غاية الأصول في شرح كفاية الأصول

السيّد علي السيّد آقا ميري الدزفولي

غاية الأصول في شرح كفاية الأصول

المؤلف:

السيّد علي السيّد آقا ميري الدزفولي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات وفائي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٦

الشّرط ليس إلّا حصول الطّهارة أي الأثر النّفساني الحاصل من الغسل بالماء لا نفسه ، وهي تحصل بمطلق الغسل وإن كان محرما ، فإنّه بالنّسبة إلى هذا الأثر من قبيل المعاملة كما أشير إليه في تضاعيف الكلمات ، والنّهي عن المعاملة لا تقضي فسادها لما سيأتي إن شاء الله ، فصحّة الصّلاة حينئذ لأجل حصول الشّرط ، وهو الأثر الحاصل من الغسل وإن كان مقدّمته حراما لا لأجل أنّ الشّرط الحرام لا يقتضي فساد العبادة المشروطة به ، وأمّا الحكم بصحّة الصّلاة في مثل التّستر بالحرام فهو مشكل ، لأن الشّرط وإن كان خارجا عن حقيقة المشروط إلّا أنّ التّقييد به داخل فيه وكيف يمكن تقييد الواجب بالحرام وأخذه واعتباره فيه ، فالأقوى لحوق الشّرط بالجزء ، فالنّهي أيضا يقتضي فساد المشروط كالصّلاة مع التّستر بالمغصوب مطلقا ولو على الوجه المذكور.

وأمّا القسم الرّابع : فالنّهي فيه وهو المتعلّق بالوصف الملازم مساوق للنّهي عن الموصوف لاستحالة انفكاك مثل الجهر والإخفات عن الصّوت ، فكيف يمكن كون مثل القراءة الّتي يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر بها منهيّا عنها فعلا؟ فلا محالة يقتضي الفساد.

وأمّا القسم الخامس : فالنّهي فيه هو المتعلّق بالوصف المفارق كالغصبيّة لأكوان الصلاة غير مساوق للنّهي عن الموصوف كالصّلاة مع اتّحادهما وجودا على القول بامتناع الاجتماع ، وأمّا على القول بجوازه فلا.

هذا حال النّواهي المتعلّقة بالجزء والشّرط والوصف حقيقة بحيث لو تعلّق نهي لاجلها بالعبادة كان بالعرض والواسطة ، من قبيل الوصف بحال المتعلّق ، فيكون حال هذا النّهي عنها حال النّهي عن الجزء أو الشّرط أو الوصف كما لا يخفى ، وأمّا لو

٤٠١

كان كلّ واحد من هذه النّواهى منشأ لتعلق النّهي بالعبادة بنفسها حقيقة بأن تكون هذه من قبيل الواسطة في العروض والثّبوت ، فيكون النّهي عنها حينئذ قبيل القسم الاوّل كما هو واضح.

إذا عرفت هذه الأمور فأعلم أنّ الأقوال في المسألة كثيرة على ما قيل ربّما تزيد على العشرة ، ولا يهمّنا التّعرض لنقلها وبيان حججها والنّقض والإبرام فيها ، بل المهم بيان ما هو الحقّ على وجه يتّضح به حال ما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال ، فنقول وعلى الله الاتكال أنّه لا بدّ في ذلك من التّكلّم تارة في العبادات وأخرى في المعاملات فهنا مقامان.

* * *

٤٠٢

المقام الأوّل

العبادات

والحقّ أنّ النّهي عنها مطلقا سواء تعلّق بنفس العبادة أو بجزئها بما هو جزؤها يقتضي فسادها لانّه ظاهر في الحرمة الذّاتيّة ، وهي لا تكاد توجد إلّا مع كون متعلّقها ذا حزازة ومفسدة ، فلا يمكن أن تقع عبادة ، إذ يعتبر فيها قصد القربة ، ومتعلّق النّهي غير صالح لأن يتقرّب به ، ففي حال الالتفات لا يمكن أن يؤتى به على وجه العبادات لوجهين ، عدم تأتي قصد القربة حينئذ وعدم صلاحيّته لأنّ يتقرّب به ، وفي حال عدم الالتفات وأن أمكن قصد القربة إلّا أنّه غير قابل لأن يتقرّب به وعلى أىّ تقدير لا يمكن أن يقع صحيحا بكلا تفسيريها ، أما بمعنى موافقة الأمر والشّريعة فواضح ، إذ النّهي الفعلي عنه لا يجامع الأمر به كذلك حتّى على القول بجواز الاجتماع ، فإنّه عليه إنّما يكون في متعدّد العنوان وفي المقام لا تعدد فيه بحسبه ، إذ المفروض فيه أن النّهي تعلّق بعنوان العبادة لا بعنوان آخر ، وأمّا بمعنى سقوط القضاء والإعادة فلأنّه متفرّع على الإتيان به بوجه قربي ، إمّا ما بداعي امتثال الأمر أو بداعي رجحانه ومحبوبيته شرعا ، وكونه ذا مصلحة وشيء من هذه غير

٤٠٣

موجود فيه ، لاستحالة اجتماعها مع كونه ذا مفسدة وممّا تعلّق به النّهي فعلا ، فلا محالة يقع فاسدا ، وهذا هو المراد باقتضاء النّهي للفساد.

