نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-759-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٥٢

قيل : كان وجوبه بعد الهجرة بثلاث سنين.

ثمّ بيّن الله تعالى زمان الصّيام ووقته ، بقوله : ﴿أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ﴾ قيل : يعني مقدّرات بعدد معيّن (١) .

وقيل : إنّ المراد صوموا أيّاما قلائل ، فإنّ الشيء القليل يعدّ عدّا ، والكثير يهال هيلا (٢) .

ثمّ بيّن حكم ذوى الأعذار بقوله : ﴿فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً﴾ يضرّه الصّوم بتشديد مرضه أو إطالته أو عسر علاجه ﴿أَوْ﴾ كان راكبا ﴿عَلى سَفَرٍ﴾ إذا تلبّس به قبل الزّوال ﴿فَعِدَّةٌ﴾ موافقة لأيّام مرضه أو سفره ﴿مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ واجبة عليه قضاء ، ولا يجوز له الصّوم في الحالين.

عن الباقر عليه‌السلام قال : « سمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوما صاموا حين أفطر وقصّر عصيانا » (٣) .

وعن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عمّن صام في السّفر ؟ فقال : « إن كان بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يبلغه فلا شيء عليه » (٤) .

وفي رواية اخرى : « وإن صام بجهالة ، لم يقض » (٥) . والمشهور نصّا وفتوى أنّ السّفر ثمانية فراسخ ، امتداديّة ، أو تلفيقيّة.

﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ ويقدرون عليه مع المشقّة والعسرة ، كالشّيخ والشّيخة وذي العطاش والحامل المقرب ﴿فِدْيَةٌ﴾ مقدّرة واجبة عليهم إن أفطروا ، وهي ﴿طَعامُ مِسْكِينٍ﴾ واحد وإشباعه عوضا عن الصّوم الذي فات منه.

روي عن الصادق عليه‌السلام أنّ معناه : « وعلى الّذين كانوا يطيقون الصّوم ثمّ أصابهم الكبر أو العطاش أو شبه ذلك ، فدية لكلّ يوم مدّ من الطّعام » (٦) .

﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ﴾ وتبرّع ﴿خَيْراً﴾ وزاد في الفدية المقرّرة ﴿فَهُوَ﴾ عند ربّه ﴿خَيْرٌ﴾ وأنفع ﴿لَهُ﴾ وأكثر مثوبة في الآخرة.

﴿وَأَنْ تَصُومُوا﴾ أيّها المطيقون ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وأفضل من الفدية والتطوّع بالزيادة ، وأنتم أيّها المؤمنون ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ما في الصّوم من الفضيلة اخترتموه لا محالة. في الحديث القدسيّ : « الصّوم لي ، وأنا أجزي به » (٧) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ٧٣ ، وفيه : بعدد معلوم.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٦ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٠ ، وفيهما : وقصر عصاة.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٠.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٨ / ٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٠.

(٦) جوامع الجامع : ٣٤.

(٧) تفسير روح البيان ١ : ٢٩١.

٤٠١

والأيّام المعدودات هي ﴿شَهْرُ رَمَضانَ﴾ قيل : سمّي هذا الشهر برمضان لارتماض الأكباد واحتراقها من الجوع والعطش ، وأمّا لارتماض الذنوب بالصّيام فيه (١) وما لغير ذلك من الوجوه الّتي ذكرت في محلّها.

وروي أنّ رمضان اسم من اسماء الله تعالى ، والشّهر مضاف إليه. وروي : لا تقولوا : جاء رمضان ، وذهب رمضان ، ولكن قولوا : جاء شهر رمضان ، فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى (٢) .

ثمّ أشار سبحانه إلى حكمة تخصيص هذه العبادة العظيمة بهذا الشّهر العظيم ، بقوله : ﴿الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ ابتداؤه أو بيانه أو تأويله أو جميعه دفعة إلى البيت المعمور في ليلة القدر منه.

روي عن ( الكافي ) : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله تعالى : ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وإنّما انزل القرآن في عشرين سنة بين أوّله وآخره ؟

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « نزل [ القرآن ] جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثمّ نزل في طول عشرين سنة »

ثمّ قال : « قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان ، وانزلت التّوراة لست مضين من شهر رمضان ، وانزل الإنجيل لثلاث عشرة [ ليلة ] خلت من شهر رمضان ، وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان ، وانزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان » (٣) .

وقد تضافرت الرّوايات بأنّها ليلة القدر ، فتوصيف هذا الشّهر بذلك الوصف لبيان أنّ هذا الشّهر لفضيلته وشرافته الذاتيّة خصّ بنزول الرّحمة ووفور البركات التي أتمّها نزول القرآن الذي وصفه بكونه ﴿هُدىً﴾ ودليلا ﴿لِلنَّاسِ﴾ إلى الحقّ القويم والصّراط المستقيم بما فيه من الإعجاز.

﴿وَبَيِّناتٍ﴾ قيل : يعني آياته موضحات (٤)﴿مِنَ الْهُدى﴾ الذي يكون في سائر الكتب السّماويّة ، وكاشفات عن مبهمات سائر الصّحف التي نزلت لهداية النّاس ﴿وَالْفُرْقانِ﴾ الذي يكون فيها.

والحاصل : أنّ جميع الكتب السّماويّة ، وإن كان هاديا إلى الخير ومفرّقا بين الحقّ والباطل ، إلّا أنّه لا تتمّ هدايتها وتفريقها إلّا بتوضيحات من القرآن ، فالقرآن بيّن بنفسه ومبيّن لغيره من الكتب. فلذا كان أهدى وأفضل وأشرف من سائر الكتب. وهذا الشّهر أفضل وأشرف بسبب نزول القرآن فيه. فحقّ

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٢.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٢.

(٣) الكافي ٢ : ٤٦٠ / ٦.

(٤) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٢.

٤٠٢

على العباد أن يشكروا لله فيه ويعبدوه.

﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ﴾ وحضر في وطنه أو أقام في مكان ولم يكن مريضا ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾ وليخصّه بهذه العبادة الفاضلة.

﴿وَمَنْ كانَ﴾ في هذا الشّهر ﴿مَرِيضاً﴾ وإن كان مقيما أو حاضرا ﴿أَوْ﴾ كان ﴿عَلى سَفَرٍ﴾ وإن كان صحيحا سليما فليفطره في الحالين ، فإذا أفطر ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ غير شهر رمضان ، يصوم قضاء لما أفطر.

قيل : في تكرير هذا الحكم تأكيد الأمر بالإفطار ، وإشعار بكونه عزيمة لا يجوز تركه (١) .

