تراثنا ـ العددان [ 115 و 116 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 115 و 116 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

٣ ـ ويمكن كذلك الإشارة إلى فرق ثالث بين الأسرتين هو أنّ أسرة الشيخ عبد الله جدّ ناسخنا الحاج حبيب بقيت كما يبدو مستقرّة في العكر ، ولم يؤثّر على استقرارها نزول بعض أفرادها للنويدرات للعيش فيها كالشيخ يوسف بن الشيخ محمّد ، فهجرته ليست بذي بال ، فالمسافة بين العكر والنويدرات أقلّ من كيلو متر والانتقال اليومي أمر سهل ويكون مشياً على الأقدام ، وبالتالي لم تؤثّر هجرته على أوضاع الأسرة لتشابه الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين القريتين ، أمَّا أسرة الشيخ بن مانع فتوزّعت بين توبلي والمنامة وجد حفص في البحرين والقطيف وبلاد فارس ، وهي مناطق متباعدة إلى حدٍّ ما ، والحركة بينها آنذاك ليست سهلة ، والأوضاع الاجتماعية متباينة نسبياً ، ويبدو أنّ هجرة العائلة منحتها فرصة التوثيق في كتب التراجم.

٢٤١

 نسب العائلة في وثيقة (١٣٢١هـ) (١)

من مخطوطة (مقتل الإمام علي)

__________________

(١) «وثيقة سنة ١٣٢١ هـ» تدلّ على وجود حقائق هامّة تؤكّد حيويّتها وأهميّتها ، وفيها الاسم الكامل لأحد أفرادها وهو ناسخ مخطوطة هامّة هي مخطوطة كتاب الشيخ علي ابن عبد الله بن حسين البربوري الأوالي البحراني ، وتاريخ هذه الوثيقة تاريخية كتبها بنفسه سنة ١٣٢١هـ).

٢٤٢

حقائق وثيقة سنة (١٣٢١هـ) :

وبتأمّل الوثيقة السابقة المخطوطة بخطّ يد المرحوم الملاّ الحاج حبيب ابن يوسف بن الحاج أحمد نستخلص منها عدّة حقائق ثقافية وتاريخية وعائلية تخصّ في جانب منها نسبه العائلي ، وفي جانب آخر تبرز لنا انتماؤه لأسرة علمية لم تأخذ نصيبها أو حظّها من العناية والتركيز والاهتمام ، ويمكننا استجلاء الحقائق التالية من باطن الوثيقة المتقدّمة ومنها :

١ ـ تكشف هذه الوثيقة الثقافية ببعدها التاريخي عن عمرها الحقيقي الذي تجاوز قرناً هجريّاً وعشر سنوات ، فتاريخها كما هو واضح من نصّها يعود إلى بداية العقد الثالث من القرن الهجري الرابع عشر وهو العام الهجري (١٣٢١) على وجه التحديد ، وإذا ما طرحنا مقدار التاريخ المتقدّم ذكره من التاريخ الهجري لهذه السنة (١٤٣١هـ) التي اكتشفنا فيها هذه الوثيقة الهامة يكون عمر الوثيقة المذكورة (مائة وعشر سنوات هجرية) ، وبحساب التاريخ الميلادي يكون هذا التاريخ ونقصد سنة (١٣٢١هـ) يصادف تقريباً سنة (١٩٠٣) الميلادية.

٢ ـ إنّ الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد ذكر لأوّل مرّة نسبه هنا مطوّلاً بنحو لم نطّلع عليه في غير هذه الوثيقة من قبل ، فالعادة في وثائق أخرى مرتبطة بكتاباته ونسخ الكتب الأخرى كان الحاج حبيب يتوقّف عند جدّه الشيخ يوسف في أقصى حدّ ، أمّا هنا في هذه الوثيقة وبعد أن انتهى من نسخ كتاب مقتل الإمام عليّ بن أبي طالب وفرغ منه سنة (١٣٢١هـ) امتدّ

