نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي

نفحات الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد بن عبدالرحيم النهاوندي


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
ISBN: 964-309-759-5
ISBN الدورة:
964-309-765-X

الصفحات: ٦٥٢

عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا يقلّدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لاولئك القبول من علمائهم ، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقال عليه‌السلام : « بين عوامّنا وعلمائنا ، وبين عوامّ اليهود وعلمائهم فرق من جهة ، وتسوية من جهة. أمّا من حيث استووا فإنّ الله قد ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما ذمّ عوامّهم ، وأمّا من حيث افترقوا ، فلا » .

قال : بيّن لي ذلك يابن رسول الله.

قال عليه‌السلام : « إنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح وبأكل الحرام والرّشا وتغيير الأحكام عن واجبها بالشّفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصّب الشديد الذي يفارقون به إيمانهم (١) ، وإنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم من أجلهم ، وعرفوهم [ بأنّهم ] يقارفون المحرّمات ، واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدّق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله.

فكذلك ذمّهم لما قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النّظر بأنفسهم في [ أمر ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم » (٢) إلى آخره.

فإن قيل : كيف أمر الله أهل الكتاب في مقام المحاجّة عليهم بالسؤال عن علمائهم بقوله في غير موضع من كتابه : ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(٣) مع كون علمائهم معاندين للحقّ ، محرّفين للكتاب ؟

قلت : لم يكن جميعهم بهذه الأوصاف ، بل أغلبهم كانوا كذلك ، وأمّا الأمر بالسؤال في الاحتجاج ، فإنّما هو عن المأمونين عن الكذب ، المعروفين عندهم بالصّلاح والسّداد.

إن قيل : إنّ السؤال منهم ليس إلّا التّقليد المفيد للظّنّ الذي لا يغني في الاصول ، بل هو محرّم إجماعا ؟

قلت : إنّما السؤال المأمور به هو ما يكون مقدّمة لحصول العلم واليقين ، فإنّه لا شبهة أنّ إخبار

__________________

(١) في تفسير العسكري عليه‌السلام : أديانهم.

(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٩٩ / ١٤٣.

(٣) الأنبياء : ٢١ / ٧.

٢٨١

جماعة من أهل العلم المأونين عن الكذب بأمر ، سيّما مع انضمامه بأمارات اخر مورث للعلم به ، واليقين بتحقّقه. وهذا في الحقيقة من الاجتهاد اللّازم في الاصول.

﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ

 ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)

ثمّ شرع الله تعالى في تهديد المحرّفين للتّوراة بقوله : ﴿فَوَيْلٌ﴾ وهو واد في جهنّم - كما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعذاب أليم كما عن ابن عبّاس (١) - معدّ ﴿لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ﴾ المحرّف ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾ وبمباشرتهم بحيث لا يمكنهم إنكاره ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ﴾ لعوامّهم ﴿هذا﴾ المكتوب من جملة التوراة النازلة ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ

روي أنّ أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلهم وزوال رئاستهم حين قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ، فاحتالوا في تعويق أسافل اليهود عن الايمان ، فعمدوا إلى صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في التوراة ، وكانت فيها : حسن الوجه ، جعد (٢) الشعر ، أكحل العينين ، ربعة - أي متوسّط القامة - فغيرّوها ، وكتبوا مكانها : طوال ، أزرق ، سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم قرءوا عليهم ما كتبوا (٣) . وقالوا : إنّ صفات النبيّ الموعود مغايرة لصفات محمّد.

وفي رواية : قالوا : إنّه (٤) عظيم الجثّة والبطن ، أصهب الشعر ، ومحمّد بخلافه ، وإنّه يجيئ بعد خمسمائة سنة (٥) .

﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ من المال والرئاسة على الضعفاء ، ولأن لا يتحمّلوا مؤنة خدمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا من نهاية شقاوتهم ، وغاية دناءتهم حيث رضوا بتحمّل العذاب الشديد الدائم الأجل ، لأجل حبّ المال القليل الزائل ، والجاه الوبيل العاجل.

ثمّ أنّه تعالى بعد ما ذكر استحقاقهم الويل لكتابة الكتاب وتحريفه ، وافترائهم على الله ، وأخذهم الأموال ، وكان مجال توهّم أنّ الاستحقاق يكون بسبب مجموع الامور ، أعاد ذكر الويل لكلّ واحد

__________________

(١) تفسير الرازي ٣ : ١٤٠.

(٢) في تفسير أبي السعود : حسن.

(٣) تفسير أبي السعود ١ : ١٢٠.

(٤) زاد في تفسير العسكري عليه‌السلام : طويل.

(٥) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٠٢ / ١٤٥.

٢٨٢

منها ، وبيّن أن كلا منها سبب مستقلّ لاستحقاقه ، بقوله : ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ حيث إنّه سبب لإضلال النّاس ، باق في الدنيا ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ به من المال الحرام والرئاسة الباطلة ، والمعاصي العظيمة.

﴿وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ

 اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ

خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١)

ثمّ أشار سبحانه إلى بعض مفترياتهم الذي صار سببا لجرأتهم على الله بقوله : ﴿وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾ قليلة.

قيل : المراد بها الأيّام التي عبد فيها العجل ، وهي سبعة أيّام على قول (١) ، أو أربعون على آخر (٢) .

وقالوا : ثمّ نصير بعدها في النّعمة الدائمة ، فلا ينبغي أن نتحمّل مكروه تبعيّة محمّد وذلّها في الدنيا للاحتراز عن العذاب في الأيّام القليلة التي تفنى وتنقضي.

فردّ الله عليهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد توبيخا لهم وإنكارا عليهم ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً﴾ أنّ عذابكم على الكفر منقطع غير دائم ، فإن اتّخذتم هذا العهد ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ﴾ أبدا ، لأنّ خلف العهد والوعد قبيح لا يصدر من الحكيم إلّا مع الحاجة والضّرورة أو الجهل بقبحه ، وكلّها نقص وعيب ، والذّات القادرة المحيطة بجميع الكائنات مبرّء من جميع النقائص ومستجمع لجميع الكمالات بلا شكّ وريب ، فإن ادّعيتم أنّ الله تعالى عهد إليكم بهذا فأنتم كاذبون.

﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ مفترين ﴿عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أنّه من الله.

روي أنّهم إذا مضت المدّة عليهم في النّار ، يقول لهم خزنة جهنّم : يا أعداء الله ، ذهب الأجل ، وبقي الأبد (٣) ، فأيقنوا بالخلود.

