تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

الأولى / ١٢٣٢ للهجرة.

ـ الوصول إلى كربلاء المقدّسة ، الإثنين : ١٢/جمادى الأولى/١٢٣٢ للهجرة.

صوَر معبرة من رحلة (تذكرة الطريق) :

لقد اشتملت هذه الرحلة على الكثير من المشاهد المعبّرة والغريبة ، ومن خلال هذه الرحلة يمكن لنا إبراز بعض المشاهد التي صوّرها الكرناتكي في هذه الرحلة بعدسته ، ونترك التعليق عليها للقارئ الكريم :

ـ (دارت هناك الكثير من الأحاديث ، من ذلك كلام عجيب مفاده : أنّه توجد شجرة حَوَر في قزوين يسيل دمٌ عبيط من جميع أغصانها في يوم العاشر من المحرّم).

ولا زالت أصداء هذه الشجرة الدامية تطرق أسماعنا ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين للميلاد ، بل هناك توثيقات بالأفلام والصور ، وتقع هذه الشجرة في قرية (زر آباد) في باحة مرقد أحد السادة الأشراف من نسل الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام.

ـ (تمتاز هذه القرية بمائها العجيب ، حيث ترتفع حرارته بقدرة الله ، حتّى أنّ البخار يتصاعد منه وكأنه ماء حمّام ، يكون الماء في هذه القرية عند الصباح شديد الحرارة ، فلو أدخلت يدك فيه فإنّها ستحترق ، ثم تنزل درجة حرارته بالتدريج حتّى يبرد في منتصف الليل ، ثم تبدأ الحرارة بالارتفاع مرّة ثانية ، وهكذا دواليك ، وهذا هو شأن جميع المياه في هذه القرية ، سواء في

٢٦١

ذلك الماء المخزون أو ماء الآبار ، وحتّى الأنهار).

ـ كما وصف الشيخ حمود بن مراد قائلاً : (أرسلت بعض الرجال إلى حمود بن مراد كبير سوق الشيوخ ، وله منزلة ومكانة مرموقة عند الباشاوات في بغداد ، وتقع البصرة تحت تصرّفه أيضاً ، وكما يقول الشيخ المذكور : إنّه يقيم في موضع واحد من سوق الشيوخ ... وقد دأب على أداء صلاة الصبح ، لينام بعد ذلك إلى الظهر ، حيث يستيقظ ، ثم يذهب إلى الصحراء للخلوة ، ويعود بعد ذلك قبل انقضاء النهار بساعة ، ثمّ يصلّي الظهرين ، وبعد ذلك يصلّي المغرب والعشاء ، ثمّ يتناول الطعام ويفرغ منه عند انتصاف الليل ، ثم ينشغل بالمجاهدة حتّى الصباح ؛ ليصلي ثمّ ينام وهكذا دواليك ...).

ـ وصوّر الظلم الذي تعرّض له الإيرانيون ، ولم يسلم منه حتّى زعيمهم وسيّدهم الميرزا رضا قلي ؛ إذ يقول : (ماذا أقول إذ وقع الميرزا تحت وطأة هؤلاء القساة الذين لا يرعون للضيف إلاّ ولا ذمّة ، فكان يمشي معهم مسرعاً مستسلماً لقدره ومصيره ، حتّى بلغوا به إلى حيث خيمتهم ، وبدأوا يجرّدونه من ثيابه ، فأخذ واحد غطاء رأسه ، ومال آخر إلى جبّته ولفاعه ، وأخذ آخر على عاتقه مهمّة الجلاّد فشهر سيفه ووقف على رأس الميرزا ، وجاء أحدهم بالسلاسل ليضعها في قدميه ، وقال آخر : سنركبه على جمل ونأخذه معنا. خلاصة الكلام : أنّ الميرزا المسكين وقع بين أشداق هؤلاء الأشقياء وحيداً مظلوماً ، لا يعرف حيلة للخروج من تلك المصيبة).

