نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

اعترافات مشاهير علماء السنة

بمفاد حديث الغدير

١٨١
١٨٢

وبالاضافة إلى تلك الوجوه السديدة والأدلة الباهرة التي يكفي كلّ واحد منها لاثبات مطلوب أهل الحق لو أنصف المنصفون ، فقد رأينا جماعة كبيرة من أساطين علماء أهل السنة يصرّحون بدلالة حديث الغدير على إمامة امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وينصون على مطلوب أهل الحق بكل وضوح ، وإن كلّ كلمة من كلمات هؤلاء ليكفي لدفع شكوك المشككين ، وتأويلات الجاحدين ، وإليك نصوص عبارات طائفة منهم :

(١)

محمد بن محمد الغزالي

قال أبو حامد الغزالي : « اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه ، فمنهم من زعم أنها بالنص ، ودليلهم في المسألة قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ). وقد دعاهم أبو بكر رضي‌الله‌عنه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٣

إلى الطاعة فأجابوه. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) قال في الحديث : إن أباك هو الخليفة من بعدي يا حميراء. وقالت امرأة : إذا فقدناك فإلى من نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر. ولأنه أمّ بالمسلمين على حياة رسول الله ، والامامة عماد الدين. هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص.

ثم تأوّلوا وقالوا : لو كان علي أول الخلفاء لا نسحب عليهم ذيل الفناء ، ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب ، ولا يقدح في كونه رابعا كما لا يقدح في نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان آخرا. والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أن هذا تعلّق فاسد وما يتعلّق به فاسد ، وتأويل بارد جاء على زعمكم وأهويتكم ، وقد وقع الميراث في الخلافة والاحكام مثل داود وزكريا وسليمان ويحيى ، قالوا : كان لأزواجه ثمن الخلافة ، فبهذا تعلقوا وهذا باطل إذ لو كان ميراثا لكان العباس أولى.

لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم.

ثم بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأول ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ) » (١).

وقد أورد سبط ابن الجوزي كلام الغزالي هذا حيث قال : « وذكر أبو حامد الغزّالي في كتاب سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ألفاظا تشبه هذا. فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي

__________________

(١) سر العالمين : ٧٤.

١٨٤

مولاه. فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. قال : وهذا تسليم ورضى وتحكيم ، ثم بعد هذا غلب الهوى حبا للرئاسة وعقد البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول في فتح الأمصار وأمر الخلافة ونهيها ، فحملهم على الخلاف ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ) » (١).

كتاب « سر العالمين » للغزالي

وقد عرفت من عبارة سبط ابن الجوزي ثبوت هذا الكتاب لأبي حامد الغزالي وصحة نسبته إلى مؤلفه.

وأيضا ، يشهد بذلك عبارة الحافظ الذهبي حيث قال : « الحسن بن الصبّاح الإسماعيلي الملقب بالكيا ، صاحب الدعوة النزارية وجد أصحاب قلعة ألموت. كان من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم ، وله اخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي الكبير في حوادث سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، وأصله من مرو ، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر ، يغوي الخلق ويضل الجهلة ، إلى أن صار منه ما صار ، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة ، كثير المكر والحيل ، بعيد الغور ، لا بارك الله فيه.

قال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين : شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزّهد تحت حصن ألموت ، فكان أهل الحصن يتمنّون صعوده إليهم فيمتنع فيقول : أما ترون المنكر كيف فشا وفسد الناس ، فتبعه خلق ، ثم خرج أمير الحصن يتصيّد ، فنهض أصحابه فتملكوا الحصن ، ثم كثرت قلاعهم ... » (٢).

__________________

(١) تذكرة خواص الامة : ٦٢.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٥٠٠.

