نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

وإن استنكار أبي الطفيل واستبعاده لحديث الغدير من أقوى الأدلة على دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة ، إذ لو كان لهذا الحديث معنى غير الامامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن للاستنكار والشك وجه فلقد جاء في رواية أحمد عن أبي الطفيل قوله : « فخرجت وكأنّ في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إني سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال : فما تنكر! قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك له » (١).

وفي رواية النسائي : « فخرجت وفي نفسي منه شيء ، فلقيت زيد بن أرقم وأخبرته ، فقال : ما تشك! أنا سمعته » (٢).

وفي رواية ابن كثير : « فخرجت وكان في نفسي شيء ، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال : فما تنكر! لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك له.

رواه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عنه أتم من

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٣٧٠.

(٢) الخصائص : ١٠٠.

٤١

ذلك » (١).

وفي ( زين الفتى ) عنه : « فقمت وكان في نفسي شيء ، فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته بما قال علي. فقال : وما تنكر! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوله » (٢).

وفي ( الرياض النضرة ) بطريق ابن حبان : « فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء ، فلقيت زيد بن أرقم فذكرت له ذلك. فقال : قد سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له ذلك » (٣).

فهل ترى أن يكون أبو الطفيل في شك من وجوب محبة علي عليه‌السلام ، وأن يكون في نفسه شيء من كونه عليه‌السلام ناصرا ومحبّا ...؟! إنّ هذا لا يجوّزه عاقل في حق أبي الطفيل الذي يعدّ من أجلة الصحابة وعلمائهم :

ترجمة أبي الطفيل

فقد ترجم له ابن عبد البر بقوله : « أبو الطفيل عامر بن واثلة ، ولد يوم أحد ، وأدرك من هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمان سنين ، نزل الكوفة ، صحب عليا كرم الله وجهه في مشاهده كلّها ، فلما قتل علي رضي‌الله‌عنه انصرف إلى مكة فأقام بها حتى مات سنة مائة.

وكان فاضلا عالما ، حاضر الجواب ، فصيحا ، وكان يتشيع في علي كرّم الله وجهه ويفضّله ، ويثني على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ويترحّم على عثمان رضي‌الله‌عنه.

قيل : قدم أبو الطفيل يوما على معاوية فقال له : كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ قال : كوجد أم موسى لموسى وأشكو إلى الله التقصير. وقال له

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٣ / ٣٤٦.

(٢) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى ـ مخطوط.

(٣) الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة ٢ / ٢٢٣.

٤٢

معاوية : كنت فيمن حصر عثمان؟ قال : لا ولكني كنت فيمن حضره. قال : فما منعك من نصره؟ قال : وأنت ما منعك من نصره ، إذ تربّصت به ريب المنون وكنت في أهل الشام وكلّهم تابع لك فيما تريد؟ قال له معاوية : أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ قال : بلى ، ولكنك كما قال أخو بني فلان :

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

و في حياتي ما زوّدتني زادي » (١)

وقال ابن الأثير : « كان فاضلا عاقلا حاضر الجواب فصيحا ، وكان من شيعة علي ويثني على أبي بكر وعمر وعثمان ... » (٢).

* * *

__________________

(١) الاستيعاب ٤ / ١٦٩٦.

(٢) أسد الغابة ٥ / ٢٣٤.

٤٣
٤٤

(٩)

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر

الحديث

ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

٤٥
٤٦

لقد صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث الغدير جملة هي قوله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ، وهذا دليل واضح وبرهان قاطع على أن ( المولى ) في حديث الغدير معناه ( الأولى بالتصرف ).

وهذا الدليل يتم بإثبات أمور :

١ ـ ثبوت جملة « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ».

٢ ـ دلالة هذه الجملة على أولوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتصرف.

٣ ـ دلالة مجيء هذه الجملة قبل حديث الغدير على كون المراد من ( المولى ) في الحديث نفس المراد من ( الأولى ) في تلك الجملة.

ولنشرع في إثبات هذه الأمور حتى يتم الدليل :

١ ـ ذكر من روى جملة « ألست أولى ... » في حديث الغدير

أمّا الجملة المذكورة فلا ريب في ثبوتها ، وممن رواها مع حديث الغدير :

١ ـ معمر بن راشد أبو عروة الأزدي.

٢ ـ عبد الله بن نمير الخارفي الكوفي.