ولا يقال : إن الحرمة الذّاتيّة غير متصورة في العبادة بوصف أنّها عبادة لإنّها كذلك عبارة عن ما يؤتي به بداع قربي ومعلوم أنها بهذا المعنى متوقفة على الأمر بها أو وجود ملاكه فيها من الرجحان والمحبوبيّة والمصلحة ، ووجود الأمر أو ملاكه لا يجامع الحرمة الذّاتيّة ، فلو كانت محرمة تكون لا محالة تشريعيّة.

لأنّه يقال : العبادة بهذا المعنى كما أنّها لا تجامع الحرمة الذّاتيّة كذلك لا تجامع الحرمة التّشريعيّة ، ضرورة إنّها كذلك لا تنفك عن الأمر أو ملاكه من الرجحان والمحبوبيّة والمصلحة ، فلا يمكن تعلق النّهي بها أصلا ، فلا بدّ من أن تكون العبادة الّتي تعلّق بها النّهي عبارة عن ما فسّرناها به ، وهو ما لو تعلّق الأمر به كان عباديّا ، بمعنى أنّه لا يسقط إلا إذا أتى به بداعي قربي كصلاة الحائض وصوم العيدين للقطع ، بأن الأمر لو تعلّق بهما لكان عباديّا أو ما كان بنفسه وعنوانه لو لا تحريمه شرعا عبادة ، أي موجبا لتقرّب إلى حضرته سبحانه وتعالى والمثوبة لديه كالرّكوع والسّجود والخضوع والخشوع له تعالى ، فإنّ أمثال هذه لو لا حرمتها شرعا بأنفسها كذلك ، ومن الواضح أنّ العبادة بهذا المعنى قابلة لتعلّق الحرمة الذّاتيّة بها ، فلا مانع عقلا من كون المراد بالنّهي المتعلّق بصلاة الحائض وصوم العيدين وسجود الحائض والجنب الحرمة الذّاتيّة الّتي هي مفاده عند الاطلاق ، وهي كما عرفت منافية للصحّة بجميع معانيها في العبادة. نعم لو قيل بأن حرمة العبادة كذلك وإن أمكنت إلّا أنّها غير واقعة لعدم حرمة ذوات تلك الافعال مجردة عن النيّة ، كحرمة شرب الخمر ونحو ، من المحرّمات الذّاتيّة قطعا ، ولذا لم يفت أحد بحرمة صورة

٤٠٤

الصّلاة من الحائض ومجرد الإمساك في العيدين ومجرّد السّجود عن الحائض والجنب من دون أن يؤتي بواحد من هذه بقصد القربة وبداع قربي ، بل أفتوا بكون فعل الفريضة احتياطا في حقّ الحائض ، ولو كانت حرمة الصّلاة في حقّها ذاتيّة لم يحصل الاحتياط بفعلها ، ومن هنا قيل بأنّ حرمة العبادات تشريعيّة ، فإنّها لو أتي بها بداع قربي مع عدم وجود الامر أو ملاكه فيها حيث أن النّهي يكشف عن ذلك لا تكون إلّا تشريعيا ، فتكون محرمة كذلك.

نقول : نعم لكن الحرمة الذّاتيّة أيضا كاشفة من عدم الأمر وملاكه فيها ، فهي على أىّ حال لا تقع صحيحة ، أمّا في صورة الاتيان بها بداع قربي تشريعا فحرمتها كذلك مستلزمة لفسادها كما عرفت ، وأمّا في صورة الإتيان بها لا بداع قربي أصلا فلعدم وقوعها في الخارج عبادة لأنّ العمل لا يقع عبادة إلّا إذا أتي بداع قربي ، فكيف تقع صحيحة ومسقطة للأمر والقضاء والإعادة إذا أتى بها لا بقصد القربة.

وبما ذكرنا انقدح عدم تمامية البرهان الّذي أقيم على عدم كون حرمة العبادات ذاتيّة ، وهو أنّ ذوات أفعالها أي مجرّدة عن النّهي غير محرمة ، ومعها لا تقع إلّا محرمة تشريعا ، ومع الحرمة التّشريعيّة يستحيل اتّصافها بحرمة أخرى لاستحالة اجتماع المثلين كالضّدين.

