نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

العمريّة ) أن أخبار كل فرقة لا تصلح للاعتبار والاعتماد في مقام البحث والنقاش مع غيرها من الفرق ، لأن رواة أخبار كل فرقة مقدوحون لدى علماء الفرقة الأخرى.

أقول : فحديث أبي نعيم لا يجوز الاحتجاج به في مقابلة الشيعة الامامية ، فكيف بدعوى التعارض بينه وبين حديث متواتر لدى الفريقين؟

وعلى ما ذكره رشيد الدين الدهلوي فإنّه يلزم على أهل السنة التسليم والإذعان باستدلال الشيعة بأحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام المخرجة في كتب أهل السنّة ، وبهذا تسقط مكابرات ( الدهلوي ) وأسلافه كابن حجر وابن تيمية وأمثالها ، لأن استدلال الشيعة كان مطابقا للقواعد المقرّرة المتّبعة في مقام المناقشة والمناظرة ، فيجب على من خالفهم التسليم والقبول.

٩ ـ اعتراضهم على تمسك الامامية برواية أبي نعيم

وهل من العدل والإنصاف اعتراضهم على الامامية التمسك برواية أبي نعيم لفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهم في نفس الوقت يستندون إلى حديث يرويه أبو نعيم في مقابلة حديث الغدير المتواتر؟!

لقد قال ابن تيمية : « فإن أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء الحديث وأهل السنة والشيعة ».

وقال أيضا : « مجرّد رواية صاحب الحلية ونحوه لا يفيد ولا يدل على الصحة ، فإنّ صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم ».

١٠ ـ تنصيص الدهلوي على عدم اعتبار تصانيف أبي نعيم

وقال ( الدهلوي ) في رسالته في أصول الحديث في بيان طبقات كتب الحديث نقلا عن والده ما تعريبه : « الطبقة الرابعة : الأحاديث غير المعروفة في

٢٤١

القرون السابقة والتي رواها المتأخرون ، فلا يخلو حالها عن أحد أمرين ، فإمّا قد تفحص عنها السلف ولم يقفوا لها على أصل حتى يروونها ، وإما وقفوا لها على أصل لكن رأوا فيه علة أوجبت ترك جميع تلك الأحاديث ، وعلى كلّ حال فإن هذه الأحاديث لا يجوز الاعتماد عليها والتمسك بها في عقيدة أو عمل. ولنعم ما قال بعض الشيوخ في أمثال هذا :

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ولقد قطع هذا القسم من الأحاديث الطريق على كثير من المحدّثين ، واغتروا بكثرة طرقها الواردة في هذا القسم من الكتب ، فحكموا بتواترها وتمسكوا بها في مقام القطع واليقين ، خلافا لما تدل عليه الأحاديث في الطبقة الأولى والثانية والثالثة.

وقد تضمنّت كتب كثيرة لهذا القسم من الأحاديث وهذه أسامي بعضها : كتاب الضعفاء لابن حبان ، تصانيف الحاكم ، كتاب الضعفاء للعقيلي ، كتاب الكامل لابن عدي ، تصانيف الخطيب ، تصانيف ابن شاهين ، تفسير ابن جرير ، الفردوس للديلمي بل جميع تصانيفه ، تصانيف أبي نعيم ، تصانيف الجوزجاني ، تصانيف ابن عساكر ، تصانيف أبي الشيخ ، تصانيف ابن النجار.

وإن اكثر المساهلة والوضع هو في باب المناقب والمثالب والتفسير وأسباب النزول و ... ».

أقول على ضوء هذا الكلام : إن الحديث الذي استند إليه ( الدهلوي ) في مقابلة استدلال الامامية بحديث الغدير المتواتر هو من الأحاديث المجهولة في القرون السابقة ، ولا يخلو أمره من أحد الأمرين اللذين ذكرهما ، وعلى كل حال لا يجوز الاستناد اليه والاعتماد عليه ، فالعجب ، إن هذا الرجل يعتمد على حديث يراه هو والده حديثا باطلا لا يجوز التمسك به فناسب أن نقول له :

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

٢٤٢

بل إنه يدري فالمصيبة أعظم ...

١١ ـ طعن ابن الجوزي في أبي نعيم

ولقد بالغ الحافظ ابن الجوزي في ذم أبي نعيم والطعن عليه ، وإليك نص عبارته : « وجاء أبو نعيم الاصبهاني فصنّف لهم ـ أي للصوفية ـ كتاب الحلية ، وذكر في حدود التصوف أشياء قبيحة ، ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمانا وعلي بن أبي طالب وسادات الصّحابة رضي الله عنهم ، فذكر عنهم فيه العجب » (١).