﴿بَلى﴾ العذاب الدائم ثابت لكم ، حيث إنّ : ﴿مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ وخطيئة ﴿وَأَحاطَتْ بِهِ﴾ واشتملت عليه ﴿خَطِيئَتُهُ﴾ بظلمتها ونكبتها ، واستولت على قلبه ولسانه وجميع جوارحه حتّى

__________________

(١) تفسير الرازي ٣ : ١٤١.

(٢) جوامع الجامع : ١٨ ، الدر المنثور ١ : ٢٠٧.

(٣) أسباب النزول الواحدي : ١٨.

٢٨٣

أخرجته من دين الله ، ونزعته عن ولايته تعالى ، وأبعدته من رحمته سبحانه ، وأوقعته في خذلانه ، وهو الشّرك بالله ، والكفر بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية أوصيائه المعصومين ﴿فَأُولئِكَ﴾ المحاطون بتلك السيّئة ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ وملازموها ﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ لا خلاص لهم منها أبدا ، ولا يجدون عنها مصرفا ، فإنّ ملازمة الكفر مستلزمة لملازمة العذاب.

عن ( التوحيد ) : عن الكاظم عليه‌السلام : « لا يخلّد الله في النّار إلّا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضّلال والشّرك » (١) .

وعن ( الكافي ) عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إذا جحدوا إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام فاولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون » (٢) .

في أنّ تعذيب الكافر أبدا لكفره في المدة القليلة جائز وليس بظلم

فإن قيل : كيف يجوز تعذيب الكافر بالعذاب الدائم لكفره مدّة قليلة من العمر ، بل ساعة ، وهل هذا الّا ظلم ، تعالى عن ذلك ؟

قلت : قد مرّ سابقا أنّ عظمة المعصية بمقدار عظمة المعصيّ وكثرة حقوقه ونعمه ، فإذا كانت عظمة المعصيّ ونعمه بلا نهاية ، فعظم معصيته ولو كان بغير الكفر بلا نهاية ، ومقدار العذاب واستحقاقه بمقدار عظمة المعصية.

فلو عذّبنا الله تعالى لأصغر معاصيه بالعذاب الدائم ما ظلم وما تعدّى عن حدّ استحقاقنا ، فكلّما خفّف أو عفا فبفضله ورحمته ، وأمّا حسن العفو فيعتبر فيه قابليّة المحلّ ، فإذا أخبر الله بخلود الكافر ، علمنا بخروجه عن قابليّة العفو ، فلذا يعذّب بالعذاب الدائم ، بخلاف سائر المعاصي فإنّه يبقى معها قابليّة العفو إمّا ابتداء أو بعد التوبة ، أو مع الشّفاعة ، أو بعد بعض الأعمال الصالحة.

وفي بعض الروايات : أنّ الخلود في النّار بسبب نيّه الكافر أن لو خلّد في الدنيا أبدا لعصى الله ، فالكفّار بنيّاتهم خلّدوا.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها

 خالِدُونَ (٨٢)

__________________

(١) التوحيد : ٤٠٧ / ٦.

(٢) الكافي ١ : ٣٥٥ / ٨٢.

٢٨٤

ثمّ أنّه سبحانه لمّا بيّن حال الكفّار في الآخرة بأنّهم أصحاب النّار ، أردفه بذكر حال أهل الإيمان ، بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ من التجنّب عن المعاصي وارتكاب (١) العبادات والواجبات ، حيث إنّ الإيمان الواقعيّ غير منفكّ عن العمل في الجملة ﴿أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ متنعّمون لا يخافون زوال النعمة.

﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي

 الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا

الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)

ثم أنّه تعالى بعد ذكر نعمة أخذ الميثاق من بني إسرائيل على العمل بالتوراة إجمالا ، ذكر نعمة أخذ الميثاق على العمل بتمام ما لا بدّ منه في الدّين تفصيلا ، بقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ والعهد المؤكّد الذي وجب أن يكون جاريا في أخلافهم قرنا بعد قرن ، وفي الامّة المرحومة إلى يوم القيامة ، وهو أمور ، أهمّها وأعظمها أنّه ﴿لا تَعْبُدُونَ﴾ بقلوبكم وجوارحكم ﴿إِلَّا اللهَ﴾ ولا تجعلون له شركاء من الأصنام والشّيطان وهوى النّفس وسائر الخلق.

عن الصادق عليه‌السلام : « ما أنعم الله عزوجل على عبد أجلّ من أن لا يكون في قلبه مع الله تعالى غيره » (٢) .

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شغلته عبادة الله عن مسألته ، أعطاه أفضل ما يعطى السائلون » (٣) .

في وجوب الاحسان بالوالدين الروحانيين والجسمانيين وحكمته

﴿وَ﴾ تحسنون ﴿بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ مكافأة عن إنعامهما وإحسانهما ، فإنّ حقّهما بعد حقوق الله ، وحقّ الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين أعظم من حقّ كلّ ذي حقّ ، لأنّهما أصلان في وجود الولد في هذا العالم ، منعمان عليه بالتغذية والتّربية والحفظ عن المحبّة والمودّة ، بلا طمع في أجر وعوض ولا ملال ولا كلال ، ولا يقطعان عنه الإحسان وإن كان مسيئا بهما وعاقّا لهما ، ويؤثرانه على أنفسهما ولو كانت بهما خصاصة ، فحقّ لهما أن يعظّمهما ويطلب رضاهما ، ولا يؤذيهما وإن كانا كافرين.

عن ( الكافي ) : سئل الصادق عليه‌السلام : ما هذا الإحسان ؟ قال : « أن تحسن صحبتهما ، وأن لا تكلفّهما أن

__________________

(١) كذا والظاهر وأداء.

(٢) التفسير المنسوب الى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٢٨ / ١٨٢.

(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٢٧ / ١٧٥.

٢٨٥

يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين. أ ليس الله يقول : ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ(١)

ثمّ إذا كان حقّ الوالدين الجسمانيّين بهذه الدّرجة من العظم ، فما أعظم حقّ الوالدين الروحانيّين من النبيّ والوصيّ ! فإنّ إحسانهما وإنعامهما بأولادهما المؤمنين لا يقاس بالوالدين الظاهريّين الجسمانيّين ، فإذا كانا أفضل وأحقّ بمراتب لا تحصى ، كانا بالشّكر أحقّ وأولى.

عن ( تفسير الإمام عليه‌السلام ) : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل والديكم وأحقّهما بشكركم محمّد وعليّ » (٢) .