١٨٥

ترجمة الغزالي

ومن المناسب أن نورد هنا طرفا من كلمات القوم في تعظيم الغزالي والثناء عليه وتبجيله :

١ ـ اليافعي بعد ذكر نبذ من فضائل الغزالي في نحو من ثلاث ورقات كبيرة : « قلت : وفضائل الامام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي‌الله‌عنه أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تشهر. وقد روينا من الشيخ الفقيه الامام العارف بالله ، رفيع المقام الذي اشتهرت كرامته العظيمة وترادفت وقال للشمس يوما قفي فوقفت حتى بلغ المنزل الذي يريد من مكان بعيد ، أبي الذبيح إسماعيل ابن الشيخ الفقيه الامام العارف ذي المناقب والكرامات والمعارف محمد بن اسماعيل : أنه سأل بعض الطاعنين في الامام أبي حامد المذكور رضي‌الله‌عنه في فتيا أرسل بها إليه هل يجوز قراءة كتب الغزالي؟

فقال رضي‌الله‌عنه في الجواب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد الأنبياء ، ومحمد بن إدريس سيد الأئمة ، ومحمد بن محمد الغزالي سيد المصنفين. هذا جوابه رحمة الله عليه.

وقد ذكرت في كتاب الإرشاد : انه سمّاه سيد المصنّفين ، لأنه تميّز عن المصنفين بكثرة المصنفات البديعات ، وغاص في بحار العلوم واستخرج عنها الجواهر النفيسات ، وسحر العقول بحسن العبارة وملاحة الأمثلة ، وبداعة الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الألفاظ وبلاغة المعاني الغريبة ، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة ، والفروع والأصول ، والمعقول والمنقول ، والتدقيق والتحقيق ، والعلم والعمل ، وبيان معالم العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات ، وإبراز محاسن أسرار المعارف المحجبات العاليات ، والانتفاع بكلامه علما وعملا ، لا سيّما أرباب الديانات ، والدعاء الى الله سبحانه برفض الدنيا والخلق ، ومحاربة الشيطان والنفس بالمجاهدة والرياضيات ، وإفحام

١٨٦

الفرق أيسر عنده من شرب الماء بالبراهين القطاعات وتوبيخ علماء السوء الراكبين إلى الظلمة والمائلين إلى الدنيا الدنية أولي الهمم الدنيات ، وغير ذلك مما لا يحصى مما جمع في تصانيفه من المحاسن الجميلات والفضائل الجليلات ، ممّا لا يجمعه مصنّف فيما علمنا ولا يجمعه فيما يظن ما دامت الأرض والسماوات.

فهو سيّد المصنّفين عند المنصفين ، وحجة الإسلام عند أهل الاستسلام لقبول الحق من المحققين في جميع الأقطار والجهات ، وليس يعني أن تصانيفه أصح فصحيحا البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفات ... » (١).

٢ ـ السيوطي : « وعلى رأس الخامسة الامام أبو حامد الغزالي ، وذلك لتميّزه بكثرة المصنفات البديعات ، وغوصه في بحور العلم ، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة ، والفروع والأصول والمعقول والمنقول ، والتدقيق والتحقيق والعلم والعمل ، حتى قال بعض العلماء الأكابر الجامعين بين العلم الظاهر والباطن : لو كان بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي لكان الغزالي ، وأنه يحصل ثبوت معجزاته ببعض مصنفاته » (٢).

٣ ـ الزرقاني : « ذكر له الأسنوي في المهمات ترجمة حسنة منها : هو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود ، وروح خلاصة أهل الايمان ، والطريق الموصل إلى رضا الرحمن ، يتقرّب به إلى الله تعالى كل صديق ، ولا يبغضه إلاّ ملحد أو زنديق ، قد انفرد في ذلك العصر عن الزمان كما انفرد في هذا الباب فلا يترجم معه فيه لإنسان. انتهى. وله كتب نافعة مفيدة خصوصا الإحياء فلا يستغني عنه طالب الآخرة. مات بطوس سنة ٥٠٥ » (٣).

