نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٩

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

كتاب الله عزوجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيدكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأّني العليم الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض » (١).

وقد ذكر صاحب ( مرافض الروافض ) هذا الحديث عن ( الصواعق ) فحرّفه ونقصه.

وهذا الحديث قد ذكر فيه ( المولى ) أربع مرات في سياق واحد وكلام متصل منتظم ، فيلزم أن كله بمعنى واحد ، وهذا الحديث الشريف نظير ما جاء في ديوان الحماسة : وقال حريث بن جابر :

لعمرك ما أنصفتني حين سمتني

هواك مع المولى وان لا هوى ليا

إذا ظلم المولى فزعت لظلمه

فحرك أحشائي وهرّ كلابيا

فقد تكرر لفظ ( المولى ) في هاتين البيتين وهو مقدر أيضا بعد قوله « لا هوى ليا » أي مع مولاي ، ومن الواضح أن ( المولى ) في هذه المواضع بمعنى واحد قطعاً.

ثم إن ( المولى ) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الله مولاي » هو بمعنى ( ولي الأمر ) ، إذ قد عرفت سابقا قول أبي الحسن الواحدي : ( ثُمَّ رُدُّوا ) يعني العباد يردون بالموت ( إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) الذي يتولى أمورهم » (٢).

وقال أبو الليث السمرقندي : ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) يقول : أطيعوا الله تعالى فيما يأمركم ( هُوَ مَوْلاكُمْ ) يعني وليّكم وناصركم » (٣).

وقال الكواشي : « ولا يوقف على ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا ، لوجود الفاء في قوله ( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) لأنك سيدنا والسيد ينصر

__________________

(١) مفتاح النجا ـ مخطوط.

(٢) التفسير الوسيط ـ مخطوط.

(٣) تفسير أبي الليث ـ مخطوط.

١٢١

عبيده » (١).

وقال السيوطي : ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيّدنا ومتولي أمورنا » (٢).

وقال أيضا : ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم » (٣).

وقال أيضا : ( لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا ) إصابته ( هُوَ مَوْلانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا » (٤).

فالمراد من ( المولى ) في جميع ألفاظ الحديث هو ( الأولى بالتصرف ) قطعاً.

وقد جاء في بعض الألفاظ : « إنّ الله وليي » بدل « إنّ الله مولاي » ففي ( الخصائص ) من طريق الحسين بن حريث : « إن الله وليي وأنا ولي المؤمنين ، ومن كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره » وقد تكرر في هذا الحديث لفظ ( الولي ) أربع مرات كما تكرر لفظ ( المولى ) في الحديث السابق أربع مرات ، ولما كان المراد من ( الولي ) بالنسبة إلى الله عز وجل هو ( متولي أمور الخلق ) ، فهو المراد أيضا بالنسبة إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، فكذا ولاية علي.

وفي ( كنز العمال ): « ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعلي مولاه. أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب معا » (٥).

ومن المعلوم أن المراد من كون الله تعالى ( وليا ) هو كونه ( ولي الأمر ومتوليه ) قال النيسابوري : ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل » (٦).

__________________

(١) التلخيص في التفسير ـ مخطوط.

(٢) الجلالين : ٦٦.

(٣) المصدر : ٢٤٠.

(٤) المصدر : ٢٥٦.

(٥) كنز العمال ١٢ / ٢٠٧.

(٦) تفسير النيسابوري ٣ / ٢١.

١٢٢

وقال القاري بشرح هذا الدعاء : « اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن ... » قال : « أنت وليّها. أي المتصرف فيها ومصلحها ومربّيها ومولاها ، أي ناصرها وعاصمها. وقال الحنفي : عطف تفسيري » (١).

وكذا قال فخر الدين محب الله (٢).

وجاء في بعض ألفاظ حديث الغدير التعبير ب ( المولى ) عن الله تعالى ، وب ( الولي ) عن النبي ، ففي ( الخصائص ) للنسائي : « أنبأنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن حماد ، قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان ، قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع ونزل بغدير خم ، أمر بدوحات فقممن ، ثم قال : كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال : إن الله مولاي فأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد : أسمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال : ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأذنه » (٣).

وفي ( المستدرك ) من طريق أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي : « إن الله عز وجل مولاي وأنا ولي كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهم وال من والاه » (٤).

وفي ( تاريخ ابن كثير ) عن سنن النسائي من طريق محمد بن المثنى : « قال : الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فهذا

__________________

(١) الحرز الثمين ـ في شرح الحصن الحصين لملا علي القاري : ٢٩٢.

(٢) الحرز الرصين ـ شرح الحصن الحصين لفخر الدين محب الله.