وعن علي عليه‌السلام قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا وعليّ أبوا هذه الامّة ، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم ، فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النّار إلى دار القرار ، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار » (٣) .

ثمّ أمر بالإحسان بذي القربى بقوله : ﴿وَذِي الْقُرْبى﴾ وهم الذين يعدّون في العرف أرحاما وأقرباء للشّخص ، وإنّما أردف الأمر بالإحسان إليهم بإحسان الوالدين لأنّ حقّهم تابع لحقّهما ، حيث إنّ الإنسان متّصل بهما.

أمّا السبب الأعظم في التأكيد في رعاية هذا الحقّ ، أنّ الارتباط النّسبيّ مقتض للاتّحاد والالفة ، ومنشأ لزيادة حسن الرّعاية والنصرة ، فلو لم يحصل لكان أشقّ على القلب وأبلغ في الإيلام ، وكلّما كان موجب التّألّم أقوى كان دفعه أوجب.

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من راعى حقّ قرابات أبويه ، اعطي في الجنّة ألف ألف درجة » (٤) ثمّ فسّر الدّرجات ، ثمّ قال : « من راعى حقّ قربى محمّد وعليّ اوتي من فضائل الدّرجات وزيادة الثواب على قدر زيادة فضل محمّد وعليّ على أبوي نسبه » (٥) .

﴿وَالْيَتامى﴾ : وهم الصّغار المنقطعون عن آبائهم الكافلين لامورهم. ووجه إرداف الإحسان بهم للإحسان بالأقارب ، أنّ في حفظ الصّغار وتدبير امورهم وصحبتهم مع كمال الرعاية لهم مشقّة

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢٦ / ١ ، والآية من سورة آل عمران : ٣ / ٩٢.

(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٠ / ١٨٩.

(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٠ / ١٩٠.

(٤) في تفسير العسكري عليه‌السلام : ألف درجة.

(٥) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٣ / ٢٠٢.

٢٨٦

عظيمة ورياضة ثقيلة على النّفس ، ولذا وعد الله عليه الأجر العظيم ، وأنّهم لضعفهم وقصورهم أولى بالرّعاية من غيرهم بعد الأقارب.

ثمّ لا ريب أنّ الإحسان والتكفّل ليتامى آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم المنقطعون عن إمامهم ، الجاهلون بشرائعهم وتكاليفهم ، أعظم أجرا منه ، كما روي عن العسكريّ عليه‌السلام : « أنّ من هداه [ وأرشده ] وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرّفيع (١) الأعلى » (٢) .

ثمّ الأولى بعدهم بالرعاية والإحسان الفقراء ﴿وَالْمَساكِينِ﴾ الذين أسكنهم الفقر عن الحركة.

روي : « أنّ من واساهم بحواشي ماله ، وسّع الله عليه جنانه ، وأناله غفرانه ورضوانه » (٣) .

ثمّ قال : « إنّ من محبّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقرث ، وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقابلة أعداء الله الذين يعيّرونهم بدينهم ويسفّهون أحلامهم ، ألا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتّى أزال مسكنتهم ، ثمّ سلّطهم على الأعداء الظاهرين من النّواصب ، وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتّى يهزموهم عن دين الله ويردّوهم عن أولياء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حوّل الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم ، وقضى الله بذلك قضاء حقّا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٤) .

ثمّ بعد ذكر الطوائف الأربع الذين تجب رعايتهم مالا وعشرة ، بيّن وجوب الإحسان إلى غيرهم بقوله : ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ﴾ الّذين لا مؤنة لهم عليكم ، سواء كانوا من المؤمنين أو من مخالفيهم من اليهود وغيرهم ﴿حُسْناً﴾ وعاملوهم وواجهوهم بالبشر وخلق جميل.

عن الباقر عليه‌السلام : « قولوا للنّاس [ أحسن ] ما تحبّون أن يقال لكم » (٥) .

وفي رواية : « أنّكم لن تسعوا النّاس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم » (٦) .

عن الصادق عليه‌السلام : « قولوا للنّاس كلّهم حسنا مؤمنيهم ومخالفيهم ، أمّا المؤمنون فيبسط لهم وجهه

__________________

(١) في تفسير العسكري عليه‌السلام : الرفيق.

(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٩ / ٢١٤.

(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكرى عليه‌السلام : ٣٤٥ / ٢٢٦.

(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٤٦ / ٢٢٧.

(٥) تفسير العياشي ١ : ١٣٩ / ١٦٧ ، الكافي ٢ : ١٣٢ / ١٠ ، مجمع البيان ١ : ٢٩٨.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨١ / ٨٣٥.

٢٨٧

وبشره ، وأمّا المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان ، فإن يئس من ذلك يكفّ شرورهم عن نفسه و[ عن ] إخوانه المؤمنين » (١) .

ثمّ قال عليه‌السلام : « إنّ مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله إذ استأذن عليه عبد الله بن أبي سلول ،

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بئس أخو العشيرة ، ائذنوا له ، [ فأذنوا له ] فلمّا دخل ، أجلسه وبشر في وجهه ، فلّما خرج قالت له عائشة : يا رسول الله ، قلت فيه ما قلت ، وفعلت فيه [ من البشر ] ما فعلت !

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عويش ، يا حميراء ، إنّ شرّ النّاس عند الله يوم القيامة من يكرم اتّقاء شرّه » (٢) .

في أنّ قوله تعالى : ﴿قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ هل هو منسوخ أم لا ؟

وفي رواية عن الباقر عليه‌السلام : « أنّها نزلت في أهل الذّمّة ، ثمّ نسخها قوله تعالى : ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ(٣) ... » إلى آخر الآية (٤) .

القمّي رحمه‌الله قال : نزلت في اليهود ، ثمّ نسخت بقوله تعالى : ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ...(٥).

وقال الفيض رحمه‌الله : التوفيق بأن يقال : نسخت في حقّ اليهود وأهل الذمّة المأمور بقتالهم ، وبقي حكمها في حقّ سائر النّاس (٦) .

أقول : ما نسخت في حقّ أهل الذّمة أيضا مطلقا ، بل في موقع أقتضت المصلحة الجهاد معهم ، وأمّا في موقع الهدنة وموقع يمكن دعوتهم واجتلابهم إلى الإيمان بالمجادلة الحسنة ، فحكم الآية باق في حقّهم أيضا ، وأمّا قوله : نزلت في أهل الذمّة أو في اليهود ، معناه أنّهم المورد فلا ينافي عموم الحكم لغيرهم.

