نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-759-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٥٢

شاة » (١) .

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « وكلّ شيء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار ، يختار ما شاء ، وكلّ شيء في القرآن ( فمن لم يجد كذا فعليه كذا ) فالأولى الخيار » (٢) الخبر. والظاهر من الخيار الأخير الجري بالاختيار.

في حكم حجّ التمتّع في الأمن

ثمّ أنّه لمّا ذكر حكم المحصور لعدوّ أو مرض ، بين حكم حال الأمن والسّعة ، بقوله : ﴿فَإِذا أَمِنْتُمْ﴾ من خوف العدوّ وبرئتم من المرض ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ﴾ وانتفع بما كان يحرم عليه بعد التّحليل من إحرامها مستمرّا عليه ﴿إِلَى الْحَجِ﴾ وإحرامه به ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ عليه ، وهو شاة ، على ما روي عن الصادق عليه‌السلام (٣) .

﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ الهدي ﴿فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ﴾ واجب عليه في وقت الحجّ ، أو أيّام اشتغاله به.

عن ( الكافي ) : عن الصّادق عليه‌السلام في المتمتّع لا يجد الهدي ؟ قال : « يصوم قبل التّروية [ بيوم ويوم التروية ] ويوم عرفة » .

قيل : قد قدم يوم التّروية ؟ قال : « يصوم ثلاثة أيّام بعد التّشريق » .

قيل : لم يقم عليه جمّاله ؟ قال : « يصوم [ يوم ] الحصبة (٤) وبعده يومين » .

قيل : وما الحصبة (٥) ؟ قال : « يوم نفره » .

قيل : يصوم وهو مسافر ؟ قال : « نعم ، أليس [ هو ] يوم عرفة مسافرا ! إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزوجل : ﴿فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ﴾ يقول : في ذي الحجّة » (٦) . ﴿وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ﴾ إلى أهاليكم ﴿تِلْكَ﴾ الجملة ﴿عَشَرَةٌ كامِلَةٌ﴾ وفيه زيادة توصية بصيامها.

في ( التهذيب ) : عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأل سفيان الثّوريّ : « أيّ شيء يعني بكاملة ؟ » قال : سبعة وثلاثة. قال : « و[ يختلّ ] ذا على ذي حجا ، إنّ سبعة وثلاثة عشرة » .

قال : فأيّ شيء هو أصلحك الله ؟ قال : « انظر ! » قال : لا علم لي ، فأيّ شيء هو أصلحك الله ؟ قال : « الكاملة كمالها كمال الاضحيّة ، سواء أتيت بها أو لم تأت » (٧) انتهى. وعلى هذا يكون المعنى أنّه لا

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، تفسير العياشي ١ : ١٩٧ / ٣٣٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، تفسير العياشي ١ : ١٩٨ / ٣٣٦ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٧ / ١.

(٤) في النسخة : الخطيئة.

(٥) في النسخة : الخطيئة.

(٦) الكافي ٤ : ٥٠٦ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٠ / ١٢٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٤ ، وفي التهذيب : أتيت بها أو أتيت بالأضحية تمامها كمال الأضحية.

٤٢١

تنقص ثواب صيام العشرة عن الأضحيّة.

و﴿ذلِكَ﴾ التمتّع بمحرّمات الإحرام جائز بين العمرة والحجّ ﴿لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ بأن يكون بينهم وبين المسجد اثنى عشر ميلا فما دونها من كلّ جانب.

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية : « من كان منزلة على ثمانية عشر ميلا من [ بين يديها ، وثمانية عشر ميلا من ] خلفها ، وثمانية عشر ميلا عن يمينها ، وثمانية عشر ميلا عن يسارها ، فلا متعة له ، مثل مرّ (١) وأشباهها » (٢) .

﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ فيما فرض عليكم ، كما عن ابن عبّاس (٣)﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ لمن تهاون بحدوده ولم يحافظ على أوامره ونواهيه.

﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ

 فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى

وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)

في بيان أشهر الحجّ

ثمّ بيّن الله تعالى زمان الحجّ بقوله : ﴿الْحَجُ﴾ وقته ﴿أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ معيّنات عند الله ، معروفات عند النّاس ، وهي : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة ، على ما روى عن الصادقين عليهما‌السلام قالا : « ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهنّ ، ومن أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له » (٤) .

﴿فَمَنْ فَرَضَ﴾ وأوجب على نفسه ﴿فِيهِنَّ الْحَجَ﴾ بأن اشتغل به وشرع فيه.

عن ( الكافي ) و( العيّاشي ) قال : قال الصادق عليه‌السلام : « الفرض : التّلبية والإشعار والتّقليد ، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ » (٥) .

أقول : فيه دلالة على وجوب إتمام الحجّ بالاشتغال به والدّخول فيه وإن كان مندوبا ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ﴾ جائز ﴿فِي﴾ وقت ﴿الْحَجُ﴾ وزمان الاشتغال بمناسكه.

__________________

(١) مرّ : واد في بطن إضم ، وقيل : بطن إضم ، والمرّ أيضا : أرض بالنجد من بلاد مهرة بأقصى اليمن.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٣.

(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٦٠.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٠٣ / ٣٥٥ و٣٥٦ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٢٨٩ / ٢ ، تفسير العياشي ١ : ٢٠٣ / ٣٥٨.

٤٢٢

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام : « الرّفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسّباب ، والجدال : قول الرّجل : لا والله ، وبلى والله » (١) .

وقال : « في الجدال شاة ، وفي [ السباب و] الفسوق بدنة (٢) ، والرّفث فساد الحجّ » (٣) .

والمراد من النّفي ، النّهي بأبلغ بيان ، وتخصيص تحريم الثّلاثة بالحجّ مع كونها حراما مطلقا لكون الحرمة فيه أشدّ ، كلبس الحرير في الصّلاة.

ثمّ حثّ المؤمنين إلى الأعمال الحسنة بعد النّهي عن القبائح بقوله : ﴿وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ وعمل صالح وبرّ ﴿يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ فيجازيكم به أحسن الجزاء ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ بالأعمال الصالحة لسفر الآخرة ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ﴾ فيه ﴿التَّقْوى

أو المراد التزوّد بالمؤونة في السّفر الدّنيويّ ولو بسبب التّقوى ، كما قال تعالى : ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ(٤) . نقل أنّهم كانوا يحجّون بغير زاد ، فيكونون كلّا على النّاس ، فأمر الله المؤمنين بالتزوّد للشّفر ، لأنّه لا ينبغي استطعام النّاس والتّثقيل عليهم (٥) .

ثمّ بعد بيان فائدة التّقوى ، وأنّه خير الزّاد ، أمر به بقوله : ﴿وَاتَّقُونِ﴾ في مخالفتي واحترزوا عقابي ﴿يا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ وتوجيه الخطاب إلى ذوي العقول السّليمة ، لأنّ العقل يحثّ العاقل على التّقوى وملازمته ، فمن لا تقوى له لا عقل له ، لأنّه ترك ما فيه خير الدنيا والآخرة.

﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا

اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ

الضَّالِّينَ (١٩٨)

ثمّ أنّه روي عن ابن عبّاس أنّه كان ناس من العرب يحترزون [ من ] التجارة في أيّام الحجّ ، وإذا دخل العشر بالغوا في ترك البيع والشراء بالكلّيّة ، وكانوا يسمّون التاجر في الحجّ الدّاج ، ويقولون : هؤلاء الدّاج وليسوا بالحاج ، ومعنى الدّاج المكتسب الملتقط.

وبالغوا في الاحتراز عن الأعمال إلى أن امتنعوا عن إغاثة الملهوفين ، وإعانة الضعفاء ، وإطعام

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣.

(٢) في الكافي : بقرة.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٦.

(٤) الطلاق : ٦٥ / ٢ و٣.

(٥) تفسير الصافي ١ : ٢١٥.

٤٢٣

الجائع ، فأزال الله هذا الوهم (١) ، بقوله : ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ﴾ وبأس في ﴿أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً﴾ وربحا كائنا ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وتطلبوا مالا بالتّجارة المحلّلة.

قيل : إنّ عكاظ ومجنّة وذا المجاز كانوا يتّجرون في أيّام الموسم فيها ، وكانت معائشهم منها ، فلمّا جاء الإسلام كرهوا أن يتّجروا في الحجّ بغير الإذن ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت (٢) .

عن ( العيّاشي ) : عن الصادق عليه‌السلام : ﴿« فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ يعني الرّزق ، إذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى نسكه فليبع وليشتر في الموسم » (٣) .

وفي رواية اخرى ﴿فَضْلاً﴾ أي مغفرة (٤) .

وروي عن الباقر عليه‌السلام : ﴿« أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ هو أن يبتغي الأنسان حال كونه حاجّا أعمالا اخرى تكون موجبة لاستحقاق فضل الله ورحمته ، مثل إغاثة الملهوف ، وإعانة الضّعيف ، وإطعام الجائع » (٥) .

وقال بعض علماء العامّة معترضا عليه : إنّ هذه الأعمال بين واجب ومندوب ، ولا يصحّ أن يقال فيها : ( لا جناح ) فإنّ هذا التعبير مختصّ بالمباحات (٦) .

وفيه : أنّ استعمال ( لا جناح ) في الواجبات غير عزيز إذا كان في مورد توهّم الحصر كقوله تعالى : ليس ﴿عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ(٧) .

ثمّ اعلم أنّه لا تعارض بين الرّوايات المفسّرة للفضل ، لأنّ كلّ واحد منها محمول على بيان نوع من أنواعه.

﴿فَإِذا أَفَضْتُمْ﴾ ودفعتم أنفسكم للرجوع ﴿مِنْ عَرَفاتٍ﴾ بكثرة ومضيتم منها إلى المزدلفة ، [ كما ] عن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) (٨) وعرفات علم للموقف.

روي : أنّه تمثّل جبرئيل لإبراهيم فيه ، فلمّا رآه عرفه ، فسمّي ذلك الموضع عرفات (٩) .

ونقل : أنّ جبرئيل كان يدور به في المشاعر ، ويقول : عرفت ؟ فلمّا رآه ، قال : عرفت (١٠).

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٧١.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٧١.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٠٦ / ٣٦٦.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ٩٢ / ٢٤٦.

(٥) تفسير الرازي ٥ : ١٧٢.

(٦) تفسير الرازي ٥ : ١٧٢.

(٧) النساء : ٤ / ١٠١.

(٨) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٠٥ / ٣٥٨.

(٩) تفسير روح البيان ١ : ٣١٦.

(١٠) تفسير روح البيان ١ : ٣١٦.

٤٢٤

ونقل أيضا : أنّ آدم وحوّاء اجتمعا بعرفات وتعارفا (١) .

﴿فَاذْكُرُوا اللهَ﴾ وجوبا بالدعاء والتّكبير والتّهليل ﴿عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ﴾ وهو جبل سمّي قزح (٢) ، ولقّب بالمشعر لأنّه معلم العبادة ، ووصف بالحرام لحرمته (٣) .

روي عن جابر : أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا صلّى الفجر بالمزدلفة بغلس ، ركب ناقته حتّى أتى المشعر الحرام ، فدعا وكبّر وهلّل ، ولم يزل واقفا حتّى أسفر (٤) .

﴿وَاذْكُرُوهُ﴾ ذكرا حسنا ، على ما قيل (٥)﴿كَما هَداكُمْ﴾ هداية حسنة إلى المناسك وغيرها من العبادات. أو المراد اذكروه لأنّه علّمكم دين الإسلام ، أو علّمكم كيف تذكرونه.

﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي قبل الهدى أو التّعليم ﴿لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ بكيفيّة ذكره وعبادته.

نقل عن ابن عبّاس أنّه نظر إلى النّاس في هذا اللّيلة ، وقال : كان النّاس إذا أدركوا هذه لم يناموا (٦) .

﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا

قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ

 يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا

 آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ

 مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)

ثمّ أنّه نقل أنّ قريشا وجماعة من حلفائهم كانوا يسمّون بالحمس لتشدّدهم في دينهم ، لم يكونوا يقفون بعرفات ، بل كان وقوفهم بالمزدلفة ، ولا يتجاوزون عنها لأنّهم كانوا يترفّعون على النّاس ، ويقولون : نحن أهل الله ، ولا نحلّ حرم الله ، وأنّ الحرم أشرف من غيره ، فالوقوف به أولى ، وسائر النّاس كانوا يقفون بعرفات ، فأمر الله المؤمنين بالوقوف بعرفات (٧) ، بقوله : ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ وارجعوا وكلمة ( ثمّ ) للتّرتيب في الرّتبة ، ولتكن إفاضتكم ﴿مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ

عن الصادق عليه‌السلام : « يعني بالنّاس إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ومن بعدهم ممّن أفاض من

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣١٦.

(٢) في النسخة : بقرج.

(٣) تفسير البيضاوي ١ : ١١٢ ، تفسير أبي السعود ١ : ٢٠٨.

(٤) تفسير البيضاوي ١ : ١١٢.

(٥) تفسير البيضاوي ١ : ١١٢.

(٦) تفسير الرازي ٥ : ١٧٨.

(٧) مجمع البيان ٢ : ٥٢٧.

٤٢٥

عرفات » (١) .

وعن ( الكافي ) : عن الحسين بن علي عليهما‌السلام : « نحن النّاس » (٢) .

