السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧
وروى شمس الدين ابن الجزري في ( أسنى المطالب ) ما نصه : « وألطف طريق وقع لهذا الحديث وأغربه ما حدّثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله ابن المحب المقدسي مشافهة ، أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية ، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المثنى ، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ ، أخبرنا ابن عمة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد ابن محمد بن عبد الواحد المدني بقراءتي عليه ، أخبرنا ظفر بن داعي العلوي باستراباد ، أخبرنا والدي وأبو أحمد بن مطرف المطرفي قالا : حدثنا أبو سعيد الادريسي إجازة فيما أخرجه في تاريخ أسترآباد ، حدثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي من ولد هارون الرشيد بسمرقند ـ وما كتبنا إلاّ عنه ـ حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلواني ، حدثنا علي بن محمد بن جعفر الأهوازي مولى الرشيد ، حدثنا بكر بن أحمد القصري.
حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا ، حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر ، قلن : حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق ، حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي ، حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين ، حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي ، عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي عليه
السلام ، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه ورضي عنها قالت :
أنسيتم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه؟! وقوله صلّى الله عليه وسلّم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟!
هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء وقال : هذا الحديث مسلسل من وجه ، وهو أن كل واحدة من الفواطم تروي عن عمة لها ، فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهن عن عمتها ».
وإن هذا الحديث يدل بوضوح على أن الصحابة لم يعملوا حسب مفاد حديثي الغدير والمنزلة ، فإن كان الحديثان يدلاّن على الامامة والخلافة لأمير المؤمنين عليهالسلام فذاك المطلوب ، وإن كانا بمعزل عن الدلالة على الامامة ـ لو فرض ـ بل يدلان على مجرد وجوب الموالاة فإن قولها عليها الصلاة والسلام « أنسيتم » يدل على تركهم لمحبة أمير المؤمنين وموالاته بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
لكنّ تركهم لمحبة علي عليهالسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي حياة الزهراء عليهاالسلام لا يتصور إلاّ على تقدير كون علي عليهالسلام هو الامام والخليفة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأن الصحابة قد تركوا موالاته بسبب صرفهم الخلافة عنه إلى غيره ، إذ لو كان عملهم ذاك صحيحا وكانت خلافة أبي بكر بحق لما تحقق من الصحابة ترك لموالاة علي عليهالسلام في ذاك الظرف ـ أي بعد وفاة النبي وفي حياة فاطمة ـ.
فهذا الحديث يدل على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام على كل تقدير كما أوضحنا.
* * *
(١٧)
حديث الغدير بلفظ :
« من وليّكم؟ ... من كان الله وليّه فهذا وليّه »
وروى أبو عبد الرحمن النسائي حديث الغدير باللفظ الآتي مع سنده :
« أنبأنا زكريا بن يحيى ، ثنا يعقوب بن جعفر بن كثير عن مهاجر بن مسمار قال : أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد قالت قال : كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق مكة وهو متوجّه إليها ، فلمّا بلغ غدير خم وقّف الناس ، ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلّف ، فلما اجتمع الناس إليه قال : أيها الناس هل بلّغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم ثلاث مرات يقولها. ثم قال : يا أيها الناس من وليّكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ثلاثا. ثم أخذ بيد علي فقال : من كان الله وليّه فهذا وليّه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).
أقول : إن كان معنى ( الولي ) هو المحب أو الناصر أو المحبوب لأجاب القوم بذلك ولم يقولوا : « الله ورسوله أعلم » لكن المراد من ( الولي ) هو ( ولي الأمر والمتصرف فيه ). ولمّا كان عامة الناس يجهلون ( المتصرف في الأمر ) بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلذا قالوا في جواب سؤاله صلّى الله عليه وسلّم المكرّر ثلاث مرّات « الله ورسوله أعلم ».
__________________
(١) الخصائص للنسائي : ١٠١.
حتى إذا أظهروا جهلهم وعجزهم عن الجواب عن هذا السؤال بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأمر قائلا ـ مع الأخذ بيد علي ـ « من كان الله وليه فهذا وليه » أي : فمن كان الله ولي أمره. فعلي وليّ أمره.
فهذه الرواية مثل الرواية السابقة المنقولة عن مستدرك الحاكم.
* * *
(١٨)
حديث الغدير بلفظ يدلّ
على المطلوب من وجوه
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير حديث الغدير بلفظ يدل على المطلوب من وجوه ، وإليك نصه كما في ( كنز العمال ) : « عن جرير البجلي : قال : شهدنا الموسم في حجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي حجة الوداع ، فبلغنا مكانا يقال له غدير خم.
فنادى الصلاة جامعة. فاجتمع المهاجرون والأنصار ، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسطنا ، قال : يا أيها الناس بم تشهدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله. قال : ثم مه؟ قالوا : وأن محمدا عبده ورسوله. قال : فمن وليّكم؟ قالوا : الله ورسوله مولانا. ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه فنزع عضده فأخذ بذراعيه فقال : من يكن الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أللهم من أحبه من الناس فكن له حبيبا ومن أبغضه فكن له مبغضا ، أللهم إني لا أجد أحدا أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين ، فاقض فيه بالحسنى. طب » (١).
