نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

الهيثم بن التيهان ، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، وحبيب بن بديل بن ورقاء ـ فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث.

فقال علي لأنس بن مالك والبراء بن عازب : ما منعكما أن تقوما فتشهدوا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال : اللهم إن كانا كتماها معاندة فابتلهما ، فأمّا البراء فعمي ، فكان يسأل عن منزله فيقول : كيف يرشد من أدركته الدعوة؟ وأمّا أنس فقد برصت قدماه ، وقيل : لما استشهد علي عليه‌السلام قول النبي صلّى الله عليه وسلّم من كنت مولاه فعلي مولاه اعتذر بالنسيان فقال : اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه العمامة ، فبرص وجهه فسدل بعد ذلك برقعا على وجهه ... » (١).

وفي رواية البلاذري : « قال علي على المنبر : انشد [ نشدت ] الله رجلا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خم : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه إلاّ قام فشهد وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله [ البجلي ] فأعادها فلم يجبه أحد. فقال : اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها. قال : فبرص أنس وعمي البرّاء ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فأتى السراة فمات في بيت أمه بالسراة » (٢).

وذكر الحافظ أبو نعيم بترجمة أبي محمد طلحة بن مصرف ـ الذي وصفه بالورع الكلف القاري الدنف أبو محمد طلحة بن مصرف كان ذا صدق ووفاء وخلق وصفاء ـ : « حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن ابراهيم بن كيسان ، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عميرة ابن سعد قال : شهدت عليا على المنبر ناشدا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك وهم حول المنبر وعلي على المنبر

__________________

(١) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ـ مخطوط.

(٢) انساب الاشراف : ١٥٦ ـ ١٥٧.

٢١

وحول المنبر اثنا عشر رجلا هؤلاء منهم. فقال علي نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقاموا كلّهم فقالوا : اللهم نعم ، وقعد رجل ، فقال : ما منعك أن تقوم؟ قال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت. فقال : اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببلاء حسن. قال : فما مات. حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريه العمامة ... » (١).

نتائج البحث

فهذه روايات القوم حول قضية المناشدة ، وكتم جماعة من الصحابة الشهادة بحديث الغدير ودعاء الامام عليه‌السلام عليهم ، فخلاصة البحث ونتائجه أمور :

١ ـ إن الامام عليه‌السلام ناشد الصحابة من شهد منهم يوم غدير خم بعينه وحضره بنفسه وسمع كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ بكل اهتمام وإصرار على أن يدلوا بشهادتهم. وقد روى المناشدة هذه كبار الأئمة والعلماء من أهل السنة.

٢ ـ إن هذه المناشدة ـ بهذه الكيفية ومع هذه الأحوال والقرائن ـ تدل على مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » هو الامامة والخلافة ، إذ لو كان المراد من ( المولى ) هو المحب أو المحبوب أو الناصر أو نحو ذلك لما كان للمناشدة معنى ، فإن هذه الأوصاف ثابتة له باعتراف الجميع ولا ينكرها منكر أبدا ، بل هي ثابتة لغيره من الصحابة.

٣ ـ لقد كتم جماعة من الصحابة هذه الشهادة معاندة للإمام عليه‌السلام ، وذلك أيضا مما يشهد بدلالة حديث الغدير على الامامة ، إذ لو كان المراد غيرها من المعاني لما كان للكتمان مورد أبدا.

__________________

(١) حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧.

٢٢

٤ ـ لقد دعا الامام عليه‌السلام على من كتم تلك الشهادة وقد أصابتهم دعوته ، ولو لم يكن معنى حديث الغدير هو الامامة والخلافة لما دعا عليهم البتّة.

٥ ـ إن أخبار المناشدة وكتم بعض الصحابة للشهادة تهدم أساس اعتقاد أهل السنة بعدالة جميع الصحابة ، لأن كتمان الشهادة من المعاصي الكبائر ، ومرتكب الكبيرة فاسق بلا ريب.