وعن الصادق عليه‌السلام في حديث حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ثمّ غدا والنّاس معه ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ، ويمنعون النّاس أن يفيضوا منها. فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقريش ترجو أن تكون إفاضته [ من ] حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله تعالى : ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ(٣) .

﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ﴾ من تغييركم المناسك في الجاهليّة ، ومن سائر المعاصي ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ وستّار للذّنوب ﴿رَحِيمٌ﴾ بعباده المؤمنين ، لا يقطع عنهم إحسانه.

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ الله يباهي ملائكته بأهل عرفات ، ويقول : انظروا إلى عبادي جاءوا من كلّ فجّ عميق شعثا غبرا [ اشهدوا ] أنّي غفرت لهم » (٤) .

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعظم النّاس ذنبا من وقف بعرفة فظنّ أنّ الله لا يغفر له » (٥) .

﴿فَإِذا قَضَيْتُمْ﴾ وأدّيتم أيّها المؤمنون ﴿مَناسِكَكُمْ﴾ وأعمال حجّكم ، وفرغتم منها ﴿فَاذْكُرُوا اللهَ﴾ وآلاءه ونعماءه عندكم ، وإحسانه إليكم ، وبالغوا فيه ﴿كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ

عن ابن عبّاس : أنّ العرب كانوا عند الفراغ من حجّهم بعد أيّام التّشريق ، يقفون بين مسجد منى وبين الجبل ، ويذكر كلّ واحد منهم فضائل آبائه في الشجاعة (٦) والحماسة وصلة الرّحم ، ويتناشدون فيها الأشعار ، ويتكلّمون بالمنثور من الكلام ، ويريد كلّ واحد منهم من ذلك الفعل حصول الشّهرة والترفّع بمآثر سلفه ، فلمّا أنعم الله [ عليهم ] بالإسلام ، أمرهم أن يكون ذكرهم لربّهم كذكرهم لآبائهم (٧)﴿أَوْ أَشَدَّ﴾ وأبلغ ﴿ذِكْراً

عن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) : « خيّرهم بين ذلك ، ولم يلزمهم أن يكونوا [ له ] أشدّ ذكرا منهم لآبائهم وإن كانت نعم الله عليهم أكثر وأعظم من نعم آبائهم » (٨) .

وقيل : إنّ المراد أنّ الانسان كما لا ينسى ذكر أبيه ، كذلك يجب أن لا يغفل عن ذكر الله (٩) .

وقيل : إنّ المعنى : اذكروا الله بالوحدانيّة كذكركم آباءكم بالوحدانيّة ، فإنّ الواحد منهم لو نسب إلى

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢١٦.

(٢) الكافي ٨ : ٢٤٤ / ٣٣٩.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٧ / ٤. (٤) تفسير روح البيان ١ : ٣١٨.

(٥) تفسير روح البيان ١ : ٣١٨.

(٦) في تفسير روح البيان : السماحة.

(٧) تفسير روح البيان ٥ : ١٨٣.

(٨) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٠٦ / ٣٥٨.

(٩) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.

٤٢٦

والدين لتأذّى واستنكف ، ومع ذلك يثبت لنفسه آلهة ، والحال أنّ المبالغة في التّوحيد أولى (١) .

وقيل : إنّ المراد أنّ الطّفل كما يرجع إلى أبيه في طلب المهمّات ، ويكون ذاكرا له بالتّعظيم ، فكونوا أنتم كذلك في ذكر الله (٢) .

وروي عن ابن عبّاس أنّه قال في تفسير الآية : هو أن تغضب له لو عصي أشدّ من غضبك لوالدك إذا ذكر بسوء (٣) .

وحاصل جميع الوجوه أنّه يجب على العبد أن يكون دائم الذكّر ، ودائم التّعظيم ، ودائم الرّجوع إلى ربّه ، ودائم الانقطاع عمّن سواه.

قيل : معنى ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾ بل أشدّ ذكرا ، لأنّ موجبات ذكر آبائهم قليلة ، وصفات الله الكماليّة وحقوقه على عباده غير متناهية (٤) .

ثمّ أنّه لمّا كان ينبغي للعبد بعد أداء مناسك الحجّ - الذي به تنكسر النفس وترفع عنها غواشي الشّهوات ، وتوجّهه إليه بذكره الذي به تنجلي في القلوب أنوار عظمته وإشراقات جلاله - أن يشتغل بالدّعاء والطّلب للمهمّات ، ولذا بيّن الله تعالى اختلاف همم النّاس بقوله : ﴿فَمِنَ النَّاسِ﴾ الذين يشهدون هذا الموقف العظيم الذي تستجاب فيه الدّعوات ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ في مقام الدّعاء افتتانا بلذّات الدنيا ، ونسيانا للآخرة ونعيمها ﴿رَبَّنا آتِنا﴾ نصيبنا ، وأعطنا حظّنا ﴿فِي الدُّنْيا﴾ من الجاه ، والغنى ، بدلا من الآخرة.

ويجيب الله مسؤوله إن شاء ﴿وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ ونصيب من كرامة الله ورحمته وثوابه ، لأنّ همّه كان مقصورا على الدنيا الدنيّة الزائلة ولذائذها الفانية ، وأعرض عن النّعم الدائمة الباقية لقصور العقل ، وعدم اليقين بالمعاد.

عن ابن عبّاس : أنّ المشركين كانوا يقولون ، إذا وقفوا : اللهمّ ارزقنا ابلا وغنما وبقرا وعبيدا وإماء ، وكانوا لا يطلبون التّوبة والمغفرة لأنّهم كانوا ينكرون البعث والمعاد (٥) .

أقول : وذلك جار في حقّ بعض المؤمنين الّذين يكون همّهم في الدنيا ، ويعملون لها ، وذلك

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.

(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٨٥.

(٤) تفسير الرازي ٥ : ١٨٦.

(٥) تفسير الرازي ٥ : ١٨٧.

٤٢٧

مبلغهم من العلم ، مع أنّ مقتضى الإيمان الإعراض عن الدّنيا وما فيها ، والسّعي في تحصيل النعم الباقية والرّاحة الدّائمة ، فلا يطلب المؤمن من الدنيا إلّا مقدارا يكون له وسيلة إلى نيل السّعادة الاخرويّة ، ولذا قال تعالى : ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا﴾ وهب لنا ﴿فِي الدُّنْيا حَسَنَةً﴾ وهي كلّ ما فيه السّعادة الدنيويّة ، وهي : روحانيّة وجسمانية داخليّة وخارجية.

في أنّ السعادة الدنيوية روحانية وجسمانية

أمّا السّعادة الروحانيّة : فكمال القوّة النّظريّة بالعلم ، وكمال القوّة العملية بالأخلاق الجميلة الفاضلة ، فإنّهما زينة المرء في الدّارين ، وأمّا السّعادة الجسمانيّة الداخليّة :

وهي السّعادة البدنيّة من الصحّة والجمال.

