غاية الأصول في شرح كفاية الأصول

السيّد علي السيّد آقا ميري الدزفولي

غاية الأصول في شرح كفاية الأصول

المؤلف:

السيّد علي السيّد آقا ميري الدزفولي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات وفائي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٦

فتحصّل ممّا ذكرنا ، أن الأحكام الّتي تكفّلها الخطابات الشّرعيّة غير مختصّة بالحاضرين ، بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين لو اندرجوا تحت ما أخذ عنوانا للمكلّفين بهما ، نعم تختص المخاطبة بها بالحاضرين لعدم صحّتها على وجه الحقيقة مع غيرهم ، إلّا أن مجرّد هذا لا يتقضي اختصاص الأحكام بهم أيضا كما لا يخفى.

ثمرة البحث

هذا وربّما قيل بأنّه تظهر الثّمرة على القول بعموم الخطابات الشّفاهيّة للمعدومين والقول بعدمه في مقامين :

«المقام الأوّل»

حجّيّة ظواهر الخطابات لهم كالمشافهين لمشاركتهم إيّاهم في العموم على الأوّل وعدمها على الثّاني ، فالمرجع في حقّهم أصالة البراءة لأنّها عند الشّك في التّكليف محكمة (١). وفيه أنّه مبني على ما يراه المحقّق القمّي «ره» من اختصاص حجّيّة ظواهر الخطابات بالمقصودين بالإفهام بها ، وقد حقّقنا في محله ضعفه وإنّها حجّة في حقّ كلّ من له تعلّق بها وإن كان غير مقصود بالإفهام بها مع إمكان الصّغرى أيضا من اختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بالإفهام بها حيث أن الظّاهر كون النّاس كلّهم كانوا كذلك كما يوحي إليه غير واحد من الأخبار الدّالة باختلاف مضامينها على أن كتاب الله تعالى حجّة على العباد إلى يوم القيامة.

«المقام الثّاني»

أنه يصحّ التمسّك باطلاقات خطابات الكتاب لمن وجد وبلغ من المعدومين وإن

__________________

(١) أقول لا وجه للرّجوع إلى البراءة مع إمكان الرّجوع إلى قاعدة الاشتراك في التّكليف ولو منع منها لما سيأتي فترجع هذه الثّمرة إلى الثّمرة الآتية ، لمحرّره.

٥٢١

لم يكن متّحدا في الصّنف مع المشافهين على القول بالعموم ، ولا يصحّ ذلك على القول بعدمه ، إذ عليه لا بدّ في إثبات التّكليف لهم بقاعدة الاشتراك من إحراز اتّحاد الصّنف ، إذ لا مدرك لها سوي الإجماع ، وهو غير قائم في غير مورد اتّحاد الصّنف ، فلا بدّ في إثبات أحكام المشافهين للمعدومين بضميمة القاعدة من إحراز اتّحاد الصّنف ، وفيه أيضا أن الخطابات المتكلّفة للأحكام الشّرعيّة لا يخلو إمّا أن يكون لها إطلاق يصحّ أن يتمسّك به في كلّ شكّ في اعتباره في مكلّفين بها أم لا؟ إن كان لها إطلاق كذلك صحّ التمسّك بها حتّى على القول بعدم العموم ، إذ ببركة الإطلاق يحرّز ما هو شرط قاعدة الاشتراك في التّكليف من اتّحاد الصّنف ، وبعد إحرازه لا مانع من الرّجوع إلى الخطابات ، فهي المرجع لإثبات أحكامها للمعدومين على القولين ، إمّا بعمومها كما هو قضيّة القول به ، أو بضميمة القاعدة على القول بعدمه ، وذلك لأنّه ليس المراد بالاتّحاد في الصّنف الاتّحاد بحسب العربيّة أو العجميّة ونحوهما أو بحسب الحضور في مكّة أو المدينة أو مجلس كذا ونحو ذلك ممّا يتخلّف ويتفاوت غالبا ، بل دائما ، بل الاتّحاد بحسب ما أخذ في لسان الدّليل عنوانا لمن كلف بالحكم من المؤمن أو الكافر أو الحاضر أو المسافر ونحو ذلك فإن أحرز ذلك ، العنوان بأصالة الإطلاق جاز التّمسّك بذلك الخطاب لإثبات حكمه للمعدومين إمّا بنفس عمومه أو بضميمة القاعدة وإن كانوا فاقدين لما كان المشافهون له واجدين من الحضور في زمان كذا أو مكان كذا ، لأنّ احتمال تفاوت الحكم بحسب هذه التّفاوتات ممّا يندفع بأصالة الإطلاق حسب الفرض وكيف لا لم يمكن إثبات الأحكام للغائبين أيضا لتطرق هذا الاحتمال في حقّهم كالمعدومين ، فتلغى القاعدة وتصير بلا فائدة ، فالقاعدة المتّفق عليها إنّما تجري وتجدي في إثبات عدم اختصاص