٢٤٣

بنسبه العائلي إلى الجدّ الخامس وإنْ كان اسم جدّه الخامس في الوثيقة غير واضح لنا للأسف أو أنّنا أخفقنا في قراءته بدقّة ، وتوحي كلماته في هذه الوثيقة بنسب أبعد ممّا اعتدنا عليه عندما يفرغ من نسخ كتب أخرى كما في كتاب وفاة الإمام الحسن والنبيّ يحيى وغيرهما من الكتب التي كان ينسخها ، حيث يقول في هذه الوثيقة التي كتبها في نهاية كتاب مقتل الإمام علي (١) المخطوط ضمن أحد المجلّدات : «وهذا آخر ما انتهى إلينا من وفاة سيّدنا ومولانا وإمامنا وعمادنا وشفيعنا أمير المؤمنين عليه‌السلام على التمام والكمال ، ونستغفر الله عن الزيادة والنقصان والسهو والغلط والنسيان ، إنّه غفور منَّان ، والحمد لله حقّ حمده ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ، تمّت وكملت الوفاة على يد الحقير الغائص في لجج الذنوب حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ محمّد ابن شيخ عبد الله المبرور المرحوم عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المؤمنين والمؤمنات ، يوم الأحد.. يوم الخامس والعشرين من شهر ثاني جمادى ١٣٢١ هـ» ، ثمّ استدرك تكملة نسبه بحاشية على الجانب الأيسر من الوثيقة فقال استدراكاً بعد قوله : (المبرور المرحوم) بن الشيخ (........) (٢) ، ثمّ أضاف في الحاشية اليسرى من الصفحة المكتوبة فيها

__________________

(١) لم نتوصل إلى اسمه.

(٢) هنا كلمة لم استطع قراءتها ، فوضعنا الفراغات بالنقط بالرغم من وضوح بعض حروفها ، ولكن رسم الكتابة لم يمكننا من القراءة الصحيحة ، والله أعلم بذلك.

٢٤٤

وثيقة (١٣٢١هـ) كلمات أربع في وصف جدّه الخامس بأنّه «العكري أصلاً والنويدرات مسكناً» ، وبذلك وصف نفسه بهذا الانتماء.

٣ ـ تفيد الوثيقة خلافاً لما يعرفه الناس في النويدرات بأنَّ أصل عائلة الناسخ الحاج حبيب من قرية العكر التاريخية ، وعبارته في الحاشية المتقدّمة الموجودة على الطرف الأيسر كانت واضحة للغاية ، وبالطبع تفيد العبارة أنّ عائلته نزلت النويدرات في عام (١٣٢١هـ) على أقلّ تقدير بعد أن نزحت من قرية العكر التاريخية ، وهو زمن كتابة هذه الوثيقة ، ويحتمل أنّ نزولها بـ : (النويدرات) أبعد من هذا التاريخ ، وأنّه نسخ كتاب مقتل الإمام وكتب ديباجته في آخر صفحاته التي أكّد فيها أنّ جدّه الخامس «عكري أصلاً والنويدرات مسكناً» ، والملحوظ أنّ الحاج حبيب حدّد تاريخ كتابة وثيقته لارتباطها بتاريخ الانتهاء من مخطوط مقتل الإمام عليّ عليه‌السلام ، ولكنّه لم يذكر تاريخ هجرة قسم من عائلته من قريته العكر إلى قريته المجاورة (النويدرات) ، فلعلّه لا علم به.

٤ ـ وتفيدنا كلمات الناسخ الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف العكري البحراني في حاشيته الجانبية الاستدراكية الإضافية باحتمالين ، فإذا كان قد عنى نفسه مباشرة من عبارته «العكري أصلاً والنويدرات مسكناً» فإنّ عمر النويدرات ما بين قرنين وبضع سنوات أو أكثر قليلاً ، أمَّا إذا عنى بكلماته جدّه الخامس ، والمراد هنا نزوله في قرية النويدرات منذ ذلك الوقت ، وهذا احتمال للمناقشة والبحث يحتاج للبرهان

٢٤٥

والدليل العلمي فإنّ عمر النويدرات يزيد عن ثلاثة قرون ونصف وربّما أبعد ، ونحن نميل إلى الاحتمال الأوّل وهو أنّ الحاج عنى نفسه بأنّه (عكري أصلاً ونويدري مسكناً) ، وأنّ عائلته نزحت للنويدرات في زمن متأخّر قبل ولادته في النويدرات ، ولم يحدّد لنا تاريخ هجرتها ، فكلمات الحاشية تتضمّن تقديراً غير دقيق لتاريخ وجود النويدرات ، وهو لم يقصد سوى تعريف الناس بنسبه وأصل بلده ، وليس تقدير العمر الحقيقي لقرية النويدرات.