__________________

(١) مرآة الجنان حوادث سنة ٥٠٥.

(٢) التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة للسيوطي : ١٢.

(٣) شرح المواهب اللدنية ١ / ٣٦.

١٨٧

(٢)

أبو المجد مجدود بن آدم « الحكيم السنائي »

وقال أبو المجد الحكيم السنائي في مدح سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« نائب مصطفى بروز غدير

كرده بر شرع خود مر او را مير » (١)

وهذا صريح في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل عليا عليه‌السلام في يوم الغدير نائبا له ونصبه أميرا على شرعه.

و« الحكيم السنائي » من كبار علماء وعرفاء أهل السنة. وقد أثنى عليه عبد الرحمن بن أحمد الجامي في ( نفحات الانس ) ، وذكر كتابه ( حديثة الحقيقة ) مقرّظا ايّاه.

(٣)

فريد الدّين العطّار

وقال الشيخ فريد الدين العطار الهمداني في واقعة غدير خم ومعنى حديث الغدير :

« چون خدا گفته است در خم غدير

با رسول الله ز آيات منير

ايها الناس اين بود الهام او

ز آنكه از حق آمده پيغام او

گفت رو كن با خلائق اين ندا

نيست اين دم خود رسولم بر شما

__________________

(١) حديقة الحقيقة للحكيم السنائي.

١٨٨

هر چه حق گفته است من خود آن كنم

بر تو من اسرار حق آسان كنم

چونكه جبرئيل آمد وبر من بگفت

من بگويم با شما راز نهفت

اينچنين گفته است قهّار جهان

حق وقيّوم خداى غيب دان

مرتضى والى در اين ملك من است

هر كه اين سر را نداند او زنست » (١).

في هذه الأشعار : إن حديث الغدير كان بأمر من الله عز وجل ، وإن معناه هو أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الوالي لمملكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثناء على العطار والاعتماد عليه

هذا ، والشيخ فريد الدين المذكور من كبار المشايخ الموصوفين بالعلم والمعرفة لدى علماء أهل السنه ، فقد ترجم له واثنى عليه الشيخ عبد الرحمن الجامي (٢) واستند إلى كلامه نصر الله الكابلي حيث قال : « قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري : من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد » (٣).

بل ذكر ( الدهلوي ) في الباب الحادي عشر من كتابه ( التحفة ) ما ترجمته : « وأيضا : إنهم يعلمون بأن أهل السنة يجعلون حب الأمير وذرّيته الطاهرة من فرائض الايمان. قال حضرة فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالعطار في أشعاره العربية :

فلا تعدل بأهل البيت خلقا

فأهل البيت هم أهل السعادة

فبغضهم من الإنسان خسر

حقيقي وحبّهم عبادة

__________________

(١) ديوان مظهر حق للعطار النيسابوري.

(٢) نفحات الانس : ٥٩٩.

(٣) الصواقع لنصر الله الكابلي ـ مخطوط.

١٨٩

وقد أورد الشيخ بهاء الدين العاملي هذه الأشعار في كشكوله.

وينقل عن الشيخ المذكور أيضا أنه كان يقول : من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ».

(٤)

ابن طلحة الشافعي

وقال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي ما نصّه : « وأما مؤاخاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه وامتزاجه به وتنزيله إياه منزلة نفسه وميله إيّاه وإيثاره إياه فهذا بيانه :

فإنه قد روى الامام الترمذي في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : لمّا آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه جاءه علي تدمع عيناه. فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. قال : فسمعت رسول الله يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وروى بسنده أيضا : أن رسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه. وهذا اللفظ بمجرّده رواه الترمذي ولم يزد عليه. وزاد غيره ذكر اليوم والموضع. فذكر الزمان وهو عند عود رسول الله من حجة الوداع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وذكر المكان وهو ما بين مكة والمدينة يسمى خمّا في غدير هناك ، فسمّي ذلك اليوم غدير خم. وقد ذكره عليه‌السلام في شعره الذي تقدم. وصار ذلك اليوم عيدا وموسما لكونه كان وقتا خصّ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا بهذه المنزلة العلية وشرّفه بها دون الناس كلّهم.

