نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

وقدم دمشق سنة بضع وستمائة ، فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه. وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا ، وشرح الجامع الكبير وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة ودرّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبليا ، ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك » (١).

٣ ـ الأزنيقي : « شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم ، روى عن جده ببغداد ، وسمع أبا الفرج ابن كليب وابن طبرزد ، وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر ... » (٢).

٤ ـ الذهبي : « ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ ... درّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبليا. توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة ، وكان وافر الحرمة عند الملوك » (٣).

٥ ـ محمود بن سليمان الكفوي : « يوسف بن قزغلي بن عبد الله البغدادي سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، صاحب مرآة الزمان في التاريخ ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه ... تفقه وبرع وسمع من جدّه ... وكان إماما عالما فقيها ، واعظا جيدا نبيها ، يلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر من حكمه ، يصلح المذهب القاضي عند ما يلفظ ويتوب الفاسق العاصي حينما يعظ ، يصدع القلب بخطابه ويجمع العظام النخرة بجنابه ، لو استمع له الصخر لا نفلق والكافر الجحود لآمن وصدّق. وكان طلق الوجه دائم البشر حسن المجالسة مليح المحاورة ، يحكي الحكايات الحسنة وينشد الأشعار المليحة ، وكان فارسا في البحث عديم النظير مفرط الذكاء ، إذا سلك طريقا ينقل فيها أقوالا ويخرج أوجهها. وكان من وحداء الدهر بوفور فضله وجودة قريحته وغزارة علمه

__________________

(١) مرآة الجنان ٦٥٤.

(٢) مدينة العلوم للأزنيقي.

(٣) العبر حوادث ٦٥٤.

٢٠١

وحدة ذكائه وفطنته ، وله مشاركة في العلوم ومعرفة بالتواريخ ، وكان من محاسن الزمان وتواريخ الأيام ، وله القبول التام عند العلماء والأمراء والخاص والعام ، وله تصانيف معتبرة مشهورة ... » (١).

٦ ـ ابن الوردي : « الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي واعظ فاضل ، له : « مرآة الزمان » تاريخ جامع ، قلت : وله تذكرة الخواص من الأمة في مناقب الأئمة ، والله اعلم » (٢).

٧ ـ أبو المؤيد الخوارزمي : « أما المسند الأول وهو مسند الأستاذ أبي محمد الحارثي البخاري ، فقد أخبرني الأئمة بقراءتي عليهم : الامام أقضى قضاة الأنام أخطب خطباء الشام ، جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني ، والشيخ الثقة صفي الدين إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى الداجي القرشي المقدسي بقراءتي عليها بجامع دمشق ، والشيخ الامام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط الامام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه ... » (٣).

اعتماد العلماء على السبط

هذا ، ولقد اعتمد على رواياته جمهور علماء أهل السنّة ، بل لقد احتجّ بأقواله ورواياته جماعة من متعصبيهم في مقابل الامامية ، كالخواجة الكابلي في ( صواقعه ) و ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) والقاضي في ( السيف المسلول ) حيث استندوا إلى روايته ـ إلى جنب كبار المؤرخين والأئمة كالبخاري والطبري وابن كثير وابن الجوزي ـ في الجواب عمّا طعن به عمر بن الخطاب من درء الحد عن المغيرة ابن شعبة.

__________________

(١) كتائب اعلام الأخيار ـ مخطوط.

(٢) تتمة المختصر حوادث ٦٥٦.

(٣) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٧٠.

٢٠٢

وقد نصّ محمد رشيد الدين الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) على كون سبط ابن الجوزي من قدماء أئمة الدين المعتمدين عند أهل السنة.

(٦)

محمد بن يوسف الكنجي الشافعي

وقال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بعد ذكر حديث فيه أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « لو كنت مستخلفا أحدا لم يكن أحد أحق منك » قال ما نصه : « وهذا الحديث وإن دلّ على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دال على التولية وهي الاستخلاف. وهذا الحديث أعني حديث غدير خم ناسخ لأنه كان في آخر عمره صلّى الله عليه وسلّم » (١).