٥ ـ إنّ هذا المخطوط المؤرّخ بهذا التاريخ هو بالنسبة إلينا أقدم مخطوط نسخه قد تعرّفنا عليه ، ولا نستبعد أن يوجد مخطوط غيره أبعد زمناً ، ولكنّنا هنا نتحدّث بأدلّة ثبوتية لا توقّعات وفرضيّات احتمالية ، وستبقى هذه الحقيقة قائمة حتّى نستفيد من دليل آخر ينطوي على حقيقة مختلفة تؤكّد نسخه لمخطوط سابق قبل تاريخ (١٣٢١هـ) ، فيترتب عليه حقائق جديدة.

٦ ـ قدّم الناسخ الملاّ الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد في وثيقة (١٣٢١هـ) دليلاً واضحاً ومباشراً بأنّه ـ كما تقدّم القول ـ ينحدر عليه رحمة الله سبحانه وتعالى من عائلة علمية ، فبمقتضى مضمون هذه الوثيقة ذكر أنّه من سلالة علمية ، وقد توقّف عند جدّه الخامس المسجّل في الحاشية بشكل غير واضح ، وجميعهم من الجدّ الثاني حتّى الجدّ الخامس هم من علماء الدين ، ولا يستبعد أن يكون جدّه الأوّل الحاج أحمد من العلماء غير المعمّمين مثله أو من المهتمّين بالشأن الثقافي ، والله سبحانه بحقائق الأمور وأسرارها أعلم وأدرى.

٢٤٦

الشيخ أحمد بن محمّد بن سرحان العكري البحراني :

يعتبر الشيخ أحمد بن الحاج محمّد بن الحاج أحمد سرحان بسبب تجربته لكسب العلم أكثر علماء العكر شهرة بين العلماء والمهتمّين بالتراث الثقافي لعلماء البحرين وبخاصّة للأجيال الجديدة الحاضرة ، وذلك بسبب نشاطه الثقافي في مجالات التعلّم وطلب العلم والتأليف والتدريس والخطابة وكتابة التعليقات والحواشي على الكتب والرسائل العلمية ، وهو من علماء القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريّين ، وكانت بينه وبين الشيخ التاجر مراسلات ، ومنها ـ على سبيل المثال ـ ما كتبه الشيخ بن سرحان في ترجمة حياته للشيخ التاجر(١) ، بل كان يستخدم المراسلات مع الوجهاء وأصحاب القضايا بحسب وظيفته الشرعية كما في الوثيقة الأخيرة ، ونقصد رسالته لأحد الوجهاء الذي له منازعة مع آخرين ، وهي موقّعة كما يبدو بختمه الخاصّ ومدونة بخطّ يده.

لقد حظي بن سرحان ـ كعالم جليل أثبت كفاءته ـ بأكثر من ترجمة ، وكان أكثر حظّاً من غيره حيث ذكرته كتب التراجم بسبب شهرته التي اكتسبها ، فالشيخ أحمد بن سرحان وهو من علماء القرن الرابع عشر(٢) ابن

__________________

(١) انظر منتظم الدرّين ٢/٢١٤.

(٢) كان مولد الشيخ بن سرحان في سنة ١٢٨٥ هجرية ، أي في القرن الهجري الثالث عشر ، ومع مطلع القرن الرابع عشر وفي بداية صباه فكّر رحمه الله في الرحيل خارج الوطن والالتحاق بخاله العلاّمة الشيخ علي بن عبد الله الستري صاحب منار الهدى الموجود آنذاك في سلطنة عمان.