توضيح ذلك : إنّ العبادة بالمعنى الاوّل حيث أنّه لا ينفكّ عن الأمر أو ملاكه غير قابلة لتعلّق الحرمة بها أصلا لا ذاتا ولا تشريعا كما عرفت ، وبالمعنى الّذي فسّرناها به قابلة لتعلّق كلّ واحدة منهما بها كما عرفت أيضا ، سلّمنا عدم إمكان حرمتها الذّاتيّة وعدم وقوعها كما هو الاقوى ، لكنّ الحرمة التّشريعيّة لها تكفي في اقتضاء الفساد إذ لا أقلّ من كشفه عن أن الأمر ، ما تعلّق بها وإن شملها دليله

٤٠٥

عموما أو إطلاقا ، وعدم الأمر كاف في عدم صحّتها بجميع معانيها.

هذا مع أن ما ذكر في امتناع اجتماع الحرمة التّشريعيّة مع الحرمة الذّاتيّة لاستحالة اجتماع المثلين كالضّدين ممنوع ، لتغاير متعلّقيهما ، فمتعلّق الاولى حقيقة نفس التّصرّف الفضولي الجعلي في سلطان المولى ، وهو تشريع الحكم وجعله من قبله ، وهذا من أفعال القلب ، ومتعلّق الثّانية نفس الفعل الخارجي بماله من العنوان ، ولا يوجب التّشريع طروّ عنوان آخر على الفعل المشرّع به كى يصير لأجله حراما إن لم يكن في نفسه بحرام ، نظير التّجرّي أو الانقياد بالنّسبة إلى الفعل المتجرّي أو المنقاد به ، لوضوح أن دواعي الإفعال الخارجيّة مطلقا ليست من العناوين الطّارية عليها الموجبة لاختلاف آثارها عقليّة كانت أو شرعيّة ، ويظهر لك هذا بمراجعة وجدانك ، فإنّك إذا ما أمرت عبدك بعمل أو نهيته عنه ولكنّه أتى به بداعي أمرك به تشريعا له من قبلك فهل تتفاوت في نفسك حال ذلك العمل حينئذ عن ما لو أتى به لا بهذا الدّاعي؟ فإن كان الفعل المشرّع به حراما ذاتا لا يصير مجمعا الحرمتين لبقائه على ما هو عليه من العنوان وعدم طروّ عنوان آخر عليه كي يقتضي تحريمه ، فلو أتى به بداعي التّشريع فقط أتى بفعلين محرمين لا بفعل واحد ذي حرمتين ، وأين هذا من اجتماع المثلين في واحد كالضّدين.

كيف كان ، فقد تحقق ممّا سبق أنّ النّهى عن العبادة مطلقا سواء كان مفاده الحرمة الذّاتيّة أو التشريعية يقتضي فسادها بجميع معانيها وكذا لو تعلّق بجزئه ، فإنّ فساده يسرى إلى فسادها ، لأنّ فساده يجعلها بمنزلة فاقدة الجزء ، فالنّهي عنه يقتضي فسادها لو اقتصر عليه ، وأمّا إذا أتى بعده بغيره بما لم يتعلّق به النّهي فمقتضى الأصل صحّتها حينئذ ، إلا أنّ يدلّ دليل على الخلاف حسبما عرفت تفصيلا ، وكذا

٤٠٦

حال النّهي عن الشّرط إن كان في نفسه عبادة ، لأنّ فساده يسري إلى فساد العبادة المشروطة به وتقع معه بمنزلة فاقدة الشّرط ، وإن لم يكن في نفسه عبادة فلا يقتضي النّهي عنه فساد العبادة المشروطة به كما تقدّم.

* * *

٤٠٧

المقام الثّاني

المعاملات

فالنّهي فيه على أقسام ، لأنّ النّهي عن المعاملة قد يكون متعلقه نفس السّبب ، أي العقد أو الإيقاع الإنشائي لا بما هو سبب ، بل بما هو فعل من الافعال المباشرية من غير نظر له إلى حرمة المسبب كما لو فرض أنّ المحرم وقت النداء البيع بهذا المعنى ، أو قلنا بأنّ الأمر بالشّيء يقتضي النّهي عن ضدّه ، وفرض البيع بهذا المعنى ، أعني إنشاء صيغته ضدّا للمأمور به ، وأخرى يكون متعلّقه نفس المسبب أعني مضمون العقد أو الإيقاع كالتّمليك والتّملّك في البيع بما هو فعلا من الأفعال التّوحيديّة من غير نظر له إلى حرمة السّبب إلّا من جهة أنّه مقدّمة له ، كما لو نهى المولى أو الوالد عن البيع بهذا المعنى أو فرض أنّه كذلك ، كان محرّما وقت النداء ، وثالثة يكون متعلقه التّسبب والتّوصل بالسّبب إلى المسبب من غير نظر ودلالة له على حرمة السّبب بما هو فعل مباشرتي ، ولا على حرمة المسبب في نفسه بما هو فعل توحيدي ، بأن كان كلّ واحد منهما مع قطع النّظر عن الآخر غير مبغوض ، ولكن التّوصل والتّسبب بأحدهما إلى الآخر كان مبغوضا ، كما لو فرض أن تحريم