١٢ ـ ومن رواته « فضيل بن مرزوق »

ومن رواة هذا الخبر هو « فضيل بن مرزوق » كما في ( الاكتفاء ) حيث جاء فيه : « وروي عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن ـ أي المثنى ابن الحسن السبط ـ وقال له رجل : ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه.؟ قال : بلى. أما والله لو يعني بذلك الامارة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج ، فإن رسول الله كان أفصح الناس للمسلمين ، ولقال لهم : يا أيها الناس هذا والي الأمر والقائم عليكم من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا » (٢).

و« فضيل بن مرزق » وإن وثّقه غير واحد فقد تكلّم فيه جماعة من الأعلام ، قال الذهبي : « قال النسائي : ضعيف ، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد » (٣).

قال : « قال أبو عبد الله الحاكم : فضيل بن مرزوق ليس من شرط

__________________

(١) تلبيس إبليس : ١٥٩.

(٢) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ـ مخطوط.

(٣) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٣٦٢

٢٤٣

الصحيح ، عيب على مسلم إخراجه في الصحيح. وقال ابن حبان : منكر الحديث جدّا كان ممن يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات » (١).

وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) قائلا : « فضيل بن مرزوق الكوفي ، عن أبي حازم الأشجعي والكبار. وثّقه غير واحد ، وضعّفه النسائي وابن معين أيضا. قال الحاكم : عيب على مسلم إخراجه في الصحيح » (٢).

وقال ابن حجر : « قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين : صالح الحديث صدوق يهمّ كثيرا يكتب حديثه. قلت : يحتج به؟ قال : لا. وقال النسائي : ضعيف ... قال مسعود عن الحاكم : ليس هو من شرط الصحيح وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه. قال ابن حبان في الثقات : يخطئ ، وقال في الضعفاء : يخطئ على الثقات. وروى عن عطية الموضوعات. وقال ابن شاهين في الثقات : اختلف قول ابن معين فيه. وقال في الضعفاء قال أحمد بن صالح : حدّث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث إن الذي خلقكم من ضعف ، ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح. وقال ابن رشدين : لا أدري من أراد أحمد ابن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق » (٣).

هذه كلمات القوم في « فضيل بن مرزوق ».

١٣ ـ اشتمال الحديث على فرية قبيحة

لقد ظهر إلى الآن أن هذا الكلام موضوع على الحسن المثنى وأنه لم يقله قطعا ، وقد اشتمل في رواية محب الدين الطبري على فرية أخرى عليه ، إذ جاء فيه : « ويحكم ، لو كان نافعا بقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا ، أباه وأمّه ».

وهذا نص ما ذكره بتمامه : « ذكر ما روي عن الحسن بن الحسن أخي عبد الله

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٣ / ٣٦٢.

(٢) المغني في الضعفاء ٢ / ٥١٥.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٨.

٢٤٤

ابن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم : ويحكم أحبّونا بالله ، فإن أطعنا الله فأحبّونا وإن عصينا الله فابغضونا. فقال له رجل : إنكم ذوو قرابة من رسول الله وأهل بيته. قال : ويحكم لو كان نافعا بقرابة رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا ، أباه وأمّه ، والله إني أخاف أن يضاعف الله للمعاصي منّا العذاب ضعفين ، والله إني لأرجو أن يؤتي المحسن منّا أجره مرتين.

قال : ثم قال : لقد أساءنا آباؤنا وأمهاتنا ، إن كان ما تقولون من دين الله ثم لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبوا فيه ، ونحن كنا أقرب منهم قرابة منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه منكم ، ولو كان الأمر كما تقولون أن الله جلّ وعلا ورسوله صلّى الله عليه وسلّم اختار عليا لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده ، فإنّ عليا أعظم الناس خطيئة وجرما ، إذ ترك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.

فقال له الرافضي : ألم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي : من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال : أما والله لو يعني رسول الله بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس ، لأفصح كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج ، ولقال أيها الناس إن هذا الولي بعدي فاسمعوا وأطيعوا.

خرّج جميع الأذكار عن أهل البيت الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسن السّمان الرازي ، في كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة رضوان الله أجمعين » (١).

وإن نفي انتفاع والدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه القرابة من رسول الله من أوضح الأباطيل عند المسلمين قاطبة ، كما لا يخفى على من طالع رسائل الحافظ السيوطي في هذا الباب.

فنسبة هذا الكلام إلى الحسن المثنى فرية شنيعة ، ووجوده في هذا الحديث قرينة أخرى على وضع الحديث وبطلانه من أصله.

__________________

(١) الرياض النضرة ١ / ٦٠.

٢٤٥

١٤ ـ اشتماله على فرية أخرى

وما جاء في هذا الحديث من أنه « لو كان الأمر كما تقولون ... فإن عليا أعظم الناس خطيئة وجرما إذ ترك أمر رسول الله ... » فرية أخرى على الحسن المثنى ، فإن هذا الكلام من عجائب الخرافات ، لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد طالب بحقه مرارا ، وامتنع عن البيعة مع أبي بكر ، فلما لم يعط عليه‌السلام حقه ولم يعنه الناس على قيامه على الظالمين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما ذنبه؟!