٦ ـ لقد دلّت تلك الأخبار على عداء جماعة من الأصحاب لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد بلغ عداؤهم له إلى حد كتمان الشهادة وارتكاب هذه المعصية الكبيرة. وهذا المورد من الموارد التي تبطل دعوى ( الدهلوي ) بأن جميع الصحابة كانوا يوالونه عليه الصلاة والسلام.

٧ ـ إن هذه الأخبار تدل على بطلان ما ذكره بعض أهل السنة من أن من الممتنع كتمان الصحابة النص على خلافة الامام عليه‌السلام ، لأن حديث الغدير إن كان نصا على خلافته ـ كما هو الواقع ـ فقد ثبت ما قلنا ، لأنهم قد حاولوا كتم هذا النص الصريح الذي صدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك المشهد العظيم ، حتى احتاج الامام عليه‌السلام إلى استشهاد الصحابة ومناشدتهم عليه ، وان لم يكن نصا في الامامة والخلافة بل كان مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيجاب محبته عليه‌السلام فقد خالفوا. فثبت ما قلناه ، لأن من يخفي ما يدل على وجوب محبته ـ حسب هذا الفرض ـ يخفي ما يدل على إمامته وخلافته بالأولوية.

وجوه بطلان دعوى ابن روزبهان وضع حديث المناشدة

ومن ملاحظة هذه الأحاديث والأخبار يتّضح تعصّب ابن روزبهان وعناده مع الحق ، وبطلان هفوته حول حديث المناشدة ، إذ ادّعى كونه من موضوعات الروافض!! وهذا نص كلامه : « وأما ما ذكر أن أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك فاعتذر بالنسيان فدعا عليه فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض ، لأن

٢٣

خبر من كنت مولاه فعلي مولاه كان في غدير خم ، وكان لكثرة سماع السامعين كالمستفيض ، فأيّ حاجة إلى الاستشهاد من أنس؟ وإن فرضناه أنه استشهد ولم يشهد أنس لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن خدمه عشر سنين بالبرص ، ووضع الحديث ظاهر » (١).

وهذا الكلام باطل من وجوه :

١ ـ مناشدة أنس وغيره متواترة

إن نفيه الحاجة إلى الاستشهاد من أنس بسبب استفاضة حديث الغدير باطل ، لأن استشهاد الامام عليه‌السلام أنس بن مالك أمر ثابت مشهور بل متواتر ، فتكذيب هكذا حديث بهذا التوهم أمر عجيب.

٢ ـ حديث الغدير متواتر لا كالمستفيض

إن حديث الغدير الذي سمعه تلك الكثرة من السامعين حديث متواتر وفي أعلى درجات التواتر ، فجعله « كالمستفيض » مجانبة للانصاف ومعاندة للحق.

٣ ـ من أمثلة دعاء النبي على المخالفين

وقول ابن روزبهان : « لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على ... » كلام باطل ، لأنه في الحقيقة طعن على الأنبياء والأوصياء ، لأن الدعاء على المخالفين سنّة من سنن الأوصياء والمرسلين في بعض الأحايين ، ومن راجع سيرة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف على موارد عديدة من هذا القبيل ، ونحن ننقل هنا بعض أمثلة ذلك :

فمن ذلك دعاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنافقين الذين أرادوا به

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ مخطوط.

٢٤

سوءا في ليلة العقبة ، قال الحلبي : « فلما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء إليه أسيد بن حضير فقال : يا رسول الله ، ما منعك البارحة من سلوك الوادي ، فقد كان أسهل من سلوك العقبة ، فقال : أتدري ما أراد المنافقون! وذكر له القصة ، فقال : يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا ، فمر كلّ بطن أن يقتل الرجل الذي همّ بهذا ، فإن أحببت بيّن بأسمائهم ، والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برءوسهم ، فقال صلّى الله عليه وسلّم : إني أكره أن يقول الناس أن محمدا قاتل بقوم حتى أظهر الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم ، فقال : يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أليس يظهرون الشهادة! ثم جمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبرهم بما قالوه وما أجمعوا عليه ، فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) الآية. وأنزل الله تعالى : ( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ).