ونقل عن زاذان قال : سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد منكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة

١٩٠

عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه.

زيادة تقرير : نقل الامام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. فقوله صلّى الله عليه وسلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه قد اشتمل على لفظة « من » وهي موضوعة للعموم ، فاقتضى أن كل انسان كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مولاه كان علي مولاه.

واشتمل على لفظه « المولى » وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها ، فتارة تكون بمعنى « أولى » قال الله تعالى في حق المنافقين : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه : أولى بكم. وتارة بمعنى الناصر. قال الله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) معناه : إن الله ناصر المؤمنين وإن الكافرين لا ناصر لهم. وتارة بمعنى الوارث قال الله تعالى : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) معناه : وارثا. وتارة بمعنى العصبة. قال الله تعالى : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) معناه عصبتي. وتارة بمعنى الصديق والحميم قال الله تعالى : ( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ) معناه حميم عن حميم وصديق عن صديق وقرابة عن قرابة. وتارة بمعنى السيد المعتق وهو ظاهر.

وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيّها حملت؟ أما على كونه أولى كما ذهبت إليه طائفة أو على كونه صديقا حميما ، فيكون معنى الحديث : من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن عليا منه كذلك ، وهذا صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة « من » التي هي للعموم بما لم يجعله لغيره.

وليعلم : أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) والمراد نفس علي

١٩١

على ما تقدم ، فإن الله جل وعلا لمّا قرن بين نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموما ، فإنه أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد المؤمنين. وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلّ عليه لفظ « المولى » لرسول الله فقد جعله لعلي عليه‌السلام. وهي مرتبة سامية ومنزلة شاهقة ودرجة علية ومكانة رفيعة خصّه صلّى الله عليه وسلّم بها دون غيره ، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه » (١).

ترجمة ابن طلحة

وابن طلحة المذكور من كبار الفقهاء ومشاهير المحققين ، فقد ترجم له وأثنى عليه اليافعي (٢). وذكره الأسنوي في ( طبقات فقهاء الشافعية ) بقوله : « الكمال النصيبي أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي الملقب كمال الدين ، كان إماما بارعا في الفقه والخلاف ، عالما بالأصلين ، رئيسا كبيرا معظما ، ترسّل عن الملوك وأقام بدمشق بالمدرسة الأمينية ، وعيّنه الملك الناصر صاحب دمشق للوزارة وكتب تقليده بذلك فنصل منه واعتذر فلم يقبل منه ، فباشرها يومين ثم ترك أمواله وموجودة وغيّر ملبوسه وذهب فلم يعرف موضعه. سمع وحدّث. وتوفي بحلب في السابع والعشرين من رجب سنة ٦٥٢. وقد جاوز السبعين. ذكره في العبر مختصرا » (٣).

وقال ابن قاضي شهبة بترجمته : « أحد الصدور والرؤساء المعظمين ، ولد سنة ٥٨٢ وتفقه وشارك في العلوم. وكان فقيها بارعا بالمذهب والأصول والخلاف ، ترسّل عن الملوك وساد وتقدم وسمع الحديث وحدّث ببلاد كثيرة ... قال السيد

__________________

(١) مطالب السئول ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) مرآة الجنان حوادث سنة ٥٦٢.

(٣) طبقات الشافعية للاسنوي ٢ / ٥٠٣.

١٩٢

عز الدين : أفتى وصنّف وكان أحد العلماء المشهورين والرؤساء المذكورين ... » (١).

وذكره عبد الغفار بن ابراهيم العلوي العكي العدثاني بقوله : « محمد بن طلحة كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي ، مصنف كتاب العقد الفريد ، كان أحد العلماء المشهورين » (٢).