ـ (قضى ما يقرب من ألف أو ألفي حاجّ من العجم حيث مرضوا تحت

٢٦٢

حرارة الخيام ، إذ أنّهم كانوا يعيشون في مدنهم أجواءً باردة ، ولم يألفوا مثل هذا المناخ المرتفع الحرارة).

ـ (معروف أنّ كلّ من يشرب من ماء بغداد ـ أي دجلة ـ يغدو بديناً أسود القلب ، وكل من يشرب من ماء الفرات يغدو نحيفاً أبيض القلب ، وإنّ ماء الفرات أعذب من ماء دجلة).

ـ (كان الأتراك في البستان يعزفون على الأعواد والأوتار ، وينفخون في الأبواق ، سبحان الله كيف يتمّ العزف في مثل هذا المكان المقدّس بالذات على مثل هذه الأدوات التي تمّ تحريمها. إنّ في ذلك لعبرة).

ـ (طلع علينا قرن جباة الخاوة من بني عنيزة ، وقد أراد القائمون على القافلة الإقامة حتّى الظهر ، ولكنّهم شدّوا الرحال بعد مضيّ ثلاث ساعات من النهار ، وعند الظهر بلغنا مشارف قلعة بني عنيزة ، حيث تمّ إجبار الحجّاج على النزول ، وبدأ أصحاب تلك القلعة التحلّق حول الحجيج جماعات جماعات ، وكانوا يدخلون الخيمة واحداً إثر آخر ، وكان كلّ واحد يأخذ شيئاً ويلوذ بالفرار ، وكان كلّ واحد من الحجّاج إذا تعقّب سارقاً وانفصل عن سائر الحجّاج مسافة قليلة ، كان أفراد بني عنيزة الذين أحاطوا بالحجيج يتبعونه ويضربونه بالسياط ويعملون على تجريده ، ليعود إلينا حاسراً كسيراً ، وإذا انطلق للحصول على شيء ، عاد إلينا مجرّداً من ثيابه ، بعد أن يكون قد نال نصيبه من الضرب والإهانة ، كانت مثل هذه القيامة ماثلة أمامنا في ذلك الموضع ، وكان الناس بعد ما جرى عليهم في تلك الليلة يتوجّسون مما

٢٦٣

سيحلّ عليهم في ذلك اليوم ، وجاء حمّالونا يتوسّلون إلينا قائلين : إنّهم يبيعون الكبش بريال إفرنجي ، وتوسّلوا إلينا أن ننعم عليهم بذلك ، فاشتريت وأعطيتهم ، مع أنّهم لم يستحقّوا ذلك ، إذ لم يقوموا في الليلة السابقة بواجبهم في الحراسة ، وناموا منذ بداية الليل ، ولم يقوموا بمهامهم إلاّ بعد أن أجبرناهم على الاستيقاظ.

قبل نصف ساعة من غروب الشمس قام الأعراب من بني عنيزة بصفّ جمال الحاجّ صالح الحملة دار الكاظماوي ـ الذي كان رجلاً شجاعاً ومقداماً ـ وكان عددها سبعين بعيراً ، وكانوا يهمّون بنهبها ، وحمّلوها لهذه الغاية ، فلحق بهم الحاجّ مهدي شقيق الحاجّ صالح مع رجاله ، وانتزعوا منهم أربعين بعيراً بعد عراك وقتال ، ولم يتمكنوا من استرجاع الثلاثين الباقية. خلاصة القول : إنّها كانت معركة غير متكافئة تعكس غربة الحجيج وظلامتهم ؛ اجتمع ما يقرب من ثلاثمئة رجل من بني عنيزة مدجّجين بالأسلحة من البنادق والهراوات والرماح والسيوف والخناجر ، وأحاطوا بالحجّاج من كلّ جانب ، وأيقنا بأنّهم سينقضّون على الحجاج في الحال وينهبون منهم أموالهم ، حتّى جاء كبار بني عنيزة وحالوا دونهم ودون الهجوم على الحجيج ، وعمدوا إلى تفريقهم ، وفي هذه الأثناء جاء أحد أفراد عبد الله بن سعود من الدرعية وهو مبارك الظاهري ومعه مئة رجل يحملون السلاح ، وادّعى بأنّه قد نُصّب من قبل أمير أمراء الحجيج أميراً على الحاج ، وأنّ عبد الله قد صرّح بأنّ الحجّاج قد سلكوا طريق الجبل على خلاف أمره ، ولذلك فإنّهم يستحقّون القتل ،