ودعا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال : اللهم ارمهم بالدبيلة وهي سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى. أي : وفي لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلكه » (١).

ومن ذلك دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم على من قطع صلاته. قال الحلبي : « وفي الإمتاع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بتبوك صلى إلى نخلة ، فجاء شخص فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه ، وفي رواية وهو على حمار ، فدعا عليه صلّى الله عليه وسلّم فقال : قطع صلاتنا قطع الله أثره. فصار مقعدا » (٢).

ومن ذلك : دعاؤه على من كان يحاكيه في مشيه صلّى الله عليه وسلّم. قال السيوطي : « أخرج أبو الشيخ عن قتادة وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رجل خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم يحاكيه ويلبطه ، فرآه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : كذلك فكن. فرجع إلى أهله فلبّط به مغشيا شهرا ، ثم أفاق

__________________

(١) السيرة الحلبية ٣ / ١٢١ في غزوة تبوك.

(٢) السيرة الحلبية ٣ / ١٢١.

٢٥

ـ حين أفاق ـ وهو كما حاكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » (١).

٤ ـ من أمثلة دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام

ومن أمثلة دعاء أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : ما ذكره خواجه بارسا بقوله : « روى الامام المستغفري رحمه‌الله بإسناده : أن أمير المؤمنين عليا رضي‌الله‌عنه سأل رجلا عن حديث في الرحبة فكذّبه ، فقال : إنك كذّبتني. قال : ما كذّبتك. قال : فأدعو الله سبحانه عليك إن كنت كاذبا أن يعمي بصرك. قال : فادع الله عز وجل. فدعا عليه أمير المؤمنين علي رضي‌الله‌عنه فعمي بصره ، فلم يخرج من الرحبة إلاّ وهو أعمي » (٢).

ورواه عبد الرحمن الجامي عن المستغفري كذلك (٣).

و« المستغفري » راوي هذه القصة من مشاهير علمائهم ، ترجم له عبد القادر القرشي بقوله : « جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي المستغفري خطيب نسف ، كان فقيها فاضلا ومحدثا مكثرا صدوقا حافظا ، لم يكن بما وراء النهر في عصره مثله ، وله تصانيف أحسن فيها. سمع أبا عبد الله محمد بن أحمد غنجار الحافظ ، وزاهر بن أحمد السرخسي. روى عنه أبو منصور السمعاني. مولده سنة ٣٥٠ ومات في سلخ جمادى الأولى سنة ٤٣٢ بنسف » (٤).

وترجم له محمود بن سليمان الكفوي بقوله : « الشيخ الامام الخطيب الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح المستغفري النسفي. كان رحمه‌الله فقيها فاضلا محدثا صدوقا يرجع إلى معرفة وفهم وإمعان ، جمع الجموع وصنّف التصانيف وأحسن فيهما ، لم يكن بما وراء النهر في عصره من

__________________

(١) الدر المنثور ٤ / ١٠٨.

(٢) فصل الخطاب لمحمد خواجه بارسا الحافظي.

(٣) نفحات الانس : ٢٥.

(٤) الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.

٢٦

يجري مجراه في الجمع والتصنيف وفهم الحديث ... ولد سنة ٣٥٠. ومات سنة ٤٣٢ ... » (١).

وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته : « جعفر بن محمد ... الحافظ المعروف بالمستغفري صاحب التصانيف الكثيرة ومحدّث ما وراء النهر في زمانه ... » (٢).

ومن ذلك : ما رواه أخطب خطباء خوارزم : « أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ... عن زاذان أبي عمر إنّ عليا سأل رجلا في الرحبة عن حديث فكذّبه فقال علي : إنك قد كذّبتني ، فقال : ما كذّبتك. فقال : أدعو الله عليك إن كنت كذّبتني أن يعمي بصرك. قال : ادع الله فدعا عليه ، فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره » (٣).

ورواه الوصابي عن عمر ملاّ في سيرته (٤).