(٥)

سبط ابن الجوزي

وقال يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي في كتابه ( تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة ) الذي نقل عنه ابن حجر في ( صواعقه ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وغيرهما : « اتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة نصّ صلّى الله عليه وسلّم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والاشارة جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا ـ وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث.

وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار ، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري وأتاه على ناقة له ، فأناخها على باب المسجد ثم عقلها ، وجاء فدخل المسجد فجثا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضّلته على الناس وقلت : من كنت مولاه فعلي

__________________

(١) طبقات الشافعية ٢ / ١٢١.

(٢) عجالة الراكب وبلغة الطالب ـ مخطوط.

١٩٣

مولاه. فهذا شيء منك أو من الله تعالى؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ وقد احمرّت عيناه ـ : والله الذي لا إله إلاّ هو إنه من الله وليس مني. قالها ثلاثا.

فقام الحارث وهو يقول : أللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. قال : فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله بحجارة من السماء فوقع على هامته فخرج من دبره ومات وأنزل الله تعالى : ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ).

فأما قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علماء العربية : لفظ « المولى » يرد على وجوه « أحدها » بمعنى المالك ومنه قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) وهو كل على مولاه أي على مالك رقه « والثاني » بمعنى المعتق « والثالث » بمعنى المعتق بفتح التاء « والرابع » بمعنى الناصر ومنه قوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ). أي لا ناصر لهم « والخامس » بمعنى ابن العم قال الشاعر :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

وقال آخر :

هم الموالي حنقوا علينا

وانا من لقائهم لزور

وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عنى بالموالي بني العم. قال : وهو كقوله تعالى ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ).

« السادس » الحليف. قال الشاعر :

موالي حلف لا موالي قرابة

ولكن قطينا يسألون الأثاويا

يقول : هم حلفاء لا أبناء عم. قال في الصحاح : وأما قول الفرزدق :

ولو كان عبد الله مولى هجوته

ولكن عبد الله مولى المواليا

١٩٤

فلأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين ، وهم حلفاء بني عبد شمس ابن عبد المناف. والحليف عند العرب مولى ، وإنما نصب الموالي لأنه ردّه إلى أصله للضرورة ، وإنما لم ينوّن مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف.

« والسابع » المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث. وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث. « والثامن » الجار. وإنما سمّي به لماله من الحقوق بالمجاورة ـ « والتاسع » السيد المطاع وهو المولى المطلق. قال في الصحاح كل من ولي أمر أحد فهو وليّه « العاشر » بمعنى الأولى قال الله تعالى ( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم.

... والمراد من الحديث : الطاعة المخصوصة فتعين العاشر. ومعناه : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى ابن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين ، فانه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه : فأخذ رسول الله بيد علي وقال : من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليّه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر.

ودلّ عليه أيضا قوله عليه‌السلام : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته. وكذا قوله صلّى الله عليه وسلّم : وأدر الحق معه حيث دار. فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي وبين أحد من الصحابة إلاّ والحق مع علي. وهذا بإجماع الأمة. ألا ترى أن العلماء استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين.

وقد أكثرت الشعراء في يوم غدير خم ، فقال حسان بن ثابت :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخم فأسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

وما لك منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

١٩٥

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

ويروى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا سمعه ينشد هذه الأبيات قال له : يا حسان لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك.