ثمّ أشار إلى حكمة الحكم بقوله : ﴿يُرِيدُ اللهُ﴾ بإباحة الإفطار ﴿بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ والتّسهيل ﴿وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ والمشقّة بالصّوم في الحالين لغاية رأفته ، وسعة رحمته.

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل تصدّق على مرضى امّتي ومسافريها بالتّقصير والإفطار ، أيسرّ أحدكم إذا تصدّق بصدقة أن تردّ عليه ؟ » (٢).

وعن ( الخصال ) : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله تبارك وتعالى أهدى إليّ [ وإلى ] امّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا » . قالوا : وما ذلك يا رسول الله ؟ قال : « الافطار في السّفر ، والتّقصير في الصّلاة ، فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ على الله عزوجل هديّته » (٣) .

ثمّ أشار إلى حكمة الأمر بالقضاء بقوله : ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ المعيّنة من أيّام الصّيام بقضاء الصّوم في غيرها.

ثمّ أشار إلى حكمة الحكمين بقوله : ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ﴾ وتعظّموه وتمجّدوه ﴿عَلى ما هَداكُمْ﴾ وأرشدكم إليه من أحكامه وطريق امتثالها.

عن ( الكافي ) : عن الصادق عليه‌السلام : « أما إنّ في الفطر تكبيرا ، ولكنّه مسنون » (٤) .

قال : قلت : وأين هو ؟ قال : « في ليلة الفطر في المغرب ، والعشاء الآخرة ، وفي صلاة الفجر ، وفي صلاة العيد ، ثمّ يقطع » .

قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : « تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر [ والله أكبر ] ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا. وهو قول الله عزوجل : ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ(٥) .

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢٠٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٢.

(٣) الخصال : ١٢ / ٤٣.

(٤) في المصدر : مستور.

(٥) الكافي ٤ : ١٦٦ / ١.

٤٠٣

عن ( الفقيه ) : عن الرّضا عليه‌السلام : « وإنّما جعل التّكبير في صلاة العيد أكثر منه في غيرها من الصّلوات ؛ لأنّ التّكبير إنّما هو تعظيم الله وتمجيده على ما هدى وعافى ، كما قال عزّ وعلا : ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ(١) الخبر.

﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لله على أفضاله وألطافه من إيجاب الصّوم الذي هو موجب لتهذيب النّفوس في الشّهر الذي هو أفضل الشّهور وتسهيل الأمر فيه ، فإنّ من تفكّر في أنّ الله تعالى مع كمال جلاله واستغنائه راعى صلاح عبيده ومن عليهم بالألطاف العظيمة ، علم أنّه مستحقّ لغاية الشّكر والثّناء ، فيجب عليه المواظبة والاهتمام به بمقدار قدرته وطاقته.

﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا

لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)

ثمّ أنّه تعالى بعد ما أمر بالتّكبير والشّكر ، رغّب عبيده في الدّعاء وطلب الحوائج لتنبيههم بأنّه تعالى كما يطلب منكم الطّاعة والتّكبير والشّكر ، كذلك هو مع كونه منعما عليكم بنعم لا تحصى مجيب لطلباتكم ومستجيب لدعائكم.

قيل : إنّه تعالى لمّا فرض الصّوم وكان من أحكامه أنّ الصّائم إذا نام حرّم عليه الإفطار ؛ شقّ ذلك على بعضهم حتّى عصوا. ثمّ ندموا وسألوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن توبتهم (٢) ، فنزل : ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي﴾ وروي أنّ أعرابيّا قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقريب ربّنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه (٣) .

﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ منهم لا بالمكان ، بل بالقيموميّة والإحاطة العلميّة وسعة الرّحمة ، حيث إنّه إذا كان القرب بالمكان مرادا لامتنع أن تتساوى نسبته إلى جميع خلقه.

نقل كلام الفخر الرازي في تنزيهه تعالى عن المكان

نقل الفخر الرازي (٤) [ يروى أنّ إمام الحرمين ] نزل ببعض الأكابر ضيفا ، فاجتمع عنده العلماء وسائر الأكابر ، فقال بعض أهل المجلس : ما الدّليل على تنزيهه تعالى عن المكان وهو قال : ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى(٥) ؟

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٣١ / ١٤٨٨.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ٩٤.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٠٠ ، تفسير الرازي ٥ : ٩٤ ، لباب النقول : ٣٣.

(٤) وجدناه في روح البيان ، ولم نجده عن الفخر الرازي.

(٥) طه : ٢٠ / ٥.

٤٠٤

فقال : الدّليل عليه قول يونس في بطن الحوت : ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(١) . فتعجّب منه النّاظرون ، فالتمس صاحب الضّيافة بيانه.

فقال الإمام (٢) : هاهنا فقير مديون بألف درهم ، أدّ عنه دينه حتّى أبيّنه. فقبل صاحب الضّيافة دينه ، فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ذهب في المعراج إلى ما شاء الله من العلى ، قال : « ربّ لا احصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك » ولمّا ابتلي يونس عليه‌السلام بالظّلمات في قعر البحر ببطن الحوت ، قال : ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فكلّ منهما خاطبه بقوله : ( أنت ) وهو خطاب الحضور ، فلو كان الله في مكان لما صحّ ذلك (٣) .

ثمّ قال الله تعالى تقريرا للقربة وترغيبا للعباد في دعائه : ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ واعطي ما سأله السائل ﴿إِذا دَعانِ﴾ وسألني حاجته باللّسان والقلب في السّرّ والجهر. ومن الواضح أنّه إذا لم يخالف إجابته القضاء المبرم ولم يكن في إسعاف حوائجهم مفسدة في دينهم ودنياهم.

فإذا كنت مجيبا لدعائهم ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ وليبادروا إلى إجابة دعائي إلى الإيمان والأعمال الصّالحة ، فكأنّه تعالى قال : أنا مع غنائي عنكم اجيب دعاءكم ، فأنتم مع نهاية حاجتكم إليّ في جميع اموركم أحقّ وأولى بإجابة دعائي.

ثمّ بيّن استجابتهم الواجبة (٤) بقوله : ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ فكأنّه قال : إجابة دعائي الإيمان بوحدانيّتي وبرسولي بجميع ما جاء به.

عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ معناه ليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه » (٥) .

﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ويصيبون الحقّ ويهتدون إليه ، ويمكن أن يكون من وجوه نظم الآية أنّ من وظائف الصّائم الدّعاء ، كما روي أنّ دعوة الصّائم لا تردّ (٦) .

في بيان بعض موجبات عدم استجابة الدعاء

روي أنّ الصادق عليه‌السلام قرأ : ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ(٧) فسئل : ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ فقال : « لأنّكم تدعون من لا تعرفون ، وتسألون ما لا تفهمون فالاضطرار

__________________

(١) الأنبياء : ٢١ / ٨٧.