(٣) الخصائص : ٩٣.

(٤) المستدرك ٣ / ١٠٩.

١٢٣

وليه » (١).

وفي ( كنز العمال ) عن ابن جرير : « إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت وليّه فعلي وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (٢).

ومن الواضح أن المراد من كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وليا ) هو كونه ( متولي أمور المسلمين والمتصرف فيها ) كما عرفت من كلام ابن حجر حيث حمل حديث : « من كنت وليّه » على ( المتصرف في الأمور ) وقال العزيزي بشرح : « أنا ولي المؤمنين » قال : « أي متولي أمورهم » (٣).

وإذ كانت ولاية الله والرسول بمعنى « ولاية الأمر » فكذا ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

وأيضا : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الطبراني والحكيم الترمذي : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » يفسّر قوله : « وأنا مولى المسلمين ».

فظهر أن المراد من ( مولى المؤمنين ) كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وقد عرفت سابقا أنّ أولويته بالمؤمنين من أنفسهم تستتبع وجوب إطاعته. قال القسطلاني بشرح حديث أبي هريرة : « إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى ... » قال : « ويترتب على كونه أولى بهم من أنفسهم أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وان شق ذلك عليهم ، وأن يحبوه أكثر من محبتهم لأنفسهم ... » (٤).

وقال بشرحه في كتاب الفرائض : « أي أحق بهم في كلّ شيء من أمور الدين

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٢) كنز العمال ١٥ / ٩١.

(٣) السراج المنير بشرح الجامع الصغير ١ / ٣٢٠.

(٤) ارشاد الساري ـ شرح صحيح البخاري ـ كتاب الاستقراض.

١٢٤

والدنيا ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها » (١).

ثم إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جمع في حديث الطبراني والحكيم الترمذي ـ الصحيح سندا ـ وفي غيره أيضا ، بين حديث الغدير وحديث الثقلين ، وحديث الثقلين يفيد وجوب متابعة أهل البيت والانقياد لهم كما هو ظاهر جدّا ، ومسلّم به عند ( الدهلوي ) أيضا حيث اعترف به في الباب الرابع من ( التحفة ) ، ولا ريب في أن وجوب المتابعة والانقياد يفيد الامامة والخلافة بلا فصل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك يبطل خلافة غيره ، لأن التابع لا يكون إماما للمتبوع.

وأيضا : فإن حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فمع وجود أمير المؤمنين المعصوم لا يكون غيره مستحقا للامامة قطعا ، والعجب من صاحب ( المرافض ) الذي أورد حديث الطبراني عن ( الصواعق ) مع إسقاط جملة : « وقد نبأني اللطيف الخبير ... » الدال على عدم افتراق الثقلين والصريح في عصمة أمير المؤمنين وأفضليّته.

ومن الطريف جعل صاحب ( الصواعق ) حديث الثقلين قرينة على عدم دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه‌السلام ، وما علم أن حديث الثقلين يثبت إمامته بسبب دلالته على عصمته عليه‌السلام.

ولقد ذكر نور الدين السمهودي بعض الروايات التي جاء فيها حديث الثقلين مع حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » فقد ذكر : « عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي‌الله‌عنه قال : لمّا صدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن ، ثم بعث إليهن فقمّ ما تحتهن من الشوك ، وعمد إليهن فصلّى تحتهنّ ثم قام فقال :

يا أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلاّ نصف الذي

__________________

(١) ارشاد الساري ـ شرح صحيح البخاري ـ كتاب الفرائض.

١٢٥

يليه من قبله ، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسئول وإنكم مسئولون فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت ، فجزاك الله خيرا. فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله وجنته حق وناره حق ، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا : بلى نشهد بذلك. قال : اللهم اشهد. ثم قال :

يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا ولي المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال : يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض.

أخرجه الطبراني في الكبير والضياء في المختارة من طريق سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل ، وهما من رجال الصحيح عنه بالشك في صحابته. وأخرجه أبو نعيم في الحلية وغيره من حديث زيد بن الحسن الأنماطي وقد حسّنه الترمذي وضعّفه غيره عن معروف بن خرّبوذ عن أبي الطفيل وهما من رجال الصحيح عن حذيفة وحده من غير شك به » (١).

وروى السمهودي أيضا : « عن عامر أبي ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما قالا : لمّا صدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع ولم يحج غيرها ، أقبل حتى إذا كان بالجحفة نهى عن شجرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهن ، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهن ، أرسل إليهنّ فقمّ ما

__________________

(١) جواهر العقدين ـ مخطوط.