٤٠٨

الرّبا مختص بالبيع ولا يجري في غيره من المعاملات ، وإن عقد البيع الرّبوي وإنشاء صيغته بما هو فعل من أفعال المباشرية ليس بحرام ، فإنّ قضيّة هذا تحريم التّسبب لعقد البيع وإنشاء صيغته إلى المسبب ،. أعني تبادل الملكين المتجانسين المختلفين في الكمّ مع عدم كون شيء من السّبب والسّبب في نفسه بحرام ، فالأقسام المتصوّرة للنّهي عن المعاملة ثلاثة :

إمّا أن يكون متعلقه نفس السّبب بما هو فعل مباشرتي ، وإمّا نفس المسبب بما هو فعل توليدي ، وإمّا التّسبب إليه بالسّبب. والفرق بينها واضح ، والحقّ أنّ النّهي فيها بمجرّده لا يقتضي الفساد بشيء من الدّلالات لا لغة ولا عرفا ، أمّا المطابقة والتّضمّن فواضح ، وأمّا الالتزام فلأنّه لا تنافي عقلا بين الحرمة الذّاتيّة وبين الفساد في شيء من الأقسام.

أمّا في الاوّل : فبداهة أنّ تحريم السّبب بما هو فعل من الأفعال المباشرية لا يقتضي عدم ترتّب المتسبب عليه والغائه عن التّأثير فيه وإن كان سببيّتها جعليّة وعقليّة أو عاديّة ، كيف وإلّا لزم أن لا يكون شيء المحرمات مؤثّرا في شيء ، فأي منافات بين حرمة القتل أو شرب الخمر أو إتلاف مال الغير وبين وجوب الدّية أو الحدّ أو العوض من المثل أو القيمة وهكذا ، فلو فرض أن المحرّم وقت النّداء إيقاع صيغة البيع لم يقتض فساده إن وقع في ذلك الزّمان ، وهكذا في سائر المحرّمات كذلك.

وأمّا الثّاني : أيضا فلعدم تنافي بين كون المسبب حراما ذاتا بين عدم فساده ، أي وجوده ، فإنّ فساده عبارة أخرى عن عدم وجوده ، يمكن أن يتعلّق نهي المولى أو الوالد ببيع الدّار لا بإنشاء العقد بل بما هو اثره من النّقل والانتقال ، ومع هذا يقع بيع

٤٠٩

الدّار من العبد أو الولد صحيحا ، لعدم تناف بين ذلك النّهي وبين وقوعه صحيحا ، وكذلك يمكن أن يكون المحرّم وقت النّداء البيع بهذه المعنى ، مع أنّه لو أتى به يقع صحيحا ، بل لا منافات بين كون المسبب والسّبب كليهما محرمين وبين ترتب الأثر عليهما ، كما إذا فرض أنّ مفاد مثل قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) جعل السببيّة للبيع مطلقا ، وبعبارة أخرى إثبات الحليّة الانفاذيّة والإمضائيّة له كذلك ، ومفاد قوله تعالى (وَذَرُوا الْبَيْعَ) حرمته ، بمعنى إنشاء عقده أو إجراء صيغته لا بمعنى الانتقال ، وتعلّق نهي الوالد به بهذا المعنى الثّاني ، فأوقعه الولد وقت النّداء ، فإنّ كلا من السّبب والمسبب حينئذ حرام مع تأثير الاوّل في الثّاني بمقتضى قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) على ما ذكر.

وكذا في الثّالث : لعدم تناف بين الحرمة الذّاتيّة للتّسبب والتّوصّل بالسّبب إلى المسبب وبين عدم فساده وترتب المسبب عليه ، قصوى الأمر أنّ النّهي يقتضي كون ذلك مقدورا للمكلّف ، وأمّا عدم وقوعه عنه خارجا فلا يقتضيه يقتضي وقوعه ، فالحرمة الذّاتيّة الّتي هي مدلول مادّتها أو مدلول هيئة النّهي وضعا للمعاملة بأقسامها الثّلاثة لا يقتضي فسادها ، بل يقتضي صحّتها في الآخرين كما سيأتي إن شاء الله ، نعم يقتضي فسادها إن كان متعلقها ما لا يكاد يحرم ذاتا إلّا إذا كانت المعاملة فاسدة ، كما لو ورود مثلا ٦ أنّ ثمن الكلب أو العذرة أو الميتة سحت ، أو أنّ الدّرهم من الرّبا يعادل سبعين زنية وأمثال ذلك ، ضرورة أن تحريم أكل الثّمن أو المثمن في مثل البيع الرّبوي أو في بيع شيء كالميتة ممّا لا يجامع صحّة تلك المعاملة ، فيكشف عن فسادها لا محالة.