٢٦٤

ويستحقّون أن يُغار عليهم ، وتنهب أموالهم. ولكنّه قد عفا عنهم ، وهم الآن في أمان ، وحمل ثوباً وأهداه إلى الحاجّ صالح الحملة دار ، ليكون له الأمر والنهي على الحجّاج ، ولم يعلم الناس بما كان يضمره لهم ، ولذلك فرحوا وتصوّروا أنّ ذلك سيجنّبهم سطوة الأعراب والأشرار ، ويجعلهم في مأمن منهم. خلاصة الكلام : أنّ مشعل بن حزال ـ شيخ قبيلة بني عنيزة ـ كان يريد أخذ حصّته من الخاوة ، ويقول إنّها تبلغ ثلاثين ألف دينار ، وأضاف قائلاً : إنّكم إن أعطيتموها لي سمحت لكم بالذهاب ، وإلاّ فإنّي سأجرّد جميع الأفراد من ممتلكاتهم. القصد أنّ التفاوض قام على هذا الأساس.

جاء الحاجّ مفلح بخمسة رجال ، أجرة الواحد منهم ريالاً إفرنجيّاً ؛ ليقوموا بواجب الحراسة ليلاً ، فوافقت على ذلك وباشروا عملهم. والحقيقة أنّا بتنا ليلتنا في أمان من شرّ أولئك الأشقياء ، بيد أنّ الحجّاج من الكبار إلى الصغار أحيوا تلك الليلة حتّى الصباح.

كان الماء في ذلك الموضع مالحاً وفي طعمه شيء من المرارة ، علاوة على أنّه في مكان ناء عن الحجّاج قليلاً ، وإذا أرادوا جلب الماء كانوا يتجرّدون ويذهبون على شكل جماعات ، وإذا أراد أحد أن يذهب لحاجة عند الماء لم يكن ليجرؤ على الانفصال عن سائر الحجيج لرفع حاجته ثمّ العودة إليهم ، فكان يضطرّ إلى اصطحاب شخص معه مسلّح بحربة ، لينشغل في قضاء حاجته ، والآخر يقف حارساً عليه.

ماذا أقول وماذا أكتب عن ظلامة الحجيج؟! كانوا مبتلين في مصيبة لا

٢٦٥

يسعها الوصف ، حتّى أنّ ملائكة السماء كانت ترقّ لغربة الحجّاج في بادية نجد والحجاز).

ـ (جاءتني جارية ابن سويلم المطوي ـ إمام جماعة الوهابية ـ بشيء من التمر والدبس والبصل ، دعوت الجارية إلى الخيمة وسألتها عن أمرها وكيفية وصولها إلى تلك البلاد ؛ فقالت : إنّ الوهابي أسرني يوم القتل الذريع في كربلاء المقدّسة)!

نكتفي بهذا القدر من إطلالتنا على هذه الرحلة ، على أمل أن يتمكن القارئ الكريم من اقتناء نصّها الكامل ، ويجد فيها أضعاف ما قدّمناه له منها في هذه العجالة.

٢٦٦

فهرس المصادر

١ ـ أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين العاملي ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، ١٩٨٦م.

٢ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للعلاّمة آقا بزرك الطهراني ، دار الأضواء ، بيروت.

٣ ـ رحلة ابن بطوطة : لأبي عبدالله محمّد بن إبراهيم اللواتي ، المعروف بابن بطّوطة ، دار صادر ، ط٣ ، بيروت ، ٢٠٠٩م.