١٢٦

تحتهنّ وشذبن عن رؤس القوم ، حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهنّ فصلى تحتهن ، ثم انصرف إلى الناس وذلك يوم غدير خم ـ وخم من الجحفة وله بها مسجد معروف ـ فقال :

أيها الناس إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإني لأظن أن أدعى فأجيب ، وإني مسئول وأنتم مسئولون هل بلّغت ، فما أنتم قائلون؟ قالوا : نقول قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا ، قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق والبعث بعد الموت حق؟ قالوا : بلى نشهد. قال : اللهم اشهد. ثم قال يا أيها الناس ألا تسمعون ، ألا فإنّ الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم ، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه ، وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون ، ثم قال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال :

أيها الناس إني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء ، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة ، ألا وإني سائلكم حين تردون عليّ من الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قالوا : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا. وعترتي فإنّي قد نبأّني الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني. وسألت الله ربي لهم ذلك فأعطاني ، فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فهم أعلم منكم.

أخرجه ابن عقدة في الموالاة من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عنهما به. ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في فضائل الصحابة. وقال : إنه غريب جدّا ، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء » (١).

__________________

(١) جواهر العقدين ـ مخطوط.

١٢٧

ومن هذا الحديث تثبت عصمة أمير المؤمنين وأعلميّته من غيره.

وأورد السمهودي حديثا آخر عن أبي الطفيل قائلا : « وعن أبي الطفيل : إنّ عليا رضي‌الله‌عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : انشد الله من شهد غدير خم إلاّ قام ، ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلاّ رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلا منهم : خزيمة بن ثابت ، وسهل بن سعد ، وعدي ابن حاتم ، وعقبة بن عامر ، وأبو أيوب الانصاري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو شريح الخزاعي ، وأبو قدامة الأنصاري ، وأبو ليلى ، وأبو الهيثم بن التيهان ، ورجال من قريش. فقال علي رضي‌الله‌عنه وعنهم : هاتوا ما سمعتم. فقالوا : نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول فأمر بشجرات فشذبن وألقى عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة ، فخرجنا فصلّينا. ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا : قد بلّغت. قال : اللهم اشهد ـ ثلاث مرات ـ قال : إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وأنتم مسئولون.

ثم قال : ألا إن دمائكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا. أوصيكم بالنساء. أوصيكم بالجار. أوصيكم بالمماليك. أوصيكم بالعدل والإحسان.

ثم قال : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. نبّأني بذلك العليم الخبير. وذكر الحديث في قوله صلّى الله عليه وسلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علي : صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين.

أخرجه ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود ، كلاهما عن أبي الطفيل » (١).

__________________

(١) جواهر العقدين ـ مخطوط.

١٢٨

(٢١)

قول أبي أيّوب الأنصاري وجماعة :

السّلام عليك يا مولانا

١٢٩
١٣٠

وجاء في ( مسند أحمد ) ما نصّه : « حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي ، عن رياح بن الحارث قال : جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا : السلام عليك يا مولانا. قال : وكيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فهذا مولاه.

قال رباح : فلما مضوا تبعتهم وسألت من هم؟ قالوا : نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا حنش عن رياح بن الحارث قال : رأيت قوما من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال : من القوم؟ قالوا : مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه » (١).

وأخرج أبو القاسم الطبراني : « ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ح وثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا عثمان بن أبي شيبة قال : ثنا شريك عن حنش بن الحارث عن رياح بن الحارث قال : بينما علي رضي‌الله‌عنه جالس في

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٤١٩.

١٣١

الرحبة إذ جاء رجل وعليه أثر السفر فقال : السلام عليك يا مولاي ـ فقيل : من هذا؟ فقال : أبو أيوب الأنصاري. فقال أبو أيوب : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه » (١).

وأخرج أيضا : « ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا علي بن حكيم الأودي ثنا شريك عن حنش بن الحارث وعن الحسن بن الحكم عن رياح بن الحارث. وثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى بن الحماني ثنا شريك عن الحسن بن الحكم عن رياح بن الحارث النخعي قال : كنّا قعودا مع علي رضي‌الله‌عنه ، فجاء ركب من الأنصار عليهم العمائم فقالوا : السلام عليكم يا مولانا. فقال علي رضي‌الله‌عنه : أنا مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا : نعم. سمعنا النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول : من كنت مولاه ـ إلى ـ عاداه. وهذا أبو أيوب بيننا ، فحسر أبو أيوب العمامة عن وجهه ثم قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول من كنت مولاه ـ إلى ـ عاداه » (٢).