وفي ( الصّواعق ) : « ومن كراماته أيضا : إنه حدّث بحديث فكذّبه رجل ، فقال له : ادعو عليك إن كنت كاذبا. قال : ادع. فدعا عليه ، فلم يبرح حتى ذهب بصره » (٥).

وقال محمد صدر العالم في ( معارج العلى في مناقب المرتضى ): « ومنها : إنه رضي‌الله‌عنه حدّث بحديث فكذّبه رجل فقال له : أدعو عليك إن كنت كاذبا. قال : أدع. فدعا عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره » (٦).

وقال ولي الله الدهلوي : « عن علي بن زاذان : أن عليا حدّث حديثا فكذّبه رجل ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : أدعو عليك إن كنت صادقا؟ قال : نعم. فدعا

__________________

(١) كتائب أعلام الاخبار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.

(٢) طبقات الشافعية ٢ / ٤٠٣.

(٣) المناقب للخوارزمي : ٢٧٣.

(٤) الاكتفاء في فضائل الخلفاء الأربعة ـ مخطوط.

(٥) الصواعق المحرقة : ٧٧.

(٦) معارج العلى في مناقب المرتضى ـ مخطوط.

٢٧

عليه ، فلم ينصرف حتى ذهب بصره » (١).

وقال ابن كثير : « وقال هيثم عن يسار عن عمّار قال حدّث رجل عليا بحديث فكذّبه ، فما قام حتى عمي. وقال ابن أبي الدنيا حدثني سريح بن يونس ثنا هيثم بن إسماعيل عن سالم بن عمّار الحضرمي عن زاذان أبي عمر : إن رجلا حدّث عليا بحديث ، فقال علي : ما أراك إلاّ قد كذّبتني. قال : لم أفعل. قال : أدعو عليك إن كنت كذبت؟ قال : ادع. فدعا فما برح حتى عمي » (٢).

ونحوه ما رواه عبد الرحمن الجامي في ( شواهد النبوة ) من دعاء الامام عليه‌السلام على من كان يكتب بأخباره إلى معاوية فعمي (٣).

٥ ـ أمثلة من دعاء الصّحابة

وروى أحمد بن عطاء الله الاسكندري كرامة لسعد بن أبي وقّاص ، إذ قال بعد ذكر حكاية في دعاء إبراهيم بن أدهم : « قال الشيخ أبو العباس : ليس هذا عين الكمال ، وما فعله سعد أحد العشرة هو عين الكمال ، ادّعت عليه امرأة أنه احتاز شيئا من بستانها ، فقال : اللهّم إن كانت كاذبة فأعمها وأمتها في مكانها ، فعميت وجاءت تمشي يوما في بستانها فوقعت في بئر فماتت ، فلو كان ما فعله إبراهيم عين الكمال لكان الصحابي أولى به ، ولكنه كان سعد أمينا من أمناء الله نفسه ونفس غيره عنده سواء ، فما دعا عليها لأنها آذته ، ولكن دعا عليها لأنها آذت صاحب رسول الله ... » (٤).

وقال أبو يوسف : « حدّثنى الليث بن سعد عن حبيب بن أبي ثابت : أن أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وجماعة المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب أن

__________________

(١) إزالة الخفا في سيرة الخلفا ٢ / ١١٢.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ٥.

(٣) شواهد النبوة : ١٦٧.

(٤) لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن ـ هامش لطائف المنن للشعراني ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

٢٨

يقسم الشام كما قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر ، وأنه كان أشدّ الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح. فقال عمر : إذا أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم ، ثم قال : اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال : ورأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال : وتركهم عمر ذمة يودون الخراج إلى المسلمين » (١).

وقال ولي الله الدهلوي : « وعن حبيب بن أبي ثابت : أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجماعة من المسلمين أرادوا من عمر بن الخطاب أن يقسّم الشام كما قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر ، وأنه كان أشدّ الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح. فقال عمر : إذا أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم!! ثم قال : اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال : ورأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال : وتركهم عمر ذمة يؤدون الخراج إلى المسلمين. أخرجه أبو يوسف » (٢).