وقال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وأنشدها بين يدي علي بصفين :

قلت لما بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

علي إمامنا وإمام

لسوانا به أتى التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

إن ما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

وقال الكميت :

نفى عن عينك الأرق الهجوعا

وهما يمترى عنه الدموعا

لدى الرحمن يشفع بالمثاني

فكان لنا أبو حسن شفيعا

ويوم الدوح دوح غدير خم

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطرا مبيعا

ولهذه الأبيات قصة عجيبة ، حدثنا بها شيخنا عمر بن صافي الموصلي رحمه الله تعالى. قال : أنشد بعضهم هذه الأبيات وبات مفكّرا ، فرأى عليا كرم الله وجهه في المنام فقال له : أعد علي أبيات الكميت ، فأنشده إياها حتى بلغ إلى قوله « خطرا مبيعا » فأنشد علي بيتا آخر من قوله زيادة فيها :

فلم أر مثل ذاك اليوم يوما

ولم أر مثله حقا أضيعا

فانتبه الرجل مذعورا.

وقال السيد الحميري :

يا بائع الدين بدنياه

ليس بهذا أمر الله

١٩٦

من أين أبغضت عليا الرضا

وأحمد قد كان يرضاه

من الذي أحمد من بينهم

يوم غدير الخم ناداه

أقامه من بين أصحابه

وهم حواليه فسمّاه

هذا علي بن أبي طالب

مولى لمن قد كنت مولاه

فوال من والاه يا ذا العلا

وعاد من قد كان عاداه

وقال بديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني :

يا دار منتجع الرسالة

بيت مختلف الملائك

يا ابن الفواطم والعواتك

والترائك والأرائك

أنا حائك إن لم أكن

مولى ولائك وابن حائك » (١)

هذا كلام سبط ابن الجوزي ، وقد وفى الحق حقه وأيده بأشعار الكميت وقيس بن سعد والحميري وغيرهم ، فما ذا بعد الحق إلاّ الضلال.

وحيث أنه ذكر أشعار الكميت الصريحة في دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد كان من المناسب أن نورد هنا بعض الكلمات في مدح الكميت والثناء عليه.

ترجمة الكميت

قال عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي في ( معاهد التنصيص ) بترجمة الكميت : « الكميت هو ابن زيد الأسدي شاعر مقدّم ، عالم بلغات العرب خبير بأيامها ، فصيح من شعراء مضر وألسنتها ، والمتعصبين على القحطانية ، المقاربين المقارعين لشعرائهم العلماء بالمثالب والأيام المفاخرين بها ، وكان في أيام بني أمية

__________________

(١) تذكرة خواص الامة ٣٠ ـ ٣٤.

١٩٧

ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها. وكان معروفا بالتشيع لبني هاشم مشهورا بذلك. وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره.

قال ابن قتيبة : وكان بين الكميت وبين الطرماح خلطة ومودة وصفاء لم يكن بين اثنين ... قال : وهذه الأحوال بينهما على تفاوت المذاهب والعصبية والديانة. كان الكميت شيعيا عصبيا عدنانيا من شعراء مضر متعصبا لأهل الكوفة. والطرماح خارجي صفري قحطاني عصبي لقحطان من شعراء اليمن متعصب لأهل الشام. فقيل له : فيم اتفقتما هذا الاتفاق مع سائر اختلاف الأهواء؟ قالا : اتفقنا على بغض العامة.

وحدّث محمد بن أنس السلامي الأسدي قال : سئل معاذ الهراء من أشعر الناس؟ قال : أمن الجاهليين أم من الاسلاميين؟ قال : بل من الجاهليين. قال : امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص. قالوا : فمن الإسلاميّين؟ قال : الفرزدق وجرير والأخطل والراعي. قال : فقيل له : يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟ قال : ذاك أشعر الأولين والآخرين.

وحدّث محمد النوفلي قال : لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قاله الهاشميات فسترها. ثم أتى لفرزدق وقال : يا أبا نؤاس إنك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له : صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟ قال : نفث على لساني فقلت شعرا فأحببت أن أعرضه عليك ، فان كان حسنا أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحا أمرتني بستره وكنت أول من ستره علي. فقال له الفرزدق : أما عقلك فحسن وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك. فأنشدني ما قلته. فأنشدته : طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ...

فقال له الفرزدق : أذع ثم أذع ، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي.