٤٧

٣ ـ أبو نعيم فضل بن دكين شيخ البخاري.

٤ ـ عفان بن مسلم.

٥ ـ علي بن حكيم الأودي.

٦ ـ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة.

٧ ـ عبيد الله بن عمر القواريري.

٨ ـ قتيبة بن سعيد الثقفي البلخي البغلاني.

٩ ـ أحمد بن حنبل الشيباني.

١٠ ـ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني.

١١ ـ عبد الله بن أحمد بن حنبل.

١٢ ـ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار.

١٣ ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.

١٤ ـ أبو العباس حسن بن سفيان بن عامر.

١٥ ـ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.

١٦ ـ محمد بن جرير الطبري الشافعي.

١٧ ـ محمد بن علي بن الحسين المعروف بالحكيم الترمذي.

١٨ ـ أبو زكريا يحيى بن عبد الله الغبري.

١٩ ـ دعلج بن أحمد السجزي.

٢٠ ـ أبو حاتم محمد بن حبان البستي.

٢١ ـ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.

٢٢ ـ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني.

٢٣ ـ أحمد بن محمد الثعلبي.

٢٤ ـ إسماعيل بن علي بن حسين بن زنجويه المعروف بابن السمان.

٢٥ ـ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني.

٢٦ ـ علي بن حسن بن حسين الخلعي.

٤٨

٢٧ ـ أحمد بن محمد العاصمي.

٢٨ ـ عبد الكريم بن محمد المروزي السمعاني.

٢٩ ـ الموفق بن أحمد المكّي الخوارزمي.

٣٠ ـ عمر بن محمد بن خضر الأردبيلي المعروف بالملاّ.

٣١ ـ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني.

٣٢ ـ أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي الاصفهاني.

٣٣ ـ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري.

٣٤ ـ إبراهيم بن عبد الله الوصابي.

٣٥ ـ إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني.

٣٦ ـ جمال الدين الزرندي.

٣٧ ـ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي.

٣٨ ـ علي بن شهاب الدين الهمداني.

٣٩ ـ أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي.

٤٠ ـ نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ.

٤١ ـ حسين بن معين الدين الميبدي.

٤٢ ـ عبد الله بن عبد الرحمن المشهور بأصيل الدين المحدّث.

٤٣ ـ عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.

٤٤ ـ محمود بن محمد بن علي الشيخاني.

٤٥ ـ نور الدين علي الحلبي.

٤٦ ـ حسام الدين بن محمد بايزيد السهارنبوري.

٤٧ ـ ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني.

٤٨ ـ محمد صدر العالم.

٤٩ ـ أحمد بن عبد القادر.

٥٠ ـ المولوي محمد مبين.

٤٩

ومن هنا يظهر سقوط مكابرة فخر الدين الرازي في قوله : « ثمّ إن سلّمنا صحة أصل الحديث ، ولكن لا نسلم صحة تلك المقدمة وهي قوله عليه‌السلام : ألست أولى بكم من أنفسكم. بيانه : إن الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لم يوجد في شيء منها هذه المقدمة ، فإن أكثر من روى أصل الحديث لم يرو تلك المقدّمة ، فلا يمكن دعوى إطباق الأمة على قبولها ، لأن من خالف الشيعة إنما يروون أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي رضي‌الله‌عنه ، ولا يروون هذه المقدمة. وأيضا فلم يقل أحد أن عليا رضي‌الله‌عنه ذكرها يوم الشورى ، فثبت أنه لم يحصل في هذه المقدمة شيء من الطرق التي يثبتون أصل الحديث بها ، فلا يمكن إثبات هذه المقدمة » (١).

ولا يخفى عليك التهافت بين قوله : « فإن أكثر من روى هذا الحديث ... ».

وقوله : « لأن من خالف الشيعة إنما يروون ... ».

كما يسقط إنكار إسحاق الهروي القائل : « ومن رواه لم يرو أول الحديث أي

قوله : ألست أولى بكم من أنفسكم. وهو القرينة على كون المولى بمعنى الأولى ... ».

بل يكفي في إبطال دعوى الرازي والهروي اعتراف ( الدهلوي ) حيث ذكر : « إن قول النبي : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم مأخوذ من الآية القرآنية ، ومن هنا جعل ذلك من المسلّمات لدى أهل الإسلام ، ثم فرّع عليه الحكم التالي له ».