وفي كتاب ( الروض الأنف ) : « ولمّا سار عمر إلى الشام وكان بالجابية شاور فيما افتتح من الشام أيقسمها؟ فقال له معاذ : ان قسمتها لم يكن لمن يأتي بعد من المسلمين شيء. أو نحو هذا. فأخذ بقول معاذ. فألح عليه بلال في جماعة من أصحابه وطلبوا القسم ، فلمّا أكثروا قال : أللهم اكفني بلالا وذويه فلم يأت الحول ومنهم على الأرض عين تطرف » (٣).

وقال فخر الدين الزيلعي : « ثم أرض السّواد مملوكة لأهلها عنوة. وقال الشافعي : ليست بمملوكة وإنما هي وقف على المسلمين ، وأهلها مستأجرون لها ، لأن عمر استطاب قلوب الغانمين فآجرها.

وقال أبو بكر الرازي : هذا غلط بوجوه : أحدها ان عمر لم يستطب قلوبهم

__________________

(١) الخراج : ٢٦.

(٢) قرة العينين : ٧١.

(٣) الروض الأنف ٦ / ٥٨١.

٢٩

فيه ، بل ناظرهم عليه وشاور الصحابة على وضع الخراج ، فامتنع بلال وأصحابه فدعا عليهم. فأين الاسترضاء؟ » (١).

فائدتان من كلام ابن روزبهان

لقد ظهر بالوجوه المذكورة بطلان كلام ابن روزبهان ، ولنعم ما قال في ( احقاق الحق ) في جوابه : « وأما استبعاده من أخلاق أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يدعو على صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخادمه بظهور البرص عليه فهو تصوّف بارد ، لأنه إذا لم يشهد أنس لإظهار حق قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما علم يقينا فقد أخل بما وجب عليه من محبتهم بنص القرآن المجيد ، وخلع ربقة متابعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحبط الله عمله وخدمته ، فأقل مرتبة جزائه في الدنيا الدعاء عليه بالأمراض الساخرة وسيذوق وبال أمره في الآخرة ».

ولكن في كلامه فائدتان :

( فالأولى ) لقد استنكر ابن روزبهان الاستشهاد على ما كثر سامعوه وكان « كالمستفيض » فنقول بناء عليه : إن وجوب محبة علي عليه‌السلام أمر ثابت مستفيض فالاستشهاد عليه باطل ، لكن الامام عليه‌السلام قد استشهد على حديث الغدير ـ حسب روايات القوم كما عرفت ـ فظهر أنه لم يكن المراد من حديث الغدير إيجاب المحبة والمودة له ، بل كان المراد أمرا جليلا عظيما وقد أنكره أكثر الأصحاب الذين سمعوه ووعوه ، فاحتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستشهاد عليه.

( والثانية ) لقد اعترف ابن روزبهان في كلامه بكثرة سامعي خبر الحديث ، فلا ريب في وقوع تلك الواقعة وثبوت هذا الخبر الشريف ، وفي هذا ردّ على من

__________________

(١) شرح كنز الدقائق للزيلعي ٣ / ٢٨٢.

٣٠

أنكر الحديث وكذّبه من أهل العصبية والعناد.

اعتراف الحلبي بدلالة الاستشهاد

فثبت إلى الآن : استشهاد الامام عليه‌السلام جماعة من الصحابة على حديث الغدير ، فمنهم من شهد ومنهم من كتم ـ وبهذا بطلت مناقشات ابن روزبهان والفخر الرازي في نهاية العقول ـ ، وثبت أن هذا الاستشهاد كان على أمر عظيم جليل أنكره أكثر الصحابة وهو ليس إلاّ الخلافة ، إذ لو كان غيرها لما أنكروه ولما كتم الشهادة به من كتم.