وأمّا السّعادة الخارجيّة فهي : المال والجاه والأقارب والأولاد ، وهذه السّعادات كما أنّها حظوظ في الدنيا [ فهي ] مقدّمات ووسائل لتحصيل حظوظ الآخرة.

والظاهر أنّ المراد من الحسنة جميع ما له نفع في الآخرة ، وليس حبّها وطلبها من حبّ الدنيا وطلبها ، بل عين حبّ الآخرة.

عن ابن عبّاس : أنّ رجلا دعا ربّه فقال : ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما أعلم أنّ هذا الرجل سأل شيئا من أمر الدنيا » .

فقال بعض الصّحابة : بلى يا رسول الله ، [ إنه ] قال : ربّنا آتنا في الدنيا حسنة ! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّه يقول : آتنا في الدنيا عملا صالحا » (١) .

وعن الصادق عليه‌السلام في رواية : « السّعة في الرّزق [ والمعاش ] وحسن الخلق في الدنيا » (٢) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « [ أنّ الحسنة ] في الدنيا المرأة الصالحة » (٣) .

وقيل : إنّ المراد بالحسنة العلم والعبادة (٤) . والظاهر أنّ جميع المذكورات أنواعها ، والجامع ما ذكرنا ، وهو جميع ما يكون له نفع في الآخرة ، وما يكون معينا على تحصيلها.

ثمّ أنّه لإظهار شدّة الاهتمام بالآخرة ، وأنّها المطلوب النّفسيّ ، خصّ نعمها أوّلا بالذّكر صريحا ، بقوله : ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ وهي الثّواب والرّحمة (٥) . وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هي الحوراء » (٦) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٨٩.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٣٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٧.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٧.

(٤) تفسير الصافي ١ : ٢١٧.

(٥) تفسير روح البيان ١ : ٣١٩.

(٦) تفسير روح البيان ١ : ٣١٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٧.

٤٢٨

وعن الصادق عليه‌السلام : « رضوان الله والجنّة » (١) .

وتنكير الحسنة لعلّه لإظهار المذلّة وعدم القابليّة لجميع حسنات الدنيا والآخرة ، ولإظهار جنسها كأنّه يقول : يغنيني حسنة واحدة ، فكيف بأكثر منها ؟ وملخّصه : أكثروا من ذكر الله واسألوا سعادتكم في الدّارين.

ثمّ لإظهار أنّ أهمّ الامور النّجاة من العقاب ، خصّه بالذكر بقوله : ﴿وَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾ بالمحافظة من ارتكاب الشّهوات واللذات المؤدّية إليه وبشمول العفو والمغفرة.

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هو عذاب امرأة [ السوء ] » الخبر (٢) . ولعلّه لأنّ المرأة السّوء توقع الرّوح في المعاصي.

﴿أُولئِكَ﴾ الدّاعون بهذا الدّعاء على هذا الوصف ﴿لَهُمْ نَصِيبٌ﴾ وافر حاصل وكائن ﴿مِمَّا كَسَبُوا﴾ وهو الدّعاء الذي هو من أعظم العبادات ، أو المراد : لهم نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الصّالحة الحسنة ، فإنّ لكلّ عمل ما يسانخه من الأجر.

في كيفية الحساب

﴿وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « معناه أنّه يحاسب الخلائق دفعة كما يرزقهم دفعة » (٣) .

وعن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) « لأنّه لا يشغله شأن عن شأن ، ولا محاسبة عن محاسبة ، فإذا حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكلّ ، يتمّ حساب الكلّ بتمام حساب الواحد ، وهو كقوله : ﴿ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ(٤) .

وتوصيف نفسه تعالى بسرعة الحساب لعلّه لأن لا يخاف الدّاعي من طول الوقوف في موقف الحساب ، بل يطمئنّ بوصوله إلى ما أعدّ له في القيامة بأسرع زمان.

وقيل : إنّ المراد من الحساب مجازاة الخلق على أعمالهم (٥) .

وقيل : إنّ الله يخلق كلاما يسمعه الخلق ، يعلم به ما له وما عليه (٦) .

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه سئل : كيف يحاسب الله سبحانه الخلق ولا يرونه ؟ قال : « [ كما ] يرزقهم

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٢٧ / ٩٠٠.

(٢) تفسير أبي السعود ١ : ٢٠٩ ، تفسير روح البيان ١ : ٣١٩.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٣١.

(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٠٦ / ٣٥٨ ، والآية من سورة لقمان : ٣١ / ٢٨.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٥٣١.

(٦) تفسير الرازي ٥ : ١٩١.

٤٢٩

ولا يرونه » (١) .

ونقل عن ابن عبّاس أنّه قال : لا حساب على الخلق ، بل يقفون بين يدي الله تعالى ، ويعطون كتبهم بأيمانهم ، فيها سيّئاتهم ، فيقال لهم : هذه سيّئاتكم قد تجاوزت عنها ، ثمّ يعطون حسناتهم ، ويقال : هذه حسناتكم قد ضاعفتها لكم (٢) .

﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ

 فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)

ثمّ أنّه تعالى لمّا ذكر الوقوف في عرفات والمشعر ، وبيّن جملة من وظائفهما ، ذكر بعض أحكام الوقوف بمنى ، بقوله : ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ﴾ بالتّكبيرات في أعقاب خمس عشرة صلاة من ظهر يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ قليلات مسمّيات بأيّام التّشريق لمن كان بمنى ، وعشر صلوات لمن كان بغير منى. وكيفيّة التّكبير : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد. الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » كذا روي عنهم عليهم‌السلام (٣) .

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر مناديا ينادي : « الحجّ عرفة ، من جاء ليلة جمع (٤) قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحجّ ، وأيّام منى ثلاثة أيّام » الخبر (٥) .

﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ﴾ في النّفر وطلب الخروج من منى ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ بعد يوم النّحر ، إذا فرغ من رمي الجمار ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ في التّعجيل ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ﴾ النّفر حتّى رمى في اليوم الثالث ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بالتأخير ، فيكون الحاصل التّخيير بين الأقلّ والأكثر.

وقالوا : هذا ردّ على أهل الجاهليّة ، فإنّ منهم من آثم وعيّب المتعجّل ، ومنهم من عيّب المتأخّر وآثمه ، فرّد الله عليهم بأنّه لا إثم في التّعجيل والتأخير (٦) .

عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : « ليس هو على أنّ ذلك واسع ، إن شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا ، لكنّه يرجع مغفورا له لا إثم عليه ولا ذنب له » (٧) .

__________________

(١) نهج البلاغة : ٥٢٨ / ٣٠٠.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٩٠.

(٣) تفسير الصافي ١ : ٢١٨.

(٤) جمع : علم للمزدلفة ، سمّيت به لأنّ آدم عليه‌السلام وحواء لمّا أهبطا اجتمعنا بها.