٢ ـ دلالة الجملة على أولويّة النبي بالتصرف

وأيضا ، فلا ريب في دلالة مقدمة الحديث وهي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) نهاية العقول ـ مخطوط.

٥٠

وسلّم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من المؤمنين بالتصرف مطلقا ، فإنّ هذه الجملة متّخذة ـ كما اعترف ( الدهلوي ) ـ من الآية الكريمة في القرآن العظيم ... وهي تدل على الأولوية بالتصرف ، وقد اعترف بذلك كبار علماء أهل السنة ومشاهير أساطينهم في مختلف العلوم والفنون :

قال الواحدي : « قوله : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ). أي إذا حكم عليهم بشيء نفذ حكمه ووجب طاعته عليهم. قال ابن عباس : إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي أولى بهم من طاعة أنفسهم » (١).

وقال البغوي : « ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ). أي من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا : يعني إذا دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى بهم من طاعة أنفسهم. وقال ابن زيد : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فيما قضى فيهم كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه. وقيل : أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه. وقيل : كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب ونستأذن من أبنائنا وأمهاتنا ، فنزلت الآية.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا أبو عامر أنا فليح عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ما من مؤمن إلاّ أنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه » (٢).

__________________

(١) التفسير الوسيط ـ مخطوط.

(٢) معالم التنزيل للبغوي ٥ / ١٩١ بهامش الخازن.

٥١

وقال القاضي البيضاوي : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) في الأمور كلّها ، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلاّ بما فيه صلاحهم ، بخلاف النفس ، فلذلك أطلق ، فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم ، وأمره أنفذ فيهم من أمرها ، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.

روى أنه صلّى الله عليه وسلّم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج ، فقال ناس : نستأذن آبائنا وأمهاتنا. فنزلت » (١).

وقال جار الله الزمخشري : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) في كلّ شيء من أمور الدنيا والدين من أنفسهم ، ولهذا أطلق ولم يقيد ، فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، وحقه آثر لديهم من حقوقها ، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها ، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا أعضل خطب ووقاءه إذا ألقحت حرب ، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم عنه ويتبعوا كلما دعاهم إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصرفهم عنه ... » (٢).

وقال قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن الخليل الخويي* توجد ترجمته في كتب الطبقات ، قال ابن قاضي شهبة : أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلبي ، قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس الخويى. ولد بخوي في شوال سنة ٥٨٣ ... قال السبكي في الطبقات الكبرى : وقرأ الفقه على الرافعي ، وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع الحديث من جماعة ... قال الذهبي : كان فقيها إماما مناظرا خبيرا بعلم الكلام أستاذا في الطب والحكمة ديّنا كثير الصلاة والصيام. توفي في شعبان سنة ٧٣٧* قال بتفسير الآية المباركة :

« تقرير لصحة ما صدر منه صلّى الله عليه وسلّم من التزوّج بزينب ، وكأن

__________________

(١) أنوار التنزيل للبيضاوي : ٥٥٢.

(٢) الكشاف للزمخشري : ٣ / ٥٢٣.

٥٢

هذا جواب عن سؤال وهو : إن قائلا لو قال : هب أن الأدعياء ليسوا بأبناء كما قلت لكن من سمّاه غيره ابنا إذا كان لدعيّه شيء حسن لا يليق بمروته أن يأخذه منه ويطعن فيه عرفا.

فقال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) جوابا عن ذلك السؤال وتقريره هو : إن دفع الحاجات على مراتب : دفع حاجة الأجانب ، ثم دفع حاجة الأقارب الذين على حواشي النساء ، ثم دفع حاجة الأصول والفصول ، ثم دفع حاجة النفس. والأول عرفا دون الثاني وكذلك شرعا ، فإن العاقلة تتحمل الدية منهم ولا تتحمّلها عن الأجانب ، والثاني دون الثالث وهو ظاهر بدليل النفقة ، والثالث دون الرابع فإن النفس مقدم على الغير وإليه أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.