فتحصل ممّا ذكرنا ، أن النّهي عن المعاملة مطلقا سببا كان أو مسببا أو تسببا

٤١٠

لا يقتضي الفساد بل يقتضي الصحّة في الآخرين كما سيأتي ، إلّا أنّ يدعى قيام قرينة عامّة في المعاملات تكون صارفة عن ظهور النّهي عنها في الحرمة الذّاتيّة إلى الإرشاد وإلى فسادها وعدم ترتب الأثر عليها ، كما أن الأمر كذلك في باب الأمر بها ، فإنّه وإنّ كان ظاهرا في الايجاب أو الاستحباب ذاتا ، إلّا أنّ هذا المعنى غير مراد أو منه قطعا ، بل المراد به الإرشاد إلى إمضائها وصحّتها ، فكما أنّه إذا ورد : بع بيع الفلاني ، يحمل على الإرشاد إلى صحّته ، كذلك إذا ورد : لا يقع بيع الفلاني فيحمل على الإرشاد إلى إلّا فساده أنّ من المعلوم فساد هذه الدعوى في المعاملة بالمعنى الأعم المقابل للعبادة ، لأنّها بالمعنى الأعم تجري في أبواب كثيرة ، وأنّى يصحّ لأحد دعوى ظهور النّهي عنها في الإرشاد إلى الفساد وإنّ سلمت دعوى ظهور الأمر بها في الإرشاد إلى الصحّة ، لوضوح أن وجوبها غالبا بل دائما إنّما يكون بسبب العوارض والطوارئ كانفاق نفقة أو أداء دين ونحو ذلك ، ولذا يحمل الأمر بها إلى الإرشاد وإلى صحّتها ، ولكن مثل هذه القرينة غير موجودة عند النّهي عنها ، فيبقى على ظهوره في الحرمة الذّاتيّة بلا صارف عنه ، وقد عرفت أن الحرمة الذّاتيّة لا تنافي الصّحة.

نعم : لو قوبل النّهي عن المعاملة أو تحريمها بالأمر بمعاملة أخرى أو إباحتها كما في قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) اقتضى النّهي الفساد بقرينة المقابلة ، ولو صحّت هذه الدّعوى فانّما تصحّ في المعاملة بالمعنى الاخصّ ، أعني خصوص العقود والايقاعات ، وليست ببعيدة فيها ، فلو لم يقابل النّهي عن معاملة بالأمر بغيرها ولم تقبل الدّعوى المذكورة حتّى في المعاملة في المعنى الأخص ، فلا بدّ في كلّ مقام من ملاحظة دليله ، هل معه قرينة خاصّة صارفة عن ظهور النّهي أو مادّة الحرمة في

٤١١

الحرمة الذّاتيّة الى الإرشاد إلى الفساد أم لا؟ فعند وجودها يحكم بفساد المعاملة ، وعند عدمها لا ، لأنّ الحرمة الذّاتيّة الّتي هي مدلول النّهي أو مادتها لا تنافي الصّحة كما عرفت.

هذا هو مقتضى الكلام في المقام مع قطع النّظر عن الأخبار ، وأمّا مع ملاحظتها فربّما يدعى عن مفاد غير واحد منها اقتضاء النّهي عن المعاملة فسادها شراعا منها ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : سأله عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده.

فقال الإمام عليه‌السلام : «ذلك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما».

قلت : أصلحك الله تعالى إن حكم ابن بن وإبراهيم النّجفي وأصحابهما يقولون إن أصل النّكاح فاسد ولا يحلّ إجازة السيّد له.

فقال الإمام أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّه لم يعص الله تعالى وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز».