(٢) في النسخة : فقال فخر ، وما أثبتناه من روح البيان ، إذ المراد إمام الحرمين لا الفخر الرازي.

(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٥.

(٤) في النسخة : الواجب.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٥٠٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٤.

(٦) عدة الداعي : ١٢٨ ، بحار الأنوار ٩٦ : ٢٥٦ / ٣٦.

(٧) النمل : ٢٧ / ٦٢.

٤٠٥

عين الدّين ، وكثرة الدّعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان ، من لم يشهد ذلّة نفسه وقلبه وسرّه تحت قدرة الله حكم على الله بالسّؤال ، وظنّ أنّ سؤاله دعاء ، والحكم على الله من الجرأة على الله » (١) .

وفي رواية : قيل له عليه‌السلام : إنّ الله يقول : ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ فقال : « لأنّكم لا توفون بعهده ، وإنّ الله يقول : ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ(٢) والله لو وفيتم [ لله ] لو فى الله لكم » (٣) .

في دفع توهّم عدم الفائدة للدعاء

ثمّ اعلم أنّ بعض الجهّال قالوا : إنّ الدّعاء عديم الفائدة ؛ لأنّ المطلوب بالدّعاء إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى كان واجب الوقوع ، وإن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع ، فلا فائدة في الدّعاء على التّقديرين.

وهو واضح الفساد ، إذ قد يكون أمر معلوم الوقوع على تقدير الدعاء حيث إنّ للدّعاء دخالة تامّة في مصلحة ذلك الأمر ، فقد لا تكون المصلحة في إيجاد المطلوب ، وبالدّعاء يوجد فيه الصّلاح ، والآيات والأخبار المتواترة ناصّة على فائدته ، بل هي من ضروريّات الدّين فمنكرها كافر.

في دفع المنافاة بين الدعاء والرضا بقضاء الله

وأمّا ما قيل من أنّه : ثبت بشواهد العقل والأخبار الصّحيحة أنّ الرّضا بقضاء الله من أجلّ مقامات الصّدّيقين وأعلاها ، والدّعاء مناف للرّضا ، حيث إنّ فيه ترجيح مراد النّفس على مراد الله ، وطلب حظوظ البشريّة.

ففيه : أنّ الدّعاء إظهار لجهة العبوديّة من الحاجة والذّلّة والمسكنة مع الرّضا بقضاء الله وقدره لعدم المنافاة بينهما ، وذلك من أعظم مقامات الأولياء ، بل الآيات والأخبار المتواترة ناصّة على كونه من أفضل العبادات ، بل في تركه مظنّة الاستكبار ، ولذا قال سبحانه : ﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ(٤) .

﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ

 اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢٠٤.

(٢) البقرة : ٢ / ٤٠.

(٣) تفسير القمي ١ : ٤٦ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٥.

(٤) غافر : ٤٠ / ٦٠.

٤٠٦

وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ

 الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ

 عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ

لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)

ثمّ أنّه روي أنّ الأكل كان محرمّا في شهر رمضان باللّيل بعد النّوم ، وكان النّكاح حراما باللّيل والنّهار ، وكان رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له مطعم بن جبير ، نام قبل أن يفطر وحضر حفر الخندق فاغمي عليه ، وكان قوم من الشّبّان ينكحون باللّيل سرّا في شهر رمضان ، فنزلت (١) : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ﴾ وابيح لكم فيها ﴿الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ﴾ قالوا : الرّفث : كناية عن المباشرة والجماع. ثمّ أشار سبحانه إلى علّة التّرخيص والإباحة بقوله : ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ﴾ ومتّصلات بكم إتّصال الثّياب بالأبدان ﴿وَأَنْتُمْ﴾ أيضا ﴿لِباسٌ لَهُنَ﴾ ومخالطون بهنّ.

قيل : وجه شباهة المخالطة والمحرميّة باللباس أنّ الإنسان كما لا يفارق لباسه ، ولا يستر عنه عورته ، بل يستر عورته به عن غيره ، كذلك الزّوج والزّوجة ، والصّديق الحافظ لأسرار صديقه المؤانس له ، فصارت شدّة مخالطة الزّوج والزّوجة سببا لكمال المشقّة في كفّ النّفس عن المقاربة والاستمتاع.

ثمّ أخبر الله بعصيان كثير من المسلمين فيه بقوله : ﴿عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ﴾ وتظلمون ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ بتعريضها للعقاب بسبب غلبة الشّهوة وارتكاب المعصية ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ لمّا تبتم ﴿وَعَفا﴾ ومحا أثر الخيانة ﴿عَنْكُمْ﴾ بقبول التّوبة.

وروي البيضاوي : أنّ عمر باشر بعد العشاء مع علمه بحرمته (٢) ، فندم وأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعتذر إليه. وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما كنت جديرا به » (٣) فقام رجال واعترفوا بما صنعوا بعد العشاء (٤) .

وفي رواية : أنّه أراد الجماع ، فقالت امرأته : إنّي نمت. فلم يقبل منها ، ثمّ أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت (٥) .

﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ﴾ وجامعوا معهنّ في أيّ وقت أردتم من اللّيل ﴿وَابْتَغُوا﴾ بالمباشرة واطلبوا بها

__________________

(١) جوامع الجامع : ٣٤.

(٢) ( مع علمه بحرمته ) ليس في تفسير البيضاوي.

(٣) ( وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كنت جديرا به ) ليس في تفسير البيضاوي.

(٤) تفسير البيضاوي ١ : ١٠٦.

(٥) الدر المنثور ١ : ٤٧٥.

٤٠٧

﴿ما كَتَبَ اللهُ﴾ في اللّوح المحفوظ ، وما قدّره ﴿لَكُمْ﴾ من الولد ، ولا يكن غرضكم منها صرف قضاء الشّهوة.

في نقل بعض العامة اعتذار عمر عن عصيانه

ولعلّ فيه التّعريض على عمر ، حيث نقل صاحب ( روح البيان ) أنّ عمر اعتذر عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : إنّي رجعت إلى أهلي بعد العشاء ، فشممت رائحة طيّبة ، فسوّلت لي نفسي. ثمّ قال بعد نقله : وصارت زلّته سببا للرّحمة على جميع الامّة (١) . وذلك من عجائب الكلام ، وليت شعري كيف يكون لمن لم يقدر على كفّ نفسه بسبب استشمام رائحة من زوجته عن المعصية الكبيرة ، كرامة عند الله ! ولعلّ هذه الرّحمة كانت بسبب رجال شبّان اعترفوا بالخطيئة وكانوا معذورين فيها.