إذا علمت هذا فالإنسان إذا كان معه ما يغطي به أحد الرجلين ويدفع به حاجة من شقي بدنه فأخذ العطاء من أحدهما وغطى به الأخرى لا يكون لأحد أن يقول : لم فعلت؟ فضلا من أن يقول بئس ما فعلت. أللهم إلاّ أن يكون أحد العضوين أشرف من الآخر ، مثل ما إذا وقى الإنسان عينه بيده ويدفع البرد عن رأسه الذي هو معدن حواسه ويترك رجله تبرد ، فإنّه الواجب عقلا. فمن يعكس الأمر يقال له : لم فعلت؟

وإذا تبيّن هذا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فلو دفع المؤمن حاجة نفسه دون حاجة نبيّه يكون مثله من يدهن شعره ، ويكشف رأسه في برد مفرط قاصدا به تربية شعره ولا يعلم أنه يؤذي به رأسه الذي لا نبات لشعره إلاّ منه.

فكذلك دفع حاجة النفس لفراغها إلى عبادة الله ولا علم بكيفية العبادة إلاّ من الرسول ، لو دفع الإنسان حاجة لا للعبادة فهو ليس دفعا للحاجة ، إذ هو فوق تحصيل المصلحة ، وهذا ليس فيه مصلحة فضلا من أن يكون حاجة ، وإن كان للعبادة فترك النبي الذي منه يتعلم كيفية العبادة في الحاجة ودفع الحاجة ، مثل تربية الشعر مع إهمال أمر الرأس. فبين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد

٥٣

شيئا حرم على الأمة التعرّض إليه في الحكمة الواضحة » (١).

وقال النسفي : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، فعليهم أن يبذلوا نفسه دونه ويجعلوها فداءه ، أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم (٢).

وقال النيسابوري : « ثم إنه كان لقائل أن يقول : هب أن الدّعي لا يسمى ابنا ، أمّا إذا كان لدعيّه شيء أحسن فكيف يليق بالمروة أن يطمع عينه إليه وخاصّة إذا كان زوجته ، فلذلك قال في جوابه : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) والمعقول فيه : إنه رأس الناس ورئيسهم فدفع حاجته والاعتناء بشأنه أهم ، كما أن رعاية العضو الرئيس وحفظ صحته وإزالة مرضه أولى ، وإلى هذا أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.

ويعلم من إطلاق الآية أنه أولى بهم من أنفسهم في كلّ شيء من أمور الدنيا والدين. وقيل : إن أولى بمعنى أرأف وأعطف ، كقوله : ما من مؤمن إلاّ أنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن هلك وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، وان ترك دينا أو ضياعا أي عيالا فإليّ » (٣).

وقال المحلّي : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه » (٤).

وقال الشربيني : « ولمّا نهى تعالى عن التبني وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد تبنى زيد بن الحارثة مولاه لما اختاره على أبيه وعمه كما مر ، علّل تعالى النهي

__________________

(١) التفسير الكبير لأبي العباس الخويي ـ مخطوط.

(٢) مدارك التنزيل ٣ / ٢٩٤.

(٣) غرائب القرآن ٢١ / ٧٧ ـ ٧٨.

(٤) تفسير الجلالين : ٥٥٢.

٥٤

فيه بالخصوص بقوله تعالى دالا على أن الأمر أعظم من ذلك. ( النبي ) أي الذي ينبئه الله تعالى بدقائق الأحوال في بدائع الأحوال ، ويرفعه دائما في مراقي الكمال ، ولا يريد أن يشغله بولد ولا مال ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) أي الراسخين في الايمان فغيرهم أولى ، في كلّ شيء من أمور الدين والدنيا ، لما حازه من الحضرة الربانية من أنفسهم فضلا عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم.

روى أبو هريرة رضي‌الله‌عنه : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأي مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه.

وعن جابر : إنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقول : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فأيّما رجل مات وترك دينا فإليّ ، ومن ترك مالا فهو لورثته.

وعن أبي هريرة قال : كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل هل عليه دين؟ فإن قالوا : نعم. قال : هل ترك وفاء لدينه؟ فإن قالوا : نعم ، صلّى عليه ، وان قالوا : لا قال : صلّوا على صاحبكم ، وإنما لم يصلّ عليه صلّى الله عليه وسلّم أولا فيما إذا لم يترك وفاء لأن شفاعته صلّى الله عليه وسلّم لا ترد.

وقد ورد : إنّ نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم ما لم يوف دينه. وهو محمول على من قصّر في وفائه في حال حياته ، أمّا من لم يقصّر لفقره مثلا فلا ، كما أوضحت ذلك في شرح المنهاج في باب الرهن.