(٧)

سعيد الدين الفرغاني

وقال سعيد الدين الفرغاني بشرح قول ابن الفارض :

« وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا

علي بعلم ناله بالوصيّة »

قال : « وكذلك هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره : وبيان علي كرم الله وجهه وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلا من الكتاب والسنة بوساطة علم ناله ، بأن

__________________

(١) كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ١٦٦ ـ ١٦٧.

٢٠٣

جعله النبي صلّى الله عليه وسلّم وصيّه وقائما مقام نفسه بقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه. وذلك كان يوم غدير خم على ما قاله كرّم الله وجهه في جملة أبيات منها قوله :

وأوصاني النبي على اختياري

لأمته رضى منه بحكمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خم

وغدير خم ماء على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن طريق المشاة إلى مكة. كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصية من جملة الفضائل التي لا تحصى ، خصّه بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فورثها منه عليه الصلاة والسلام » (١).

وقال الفرغاني : « وأما حصة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : فالعلم والكشف وكشف معضلات الكلام العظيم والكتاب الكريم الذي هو من أخص معجزاته صلّى الله عليه وسلّم ، بأوضح بيان بما ناله بقوله : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وبقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه. مع فضائل أخر لا تعدّ ولا تحصى ».

ترجمة الفرغاني وكتابه

وقد ذكر كاشف الظنون شرح الفرغاني على التائية. قال : « تائية في التصوف للشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الفارض الحموي المتوفى سنة ٥٧٦ ... ولها شروح منها : شرح السعيد محمد بن أحمد الفرغاني المتوفى في حدود سنة ٧٠٠. وهو الشارح الأول لها وأقدم الشائعين له ، حكي أن الشيخ صدر الدين القونوي عرض لشيخه محي الدين ابن عربي في شرحها فقال للصدر : لهذه

__________________

(١) شرح تائية ابن الفارض.

٢٠٤

العروس بعل من أولادك ، فشرحها الفرغاني والتلمساني وكلاهما من تلاميذه ... » (١).

وقد ترجم للفرغاني :

١ ـ عبد الرحمن الجامي ، ووصفه بأنه من أكمل أرباب العرفان وأكابر أصحاب الذوق والوجدان ، لم يضبط أحد مسائل الحقيقة بأحسن بيان مثله ... ثم ذكر شرحه على التائية وغيره من مصنفاته ... (٢).

٢ ـ محمود بن سليمان الكفوي : « الشيخ الفاضل الرباني والمرشد الكامل الصمداني سعيد الدين الفرغاني ، هو من أعزة أصحاب الشيخ صدر الدين القونوي مريد الشيخ محي الدين العربي ، كان من أكمل أرباب العرفان وأفضل أصحاب الذوق والوجدان ، وكان جامعا للعلوم الشرعية والحقيقية ، وقد شرح أحسن الشروح أصول الطريقة ، وكان لسان عصره وبرهان دهره ودليل طريق الحق وسرّ الله بين الخلق ، بسط مسائل علم الحقيقة وضبط فنون أصول الطريقة في ديباج شرح القصيدة التائية الفارضية ... » (٣).

٣ ـ الذهبي في ( العبر في خبر من عبر ) (٤).

__________________

(١) كشف الظنون ٢ / ٢٦٥.

(٢) نفحات الانس : ٥٥٩.

(٣) كتائب اعلام الأخيار ـ مخطوط.

(٤) العبر حوادث ٦٩٩.

٢٠٥

(٨)

تقي الدين المقريزي

وقال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ما نصّه : « وقال ابن زولاق : وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة ٣٦٢ وهو يوم الغدير يجتمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء ، لأنه يوم عيد ، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه. فأعجب المعز ذلك من فعلهم ، وكان هذا أول ما عمل بمصر » (١).

ترجمة المقريزي

وترجم جلال الدين السيوطي المقريزي بقوله : « المقريزي تقي الدين أحمد ابن علي بن عبد القادر بن محمد مؤرخ الديار المصرية. ولد سنة ٧٦٩ واشتغل بالفنون وخالط الأكابر وولي حسبة القاهرة ، ونظم ونثر وألّف كتبا كثيرة منها : درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة. والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. وعقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط. وإيقاظ الحنفاء بأخبار الفاطميين الخلفا. والسلوك بمعرفة دول الملوك. والتاريخ الكبير. وغير ذلك. مات سنة ٨٤٠ » (٢).