(٥) تفسير الرازي ٥ : ١٩٢.

(٦) تفسير روح البيان ١ : ٣٢١ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٩.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٨٩ / ١٤٢٧.

٤٣٠

وهذا التّرخيص والتّخيير ثابت ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾ الله عزوجل. روي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قال : « لمن اتّقى الصّيد - يعني في إحرامه - فإن أصابه لم يكن له أن ينصرف (١) في النّفر الأوّل » (٢) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « لمن اتّقى منهم الصّيد ، واتّقى الرّفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه » (٣) .

والحاصل : أنّ التّخيير ليس مطلقا بالنسبة إلى كلّ حاجّ ، بل هو لمن اتّقى. واختلف فيه على قولين : الأول : من اتّقى الصّيد والنساء في إحرامه.

والثاني : من اتّقى سائر المحرّمات في الإحرام (٤) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « اتّقى الكبر ، وهو أن يجهل الحقّ ويطعن على أهله » (٥) .

عن الباقر عليه‌السلام أنّه سئل عن هذه الآية ، قال : « أنتم والله هم ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يثبت على ولاية عليّ عليه‌السلام إلّا المتّقون » (٦) .

﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أيّها الحاجّ المغفور لهم ذنوبهم ، قلا تعاودوا الموبقات فتعود إليكم أثقالكم ، فإنّ السيّئات تذهب بالحسنات ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فيجازيكم بما تعملون.

قيل : كانوا إذا رجعوا من الحجّ يجترئوون على الله بالمعاصي ، فشدّد في تحذيرهم (٧) .

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ

 وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ

وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ

فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦)

ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر النّاس بالتّقوى ، وكانت حقيقته هو اليقين بالله واليوم الآخر ، والخوف الكامن في القلب ، الباعث على العمل بإخلاص النيّة وصميم القلب ، ذكر حال المنافقين المظهرين للإيمان

__________________

(١) في التهذيب والصافي : ينفر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٣ ، وتفسير الصافي ١ : ٢١٩ عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢١٠ / ٣٨٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٩.

(٤) كنز العرفان ١ : ٣٢٠ / ٤.

(٥) تفسير الصافي ١ : ٢٢٠.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢١١ / ٣٨٩.

(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٢١.

٤٣١

والتّقوى ، المبطنين للكفر والعناد بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ﴾ ويروقك ويعظم في قلبك ﴿قَوْلُهُ﴾ بسبب تزيين البيان بالورع والتّقوى ليطلب حظا ، إلّا أنّه يكون إعجابه وحسنه ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ من غير أن يكون لكلامه المعجب أثر في الآخرة ، فإنّ الظواهر تفيد في هذا العالم ، وأمّا الآخرة فهي عالم كشف الحقائق والواقعيّات ، ليس فيها ستر واشتباه.

﴿وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ﴾ من اليقين والإخلاص ، ويحلف بالله أنّ باطنه مطابق لظاهره ، ومصدّق لكلامه ﴿وَهُوَ﴾ في هذه الحالة ﴿أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ وشديد المعارضة والعداوة لله ولرسوله وللمؤمنين.

في نفاق الأخنس بن شريق الثقفي

نقل أنّها نزلت في الأخنس بن شريق الثّقفي ، وهو حليف لبني زهرة ، أقبل إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأظهر الإسلام والمحبّة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحلف بالله على ذلك ، وهذا هو المراد بقوله : ﴿يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ إلى آخره (١) .

وروي عن ابن عبّاس أنّ كفّار قريش بعثوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّا قد أسلمنا ، فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك ، فبعث إليهم جماعة فنزلوا ببطن الرّجيع ، ووصل الخبر إلى الكفّار ، فركب منهم سبعون راكبا وأحاطوا بهم وقتلوهم وسلبوهم ، ففيهم نزلت (٢) . ويرجّح الأوّل.

قوله : ﴿وَإِذا تَوَلَّى﴾ وانصرف من عندك ، وإذا صار غالبا وواليا ﴿سَعى﴾ واجتهد ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ جميعها ، لا يتفاوت في نظره مكان ﴿لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ نقل أنّ الأخنس لمّا انصرف من عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج من المدينة ، مرّ بزرع المسلمين فأحرق الزّرع وقتل الحمر (٣) .

وقيل : كان بينه وبين ثقيف عداوة ، فأتاهم ليلا فأحرق زرعهم وأهلك مواشيهم (٤) .

فإنّ هذه الآية أوفق بما روي عن الأخنس ممّا يروى عن ابن عبّاس.

وقيل : إنّ الأخنس سعى في إدخال الشبهة في قلوب المسلمين ، وتقوية الكفر (٥) ، وتضعيف الاسلام. وهذا هو السّعي للفساد في الأرض لأنّه موجب للاختلاف بين النّاس وتفريق كلمتهم ، فيتبرّأ بعضهم من بعض ، ويتقطّعون أرحامهم ، ويشتغلون بالحرب ، فيهلك الحرث والنّسل.

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٩٧.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٩٧.

(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٩٧.

(٤) تفسير روح البيان ١ : ٣٢٣.

(٥) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٠.

٤٣٢

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ﴿« وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ بظلمه وسوء سيرته » (١) الخبر ، ويحتمل كون المراد أنّ الظلم موجب لانقطاع الرّحمة وارتفاع البركة.

وعن الصادق عليه‌السلام : « الحرث في هذا الموضع الدّين ، والنّسل : النّاس » (٢) .

﴿وَاللهُ لا يُحِبُ﴾ ولا يريد بالإرادة التّشريعيّة ﴿الْفَسادَ﴾ في الآفاق والأنفس ، أو لا يريد بالإرادة التّكوينيّة والتّشريعيّة الفساد المحض الذي لا يشوبه صلاح.

﴿وَإِذا قِيلَ لَهُ﴾ عظة ونصحا ﴿اتَّقِ اللهَ﴾ وخف عذابه ، واترك الفساد ، واحذر سوء عاقبته ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾ والأنفة ﴿بِالْإِثْمِ﴾ وحملته عليه لجاجا ﴿فَحَسْبُهُ﴾ وكافيه ﴿جَهَنَّمُ﴾ جزاء ونكالا على سوء فعاله ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهادُ﴾ والفراش الممهّد والمستقرّ المؤبّد هي.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)

ثمّ أنّه تعالى لمّا بيّن حال المنافق الذي باع دينه بدنياه ، عقّبه بذكر حال المؤمن المخلص الذي باع دنياه بدينه ، بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ المؤمنين ﴿مَنْ يَشْرِي﴾ ويبيع ﴿نَفْسَهُ﴾ من الله ﴿ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ ويبذل شراشر وجوده (٣) في سبيل الله ، وطلبا لرضوانه ﴿وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ المؤمنين ، يدفع عنهم كلّ ضرّ ، وينزل عليهم بكلّ خير.