ويكون هذا الكلام في البطلان كما لو قال المنكرون لنبوة الأنبياء في حق الأنبياء الذين ظلموا ، واستشهدوا على أيدي الأمم السالفة ، ولم يتمكنوا من إنفاذ الشرائع السماوية : أنه لو كانوا أنبياء الله حقا فإنهم أعظم الناس خطيئة ، لعدم قيامهم بما بعثهم الله عليه ...

وقال ابن حجر المكي : « تنبيه ـ استدل أهل السنة بمقاتلة علي لمن خالفوه من أهل الجمل والخوارج وأهل صفين مع كثرتهم ، وبإمساكه عن مقاتلة المبايعين لأبي بكر والمستخلفين له ، مع عدم إحضارهم لعلي رضي‌الله‌عنه وعدم مشاورتهم له في ذلك ، مع أنه ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزوج بنته رضي الله عنها ، والمحبو منها بمزايا ومناقب لا توجد في غيره ، ومع كونه الشجاع القرم والعالم الذي يلقي كل منهم إلى علمه السلم ، والفائق لهم في ذلك ، المحتمل عنهم مشقة القتال في أوعر المسالك ، وبإمساكه أيضا عن مقاتلة عمر المستخلف له أبي بكر ولم يستخلف عليا كرم الله وجهه ، وعن مقاتلة أهل الشورى ثم ابن عوف المنحصر أمرها فيه باستخلافه لعثمان ، على أنه لم يكن عنده علم ولا ظن بأنه صلّى الله عليه وسلّم عهد له صريحا ولا إيماء بالخلافة ، وإلاّ لم يجز له عند أحد من المسلمين السكوت على ذلك ، لما يترتب عليه من المفاسد التي لا تتدارك ، لأنه إذا كان خليفة بالنص ثم مكّن غيره من الخلافة ذلك الغير باطلة وأحكامها كلها

٢٤٦

كذلك ، فيكون إثم ذلك كله على علي كرم الله وجهه ، وحاشاه من ذلك.

وزعم أنه إنما سكت لكونه كان مغلوبا على أمره. يبطله أنه كان يمكنه أن يعلمهم باللسان ليبرأ من آثام تبعة ذلك ، ولا يتوهم أحد أنه لو قال : عهد إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بالخلافة فإن أعطيتموني حقي وإلاّ صبرت أنه يحصل له بسبب هذا الكلام لوم من أحد من الصحابة بوجه وإن كان أضعفهم ، فإذا لم يقل ذلك كان سكوته عنه صريحا في أنه لا عهد عنده ولا وصية إليه بشيء من أمور الخلافة ، فيبطل ادعاء كونه مغلوبا » (١).

أقول : فإذا كان إعلام الصحابة بالنص كافيا لأن يبرأ عليه الصلاة والسلام من الآثام المترتبة على السكوت ، فإن الامام قد أعلم المتغلبين بوجود النصوص النبوية بشأن إمامته وخلافته ، كما تقدم نموذج ذلك من رواية الواحدي وأسعد الاربلي وسيجيء الباقي فيما بعد ان شاء الله تعالى ، وقد برأ عليه الصلاة والسلام ـ حسب كلام ابن حجر ـ من تبعات الآثام ، وبذلك يظهر بطلان هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى.

١٥ ـ إفصاح النبي بأمر خلافة علي عليه‌السلام

ثم إن ما جاء في هذا الحديث من قوله : « أما والله لو يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس لأفصح به ... » تبطله الوجوه العديدة التي أقمناها سابقا على دلالة حديث الغدير على إمامته عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد بلغت دلالة الحديث على ذلك مبلغا جعلت حسان بن ثابت يفصح عن معنى هذا الحديث عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي حضوره مع تقريره لكلامه فيقول : « رضيتك من بعدي إماما وهاديا » ... ولم نجد أحدا من الصحابة ينكر عليه هذا القول ...

__________________

(١) تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان ـ هامش الصواعق ٨٤.

٢٤٧

فالافصاح قد تحقق بأحسن ما يمكن وأتم ما يرام ، وبطلت شبهات المنكرين ووساوس الشياطين.

والخلاصة : إنه متى أفاد الكلام ـ ولو بلحاظ القرائن ـ المعنى المطلوب فقد تمّت به الحجة وكملت النعمة ، وكان نصا قطعيا ثابتا لا يعتريه ريب ، ولا تمنع عن دلالته الاحتمالات البعيدة التي يبديها المتعصبون ، لأنه لو جاز الإصغاء إلى تلك الاحتمالات البعيدة التي يذكرها بعض أهل السنة حول مفاد حديث الغدير ، لم يبق مصداق للنص ، ولسقطت جميع النصوص عن الدلالة حتى أمثال « ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) » و« محمد رسول الله ».