وحدّث إبراهيم بن سعد الأسدي قال : سمعت أبي يقول : رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم فقال لي : من أيّ الناس أنت؟ قلت : من العرب.

١٩٨

قال : أعلم فمن أيّ العرب أنت؟ قلت : من بني أسد. قال : أسد بن خزيمة؟ قلت : نعم. قال أتعرف الكميت بن زيد؟ قلت : يا رسول الله ابن عمي ومن قبيلتي. قال : أتحفظ من شعره شيئا؟ قلت : نعم. قال : أنشدني : طربت وما شوقا إلى البيض أطرب. قال : فأنشدته حتى بلغت قوله :

فما لي إلا آل أحمد شيعة

ومالي إلاّ مشعب الحق مشعب

فقال لي صلّى الله عليه وسلّم : إذا أصبحت فاقرأ عليه‌السلام وقل له : قد غفر الله لك بهذه القصيدة.

وحدّث نصر بن مزاحم المنقري : أنه راى النبي في النوم وبين يديه رجل ينشده : من لقلب متيم مستهام. قال : فسألت عنه. فقيل لي : هذا الكميت بن زيد الأسدي. قال : فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول : جزاك الله خيرا. وأثنى عليه.

وحدّث محمد بن سهل صاحب الكميت قال : دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد في أيام التشريق ، فقال له : جعلت فداك ألا أنشدك! قال : إنها أيام عظام. قال : إنها فيكم. قال : هات ، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب ما أنشده ، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت.

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم

فيا آخر أسدى له الغي أوله

فرفع أبو عبد الله يديه فقال : اللهم اغفر للكميت ما قدّم وما أخّر وما أسرّ وما أعلن وأعطه حتى يرضى.

وحدّث صاعد مولى الكميت قال : دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي فأنشده الكميت قصيدته التي أولها : من لقلب متيم مشتاق. فقال : اللهم اغفر للكميت اللهم اغفر للكميت. قال : ودخل يوما عليه فأعطاه ألف دينار وكسوة فقال له الكميت : والله ما جئتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يده

١٩٩

ولكنني جئتكم للآخرة ، فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها وأما المال فلا أقبله وردّه وقبل الثياب.

قال : ودخلنا على فاطمة بنت الحسين فقالت : هذا شاعرنا أهل البيت وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقته الكميت فشربه. ثم أمرت له بثلاثين دينار ومركب فهملت عيناه وقال : لا والله لا أقبلها ، إني لم أحبكم للدنيا » (١).

ترجمة السبط والثناء عليه

وسبط ابن الجوزي فقيه ، مؤرّخ ، واعظ مشهور ، أثنى عليه علماء أهل السنة واعتمدوا عليه ونقلوا عنه ووثّقوه وأطروه.

١ ـ ابن خلكان بترجمة جدّه : « وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف ابن قزغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم ، وصنّف تاريخا كبيرا رأيته بخطه في أربعين مجلدا سمّاه مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة ٦٥٤ بدمشق بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك. ومولده في سنة ٥٨١ ببغداد وكان هو يقول : أخبرتني أمي أن مولدي سنة ٨٢. رحمه الله تعالى ».

وقال ابن خلكان بترجمة الحلاّج : « قلت : ذكر صاحبنا شمس الدين أبو المظفر يوسف الواعظ سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي الواعظ المشهور في تاريخه الكبير الذي سماه مرآة الزمان أخبار ابن المقفع وما جرى له وقتله في سنة ١٤٦. ومن عادته أن يذكر كل واقعة في السنة التي كانت فيها. فيدل على أن قتله في السنة المذكورة » (٢).

٢ ـ اليافعي : « العلاّمة الواعظ المؤرخ ... أسمعه جده منه ومن جماعة

__________________

(١) معاهد التنصيص في شواهد التلخيص ٣٨١ ـ ٣٨٨.

(٢) وفيات الأعيان ١ / ٤٠٥.

٢٠٠