عن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) : « هؤلاء خيار أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عذّبهم أهل مكّة ليضلّوهم عن دينهم ، فمنهم بلال وصهيب وخبّاب وعمّار بن ياسر وأبواه » (٤) .

وعن ابن عبّاس : أنّ هذه الآية نزلت في صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان (٥) ، وفي عمّار بن ياسر ، وفي سميّة امّه ، وفي ياسر أبيه ، وفي بلال مولى أبي بكر ، وفي خبّاب بن الأرتّ ، وفي عابس مولى حويطب ، أخذهم المشركون فعذّبوهم ، فأمّا صهيب فقال لأهل مكة : إنّي شيخ كبير ، ولي مال ومتاع ، ولا يضرّكم كنت منكم أو من عدوّكم ، تكلّمت بكلام وأنا أكره أن أنزل عنه ، وأنا اعطيكم مالي

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢١١ / ٣٩٤ ، الكافي ٨ : ٢٨٩ / ٤٣٥.

(٢) تفسير القمي ١ : ٧١ ، مجمع البيان ٢ : ٥٣٤.

(٣) أي جميع وجوده وكيانه ، والشراشر : أطراف الأجنحة ، والجسم بجملته ويقال : ألقى عليه شراشره ، أي اعباءه وهمومه ، أو ألقى عليه نفسه حرصا ومحبّة.

(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٢١ / ٣٦٥.

(٥) في النسخة : عبد الله بن صرحان.

٤٣٣

ومتاعي ، واشتري منكم ديني ، فرضوا منه بذلك وخلّوا سبيله ، فانصرف راجعا إلى المدينة ، فنزلت.

وأمّا خبّاب بن الأرتّ ، وأبو ذرّ ، فقد فرّا وأتيا المدينة. وأمّا سميّة فربطت بين بعيرين ثمّ قتلت ، وقتل ياسر. وأمّا الباقون فأعطوا بسبب العذاب بعض ما أراد المشركون فتركوا. الخبر (١) .

وعنه أيضا : أنّها نزلت في رجل أمر بالمعروف ونهى عن المنكر (٢) .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنّ المراد بالآية الرّجل يقتل على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر » (٣) .

في قصة ليلة المبيت

وقال الفخر في ( تفسيره ) : والرواية الثالثة : أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة خروجه إلى الغار.

قال : ويروى أنّه لمّا نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجله ، وجبرئيل ينادي : بخ بخ ، من مثلك يابن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة ؛ ونزلت الآية (٤) .

وقال الفيض رحمه‌الله : روت العامّة عن جماعة من الصّحابة والتّابعين ، والعيّاشيّ ، وعدّة من أصحابنا عن أئمّتنا عليهم‌السلام في عدّة أخبار أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام حين بات على فراش النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. الخبر (٥) .

ويمكن الجمع بين الرّوايات بالقول بتكرّر نزول الآية بعد نزولها أوّلا في مكّة في أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة المبيت.

وأمّا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « المراد الرّجل يقتل » إلى آخره ، فلعلّ المراد أنّ مورد نزوله وإنّ كان خاصّا ، إلّا أنّ عنوان الآية بعمومه يشمل هذا المقتول ، بل يشمل كلّ من نصر دين الله ، وبذل نفسه في سبيل الله ، وإن كان أفضلهم وسيّدهم ومقتداهم أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والعجب كلّ العجب ممّن يروي قول جبرئيل في عليّ عليه‌السلام : من مثلك ، إلى آخره ، ثمّ يفضّل غيره عليه.

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ

 لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ

حَكِيمٌ (٢٠٩)

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٤.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٤.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٣٥.

(٤) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٤.

(٥) تفسير الصافي ١ : ٢٢١.

٤٣٤

ثمّ أنّه تعالى لمّا حكى عن بعض النّاس مضادّة الإسلام ، وعن بعض الخلوص فيه ، أمر كلّهم بالانقياد ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ والطّاعة ، والانقياد لله ورسوله ﴿كَافَّةً﴾ وجميعها. أو المراد : التزموا أحكام الإسلام بألسنتكم وقلوبكم جميعا ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ بالتفرّق والتّفريق ، أو بمخالفة ما امرتم به.

قيل : نزلت في طائفة من مسلمي أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلّام وأصحابه ، وذلك لأنّهم حين آمنوا بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أقاموا بعده على تعظيم شرائع موسى عليه‌السلام فعظّموا السّبت ، وكرهوا لحوم الإبل وألبانها ، وكانوا يقولون : ترك هذه الأشياء مباح في الإسلام وواجب في التّوراة ، فنحن نتركها احتياطا ، فكره الله ذلك منهم وأمرهم أن يدخلوا في السّلم كافّة ، أي في كافة شرائع الاسلام (١) .

وعن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) : « [ يعني ] في السّلام (٢) والمسالمة إلى دين الإسلام ﴿كَافَّةً﴾ جماعة (٣) فيه ، وادخلوا في جميع الإسلام ، فتقبّلوه واعملوا به ، ولا تكونوا ممّن يقبل بعضه ويعمل به ، ويأبى بعضه ويهجره. ومنه الدّخول في ولاية علي عليه‌السلام فإنّه كالدّخول في نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه لا يكون مسلما من قال إنّ محمّدا رسول الله ، ولم يعترف بأنّ عليّا وصيّه وخليفته وخير امّته. ﴿خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ ما يتخطّى بكم إليه من طرق الغيّ والضلالة ، ويأمركم [ به ] من ارتكاب الآثام والموبقات » (٤) .

وعن ( العيّاشيّ ) : عن الصادق عليه‌السلام : « ولاية عليّ عليه‌السلام والأئمّة الأوصياء من بعده ، وخطوات الشّيطان : ولاية فلان وفلان (٥) » . وفي رواية : « الثّاني والأوّل » (٦) .

عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ الله تعالى أظهر الشكاية من امّتي ، وقال : إنّي طردت الشّيطان لأجلهم ، [ فهم ] يعصونني ويطيعون الشّيطان » (٧) .

واعلموا ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ظاهر العداوة ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾ وأخطأتم الحقّ ، وكففتم أنفسكم عن الدّخول في السّلم ﴿مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ﴾ الآيات ﴿الْبَيِّناتُ﴾ والحجج الظاهرات ، على أنّ ما دعيتم إليه حقّ ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ غالب لا يعجز عن الانتقام ، ولا يمنع عن مراده شيء ، لكمال قدرته ،

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٧.

(٢) في المصدر : السلم.

(٣) زاد في المصدر : ادخلوا.

(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٢٦ / ٣٦٦.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢١٣ / ٣٩٨.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢١٤ / ٤٠٣.

(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٢٦.