٥٢٢

الأحكام بالمشافهين فيما إذا لم يكونوا معنونين بعنوان ، كما في قوله تعالى : (ولله على النّاس حج البيت) ، أو كانوا المعنونين بعنوان ولكن لم يكونوا مختصّين به ، كما إذا خوطب المؤمنون بحكم ولكنّه لم يكن مختصّا بعنوان المؤمن ، وإن لم يكن لها إطلاق كذلك لم يصحّ الرّجوع الى الخطابات حتّى على القول بالعموم ، إذ مع إحراز ما أخذ واعتبر عنوانا للمكلّفين بها من القيود كيف يمكن التّمسّك بالعموم؟ بل على هذا التّقدير لا يجوز التّمسّك به في حقّ الحاضرين أيضا أن فقدوا ما كانوا واجدين له عند المخاطبة ، وبالجملة لا يجوز الرّجوع إلى العموم ولا إلى القاعدة في إثبات أحكام المشافهين ، لغيرهم إلّا فيما أحرز عنوان المكلّفين بها ولو بالإطلاق فمعه يجوز الرّجوع إلى الخطابات سواء قلنا بأنها تعمّ غير المشافهين من الغائبين والمعدومين أم لا. غاية الأمر أنّها بعمومها هي المرجع على الأوّل ، وبضميمة القاعدة على الثّاني ، ومع عدم الإطلاق لا يجوز الرّجوع إليها أيضا على كلا القولين ، فثبّت ممّا ذكرنا أن النّزاع في المسألة ممّا لا يترتّب عليه ثمرة عمليّة ، وأقول : والإنصاف عدم جريان أصالة الإطلاق في حقّ غير المشافهين على القول باختصاص الخطابات بهم ، إذ عمدة مقدّمات إثبات الإطلاق قبح تكلّم الحكيم بما له ظاهر وهو يريد خلافه دون نصب القرينة ، ومن الواضح عدم جريان هذه المقدّمة في حقّ المخاطبين ، فلو كانوا واجدين لمّا هو شرط التّكليف واقعا دون غيرهم ووجه الخطاب إليهم مطلقا غير معلّق على شرط لم يلزم حينئذ قبح على المتكلّم ، بخلاف ما لو كان الخطاب يعم غيرهم لفرض فقدانهم ما هو لشرط التّكليف ، ضرورة أنّه لو أطلق حينئذ يلزم القبح على الحكيم ، فمن إطلاقه يستكشف عدم اعتبار ما احتمل اشتراط التّكليف به ممّا كان به ممّا كان المشافهون واجدين له دون غيرهم ،

٥٢٣

فلا تجري أصالة الإطلاق في حقّ غير المخاطبين كي يمكن إثبات حكمهم لغيرهم بقاعدة الاشتراك في التّكليف ، اللهمّ إلّا أنّ يدعي جريان قاعدة في هذا الفرض أيضا ، وقضيّة هذا عدم اعتبار اتّحاد الصّنف في إجرائها ، وهذا كما ترى.

* * *

٥٢٤

الفصل السّابع

هل تعقب العام بضمير لبعض أفراده

يوجب تخصيصهم بمقدار ما اريد بالضمير أم لا؟

اختلفوا في أنّ تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده هل يوجب تخصيصهم بمقدار ما اريد بالضّمير أم لا؟ على أقوال. ومحلّ الكلام بين الأعلام في المقام ما إذا وقعا في كلامين أو كلام واحد مع استقلال كل منهما بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ... الى قوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) حيث أنّ المراد بالضّمير فيه خصوص الرجعيّات من المطلقات ، وأمّا إذا كانا في كلام واحد مع اتّحاد الحكم كما لو فرض أنه ورد المطلقات أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ ، فلا شبهة في تخصيصه به ، إذ لا تعدّد في الحكم كي يتصوّر لأجله ظهور العام في غير ما أريد بضميره وعدم تخصيصه به ، ومنشأ الأشكال والخلاف هو أنّه لما كان العام ظاهرا في العموم والضّمير في مطابقته مع المرجع ، فعند اختصاص الحكم المتعلّق به ببعض ما كان المرجع وهو العام ظاهرا فيه يدور الأمر بين التّصرّف : إمّا في طرف العامّ بتخصيصه بما اريد بالضّمير ، وإمّا في طرفه بأحد