ويشهد بما ذكرنا : اعتراف الحلبي بأن الامام عليه‌السلام قد احتج بحديث الغدير ردّا على من نازعه في الخلافة ، وهذا نص كلامه : « وعلى تسليم أن المراد أنه أولى بالامامة ، فالمراد في المآل لا في الحال ، وإلاّ لكان هو الامام مع وجوده صلّى الله عليه وسلّم ، والمآل لم يعين له وقت ، فمن أين أنه عقب وفاته صلّى الله عليه وسلّم؟ جاز أن يكون بعد أن تنعقد له البيعة ويصير خليفة. ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك إلاّ بعد أن آلت إليه الخلافة ردّا على من نازعه فيها كما تقدم ، فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قاض على كلّ من له أدنى عقل فضلا عن فهم بأنه لا نص في ذلك على إمامته » (١).

مناشدة الامام أبا بكر وأصحاب الشورى

وكلام الحلبي ـ وإن كان يتضمن اعترافا بالحق كما ذكرنا ـ يشتمل على مزاعم واضحة البطلان :

( فالأولى ) قوله : « فالمراد في المآل لا في الحال والا لكان هو الامام مع وجوده ... » وهذا باطل لعدم وجود قيد في الحديث يقتضى ذلك ، بل الحديث الشريف مطلق ، فالمعنى : من كنت مولاه فعلي أولى منه بالامامة. وهذا

__________________

(١) السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٨.

٣١

ما يثبته الشيعة الامامية قديما وحديثا ، ويعانده المعاندون من أهل السنة كذلك.

( والثانية ) قوله : « جاز أن يكون بعد أن تنعقد له البيعة ويصير خليفة » معناه حمل « الأولوية بالامامة » على زمان بعد عثمان بن عفان ، وهذا الحمل فاسد جدّا ، لأن تهنئة الشيخين ـ كما في الصواعق وغيرها ـ يقلع أساسه الواهي من الجذور ، لأنهما قد اعترفا بكونه عليه‌السلام ( مولى ) كلّ مؤمن ، فهو عليه‌السلام مولاهما باعترافهما سوء كانا من المؤمنين أم لا ، فهو ( أولى ) منهما بالامامة ، فتقييدها بما بعد عثمان باطل حسب فهم الشيخين واعترافهما أيضا.

وأيضا : فانّه لا ريب في دلالة هذا الحديث ـ بناء على حمل ( المولى ) على الأولى بالامامة على الامامة المطلقة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبما أنه لا نص على إمامة الثلاثة ـ وخلافتهم كما هو الثابت والمعترف به لدى القوم حتى لقد اعترف بذلك ( الدهلوي ) نفسه ـ فإن مطلق النص على خلافة الامام عليه‌السلام يثبت خلافته بلا فصل ، لقبح تقديم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه.

( والثالثة ) قوله : « ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك ... فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته » مردود بعدم تسليم الشيعة بسكوته عليه الصلاة والسلام ، بل إنّهم يكذّبون هذه الدعوى ويستنكرونها ، فدعوى الحلبي ذلك في مقابلة الشيعة الامامية لا تنفعه بحال ولا يسقط حديث الغدير عن الاحتجاج والاستدلال.

وإليك بعض روايات الشيعة الامامية المتضمنة لمناشدة الامام عليه‌السلام أبا بكر وأصحاب الشورى بحديث الغدير :

١ ـ روى الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر بن أبي قحافة : « ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه. فقال أبو بكر : بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد ثم سكت.

٣٢

فقال علي عليه‌السلام : أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ؟

قال أبو بكر : بل فيك يا أبا الحسن.

قال : أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذكران المسلمين أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله أنا الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال : بل أنت.

قال : فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسي يوم الغار أم أنت؟

قال : بل أنت.

قال : أنشدك بالله لي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم أم لك؟

قال : بل لك.

قال : أنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي يوم الغدير أم أنت؟

قال : بل أنت » (١).

٢ ـ وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ما نصّه : « جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن علي بن مهدي إملاء من كتابه عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : لمّا أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين عليه‌السلام وخاطباه في أمر البيعة وخرجا من عنده خرج أمير المؤمنين

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٤٩.