ترجمة ابن زولاق

وابن زولاق الذي نقل المقريزي كلامه المذكور من مشاهير المؤرخين

__________________

(١) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ٢ / ٢٢٠.

(٢) حسن المحاضرة ١ / ٥٥٧.

٢٠٦

المعتمدين :

١ ـ ابن خلكان : « أبو محمد الحسن بن ابراهيم بن الحسين بن الحسين بن الحسن بن علي بن خالد بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق ، الليثي مولاهم المصري ، كان فاضلا في التاريخ وله فيه مصنف جيد ، وله كتاب في خطط مصر استقصى فيه. وكتاب أخبار قضاة مصر جعله ذيلا على كتاب أبي عمر محمد ابن يوسف بن يعقوب الكندي الذي في أخبار قضاة مصر وانتهى منه إلى سنة ٢٤٦ فكمّله ابن زولاق المذكور ... » (١).

٢ ـ السيوطي : « ابن زولاق أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن المصري المؤرّخ ، صنّف كتابا في فضائل مصر ، وذيلا على قضاة مصر للكندي مات في ذي القعدة سنة ٣٨٧ عن إحدى وثمانين سنة » (٢).

٣ ـ ابن الوردي : كذلك (٣).

هذا ، وقد ذكر في كشف الظنون ذيله على تاريخ مصر.

(٩)

شهاب الدين الدولت آبادي

وصريح كلمات شهاب الدين الدولت آبادي ـ وتوجد ترجمته في ( سبحة المرجان بذكر مآثر هندوستان ) و ( أخبار الأخبار ) وغيرهما ـ أن حديث الغدير يدلّ على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ونيابته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه يدلّ على وجوب إطاعة علي ولزوم اتّباعه عليه‌السلام. كما لا يخفى

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٣٧٠.

(٢) حسن المحاضرة ١ / ٥٥٣.

(٣) تتمة المختصر حوادث سنة ٣٨٧.

٢٠٧

على من لا حظ كلماته في « الهداية الرابعة عشر » (١).

(١٠)

شهاب الدين أحمد

وقد تقدّم في الكتاب سابقا نصّ عبارة شهاب الدين أحمد صاحب ( توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ) ، الذي رجّح فيه أن يكون المراد من ( المولى ) في حديث الغدير معنى ( السيد ) من بين معانيه المتعددّة ، ناقلا ذلك عن بعض أهل العلم. ثم قال : إن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث : « ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين » يؤيّد هذا القول.

ثم إنه نقل كلام الشيخ جلال الدين الخجندي. وأيضا نقل حديثا عن كتاب ( مرج البحرين ) واستنتج من كل ذلك دلالة حديث الغدير على الامامة والأولوية في الطاعة والاتباع.

(١١)

محمد بن إسماعيل الأمير

وقال محمد بن اسماعيل الأمير اليماني ـ بعد ذكر طرق عديدة من طرق حديث الغدير ـ : « وتكلّم الفقيه حميد على معانيه وأطال ، وننقل بعض ذلك قال رحمه‌الله : منها ـ فضل العترة عليهم‌السلام ووجوب رعاية حقّهم حيث جعلهم أحد الثقلين اللذين يسأل عنهما ، وأخبر بأنه سأل لهم اللطيف الخبير وقال : فأعطاني ، يعني استجاب لدعائه فيهم ، ناصرهما ناصري وخاذلهما خاذلي ووليّهما

__________________

(١) من كتابه هداية السعداء ـ مخطوط.

٢٠٨

ولي وعدوّهما لي عدو ، وهذا يقضي بأنّهم قائلون بالصّدق وقائمون بالحق ، لأنه قد جعل ناصرهما ـ يعني الكتاب والعترة ـ ناصرا له عليه‌السلام وخاذلهما خاذلا له ، ونصرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة وخذلانه حرام عند أهل الإسلام ، فكذلك يكون حال العترة الكرام عليهم‌السلام ، وهذا يوجب أنهم لا يتفقون على ضلال ولا يدينون بخطإ ، إذ لو جاز ذلك عليهم حتى يعمّهم كان نصرهم حراما وخذلانهم فرضا وهذا لا يجوز ، لأن خبره فيهم عام يتناول جميع أحوالهم ولا يدل على التخصيص.