__________________
(١) كنز العمال ١٥ / ١٢.
وجوه دلالة هذا الحديث :
وهذا حديث يدل على المطلوب من وجوه :
« الأول » : إن المتبادر من « الولي » كما يظهر من جواب القوم لسؤال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إيّاهم « فمن وليكم؟ » بقولهم « الله ورسوله مولانا » هو « ولي الأمر » ، وإلاّ لما خصّوا ذلك وحصروه في « الله ورسوله ».
وعليه فيجب حمل ( الولي ) على « ولي الأمر » في الأحاديث التي وردت هذه اللفظة بحق أمير المؤمنين ، بعين ما حمل الصحابة هذه اللفظة في قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فمن وليّكم » على المتصرف في الأمور.
« الثاني » : إن هذا الحديث ظاهر في أن ( المولى ) في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فإن هذا مولاه » وفي قوله : « من يكن الله ورسوله مولاه » بمعنى واحد ، وقد علم من جواب الأصحاب ـ حيث حصروا هذا المعنى في الله ورسوله ـ أنه ليس المراد المحب أو الناصر أو المحبوب ـ لعدم كون هذه المعاني منحصرة لله ورسوله ـ بل المراد هو الولاية في التصرف ، فإنها الثابتة لله ولرسوله ، ولا يستحقه إلاّ الله ورسوله.
وأيضا : فإن جواب الأصحاب ظاهر في اتحاد ( المولى ) و ( الولي ) في المعنى ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سألهم : « فمن وليّكم؟ » فأجابوا قائلين : « الله ورسوله مولانا ».
وهذا يبطل دعوى شاه ولي الله عدم مجيء ( الولي ) بمعنى ( المولى ).
« الثالث » : إن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللهم إني لا أجد أحدا أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين فاقض فيه بالحسنى » يدل على أن الشيخين لا يكونان خليفتين لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإلاّ لاستودع عليا عليهالسلام إيّاهما.
ولا يتوهم أنهما المراد من قوله « بعد العبدين الصالحين » ، فإنه توهم باطل جدا ، إذ لو كان كذلك لما امتنع عليهالسلام من البيعة لأبي بكر حتى أجبروه عليها ، وهدّدوه بالقتل إن لم يفعل ، كما سنشرح ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
* * *
(١٩)
الاستدلال بكلام ابن حجر
على ضوء حديث الغدير
ومن وجوه دلالة حديث الغدير : ما ذكره صاحب الصواعق بقوله : « على أنّ كون المولى بمعنى الامام لم يعهد لغة ولا شرعا. أمّا الثاني فواضح. وأمّا الأول فلأن أحدا من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى أفعل. وقوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي مقرّكم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة ، كقولهم : الجوع زاد من لا زاد له. وأيضا : فالاستعمال يمنع من أن مفعلا بمعنى أفعل ، إذ يقال ... هو أولى من كذا ، دون مولى من كذا ، وأولى الرجلين ، دون مولاهما.
وحينئذ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظرا للرواية الآتية : من كنت وليّه » (١).
أقول : فإذا كان ( الولي ) بمعنى ( المتصرف في الأمور ) في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت وليه » فإنّ ( المولى ) في قوله : « من كنت مولاه » يكون كذلك ، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضا.
وإنّ مجرد ثبوت إرادة معنى ( المتصرف في الأمور ) يكفي لإثبات الحق ومرام
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٥.
أهله ، ولله الحجة البالغة.
ولقد علمت سابقا أن هذا الحديث ـ الذي جعل ابن حجر ( المتصرف في الأمر ) معنى ( الولي ) بالنظر إليه ـ من روايات أكابر أهل السنة ومشاهير أئمتهم.
* * *
(٢٠)
تصدير النبيّ الكلام بقوله :
« إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من
أنفسهم »
لقد تقدم على حديث الغدير في بعض ألفاظه المروي بسند صحيح قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم » ثم قال مباشرة : « فمن كنت مولاه فهذا مولاه » يعني عليا عليه الصلاة والسلام ، وإليك نص الحديث ضمن كلام لابن حجر :
« فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه ، لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه. وصدّره بألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا ليكون أبعث على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضا ، ويرشد لما ذكرناه. حثّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الخطبة على أهل بيته عموما وعلى علي خصوصاً.
ويرشد إليه أيضا ما ابتدأ به هذا الحديث ، ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم خطب بغدير خم تحت شجرات فقال : إنه قد نبأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسئول وإنكم مسؤلون فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت ، فجزاك الله خيرا. فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وان الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث
من في القبور؟ قالوا : بلى نشهد بذلك. قال : اللهم اشهد. ثم قال :
أيّها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليا ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال : يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا. وعترتي أهل بيتي فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينفضّا حتى يردا عليّ الحوض » (١).
وفي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ) : « أخرج الحكيم في نوادر الأصول والطبراني بسند صحيح في الكبير ، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضياللهعنه : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب بغدير خم تحت شجرة فقال : أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وإنكم مسؤلون فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا. فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق ، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا : بلى نشهد بذلك. قال : اللهم أشهد.
ثم قال : يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال : يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الثقل الأكبر
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٥.