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ من أوّل ليالي الصّيام ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ ويتّضح ﴿لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ﴾ وهو كناية عن البياض المعترض في الافق ﴿مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ وهو كناية عن ظلمة غسق اللّيل الممتدّة فوق البياض ، حال كون ذلك البياض ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ وانشقاق الصّبح الصّادق.

روي عن سهل السّاعدي : أنّها نزلت ولم يكن قوله : ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ وكان رجال [ إذا صاموا ] يشدّون في أرجلهم خيوطا بيضاء وسوداء ، فلم يزالوا يأكلون ويشربون حتّى يتبيّنا لهم ، ثمّ نزل البيان في قوله : ﴿مِنَ الْفَجْرِ(٢) .

وعن عديّ بن حاتم أنّه قال : أخذت عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي ، وكنت أقوم من اللّيل فأنظر إليهما فلم يتبيّن لي الأبيض من الأسود ، فلمّا أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته ، فضحك وقال : إنّك لعريض القفا (٣) ، إنّما ذلك بياض النّهار وسواد اللّيل (٤) .

في ردّ قول بعض العامة بحصر مفطرات الصوم في ثلاثة

ثمّ اعلم أنّ وجه الاقتصار في الآية على حرمة الجماع والأكل والشّرب ، هو كثرة الابتلاء بها ، وكونها مرغوبا إليها لنوع المكلّفين دون سائر المفطّرات كالحقنة والقيء والارتماس في الماء - على القول بمفطّريته - وأنكر بعض العامّة مفطرّية غير الثلاثة المذكورة في الآية ، وهو في غاية الفساد لثبوت مفطرّية غيرها بالرّوايات المعتبرة.

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٩.

(٢) كنز العرفان ١ : ٢١٥ / ٧.

(٣) قيل : هو كناية عن طول النوم وكثرته ، وقيل : كناية عن السّمن. راجع : النهاية ٣ : ٢١٠.

(٤) تفسير الرازي ٥ : ١٠٩.

٤٠٨

في منع الملازمة بين إباحة الجماع في الليل وإباحة الاصباح جنبا

وعن بعض العامّة : أنّ الآية دالّة على صحّة صوم من أصبح جنبا ، حيث إنّ ( حتى ) غاية لجواز المباشرة والأكل والشرب إلى طلوع الفجر ، وجواز تأخير الغسل إلى الصّبح لازم إباحة المباشرة في الزّمان المتّصل بالصّبح (١) .

وفيه منع الملازمة ، فإنّ حرمة الإصباح جنبا لا ينافي جواز المباشرة قبل الفجر ، لأنّه إذا باشر قبل الصّبح لم يرتكب حراما من حيث تلك المباشرة ، بل بالإصباح جنبا.

والحاصل : أنّه لو دلّ الدّليل على مفطّريّة الإصباح جنبا ، لا يعارضه ظهور الآية ، بل الآية ساكتة عن مفطريّة البقاء على الجنابة نفيا وإثباتا.

﴿ثُمَّ أَتِمُّوا﴾ وأديموا ﴿الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ فإنّ أوّله آخر وقته ، ويعلم بزوال الحمرة المشرقيّة عن قمّة الرأس.

ثمّ بعد بيان حرمة مباشرة النّساء في زمان الصّيام ، بيّن حرمتها في حال الاعتكاف بقوله : ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَ﴾ ليلا ونهارا بالجماع ومقدّماته ﴿وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ﴾ ومقيمون بقصد العبادة المعهودة ﴿فِي الْمَساجِدِ﴾ عموما على قول ، وفي كلّ مسجد جامع على قول آخر ، أو خصوص مسجد جمع فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الوصيّ جمعة أو جماعة على قول ثالث ، فإن باشر أحد في حال الاعتكاف ليلا أو نهارا يبطل على ما ذهب إليه بعض الأصحاب.

ثمّ بالغ في الرّدع عن مخالفة أحكامه بقوله : ﴿تِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودُ اللهِ﴾ وحرماته ﴿فَلا تَقْرَبُوها﴾ فإنّ النّهي عن القرب أبلغ في التّحريم من النّهي عن المخالفة.

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ، وإنّ حمى الله محارمه ، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه » (٢) .

﴿كَذلِكَ﴾ التّبيين والتّوضيح الذي لا يبقى الشكّ معه ﴿يُبَيِّنُ اللهُ﴾ ويوضح ﴿آياتِهِ﴾ وحججه على توحيده ونبوّة نبيّه وسائر أحكامه ﴿لِلنَّاسِ﴾ كافّة ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ عقابه ويحترزون عن مخالفته.

﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ

 أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١١٠ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٠٠

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١١٥.

٤٠٩

ثمّ أنّه تعالى بعد نهي النّاس عن أكل أموال أنفسهم في أيام شهر رمضان ، نهى عن أكل أموال الغير على خلاف حكمه وبغير الوجه الذي شرّعه في جميع الأوقات ، بقوله : ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ﴾ أي لا يتصرّف بعضكم في أملاك بعض آخر ، ولا تتعاملوا ﴿بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ﴾ وبالوجه الذي يكون منهيّا ومحرّما ، كأكلها بشهادة الزّور ، أو اليمين الكاذبة ، أو بالصّلح ، مع العلم بعدم الحقّ أو غير ذلك من الوجوه غير الجائزة.

قيل : نزلت في رجلين تخاصما في أرض بينهما ، فأراد أحدهما أن يحلف على أرض أخيه بالكذب ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما أنا بشر يوحى إليّ وأنتم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له شيئا من حقّ أخيه ، فإنّما أقضي له قطعة من نار » فبكيا ، وقال كلّ واحد منهما : أنا احلّ لصاحبي. فقال : « اذهبا فتوخّيا ثمّ استهما ، ثمّ ليحلّل كلّ واحد منكما صاحبه » (١) .

عن الصادق عليه‌السلام : « كانت قريش تقامر الرجل في أهله وماله ، فنهاهم الله » (٢) .

وعن ( المجمع ) عن الباقر عليه‌السلام : « يعني بالباطل اليمين الكاذبة ، يقتطع بها الأموال » (٣) .

وعن ( الفقيه ) و( العياشي ) : عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل : الرّجل منّا يكون عنده الشيء يتبلّغ به ، وعليه الدين ، أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله بميسرة فيقضي دينه ، أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسب ، أو يقبل الصّدقة ؟

فقال : « يقضي بما عنده دينه ، ولا يأكل أموال النّاس الّا وعنده ما يؤدّي إليهم (٤) ، إنّ الله عزوجل يقول : ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ(٥) - إلى أن قال - : ولا يستقرض على ظهره [ إلّا وعنده ] وفاء » (٦) الخبر.