٢٦٧
٢٦٨

من ذخائر التراث

٢٦٩

٢٧٠

شرح القصيدة العينيّة

للسيّد الحميريّ

تأليف

الملاّ حبيب الله الشريف بن عليّ مدد

الكاشاني قدس‌سره

١٢٦٢ ـ ١٣٤٠ هـ

١٨٤٦ ـ ١٩٢٢ م

تحقيق

فارس حسّون كريم

٢٧١
٢٧٢

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة السيّد الحميري(١) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ينظر : رجال الطوسي : ١٤٨ ، أمالي الطوسي : ٤٩ و ٦٢٧ و ٦٢٨ ، الفهرست للطوسي : ٨٢ ، معالم العلماء : ١٤٦ ، التحرير الطاووسي : ٣٨ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٧٨ ، ربيع الأبرار ١ / ٤٤٥ و ٤٨٤ و ٤ / ٢٨٩ ، البداية والنهاية : ٩ / ٤١ و ١٠ / ١٧٩ ، فوات الوفيات ١ / ١٨٨ ـ ١٩٣ ، لسان الميزان ١ / ٤٣٦ و ٤٣٧ ، رجال الحلّي ١٠ ، المنتظم ٩ / ٣٩ ـ ٤١ ، وفيات الأعيان ٦ / ٣٤٣ ، الأعلام ١ / ٣٢٢ ، الكامل للمبرّد ٣ / ٢٠٦ و ٢٣٧ ، جمهرة أنساب العرب ٤٣٦ ، العقد الفريد ٢ / ١٠١ و ١٠٣ و ٣ / ٤٥ و ٤ / ١٢٢ و ١٤٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٢٩٤ ، عيون الأخبار ٢ / ١٤٤ و ١٤٩ ، تاريخ الأدب العربي لبروكلمن ٤ / ٦٨ و ٦٩ ، تاريخ الأدب العربي لعمر فرّوخ ٢ / ١٠٩ ـ ١١١ ، تاريخ آداب اللغة العربية ١ / ٣٦٦ و ٣٦٧ ، تاريخ التراث العربي لسزگين (المجلّد الثاني ، الجزء الثالث) : ٢٣١ ـ ٢٣٥ ، ديوان أشعار التشيّع : ٣٤٦ ، البيان والتبيين ٢ / ١٦٨ ، جامع الرواة : ١ / ١٠٢ ، قاموس الرجال ٢ / ١٠٦ ـ ١١٤ ، رجال الكشّي : ٢٨٥ ـ ٢٨٩ ، رجال ابن داود : ٥١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ / ٢٤٥ ، المقالات والفرق : ٣٦ ، إتقان المقال : ٢٧ ، هديّة العارفين ١ / ٢٠٦ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٦٨ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ١٩٦ ، تاريخ أبو الفداء ٣ / ٢١ ، أعيان الشيعة

٢٧٣

اسمه وكنيته : أبو هاشم إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن وِداع الحِمْيريّ ، الملقّب بالسيّد(١).

ولادته : وُلد عام (١٠٥ هـ) بعُمان(٢).

نشأته : نشأ في البصرة إلى أن عقل وشعر ، ثمّ غادر إلى الكوفة(٣).

أُسرته : كانت أُسرته من بني حِمير الذين قطنوا عُمان ، وكانوا أُباضيّة المذهب يكنّون العِداء لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعلى الرغم من كلّ ذلك فقد ظهر من هذا المنبت السوء موال لأهل البيت عليهم‌السلام ، مخلص في حبّهم ، ذابّ عن حريم ولايتهم بشعره وبيانه وجسمه وروحه ، على نحو لم يُر له مثيل فيمن غبر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٣ / ٤٠٥ ـ ٤٣٠ ، الذريعة ٩ قسم ١ / ٢٦٧ و ٢٦٨ ، الغدير ٢ / ٢١٣ ـ ٢٧٨ ، أدب الطفّ ١ / ١٩٨ ـ ٢٠٧ ، روضات الجنّات ١ / ١٠٣ ـ ١١١ ، الكنى والألقاب ٢ / ٣٠١ ـ ٣٠٦ ، معجم رجال الحديث ٣ / ١٧٧ ـ ١٨١ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، نسمة السحر ١ / ٣٦٦ ـ ٤٠٠.