٤٣٥

وقوّة سلطانه ﴿حَكِيمٌ﴾ لا ينتقم إلّا بالحقّ ، ولا يعذّب إلّا بالاستحقاق.

﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ

وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)

ثمّ أنّه تعالى بعد انهماك بيان المنافقين والمشركين في العناد واللّجاج ، وثباتهم على الكفر والفساد ، أعرض عن مخاطبتهم بالالتفات إلى الغيبة كأنّه يخاطب العقلاء ويستفهم عن سبب عنادهم ، توبيخا وإنكارا عليهم ، بقوله : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ وينتظرون من عدم الدخول في الاستسلام والوقوف على الكفر والنفاق بعد إتمام الحجّة ، ومشاهدة ما يمكن ظهوره من الآيات والمعجزات وقطع العذر في التمرّد والمخالفة ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ﴾ ببأسه وعذابه الكائن ﴿فِي ظُلَلٍ﴾ وقطع مظلّلات ﴿مِنَ الْغَمامِ﴾ والسّحاب الذي يتوقّع منه الرّحمة ، فينزل به العذاب والنّقمة ، ﴿وَ﴾ يأتيهم ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ الذين هم وسائط العذاب. أو المراد : أو يأتيهم العذاب في جمع من الملائكة ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ وتمّ إهلاكهم ، وفرغ منه ، وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ويتوقّعون ، فوضع الماضي موضع المستقبل لتحققّ الوقوع. وملخّصه أنّ الحجّة قد قامت وتمّت عليهم بحيث لم يبق له انتظار إلّا نزول عذاب الاستئصال ، ويمكن أن يكون المراد : بل ينتظرون يوم القيامة الذي تشقّق فيه الغمام ، وتنزّل الملائكة تنزيلا.

﴿وَإِلَى اللهِ﴾ في ذلك اليوم ﴿تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ كلّها ، ومنها تعذيب اولئك المصرّين على الكفر. والتعبير برجوع الامور إليه باعتبار أنّه تعالى قد ملّك النّاس امورا في الدنيا امتحانا ، فإذا جاء يوم القيامة ترجع جميع الامور في الظاهر والواقع من غيره إليه وحده ، لا قدرة لغيره على شيء ولو في الظاهر.

عن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) في تفسير الآية : « أي هل ينظر هؤلاء المكذّبون بعد إيضاحنا لهم الآيات ، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات إلّا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة ، كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا ، في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الإتيان ، واقتراحهم الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلّا مع زوال هذا التعبّد لأنّه (١) وقت مجيىء الأملاك بالإهلاك ، فهم

__________________

(١) في المصدر : التعبد ، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم ووقتك هذا وقت تعبّد لا.

٤٣٦

في اقتراحهم مجيىء الأملاك جاهلون ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي هل ينظرون [ إلّا ] مجيء الملائكة ، فإذا جاءوا وكان ذلك ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ بهلاكهم » الخبر (١) .

وأمّا ما عن القمي رحمه‌الله : عن الباقر عليه‌السلام قال : « إنّ الله إذا بدا له أن يبيّن خلقه ويجمعهم لما لا بدّ منه ، أمر مناديا ينادي فاجتمع الجنّ والإنس في أسرع من طرفة عين ، ثمّ أذن لسماء الدنيا فتنزل فكان من وراء النّاس ، وأذن للسماء الثانية فتنزل ، وهي ضعف التي تليها ، فإذا رآها أهل السماء الدنيا ، قالوا : جاء ربّنا ؟ قالوا : لا ، وهو آت - يعني أمره - حتّى تنزل كلّ سماء ، تكون كلّ واحدة منها من وراء الاخرى ، وهي ضعف التي تليها.

ثمّ ينزل أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربك ترجع الامور. ثمّ يأمر [ الله ] مناديا ينادي ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ(٢) فلا ظهور له في تفسير الآية ، بل هو بيان بعض أهوال يوم القيامة ، وإن عبر عن بعضها بعبارة الآية.

وأمّا ما عن العيّاشي رحمه‌الله : عنه عليه‌السلام في هذه الآية ، قال : « ينزل في سبع قباب من نور ، لا يعلم في أيّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة ، فهذا حين ينزل » (٣) . فهو تأويل للآية ، كالرّواية الاخرى ، عنه عليه‌السلام قال : « كأنّي بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم ، فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا نشرها انحطّت عليه ملائكة بدر » (٤) .

وقال : « إنّه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق ، فهذا حين ينزل ، وأمّا ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر » (٥) فتأويل.

ويمكن أن يكون المعنى : هل ينتظر هؤلاء الكفرة في تأخيرهم الايمان مجيء وقت لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم يستعتبون ؟ وهذا الوقت إمّا وقت نزول عذاب الاستئصال بالغمام والملائكة ، كعذاب قوم شعيب ، أو وقت ظهور القائم المنتظر عليه‌السلام ، ورفع التّوبة ، وهو القيامة الصّغرى ، أو يوم القيامة الكبرى.

__________________

(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٢٩ / ٣٦٧.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٧٧ ، والآية من سورة الرحمن : ٥٥ / ٣٣.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٢١٤ / ٤٠٥.

(٤) تفسير العيّاشي ١ : ٢١٤ / ٤٠٦.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢١٥ / ٤٠٧.

٤٣٧

وإن كان الأظهر والأشهر ما ذكرنا من حمل رواية التّفسير ، أو هي مع رواية القمّي رحمه‌الله عن الباقر عليه‌السلام على التّفسير ، وحمل رواية العيّاشي وما هو على مضمونه على البطن والتأويل.

﴿سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ

فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١)

ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حال الكفّار والمنافقين ، وشدّة لجاجهم على الباطل ، وتهديد المعاندين للحقّ على الزّلل والعصيان ؛ ذكر حال امّة موسى عليه‌السلام وشدّة جهلهم وعنادهم للحقّ بعد ظهور الآيات لهم مبالغة في زجر حاضري عصر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتسلية لقلبه الشريف بقوله : ﴿سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ لا لتحصيل العلم ، بل لأخذ الاعتراف منهم والتّبكيت والتّقريع عليهم ﴿كَمْ آتَيْناهُمْ﴾ وأنزلنا إليهم ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ ومعجزة أو دلالة ﴿بَيِّنَةٍ﴾ ظاهرة واضحة على صدق الأنبياء ، إذ [ إنّ ] في الكتب السماوية التي عندهم دلالة ظاهرة على صدق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن الواضح أنّ كلّ واحد من المعجزات الدّالّة على صدق الأنبياء ، والآيات الدّالّة على صحّة دين الإسلام وصدق محمّد نعمة عظيمة موجبة لهدايتهم إلى الحقّ ، ونجاتهم من الضّلال ، فبدّلوا هذه النعمة بأن جعلوها سببا لضلالهم ، إن كان المراد من الآية معجزات الأنبياء ، أو بأن حرّفوها ، إن كانت آيات الكتب ، وشواهد صدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ودينه.

﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ﴾ ويغيّرها عن جهتها أو يحرّفها ﴿مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ﴾ النّعمة ، يعاقبه الله بعقوبة شديدة ﴿فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ لأنّه عظيم الجرم.

﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا

فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢)

ثمّ ذكر الله سبحانه سبب تغييرهم النّعمة وتبديلهم الآيات بقوله : ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بنعمة الله ، وحسنت في أعينهم ﴿الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ وأمتعتها ولذائذها لضعف عقولهم وقوّة شهواتهم ﴿وَ﴾ لذا ﴿يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ويستهزئون بهم حيث تركوا الدّنيا وزهدوا فيها واختاروا الآخرة.

عن ابن عبّاس : نزلت في أبي جهل ورؤساء قريش ، كانوا يسخرون من فقراء المسلمين كعبد الله

٤٣٨

بن مسعود ، وعمّار ، وخبّاب ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن فهيرة ، وأبي عبيدة بن الجرّاح ، بسبب ما كانوا فيه من الفقر والضّر ، والصّبر على أنواع البلاء ، مع أنّ الكفّار كانوا في النّعم والرّاحة (١) .

وقيل : نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم من بني قريظة والنّضير والقينقاع ، سخروا من فقراء المسلمين المهاجرين حيث اخرجوا من ديارهم وأموالهم (٢) .

وقيل : نزلت في المنافقين عبد الله بن ابيّ وأصحابه ، كانوا يسخرون من ضعفاء المسلمين و[ فقراء ] المهاجرين (٣) .

أقول : ويمكن القول بنزولها في جميعهم.

﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ واجتنبوا مخالفة أحكام الله من المؤمنين ﴿فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ لأنّ المتّقين في أعلى علّيّين والدّرجة الرفيعة من الجنان ، والساخرين في أسفل السّافلين من النّار وحضيض الذلّة والهوان. ويحتمل أن يكون تفوّقهم من حيث السّخرية ، فإنّ سخرية المؤمنين في القيامة فوق سخرية الكفّار في الدنيا.

ثمّ أنّه لمّا كان للكفّار أن يقولوا : اذا كان المؤمنون المتّقون أكرم عند الله فلم يعيشون في الشدّة والفقر ؟ فردّهم بقوله : ﴿وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ﴾ من خلقه في الدّنيا ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ وتقدير ، فيوسّع استدراجا تارة ، وابتلاء اخرى ، أو المراد أنّ رزق الدّنيا قليل ، ويرزق في الآخرة من يشاء من عباده بغير حساب وينعّم المؤمنين في الجنّة بلا إحصاء.

﴿كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ

 الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ

 الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا

 اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)

ثمّ بيّن الله تعالى أنّ هذه المعاندة والمشاقّة مع الأنبياء ليست ممّا حدث في هذا الأوان أو بعد موسى ، بل كانت من قديم الزّمان قبل نوح وبعد آدم ، بقوله : ﴿كانَ النَّاسُ﴾ جميعهم في أوّل الأمر بعد وفاة آدم ﴿أُمَّةً واحِدَةً﴾ وجماعة مجتمعين على الجهل ، لا يدرون ما الإيمان وما الكفر وما

__________________

(١) تفسير الرازي ٦ : ٥.

(٢ و٣) . تفسير الرازي ٦ : ٥.

٤٣٩

الشّرك ، وكانوا على الفطرة والاستعداد لقبول الحقّ ، كما عن ( المجمع ) عن الباقر عليه‌السلام : « أنّهم كانوا قبل [ نوح ] امّة واحدة على فطرة الله ، لا مهتدين ولا ضلّالا » (١) الخبر.

﴿فَبَعَثَ اللهُ﴾ فيهم ﴿النَّبِيِّينَ﴾ حال كونهم ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ للمؤمنين بوحدانيّته وأنبيائه وشرائعه ، بفضله وثوابه ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ للكافرين بها من عقابه.

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام قال : « كان [ النّاس ] قبل نوح امّة ضلال ، فبدا لله فبعث النبيّين ، وليس كما يقولون : لم يزل ، [ و] كذبوا ، يفرق [ الله ] في ليلة القدر ما كان من شدّة أو رخاء أو مطر بقدر ما شاء أن يقدّر إلى مثلها » (٢) الخبر.

لعلّ المراد أنّ الله لم يترك الخلق سدى ، وما كانت يده مغلولة ، فكما أنّه يدبر أمور معاشهم في كلّ آن ويقدّرها في كلّ سنة ، كذلك يدبّر امور دينهم ببعث الرّسل.

إشكال وحلّ

فإن قلت : يلزم على الرّوايتين أن يكون زمان [ ما ] خاليا من الحجّة ، وهو خلاف ما عليه الإماميّة وما دلّت عليه الرّوايات المتظافرة إن لم تكن متواترة.

قلت : لعلّ التّرتّب المستفاد من الفاء هو التّرتّب العقليّ لا الزّماني ، فإن النّبيّ وإن كان قبل الخلق ، ولكن البعث لا يتحقّق إلّا بعد وجود المبعوث إليه ، فيكون مفاد الآية - والله العالم - أنّه لو لم يكن بعث النّبيّين ، لم يكن اختلاف بين النّاس لأنّ كلّهم كانوا جهّالا وضلّالا ، فلمّا بعث الرّسل حدث الاختلاف بينهم ، ولم يحدث إلّا بوجود الاخلاق الرّذيلة من الحسد والبغي على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

توضيح بتمثيل

وهذا نظير ما قيل من أنّ الأجسام ليس لها لون وإنّما اللّون إذا أشرقت الأجسام ، فإذا وقع الشّعاع على الجسم فبحسب الاستعداد الّذي يكون للجسم يحصل للنّور لون مناسب لما في كون الجسم من الاستعداد والخصوصيّة ، ففي الحقيقة الألوان المختلفة تكون للنّور لا للجسم ، وانّما يظهر كلّ لون من الألوان للنّور بسبب انعكاسه على الجسم الذي تكون فيه خصوصيّة مناسبة لذلك اللّون ، فكذلك النّفوس البشريّة ليس فيها فعليّة الاختلاف في الإيمان والكفر ، ولو لم يكن إشراق نور شمس النبوّة والهداية ، كانت جميع النّفوس متساوية. فإذا أشرق نور النبوّة ظهر الاختلاف فيهم بالإيمان والكفر على حسب اختلاف الاستعدادات والخصوصيّات ، فمن كانت نفسه مستعدّة لقبول الحقّ ، ولم يغلب عليها الحسد والبغي يكون من أهل الإيمان على اختلاف مراتبه ، ومن فيه الخباثة

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٥٤٣.

(٢) الكافي ٨ : ٨٢ / ٤٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٢٤.

٤٤٠