في جواز الاستقراض مع عدم القدرة على الوفاء

ولعلّه لهذه الرواية ذهب أبو الصّلاح إلى حرمة الاقتراض على من لا يكون عنده ما يقتضيه ولا يقدر لو طولب على القضاء (٧) .

__________________

(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٠٢ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٠٢.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٩١ / ٣١٠ ، مجمع البيان ٢ : ٥٠٦.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٠٦.

(٤) زاد في تفسير العياشي : حقوقهم.

(٥) تفسير العياشي ١ : ١٩٢ / ٣١٣ ، من لا يحضره الفقيه ٣ : ١١٢ / ٤٧٦.

(٦) الكافي ٥ : ٩٥ / ٢.

(٧) الكافي في الفقه : ٣٣٠.

٤١٠

وفيه : أنّها معارضة برواية موسى بن بكر (١) ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : « من طلب هدا الرّزق من حلّه ليعود به [ على ] نفسه وعياله ، كان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل ، فإن غلب عليه فليستدن على الله عزوجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إنّ الله عزوجل يقول : ﴿إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ﴾ إلى قوله : ﴿وَالْغارِمِينَ(٢) فهو فقير مسكين مغرم » (٣) ونحوه غيره ، والترجيح معه لتأيّده بإطلاق كثير من الرّوايات وفتاوى جلّ الأصحاب فلا بدّ من حمل الرّواية المانعة على نوع من الكراهة.

ثمّ لكمال شدّة حرمة إعطاء الأموال رشوة خصّه بالذكر مع دخوله في عموم النّهي السابق بقوله : ﴿وَتُدْلُوا بِها﴾ وتلقوها ﴿إِلَى الْحُكَّامِ﴾ والقضاة السّوء بعنوان الرّشوة ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ بأحكامهم الباطلة والرّشوة والمصانعة ﴿فَرِيقاً﴾ وقسمة ﴿مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ﴾ ملابسا ﴿بِالْإِثْمِ﴾ والمعصية والظلم ، أو بسبب الإثم من اليمين الكاذبة.

﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنّكم مبطلون ظالمون ، ومن الواضح أنّ ارتكاب القبيح مع العلم بقبحه أقبح.

في حرمة الترافع عند قضاة الجور

عن القمي رحمه‌الله : قال العالم عليه‌السلام : « قد علم الله أنّه قد يكون حكّام يحكمون بغير الحقّ ، فنهى أن يتحاكموا (٤) إليهم ؛ لأنّهم لا يحكمون بالحقّ فتبطل الأموال » (٥) .

وقيل : إنّ المراد أن لا تلقوا أمر أموالكم والحكومة فيها إلى الحكّام لتأكلوا وتأخذوا باليمين الكاذبة وشهادة الزّور والصّلح - مع العلم بعدم الحقّ - طائفة من أموال النّاس عصيانا وظلما ، فعلى هذا يكون المراد من الحكّام عموم القضاة ، والنّهي راجع إلى أخذ أموال النّاس بالدّعوى الباطلة.

عن ( العيّاشي ) عن الرّضا عليه‌السلام أنّه كتب في تفسيرها : « إنّ الحكّام القضاة » ثمّ كتب تحته : « هو أن يعلم الرّجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي ، فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له [ به ] إذا كان قد علم أنّه ظالم » (٦) .

﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا

الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ

__________________

(١) في النسخة : موسى بن بكير ، راجع : معجم رجال الحديث ٩ : ٢٢.

(٢) التوبة : ٩٠ / ٦٠.

(٣) الكافي ٥ : ٩٣ / ٣.

(٤) في المصدر : يتحاكم.

(٥) تفسير القمي ١ : ٦٧.

(٦) تفسير العياشي ١ : ١٩١ / ٣١٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٩ / ٥١٨.

٤١١

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩) )

ثمّ أنّه روي أنّ معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم ، وهم كانا من الأنصار ، قالا : يا رسول الله ، ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثمّ يزيد حتّى يمتلئ ويستوي ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعودكما بدأ ؟ لم لا يكون على حالة واحدة كالشمس ؟ [ فنزلت هذه الآية ](١) .

ولمّا جرى ذكر شهر رمضان لتعيين وقت الصّوم ، ذكر الله هذا السؤال وجوابه هنا بقوله : ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ﴾ حكمة اختلاف حال ﴿الْأَهِلَّةِ﴾ بزيادة نورها ونقصانه.

قيل : وجه إطلاق الهلال على أوّل ما يبدو من نور القمر إلى ثلاث ليال أنّ العرب كانوا يرفعون أصواتهم بالذّكر عند رؤيته (٢) .

وروي عن معاذ : أنّ اليهود سألت عن الأهلّة (٣) ، فأجابهم الله بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد أنّ الأهلّة ﴿هِيَ مَواقِيتُ﴾ ومعالم جعلت ﴿لِلنَّاسِ﴾ يوقّتون بها تجاراتهم وديونهم وعدّة نسائهم ، وعباداتهم من صومهم وفطرهم وصلوات جمعهم وأعيادهم ، وسائر ما يحتاجون إلى التوقيت من امور معاشهم ومعادهم.

ثمّ لكثرة الاهتمام بالحجّ خصّه بالذكر بقوله : ﴿وَالْحَجِ﴾ يعرف بها وقته ، حيث إنّه مختصّ بالأشهر المعيّنة ، ولا يجوز نقله إلى غيرها كما كانت العرب تفعل ذلك في النّسيئ.

ثمّ لمّا جرى ذكر الحجّ في المقام ، ذكر الله تعالى بدعة من بدع المشركين في حال الإحرام استطرادا.

روي عن الباقر عليه‌السلام : « أنّهم إذا أحرموا كانوا لم يدخلوا دارا ولا فسطاطا من بابه ، ولكنّهم كانوا ينقبون في ظهور بيوتهم نقبا يدخلون ويخرجون منه ، ويسمّونه برّا ، فنهاهم الله عن التديّن به » (٤) بقوله : ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ﴾ ولا القربة إلى الله ﴿بِأَنْ تَأْتُوا﴾ وتدخلوا ﴿الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها﴾ وخلفها ﴿وَلكِنَّ الْبِرَّ﴾ ما يقرّب إلى جميع الخيرات الدنيويّة والأخرويّة برّ ﴿مَنِ اتَّقى﴾ ما حرّم الله. كذا روي عن الصادق عليه‌السلام (٥) .

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٢٠ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٠٣.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٣.

(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٢٠.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٥٠٨ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٨.

(٥) تفسير الصافي ١ : ٢٠٨.