وزاده بيانا وأردفه برهانا بقوله : ووليّهما لي ولي وعدوّهما لي عدو ، وهذا يقتضي كونهم على الصواب وأنّهم ملازمون الكتاب حتى لا يحكمون بخلافه. وفيه أجلى دلالة على أن إجماعهم حجة يجب الرجوع إليها ، حيث جمع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهم وبين الكتاب ، وفيه أوفى عبرة لمعتبر في عطب معاوية ويزيد وأتباعهم وأشياعهم من سائر النواصب ، الذين جهدوا في عداوة العترة النبوية والسلالة العلوية.

ومنها ـ قوله : أخذ بيده ورفعها وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، والمولى إذا أطلق من غير قرينة فهم منه أنه المالك للتصرف ، وإذا كان في الأصل يستعمل لمعان عديدة : منها المالك للتصرف ، ولهذا إذا قيل : هذا مولى القوم سبق الأفهام أنه المالك المتصرف في أمورهم. ومنها : الناصر ، قال تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) ومنها : ابن العم ، قال الله تعالى : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) أراد بني العم بعدي. ومنها بمعنى المعتق والمعتق ، ومنها بمعنى الاولى قال تعالى ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم وبعذابكم.

وبعد ، فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة مولى السابق المالك للتصرف لكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء ، وحملناها عليها جميعا إلاّ ما يتعذر في حقه عليه‌السلام ، من المعتق والمعتق ، فيدخل في ذلك المالك للتصرف والأولى المفيد ملك التصرف على الأمة ، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان

٢٠٩

إماما ، وتفصيل ذلك مودع في موضعه.

ومنها ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت وليه فهذا وليه ، والولي المالك للتصرف بالسبق إلى الفهم وان استعمل في غيره ، وعلى هذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلطان ولي من لا ولي له. يريد ملك التصرف في عقد النكاح ، يعني أن الامام له الولاية فيه حيث لا عصبة. ثم لو سلّمنا احتمال الولي لغير ما ذكرناه على حده فهو كذلك يجب حمله على الجميع بناء على أن كل لفظة احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنها يجب حملها عليهما أجمع ، إذا لم يدل دليل على التخصيص.

ومنها ـ قوله : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وهذا يشهد بفضل علي عليه‌السلام وبراءته من الكبائر ، حيث دعا النبي الى الله بأن يوالي من والاه ويعادي من عاداه ، ولو جاز أن يرتكب كبيرة لوجبت معاداته ، ومتى وجبت معاداته لم يكن الله ليعادي من عاداه كما لا يعادي من عادى مرتكبي الكبائر ، بل هو من أوليائه في الحقيقة ، فلما قضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يعادي من عاداه مطلقا من غير تخصيص دل على حالة لا يقارف فيها كبيرة. فبهذا يظهر أن معاوية قد عاداه على الحقيقة ، لأن المعلوم بلا مرية بأنه كان معاديا لعلي عليه‌السلام ، ومن كان عدو الله كيف يجوز الترحم عليه والتولي له؟ لو لا عمى الاخبار وخبث الظواهر والسرائر والانحراف عن العترة الأطهار وامام الأبرار؟ ولو لم يرو إلاّ حديث الغدير في مناقب علي عليه‌السلام لكفى في رفع درجته وعلو منزلته ، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة. انتهى كلامه رحمه‌الله مع اختصار منه ».

٢١٠

(١٢)

المولوى محمد إسماعيل الدهلوي

ابن أخ ( الدهلوي )

وللمولوي محمد إسماعيل ابن أخ مخاطبنا ( الدهلوي ) الذي يقتدي به ويعتقده جمع كثير وجم غفير من أهالي هذه الديار في رسالته التي صنّفها في بيان حقيقة الامامة ، كلام صريح في دلالة حديث الغدير على ما ترتئيه الامامية ، فقد قال في بيان الأمور التي يقوم بها الامام مقام النبي : « ومنها : ثبوت الرئاسة ، أي فكما أن لأنبياء الله نوعا من الرئاسة الثابتة لهم بالنسبة إلى أممهم وهي الرئاسة التي تنسب تلك الأمة إلى رسولها والرسول إلى أمته ، وبالنظر إليها يكون للرسول تصرف في كثير من أمورهم الدنيوية كما قال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ويكون له أيضا ولاية في بعض الأمور الأخروية قال الله تعالى ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) كذلك الامام ، فإنه يكون له مثل تلك الرئاسة على تلك الأمة في الدنيا والآخرة ، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى. فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال الله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إنهم مسئولون عن ولاية علي ».