وتقريب الاستدلال : أنّ الإمام علّل الحكم بصحّة نكاح العبد الغير المأذون فيه من السّيد بعد لحوق إجازته له ردّا على من زعم بأن أصل النّكاح فاسد بأنّه لم يعص الله تعالى في ذلك بل أنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه جاز ، فيدلّ على أن نكاحه لو كان محرّما عليه من قبله تعالى وعصيانا له ابتداء لا يقبل الصحّة بلحوق الإجازة. ونضيف بأن حاصل مدلول الرّواية أنّ نكاح العبد الغير المأذون فيه لما كان تصرفا منه فى سلطان مولاه بدون اذنه وإن كان لعدم اطلاعه عليه لا فى مجرّد إجراء الصّيغة ، فإنّه لا يعدّ عرفا تصرفا في سلطان مولاه بدون رضاه ، بل في تملك البضع به فانه يعدّ تصرفا كذلك ، فلذا كان عصيانا له ، وإن كان لعدم اطلاعه عليه

٤١٢

كي يأذن فيه فان مثل هذا الأمر الخطير يعدّ الإقدام عليه من غير استيذان من المولى عصيانا له ، ولذا لو عاتبه وعاقبه عليه كان حسنا ولم يكن ملوما عند العقلاء ، فينكشف عن أنّ الأقدام على مثل هذا التّصرف كان عصيانا إلّا له ، وفكيف يحسن عقابه والعصيان أمر عقلي كلّما صدق موضوعه عند العقل والعقلاء كان قبيحا ، وقد عرفت أنّه يصدق على مثل هذا النّحو من التّصرف الغير المأذون فيه وإن لم يكن فيه منع من المالك قبله ، وليس مثل عقد الفضولي في ملك غيره من قبله ترقبا للإجازة ، فإن عقد كذلك لا يعدّ تصرفا في سلطان الغير ، وليس الأمر كذلك في حقّه تبارك وتعالى ، فانه لمّا شرع أصل النّكاح ورخص في إنشائه وإمضائه وإن علقه في حق العبد على رضا مولاه ، فلذا نفى عنه العصيان بالنّسبة إليه تعالى وأثبته في حقّ المولى ، فاذا أقدم عليه من دون استيذان فيه كان عاصيا له ابتداء لا عاصيا له تعالى ، وعصيان المولى وإن كان يستلزم عصيان الله سبحانه أيضا من جهة أنّ مخالفة مولاه مخالفة لايجابه عليه إلّا اطاعته ، أنّ العصيان من هذه الجهة غير العصيان من تلك الجهة ، أعني الإقدام على النكاح من دون مراجعة المولى ، فإنّه مختص به ولا يجري في حقّه تعالى حسب الفرض ، فإذا ارتفع ذلك العصيان أيضا بلحوق إجازة المولى له يرتفع المانع من النكاح ، فيؤثر المقتضي فيه ، والحاصل أنّ مدلول الرواية أنّ العبد لم يوقع ما لم يرخّص الله تعالى فيه ولم يمضه اصلا كي لا يمكن وقوعه ، بل إنّما أوقع ما لم يرخّص فيه المولى لكونه تصرفا في سلطانه ، فاذا رضي به وأجازه جاز ، لأنه تعالى أذن فيه وأمضاه معلقا على إذن المولى أو إجازته ، فاذا حصل المعلّق عليه يزول المانع ، فيترتب عليه الأثر ، فلا تدلّ الرّواية إلّا على أنّ ما لم يمضه الشّارع أصلا في المعاملة يقع فاسدا ، فلا تدلّ على

٤١٣

المدعى وهو أنّ الحرمة الذّاتيّة للمعاملة تقتضي الفساد ، لأنّها على ما ذكر إنّما تدلّ على أنّ الحرمة التّشريعيّة لها تقتضي الفساد ، وهذا ممّا لا شبهة فيه ، وقرينة حمل المعصية المنفيّة في طرفه تبارك وتعالى على هذا المعنى إرادته منه في طرف المولى حيث أثبتها الإمام (ع) في حقّه ، ومن المعلوم أنّه لم يمضه ولم ينفذه ولو لعدم اطلاعه عليه ، لا انّه حرّمه عليه ونهى عنه ، وممّا ذكرنا في تضعيف الاستدلال بالرّواية يظهر حال سائر الأخبار المستدل بها في المقام ، فإنّها في جهة الاستدلال بها معها على السّواء ، فالجواب عنها أيضا الجواب.

بقي في المقام شىء وهو أنّه حكي عن أبي حنيفة والشّيباني في القول بأن النّهي يقتضي الصحّة مطلقا ، وعن بعض المحققين منّا موافقتهما في ذلك ، وغاية ما يمكن أن يستدل به لهم أن متعلق النّهي كالأمر لا بدّ من أن يكون مقدورا للمكلّف ، لقبح التّكليف بغير المقدور ، فاذا تعلق النّهي بمعاملة أو عبادة كشف عن كونها مقدورة ، وقضيّة هذا وقوعها بعد تعلق النّهي بها محرّمة وعصيانا للنّهي ومخالفة له وإلّا لم تكن مقدورة ، فلم يصحّ النّهي عنها إذا كانت واقعة ، فيترتب عليه الأثر لعدم انفكاكها عنه ، وهذا معنى صحّتها فيقتضى النّهي.