قال الغزالي : « ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة ـ كما قال بعض أصحابنا ـ لم يتصوّر لفظ صريح ، وما عدّوه من الآيات والأخبار يتطرق إليها احتمالات ، فقوله : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) يعني آله الناس دون الجن ، وقوله : محمد رسول الله أي محمد؟ وإلى أي إقليم؟ وفي أي زمان؟ وقوله : يجزي عنك أي يثاب عليه ، وقوله : ان اعترفت فارجمها. أي إذا لم تتب. فهذه احتمالات بعيدة تتطرق إليها » (١).

١٦ ـ تأييد هذا الحديث للمذهب الحق بوجوه

وبالرغم من أن أهل السنة ينسبون هذا الكلام إلى الحسن المثنى للرد به على المذهب الحق بزعمهم ، إلاّ أنه يظهر بالتأمل تأييده للحق بوجوه عديدة :

( الأول ) : إنه يفيد أن عبارة « يا أيها الناس إن عليا والي أمركم من بعدي والقائم في الناس » نص صريح في الامامة والخلافة ، كنصوصه الواردة في الصلاة والزكاة والصيام والحج ، فكانت تلك العبارة واضحة الدلالة بالنصوصية على خلافة علي عليه‌السلام ، مثل عباراته الواردة في الصلاة والزكاة وغيرهما من الواجبات الدينية ، ولا يكون في دلالتها قصور أو التباس أو إبهام.

__________________

(١) المنخول في علم الأصول : ١٨٤.

٢٤٨

أقول : ولو قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك أيضا لما خضع المتعصبون المتسولون له ، ولما آمنوا وسلّموا ، بل يذكرون له الاحتمالات البعيدة ، فيقولون مثلا إن المراد من « الأمر » هو المحبة والنصرة لا الامارة والخلافة ، أو أن المراد مقام القطبية والامامة في الباطن ، بأن يكن القيام في الناس بمعنى أن يأخذوا منه العلوم الباطنية ويقتدون به في تلك الجهات فحسب ... وبذلك يخرج هذا الكلام عن كونه نصا صريحا في الامامة والخلافة ، وحينئذ ينسب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التقصير في إبلاغ الرسالة الإلهية ، والقصور في بياناته الشريفة حول المسائل المهمة الاساسية ، وحيث يراد تنزيه مقام النبوة من هذه النقائص تدفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية الحافة بالكلام ، ويقال بوجوب حمل « الأمر » في « أمركم » على الامامة والخلافة.

ونحن على ضوء هذه المقدمة نقول : إن حديث الغدير نص في الامامة ، ولو أن المتعصبين حاولوا صرفه عن الدلالة على ذلك بذكر الاحتمالات البعيدة فإنا ندفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية.

فعلم أن هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى يؤيد مرام أهل الحق ، وأن من احتج به فقد غفل أو تغافل عن ذلك.

( الثاني ) : إنه يثبت دلالة « من بعدي » على الاتصال دلالة صريحة لا يعتريها ريب ولا يشوبها شك ، وبذلك يبطل حمل بعضهم هذا القيد الموجود في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي وليكم بعدي » ونحوه على الانفصال ، وكفى الله المؤمنين القتال.

( الثالث ) : إنه لما كانت هذه العبارة : « يا أيها الناس إنّ عليا والي أمركم من بعدي والقائم عليكم في الناس بأمري » نصا صريحا في الامامة والخلافة ، وتدل على المطلوب بلا ريب أو شبهة بحيث لا يبقى مجال لأيّ تأويل أو احتمال ... فإن سائر نصوص إمامة أمير المؤمنين المشتملة على لفظ « الامامة » أو « الخلافة » التي سمعت بعضها تكون دالة على المطلوب بالقطع واليقين ، وبذلك تذهب تأويلات

٢٤٩

المتأولين واحتمالات المتعصبين أدراج الرياح.

١٧ ـ معارضة ما نسبوه إلى الحسن المثنى بما رووه عن حفيده

ثم إن هذا الحديث الذي نسبوه إلى الحسن المثنى ـ لو سلّم صدقه وجواز الاستدلال به ـ يعارضه ما رووه عن حفيده ( محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ). فقد ذكر فخر الدين الرازي بتفسير قوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) ما نصه : « تمسّك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب فقال : قوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) يدلّ على ثبوت الأولوية ، وليس في الآية شيء معيّن في ثبوت هذه الأولوية ، فوجب حمله على الكلّ إلاّ ما خصّه الدليل ، وحينئذ يندرج فيه الامامة. ولا يجوز أن يقال : إن أبا بكر كان من أولي الأرحام ، لما نقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم ثم بعث عليا خلفه ، وأمر بأن يكون المبلّغ هو علي وقال : لا يؤدّيها إلاّ رجل مني. وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه. فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية » (١).