بل إن كلام ابن أخ ( الدهلوي ) يدل على ما تذهب إليه الشيعة الامامية من جهات عديدة لا تخفى على من تأمل فيها.

وتوجد ترجمة هذا الرجل مفصّلة في كتاب ( اتحاف النبلاء المتقين باحياء مآثر الفقهاء المحدثين ) للمولوي صدّيق حسن القنوجي.

٢١١

وتوجد ترجمة مطولة أيضا للشيخ اسماعيل بن عبد الغني بن ولى الله الدهلوي في نزهة الخواطر وصفه في أولها : « بالشيخ العالم الكبير العلامة المجاهد في سبيل الله الشهيد ... أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة والشهامة وقوة النفس والصلابة في الدين » قال : « وقد وقع مع أهل عصره قلاقل وزلازل ، وصار أمره أحدوثة ، وجرت فتن عديدة في حياته وبعد مماته ، والناس قسمان في شأنه » ثم ذكر مختاراته في المسائل الشرعية ، ومصنفاته ، وقد عدّ منها : « منصب امامت ». وذكر انه قتل في سنة ١٢٤٦ في معركة (١).

* * *

__________________

(١) نزهة الخواطر ٧ / ٥٦ ـ ٦١.

٢١٢

دحض مناقشات الدهلوي

في دلالة حديث الغدير

٢١٣
٢١٤

(١) احتمال إرادة الأولوية في التعظيم

قوله :

« إذ يحتمل أن يكون المراد الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم ».

هذا يفيد الامامة

أقول : وهذا الاحتمال أيضا يفيد الامامة ويبطل مذهب أهل السنة ، لأنه إذا كان أمير المؤمنين عليه‌السلام الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم على الإطلاق والعموم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان عليه‌السلام الأفضل من الشيوخ الثلاثة ، والأفضلية شرط الامامة والخلافة بلا كلام ولا شبهة.

وأما ثبوت الأفضلية بالأولوية بالمحبّة والتعظيم ففي غاية البداهة ، إذ الأولى بالمحبّة والتعظيم أفضل ممّن ليس كذلك ، ولا يجوز في العقل أن يكون المفضول أولى بالتعظيم من الفاضل ، إذ لا تدور الأولوية في المحبّة والتعظيم إلاّ مدار

٢١٥

الأكثرية في الفضيلة والشرف الديني ، فمن كان أفضل كان أولى بالمحبة والتعظيم ، ودلالة التعظيم على الفضل ظاهرة من كلام ( الدهلوي ) في رسالته المسمّاة ب ( السرّ الجليل ) حيث قال : « كلّ من أمرنا بتعظيمه فهو ذو فضل ... ».

ولا مجال هنا لأن يتوهّم تخصيص هذه الأولوية بالنسبة إلى الشيخين ، لما تقدم عن ابن حجر المكي من أن الشيخين قد فهما من حديث الغدير أولوية أمير المؤمنين عليه‌السلام بالاتباع والقرب ، ولذا خاطباه بقولهما : « أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ». ويدفعه أيضا : قول عمر بن الخطاب لعلي عليه‌السلام : « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ». وأيضا : حديث مخاطبة جبرئيل لعمر حول الولاية نص صريح في بطلان هذا التوهم بالنسبة إلى عمر ، وكذلك أبو بكر بن أبي قحافة ، للإجماع المركب ، فكيف يجعلون الشيخين أولى بالمحبة والتعظيم ، ويزعمون أفضليتهما ويدينون بخلافتهما مع كونهما مفضولين؟

ومن العجيب أيضا تجويز ( الدهلوي ) هنا إرادة ( الأولى بالمحبة ) و ( الأولى بالتعظيم ) من حديث الغدير ، ثم دعواه أفضلية الشيخين في رسالته ( السر الجليل في مسألة التفضيل ) التي ألّفها بعد ( التحفة الاثنا عشرية ).