٥٢٥

وجهين : التّجوز والتّوسع في الكلمة على سبيل الاستخدام ، بأن يكون راجعا إلى بعض ما هو المراد من مرجعه ، وهذا هو المراد بالاستخدام في المقام أو في الأسناد بأن يكون راجعا إلى تمام مدلول مرجعه ، ومع هذا أسند الحكم المتعلّق بالضّمير إلى بعضه لاشتمال الكلّ عليه ، فتتعارض أصالة الظّهور في الطّرفين ، وحيث اختلفت الأنظار في كونها بالنّسبة إليها متساويين أو مختلفين ، فلذا اختلفوا في المسألة ، ولكن التّحقيق فيها يقتضي جريان الأصل في طرف العام سليما عن معارضته بمثله في طرف الضّمير ، لعدم استقرار بناء العقلاء الّذي هو الأصل لاعتبار الأصول اللّفظيّة ، وبعبارة أخرى لاعتبار الظهورات في باب الألفاظ على اعتبارها وأعمالها في مقام تعيين المراد ، وأمّا مع تعيينه والشّك في كيفيته أرادته واستعمال اللّفظ فيه وأنّه هل يكون على نحو الحقيقة أو المجاز في الإسناد أو الكلمة كما في الضّمير حيث أن المراد به معلوم وإنّما الشّك في أنّه هل كان بنحو الحقيقة أو المجاز بأحد الوجهين فلا ، لا أقل من الشّك في ذلك وهو كاف في عدم الاعتبار ، ونظير المقام ما لو تعدّد المستعمل فيه ، حيث قال السّيد المرتضى «ره» فيه بأن الاشتراك خير من المجاز تمسكا بأصالة الحقيقة ، واعترضوا عليه بأن الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، وأقول : وتقدّم أيضا نظير المقام في الشّبهة المصداقيّة إذا علم موضوع بأن حكمه على خلاف حكم العامّ ولكن تردّد بين كونه من أفراده كي يكون مخصّصا له ، أو لا ، فيكون العامّ غير مخصّص بشيء حيث توهّم أنّه يصحّ إجراء أصالة العموم لإحراز كون ذلك الموضوع من غير أفراد العام.

* * *

٥٢٦

الفصل الثّامن

في جواز تخصيص العام بالمفهوم المخالف وعدمه

اختلفوا في جواز تخصيص العام بالمفهوم المخالف وعدمه على قولين ، وكانّهم اتّفقوا مع جواز تخصيصه بالمفهوم الموافق ، ولعلّ وجهه أن دلالة الكلام عليه أقوى من دلالته على المفهوم المخالف ، فيكون حاله حال المنطوق فيجوز تخصيص العامّ به كالمنطوق.

وينبغي أن يعلّم أوّلا ما هو ملاك التّخصيص مطلقا كي ينكشف به حال المسألة فنقول : من المعلوم أنّه ليس إلّا أظهريّة المخصّص أو صراحته في إثبات الحكم المخالف لحكم العامّ لما تعلّق به من أفراده من إثبات حكمه له بحيث لو انعكس الأمر لزم تقدّم العامّ على المخصّص والتّصرّف فيه ، ولذا ربّما يقدّمون العام عليه لإبائه عن التّخصيص أو لأظهريّته من المخصّص في إثبات حكمه لما تعلّق به حكم المخصّص ، سواء كانا في كلام واحد ، أو في كلامين ، لأنّ المعيار في تقديم أحدهما على الآخر كما في جميع موارد التّرجيح بحسب الدّلالة هو أظهريّة أحدهما من الآخر أو صراحته ، فإذا فرض العام كذلك أي أظهر ، أو صريحا في العموم.

٥٢٧

فلا بدّ من تقديمه على المفهوم مخالفا كان أو موافقا ، وإن كان دلالة الكلام عليه أقوى من دلالته على المخالف فإن مرجع المعارض بينه وبين المفهوم في الحقيقة إلى المعارض بين المنطوق الملازم للمفهوم الموافق فإنّه تبع له ، وبين العموم ، فلو فرض كون العام صريحا في العموم أو أظهر من دلالة المنطوق الملازم للمفهوم الموافق فلا بدّ من تقديمه عليه والتّصرّف في المفهوم بالتّصرف في منطوقه بحمل حكمه على ما يوافق حكم العام ، وان فرض المفهوم كذلك لزم تقديمه على العام وتخصيصه به موافقا كان أو مخالفا ، وإن كان ثبوته لأجل قرينة في خصوص مقامه ولم نقل به كلّ مقام ، وبالجملة المعيار للتّرجيح هو أنّه لو انضم أحدهما إلى الآخر لو كانا منفصلين وعرضا على العرف كان أحدهما قرينة على التّصرّف في الآخر ، لأظهريته منه أو لصراحته في مورد التّعارض من غير فرق في ذلك بين أن يكون المترجح أي الأظهر أو الصّريح هو العامّ أو المفهوم ، موافقا كان أو مخالفا ، غاية الأمر أنّه لما لم يمكن التّفكيك بين المفهوم الموافق وبين المنطوق الملازم له في الحكم ، فلا بدّ من التّصرّف فيه في منطوقه لا مع إبقاء حكمه على حاله وإلغائه عن المفهوم ، فإنّه لا يمكن في المفهوم الموافق ، ولكن هذا النّحو من التّصرف يمكن في المفهوم المخالف ، إلّا أن مجرّد هذا الفرق لا يوجب الفرق بينهما في جواز تخصيص العامّ بالموافق كما اتفقوا عليه ظاهرا دون المخالف ، ولذا اختلفوا فيه ، وإن يكن أحدهما كذلك بل كانا متساويين في الظّهور ولو لأجل خصوص مقام ، فالمرجع حينئذ الأصول العمليّة سواء كانت دلالة العام على العموم وما له المفهوم في المفهوم بمعونة مقدّمات الكلمة أو بالوضع ، لمزاحمة ظهور كلّ منهما بالمقدّمات أو الوضع بظهور الأخر ، فيتساقط ظهورا العموم والمفهوم ولا مرجع حينئذ سوى الأصول العلميّة