لكنّ ما نسبوه إلى الحسن مكذوب عليه قطعا ، ولا يجوز الاستدلال به البتّة ...

وقال أبو العباس المبرد : « ونحن ذاكرون الرسائل بين أمير المؤمنين المنصور وبين محمد بن عبد الله بن حسن العلوي ، كما وعدنا في أول الكتاب. ونختصر ما يجوز ذكره منه ونمسك عن الباقي ، فقد قيل الراوية أحد الشاتمين. قال : لمّا خرج محمد بن عبد الله على المنصور كتب إليه المنصور :

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله أما بعد : فـ ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ

__________________

(١) تفسير الرازي ١٥ / ٢١٣.

٢٥٠

يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ذلك عهد الله وذمته وميثاقه وحق نبيه ، إن تبت من قبل أن أقدر عليك أؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن بايعوك وتابعوك وجميع شيعتك ، وأن أعطيك ألف ألف درهم ، وأنزلك من البلاد حيث شئت ، وأقضى ما شئت من الحاجات ، وأطلق من سجني أهل بيتك وشيعتك وأنصارك ، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه. فإن شئت أن تتوثق لنفسك فوجّه إليّ من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت. والسلام.

فكتب إليه محمد بن عبد الله : بسم الله الرحمن الرحيم : من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد ـ أما بعد : ( طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ).

وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني ، قد تعلم أن الحق حقنا وأنكم طلبتموه بنا ، ونهضتم فيه بشيعتنا وحظيتموه بفضلنا ، وإن أبانا عليّا كان الوصي والامام ، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء؟! ولقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يمت بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا وسببنا ، وإنا بنو أمّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم ، وبنو فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإسلام من بينكم ، فإنا أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أما وأبا ، لم تلدني العجم ولم تعرق في أمهات الأولاد ، وإنّ الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا ، فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الأصحاب أقدمهم إسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم

٢٥١

جهادا علي بن أبي طالب ، ومن نسائه أفضلهنّ سيدة نساء الجاهلية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، أول من آمن بالله من النساء وصلّى إلى القبلة ، ومن بناته أفضلهنّ وسيدة نساء أهل الجنة ... ».

فقد نص في هذا الكتاب على « ان أبانا عليا كان الوصي والامام ».

وجاء في جواب المنصور قوله : « ولقد طلب بها أبوك بكلّ وجه فأخرجها [ يعني الزهراء عليها‌السلام ] تخاصم ، ومرّضها سرّا ، ودفنها ليلا فأبى الناس إلاّ تقديم الشيخين » وهذا نص كتاب المنصور كما روى المبرد :

« فكتب اليه المنصور : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد : فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك ، فإذا جلّ فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء ، ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والأولياء ، ولقد جعل العمّ أبا وبدأ به على الوالد الأدنى فقال جل ثناؤه عن نبيه : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) ولقد علمت أن الله بعث محمدا وعمومته أربعة ، فأجابه اثنان وكفر اثنان. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن ، فلو أعطين على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب ، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. فأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام ، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكلّ خير في الآخرة والأولى ، وأسعدهم بدخول الجنة غدا ، ولكن الله أبى ذلك فقال : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفاطمة أم الحسن والحسين ، وأن هاشما ولد عليا مرتين ، وان عبد المطلب ولد الحسن مرتين ، فخير الأولين والآخرين رسول الله لم يلده هاشم إلاّ مرة واحدة.

وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله فإنّ الله جل وعز أبى ذلك فقال :

( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ولكنّكم بنو بنته وإنها لقرابة قريبة ، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا تؤم ، فكيف تورث الامامة

٢٥٢

من قبلها ، ولقد طلب بها أبوك بكلّ وجه فأخرجها تخاصم ومرّضها سرّا ودفنها ليلا ، فأبى الناس إلاّ تقديم الشيخين. ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله فأمر بالصلاة غيره ، ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم » (١).

هذا ، وقد روى هذه الكتب ابن الأثير وابن خلدون أيضا في تاريخيهما.

١٨ ـ طعن علماء أهل السنة في أئمة أهل البيت

وأهل السنة في مثل هذا المورد الذي يريدون فيه التغلّب على أهل الحق يحترمون الحسن المثنى ، ويوجبون متابعته والانقياد له ، والحال أن المتعصبين منهم يقدحون في الأئمة الاثني عشر المعصومين أنفسهم ، ويسقطون إجماعهم عن الاعتبار ، ويطعنون في عدالتهم.

