّج بالغير.

و﴿تِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ الّتي يجب رعايتها ، والمحافظة عليها ، والعمل بها ﴿فَلا تَعْتَدُوها﴾ أيّها المؤمنون بالرفض وعدم المحافظة.

ثمّ أتبع النهي بالتوعيد بقوله : ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ﴾ ويتجاوز ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ وأحكامه ﴿فَأُولئِكَ﴾ المتعدّون ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أنفسهم بتعريضها لسخط الله وعذابه.

في حرمة المرأة المطلقة ثلاثا على زوجها إلّا بعد المحلّل وجملة من أحكامه

ثمّ بيّن الله تعالى الحكم الخامس من أحكام الطّلاق بقوله : ﴿فَإِنْ طَلَّقَها﴾ ثالثة ، وهو اختيار التّسريح بالإحسان بعد التخيير بينه وبين الإمساك ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ﴾ المرأة المطلّقة بالرجوع أو بالعقد ﴿مِنْ بَعْدُ﴾ الطّلاق الثّالث. هذا إذا كانت المطلّقة حرّة ، وأمّا إذا كانت أمة فمقتضى الروايات أنّها بعد الطلاق الثاني لا تحلّ ﴿حَتَّى تَنْكِحَ﴾ وتتزوّج تلك المرأة ﴿زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ وتذوق عسيلته (٢) ، لما روي أنّ امرأة رفاعة (٣) قالت لرسول

__________________

(١) عقاب الأعمال : ٢٨٥ و٢٨٧.

(٢) العسيلة : تصغير العسل ، قطعة منه ، والمراد لذّة الجماع ، والتصغير إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحلّ.

(٣) هي عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك زوجة رفاعة بن وهب بن عتيك ، وهو ابن عمها. اسد الغابة ٢ : ١٨٥.

٤٧١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ رفاعة طلّقني فبتّ طلاقي (١) ، وإنّ عبد الرّحمن بن الزبير تزوّجني ، وإنّ ما معه مثل هدبة الثوب (٢) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة » قالت : نعم. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إلّا أن تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك » (٣) .

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام في الرّجل يطلّق امرأته الطّلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ، ثمّ تزّوّج رجلا (٤) ولم يدخل بها. قال عليه‌السلام : « لا ، حتى يذوق عسيلتها » (٥) . وفي التعبير عن الجماع بذوق العسيلة دلالة على اعتبار الوطء في القبل لعدم كون الوطء في الدّبر ذوق العسيلة.

قيل : إنّ اشتراط الوطء يستفاد من لفظ النّكاح الموضوع للوطء ، والعقد يستفاد من إسناده إلى الزّوج (٦) .

وعن ( الكافي ) : عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّة سئل عن رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره وتزوّجها رجل متعة. أيحلّ له أن ينكحها ؟ قال : « لا ، حتى تدخل في مثل ما خرجت منه » (٧) .

وفي رواية اخرى : « المتعة ليس فيها طلاق » (٨) ففيها دلالة على أنّ اشتراط الدوام في عقد المحلّل مستفاد من قوله : ﴿فَإِنْ طَلَّقَها﴾ الزّوج الثاني المحلّل وانقضت عدّتها ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ أي الزوج الأوّل والمرأة ﴿أَنْ يَتَراجَعا﴾ بالعقد الدائم ، أو الانقطاع ﴿إِنْ ظَنَّا﴾ وحسبا ﴿أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ﴾ التي وجب رعايتها من حقوق الزوجيّة ﴿وَتِلْكَ﴾ الأحكام المبيّنة ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ وشرائعه المعينة التي يحفظها من التغيير والمخالفة ، وهو بذاته المقدّسة ﴿يُبَيِّنُها﴾ ويوضّحها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ حسن الطاعة ، وقبح المعصية ، ويعقلون أنّ في العمل بأحكام الله خير الدّنيا والآخرة ، فإنّهم المنتفعون بها ، وإن كانت الأحكام عامّة.

﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ

بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا

 تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ

__________________

(١) البتّ في الطلاق : هو تطليق الزوجة طلاقا لا رجعة فيه.

(٢) هدبة الثوب : طرفه الذي لم ينسج ، تريد أنه لا يملك شيئا.

(٣) تفسير البيضاوي ١ : ١٢٣.

(٤) في المصدر : تزوّجها رجل آخر.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ٤.