٥٢٨

كما هو معلوم.

وممّا ذكرنا انقدح حال ما قيل أو يقال في المقام فلا حاجة إلى الدّلالة بالنّقص والإبرام.

وأقول : نعم ، لو كانا مختلفين بأن كان ظهور أحدهما في العموم أو المفهوم بمعونة مقدّمات الحكمة والآخر بالوضع يعيّن تقدّم الثّاني على الأوّل ، لعدم جريان المقدّمات في إثبات الظّهور لأحد الطّرفين مع ثبوت الظّهور وضعا للآخر في البين. وهذا واضح ، ولعلّه لذا لم ينبّه عليه.

* * *

٥٢٩

الفصل التّاسع

هل الاستثناء المتعقّب

لجمل متعدّدة يرجع إلى الأخير أو الكلّ؟

اختلفوا في أنّ الاستثناء المتعقّب لجمل متعدّدة هل يرجع إلى الأخير أو الكلّ أو يتوقّف في رجوعه إلى أحدهما؟ ومحلّ النّزاع هو أنّه ظاهر في الرّجوع إلى خصوص الاخير ، أو الكلّ ، أو ليس بظاهر في خصوص أحدهما فيكون مجملا فيهما ، لأنّ إرادة غيرهما وإن الكلّ لصلاحيّته اللّفظ له إلّا أنّه خارج عن طريقة أهل المحاورة قطعا فلا شبهة في رجوعه إلى الاخير على أي حال ، لأنّه المتيقّن على جميع الأقوال ، وكذا لا شبهة ولا إشكال في صحّة رجوعه وصلاحيّته للرّجوع إلى مخصوص الاخير من دون توهّم لزوم محذور في الأوّل من استعماله فيه في أكثر من معنى سواء قلنا بأنّ الموضوع له أو المستعمل فيه في الحروف ـ ومنها أداة الاستثناء ـ في أي لغة كان خاص دون الوضع كما لعلّه المعروف ، أو أنّهما كالوضع فيها عام وأن الخصوصيّة أنّما تنشأ من ناحية الاستعمال والإرادة ، وهذا النّحو من الخصوصيّة غير قابلة لأن تكون مأخوذة في المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه

٥٣٠

على أن تكون من قيوده ومقوماته حسبما حققناه في محله لأنّ تعدّد متعلّقات المعاني الحرفيّة وهي المعاني الاسميّة الّتي تقوم بها المعاني الحرفيّة لأنّها من خصوصياتها وعوارضها وحالاتها القاعدة بها مفهوما وتصوّرا قيام الإعراض بالجواهر الخارجيّة وجودا كقيام الابتدائيّة الّتي تكون معنى من المبتدأ والمبتدائيّة كالسّير والكوفة في سرّ من الكوفة ، والظّرفيّة الّتي تكون معنى في بالظّرف والمظروف في مثل زيد في الدّار ، والاستثنائيّة الّتي تكون معنى إلّا ما يراد منها في أي لغة بالمستثنى والمستثنى منه في مثل : أكرم القوم إلّا زيدا. وكذا في سائر المعاني الحرفيّة لا يوجب تعدّدها وتوهّم استعمال ألفاظها في أكثر من معنى فاستعمال أداة الاستثناء في الرّجوع إلى الكلّ على حدّ استعمالها في الرّجوع إلى خصوص الأخيرة في أنّ معناها الحقيقي باق على حالة من دون تفاوت فيه بين الصّورتين على جميع الأقوال في كيفيّة الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف ، ولا بأس بتوضيح المعاني الحرفيّة مطلقا اوّلا وإنّ كان خارجا عن محلّ الكلام في المقام ، ثمّ تعقيبه بما يقتضيه التّحقيق في المقام ، فنقول : المعاني الحرفيّة غير مستقلّة بالمفهوميّة ، بمعنى أنّها غير ملحوظة على حيالها لكونها من الخصوصيّات والحالات والعوارض عن القائمة مفهوما وتصوّرا بمعاني متعلّقاتها ، أي المعاني الاسميّة بحيث لو توجّهت النّفس إليها وأرادت أن تلاحظها صارت معاني اسميّة وخرجت عن كونها معاني حرفيّة ، مثلا إذا لوحظ السّير بخصوصيّة كونه مبتدأ والبصرة بخصوصيّة كونها مبتدأ منها السّير يتحقّق معنى الابتدائيّة الّتي تكون «من» موضوعة؟؟؟ إن أن تلاحظ تلك الخصومة القائمة بهما على حيالها صارت معنى الابتدائيّة الاسميّة الّتي وضعت لفظ الابتداء بإزائها وخرجت عن