٢٤٧

أخت صاحب كتاب منار الهدى الشيخ علي بن عبد الله الستري نزيل لنجة ومسقط ومطرح على الساحل العماني ، وقد التحق بخاله في هذه المنطقة دون علم أهله وهو ما يزال يافعاً صغيراً وذلك لغرض طلب العلم والتعلّم والتفقّه ، وبالرغم من أنّ أصل هذا العالم الجليل من العكر وأنّ عائلته مشهورة في هذه القرية إلاَّ أنّ بعض علماء التراجم كالشيخ التاجر يذكره من (مركوبان) إحدى قرى جزيرة سترة ولا يشير إلى موطنه الأصلي العكر لمجرّد أنّ مولده في جزيرة سترة.

وبصرف النظر عن تجربته المثيرة فإنّ البحرين بأسرها وبخاصّة قريته العكر فخورة بجهاده ونبوغه العلمي ، فقد حفر اسمه في سجل الخالدين ، ووضع اسم عائلته ولقّبها في صفحة التاريخ المتألّقة ، فلا يستطيع أحد من أرباب التراجم أن يكتب عن التراث الثقافي لعلماء البحرين ويتخطّاه سهواً أو عمداً إلاَّ وقد تجاوز علماً بارزاً في المعرفة الإسلامية ، فهو أحد أساطين العلم والمعرفة ، فابن سرحان صاحب طموح حقّقه بنضاله الشخصي دون هوادة وبثورته على ذاته منذ صباه اليافع ، وحقّ لنا نحن المتأخّرين الاعتزاز بإرادته ، وقد اشتغل بنشاطات ثقافية متعدّدة أبرزها التدريس والتأليف والخطابة وجمع المسائل العلمية وضبطها وتحمّل مشقّة السفر لمئات الكيلومترات للوصول إلى خاله المهاجر في الشقيقة.. سلطنة عمان ، وقد ذكره علماء التراجم المعاصرون لزمانه كالشيخ علي بن حسن البلادي البحراني في أنوار البدرين والشيخ محمّد علي التاجر في منتظم الدرّين ومتأخّرون عن عصره أمثال

٢٤٨

الباحث الدكتور سالم النويدري في أعلام الثقافة الإسلامية وغيره من كتّاب علم التراجم.

ومن مؤلّفاته(١) :

ـ الدرّ المنثور في مسألة علم الإمام المعصوم.

ـ يواقيت الإقبال في المواقيت والأعمال في مناسك الحجّ.

ـ النبذة ، منسك مختصر.

ـ رسالة في إثبات حرمة الخمر في الشرائع السابقة.

ـ مسائل إلى الشيخ محمّد علي بن الحاج حسن المدني البحراني.

ـ الأجوبة العليَّة للمسائل المسقطية.

وبالنسبة للكتاب الأخير فهو مجموعة مسائل وجّهت لخاله العلاّمة الشيخ علي بن عبد الله الستري المعروف صاحب كتاب منار الهدى فجمعها تلميذه وابن أخته الشاب الأسعد الشيخ أحمد ابن الحاج محمّد بن سرحان البحراني ، ورتّبها على ترتيب الفقه ، وهو كتاب نفيس وجامع أنيس(٢).

النشاطات الثقافية لعلماء العكر :

جوهر النشاط الثقافي لعلماء العكر هو قيامهم بنشاطات ثقافية تجسّد أدوارهم ووظائفهم العبادية التي حدّدها المشرّع التربوي الإسلامي.

__________________

(١) منتظم الدرّين ١/٢١٦.

(٢) أنوار البدرين : ٢٣٨.