(٦) تفسير أبي السعود ١ : ٢٢٧.

(٧) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ٢.

(٨) التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٣.

٤٧٢

وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١)

ثمّ أنّه لمّا كان الإضرار بالمرأة الضّعيفة من القبائح السّخيفة - ومن أقسام الإضرار : أن يطلّق ثمّ يعبر عليها (١) حتى إذا بلغت العدّة آخرها راجعها ، ثمّ يطلّقها ، فتكون مدّة عدّة الطلقات الثّلاث ما يقرب من تسعة أشهر - نهى الله تعالى عنه ، وكرّر التخيير السابق توطئة للزجر عنه ، بقوله : ﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ﴾ وما يقرب آخر عدّتهن فأنتم بالخيار ، فإذا أحببتم إمساكهنّ ومراجعتهنّ ﴿فَأَمْسِكُوهُنَ﴾ مقرونا ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ والإحسان إليهنّ غير مضارّين بهنّ ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَ﴾ وخلّوهنّ على حالهنّ متلبّسين ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ وإيصال نفع وخير. وهذا التعليق لبيان لزوم مراعاة الصّلاح في تجديد العقد ، لا لبيان اشتراط الصحّة به.

في حرمة الاضرار بالزوجة

﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً﴾ ولا ترجعوا إليهنّ لتضارّهنّ من غير رغبة فيهنّ بل ﴿لِتَعْتَدُوا﴾ وتظلموا ، وتتجاوزوا عليهنّ بالتضييق في المعيشة وسوء المعاشرة وتطويل العدّة.

عن ( الفقيه ) : سئل الصادق عليه‌السلام عن هذه الآية فقال : « الرّجل [ يطلّق ] حتّى إذا كاد أن يخلو أجلها [ راجعها ] ثمّ طلّقها ، يفعل ذلك ثلاث مرات ، فنهى الله عزوجل عن ذلك » (٢) الخبر.

قيل : نزلت في ثابت بن يسار الأنصاري ، طلّق امرأته ، حتّى إذا قرب انقضاء عدّتها راجعها ، ثمّ طلّقها بقصد مضارّتها (٣) .

ثمّ لشدّة الاهتمام بترك الإضرار ، عقّب الله النهي بالتّهديد بقوله تعالى : ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ﴾ الإضرار ﴿فَقَدْ ظَلَمَ﴾ وأضرّ ﴿نَفْسَهُ﴾ بتعريضها لسخط الله وعذابه ، وبتفويت المنافع الدّنيويّة والاخرويّة عليها.

ثمّ بالغ سبحانه في التهديد على الإضرار وترك مراعاة الحقوق الواجبة بقوله : ﴿وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ﴾ سواء كانت متضمّنة الأحكام أو غيرها ﴿هُزُواً﴾ ولعبا ؛ بأن تكونوا مستخفّين بها متهاونين فيها ، معرضين عنها. فإنّ أشقى الأشقياء المتجرّئون على الله ، المستخفّون بأحكامه.

روي أنّه كان الرّجل في الجاهليّة يطلّق ويقول : طلّقت وأنا لاعب ، ويعتق وينكح ويقول مثل ذلك.

__________________

(١) كذا ، والعبارة غير واضحة ، والذي في أكثر التفاسير : ثمّ يمسك عنها.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٢٣ / ١٥٦٧.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٦٠.

٤٧٣

فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « من طلّق ، أو حرّر ، أو نكح ، فزعم أنّه لاعب ، فهو جدّ » (١) .

ثمّ بعد المبالغة في التّهديد ببيانات مختلفة رغّبهم في الطّاعة بتذكير نعمه بقوله : ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ﴾ التّي أنعمها ﴿عَلَيْكُمْ﴾ فإنّ من أتمّها وأكملها هدايتكم إلى ما فيه صلاحكم في الدنيا والآخرة ﴿وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ ببركة النبيّ الأمّي ﴿مِنَ الْكِتابِ﴾ المجيد ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ من العلوم النّظريّة والمعارف وكشف الحقائق ، والعلوم العمليّة من الأحكام والأخلاق ، لأن ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ ويؤدّ بكم بآدابه. فقابلوا نعمه بالشّكر ، وأطيعوا أحكامه ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروه في مخالفته وعصيانه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من مصالحكم ومفاسدكم ، وأعمالكم ونيّاتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ لا تخفى عليه خافية ، فيجازيكم بما تستحقّون. وهذا تهديد فوق التّهديدات السابقة.

﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا

تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)

ثمّ بيّن الله تعالى الحكم السادس من أحكام الطّلاق ، وهو حكم طلاق المرأة بعد انقضاء عدّتها بقوله : ﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ﴾ أيّها المؤمنون ﴿النِّساءَ﴾ والأزواج ، بأن وقع الطّلاق من بعض - وهذا من باب نسبة الفعل إلى القبيلة بوقوعه من أحدهم - ﴿فَبَلَغْنَ﴾ واستوفين ﴿أَجَلَهُنَ﴾ المضروب لعدّتهنّ ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَ﴾ ولا تمنعوهنّ من ﴿أَنْ يَنْكِحْنَ﴾ ويتزوّجن ﴿أَزْواجَهُنَ﴾ الّذين طلّقوهنّ.

فيكون حاصل المعنى ، والله العالم : إذا صدر من أحدكم طلاق ، فلا يصدر من أحدكم منع عن التّزوّج بأزواجهنّ ظلما ﴿إِذا﴾ كان الزوجان ﴿تَراضَوْا﴾ بالمواصلة ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ملابسين ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ والمستحسن عند الشرع بإيقاع العقد وحفظ شرائط الصحّة ورعاية الأحكام والحقوق.

وروي أنّ معقل بن يسار زوّج اخته جميل بن عبد الله بن عاصم ، فطلّقها ثمّ تركها حتّى انقضت عدّتها ، ثمّ ندم فجاء يخطبها لنفسه ، فرضيت المرأة بذلك ، فقال لها معقل : إنّه طلّقك ثمّ تريدين

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ١١٠.

٤٧٤

مراجعته ، وجهي من وجهك حرام إن راجعته. فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معقل بن يسار وتلا عليه هذه الآية ، فقال [ معقل ] : رغم أنفي لأمر ربّي ، اللهمّ رضيت وسلّمت لأمرك. وأنكح اخته زوجها (١) .

وروي أنّ جابر بن عبد الله كانت له بنت عمّ ، فطلّقها زوجها وأراد رجعتها بعد العدّة ، فأبى جابر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وكان جابر يقول : فيّ نزلت هذه الآية (٢) .

ويحتمل أن يكون المراد من التّراضي بالمعروف ، هو التراضي بما فيه الصّلاح ، فإذا تراضوا على شروط يكون للمرأة فيها فساد ، فليس منع الوليّ عن التزويج منهيّا.

﴿ذلِكَ﴾ النّهي ممّا ﴿يُوعَظُ﴾ ويرتدع ﴿بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فإنّ من كان من أهل الإيمان ينتفع وينتهي به ، وفيه تهديد مؤكّد للنّهي.

ثمّ أتبعه بالتّرغيب على الطّاعة بقوله : ﴿ذلِكُمْ﴾ العمل بحكم الله ﴿أَزْكى لَكُمْ﴾ وآثر في تهذيب نفوسكم من الأخلاق الرّذيلة ﴿وَأَطْهَرُ﴾ لقلوبكم من أدناس الآثام ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ﴾ ما به تزكية نفوسكم وتطهير قلوبكم ﴿وَأَنْتُمْ﴾ لقصور عقولكم ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾ ولا تدركون نتائج الأعمال ومقتضيات الأفعال.

﴿وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى

 الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ

 والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ

 تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا

 جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما

 تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان جملة من أحكام الطّلاق ، بيّن بعض أحكام الأولاد ، لمناسبة أنّه قد يقع التّشاجر بين الزّوج والزّوجة فيهم ، فإنّه قد يريد الزّوج أن يأخذ الولد من الزّوجة ، أو يريد أن يرضعه مجّانا وبلا اجرة ، وقد تريد الزّوجة الاستنكاف عن إرضاع الولد بغضا لزوجها ، أو تريد إلزام الزّوج

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ١١١.

(٢) تفسير الرازي ٦ : ١١١.

٤٧٥

بإعطاء الزّائد على ما هو المعروف من الأجر.