٥٣١

كونها معنا حرفيّا ، ولذا لا يتصف بالكليّة والجزئيّة إلّا بتبع متعلّقاتها من المعاني الاسميّة وبلحاظ اتّصافها بهما لإنّها من صفات المعاني الملحوظة على حيالها واستقلالها فلا يصحّ اتصاف المعاني الحرفيّة بهما إلّا بتبع متعلّقاتها من المعاني الاسميّة المستقلّة بالمفهوميّة المتصفة بالكليّة تارة وبالجزئيّة أخرى ويشهد لما ذكرنا ما قيل في تعريف الحرف بأنّه ما دلّ على معنى في غيره بل ربّما يمنع من وجود معاني بإزائها ، ولعلّ نظر المانع إلى أنّ المعاني الحرفيّة لمّا لم تكن قائمة بأنفسها ملحوظة على حيالها فكيف تكون الألفاظ بإزائها ، فإنّها قوالب للمعاني وعناوين ووجودات لفظيّة لها ، فلا بدّ من أن تكون الحروف من قبيل الإشارات والعلائم ، فتلك الخصوصيّات والحالات القائمة بغيرها ، فليست دلالها على معانيها على حدود دلالة الأسامي على معانيها ، وبهذه الملاحظة يصحّ سلب المعاني عنها بأن يراد بهذا نفي المعاني القائمة بإزائها على حدّ قيام المعاني الاسميّة بإزائها ألفاظها ، ولا يقتضي هذا تجوزا في متعلّقاتها كالسّير والكوفة القائمة بهما معنى الابتدائيّة الحرفي ، إذ لو أريد بالسّير السّير المتخصّص بتلك الخصوصيّة ، وكذا بالكوفة المتخصّص منها بتلك الخصوصيّة واستعمل لفظاهما فيهما لكونهما كذلك لزم التّجوز منهما ، وذلك لأنّ تلك الخصوصيّة غير مدلول عليها بلفظهما بل بلفظ «من» مثلا وإن سلم كونها من قبيل العلامة لتلك الخصوصيّة ، فإرادة معنى كلّ من الطّرفين مطلقا وتلك الخصوصيّة فيهما من قبيل تعدّد الدّال والمدلول ، فلا يلزم تجوز في لفظ أصلا ، ولا يخفى أن تعدّد محال وجودها أعني متعلّقاتها لا يوجب تعدّد معانيها وتوهّم استعمالها حينئذ في أكثر من معنى كيف وفي كلّ مقام يتحقّق فيه شىء في المعاني الحرفيّة لا أقلّ من وجود أمرين محكوم ومحكوم عليه ، كالسّير و

٥٣٢

البصرة : والمستثنى والمستثنى منه ، وهكذا يقوم بهما ذلك المعنى الحرفي ، فيلزم عدّد المعاني الحرفيّة دائما واستعمال الفاظها في أكثر من معنى ، وهذا بديهي البطلان.