٣٣

عليه‌السلام إلى المسجد ، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت ، إذ بعث فيهم رسولا منهم وأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا. ثم قال :

إنّ فلانا وفلانا أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني ، أنا ابن عم النبي وأبو بنيه والصدّيق الأكبر وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقولها احد غيري إلاّ كاذب ، وأسلمت وصلّيت قبل كل أحد ، وأنا وصيّه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد ، وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أهل بيت الرحمة ، بنا هداكم وبنا استنقذكم من الضّلالة ، وأنا صاحب يوم الدوح ، وفيّ نزلت سورة من القرآن ، وأنا الوصي على الأموات من أهل بيته ، وأنا ثقته على الأحياء من أمته ، فاتقوا الله يثّبت أقدامكم ويتم نعمته عليكم. ثم رجع إلى بيته » (١).

٣ ـ وروى الشيخ حسن بن محمد الديلمي ما نصّه : « روى عن الصادق عليه‌السلام : إنّ أبا بكر لقي أمير المؤمنين عليه‌السلام في سكة بني النجار ، فسلّم عليه وصافحه وقال له : يا أبا الحسن أفي نفسك شيء من استخلاف الناس إياي وما كان من يوم السقيفة وكراهتك البيعة؟ والله ما كان ذلك من إرادتي ، إلاّ أنّ المسلمين اجتمعوا على أمر لم يك لي أن أخالف عليهم فيه ...

فقال له أمير المؤمنين : يا أبا بكر فهل تعلم أحدا أوثق من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن ، وعلى جماعة معك وفيهم عمر وعثمان : في يوم الدار ، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة ، ويوم جلوسه في بيت أم سلمة ، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع. فقلتم بأجمعكم : سمعنا وأطعنا الله ورسوله. فقال لكم : الله ورسوله عليكم من الشاهدين. فقلتم بأجمعكم : الله ورسوله علينا من الشاهدين. فقال لكم : فليشهد بعضكم لبعض وليبلغ شاهدكم غائبكم ، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع. فقلت : نعم يا رسول الله ، وقلتم بأجمعكم تهنئون رسول الله وتهنئوني بكرامة الله لنا ، فدنى عمر

__________________

(١) بحار الأنوار عن الامالي للشيخ الطوسي ٢٨ / ٢٤٧.

٣٤

وضرب على كتفي وقال بحضرتكم : بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين. لقد ذكرتني يا أمير المؤمنين أمرا لو يكون رسول الله شاهدا فاسمعه منه » (١).

ولو أن أهل السنة أبوا عن قبول هذه الروايات فإنّا نورد استدلال أمير المؤمنين بالنص على إمامته في أيام أبي بكر من روايتهم ، فقد روى أسعد بن ابراهيم بن الحسن بن علي الحنبلي في ( أربعينه ) عن استاذه عمر بن الحسن المعروف بابن دحية ـ الذي ترجم له ابن خلكان بما ملخّصه : « أبو الخطاب عمر ابن الحسن ـ الأندلسي البلنسي الحافظ ، كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلّق به ، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها ، أكثر بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية ولقي بها علمائها ومشايخها ، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ويستفاد منه. » (٢) ما نصه : « الحديث الثالث : يرويه الثوري عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال : حضرت أنس ابن مالك وهو مكفوف البصر وفيه وضح ، فقام إليه رجل ـ وكأنه كان بينه وبينه إحنة ـ وقال : يا صاحب رسول الله ما هذه السمة التي أراها بك وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إن البرص والجذام ما يبتلي بها مؤمن؟

فأطرق أنس وعيناه تذرفان وقال : أما الوضح فإنّه دعوة دعاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فسأله جماعة أن يحدثهم بالحديث.

فقال : لمّا أنزلت سورة الكهف سأل بعض الصحابة أن يريهم أهل الكهف فوعدهم ذلك ، فأهدي بساط له وذكّره الصحابة وعده ، فقال : أحضروا عليّا ، فلما حضر قال لي : يا أنس أبسط البساط ، فبسطته وأمر الصحابة أن يجلسوا عليه ، فلمّا جلسوا رفع البساط وسار في الهواء إلى الظهر ، فوقف البساط ثم قمنا

__________________

(١) ارشاد القلوب للديلمي : ٢٤٦.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ١٢١.