فبيّن الله تعالى أنّه ليس للزوج أخذ الرّضيع من امّه بقوله : ﴿وَالْوالِداتُ﴾ [ سواء أ ] كنّ مزوّجات أو مطلّقات ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ﴾ وجوبا إن توقّفت حياتهم على إرضاع الوالدات ، كأن لم تكن مرضعة اخرى ، أو لم يأخذوا ثدي غيرهنّ ، أو كان لبن غيرهنّ مضرّا. أو جوازا في غير الصّور [ المذكورة ] مع حقّ الأولويّة لهنّ ، فلا يجوز للزّوج أخذ الولد منهنّ ﴿حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾ تامّين بالتّدقيق ، لا على المسامحة والتّصرّف.

هذا ﴿لِمَنْ أَرادَ﴾ من الوالد والوالدة ﴿أَنْ يُتِمَ﴾ ويكمل ﴿الرَّضاعَةَ﴾ إذ تمام الحولين أقصى مدّة الرضاع ، ويجوز أنقص منهما.

وروي أنّه : « ما نقص عن أحد وعشرين [ شهرا ] فهو جور على الصّبيّ » (١) .

وروي عن ابن عبّاس : « أنّ هذا الحدّ ليس لكلّ مولود ، ولكن لمن ولد لستّة أشهر ، وإن ولد لسبعة [ أشهر ] فثلاثة وعشرون ، وإن ولد لتسعة [ أشهر ] فأحد وعشرون شهرا (٢) . فإن لم يردن تكميل الرضاع فليس للآباء إلزامهنّ على الارضاع في تمام الحولين » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه‌السلام : « لا تجبر الحرّة على إرضاع الولد ، وتجبر امّ الولدّ (٣) .

وعن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس للصبيّ لبن خير من لبن امّه » (٤) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما من لبن ارضع (٥) به الصبيّ أعظم بركة [ عليه ] من لبن امّه » (٦) .

﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ عبّر به عن الوالد للإشارة إلى أنّ الولد للوالد ، والامّ وعاء ، وتجب نفقته عليه ، وأجر إرضاعه هو ﴿رِزْقُهُنَ﴾ ومأكولهنّ ﴿وَكِسْوَتُهُنَ﴾ وملبوسهنّ ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بين النّاس ممّا يناسب حال المرأة.

ثمّ لمّا كان مجال أن يقال : لم لم تجب مؤنة الأمّهات على أنفسهنّ ولم قيّد إيجاب الإنفاق على الوالد بكونه بالمعروف ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ﴾ من كلّ من الوالدين الاخرى ﴿إِلَّا وُسْعَها﴾ وما يسهل تحمّله عليها ، فإنّ إلزام الامّ على مؤنة نفسها ، مع ضعفها وعدم قدرتها على

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٥٨٦.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٨٦.

(٣) الكافي ٦ : ٤٠ / ٤.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٣٤ / ٦٩.

(٥) في الكافي : يرضع.

(٦) الكافي ٦ : ٤٠ / ١.

٤٧٦

التّكسّب ، إلزام بما هو خارج عن وسعها.

وكذا إلزام الأب على الإنفاق ، فوق حدّ المعروف ، إلزام بما هو خارج عن وسعه ، ولعلّه للإشارة إلى ذلك قال : ﴿لا تُضَارَّ والِدَةٌ﴾ والدا ﴿بِوَلَدِها﴾ بأن تطلب منه ما ليس بعهد من الرّزق والكسوة ، أو تمنع زوجها من نفسها مخافة الحمل ﴿وَلا مَوْلُودٌ لَهُ﴾ والدة بولده بأن يأخذ الولد منها ، أو يمنعها شيئا من حقّها ﴿بِوَلَدِهِ

وقيل : إنّ المعنى أنّه لا يجوز أن يغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد ، مثل أن ينزع الأب الولد من امّه مع رغبتها في إمساكه ، أو يضيّق عليها في الرّزق والكسوة ، أو تطلب منه المواقعة ويتمنّع عليها ، وإضرار الأمّ على الأب مثل أن تمتنع من إرضاعه غيظا على الأب وتلقيه إليه ، او تطلب منه فوق العدل والمعروف ، أو تمتنع من التمكين للزّوج.

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام ، سئل عن هذه الآية ، فقال : « كانت المراضع تدفع إحداهنّ الرّجل إذا أراد الجماع ، تقول : لا أدعك إنّي أخاف أن أحبل ، فأقتل ولدي هذا الذي ارضعه. وكان الرّجل تدعوه المرأة ، فيقول : أخاف أن اجامعك فأقتل ولدي ، فيدعها فلا يجامعها. فنهى الله تعالى عن ذلك أن يضارّ الرّجل المرأة ، والمرأة الرجل » (١) .