٢٤٩

ويمكن حصر النشاطات الثقافية التي تجسّد أدوار علماء العكر بما يلي :

١ ـ عملية النسخ :

بمراجعة كتب التراجم والمخطوطات التراثية لعلماء الإمامية البحرانيّين أو غير البحرانيّين نجد أنّ الحاج حبيب بن يوسف قد انفرد في من بين علماء العكر في هذا المجال باعتباره من أبرز الناسخين للكتب التراثية ، وهو من سلالة الشيخ عبد الله ، وقام بهذه المهمة في موطنه الجديد بالنويدرات ، أمّا باقي العلماء من الأسرتين فلا نعرف عن دورهم في مجال النسخ وكتابة المخطوطات شيئاً ، أمّا الحاج حبيب وابنه الحاج أحمد فقد اشتغلا بعملية نسخ الكتب ، وانفرد الحاج حبيب عن غيره بها مع تفاوت بارز في نشاطه عن ابنه الحاج أحمد ، فالمرحوم الحاج حبيب نسخ عدداً من الكتب والرسائل الثقافية والدينية والتاريخية التي اطّلعنا عليها ، وهي لعدد من العلماء تلبية لحاجات المجتمع وخدمة للدين ، وأمّا ابنه الحاج أحمد فما أعرفه عنه أنّه نسخ بعض القصائد ، لكنّه على ما يبدو لم تأخذ عملية النسخ وقتاً كبيراً من حياته ، ولم يتّخذها مهنة.

وممّن عرفوا كذلك من خلال وثائقنا الثقافية ـ التاريخية المكتوبة والمتوافرة بالمهتمّين بمهمّة نسخ المخطوطات والكتب التراثية الدينية

٢٥٠

والتاريخية الحاج حسن بن عبد الله بن سرحان(١) وهو من أهالي العكر أصلاً ، وقد نزلت عائلته الكريمة النويدرات وعاش في كنفها ما تبقّى من سنين عمره ، ونسخ عدداً من الكتب أشرنا إلى بعضها في كتابنا غير المنشور (بربورة وشهادة التاريخ) ونشرنا بعض ما كتبه كوثائق يدوية خطّية في الكتاب المذكور.

٢ ـ نظم الشعر :

عندما مررنا في سياق ترجمة علماء أسرة (بن مانع) وجدنا عبارات من بعض علماء التراجم تشير إلى اهتمام الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع وابنه الشيخ حسن بنظم الشعر وقصائده خدمة للدّين وتعبيراً عن وجدانهم الروحي ورثاءً لمصائب أهل البيت عليهم‌السلام وبخاصّة مصاب الإمام الحسين وأهل بيته عليهم‌السلام في كربلاء ، وقد أيَّد الحاج حسن بن نصر الله وهو الثقة المؤتمن لدى الشيخ التاجر هذه الحقيقة ، أمّا الشيخ أحمد بن الحاج محمّد بن أحمد بن سرحان فنقل صاحب منتظم الدرّين أنّه رأى من نظم الشيخ أحمد بن سرحان تقريظاً على كتاب شيخه وخاله منار الهدى ، وكان

__________________

(١) سمعت من أحد أحفاده الأحياء إصرار أبناء قريته «العكر» الأفاضل على إعادته لموطنه الأصلي قريته العكر ليقوم بمهامّه الثقافية ، وفعلاً استجاب لهم وعاد إليها لعدّة أشهر ، فضاقت نفسه ولم يتلاءم مع ظروف العيش فيها فعاد إلى النويدرات من جديد ، ربّما لأنّ أجواء النشاط الثقافي كانت أكثر قوّة وحيوية ، وقد يكون السبب أن صعب عليه فراق أحبّته الأعزاء في النويدرات وأبناء عمومته الساكنين فيها ، والله أعلم بالرواية وصحّتها.

٢٥١

في مدخل القصيدة بيت الشعر التالي.

منار الهدى يهدي لمن هو يبصر

ويكمد أعداءً إلى الحقّ تنكر

وقصيدته في تقريظ الكتاب المتقدّم مكوّنة من عشرين بيتاً كان البيت السابق في مطلعها ، وقد ختم بن سرحان قصيدته التقريظية لكتاب خاله بالبيت التالي :

لقد قلت فيه مادحاً ومؤرّخاً

منار الهدى يشفي الصدور ويبهر(١)

وقد سمعت من بعض المهتمّين بالتاريخ الثقافي لقرية النويدرات أنّ الحاج حبيب بن يوسف المعروف كخطيب حسيني وكناسخ قد نظم بعض الشعر ، ولكنّه لم يشتهر به بين الناس ، ويقال أنّ مجموعة من قصائده وأبيات الشعر التي نظمها قد جمعها واحتفظ بها أحد أقاربه المعاصرين الأحياء.