وقال سبط ابن الجوزي : « الباب الثاني ـ في فضائله. فضائله كرّم الله وجهه أشهر من الشمس والقمر وأكثر من الحصى والمدر ، وقد اخترت منها ما ثبت واشتهر ، وهي قسمان : قسم مستنبط من الكتاب ، والثاني من السّنة الظاهرة التي لا شك فيها ولا ارتياب.

قال أحمد في الفضائل : حدثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي عن رياح بن الحارث قال : جاء رهط إلى علي فقالوا : السلام عليك يا مولانا. وكان بالرحبة. فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال رباح : فقلت : من هؤلاء؟ فقيل : نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري

__________________

(١) المعجم الكبير ٤ / ١٧٣.

(٢) المعجم الكبير ٤ / ١٧٣.

١٣٢

صاحب رسول الله » (١).

وأورد محب الدين الطبري : « عن رياح بن الحارث قال : جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا : السلام عليك يا مولانا. قال : كيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه. قال رياح : فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا : نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب ، خرّجه أحمد.

وعنه قال : بينما علي جالس إذ جاء رجل فدخل وعليه أثر السفر فقال : السلام عليك يا مولاي. قال : من هذا؟ فقال : أبو أيوب الأنصاري. قال علي : فرّجوا له ففرّجوا. فقال أبو أيوب : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه. خرّجه البغوي في معجمه » (٢).

وقال ابن كثير الدمشقي : « قال أحمد ثنا يحيى بن آدم ...

ورواه ابن أبي شيبة عن حنش عن رياح بن الحارث قال : بينما نحن جلوس في الرحبة مع علي ... » (٣).

وقال عطاء الله المحدّث الشيرازي : « ورواه زر بن حبيش فقال : خرج علي عليه‌السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم حديثي عهد بسفر فقالوا : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا مولانا. فقال علي عليه‌السلام بعد ما رد السلام : من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقام اثنا عشر رجلا منهم : خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وثابت بن قيس بن شماس ، وعمار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وهاشم بن عقبة ، وسعد بن أبي وقاص ، وحبيب بن بديل. ابن ورقاء ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم

__________________

(١) تذكرة خواص الامة : ١٣.

(٢) الرياض النضرة ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٣) تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

١٣٣

يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث » (١).

وقال القاري : « وفي الرياض عن رياح بن الحارث قال : جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا : السلام عليك يا مولانا ... أخرجه أحمد » (٢).

فهذا الحديث الذي أخرجه أئمة أهل السنة كما رأيت ، من الأدلة الواضحة الدلالة على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، لأنه لو كان المراد من ( المولى ) في حديث الغدير هو الناصر أو نحوه لما كان لقوله عليه‌السلام : « كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب » معنى صحيح ، لأنه يكون حينئذ : كيف أكون محبكم أو ناصركم أو محبوبكم وأنتم قوم عرب؟ وهل يعقل نسبة هكذا كلام الى أمير المؤمنين ، وهو أفصح الناس بعد رسول الله؟

إذن ، لا يبقى ريب في أن مراد أبي أيوب وجماعته من قولهم : « يا مولانا » هو الولاية بمعنى الأولوية في التصرف في الأمور. فقال لهم الامام : « كيف أكون ... » حتى يحملهم على ذكر حديث الغدير يعترفوا بهذه الحقيقة الراهنة على رؤس الاشهاد.

__________________

(١) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ـ مخطوط.

(٢) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٧٤.

١٣٤

(٢٢)

قيل لعمر بن الخطاب :

تصنع بعليّ شيئا لا تصنعه بأحد!

فقال : إنّه مولاي

١٣٥
١٣٦

ومن الأدلة : ما رواه القوم من أنه « قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا ما تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فقال : إنه مولاي ».

وممن رواه الموفق بن أحمد حيث قال : « أخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي قال : أخبرنا الأمين أبو الحسن علي ابن مردك الرازي قال : أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين القرشي ابن الصباغ بالكوفة بقراءتي عليه حدثنا الحسن بن محمد الكوفي ، قال حدثنا الحضرمي ، قال حدثنا محمد بن سعيد المحاربي ، قال حدثنا حسين الأشقر عن قيس بن عمار الدهني عن سالم قال : قيل لعمر : نراك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال : إنه مولاي » (١).

ومنهم : محبّ الدين الطبري ، رواه عن ابن السمان عن سالم : « قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا ما تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله! فقال : إنه مولاي » (٢).

__________________

(١) مناقب الخوارزمي : ٩٧.

(٢) الرياض النضرة ٢ / ٢٢٤.