وعنه عليه‌السلام : « إذا طلّق الرّجل امرأته وهي حبلى ، أنفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا أرضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها ، إلّا أن يجد من هو أرخص أجرا منها ، فإن رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها ، حتى تفطمه » (٢) الخبر.

ثمّ بيّن الحكم بعد موت الأب بقوله : ﴿وَعَلَى الْوارِثِ﴾ من الوالد ، يجب ﴿مِثْلُ ذلِكَ﴾ الرّزق والكسوة الواجبين على الأب من نصيب الولد من تركة أبيه.

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قضى في رجل توفّي وترك صبيّا ، واسترضع له : « أنّ أجر رضاع الصّبيّ ممّا يرث من أبيه وامّه » (٣) .

وعن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ﴿وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ﴾ « أنّه نهى أن يضارّ بالصّبيّ ، أو تضارّ امّه في رضاعه. وليس لها أن تأخذ في رضاعة فوق حولين كاملين » (٤) .

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤١ / ٦.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٠٩ / ١٤٨٧.

(٤) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٣.

٤٧٧

وعنه عليه‌السلام ، أنّه سئل عنه فقال : « لا ينبغي للوارث أن يضارّ المرأة ، فيقول : لا أدّع ولدها يأتيها ، ويضارّ ولدها ، إن كان لهم عنده شيء ، فلا ينبغي [ له ] أن يقتّر عليه » (١) . ويحتمل أن يراد من الوارث وارث الرّضيع من رحمه الذي تجب عليه نفقته.

﴿فَإِنْ أَرادا فِصالاً﴾ وفطاما عن الرضاع ، قبل الحولين - كما روي عن الصادق عليه‌السلام (٢) - صادرا ﴿عَنْ تَراضٍ﴾ مبنيّ على صلاح الولد ، كائن ﴿مِنْهُما﴾ لا من أحدهما ، ﴿وَتَشاوُرٍ﴾ كامل من كلّ مع الآخر ؛ لأنّ الأب وليّ والأمّ شفيقة ، أو تشاورهما مع أهل التّجارب ، واستجماع الآراء على صلاح فطام الولد ، وعدم تضرّره به ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ في الفطام ، فإنّه قد يتّفق أن تملّ الأمّ من الرّضاع ، والأب من إعطاء الأجر ، فيتوافقان على الفطام ، مع كونه ضررا على الولد ، ولكن قلّما يتّفق هذا لرأفتهما على الولد ، سيّما مع المشاورة مع أرباب التّجارب ، فينسدّ باب احتمال الضّرر على الولد.

قيل : يفهم من هذه الشّرائط أنّ رعاية الله تعالى للضعفاء أكثر ، وعنايته بهم أشدّ ، ورحمته عليهم أوفر.

ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر الوالدات أن يرضعن أولادهنّ ، أوهم أنّه لا يجوز استرضاع غيرهنّ مطلقا ، حتى مع رضا الامّ ، أو تعذّره عليها ، لانقطاع اللّبن وأمثاله ، فأزال التّوهم بقوله : ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ﴾ أيّها الآباء ﴿أَنْ تَسْتَرْضِعُوا﴾ المراضع ﴿أَوْلادَكُمْ﴾ وتستأجروا لإرضاعهم عند سقوط حقّ أولويّة الام ﴿فَلا جُناحَ﴾ ولا إثم ﴿عَلَيْكُمْ﴾ في استرضاع غير الأمّ ﴿إِذا سَلَّمْتُمْ﴾ إلى المرضعة ﴿ما آتَيْتُمْ﴾ وأعطيتم للوالدات ، أو ما ألزمتم وشرطتم إعطاءه للمرضعات مقرونا ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ والوجه المتعارف المستحسن شرعا.

وليس التسليم هنا شرطا لجواز الاسترضاع ، بل الغرض من التعليق التنبيه على أنّ المرضعة ينبغي أن تكون طيّبة النّفس حتى تقبل الطّفل بقلبها وتراعي مصلحته حقّ المراعاة.

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « انظروا من ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبّ عليه » (٣) .

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء (٤) ، فإنّ اللّبن يعدي » (٥) .