٣ ـ تأليف الكتب والرسائل العلمية :

إنّ الوثائق التي عثرنا عليها تؤكد بأنّ الشيخ أحمد بن الحاج محمّد بن سرحان وهو من أبناء العكر وقد ولد في سترة ، والشائع عنه أنّه قد انفرد وحده دون علماء العكر بتأليف الكتب والرسائل العلمية المكتوبة والمعروفة في أوساط المهتمّين بالتراث الثقافي لعلماء البحرين ، وقد أشارت كتب التراجم إلى عدد من مؤلّفاته ومصنّفاته ورسائله في علوم الشريعة ، أمّا باقي أفراد الأسرتين (بن مانع والشيخ عبد الله) عدا الشيخ عبد النبي فلم نتعرف

__________________

(١) منتظم الدرّين ١/٢١٦ ـ ٢١٧.

٢٥٢

حتّى اللحظة الحاضرة على أحدهم اهتمّ بالتأليف أو نسب إليه تصنيف رسالة ، ومررنا من قبل على بعض مصنّفات بن سرحان ومؤلّفاته.

أمّا بالنسبة للشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني فقد صنَّف وألَّف بعض الكتب منها :

ـ ديوان شعر في المراثي للأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام.

ـ كتاب حول (حلية التتن).

ـ كتاب عن (شرب القهوة) (١).

٤ ـ الخطابة :

لم نعرف عن علماء الأسرتين عملهم بالخطابة الحسينية باستثناء الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ محمّد بن الشيخ عبد الله المبرور بن الشيخ..... (العكري أصلاً والنويدرات مسكناً) ، ومنّ الله علينا بحضور بعض مجالسه الحسينية أيّام الصبا والشباب ، وكذلك ابنه الحاج أحمد بن الحاج حبيب بن يوسف ، وربّما كان لبعض علماء العكر المذكورين في هذا البحث نصيب في هذا المضمار.

٥ ـ التدريس :

يحرمنا نقص المعلومات عادة ، وفي كثير من الأحيان من الكتابة الموثّقة للتاريخ حتّى لو كانت الوقائع تدلّ فعليّاً على حدوث نوع من النشاط

__________________

(١) علماء البحرين : ١٥٧.

٢٥٣

الثقافي في فترة ما ، إلاّ أنّ عدم تدوين هذه النشاطات يجعل البعض يشكك في الاعتراف بها كحقائق ، بل يطال التشكيك حتّى الوقائع المكتوبة ، وينسحب هذا القول على ممارسة علماء العكر للتدريس كنشاط ثقافي مرتبط بوظائفهم العبادية والروحية التي كلّفوا بها من قبل المشرّع التربوي الإسلامي ، فما أن يتخصّص المرء في دراسة العلوم الشرعية حتّى يداخله بالضرورة إيمان فطريٌّ وتشريعيٌّ بتنفيذ التكليف الشرعي الذي يلزمه القيام بمهمّة تدريس طلبة العلم وتبليغ الناس بأحكام الدين.

كقيام الشيخ أحمد بن الحاج محمّد بن أحمد بن سرحان بإدارة حلقة درس تعليمي في أحد مساجد عمان بعد صلاة العشاء.

يقول أحد مصادر التراث الثقافي البحراني عن ممارسة العلاّمة الشيخ أحمد بن محمّد بن سرحان لعملية التدريس الديني في سلطنة عمان لفرقة الحيدرآبادية : «كانت له حلقة درس في مسجد ابن عبَّاس بعد صلاة العشاء ، ويراجعه الناس في مسائلهم»(١) وذلك عقب عودته من دراسته الحوزوية بمدينة النجف الأشرف العراقية ، فسافر مباشرة مع أعضاء من هذه الجماعة إلى سلطنة عُمَان تنفيذاً لطلب ورغبة فرقة (الحيدر آبادية) الذين ألحّوا على دعوته لبلادهم فاستجاب لهم ، وقام بتوعيتهم بأحكام الدين عن طريق الخطابة والتدريس المسجدي كما أوضحت بعض مصادر التراجم وكتَّاب السيرة.