فإن قيل : الروايتان متعارضتان ، حيث إنّ في إحداهما قال : نسخت ب اقتلوا ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾ وفي الاخرى ب ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ

قلت : يمكن الجمع بأنّ كلتي الآيتين بمضمونهما ، ناسختان لعمومها. حيث إنّ اليهود من المشركين بقولهم عزير ابن الله ، والنّصارى بقولهم : إنّ الله ثالث ثلاثة ، أو قولهم : المسيح ابن الله ، وكلا الفريقين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان.

__________________

(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٥٣ / ٢٤٠.

(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٥٤ / ٢٤١.

(٣) التوبة : ٩ / ٢٩.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٤٠ / ١٧٠ ، عن الصادق عليه‌السلام.

(٥) تفسير القمي ١ : ٥١ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ٥.

(٦) تفسير الصافي ١ : ١٣٧.

٢٨٨

ثمّ أنّه بعد ما بيّن كيفيّة حفظ رابطة الوداد بين خلقه ، وهو ببذل المال وحسن الكلام والأخلاق ، بيّن ما به يحفظ الرّبط بين العبد وذاته المقدّسة ، وهو بالعبادات البدنيّة والماليّة :

أمّا البدنيّة ، فلمّا كان أهمّها الصّلاة ، قال : ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ بحفظ مواقيتها وإتمام ركوعها وسجودها وأداء حقوقها وشرائطها.

وأمّا الماليّه ، فلمّا كان أهمّها الزكاة الواجبة ، قال : ﴿وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ وفيه دلالة على أنّ المراد من الإحسان بذي القربى واليتامى والمساكين ، غير الزّكاة.

ثمّ لمّا كان بيان هذه التكاليف التي هي من المحسّنات العقليّة وأخذ الميثاق على العمل بها نعمة من الله عليهم حيث إنّه تربية وهداية ، ذمّهم بأنّهم أساءوا على أنفسهم بجهلهم وعدم تلقّيهم هذه النعمة العظيمة بالقبول بقوله : ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أيّها اليهود عن الوفاء بالعهد الذي أدّاه إليكم أسلافكم ﴿إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ عن العهد غير معتنين به.

﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ

أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً

مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى

 تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ

 بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ

الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)

ثمّ بعد المنّة عليهم بنعمة هدايتهم إلى الأعمال الحسنة ، بيّن منّته عليهم بنعمة نهيهم عن الأعمال القبيحة التي أقبحها الإضرار بالمرتبطين إليهم بالنّسب والدّين ، فإنّ جميع المنتسبين بالنّسبتين ، بمنزلة شخص واحد ، والإضرار عليهم أقبح من الإضرار على النّفس ، بقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾ والعهد الأكيد منكم حيث حكمنا عليكم التزمتم بايمانكم بالعمل به ، وهو أنّه ﴿لا تَسْفِكُونَ﴾ ولا تهرقون ، ظلما ﴿دِماءَكُمْ﴾ ولا تقتلون بعضكم بعضا ﴿وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي بعضكم بعضا.

﴿مِنْ دِيارِكُمْ﴾ فإنّ سفك الدّماء وإخراج المؤمنين من ديارهم من أشدّ الظلم وأقبح الفساد.

﴿ثُمَ﴾ بعد الميثاق ﴿أَقْرَرْتُمْ﴾ والتزمتم به عند أنفسكم ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ بذلك الالتزام والعهد

٢٨٩

على رؤوس الأشهاد.

﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ أيّها اليهود الحاضرون ﴿هؤُلاءِ﴾ الملتزمون بميثاق الله وعهده المؤكّد ، المقرّون به ، الشاهدون عليه ، والآن نقضتموه لخبثكم وطغيانكم ، حيث إنكم ﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ وتهرقون دماء بعضكم في الحروب مع أنّها كدمائكم ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ﴾ قهرا عليهم و﴿تَظاهَرُونَ﴾ أنتم وأعداؤهم من المشركين ، أو أنتم أنفسكم تتعاونون ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متلبّسين ﴿بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ من القتل والإخراج ، وفيه دلالة على حرمة الإعانة على الظلم والعصيان.

﴿وَإِنْ﴾ كان الفريق المخرجون ﴿يَأْتُوكُمْ﴾ بأن جاء بهم الأعداء إليكم ، حال كونهم ﴿أُسارى﴾ ومشدودين بقيد الأعداء ﴿تُفادُوهُمْ﴾ وتعطوا العوض عنهم من أموالكم لتخلّصوهم من الأسر ﴿وَهُوَ﴾ أي الشأن أو الإخراج ﴿مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ﴾ تبيين لمرجع ضمير الشّأن والقصّة ، أو تأكيد له.

ثمّ أنكر عليهم بقوله : ﴿أَ فَتُؤْمِنُونَ﴾ أيّها اليهود ﴿بِبَعْضِ الْكِتابِ﴾ من وجوب التّفدية ، وتعملون به ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ آخر من حرمة القتل والإخراج ، مع أنّ قضيّة الإيمان بالكتاب ، الإيمان بكلّه ، لأنّ كلّه من عند الله ﴿فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ﴾ التبعيض في الإيمان والكفر بالكتاب ﴿مِنْكُمْ﴾ يا معشر اليهود ﴿إِلَّا خِزْيٌ﴾ وذلّ مع الفضيحة ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ من القتل والأسر والإجلاء [ عن ] الوطن وضرب الجزية عليهم.

نقل أنّ الله أخذ على بني إسرائيل في التّوراة أ ، لا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ، وأيّما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه وأعتقوه ، وكانت قريظة والنّضير أخوين ، وكذا الأوس والخزرج ، وهم أهل شرك يعبدون الأصنام ولا يعرفون القيامة والجنّة والنّار والحلال والحرام ، فافترقوا في حرب شمر ، ووقعت بينهم عداوة ، فكانت بنو قريظة معينة للأوس وحلفائهم ، والنّضير معينة للخزرج وحلفائهم ، فكانوا إذا خرجت الأوس والخزرج للقتال خرجت بنو قريظة مع أوس ، والنّضير مع خزرج ، فظاهروا حلفاءهم. وإذا غلبوا خرّبوا ديارهم ، فإذا انقضت الحرب افتدت قريظة ما كان في أيدي خزرج منهم ، وافتدت النّظير ما كان في أيدي الأوس منهم من الاسارى. فعيّرتهم العرب بذلك ، فقالوا : كيف تقتلونهم وتفادونهم ؟ ! قالوا : امرنا أن نفديهم ، وحرّم

٢٩٠

علينا قتالهم. قالوا : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنّا نستحيي أن نستذلّ حلفاءنا (١) .

﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ﴾ لأنّ عصيانهم - وهو الكفر - أشّد المعاصي ، ولا ينافي ذلك كون عذاب من هو أكفر منهم (٢) كالدّهريّة أشدّ من عذابهم ، لتفاوت مراتب الأشدّيّة ﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ لأنّ الغفلة ممتنعة عليه ، فبقدرته الكاملة واستحقاقكم الكامل يجازيكم على أعمالكم.

﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ

 يُنْصَرُونَ (٨٦)

ثمّ أعرض سبحانه عن مخاطبتهم ، وأعلن في النّاس بذمّهم بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الجماعة المذمّون بغاية الذّمّ ، هم ﴿الَّذِينَ اشْتَرَوُا﴾ واستبدلوا ، واختاروا ﴿الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ ومتاعها الدنيّة الزائلة ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ وبعوض نعمها الدائمة ، وآثروا اللذّات الفانية على الجنّة وحظوظها الباقية ﴿فَلا يُخَفَّفُ﴾ إذن ﴿عَنْهُمُ الْعَذابُ﴾ لا كيفيّة ولا مدّة ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ من أحد ، ولا يعاونون على دفعه.

﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ

اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ

بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ

وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ

فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)

ثمّ ذكّرهم الله نعمة اخرى وكفرانهم لها بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿مُوسَى الْكِتابَ﴾ جملة واحدة ﴿وَقَفَّيْنا﴾ وأتبعناه ﴿مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾ يتبع بعضهم بعضا ، والشريعة واحدة إلى زمان

__________________

(١) تفسير أبي السعود ١ : ١٢٥ ، تفسير روح البيان ١ : ١٧٥.

(٢) كذا ، والقياس : أشدّ كفرا منهم.

٢٩١

عيسى عليه‌السلام ﴿وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ الآيات ﴿الْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات ، وإفراد عيسى عليه‌السلام بالذكر بعد الرسل ؛ لاستقلاله بالشّريعة ، فإنّ شريعته ناسخة لشريعة موسى عليه‌السلام.

في وجه تسمية جبرئيل عليه‌السلام بروح القدس

﴿وَأَيَّدْناهُ﴾ وأعنّاه ﴿بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ قيل : هو جبرئيل عليه‌السلام (١) . حيث إنّه خلق بنفخه وربيّ بتربيته ورفع إلى السّماء معه.

واطلاق الرّوح على جبرئيل عليه‌السلام لأنّه واسطة إفاضة العلم الذي به حياة القلوب ، ولذلك سمّي القرآن من بين الكتب السّماويّة بالروح ؛ لاشتماله على المعارف الإلهيّة بمقدار لا يتحمّل فوقه البشر ، وعلى علوم يحتاج إليها الخلائق إلى يوم القيامة.

قيل : إنّ إضافة الرّوح إلى القدس اضافة الموصوف إلى الصفة (٢) ، والمعنى : الرّوح المقدّسة من الذّنب.

ثمّ بعد ذكر النعم العظيمة عليهم ذمّهم بكفرانها ، وقال تقريعا وتوبيخا لهم : ﴿أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ﴾ يا بني إسرائيل ﴿رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ﴾ وأتاكم بعهود وأحكام تخالف ميل خاطركم من وجوب اتّباع الكاملين وبذل الأنفس والأموال لنصرة الدّين ، والإيمان برسالة خاتم النّبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله ﴿اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ واستثقلتم ما جاءكم به أو أخذكم الكبر ﴿فَفَرِيقاً﴾ من الرّسل ﴿كَذَّبْتُمْ﴾ كموسى وعيسى ﴿وَفَرِيقاً﴾ آخر منهم كنتم ﴿تَقْتُلُونَ﴾ كزكريّا ويحيى ، كما أنّكم كذّبتم محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأردتم قتله. قيل : سمّوه في خيبر.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال عند موته : « ما زالت أكلة خيبر تعاودني » (٣) .

﴿وَقالُوا﴾ كناية عن نهاية تأبّيهم عن الايمان ﴿قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾ ومغشّاة بأغشية مانعة من دخول ما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، فلا نفهم ما يقول. فردّ الله عليهم بأنّ قلوبهم لم تخلق كذلك ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ﴾ وخذلهم ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ بالله ورسوله ، فأبطل استعدادهم.

أو المراد : أنّ قلوبنا أوعية العلم ، ومع ذلك لا نرى لك خبرا في الكتب السّماويّة ، ولا على لسان أحد. فردّ الله عليهم بقوله : ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ﴾ وأبعدهم عن رحمته بسبب كفرانهم النعمة ﴿فَقَلِيلاً ما﴾ أي إيمانا قليلا ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ أو ببعض قليل في غاية القلّة من أحكام الله يصدّقون ويلتزمون. قيل : أراد

__________________

(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٧١ / ٢٦٠.

(٢) تفسير الجلالين ١ : ١٣.

(٣) تفسير الرازي ٣ : ١٧٨ ، تفسير أبي السعود ١ : ١٢٧.

٢٩٢

بالقلّة العدم (١) .

﴿وَلَمَّا جاءَهُمْ﴾ ونزل على هؤلاء الحاضرين ﴿كِتابٌ﴾ عظيم الشّأن ، وهو القرآن ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ بشهادة أنّه ﴿مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾ من التّوراة التي بيّن فيها أوصاف محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه نبيّ امّيّ من ولد إسماعيل ، حتّى كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.

﴿وَكانُوا مِنْ قَبْلُ﴾ أن يظهر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ من الله ويسألونه الفتح والظفر به ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وكان الله يجيبهم ويفتح لهم ، أو المراد أنّهم يعرّفون المشركين أنّ الله يبعث منهم نبيّا وقد قرب زمانه ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ﴾ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ﴿ما عَرَفُوا﴾ بنعوته وعلائمه ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ وجحدوا نبوّته حسدا ﴿فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ به.

﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ

عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ

 مُهِينٌ (٩٠)

ثمّ بالغ في ذمّهم وتعييبهم على فعلهم من الكفر بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ﴾ من الهدايا والرئاسة الباطلة ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وأعرضوا عن النفع الدائم ، ورضوا بالعذاب الدائم لها بعوض متاع الدنيا الفانية.