إذا عرفت معاني الحروف مطلقا فأعلم أنّ معنى أداة الاستثناء ليس إلّا الحالة والخصوصيّة الّتي تلاحظ عند تصوّر معنى المستثنى منه والمستثنى إذا لوحظ القوم حال كونه مستثنى منه زيد وزيد مستثنى من القوم ، فتلك الخصوصيّة القائمة بتصوّر مفهوم القوم وزيد هي معنى «إلّا» وما يراد منها في كلّ لغة مثلا ، وهذا المعنى الحرفي لأداة الاستثناء القائم بالطّرفين لا يتفاوت فيه بين كون كلّ منهما متّحدا كما في : «أكرم القوم إلّا زيدا» وبين كون المستثنى متعدّدا كما لو قيل : إلّا زيد وعمرو أو بكر وبين كون المستثنى منه متعدّدا دون المستثنى كما لو قيل : أكرم العلماء الضّياف على تقدير رجوع الاستثناء فيه إلى الجميع ، فإنّ تعدّد محل وجوده ـ أي متعلّقه بحسب المستثنى منه ـ ليس إلّا كتعدّده بحسب المستثنى ، فكما أن تعدّده بحسب المستثنى لا يوجب تعدّده وتوهّم استعمال الأداة في أكثرا من معنى قطعا وبلا إشكال ، كذلك تعدّده بحسب المستثنى منه ليس حالة عند تعدّد ومتعلّقه بحسب أحد الطّرفين أو كليهما إلّا بحال سائر المعاني الحرفيّة عند تعدّد متعلّقاتها ، ومن الواضح أنه عند تعدّد متعلقاتها لا يتوهّم استعماله في أكثر من معنى ، كذلك في المقام ، فمعنى أداة الاستثناء مطلقا باق على حاله سواء لم يتعدّد شيء من الطّرفين أو تعدّد أحدهما أو كلاهما ، وسواء قلنا بأن الموضوع له أو المستعمل فيه خاص دون الوضع كما في سائر الحروف على ما هو المعروف ، أو قلنا بأن الموضوع له والمستعمل فيه كلاهما عامان كالوضع دائما الخصوصيّة تجيء وتنشأ من ناحية الاستعمال والإرادة على ما اخترناه وحققناه ، وممّا ذكرنا تبيّن أن المقدّمة الّتي

٥٣٣

ذكرها في المعالم لتصحيح الرّجوع إلى الكلّ الموهمة أنّه ذكرها لدفع توهّم عدم صلاحيّة الاستثناء للرّجوع إليه مستدركة لا تفيد في ذلك أصلا ، إذ عرفت أن معناه حال الرّجوع إلى الكلّ لا يتعدّد كي يتفاوت معه حال الرّجوع إلى خصوص الأخيرة على جميع الأقوال في كيفيّة وضع الحروف ، بل صلاحيّته للرّجوع إلى الكلّ على القول بعموم الوضع والموضوع له في الحروف مطلقا أوضح من صلاحيّته له على سائر الأقوال ، فالمقدّمة المذكورة في المعالم لدفع توهّم عدم صلاحيته للرّجوع إلى الكلّ مستدركة ، وكيف كان لا شبهة في كونه صالحا للرّجوع إلى الكلّ على حد صلاحيته للرّجوع إلى الأخيرة ، بل لا شبهة في صلاحيته للرّجوع إلى غيرهما عند تمام قرينة إلّا أنّه عند عدمها لا يكون محتملا لخروجه عن طريقه أهل المحاورة قطعا ، فيبقى الاستثناء مجملا مرددا بين كونه راجعا إلى الأخيرة أو الكلّ ، فالمتيقن رجوعه إلى الأخيرة ، وأمّا حكم ما عداها من الجمل فالتّحقيق فيه أن يقال : إن كان الاستثناء كالمخصّص المنفصل في أنه لا يتصرّف في ظهور العام ، بل أنّما يتصرّف في حجّيّته ، فلا مانع من التّمسّك بأصالة العموم في ما عدا الأخيرة فإنّها حجّة ما لم تقم حجّة أقوى على خلافها ولم تبتت حجّيّة الاستثناء فيما زاد على الأخيرة لغرض إجماله وتردده بين الرّجوع إلى الكلّ أو الأخيرة ، فيبقى الأصل فيما عدا الأخيرة سليما عن المزاحم. وإن كان الاستثناء كالمخصّص المتّصل في أنه إنّما يتصرّف في ظهور العام حتّى فيما عدا الأخيرة فيشكّل التّمسّك بالأصل فيما عدا الأخيرة أيضا ، لأنّ اعتبارها ليس إلّا من باب الظّن النّوعي ، والفرض أن الاستثناء يمنع من انعقاد الظّهور للعام المتعقّب به فعند إجماله لا ينعقد ظهور لما عدا الأخيرة في العموم ، لاكتنافه بما يصلح أن يكون صارفا عنه

٥٣٤

كما هو الحال في سائر موارد أصالة الحقيقة فيما إذا اكتنف اللّفظ ممّا يصلح أن يكون قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي كوقوع الأمر في مقام توهّم الخطر أو في غير مقامه بناء على شيوع استعماله في النّدب بحيث صار من المجازات المشهورة ونحو ذلك ، فلا بدّ في مورد الاستثناء فيما عدا الأخيرة من الرّجوع إلى الأصول العمليّة اللهمّ أن يقال بحجّيّة أصالة الحقيقة تعبّدا من العقلاء لا من باب الظّهور النّوعي فيكون المرجع عليه فيما عدا الأخيرة أصالة العموم لأنّها حقيقة أصالة الحقيقة ، لكن فيما كان العموم وضعيّا لا فيما كان بالإطلاق ومقدّمات الحكمة لعدم تماميّة المقدّمات مع صلاحيّة الاستثناء للرّجوع إلى الكلّ على حدّ صلاحيته للرّجوع إلى خصوص الأخيرة فيسري أي إجمال الاستثناء إلى غير الأخيرة كما لا يخفى.