وقال الفاضل النحرير باقر علي خان في ( الحجج الباهرة ) في هذا المقام :

« ولو فرض كون المقصود هو الأولى بالمحبة والتعظيم لم يناف ما ندّعيه ، لأن الأولى بالمحبة الدينية والتعظيم الشرعي هو الأفضل من الكلّ ، والأفضل أحق بالخلافة من المفضول ، قال في الصواعق : سئل شيخ الإسلام محقّق عصره أبو زرعة الولي العراقي عمّن اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضلية على الترتيب المعلوم ، ولكن يحب أحدهم أكثر هل يأثم؟ فأجاب بأن المحبة قد تكون لأمر ديني ، وقد تكون لأمر دنيوي ، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية ، فمن كان أفضل كان محبتنا الدينية له أكثر ، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنه أفضل ثم أحببنا غيره من جهة الدين حبّا أكثر منه كان تناقضا ، نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة الأفضل

٢١٦

لأمر دنيوي كقرابة أو إحسان أو نحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع ، فمن اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، لكنّه أحبّ عليا أكثر من أبي بكر مثلا فإن كانت المحبة المذكورة محبة دينية فلا معنى لذلك ، إذ المحبة الدينية لازمة للأفضلية كما قررناه ، وهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلاّ بلسانه لا بقلبه ، فهو مفضل لعلي لكونه أحبه محبة دينية زائدة على محبة أبي بكر ، وهذا لا يجوز. وإن كانت المحبة المذكورة دنيوية لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه ».

فتلخص أن فرار ( الدهلوي ) من ( الأولى بالتصرف ) إلى ( الأولى بالمحبة والتعظيم ) لا ينفعه.

(٢) النقض بقوله تعالى ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ ... )

قوله : « وأي ضرورة لأن يحمل لفظ ( الأولى ) على ( الأولوية بالتصرف ) في كل مورد؟ قال تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ). وواضح أن أتباع إبراهيم لم يكونوا أولى بالتصرف منه ».

بطلان هذا النقض

أقول : في قوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ ... ) قرينة تمنع من الحمل على ( الأولوية بالتصرف ) بخلاف ما نحن فيه ، فلا يقاس أحدهما على الآخر. ومتى كان ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وكان مطلقا غير مقيّد بقيد فإنه يحمل على الأولوية في جميع الأمور ، وإذا ثبتت الأولوية في جميع الأمور تحققت الأولوية بالتصرف بالضرورة.

٢١٧

أمّا حمل ( الأولى ) على الأولوية في جميع الأمور بسبب عدم تقييده بقيد فهو ثابت من كلمات كبار علماء أهل السنة المحققين ، إذ قد عرفت سابقا قول الزمخشري والنيسابوري والبيضاوي والعيني وغيرهم بتفسير قوله عز وجل : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من أنفسهم في جميع الأمور ، لإطلاق لفظة ( الأولى ) في الآية الكريمة ، فكذلك لفظة ( المولى ) في حديث الغدير تحمل على العموم والإطلاق ، لعدم تقيدها بقيد ، فثبتت الأولوية بالتصرف وبطلت كلمات المشككين وتأويلاتهم الباردة للحديث الشريف.

على أنّه لا ريب في أن المراد من ( المولى ) في « فعلي مولاه » نفس المراد منه في « من كنت مولاه » وقد اعترف ( الدهلوي ) نفسه بأن الكلام مسوق لتسوية الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه ، فإذا كان المراد أولوية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت أولويته في جميع الأمور ، بعين ما ذكره أساطين المفسرين في قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فكذلك أولوية سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام. فبطلت أوهام المنكرين.

(٣) جعل ذيل الحديث قرينة على إرادة المحبة

قوله : « ثالثا : إن القرينة المتأخّرة تدل بصراحة على أن المراد من الولاية المستفاد من لفظ ( المولى ) أو ( الاولى ) ـ أيّا ما كان ـ هو معنى المحبة ، وتلك القرينة قوله : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».

الجواب عن ذلك

أقول : لقد اضطرب أهل السنة واختلفت كلماتهم في تأويل حديث الغدير بغية صرفه عن مدلوله الحقيقي ، فمنهم من أوّله بجعل المراد من ( المولى ) فيه هو

٢١٨

( الناصر ) و ( المحب ) كالقوشجي الذي قال : « وبعد صحة الرواية فمؤخر الخبر أعني قوله : اللهم وال من والاه. يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر والمحب » (١). وكالحلبي القائل : بل معنى ذلك عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقق ذلك ، من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه فعلي كذلك » (٢).