وقيل : إنّهم لمّا تملّكوا أنفسهم وخلّصوها من تبعيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعوض كفرهم بنبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنّهم اشتروا أنفسهم.

ثمّ إنّه تعالى فسّر ما اشتروا به بقوله : ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ﴾ من القرآن المستلزم للكفر بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّ الإقرار بأنّه من الله إقرار بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثمّ بيّن أنّ كفرهم لم يكن جهلا وقصورا ، بل كان ﴿بَغْياً﴾ وحسدا على ﴿أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ﴾ نصيبا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ وهو النبوّة والكتاب ﴿عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ ويختار من بريّته وهو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أبان بالقرآن نبوّته ، وأظهر به آيته.

وعن ( الكافي ) و( العياشي ) : عن الباقر عليه‌السلام قال : « بما أنزل الله في عليّ بغيا » (٢) الحديث ، وهذا تاويل

__________________

(١) تفسير أبي السعود ١ : ١٢٨.

(٢) الكافي ١ : ٣٤٥ / ٢٥ ، تفسير العياشي ١ : ١٤٣ / ١٧٥.

٢٩٣

وبطن.

﴿فَباؤُ﴾ ورجعوا ملتبسين ﴿بِغَضَبٍ﴾ من الله عليهم حين جحدوا نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كائن ﴿عَلى غَضَبٍ﴾ من الله عليهم قبله حين أنكروا نبوّة عيسى عليه‌السلام فصاروا مستحقّين اللعنة مرادفة اللعنة حيث اقترفوا كفرا إثر كفر.

﴿وَلِلْكافِرِينَ﴾ بالله ورسله ، كانوا يهودا أو غيرهم بسبب كفرهم ﴿عَذابٌ مُهِينٌ﴾ حيث أهانوا الله بمعارضته ورسله بالتّكذيب ، فناسب أن يشتمل عذابهم على نهاية الإهانة زائدا على ما يلازم مطلق العذاب.

﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ

وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ

مُؤْمِنِينَ (٩١)

ثمّ بالغ سبحانه في توبيخ اليهود بقوله : ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ نصحا وموعظة ﴿آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ﴾ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من القرآن ﴿قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا﴾ من التّوراة وهم ﴿يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ﴾ وما سواه من الكتب السماويّة الّتي أشرفها القرآن ، ولا يؤمنون به ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿هُوَ الْحَقُ﴾ النازل من الله ، والناسخ للتّوراة ، حال كونه ﴿مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ﴾ من التّوراة التي بشّرت بمجيىء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة والكتاب.

ولمّا كانوا كاذبين في دعوى الإيمان بها ، ردّ الله عليهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد ردّا لدعواهم الإيمان بالتّوراة ﴿فَلِمَ﴾ كنتم ﴿تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بالتّوراة ، فإنّ التّوراة حرّمت قتل الأنبياء ، ولا بدّ أن يكون قول المؤمن وفعله موافقا.

عن العياشي : عن الصادق عليه‌السلام : « إنّما نزل هذا في قوم [ من اليهود ] كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقتلوا الأنبياء بأيديهم ، ولا كانوا في زمانهم ، وإنّما قتل أوائلهم الذين كانوا من قبلهم (١) ، فجعلهم الله منهم ، وأضاف إليهم فعل أوائلهم بما تبعوهم وتولّوهم » (٢) .

__________________

(١) زاد في المصدر : فنزلوا بهم اولئك القتلة.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٤٣ / ١٧٧.

٢٩٤

﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢)

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا

سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ

 إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)

ثمّ أنّه لمّا كانت عبادتهم العجل واتّخاذه إلها من أقبح أعمالهم ، وفيها نهاية فضيحتهم وظهور كمال حماقتهم كرّر الله ذكره بقوله : ﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ

ويمكن أن يكون تكراره وتكرار أخذ الميثاق ورفع الطّور والأمر بأخذ ما في التّوراة من الأحكام بقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ ويد ﴿وَاسْمَعُوا﴾ سماع قبول وطاعة ؛ توطئة لحكاية قولهم الشّنيع بقوله : ﴿قالُوا﴾ جوابا : ﴿سَمِعْنا﴾ قولك ﴿وَعَصَيْنا﴾ أمرك ، ولبيان رسوخ حبّ العجل في قلوبهم بقوله : ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ قيل : إنّهم بسبب كفرهم أمروا بشرب الماء الذي ذرّيت فيه سحالة (١) العجل حتّى وصل ما شربوه إلى قلوبهم ، حتّى تداخلها حبّه ، ورسخ فيها صورته لفرط شغفهم به.

نقل أنّ موسى عليه‌السلام لمّا خرج إلى قومه امر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذرّى في النّهر ، فلم يبق نهر يومئذ إلّا وقع فيه منه شيء ثمّ قال لهم : اشربوا منه ، فمن بقي في قلبه شيء من حبّ العجل ظهرت سحالة العجل على شاربه (٢) .

وروي عن الباقر عليه‌السلام قال : « لمّا ناجى موسى عليه‌السلام ربّه ، أوحى الله إليه : يا موسى ، قد فتنت قومك. قال : بماذا يا رب ؟ قال : بالسّامريّ. قال : وما [ فعل ] السّامريّ ؟ قال : قد صاغ لهم من حليّهم عجلا.

قال : يا ربّ ، إنّ حليّهم لا يحتمل أن يصاغ منه غزال أو تمثال أو عجل ، فكيف فتنتهم ؟ قال : إنّه صاغ لهم عجلا ، فخار.

قال : يا ربّ ومن أخاره ؟ قال : أنا. فقال عندها موسى عليه‌السلام : ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ(٣) .

__________________

(١) سحالة الشيء : برادته ، وهو ما يتساقط من الحديد أو نحوه في أثناء برده.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٨٣.

(٣) الأعراف : ٧ / ١٥٥.

٢٩٥

قال : فلمّا انتهى موسى عليه‌السلام إلى قومه ورآهم يعبدون العجل ، ألقى الألواح من يده فكسّرت » .

قال أبو جعفر عليه‌السلام : « كان ينبغي أن يكون ذلك عند إخبار الله تعالى إيّاه. قال : فعمد موسى عليه‌السلام فيرد العجل من أنفه الى طرف ذنبه ، ثمّ أحرقه بالنّار فذرّه في اليمّ. قال : فكان أحدهم ليقع في الماء وما به [ إليه ] من حاجة ، فيتعرّض بذلك للرماد (١) ويشربه ، وهو قول الله تعالى : ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ(٢) .