* * *

٥٣٥

الفصل العاشر

في جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد

اختلفوا في جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد المعتبر بالخصوص وعدمه على أقوال ، والحقّ جوازه وفاقا لأكثر المحقّقين كجواز تخصيصه بالكتاب وبالخبر المتواتر والمحفوف بالقرينة القطعيّة من خبر الواحد وتخصيصهما به أن كان ظنيّا قطعا وبلا خلاف ، لما هو الواضح من إجماع الأصحاب واستقرار سيرتهم طرا إلى زمن الائمّة عليهم‌السلام من غير نكير منهم على العمل بأخبار الآحاد في مقابل عمومات الكتاب ، ودعوى أن ذلك لاحتفاف الخبر بالقرينة القطعيّة واضحة الفساد ، مع أنّه لو لا تخصيصه بالخبر لزم الغائه بالمرّة أو ما بحكمه لعدم وجود ، أصلا أو إلّا نادرا في مورد لم يكن فيه عام من الكتاب على خلافه ، فكيف يمكن الالتزام بأن مثل عموم (خلق لكم ما في الأرض جميعا) غير مخصّص بالخبر ، بل ربّما أدعي أن الوجه في اعتباره هو تخصيص الكتاب به ، إذ لولاه يعلم بأن الأمور الثّابتة بالكتاب ليست بحقائق تلك الأمور.

وذهب بعضهم إلى عدم الجواز مستندا إلى أن الكتاب قطعي وخبر الواحد ظنّي

٥٣٦

ولا يخصص القطعي ولا يتصرّف فيه بالظنّي ، ويضعّف : بأن الخبر إن لم يكن قطعى السّند إلّا أنه قطعي الاعتبار ، فهذا ممّا لا ينكره هذا المانع ، والكلام معه بعد الفراغ عنه ، وإنّما دعاة إلى المنع توهّم وجود المانع وهو رفع اليد عن القطعي بالظّني. وهو فاسد ، فيجوز أن يخصّص به الكتاب كما يجوز أن يخصّص به الخبر المتواتر وخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعيّة قطعا وبلا خلاف ، فإنّه تخصيص القطعي ورفع إليه عنه بمثله ، وبوجه تخصيص الظّني وهو عموم الكتاب بالقطعى وهو خبر الواحد فإنّه قطعي الدّلالة والاعتبار حسب الفرض ، وتوضيح ذلك : أن الكتاب وإن كان قطعي السّند بخلاف الخبر فإنّه ظنّي السّند إلّا أن التّعارض ليس بين سنديهما كي يتوهّم أن تقديم الخبر على الكتاب تصرّف في القطعي بالظّني ولجرى هذا بعينه في تقديمه على الخبر المتواتر والواحد المحفوف بالقرينة القطعيّة ، وقد عرفت إنّه جائز قطعا ، بل بين اعتبار أصالة العموم في طرف الكتاب وبين اعتبار سند الخبر مع دلالته لا سنده فقط ، إذ لا وجه لاعتبار السّند إلّا مقدّمة لاعتبار الدّلالة ، وكلّ منهما في نفسه ومع قطع النّظر عن الآخر حجّة وقطعيّ الاعتبار لاندراجه تحت دليل اعتباره ، إلّا أنّه لما وقع التعارض بينهما لأجل العلم الإجمالي ، فلا بدّ من التّصرّف في أحدهما بالآخر وهذا صالح لأنّ يتصرّف به في أصالة العموم ، إذ به تعتبر دلالة الآخر ، ومعها يرتفع موضوع الأصل ، لأنّ اعتباره إنّما يكون عند عدم الدّليل على خلافه ، بخلاف أصالة العموم فإنّها غير صالحة للتّصرّف بما في دليل اعتبار سند الخبر ورفع اليد عنه ، فإنّه تخصيص له ، وإذا دار الأمر بين التّخصّص والتّخصيص كان الأول أولى في مقام التّرجيح مطلقا ، فيتعين التّصرّف في عموم الكتاب بخصوص الخبر وتخصيصه به تخصيص للقطعي بمثله