٤١٢

قيل في وجه ارتباط هذه الجملة بما قبلها : إنّهم لمّا سألوا عن حكمة تغيير حال القمر ، ردعهم الله عن السؤالات غير المفيدة للدّين ، كأنّه قال سبحانه : لا تسألوا عمّا لا يهمّكم ، بل اسألوا عمّا البحث فيه أهمّ ، وهو أنّكم تظنّون أنّ إتيان البيوت من ظهورها برّ ، وهذا خطأ محض ، بل البرّ هو تقوى الله (١) .

في وجوب أخذ العلم من الراسخين في العلم والعلماء الذين يكون علمهم مأخوذا عنهم

وقيل : إنّهم لمّا سألوا عن حكمة اختلاف حال القمر (٢) ، علّمهم الله طريق تحصيل العلم ، بقوله : ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ وهي كناية عن وجوب السؤال عمّن يعلم أنّه عالم بحقائق الامور والأحكام من قبل الله وهو النبيّ وأوصياؤه صلوات الله عليهم ، الذين وصفهم الله بالرّاسخين في العلم ، والعلماء الذين أخذوا العلم منهم ، دون من يكون علمه مبنيّا على الخرص والظنّ والقياس والاستحسان ، وأقوال الرجال الذين لا يؤمنون من الافتراء على الله ورسوله.

عن ( الاحتجاج ) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « قد جعل الله للعلم أهلا ، وفرض على العباد طاعتهم بقوله : ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الأنبياء ، وأبوابها أوصياؤهم » (٣) .

وعنه عليه‌السلام : « نحن البيوت التي أمر الله [ بها ] أن تؤتى من أبوابها ، نحن باب الله وبيوته التي يؤتي منها ، فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها » (٤) .

وفي رواية : « أنّ الله عزوجل لو شاء عرّف النّاس نفسه حتّى يعرفوه [ وحده ] ويأتوه من بابه ، ولكنّه جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه » قال : « فمن عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا ، فقد أتى البيوت من ظهورها وإنهم عن الصراط لناكبون » (٥) ، الخبر.

ويمكن أن يكون المراد من إتيان البيوت من أبوابها ، البيوت الظاهريّة المسكونة ، والبيوت المعنويّة العلميّة بإرادة القدر المشترك بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ.

﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحترزوا مخالفة أحكامه وتغييرها ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وتفوزون بجميع الخيرات الدنيويّة والاخرويّة والمقامات العالية.

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٢٦.

(٢) تفسير البيضاوي ١ : ١٠٨.

(٣) الإحتجاج : ٢٤٨.

(٤) الإحتجاج : ٢٢٧.

(٥) الإحتجاج : ٢٢٨.

٤١٣

وقيل في تأويل الآية : إنّه كان في الجاهليّة من همّ بسفر أو أمر يصنعه فمنع من ذلك ، لم يدخل داره من الباب حتّى يحصل له ذلك. وكانت قريش وقبائل العرب من خرج لسفر أو حاجة ثمّ رجع ولم يظفر بذلك ، كان ذلك طيرة ، فنهاهم الله عن ذلك ، وأخبر أنّ الطّيرة ليس ببرّ ، والبرّ [ برّ ] من توكّل على الله ولم يخف غيره (١) .

﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ

مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ

فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ

حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى

 الظَّالِمِينَ (١٩٣)

ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر بالتّقوى ، عقّبه بالأمر بأشدّ أقسامه وأشقّها على النّفوس ، وهو قتال أعداء الله ، بقوله : ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ولطلب مرضاته ، ونصرة نبيّه ، وإعزاز دينه.

روي أنّه سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّن يقاتل في سبيل الله ، فقال : « هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، ولا يقاتل رياء و[ لا ] سمعة » (٢) .

﴿الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ من الكفّار. عن ( المجمع ) عنهم عليهم‌السلام : « هي ناسخة لقوله تعالى : ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ(٣) .

وقيل : هذه الآية أوّل آية نزلت في القتال ، فلمّا نزلت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقاتل من قاتله ويكفّ عن قتال من تركه ، وبقي على هذه الحالة إلى أن نزل قوله تعالى : اقتلوا ﴿الْمُشْرِكِينَ(٤) .

وقيل : إنّه لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحديبية وعاد إلى المدينة ، ثمّ تجهّز في السّنة القابلة ، خاف أصحابه أن لا يفوا قريش بالعهد ويصدّوهم ويقاتلوهم ، وكانوا كارهين لمقاتلتهم في الشّهر الحرام

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٤.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٢٨.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥١٠ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٧٧.

(٤) تفسير الرازي ٥ : ١٢٧ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ٥.

٤١٤

في الحرم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، وبيّن لهم كيفيّة المقاتلة إلى أن احتاجوا إليها ، فقال : ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ(١) .

﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ بابتداء القتال في الحرم محرمين ، وبقتل الصّبية والنّساء ، وبالمثلة ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ولا يريد بهم خيرا.

ثمّ شدّد سبحانه في قتال مشركي قريش بقوله : ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ وفي أيّ مكان من الحلّ أو الحرم وجدتموهم.

روي عنهم عليهم‌السلام : « أنّها ناسخة لقوله تعالى : ﴿وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ(٢) .

﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ أي من مكّة ، وقد فعل صلى‌الله‌عليه‌وآله بمن لم يسلم من كفّار قريش يوم الفتح.

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجلى كلّ مشرك من الحرم. ثمّ أجلاهم من المدينة ومن جزيرة العرب ، وقال : « لا يجتمع دينان في جزيرة العرب » (٣) .

ثمّ أنّه روي أنّ بعض الصحابة كان قتل رجلا من الكفّار في الشّهر الحرام فعابه المؤمنون على ذلك فنزلت (٤) .

﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ وهي محنة الإخراج وجلاء الوطن (٥) . وقيل : هي الشّرك (٦) وصدّهم المسلمين عن الحرم ﴿أَشَدُّ﴾ وأصعب ﴿مِنَ الْقَتْلِ﴾ لدوام تعبها وبقاء ألم النّفس بها.

سئل بعض الحكماء : أيّ شيء أشدّ من الموت ؟ قال : الذي يتمنّى فيه الموت (٧) .

وقيل : إنّ المشركين كانوا يستعظمون القتل في الحرم ، ويعيبون المسلمين به ، فردّ الله عليهم بأنّ الكفر والشّرك بالله في الحرم أشدّ قبحا من القتل (٨) .

ثمّ بيّن الله تعالى أنّ شرط جواز القتال في الحرم أن يكون بعنوان الدّفاع ، بقوله : ﴿وَلا تُقاتِلُوهُمْ﴾ بادين به ﴿عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ ولا تهتكوا بالقتال فيه حرمته ﴿حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ ويبادروا إلى

__________________

(١) تفسير الرازي ٥ : ١٢٧.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥١٠ ، والآية من سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٨.