وإنما كان صلّى الله عليه وسلّم أولى بهم من أنفسهم لأنه لا يدعوهم إلاّ إلى العقل والحكمة ، ولا يأمرهم إلاّ بما ينجيهم ، وأنفسهم ربما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرديهم ، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء ، بل أعظم بهذا السبب الرباني ، فأيّ حاجة إلى السبب الجسماني؟ » (١).

__________________

(١) السراج المنير ـ بتفسير الآية.

٥٥

وقال ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي بشرح الحديث الأول من كتاب الفرائض ( وهو : عن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل ، فأيّكم ما ترك دينا أو ضيعة فادعوني فأنا وليّه ، وأيكم ما ترك مالا فليورّث عصبته من كان ) قال :

« فيه فوائد : « الأولى » ـ أخرجه مسلم من هذا الوجه عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق. وأخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ...

« الثانية » ـ قوله : أنا أولى الناس بالمؤمنين. إنما قيّد ذلك بالناس لأن الله تعالى أولى بهم منه ، وقوله في كتاب الله عز وجل ، إشارة إلى قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وقد صرح بذلك في رواية البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة ...

« الثالثة » : يترتب على كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم أنه يجب عليه إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإن شق ذلك عليهم ، وأن يحبّوه أكثر من محبتهم لأنفسهم ، ومن هنا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وفي رواية أخرى : من أهله وماله والناس أجمعين ، وهو في الصحيحين من حديث أنس. ولما قال له عمر رضي‌الله‌عنه : لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلاّ نفسي ، قال له : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك. فقال له عمر : فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : الآن يا عمر. رواه البخاري في صحيحه : قال الخطابي : لم يرد به حب الطبع ، بل أراد حبّ الاختيار ، لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه. قال : فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك وتؤثر رضاي على هواك وان كان فيه هلاكك.

« الرابعة » : استنبط أصحابنا الشافعية من هذه الآية الكريمة أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج

٥٦

عليه الصلاة والسلام إليهما ، وعلى صاحبهما البذل ، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم لزم من حضره أن يبذل نفسه دونه.

وهو استنباط واضح ، ولم يذكر النبي عند نزول هذه الآية ماله في ذلك من الحظ ، وإنما ذكر ما هو عليه فقال : وأيكم ما ترك دينا أو ضياعا فادعوني فأنا وليه وترك حظه فقال : وأيّكم ما ترك مالا فليورّث عصبته من كان » (١).

وقال البدر العيني بشرح قوله صلّى الله عليه وسلّم : وأنا أولى به في الدنيا والآخرة :

« يعني أحقّ وأولى بالمؤمنين في كلّ شيء من أمور الدنيا والآخرة من أنفسهم ولهذا أطلق ولم يعين ، فيجب عليهم امتثال أوامره واجتناب نواهيه » (٢).

وقال الشهاب القسطلاني في كتاب التفسير : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) في الأمور كلها من أنفسهم ، من بعضهم ببعض ، في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا : يعني إذا دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعتهم نفوسهم إلى شيء ، كانت طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم انتهى. وإنما كان ذلك لأنه لا يأمرهم ولا يرضى إلاّ بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس. وقوله : النبي ... إلى آخره ثابت في رواية أبي ذر فقط.

... عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به. أي أحقّهم به في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة ، وسقط لأبي ذر لفظ الناس. اقرءوا إن شئتم قوله عز وجل : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) استنبط من الآية أنّه لو قصده عليه‌السلام ظالم وجب على

__________________

(١) شرح الاحكام ـ كتاب الفرائض.

(٢) عمدة القاري ١٩ / ١١٥.

٥٧

الحاضر من المؤمنين أن يبذل نفسه دونه » (١).

وقال المنّاوي : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ شيء ، لأني الخليفة الأكبر الممد لكلّ موجود. فحكمي عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم وذا قاله لمّا نزلت الآية ... » (٢).

وقال العزيزي : « أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه كما قال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) قال البيضاوي : أي في الأمور كلّها ، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى عنهم إلاّ بما فيه صلاحهم بخلاف النفس ، فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم. إلى آخره. فمن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم : إنه كان إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه المحتاج إليه بذله له صلّى الله عليه وسلّم ، وجاز له أخذه ، وهذا وان كان جائزا لم يقع ... وأنا ولي المؤمنين. أي متولّي أمورهم ، فكان صلّى الله عليه وسلّم يباح له أن يزوّج ما شاء من النساء ممن يشاء من غيره ومن نفسه ، وإن لم يأذن كل من الولي والمرأة ، وأن يتولّى الطرفين بلا إذن. حم م ن ة » (٣).