٣٥

نمشي على الأرض حتى شاهدنا الكهف ، ورأينا قوما نياما تضيء وجوههم كالقناديل وعليهم ثياب بيض وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ، فملئنا رعبا ، فتقدّم أمير المؤمنين وقال : السلام عليكم ، فردّوا عليه‌السلام ، وتقدّم القوم وسلّموا ، فلم يردّوا عليهم‌السلام ، فقال لهم علي : لم لا تردّون على صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أحدهم : سل ابن عمك ونبيك. ثم قال علي للجماعة : خذوا مجالسكم ، فلمّا أخذوا قال علي : يا ملائكة الله ارفعوا البساط ، فرفع وسرنا في الهواء ما شاء الله. ثم قال : ضعونا لنصلّي الظهر ، فإذا نحن في أرض ليس فيها ماء نشرب ولا نتوضّأ ، فوكز الأرض برجله فنبع الماء العذب ، فتوضأنا وصليّنا وشربنا. فقال : ستدركون صلاة العصر مع رسول الله وسار بنا البساط إلى العصر ، وإذا نحن على باب المسجد ، فلمّا رآنا قال : تحدّثوني أو أحدّثكم؟ وجعل يحدثنا كأنّه كان معنا ، فقال له علي : لم ردّوا عليّ السلام ولم يردّوا على أصحابي؟ فقال : إنهم لا يردّون السلام إلاّ على نبي أو وصي نبيّ. ثم قال : اشهد لعلي يا أنس.

فلمّا كان بعد يوم السقيفة استشهدني علي بيوم البساط فقلت : إني نسيت. قال : إن كنت كتمتها بعد وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرماك الله ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في بصرك. فبرصت وتلظّى جوفي وعميت.

وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من حرارة بطنه. ومات بالبصرة ، وكان يطعم كل يوم مسكينا عن يوم يفطر من رمضان » (١).

وأما عدم نقل أهل السنة احتجاج الامام عليه‌السلام بحديث الغدير في أيام أبي بكر ونحوها ، فلا يكون حجة على الشيعة أبدا ، كما أن نقل أحد الفريقين لا يكون حجة على الفريق الآخر.

هذا ، وقد ذكر الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) في وجه الاستدلال بحديث الغدير : « الثاني : إن عليا رضي‌الله‌عنه ذكره في الشورى عند ما حاول ذكر

__________________

(١) نهاية العقول ـ مخطوط.

٣٦

فضائله ، ولم ينكره أحد ، فعدم إنكارهم لذلك مع توفر الدواعي على القدح فيما يفتخر به الإنسان على غيره دليل صحته » ثم أجاب عن هذا الاستدلال بقوله : « وأما الوجه الثاني وهو المناشدة في الشورى فهو ضعيف ، لأن الحاجة إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى تصحيح أصل الحديث ، بل ذلك أولى ، لأن أكثر المحدّثين ينكرون تلك المناشدة ، وبتقدير صحتها ، فلا نسلّم انتهائها إلى جميع الصحابة ، وبتقدير انتهائها إلى كلهم فلا نسلّم أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك ... ».

وفيه : كيف لا نسلّم أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك؟ مع توفر الدواعي على نقل مثل هذا الإنكار من أشياع المنحرفين عن أمير المؤمنين ، والحال أنه لم ينقله أحد أبدا.

وإذا لم يكن عدم النقل دليلا على العدم في مثل هذا الأمر الذي توفرت الدواعي على نقله فكيف يكون عدم نقل استدلال الامام واحتجاجه بحديث الغدير في زمان أبي بكر وغيره دليلا على العدم ، مع توفر الدواعي على عدم نقله؟!

على أنك قد علمت فيما تقدم رواية الواحدي الأشعار التي أنشدها في حضور أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، وضمّنها جملة من فضائله وخصائصه ومنها حديث الغدير. فدعوى سكوته في زمنهم كذب.

* * *

٣٧
٣٨

(٨)

استنكار أبي الطّفيل لحديث الغدير

٣٩
٤٠