(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٣٠.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٥١١ ، تفسير الرازي ٥ : ١٣٠.

(٥) كذا ، والظاهر : والجلاء من الوطن.

(٦) تفسير البيضاوي ١ : ١٠٩.

(٧) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٦.

(٨) الكشاف ١ : ٢٣٦.

٤١٥

قتالكم.

﴿فَإِنْ قاتَلُوكُمْ﴾ فيه بادين به ﴿فَاقْتُلُوهُمْ﴾ فيه دفاعا ، ولا تبالوا هتك حرمة الحرم ، لأنّهم الذين هتكوا حرمته وأنتم مدافعون عن أنفسكم ﴿كَذلِكَ﴾ القتل ﴿جَزاءُ الْكافِرِينَ﴾ على مبادرتهم بالقتال ، فإنّه يفعل بهم مثل ما فعلوا.

﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ وانصرفوا عن القتال واعتقاد الشّرك بالله وتابوا إليه ﴿فَإِنَّ اللهَ﴾ يغفر لهم ؛ لأنّه ﴿غَفُورٌ﴾ للعصاة وستّار للسّيّئات ﴿رَحِيمٌ﴾ بالمؤمنين التائبين.

ثمّ أكّد الله الأمر بقتال المشركين بقوله : ﴿وَقاتِلُوهُمْ﴾ مجدّين فيه ﴿حَتَّى لا تَكُونَ﴾ في الأرض ﴿فِتْنَةٌ﴾ الشّرك ، وحتّى يسلموا ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ﴾ في الأرض خالصا ﴿لِلَّهِ﴾ لا شرك للشّيطان والأصنام فيه ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ ورجعوا عن الشّرك إلى التّوحيد ﴿فَلا عُدْوانَ﴾ جائز مستحسن على أحد ﴿إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم باختيار الكفر.

قيل : تسمية الجزاء عدوانا من باب المشاكلة والازدواج (١) .

عن ( العيّاشي ) : عن أحدهما عليهما‌السلام : « أي لا عدوان إلّا على ذرّيّة قتلة الحسين عليه‌السلام » (٢) وقريب منه رواية اخرى (٣) .

وعن ( العيّاشي ) : عن الرّضا عليه‌السلام أنّه سئل : يابن رسول الله ، ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه‌السلام بفعال آبائهم ؟ » فقال عليه‌السلام : « هو كذلك » .

فقيل : فقول الله عزوجل : ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى(٤) ما معناه ؟ فقال : « صدق الله في جميع أقواله ، لكنّ ذراري قتلة الحسين عليه‌السلام رضوا بفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ، ولو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضي [ بقتله ] رجل في المغرب ، لكان الرّاضي عند الله شريك القاتل. وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم » (٥) .

﴿الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢١٠.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٩٣ / ٣٢٠.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ١٩٣ / ٣٢٢.

(٤) الزمر : ٣٩ / ٧.

(٥) علل الشرائع : ٢٢٩ / ١ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧٣ / ٥.

٤١٦

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)

 وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ

 الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)

ثمّ أنّه تعالى بعد ما رخّص المسلمين في قتال المشركين في الحرم دفاعا ؛ رخّصهم فيه في الأشهر الحرم قصاصا ، بقوله : ﴿الشَّهْرُ الْحَرامُ﴾ يقابل ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرامِ﴾ فلا تبالوا بهتكه بإزاء هتك المشركين إيّاه.

روي : أنّ المشركين قاتلوا المسلمين في عام الحديبية في ذي القعدة (١) . ونقل أنّ بعد صدّ المشركين المسلمين ، وقع بينهم ترام بسهام وحجارة ، ولمّا اتّفق خروج المسلمين لعمرة القضاء في ذلك الشّهر كرهوا أن يقاتلوهم ، فنزلت الآية (٢) .

ثمّ عمّم حكم القصاص بقوله : ﴿وَالْحُرُماتُ﴾ وجميع الامور التي يجب رعاية حرمتها ، يجري فيها ﴿قِصاصٌ﴾ وحكم المعاملة بالمثل ، فإن صدّكم المشركون عن دخول الحرم عنوة فادخلوا أنتم عليهم عنوه ، وإن قاتلوكم في الحرم وفي الشّهر الحرام فقاتلوهم ، حيث إنّ الحرمات لا تراعى في حقّ من لا يراعيها.

عن ( التهذيب ) و( العياشي ) : أنّه سئل عن المشركين أيبتدئهم المسلمون في القتال في الشّهر الحرام ؟ فقال : « إذا كان المشركون ابتدؤوهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه ، وذلك قوله تعالى : ﴿الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ(٣) .

ثمّ أنّه تعالى لتقرير ما بيّنه من الحكم ذكر فذلكة له بقوله : ﴿فَمَنِ اعْتَدى﴾ وتجاوز عليكم نفسا أو عرضا أو مالا ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ وعاقبوه ﴿بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ من الجناية ، ولا تتجاوزوا عن الحدّ المرخّص فيه.

عن الصادق عليه‌السلام في رجل قتل رجلا في الحرم ، وسرق في الحرم ، فقال : « يقام عليه الحدّ [ في الحرم ] صاغرا ، إنّه (٤) لم ير للحرم حرمة ، وقد قال الله تعالى : ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢١٠.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٧.

(٣) التهذيب ٦ : ١٤٢ / ٢٤٣ ، تفسير العيّاشي ١ : ١٩٣ / ٣٢١.

(٤) في النسخة : وصغار له ، لأنه.

٤١٧

مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ يعني في الحرم ، وقال : ﴿فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ(١) .

﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروا غضبه ، فلا تتجاوزوا عمّا رخّص لكم ، ولا تفاتحوا بالقتال في الحرم وفي الشّهر الحرام ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ﴾ بالنّصرة والمعونة والحفظ ﴿مَعَ الْمُتَّقِينَ

ثمّ روي أنّه لمّا نزلت ﴿الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ﴾ قال رجل من الحاضرين : يا رسول الله ، مالنا زاد ، وليس أحد يطعمنا ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينفقوا في سبيل الله ، وأن يتصدّقوا ، وأن لا يكفّوا أيديهم عن الصّدقة ولو بشقّ تمرة تحمل في سبيل الله ، فنزلت [ هذه الآية ] على وفق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه ، وطلب مرضاته من الجهاد وسائر أبواب الخير ، وهذا أمر بالجهاد بالمال بعد الأمر بالجهاد بالنّفس.

في وجوب الاقتصاد في الانفاق

﴿وَ﴾ لكن ﴿لا تُلْقُوا﴾ أنفسكم ، ولا تطرحوها ﴿بِأَيْدِيكُمْ﴾ وبمباشرتكم ﴿إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ والتّلف بسبب الإسراف في الإنفاق وتضييع أمر المعاش وسائر ما يؤدّي إلى الهلاك.