هذا ، ولقد ذكر السيوطي الأحاديث الدالة على أولوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين في الأمور كلها بتفسير قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) حيث قال :

« قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أخرج البخاري وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى به في الدنيا والآخرة. اقرءوا إن شئتم : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه.

__________________

(١) ارشاد الساري ٧ / ٢٨٠.

(٢) التيسير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٧٧.

(٣) السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٣٢٠.

٥٨

وأخرج الطيالسي وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله فأتى به النبي سأل : هل عليه دين؟ فإن قالوا : نعم قال : هل ترك وفاء لدينه؟ فإن قالوا : نعم ، صلّى عليه. وإن قالوا : لا قال : صلّوا على صاحبكم ، فلما فتح الله علينا الفتوح قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك دينا فإليّ ومن ترك مالا فللوارث.

وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه عن جابر رضي‌الله‌عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقول : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيّما رجل مات وترك دينا فإليّ ومن ترك مالا فهو لوارثه.

وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي عن بريدة رضي‌الله‌عنه قال : غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة ، فلمّا قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرت عليا فتنقّصته ، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تغيّر وقال : يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : من كنت مولاه فعلي مولاه » (١).

ومن حديثه الأخير أيضا ـ بالخصوص ـ يظهر أنّ المعنى المقصود من « ألست أولى ... » هو نفس معنى الآية الكريمة : ( النَّبِيُّ أَوْلى ... ) وإلاّ لما ذكر السيوطي هذا الحديث في ذيل الآية المذكورة.

فظهر بطلان منع ( الدهلوي ) كون معنى « ألست أولى بالمؤمنين ... » الأولوية بالتصرف في كلّ شيء من كلمات : الواحدي ، والبغوي ، والزمخشري ، والبيضاوي ، والخوئي ، والنسفي ، والنيسابوري ، والعراقي ، والعيني ، والقسطلاني ، والمناوي ، والعزيزي ، والشر بيني.

بل إنّ الكابلي أيضا لم يمنع ذلك ، وإنما قال : « إن المراد بالمولى المحب والصديق. أمّا فاتحته فلا تدل على أن المراد به الامام ، لأنه إنما صدّره بها ليكون ما يلقي إلى السامعين أثبت في قلوبهم ».

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٥ / ١٨٢.

٥٩

بل تتضح غرابة إنكار ( الدهلوي ) من كلام ابن تيميّة الشهير بالتعصّب الشديد وعناده للحق وأهله ، فقد قال ابن تيمية : « والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقل : من كنت واليه فعلي واليه ، وإنما اللفظ : من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل. فإن الولاية تثبت من الطرفين فإنّ المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم. وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلاّ من طرفه صلّى الله عليه وسلّم ، وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوّته ، ولو قدّر أنه نصّ ، على خليفة بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه ، كما أنه لا يكون أزواجه أمهاتهم ، ولو أريد هذا المعنى لقال : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. وهذا لم يقله ولم ينقله أحد ، ومعناه باطل قطعا » (١).

لأنّ ابن تيمية قد صرّح بأنّ « كونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته » ولو كان المراد من « الأولوية » هو « الأحبيّة » لم يكن هذا المعنى من خصائص نبوته ، لأن الأحبيّة يثبتها أهل السنة للخلفاء وغيرهم ولو بالترتيب ، فعلم أن المعنى أمر عظيم ومقام جسيم يكون من خصائص مقام النبوة ، ولا يناله صاحب مقام الخلافة ، ووجه ذلك : إنّ هذا المعنى ـ أي الأولوية بكلّ مؤمن من نفسه ـ يقتضي العصمة ، والخلفاء ليسوا معصومين. لكن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام عصمتهم ثابتة فهذا المقام ثابت لهم ، بل إن كلام ابن تيمية هنا يثبت العصمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام لثبوت هذه الأولوية له بالأدلّة السابقة واللاحقة.

٣ ـ المراد من ( المولى ) في الحديث هو المراد من ( الأولى ) في الصّدر

وأمّا بيان أن المراد من ( المولى ) في قوله صلّى الله عليه وسلّم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » هو المراد من ( الأولى ) في قوله في مقدّم الحديث : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ... » فيتمّ بوجوه :

( الأول ) قال كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام في ( فتح

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٨٧.

٦٠