والتّحقيق ، أنّ قضية النّهي التّحريمي الذي هو محلّ الكلام في المقام عن المعاملة بحسب اختلاف أقسامها المتقدّمة تختلف إن تعلّق بالسّبب لا بما هو سبب ، بل بما هو فعل من الأفعال كإيقاع صيغة (بعت واشتريت) لا بما هو سبب البيع الحقيقي أعني التّمليك والتّملك ، كما أنّه لا يقتضي الفساد حسبما عرفت سابقا كذلك لا يقتضي الصحّة ، فإنّه لا يقتضي أزيد من كون متعلقه مقدورا للمكلّف ، وأمّا أنّه بعد وقوعه مما يترتب عليه الأثر أوّلا فلا ، فالنّهي عن المعاملة في هذا القسم لا يقتضي الفساد و

٤١٤

لا الصحّة ، وإن تعلّق بالسّبب بما هو سبب أو بالتّسبب والتّوصل به الى المسبب إن كان هذا قسما آخر ، أو بنفس المسبب اقتضى الصحّة لما تقدّم من أنّه يقتضي مقدورية متعلقه وفساده في هذا الصّور عبارة اخرى عن عدم وقوعه ، إذ لا معني له غير هذا ، فلا بدّ من أن يكون ممّا يقع فى الخارج وصحّ تعلّق النّهي به ، غاية الأمر أنّه يقع محرما وعصيانا للنّهي ، فلا محالة يقتضي النّهي عنها الصحّة ، فإذن تحقق أنّ الحقّ مع القائلين باقتضائه الصحّة فيما عدا القسم الأوّل من أقسام النّهي عن المعاملة ولو أخرج عن محلّ النّزاع فالحقّ معهم في جميع أقسامه كما لا يخفى ، نعم لو أشرب النّهي وضمّن معنى الارشاد الى الفساد في جميع الأقسام بأن ادعى أنّه مضافا الى دلالته على الحرمة الذّاتيّة يدلّ على الإرشاد الى الفساد أيضا ، كشف عن الفساد حتّى في القسم الأوّل أيضا لا عن الصّحة في شيء من الأقسام ، لكن هذه الدعوى كما ترى ، مع أنّ محلّ الكلام النّهي الذي لا يدلّ على أزيد من الحرمة الذّاتيّة ، فإذن الحقّ التّفصيل بين الصور على ما تقدّم. هذا حال النّهي عن المعاملة.

أمّا العبادة : فهي بوصف أنّها عبادة ومقربة فعلا ، يكاد يتعلّق النّهي التّحريمي بها ، لأنّها كذلك لا تنفك عن الأمر أو ملاكه فيها فلا يجوز تعلّق النّهي بها أيضا حتّى على القول بجواز الاجتماع لأنّ القائل به إنّما يجوزه فيما إذا تعدّد العنوان والمفروض في المقام وحدته كعنوان الصّوم والصّلاة ، وإن شئت قلت : أنّ عبادية العبادة إن كانت لأجل تعلّق الأمر بها أو وجود ملاكه فيها من الرّجحان والمصلحة والمحبوبيّة امتنع صدورها عن المكلّف مبغوضا عليه ، فلو تعلق النّهي به كذلك كان تكليفا بغير المقدور ، فيستحيل تعلّق النّهي بالعبادة بهذا الاعتبار والمعنى اتفاقا ، نعم لو