__________________

(١) جزيرة سترة بين الماضي والحاضر ، دراسة وتحليل : ١٥٩.

٢٥٤

٢٥٥

المصادر

١ ـ الاحتلال العماني للبحرين وآثاره التدميرية على حركتها العلمية : مَدن ، يوسف ، دراسة تفصيلية ، (نسخة إلكترونية) ، غير منشورة ، مملكة البحرين ، سنة ٢٠٠٩م.

٢ ـ الأسر العلمية في البحرين : النُّوَيدري ، سالم بن عبد الله ، مجلّة الموسم ، العدد (١١) ، المجلّد الثالث ، مجلّة فصلية مصوّرة تعنى بالآثار والتراث الإسلامي.

٣ ـ أسر البحرين العلمية ، أنسابها وتاريخها العلمي والثقافي وأعلامها : النويدري ، سالم ، عبد الله ، دار المودّة للطباعة والنشر ، لبنان ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة الطبع ١٩٩٤م.

٤ ـ أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال أربعة عشر قرناً ، المجلّدات الثلاثة : النويدري ، سالم عبد الله ، بيروت ، مؤسّسة العارف للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ١٤١٢هـ ـ ١٩٩٢م.

٥ ـ أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين : البلادي البحراني ، علي بن حسن بن علي ، تصحيح وتعليقات محمّد علي الطبسي ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف ، العراق ، طبعة سنة ١٩٨٤م ، ١٣٨٦م.

٢٥٦

٦ ـ بربورة قرية مندثرة : مدن ، يوسف ، دراسة منشورة ، وهي حلقة ضمن سلسلة «كتاب للجميع» ، ومن إصدارات صحيفة الوسط البحرينية ، «نسخة إلكترونية على موقع الصحيفة» ، العدد التاسع ، سنة الإعداد ٢٠٠٩م ، تاريخ الصدور ١٣ يوليو ٢٠٠٩م.

٧ ـ بربورة وشهادة التاريخ.. دراسة في الأدلّة الاجتماعية والوثائق التاريخية : مدن ، يوسف ، دراسة موسّعة ، (نسخة إلكترونية) ، غير منشورة ، سنة الإعداد ٢٠٠٩م.

٨ ـ التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية : النبهاني الطائي ، محمّد بن خليفة ابن حمد بن موسى ، بيروت ، دار إحياء العلوم والمؤسّسة العربية للنشر والتوزيع ، المكتبة الوطنية بالبحرين ، الطبعة الأولى ، سنة ٢٠٠٤م ـ ١٤٢٥هـ.

٩ ـ جزيرة سترة بين الماضي والحاضر : حبيل ، عبد علي محمّد ، دراسة وتحليل ، المطبعة الحكومية ، مملكة البحرين ، المنامة ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤٢١ هجرية ، ٢٠٠٠م.

١٠ ـ الخرائط التاريخية للبحرين ما بين ١٨١٧ ـ ١٩٧٠م) : روبرت جيرمان ، طبعة ١٩٩٦م.

١١ ـ دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة : لوريمر ، القسم الجغرافي ، ج ١.

١٢ ـ ديوان شعلات الأحزان في رثاء النبيّ وآله سادات الزمان : السهلاوي ، ملاّ محسن بن سلمان بن سليم ، طبعة جديدة ، سنة ٢٠٠٩م.

١٣ ـ الذخائر في جغرافية البنادر والجزائر : البحراني ، محمّد علي بن الشيخ محمّد تقي آل عصفور ، إعداد وتحقيق محمّد بن عيسى آل مكباس ، آل مكباس للطباعة والنشر ، المطبعة (علمية) بدون تحديد مكان المطبعة ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٢هـ ـ ٢٠٠٢م.