ثمّ حثّ سبحانه على العمل بما شرع في أمر الأطفال والمراضع بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٣٧ / ٤٨٧.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٨٨.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ / ١٠.

(٤) العمشاء : هي الضعيفة البصر.

(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ٣٤ / ٦٧.

٤٧٨

عقابه في التّهاون في ما شرع من أحكام الأولاد والمراضع.

ثمّ أردفه بالتّهديد بقوله : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم به إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.

﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً

فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما

تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)

ثمّ أنّه تعالى بعد ما ذكر عدّة المطلّقة ، وأنّها ثلاثة قروء بيّن عدّة المتوفى عنها زوجها بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ﴾ وتقبض أرواحهم بالموت ﴿وَيَذَرُونَ﴾ ويتركون من بعدهم ﴿أَزْواجاً﴾ كبيرات أو صغيرات ، حائلات أو حاملات - إذا وضعن قبل المدّة - دائمات أو منقطعات على قول ، حرائر أو إماء على المشهور المنصور ، مدخولا بهنّ أو غير مدخول بهنّ ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ ويمتنعن عن التّزويج ﴿بِأَنْفُسِهِنَ﴾ ويعتددن ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ من زمان العلم بالموت ، أو بلوغ خبره.

عن ( العياشي ) : عن الصادق عليه‌السلام : « لمّا نزلت هذه الآية ، جئن النّساء يخاصمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقلن : لا نصبر. فقال لهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كانت إحداكنّ إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرها (١) ثمّ قعدت ، فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتّتها ، ثمّ اكتحلت بها ، ثمّ تزوّجت. فوضع الله عنكنّ ثمانية أشهر » (٢) .

عن الصادق عليه‌السلام : « لأنّ حرقة المطلّقة تسكن في ثلاثة أشهر ، وحرقة المتوفّى عنها [ زوجها ] لا تسكن إلّا في أربعة أشهر وعشرا » (٣) .

وقيل : إنّ الحكمة في هذا التّقدير أنّ الجنين في الغالب يتحرّك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا ، ولأربعة أشهر إن كان انثى ، فأعتبر أقصى الأجلين ، وزيد عليه العشر استظهارا ، وربّما (٤) تضعف حركته في البادئ فلا يحسّ بها (٥) .

__________________

(١) زاد في المصدر : في خدرها.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٣٧ / ٤٨٩.

(٣) علل الشرائع : ٥٠٨ / ٢.

(٤) في تفسير البيضاوي : إذ ربما.

(٥) تفسير البيضاوي ١ : ١٢٦.

٤٧٩

﴿فَإِذا بَلَغْنَ﴾ النّساء ﴿أَجَلَهُنَ﴾ المضروب لعدّتهنّ ، وانقضت المدّة ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ، والأولياء ، والحكّام ﴿فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ﴾ من التّزيين والتّزويج إذا كان ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ المقرّر في الشرع ، وليس لأحد منعها من التعرّض للتّزويج ، وسائر محرّمات المعتدّة ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ

 عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً

وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي

 أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ

 النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ

وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ

 مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ

 أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ

 بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)

ثمّ بيّن الله تعالى بعض أحكام عدّة البائنة بقوله : ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ﴾ ولوّحتم ﴿بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ﴾ المعتدّات ، وطلب نكاحهنّ.

في جواز التعرّض بالنكاح في العدّة

وحاصل الآية - والله العالم - أنّه لا بأس بإظهار الميل إلى نكاح المعتدّات في عدّتهنّ ، بالإشارة من غير صراحة ، كأن يقول لها : إنّك جميلة ، أو صالحة ، وإنّي راغب إلى نكاح امرأة متّصفة بصفة كذا ، ويذكر بعض صفاتها ، وأمثال ذلك ممّا يوهم أنّه راغب إلى نكاحها ، ولا يصرّح بالنكاح.

﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ﴾ وأضمرتم ﴿فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ وقلوبكم من التّصميم على تزوّجهنّ ﴿عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ﴾ لا محالة ﴿سَتَذْكُرُونَهُنَ﴾ وتنطقون برغبتكم في نكاحهنّ لمالهنّ أو جمالهنّ ، ولا تصبرون على السّكوت وعدم إظهار الرّغبة فيهنّ ، لخوف أن يسبق إليهنّ غيركم ، وفيه تعريض على ضعف نفوسهم ، وقلّة ثباتهم.

٤٨٠