فهذه عقيدة متعصبيهم ـ كوالد الدهلوي في ( قرّة العينين ) ـ في الأئمة أنفسهم ـ وفي سيّدهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ الذي تعتقد الامامية العصمة فيهم وتوجب إطاعتهم والانقياد لهم ، فهل يجوز لمن يطعن في هؤلاء الأئمّة الاطهار أن يلزم شيعتهم بكلام ينسبونه إلى أحد أولادهم؟! وهل يجوز الإصغاء إلى هكذا استدلال من هكذا أناس؟!.

١٩ ـ طعنهم في أولاد الأئمة

وهكذا شأن اهل السنة مع أولاد الأئمة ، فإنهم متى أرادوا التغلّب على أهل الحق ـ بزعمهم ـ عن طريق التشبث بكلام لواحد من المنتمين إلى أهل البيت قد قاله أو وضع على لسانه ، ذكروا ذلك الكلام مع مزيد التكريم والاحترام لقائله ، ليتم لهم الإلزام به كما يريدون.

ولكنّهم يطعنون في كثير من أولاد أئمة أهل البيت ، ويجرحونهم في الكتب الرجالية ، ويسقطون أخبارهم عن درجة الاعتبار :

__________________

(١) الكامل للمبرد ٢ / ٣٨٢.

٢٥٣

فقال الذهبي في ( محمد بن جعفر بن محمد بن علي ) : « تكلم فيه » وهذا نص كلامه : « محمد بن جعفر بن محمد بن علي الهاشمي الحسيني. عن أبيه. تكلّم فيه ... ذكره ابن عدي في الكامل ، وقال البخاري : أخوه إسحاق أوثق منه ... » (١).

وقال ابن حجر : « وقول المؤلّف : إنه مات ببغداد غير مستقيم ، فقد روى الخطيب في ترجمته : إنه لما ظفر به أصعد المنبر فقال : يا أيها الناس إني قد حدّثتكم بأحاديث زوّرتها ، فشقّ الناس الكتب والسماع الذي كانوا سمعوه منه ، ثم خرج إلى المأمون بخراسان فمات عنده ، وتولّى المأمون دفنه ، وهو أخو موسى الكاظم بن جعفر الصادق » (٢).

وقال في حديث وقع محمد بن جعفر في طريقه : « ومحمد بن جعفر هذا هو أخو موسى الكاظم ، حدّث عن أبيه وغيره ، روى عنه إبراهيم بن المنذر وغيره ، وكان قد دعا لنفسه بالمدينة ومكّة وحجّ بالناس سنة ٢٠٠ وبايعوه بالخلافة ، فحجّ المعتصم فظفر به ، فحمله إلى أخيه المأمون بخراسان ، فمات بجرجان سنة ٢٠٣. وذكر الخطيب في ترجمته أنه لما ظفر به صعد المنبر فقال : أيّها الناس إني قد كنت حدّثتكم بأحاديث زوّرتها ، فشقّ الناس الكتب التي سمعوها منه ، وعاش سبعين سنة. قال البخاري : أخوه إسحاق أوثق منه ، وأخرج له الحاكم حديثا. قال الذّهبي : انه ظاهر النكارة في ذكر سليمان بن داود عليهما‌السلام » (٣).

وقال الذهبي في ( علي بن جعفر ) : « علي بن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه وأخيه موسى والثوري. وعنه عبد العزيز الاويسي ونصر بن علي الجهضمي وأحمد البري وجماعة ، ما هو من شرط كتابي ، لأني ما رأيت أحدا ليّنه ولا من وثّقه ، لكنّ حديثه منكر جدّا ما صححه الترمذي ولا حسّنه ، رواه نصر بن علي عنه عن موسى عن أبيه عن أجداده. أخبرني ابن قدامة إجازة أنا عمر بن محمد أنا ابن

__________________

(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٥٠٠.

(٢) لسان الميزان ٥ / ١٠٣.

(٣) الاصابة لابن حجر العسقلاني ـ ترجمة الخضر عليه‌السلام ١ / ٤٢٨.

٢٥٤

ملوك وأبو بكر القاضي ، قال أنا أبو الطيب الطبري ، أنا أبو أحمد الغطريفي ، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة ، ثنا نصر بن علي ، أنا علي بن جعفر بن محمد ، حدثني أخي موسى عن أبيه عن أبيه محمد عن أبيه علي عن جدّه علي رضي‌الله‌عنه : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد الحسن والحسين فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأبويهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال الترمذي : لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه » (١).

وقال الذهبي في ( حسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله ابن الحسين بن زين العابدين علي بن الحسين ) : « الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن زين العابدين علي ابن الشهيد الحسين العلوي. ابن أخي أبي طاهر النسابة. عن إسحاق الديري.

روى بقلّة حياء عن الديري عن عبد الرزاق بإسناد كالشمس : علي خير البشر.