وقد ذكر المؤلفّ قدّس سرّه بعض أخبار السيّد في مقدّمة ، لذا اكتفينا بها ، وهي بجملتها موجودة في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج٧.

(١) أخبار السيّد للمرزبانيّ : ١٥١ ـ ١٥٢.

(٢) أخبار السيّد : ١٥١ ـ ١٥٢.

(٣) لسان الميزان ١ / ٣٨٣.

٢٧٤

روى سليمان بن أبي شيخ عن أبيه : أنّ أبوي السيّد كانا أُباضيّين ، وكانمنزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة ، وكان السيّد يقول : طالما سُبَّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة ، فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له ، قال : غاصت علَيَّ الرحمة غوصاً.

وروي عن السيّد أنّ أبويه لمّا علما بمذهبه همّا بقتله ، فأتى عقبة بن سلم الهنائي فأخبره بذلك فأجاره وبوّأه منزلا وهبه له فكان فيه حتّى ماتا فورثهما(١).

حبّه لأهل البيت عليهم‌السلام : إنّ أبرز ما في حياة السيّد هو شدّة حبّه وتعلّقه بأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وسعيه في نشر مناقبهم ، ونقده لأعدائهم.

روي عن الحسن بن عليّ بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، قال : كنّا جلوساً عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيّد ، فجاء فجلس وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض ، فقلنا : يا أبا هاشم ، مِمَّ القيام؟ فقال :

إنّي لأكْره أن أطيلَ بمجلس

لا ذكر فيه لفضلِ آل محمّدِ

لا ذِكرَ فيه لأحمد ووصيه

وبنيه ذلك مجلس نَطْفٌ(٢) رَدِي

إنّ الذي يَنساهُم في مجلس

حتّى يفارقه لغير مُسدّدِ(٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الأغاني ٧ / ٢٣٠.

(٢) النطف : السيّيء الفاسد.

(٣) الأغاني ٧ / ٢٦٧.

٢٧٥

ممّا قيل فيه :

١ ـ قال ابن عبد ربّه : السيّد الحميري وهو رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له الوسادة في مسجد الكوفة(١).

٢ ـ قال أبو الفرج الأصفهاني : كان السيّد شاعراً متقدّماً مطبوعاً ، يقال له : إنّ أكثر الناس شعراً في الجاهليّة والإسلام ثلاثة : بشّار ، أبو العتاهية ، والسيّد ، فإنّه لا يعلم أنّ أحداً قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع(٢).

وقال في موضع آخر : كان السيّد أسمر ، تامّ القامة ، أشنب(٣) ، ذا وفرة ، حسن الألفاظ ، جميل الخطاب ، إذا تحدّث في محلّ قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه(٤).

٣ ـ قال العلاّمة الحلّي : ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشأن والمنزلة رحمه الله(٥).

وفاته : أثار نبأ وفاة السيّد ضجّة كبيرة في المجتمع الكوفي ، فقد توفّي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) العقد الفريد ٢ / ٢٨٩.

(٢) الأغاني ٧ / ٢٢٩.

(٣) الشنب : البياض والبريق والتحديد في الأسنان. ينظر : ترتيب كتاب العين ٢ / ٩٤٥ ، المعجم الوسيط ١ / ٤٩٦ ، نزهة النظر : ٤٦٠.

(٤) الأغاني ٧ / ٢٣١.

(٥) خلاصة الأقوال : باب الهمزة ، رقم ٢٢.

٢٧٦

السيّد عام (١٧٣ هـ) ؛ وقيل : (١٧٨ هـ)(١).