١٣٧

ومنهم : ابن حجر المكي حيث قال : « وأخرج أيضا ـ أي الدارقطني ـ إنه قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا ما تفعله ببقية الصحابة. فقال : إنه مولاي » (١).

ومنهم : شمس الدين المناوي. رواه عن الدارقطني : « قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من الصحابة. قال : إنه مولاي » (٢).

ومنهم : أحمد بن الفضل حيث قال : « وأخرج ـ أي الدارقطني ـ ايضا عن سالم بن أبي جعد قال : لعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه : إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي. فقال : انه مولاي » (٣).

ومنهم : محمد صدر العالم : « أخرج الدارقطني : لأنه قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي. فقال : إنه مولاي » (٤).

ومنهم : أحمد بن عبد القادر العجيلي : « وقيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا ما تفعله ببقية الصحابة. فقال : إنه مولاي » (٥).

وجه الدلالة : إن هذا صريح في أن كون علي عليه‌السلام ( مولى ) لعمر ابن الخطاب كان سببا لتعظيمه وتقديمه على بقية الصحابة عند عمر ، فإن كان المراد من ( المولى ) هو الولاية في التصرف فذاك المطلوب ، وإن كان المراد معنى آخر يقتضي أفضليّته وتقديمه ثبت المطلوب كذلك ، لأن الأفضلية تقتضي إمامته وخلافته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل وضوح.

هذا ، وقد تقدم عن ابن حجر المكي في كتاب ( الصواعق المحرقة ) التصريح بأن الشيخين فهما من ( المولى ) معنى ( الأولى بالاتباع والقرب ). ثم إنه استشهد لذلك بهذا الحديث الذي قال فيه عمر : « إنه مولاي ». ولا بأس بنقل

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٦.

(٢) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٦ / ٢١٨.

(٣) وسيلة المآل ـ مخطوط.

(٤) معارج العلى ـ مخطوط.

(٥) ذخيرة المآل ـ شرح عقد جواهر اللئال ـ مخطوط.

١٣٨

كلام ابن حجر هنا ليتم المرام ، وهذا نصه :

« سلّمنا انه أولى ، لكن لا نسلّم أن المراد أنه أولى بالامامة ، بل بالاتباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ).

ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال ، بل هو الواقع ، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ، وناهيك بهما في الحديث ، فإنهما لمّا سمعاه قالا له : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.

وأخرج أيضا إنه قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم. فقال : إنه مولاي ».

فنحن ندين هؤلاء من أفواههم ، ونحاكمهم بما حكمت به أفهامهم ، ونؤاخذهم بما سطرته أقلامهم ، ونقول :

سلمنا أن احتمال كون المراد « الأولى بالاتباع » هو الواقع ، والدليل على ذلك فهم أبي بكر وعمر ، لأن فهمهما في الحديث حجة!! فما معنى هذه الأولوية بالاتباع التي حملت عمر على أن يصنع بأمير المؤمنين عليه‌السلام ما لم يكن يصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من التقديم والتكريم والاحترام والتبجيل حتى تعجّب الناس وسألوه عن ذلك فأجاب بـ « إنه مولاي »؟

إنه يكون معنى حديث الغدير بحسب فهم أبي بكر وعمر : من كنت أولى بالاتباع بالنسبة إليه فعلي الأولى بالاتباع بالنسبة إليه ... أي : إن عليا يقوم مقام النبي في الأولوية بالاتباع ... ومعنى هذه الأولوية موجود في القرآن الكريم قال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... ) وقال عزّ من قائل : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ).

وهل هذا المعنى إلاّ الأولوية بالتصرف؟

وهل هذه الأولوية إلاّ الولاية العامّة؟

وهل الولاية العامّة إلاّ الامامة؟

ثم إنه لمّا ثبت تقدّم أمير المؤمنين عليه‌السلام على عمر بن الخطاب ثبت

١٣٩

تقدّمه على أبي بكر بن أبي قحافة بالإجماع المركب.

ولو تنزلنا عن هذا ، فإن تقدّم علي على عمر يثبت بطلان خلافته ، وبطلان خلافة عمر يثبت بطلان خلافة أبي بكر.

وأيضا : تقدّم علي على بقية الصحابة يفيد أفضليّته من عثمان ، فثبت بطلان خلافة عثمان ، وهو مستلزم لبطلان خلافة الأولين.

وأيضا : يدل هذا الحديث على أن ترك استخلاف عمر لعلي وجعله الأمر شورى ظلم وجور ، والجائر لا يستحق الامامة ، وإذا ثبت بطلان خلافته ثبت بطلان من تقدّم عليه وهو أبو بكر ومن تأخّر عنه وهو عثمان.

١٤٠