وعن الديري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر مرفوعا قال : علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم القيامة.

فهذان دالاّن على كذبه ورفضه. عفا الله عنه » (٢).

و« حسن بن زيد » قال ابن المديني : « فيه ضعف » (٣).

(٦) ليس في الحديث تقييد بلفظ « بعدي »

قوله : « وأيضا : ففي الحديث ما يدل بصراحة على اجتماع الولايتين في زمان واحد ، إذ لم يقع فيه التقييد بلفظ بعدي ».

أقول : لقد علمت سابقا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٣ / ١١٧.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٥٢١.

(٣) المصدر ١ / ٤٩٢.

٢٥٥

قوله عز وجل : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في واقعة غدير خم قال : « الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرّب برسالتي والولاية لعلي من بعدي » وتقييده الولاية هنا بلفظ « من بعدي » دليل صريح على أنّ مراده من قوله : « من كنت مولاه » هو هذا المعنى أيضا.

وأيضا : شعر حسان بن ثابت صريح في أن المراد من حديث الغدير هو الامامة والولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه قد جاء في شعره : « رضيتك من بعدي إماما وهاديا ».

وأيضا : رواية عبد الرزاق الحديث الغدير ـ الواردة في تاريخ ابن كثير ـ هي بلفظ : « من كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه ».

ومتى ورد هذا القيد حمل عليه سائر ألفاظ الحديث التي لم يرد فيها القيد ، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضا كما في ( فتح الباري ) وغيره.

هذا ، وفي بعض طرق حديث الغدير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هذا وليّكم بعدي » ففي كتاب ( فضائل أمير المؤمنين للسمعاني ) : « عن البراء أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم نزل بغدير خم ، وأمر فكسح بين شجرتين وصيح بالناس فاجتمعوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، فدعا عليا فأخذ بعضده ثم قال : هذا وليّكم من بعدي ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام عمر الى علي فقال : ليهنئك يا ابن أبي طالب أصبحت ـ أو قال أمسيت ـ مولى كلّ مؤمن ».

حديث تسمية علي بأمير المؤمنين ... وآدم بين الروح والجسد

ومع ذلك كله : فإنه لا يلزم محذور من اجتماع الولايتين في الزمان الواحد ، ولا يلزم من ذلك أمر محال أبدا ، كيف؟ والأحاديث الدالة على ثبوت إمامة علي عليه‌السلام في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة ، وأهل السنة وإن حاولوا إخفاء تلك الأحاديث وإنكارها ، لكن الحقّ يعلو ولا يعلى عليه :

فقد روى الحافظ شيرويه الديلمي عن حذيفة بن اليمان حديثا هذا نصه :

٢٥٦

« حذيفة : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألست بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى فقال : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم » (١).

وروى السيد علي الهمداني : « عن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد » (٢).

وروى عنه أيضا : « قال قال عليه‌السلام : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألست بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال الله تبارك وتعالى : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم (٣).

وروى الحاج عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين بن أحمد في تفسيره : « عن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو يعلم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي بذلك وآدم بين الروح والجسد ، حين قال تعالى ( ألست بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) فقال الله تعالى : انا ربكم ومحمد نبيّكم وعلي أميركم. رواه صاحب الفردوس » (٤).

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني أيضا : « عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال : قبل أن يخلق الله آدم وينفخ الروح فيه وقال : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى

__________________

(١) فردوس الاخبار ٣ / ٢٨٦.

(٢) المودة في القربى ، انظر ينابيع المودة ٢٤٨.

(٣) روضة الفردوس الباب الرابع عشر ـ مخطوط.

(٤) تفسير الحاج عبد الوهاب ـ بتفسير آية المودة.

٢٥٧

أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال : أنا ربكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم » (١).

وقال أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي : « روى لنا أبو الحسن البديهي قال سمعت أبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي يقول : وأخبر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تولّى دفن فاطمة بنت أسد وكان أشعرها قميصا له ، فسمع صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول : ابنك ابنك ، فسئل صلّى الله عليه وسلّم فقال : إنها سئلت عن ربّها فأجابت وعن نبيّها فأجابت ، وعن إمامها فلجلجت فقلت : ابنك ابنك » (٢).

وقال عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني : « أبو عبد الله الرازي ـ حدّث بقزوين عن محمد بن أيوب. قال ميسرة في المشيخة : ثنا أبو عبد الله الرازي الشيخ الصّالح في الجامع بقزوين ، ثنا محمد بن أيوب ، ثنا علي بن المؤمن ، ثنا إسماعيل ابن أبان عن ناصح أبي عبد الله عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : كان علي رضي‌الله‌عنه يقول : أرأيتم لو أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض من كان أمير المؤمنين إلاّ أنا. قال : وربما قيل له : يا أمير المؤمنين والنبي صلّى الله عليه وسلّم ينظر إليه ويتبسم. ويمكن أن يكون هذا أبا عبد الله الأرنبوي الذي روى عنه أبو الحسن القطان. وذكر حديثه عن يحيى بن درست وأبي مصعب وغيرهما » (٣).