روى المرزبانيّ بإسناده عن ابن أبي حودان ، قال : حضرت السيّد ببغداد عند موته ، فقال لغلام له : إذا متُّ فأت مجمع البصريّين وأعلمهم بموتي وما أظنّه يجيء منهم إلاّ رجل أو رجلان ، ثمّ اذهب إلى مجمع الكوفيّين فأعلمهم بموتي أنشدهم :

يا أهل كُوفانَ إنّي وَامِقَ لكم

مُذ كنت طفلا إلى السبعينَ والكبرِ

أهواكم وأُواليكم وأمدحكم

حتماً عليَّ كمحتوم من القدْرِ

بحبكم لوصي المصطفى وكفى

بالمصطفى وبه من سائر البشرِ

إلى أن قال :

وكفِّنوني بياضاً لا يخالطه

شيء من الوشْيِ أو من فاخر الحِبَرِ

ولا يشيعني النُصَّاب إنهم

شرّ البرية من أنثى ومن ذكرِ

عسى الإلهُ يُنَجِّيني برحمته

ومدْحِيَ الغُرَرَ الزّاكين من سقرِ

فإنّهم ليسارعون إليَّ ويكبّرون ، فلمّا مات فعل الغلام ذلك ، فما أتى من البصريين إلاّ ثلاثة معهم ثلاثة أكفان وعطر ، وأتى من الكوفيّين خلق عظيم ومعهم سبعون كفناً ، ووجَّه الرشيد بأخيه عليّ وبأكفان وطيب ، فردَّت أكفان العامّة عليهم وكفّن في أكفان الرشيد ، وصلّى عليه عليّ بن المهديّ وكبّر خمساً ، ووقف على قبره إلى أن سطّح ومضى كلّ ذلك بأمر الرشيد(٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) لسان الميزان ١ / ٤٣٨.

(٢) أخبار شعراء الشيعة : ١٧٠.

٢٧٧

ترجمة المؤلّف(١)

اسمه ولقبه الشريف : هو آية الله المحقّق العلاّمة الملاّ حبيب الله الشريف بن الملاّ عليّ مدد بن رمضان الساوجي(٢) الأصل ، الكاشاني النشأة والمدفن(٣).

مولده ونشأته : وُلد في كاشان في حدود سنة (١٢٦٢ هـ / ١٨٤٦م) على ما هو تحقيقه ، إذ ذكر أنّه لم يتبيّن تأريخ مولده من مكتوب من والده وإنّما ذكرتْ له والدته رحمهما الله تعالى أنّ ولادته كانت قبل وفاة الغازي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تجد ترجمته أيضاً في : أعيان الشيعة ٤ / ٥٥٩ ، طبقات أعلام الشيعة ـ القرن الرابع عشر ـ ١ / ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، مصفّى المقال : ١٢٠ ، العقد المنير : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، الذريعة ٢ / ٦٦ و ٦٧ و ٤ / ١٨٢ و ٤٩١ ـ ٤٩٢ و ٥ / ٢٨٧ و ٨ / ٩٨ و ١٠ / ١٦١ ـ ١٦٢ و ١٨٧ و ١٣ / ٢٤٨ و ١٥ / ٢٨ و ١٩ / ١٤٣ و ٢٣ / ٤ ، معجم المؤلّفين ٣ / ١٨٧.

وخير ما كُتب عنه قدّس سرّه هو ما كتبه بقلمه الشريف مترجماً نفسه في كتابه : لباب الألقاب : ١٤٨ ـ ١٥٧.

وينظر أيضاً ما كتبه المحقّقون الأفاضل في مقدّمات كتب المؤلّف التي حقّقوها : الأُستاذ عماد جبّار كاظم ، السيّد محمّد تقي الحسيني ، نزار الحسن.

(٢) ساوة : مدينة حسنة بين الريّ وهمدان. مراصد الاطّلاع ٢ / ٦٨٥.

(٣) كاشان : مدينة قرب أصفهان تذكر مع قم ، وأهلها كلّهم شيعة إماميّة أعيان الشيعة ١ / ٢٠٦ نقلا عن معجم البلدان ٤ / ٢٩٦ وفي معجم البلدان ٤ / ٤٣٠ : مدينة بما وراء النهر ، وتشتهر كاشان اليوم بالسجّاد وماء الورد.