٢٥٧

١٤ ـ عقد اللآل في تاريخ أوال : التاجر ، محمّد علي ، إعداد وتقديم الأستاذ : إبراهيم بشمي ، من إصدارات مؤسّسة الأيَّام للصحافة والطباعة والنشر ، مملكة البحرين ، المنامة ، الطبعة الأولى ، سنة النشر (١٩٩٤م).

١٥ ـ علماء البحرين ، دروس وعبر : المهتدي البحراني ، عبد العظيم ، مؤسّسة البلاد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، سنة ١٩٩٤م.

١٦ ـ قلائد النحرين في تاريخ البحرين : الخيري ، ناصر بن جوهر بن مبارك ، تقديم ودراسة الأستاذ : عبد الرحمن بن عبد الله الشقير ، مؤسّسة الأيّام للطباعة والنشر والتوزيع ، مملكة البحرين ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٤هـ ـ ٢٠٠٣م.

١٧ ـ مقتل أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : مخطوطة كتاب تراثي ديني وتاريخي ، مؤلفه غير معروف ، نسخ المخطوط الحاج حبيب بن يوسف ابن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف ، تاريخ النسخ سنة ١٣٢١هـ.

١٨ ـ منتظم الدرّين في تراجم علماء وأدباء الإحساء والقطيف والبحرين : التاجر ، محمّد علي ، بمجلّداته الثلاثة ، دار طيبة لإحياء التراث ، قم المقدّسة ، إيران ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤٣٠هـ ـ ٢٠٠٩م.

١٩ ـ وفاة النبي يحيى بن زكريّا : مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله بن حسين ابن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي البحراني ، نسخ المرحوم الخطيب الحسيني الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ محمّد بن الشيخ عبد الله ، تاريخ النسخ سنة ١٣٣٨م ، توثيق وتحليل يوسف مدن.

٢٥٨

الكليني ومنهجيّته في الكافي

السيّد علي محمود البعاج

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم تمهيدي :

حمداً لك اللّهمّ وصلاة وتسليماً على عباده الذين اصطفى : محمّد وآله الهداة المهديّين وعلى صحبه الأبرار المنتجبين والشهداء والصدّيقين والعلماء الربّانيّين.

وبعد فقد قيّضت المشيئة الإلهية والإمدادات الغيبية للحديث الشريف حَفَظة تداولوه بالدرس والتدريس وتعاهدوه بالإبانة والتوضيح ما كرّ الجديدان ، ولم تثنهم عن ذلك طوارق الحدثان ، وذهبوا في ذلك مذاهب شتّى ، ولا ضير فإنّ الوصول إلى الله «بعدد أنفاس الخلائق» ، (وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) ، والحديث المطهّر هو الامتداد الطبيعي للذكر الحكيم (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى) وهو أعرف من أن يعرّف وأقدس من أن يحرّف.

٢٥٩

وأمّا الكليني فهو وريث المتكلّمين من أئمّة المحدّثين ، والرعيل الأوّل في الفقهاء الروحانيّين ، من عمد الدين وأركان المذهب ، هو الذي ارتحل من كلين ـ الريّ وما أدريك ما الريّ؟ وَلُودة المحدّثين ، وليطلب الرواية ويدعو الناس إلى الاعتصام بذمام السنّة الشريفة ، وغاص في عالم فسيح من المعرفة لينظم الكافي كافياً شافياً ، أنموذجاً موثّقاً يرقى بين عنوانات المحدّثين إلى جنب صحيح البخاري ومسند أحمد وموطّأ مالك وخلاصة (الأصول الأربعمائة) عند الإمامية وكفاه.

وأمّا أنا وأعوذ بالله من (أنا) (إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي) فالقصور يمشي على قدمين ليدلف إلى اروقة (تراثنا) والتقصير مجسّداً في اثنتين : فيّ وفي هذه الوريقات ، وما عساي إلا أن تنال رضا مصدر الكافي الأعظم (محمّد) الأسوة الحسنة والرحمة المهداة.

والله أدعو ببركة (الكافي) أن يكفينا المهمّ كلّه.

والله أسأل ببركة (الكليني) أن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً فإنّه الكافي لا كافي سواه ومنه تعالى نستمدّ الاعتصام.

٢٦٠