٤١٥

فرض وقوع هذا المحال كشف عن الصّحة لعين ما تقدّم في بيان اقتضائه إيّاها لو تعلّق بالمعاملة فيما عدا القسم الأوّل منها ، أنّ وقوع هذا النّحو من النّهي وصغرى هذه الكبرى الفرضيّة محال كما عرفت ، وأمّا العبادة لا بوصف أنّها عبادة ومقربة فعلا ، بل بالمعنى الذي فسرناها به سابقا ، أعني ما لو تعلّق الأمر به كان عباديّا لا ألّا يسقط بإتيانه بقصد القربة أو ما كان بعنوانه وذاته لو لا تحريمه شرعا عبادة ومقربة كالسّجود والخشوع ونحوهما لله تعالى ، فهي ممّا يمكن تعلق النّهي التّحريمي بها لأنّ عبادية العبادة بهذا المعنى ليست لاجل وجود الأمر أو ملاكه فيها فعلا كي لا يمكن صدورها من المكلّف مبغوضة عليه ، فيصحّ تعلّق النّهي بها ، أمّا فيما كانت عباديته بمعنى أنّه لو أمر به كان أمره عباديّا ، فواضح لأنّها بهذا المعنى مقدورة للمكلّف ولا منافات بينها بهذا المعنى وبين الحرمة الذّاتيّة ، وأمّا فيما كانت عباديته ذاتيّة أي ما كان الإتيان به بذاته وعنوانه وان لم يكن بداعي امتثال الأمر أو ملاكه من الرّجحان الذّاتي والمصلحة والمحبوبيّة موجبا لاستحقاق المثوبة عليه والتّقرب لديه تبارك وتعالى لو لا حرّمته كالسّجود والرّكوع والخضوع والخشوع والتّقديس والتّسبيح له سبحانه ، فإن الإتيان بهذه بعناوينها فيها وإن لم يكن بداعي الأمر أو ملاكه تعظيم له ، وتعظيمه سبحانه ما لم ينه عنه ولم يحرّمه يكون عبادة ، أي موجبا لاستحقاق المثوبة عليه والتّقرب إليه سبحانه ، فلأنّها أيضا مقدورة للمكلّف فيصحّ تعلّق النّهي التّحريمي الذّاتي بها ، لأنّ عنوان عباديتها ليس على وجه ليستحيل انفكاكه عنها ، أنّ النّهي عنها بهذا المعنى وفي كلتا الصّورتين لا يستلزم الصحّة لعدم توقف عباديتها كذلك على وجود الأمر أو ملاكه ، كما يكون الأمر كذلك فيها بالمعنى الأوّل ، بل يقتضي الفساد ضرورة انّها بعد تعلق النّهي بها

٤١٦

في كلتا الصّورتين تقع مبغوضة عليه ، فكيف تكون موجبة لاستحقاق المثوبة والتّقرّب إليه سبحانه ، إذ لا يمكن تعلّق الأمر بها أيضا حتّى على القول بجواز الاجتماع لاتّحاد العنوان وبهذا معنى فسادها.

وبالجملة : العبادة بالمعنى الأوّل الذي يتوقف على الأمر أو ملاكه أو تعلق النّهي بها يقتضي ألّا الصحّة أنّ وقوعه محال ، لأنه تكليف بالمحال وهو غير جائز في مثل ما نحن فيه من صحّته العنوان على جميع الأقوال ، وبالمعنى الثّاني الذي لا يتوقف على الأمر أو ملاكه يمكن تعلق النّهي فيها لأنه لا يستلزم التّكليف بالمحال ، إلّا أنه لا يقتضي صحّتها بل فسادها حتّى على القول بجواز الاجتماع حسب ما عرفت تفصيل القول في ذلك في المقام الأوّل.

فتلخص مما ذكرنا : أن ما يقتضي النّهي عنه الصحّة ، أعني العبادة بمعناها الأوّل ، مستحيل الوقوع لأنه تكليف بالمحال ، وما يمكن النّهي عنه اعني العبادة بالمعنى الثّاني الذي فسرناها به حيث أنّه لا تستلزم التّكليف بالمحال يقتضي النّهي عنه الفساد دون الصحّة.

وأقول : لا فرق بين القسمين في كون كل واحد منهما لأجل التّضاد بين النّهي والصحّة في نفسه محالا لا أنّه فى القسم الأوّل تكليف بالمحال وفي الثّاني تكليف محال ، لوضوح أنه بعد فرض التّضاد بين الحرمة الذّاتيّة وبين الصحّة في العبادة كلّما تحقق أحدهما امتنع الأخر ، لأنه لو تحقق يستلزم الجمع بين الضّدين ، غاية الأمر أن العبادة بالمعني الأوّل حيث لا تنفك عن الصحّة فالنّهي عنها في نفسه محال لا أنه إن تعلق بها كان تكليفا بالمحال ، وبالمعنى الثّاني حيث تنفك عن الصحّة فلو تعلّق الأمر بها يستحيل اتصافها بالصحّة أيضا. وبالجملة قضية التضاد بين الحرمة الذّاتيّة و

٤١٧

الصحّة في العبادة إنه كلّما أحرز أحدهما تكون الاخرى ممتنعة ، والمحرز في القسم الأوّل هو الصحّة فلا تجامع النّهي ، وفي القسم الثّاني هو النّهي فلا تجامع الصحّة ، ولعل هذا واضح ، فالتفريق بين القسمين بجعل الجمع بين الحرمة والصحة في القسم الأوّل من قبيل التّكليف بالمحال ، وفي القسم الثّاني من قبيل التّكليف المحال لا يخلو عن نظر وأشكال ، والحمد لله أولا وآخرا والصّلاة على محمّد وآله أبدا دائما سرمدا ختم في الرّابع عشر من الرّبيع الثّاني سنة ١٣٢٨ ه‍ ق.

* * *

٤١٨

المقصد الثّالث

في المفاهيم

وفيه

فصول

٤١٩
٤٢٠