وروى جمال الدّين المحدّث الشيرازي ـ من مشايخ والد ( الدهلوي ) ـ في روضة الأحباب عن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قوله : « علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني »

وروى عن أم سلمة أنها قالت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :

__________________

(١) المودة في القربى. انظر ينابيع المودة : ٢٤٨.

(٢) كتاب الازمنة والامكنة. الباب الحادي والخمسون.

(٣) التدوين في ذكر علماء قزوين ٤ / ١٨٨.

٢٥٨

« علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي ، فمن عصاه فقد عصاني » ثم قالت لعائشة : وهل تشهدين بذلك يا عائشة؟ قالت : نعم ».

ولا يخفى ، أن المراد من إمامة علي في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وجوب إطاعته وامتثال أوامره ونواهيه على جميع المسلمين ، كما هو الأمر بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد من إمامته عليه‌السلام بعد رسول الله هو كون تنفيذ الأحكام الشرعية والقيام بأمور الرعية والتصرف في شئونهم منصبا خاصّا به ، فإنّ هذا للنبي في حياته ، ولو أنه عليه‌السلام قام بأمر من أمور المسلمين نيابة عن النبي في حال حياته وجب عليهم امتثاله.

بل إنّ طريق إثبات إمامة علي عليه‌السلام في حال حياته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل في الزمان السابق عليها ـ كما يدل عليه خبر الفردوس ـ هو نفس طريق إثبات النبوّة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الوجود الظاهري ، قال محمد بن يوسف الشامي في ( سبل الهدى والرشاد ) : « ويستدل بخبر الشعبي وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنه صلّى الله عليه وسلّم ولد نبيا ، فإن نبوّته وجبت له حين أخذ الميثاق ، حيث استخرج من صلب آدم ، فكان نبيا من حينئذ ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك ، وذلك لا يمنع كونه نبيا ، كمن يولّى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل ، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته ، وان كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت ، والأحاديث السابقة في باب تقدّم نبوته صريحة في ذلك ».

وحديث الشّعبي الذي أشار إليه هو ما رواه ابن سعد « عن الشعبي مرسلا قال رجل : يا رسول الله متى استنبئت؟ قال : وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق ».

قوله :

« بل سوق الكلام هو للتسوية بين الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه ».

أقول : إنه وإن قصد ( الدهلوي ) من هذا الكلام إبطال الحق ، لكنه كلام

٢٥٩

يفيد مطلوب أهل الحق بأدنى تأمل ، لأنه إذا كانت محبة أمير المؤمنين مساوية لمحبة النبي عليهما‌السلام من جميع الوجوه ، فقد ثبتت أفضلية الأمير عليه‌السلام ، لأن هذه المرتبة غير حاصلة لغيره.

وأيضا : لا ريب في كون محبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقة ، بمعنى وجوبها على كل الأحوال ومن جميع الوجوه وفي كل الأزمنة ، وهذه المحبوبية بهذه الكيفية غير واجبة إلاّ بالنسبة إلى المعصوم ، وإذا ثبتت هذه المرتبة للأمير عليه‌السلام فقد ثبتت عصمته من هذا الطريق أيضا ، وفيه المطلوب.

ثم هل يخرج ( الدهلوي ) الصحابة الذين عادوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقاتلوه وشهروا سيوفهم في وجهه من زمرة المسلمين ، من جهة كون عداوته كعداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستلزمة للخروج من الدين ، أو أن ( الدهلوي ) يقلّد أسلافه فيرفع اليد عما ذكره هنا واعترف به ، حماية لأولئك الأصحاب ، وتجنّبا عن أن يلتزم فيهم بلازم كلامه؟!

قوله :

« لوضوح امتناع كون علي شريكا للنبي في كلّ ما يستحق النبي التصرّف فيه في حال حياته ».

أقول : لا خفاء في عدم امتناع شركة أمير المؤمنين عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التصرف في حال حياته ، لأن المراد من هذه المشاركة هي المشاركة من حيث النيابة والخلافة لا من حيث الاستقلال والأصالة.

وإذا ثبت له التصرّف في شئون الرعية من هذه الحيث في حال حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يلزم أيّ محذور ، وليس لمن يدعي امتناع ذلك دليل يصغى إليه.

قوله :

« فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب المحبة ، إذ لا مانع من اجتماع المحبتين ».

أقول : هذا أدل دليل على أن غرض ( الدهلوي ) هو تلبيس الأمر على

٢٦٠