عن أبي أيّوب الأنصاريّ ، قال : إنّ الله تعالى لمّا أعزّ دينه ونصر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا فيما بيننا : إنّا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتّى فشا الإسلام ونصر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فلو رجعنا إلى أهلنا وأموالنا فأقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منا ؟ فأنزل الله هذه الآية. فالتّهلكة ما كان سببا للهلاك من الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد (٣) .

في وجوب طاعة السلطان

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « طاعة السّلطان واجبة ، ومن ترك طاعة السّلطان فقد ترك طاعة الله تعالى ، ودخل في نهيه ، إنّ الله يقول : ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(٤) » .

عن ( الكافي ) : عن الصّادق عليه‌السلام قال : « لو أنّ رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل الله ، ما [ كان ] أحسن ولا وفّق ، أ ليس يقول الله تعالى : ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(٥) .

ثمّ أكّد سبحانه الأمر بالإنفاق ، بالأمر بالإحسان ، من الإنفاق وسائر الأعمال الصّالحة بقوله :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٢٧ / ٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢١٠.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٣٥.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٠٩.

(٤) أمالي الصدوق : ٤١٨ / ٥٥٣.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣ / ٧.

٤١٨

﴿وَأَحْسِنُوا﴾ إلى الفقراء وتفضّلوا عليهم مراعين للاقتصاد ، أو التزموا بالأعمال الحسنة ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ومنهم المقتصدون في الإنفاق.

وقيل : إنّ ممّا يؤدّي إلى الهلاك ، ترك الإنفاق في أصحاب الجهاد ، فيستولي عليهم العدوّ فيهلكهم (١) .

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا

رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ

 فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ

فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا

 رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ

 وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)

ثمّ أنّه روي أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رجع في العام القابل إلى مكّة فمنعه الكفّار عن الحجّ والعمرة فنزلت : ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ(٢) واتوا بهما كاملين بشرائطهما وأركانهما خالصين لوجه الله.

عن ( الكافي ) و( العيّاشي ) سئل الصادق عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال : « هما مفروضان » (٣) .

وعنه عليه‌السلام قال : « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع ؛ لأنّ الله يقول : ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ(٤) .

وفي رواية ، قال : يعني بتمامها أداءهما واتّقاء ما يتّقي المحرم فيهما (٥) .

وعن ( المجمع ) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والسجّاد عليه‌السلام : « يعني أقيموها إلى آخر ما فيها » (٦) .

وفي رواية : « تمامهما اجتناب الرّفث ، والفسوق ، والجدال في الحجّ » (٧) .

وعن ( الكافي ) : عنه عليه‌السلام قال : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله ، وذكر الله كثيرا ، وقلّة الكلام إلّا بخير ،

 في أنّ زيارة الإمام تمام الحجّ

فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّا من خير » (٨) .

وعن الباقر عليه‌السلام : « تمام الحجّ لقاء الإمام » (٩) .

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٥١٦. (٢) تفسير الرازي ٥ : ١٤٤.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٢ ، تفسير العيّاشي ١ : ١٩٥ / ٣٣٠.

(٤) علل الشرائع : ٤٠٨ / ١.  (٥) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٢١١.

(٦) مجمع البيان ٢ : ٥١٨.

(٧) الخصال : ٦٠٦ / ٩. (٨) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ٣.

(٩) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦٢ / ٢٩.

٤١٩

وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا حجّ أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا ؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ » (١).

أقول : وذلك لأنّ الحجّ زيارة الله في بيته ، ولمّا كان الإمام عليه‌السلام عين الله الناظرة ، ويده الباسطة ، وجنبه ، وبابه الذي يؤتى منه ، وخازن علمه ، ومعدن حكمته ، كانت زيارته زيارة الله في عرشه ، ولذا عدّت من تمام الحجّ.

ثمّ بيّن الله تعالى حكم المحصور منه بقوله : ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ ومنعتم من الحجّ بعد إحرامه لخوف من عدوّ أو لمرض ، وأردتم التّحليل من الإحرام ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾ وما تيسّر لكم ﴿مِنَ الْهَدْيِ﴾ واجب عليكم ، أعلاه البعير ، وأوسطه البقرة ، وأقلّه الشّاة. وقيل : كلّ ما تيسّر ، وإنّما سمّي هديا لأنّه بمنزلة الهديّة التي يهديها العبد إلى ربّه (٢) ، وما تيسّر من شيء واجب عليكم.

﴿وَلا تَحْلِقُوا﴾ أيّها المحصورون ﴿رُؤُسَكُمْ﴾ ولا تحلّوا من إحرامكم ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ وتعلموا أنّ هديّتكم التي بعثتموها قد بلغت منى الذي يجب النّحر أو الذّبح فيه إن كان الإحرام بالحجّ ، أو مكّة إنّ كان الإحرام بالعمرة.

في حكم المحصور بعد الإحرام

عن ( الكافي ) عن الباقر عليه‌السلام : « المصدود يذبح حيث صدّ ، ويرجع صاحبه فيأتي النّساء ، والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما ، فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه » (٣) .

وعن الصادق عليه‌السلام : « يجزيه شاة ، والبدنة والبقرة أفضل » (٤) .

﴿فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ﴾ في حال الحصر ﴿مَرِيضاً﴾ يحتاج إلى حلق الرّأس ﴿أَوْ بِهِ أَذىً﴾ وألم كائن ﴿مِنْ رَأْسِهِ﴾ كقمل أو صداع ﴿فَفِدْيَةٌ﴾ معيّنة عليه إذا حلق ، كانت الفدية ﴿مِنْ صِيامٍ﴾ في ثلاثة أيّام ﴿أَوْ صَدَقَةٍ﴾ وهي إطعام ستّة مساكين ، لكلّ مسكين مدّان ، أو عشرة مساكين لكلّ مدّ ﴿أَوْ نُسُكٍ﴾ وهو الذّبيحة ، أقلّها شاة ، وأوسطها بقرة ، وأعلاها بدنة.

عن ( الكافي ) و( العيّاشي ) : عن الصادق عليه‌السلام : « مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عجرة ، والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم ، فقال له : أتؤذيك هوامّك ؟ فقال : نعم. فانزلت هذه الآية ، فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحلق ، وجعل الصّيام ثلاثة أيّام ، والصّدقة على ستّة مساكين ، لكلّ مسكين مدّان والنّسك

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦٢ / ٢٨.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ٣١١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧١ / ٩.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٩٦ / ٣٣٣.

٤٢٠