وهذا التأويل عجيب للغاية ، إذ لا يعقل أن يكون ذاك الاهتمام الذي عرفته لمجرد بيان كون علي عليه‌السلام محبا وناصرا لمن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محبا وناصرا له ، فلا يجوز نسبة إرادة هذا المعنى الى الرسول الأعظم ، إلاّ إذا أريد المحبة والنصرة الخاصة للخليفة والوصي من بعده ، فعلى ذلك يتم المطلوب لأهل الحق.

ومن هنا ترى أن بعض أكابرهم يستبعد هذا التأويل ، فقد قال الحافظ محب الدين الطبري : « قد حكى الهروي عن أبي العباس : إن معنى الحديث : من أحبني ويتولاّني فليحب عليا وليتوله. وفيه عندي بعد ، إذ كان قياسه على هذا التقدير أن يقول : من كان مولاي فهو مولى علي ، ويكون المولى ضد العدو ، فلما كان الاسناد في اللفظ على العكس بعد هذا المعنى » (٣).

وأما قول الطبري : « نعم يتّجه ما ذكره من وجه آخر بتقدير حذف في الكلام على وجه الاختصار ، تقديره من كنت مولاه فسبيل المولى وحقّه أن يحب ويتولى ، فعلي أيضا مولى القربة مني ومكانته من تأييد الإسلام فليحبه وليتوله كذلك » (٤). فسقوطه في غاية الوضوح ، لأن حديث الغدير ظاهر في معنى يوافق

__________________

(١) شرح التجريد للقوشجي : ٤٠٣.

(٢) السيرة الحلبية ٣ / ٣٤٠.

(٣) الرياض النضرة ١ / ٢٠٥.

(٤) الرياض النظرة ١ / ٢٠٥.

٢١٩

استعمال الكتاب والسنّة واللغة ، وقد فهم كبار الأصحاب منه هذا المعنى ، ونص عليه أكابر العلماء ودلت عليه القرائن والأخبار الأخرى ، لكن ( الدهلوي ) يناقش في دلالته على هذا المعنى مع وجود هذه الأمور ، فكيف يرتضي عاقل تأويل الطبري وهو تأويل ركيك محتاج إلى الحذف والتقدير ، ولا يوافقه الاستعمال ولا يخطر ببال أحد أبدا؟

ومنهم من اخترع معنى آخر للفظة ( المولى ) لما رأى عدم تمامية حمله على ( المحب والناصر ) وهو ( المحبوب ) كابن حجر المكي والكابلي صاحب ( الصواقع ) وشاه ولي الله الدهلوي في ( إزالة الخفا ).

ولكنها دعوى مجردة عن الدليل ، فليس في كتب اللغة المشهورة أمثال ( الصحاح ) و ( القاموس ) و ( الفائق في غريب الحديث ) و ( النهاية الاثيرية ) و ( مجمع البحار ) و ( المفردات ) و ( أساس البلاغة ) و ( المغرب ) و ( المصباح المنير ) وغيرها ذكر ( للمحبوب ) في معاني لفظة ( المولى ).

ألا سائل يسألهم! ما الذي حملهم على الاعراض عن معنى يوافقه الكتاب والسنة ، ويساعده استعمال أهل اللسان ، ويفهمه القريب والبعيد ، ويذعن به الموافق والمخالف ، والاعتماد على معنى مخترع من عندهم ، لم يذكره اللغويون ، ولا تثبته القرائن ، ولا تشهد به وقائع القضية!!

لكن الكابلي وبالرغم من أنه يعد ( المحبوب ) من جملة معاني ( المولى ) حيث يقول : « ولأن المولى مشترك بين معان ، كالمالك والعبد وهو المعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والصديق والناصر والمنعم والمنعم عليه والرب والنزيل والمحب والمحبوب والتابع والظهير » يحمل ( المولى ) في الحديث على ( المحب والناصر ) حيث يقول : « وخاتمة الحديث ـ وهي الجملة الدعائية ـ قرينة واضحة على أن المراد بالمولى المحب والصديق ».

٢٢٠