٢٧٨

محمّد شاه القاجار المتوفّى سنة (١٢٦٤ هـ) بسنتين.

كان والده رحمه‌الله من العلماء الأعلام ، له مؤلّفات عدّة في الفقه وأُصوله ، من أهل ساوة ، رحل إلى قزوين وأصفهان للدراسة ، ثمّ إلى كاشان فسكنها وتزوّج فيها ، فولد له نجله الشريف حبيب الله قدس‌سره.

ولمّا بلغ حبيب الله الخامسة من العمر بعث أكابر أهل ساوة في طلب أبيه لمكانته العلميّة في تولّي شؤونهم الدينيّة وأمور الفتيا ، فعاد إليها.

وبقي المؤلّف رحمه‌الله في كاشان يتنقّل فيه على نخبة من الشيوخ بكفالة أمّه ورعاية الفقيه الحاجّ السيّد محمّد حسين الكاشاني(١) الذي كان أبرّ به ، وأعطف عليه من أبيه ، كما قال الشريف.

وتوفّي والده في مدينة ساوة سنة (١٢٧٠ هـ) ، والمؤلّف في ربيع التاسعة من عمره ، في شغف التحصيل ، وشوق الدرس ، بتشويق السيّد محمّد حسين.

ثمّ سافر إلى طهران وهو في سنّ التاسعة عشرة من العمر لمواصلة الدرس ، ومتابعة التحصيل.

ومن ثمّ هاجر إلى العراق سنة (١٢٨١ هـ) لزيارة العتبات المقدّسة ، ولإدراك الشيخ المرتضى للاستفادة ، فما أن وصل إلى كربلاء حتّى نُعي له وفاة الشيخ الأنصاري قدس‌سره فتوقّف ، ثمّ ذهب إلى النجف الأشرف ، ولم يحضر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تنظر ترجمته في لباب الألقاب ، الباب الثامن.

٢٧٩

مجلساً من مجالس الدرس لتعطيلها بموت الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه‌الله ، فطفق راجعاً إلى كاشان.

ثمّ هاجر إلى گلپايگان ، للتزوّد من أُستاذه التقيّ الملاّ زين العابدين ، الذي تأسّى بسيرته ، والتزم بوصيّته ، وسار على طريقته في الدرس والتهذيب والتأليف في العلوم بأنواعها ، والفنون بأشتاتها عندما عاد إلى كاشان(١).

حياته العلمية : عكف رحمه‌الله منذ نعومة أظفاره على الدرس ، والسعي الحثيث لطلب العلم والمعرفة ـ وقد مرّت بنا أسفاره وتنقّلاته في اختصار ـ مقبلا على شأنه ، صارفاً عنان نفسه عن جمع الأموال مع فقده لها وكثرة العيال ، غير مدّخر وسعاً في البحث والتدريس ، ولا صارفاً عمراً فيما صرفه البطّالون ، واللاهون الغافلون(٢).

أخلاقه وأوصافه : وهو على كلّ ذلك كان ـ كما وصف نفسه قدس‌سره ـ دايم الذكر والتلاوة ، كثير التهجّد والعبادة ، محبّاً للاعتزال ، متجنّباً عن المراءوالجدال ، وعن غير شأنه من الجواب والسؤال ، إلاّ في مسائل الحرام والحلال ، معرضاً عن الحقد والحسد والطمع وطول الآمال ، صابراً على البأساء والضرّاء وشدائد الأحوال ، غير جازع من الضيق والفاقة وعدم المال ، يدلّك على ذلك ـ في أبسطه ـ كثرة مؤلّفاته وآثار العلمية(٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ينظر : العقد المنير للمازندراني : ٣٩٤ ، معجم المؤلّفين ٣ / ١٨٧.

(٢) نقلا عن مقدّمة كتاب ذريعة الاستغناء : ١٤.

(٣) المصدر نفسه.

٢٨٠