أقول : ظاهر الرّواية أنّ حبّهم للعجل صار سببا لشربهم من الماء ، ويمكن كون حبّ العجل سببا للشّرب ، ثمّ صار الشّرب سببا لرسوخ حبّه وثباته في قلوبهم.

ثمّ لمّا كان ارتكابهم هذه القبائح مبطلا لادّعائهم الإيمان بالتّوراة وبموسى وشريعته ؛ أمر الله نبيّه بتقريعهم ، بقوله : ﴿قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ﴾ وساء ما يبعثكم إليه ﴿إِيمانُكُمْ﴾ بالتّوراة من فعل هذه القبائح ، ومن الكفر بالله واليوم الآخر وبرسالتي ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بها.

﴿قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ

 إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ

 بِالظَّالِمِينَ (٩٥)

ثمّ لمّا كان من عقائدهم السّخيفة ودعاويهم الباطلة أنّ الجنّة ونعيمها في الآخرة خالصة لهم ومختصّة بهم لادعائهم أنّهم أولياء الله المخلصون وعباده الصّالحون ، ولذا قالوا : ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً(٣) فردّ الله عليهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد : ﴿إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ من جنّتها ونعيمها ﴿عِنْدَ اللهِ خالِصَةً﴾ ومختصة ﴿مِنْ دُونِ﴾ سائر ﴿النَّاسِ﴾ قيل : المراد من النّاس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وأصحابه (٤) .

﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ الذي به تصلون إليها لقلّة نعم الدنيا بالنّسبة إلى نعم الآخرة ، مع كون نعم الدنيا منغّصة مشوبة بالآلام والمكاره بخلاف نعم الآخرة ، فكلّ من أيقن بفلاحه ونجاحه ، لا بدّ له من أن يشتاق إلى الموت ويتمنّاه ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطّفل

__________________

(١) في النسخة : بذلك إليها.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٤٤ / ١٧٨.

(٣) البقرة : ٢ / ١١١.

(٤) تفسير الصافي ١ : ١٤٨.

٢٩٦

بثدي امّه » (١) .

وقال عمّار يوم صفّين :

اليوم ألقي الأحبّة

محمّدا وحزبه (٢)

عن الصادق عليه‌السلام : « سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام : بماذا أحببت لقاء ربّك ؟ قال : لمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت بأنّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني ، فأحببت لقاءه » (٣) .

فمن كان صادقا في الحبّ لا محالة يتمنّى لقاء الحبيب ، ولذا قال تعالى : ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعوى حبّكم لله وتولّيكم إيّاه واختصاصكم بالجنّة ونعيمها. ثمّ الظاهر أنّ المراد بالتمنّي ، التمنّي القوليّ ، كقول : ربّنا أمتنا أو عجّل في وفاتنا وأمثال ذلك ، دون التمنّي القلبيّ الذي لا يطّلع عليه أحد.

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [ أنه ] قال لهم بعد ما عرض هذا عليهم : « لا يقوله أحد منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه » وكانت اليهود علماء بأنّهم كاذبون ، وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه هم الصادقون ، فلم يجترئوا أن يدعوا به (٤) .

شبهة ورفعها

إن قلت : ما الدّليل على أنّه ما وجد منهم هذا القول ؟

قلت : لو قالوا ذلك لنقل إلينا نقلا متواترا ، لأنّه أمر عظيم ، لأنّه بقولهم ما يشعر بالتمنّي ، كان النبيّ محجوجا ، وكان يبطل دعواه ونبوّته ، وبعدمه يثبت صحّة نبوّته ، وما كان كذلك كان من الوقائع العظيمة ، فوجب أن ينقل نقلا متواترا.

وأيضا لا يمكن أن يتحدّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان أعقل من جميع أهل العالم بالإخبار بعدم وقوع أمر جزما إلّا بإخبار الله بعدم وقوعه ، ولا يجوز أن يخبر بأمر لا يأمن ولا يثق بتحقّق ما أخبر به ، مع أنّه وردت روايات كثيرة متظافرة بأنّهم ما قالوا ، ولو قالوه لماتوا مقاعدهم ورأوا مقاعدهم من النّار ، بل قيل إنّ هذا الإخبار بلغ مبلغ التواتر.

وهذا من الأدلّة الواضحة على النبوّة ، حيث أخبر عن جزم بأنّهم لا يقولون كلمة دالّة على تمنّي الموت مع سهولتها عليهم ، بل أخبر بأنّهم لا يقولونها أبد الدهر ، بقوله : ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من الكفر والمعاصي.

__________________

(١) نهج البلاغة : ٥٢ / ٥.

(٢) وقعة صفين : ٣٤١ ، تفسير أبي السعود ١ : ١٣٢.

(٣) الخصال : ٣٣ / ١.

(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٤٣ / ٢٩٤.

٢٩٧

وروي عن ( تفسير الإمام ) وعن ابن عبّاس : أنّ المراد بتمنّي الموت أن يدعو الفريقان بالموت على الكاذب منهما فيكون نظير المباهلة (١) . وهذا خلاف المشهور بين المفسّرين.

روي عن نافع أنّه جلس إلينا يهوديّ يخاصمنا ، فقال : إنّ في كتابكم ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ وأنا اتمنّى ، فما لي لا أموت ؟ فسمع ابن عمر هذا فدخل بيته وأخذ السّيف ثمّ خرج ، ففرّ اليهوديّ حين رآه. فقال ابن عمر : أما والله لو أدركته لضربت عنقه ، توهّم هذا الجاهل أنّه لليهود في كلّ وقت ، إنّما هو لاولئك الذين يعاندونه ويجحدون نبوّته بعد أن عرفوه (٢) .

إن قيل : إن المؤمنين أجمعوا على أنّ الجنّة للمؤمنين دون غيرهم ، ثمّ ليس أحد منهم يتمنّى الموت ، فكيف وجه الاحتجاج على اليهود ؟

قلت : إنّ المؤمنين لم يدّعوا أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه ، وأنّ الجنّة خالصة لكلّ واحد منهم كما أدّعاها اليهود.

ثمّ بعد المحاجّة عليهم وتبكيتهم ، هدّدهم بقوله : ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالكفر والطغيان ، لا يخفى عليه سوء حالهم وشناعة أعمالهم ، فيجازيهم بأسوأ مجازاة.

﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ

أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)

ثمّ أخبر الله بأنّهم مأيوسون عن نعيم الآخرة بقوله : ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ﴾ طويلة في الدنيا ، بل ﴿وَ﴾ أحرص عليها ﴿مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ بالله ولم يؤمنوا بالمعاد ، فإنّهم لزعم أنّ الدنيا جنّة لهم ، يكونون أكثر حبّا للحياة وأشدّ حرصا على التعيّش فيها.

وهؤلاء اليهود مع اعتقادهم بالمعاد والجنّة ، وادّعائهم أنّها خالصة لهم ، لعلمهم بأنّهم محرمون عن الجنّة ونعيمها وصائرون إلى النّار وأشدّ العذاب بسبب وضوح كفرهم عندهم وعنادهم للحقّ ، يكونون أحرص على التعيّش في الدنيا من المشركين بحيث : ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾ ويتمنّى ﴿لَوْ يُعَمَّرُ﴾ فيها ﴿أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قيل : تخصيص ألف سنة بالذّكر لأنّ عادة المجوس القائلين بالنّور والظلمة أنّهم

__________________

(١) تفسير الرازي ٣ : ١٩١ ، تفسير ابن كثير ١ : ١٣٢ ، التفسير المنسوب إلى الامام العسكري : ٤٤٣.

(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٨٤.

٢٩٨

عند العطاس يقولون : عش ألف سنة ، أو ألف نوروز (١) .

﴿وَما هُوَ﴾ أي التّعمير الطّويل ﴿بِمُزَحْزِحِهِ﴾ ومباعده ﴿مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾ لأنّ العمر الطّويل بعد انقضائه كطرفة عين ، ثمّ بعده يكون العذاب الدائم.

﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ في أعمارهم فيشدّد عليهم العذاب ، فيكون طول العمر شرّا لهم ، حيث لا ينالون فيه إلّا زيادة الكفر والطّغيان والإثم والعدوان فيزداد عذابهم ، بخلاف أهل الإيمان فإنّهم في كلّ ساعة من العمر يكتسبون خيرا كثيرا لا يعلمه الّا الله.

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « طوبى لمن طال عمره وحسن عمله » (٢) .

﴿قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ

وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ

وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨)

ثمّ أنّه لمّا كان من العقائد الفاسدة الزائغة لليهود ومن مساوئ أقوالهم اعتقادهم وقولهم : بأنّ جبرئيل عدو لنا ؛ لأنّه أنزل القرآن على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نعاديه ، أبان الله سبحانه سخافة هذا الاعتقاد وشناعة هذا القول بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد لهم : ﴿مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾ ومبغضا له ، فإنّه مبطل إذ لا وجه لعدوانه.

فإن قالوا : إنّ العداوة بسبب أنّه أنزل القرآن عليك ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ متدرّجا ﴿عَلى قَلْبِكَ﴾ الذي هو موضع فهمك ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ وبأمره ، لا من قبل نفسه ، فهو مأمور ومحسن إليهم بتبليغه الكتاب المبين الذي يكون ﴿مُصَدِّقاً﴾ وموافقا ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتب السّماويّة ﴿وَهُدىً﴾ من الضّلالة ﴿وَبُشْرى﴾ بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبرحمة الله وفضله ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فيجب أن يكون جبرئيل محبوبا مشكورا لا مبغوضا منفورا.

عن القمّي رحمه‌الله : أنّها نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل لآمنّا بك ، فإنّه ملك الرّحمة وصديقنا ، وجبرئيل ملك العذاب وهو عدوّنا (٣) .

__________________

(١) تفسير روح البيان ١ : ١٨٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨٣ / ٨٤٢ ، تفسير روح البيان ١ : ١٨٦.

(٣) تفسير القمي ١ : ٥٤.

٢٩٩

أقول : الأخبار الدّالّة على أنّ اليهود كانوا يظهرون العداوة لجبرئيل كثيرة من الخاصّة والعامّة ، ولا بعد فيه لكثرة جهالتهم ، حيث إنّهم الذين قالوا لموسى عليه‌السلام بعد ما رأوا الآيات البيّنات : ﴿اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ(١) ثمّ تمادوا في الجهل والغواية حتّى انتهوا إلى عبادة العجل ، وكادوا أن يقتلوا هارون.

وما قيل من أنّ اليهود في الأعصار المتأخّرة منكرون معاندة أسلافهم لجبرئيل ، فهو باطل مردود ؛ لأنّ القرآن كان بمنظر ومسمع من أهل الكتاب من اليهود والنّصارى ، ولم يبارزه أحد منهم بالرّدّ والتّكذيب في هذه النّسبة ، وإلّا لنقل إلينا.

اعتراض ورد

فإن قيل : نزل القرآن بالاتّفاق على ظاهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف قال : ﴿نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ﴾ قلنا : نزل القرآن على ظاهره وباطنه ، ولمّا كان نزوله على باطنه أشرف وأنفع لعموم الخلق ؛ لأنّه بحفظ قلبه حفظ وبقي بين النّاس ، خصّه بالذّكر كما قال في الشعراء : ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ(٢)

ثمّ بعد بيان أنّه لا جهة لعداوة جبرئيل حيث إنّه عامل بأمر الله ومطيع لحكمه ، بل على النّاس أن يحبّوه ويشكروه حيث إنّه واسطة لتبليغ الهداية والبشارة ، هدّد الله المعاندين له ، بل معاند جميع المقدّسات بقوله : ﴿مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ﴾ بأن سبّ الله عدوانا ، أو خالفه ، أو عاند أولياءه ، ﴿وَ﴾ عدوّ ﴿مَلائِكَتِهِ﴾ المبعوثين لنصرتهم ﴿وَ﴾ عدوّ ﴿رُسُلِهِ﴾ المبلّغين عنه ، المخبرين بما فيه خير العامّة وصلاح الخلق في الدنيا والآخرة ، ﴿وَ﴾ عدوّ ﴿جِبْرِيلَ وَمِيكالَ

عن عكرمة : أن جبروميك وإسراف هي العبد بالسّريانيّة ، وئيل : هو الله (٣) ، وتخصيصهما بالذكر بعد ذكر عموم الملائكة لفضلهما ، ولجريان ذكرهما بين الرّسول واليهود.

﴿فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ﴾ بعلّة كفرهم ، وعداوة هؤلاء الكفرة لا تضرّ الله وملائكته ورسله وأولياءه ، وعداوة الله لهم تضرّهم أشدّ الضّرر.

﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَ وَكُلَّما عاهَدُوا

__________________

(١) الأعراف : ٧ / ١٣٨.

(٢) الشعراء : ٢٦ / ١٩٣ و١٩٤.

(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٨٨.

٣٠٠