٥٣٧

على وجه باعتبار أن اعتبار كلّ من الأصل وسند الخبر مع دلالته في نفسه قطعي. وأقول : وبوجه آخر تخصيص الظّني بالظّني لأنّ اندراج كلّ منهما تحت دليل اعتباره ظني ، وبوجه آخر تخصيص الظّني وبالقطعي باعتبار أن دلالة العام ظنيّة ودلالة الخاصّ قطعيّة والكلّ جائز وإن صدق عليها تخصيص القطعي بالظّني أيضا ، فإن ما لا يجوز ليس إلّا تخصّص القطعي والتّصرّف فيه في جهة قطعيّته بالظّن بجهة ظنيّته ، وهذا غير لازم في المقام كما عرفت فلا مانع عنه ، وربّما قيل أو يقال أنّه لا مقتضي لحجّيّة الخبر حينئذ لأنّ الدّليل على اعتباره هو الإجماع على العمل به فيما لا يوجد على خلافه دلالة ، ومع وجود الدّلالة القرآنيّة على خلافه يسقط وجوب لعمل به وللإخبار الكثيرة الدالّة على أن الأخبار المخالفة الكتاب يجب طرحها أو ضربها على الجدار ، أو أنّها زخرف أو أنّها ممّا لم يقل به الإمام عليه‌السلام ، فإنّها باختلاف مضامينها صريحة في عدم صدور الخبر المخالف للكتاب عنهم عليه‌السلام. ويضعف الوجه الأوّل : بما عرفت من الإجماع على العمل بخبر المخالف لعموم الكتاب ، مضافا إلى عدم انحصار الدّليل في الإجماع ، والثّاني بأن المراد بالمخالفة في تلك الأخبار غير المخالفة بنحو العموم والخصوص ، إذ لا يعدّ هذا النّحو منها مخالفة عرفا ، ولذا صدر عنهم عليه‌السلام كثيرا قطعا ، أو أنّهم لم يقولوا بخلاف ما هو قول الله تعالى واقعا ، وإن كان على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه وبيانا لمراده من كلامه ، فإنّه تعالى لم يجعل في خطاباته وضعا جديدا يخالف وضع أهل المحاورة في كلماتهم ، فكما أنهم ربّما يخاطبون بالعام ثمّ ما يعقبونه بذكر ما يكون بمنزلة الشّارح والمبين لما أريد به جدا من المخصّص ، كذلك في خطاباته تعالى كلّما صدر عنهم عليه‌السلام مخالفا لعمومها يكون بمنزلة الشّارح والمبين لمقدار ما أريد منها واقعا ، وإن ابيت إلّا عن صدق المخالفة

٥٣٨

على المخالفة بنحو العموم والخصوص ، وعن عدم إرادة المخالفة بالمعنى الثّاني ، فلا محيص من الالتزام بتخصيصها وخروج هذا النّحو من المخالفة عن عمومها ، لصدوره عنهم عليهم‌السلام كثيرا قطعا فلا تنافي هذا الأخبار حجّيّة الأخبار المخالفة لعمومات الكتاب ، فتكون مشمولة لأدلّة حجّيّة الخبر عموما أو إطلاقا.

وقد يتمسّك للمنع أيضا بأنّه لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخه به ، لأنّ مرجعه إلى التّخصيص بحسب الأزمان ، والثّاني باطل إجماعا ، فكذلك المقدّم.

ويضعف : بأن الإجماع على تقديره هو الفارق ، ولولاه لجاز كلّ منهما على حسب القاعدة ، مضافا إلى وضوح الفرق ، حيث أن النّسخ في شريعتنا موارده معدودة قليلة جدّا ، مع أنّه ممّا يتوفّر الدّواعي على ضبطه ونقله ونشره ، ولذا يقل لخلاف في موارده على تقديره ، بخلاف التّخصيص كما لا يخفى.

* * *

٥٣٩

الفصل الحادي عشر

في الخاص المخالف للعام

الخاص المخالف لحكم العام قد يكون مخصّصا له وقد يكون ناسخا له وقد يتردّد بين كونه مخصّصا له وبين كونه منسوخا به ، وذلك لأنّ الخاص إذا ورد مقارنا للعام أو بعده قبل حضور وقت العمل به ، أو قبله ولكنّ ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاصّ يعيّن كونه مخصّصا له وبيانا ، لأنّه ما أريد به واقعا من أوّل الأمر إلّا ما عدا مقدار الخاص من الأفراد ، ولا يحتمل كونه ناسخا له بناء على ما اعتبر في جواز الفسخ من ورود النّاسخ بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ ، وسيجيء ما هو قضيّة التّحقيق في ذلك ، وإذا ورد بعد حضور وقت العمل بالعام تعيّن كونه ناسخا له ، إذ مع فرض كونه مخصّصا له يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح عن الحكيم كما لو ورد : أكرم العلماء ، فصار زيد لأجله واجب الإكرام في مدّة من الأيّام ، ثمّ ورد : لا تكرم زيدا. فصار غير محكوم بحكم العام ، فإن الخاصّ حينئذ متعيّن ، لكونه ناسخا له لكنّ فيما إذا كان العام مسوقا لبيان الحكم الواقعي ، ضرورة أنّه لو جعل الخاصّ حينئذ مخصّصا وبيانا له يلزم تأخير البيان عن وقت

٥٤٠