تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

فهرس المصادر

١ ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : الطوسي ، أبو جعفر محمد بن حسن ، دار الكتب الإسلامية ، تهران ، ط١ ، ١٣٩٠هـ.

٢ ـ الأمالي : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، كتابچي ، طهران ، ط٦ ، ١٣٧٦ش.

٣ ـ با پيشوايان هدايتگر : الحسيني الميلاني ، السيّد علي ، منشورات الحقائق ، قم ، ط٢ ، ١٤٣٢هـ.

٤ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم‌السلام : العلاّمة المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط٢ ، ١٤٠٣هـ.

٥ ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى (الطبعة القديمة) : الطبري الآملي ، عماد الدين أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ط٢ ، ١٣٨٣هـ.

٦ ـ تحفة الزائر : العلاّمة المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي ، مؤسّسة الإمام الهادي ، قم ، ط١ ، ١٤٢٨هـ.

٧ ـ ترتيب أسانيد كتاب الكافي : الطباطبائي البروجردي ، السيّد حسين ، مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدّسة ، مشهد ، ط١ ، ١٤١٤هـ.

٨ ـ تفسير القمّي : الشيخ قمّي ، علي بن إبراهيم ، دار الكتاب ، قم ، ط٣ ، ١٤٠٤هـ.

٢٠١

٩ ـ تنقيح المقال في علم الرجال : المامقاني ، الشيخ عبدالله ، المرتضوية ، النجف الأشرف ،ط١ ، ١٣٥٢هـ.

١٠ ـ التوحيد : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، النشر الإسلامي ، قم ،ط١ ، ١٣٩٨هـ.

١١ ـ تهذيب الأحكام : الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن حسن ، دار الكتب الإسلامية ، تهران ، ط٤ ، ١٤٠٧هـ.

١٢ ـ رجال النجاشي : الشيخ النجاشي الأسدي الكوفي ، أبو العباس أحمد بن علي ابن أحمد بن العباس ، تحقيق : السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، النشر الإسلامي ، قم ، ط ٦ ، ١٤١٨هـ.

١٣ ـ علل الشرائع : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، منشورات داورى ، قم ، ط١ ، ١٣٨٥ش.

١٤ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، نشر جهان ، طهران ، ط١ ، ١٣٧٨هـ.

١٥ ـ الكافي : الكليني ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط٤ ، ١٤٠٧ هـ.

١٦ ـ كامل الزيارات : ابن قولويه ، جعفر بن محمّد ، دار المرتضوية ، النجف الأشرف ، ط١ ، ١٣٩٨هـ.

١٧ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، الإسلامية ، طهران ، ط٢ ، ١٣٩٥هـ.

١٨ ـ المزار الكبير : ابن المشهدي ، محمّد بن جعفر ، النشر الإسلامي ، قم ، ط١ ، ١٤١٩هـ.

٢٠٢

١٩ ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال : الموسوي الخوئي ، السيّد أبو القاسم ، منشورات مدينة العلم ، بيروت ، ط٣ ، ١٤٠٣هـ.

٢٠ ـ ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار : العلاّمة المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي ، منشورات مكتبة آيه الله المرعشي النجفي ، قم ، ط١ ، ١٤٠٦هـ.

٢١ ـ من لا يحضره الفقيه : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، النشر الإسلامي ، قم ، ط٢ ، ١٤١٣هـ.

٢٢ ـ وسائل الشيعة : الحرّ العاملي ، محمّد بن الحسن ، مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام ، قم ، ط١ ، ١٤٠٩هـ.

٢٠٣

الغدير

بين الأدب والتأريخ

السيّد محمّد علي راضي الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ موسوعة الغدير هي من أهمّ الموسوعات التي أغنت المكتبة الشيعية بحثاً وتنقيباً وإلماماً بالتاريخ الشيعيِّ المتمثِّل في نصرة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلا زالت هذه الموسوعة يعتزُّ بها أبناء طائفة أهل البيت عليهم‌السلام ، ومرجعاً للعلماء والباحثين والمحقّقين منذ أن خطا العلاّمة الأميني رحمه‌الله خطوته في لمِّ شتات التحقيق والتنقيب والذَّبِّ عن كلمة الحقِّ وكشف اللثام عنها ليهتدي من هدى الله عن بيِّنة ويضلُّ من أضلَّ الله عن بيِّنة ، كما بذل رحمه‌الله جهوداً عظيمةً في الاهتمام بالتراث الشيعيِّ الثرِّ.

فالعلاّمة رحمه‌الله على أنَّه انتحى منحى الذبِّ عن أهل البيت عليهم‌السلام والدفاع عن المعتقد الإمامي في إثبات الخلافة بلا فصل لأمير المؤمنين عليِّ ابن أبي

٢٠٤

طالب عليه‌السلام يوم الغدير إلاّ أنَّه أثرى هذه الموسوعة وكما هو المشهود والمعهود عنها بالشواهد التاريخية والمباحث الكلامية والتراجم ، كما لا يخفى على القارئ والمتتبِّع فيما سلكه رحمه‌الله من مسلك أدبيٍّ واضح ، إذ لا محيص عنه في مثل هذه الموسوعة التي تبنَّت إحياء تراث مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام.

منهجيَّة العلاّمة الأميني في كتابه :

منذ أن بدأ العلاّمة بدراسته التاريخية بحثاً وتنقيباً عن الصحيح من التاريخ وأهمِّية الغدير في التاريخ وذكر واقعة الغدير والاهتمام بحديث الغدير النبويّ الشريف فقد دأب على ذكر الشواهد التاريخية القيّمة كحجج رادعة وبراهين ساطعة وأدلّة قاطعة لإماطة الستار عن الحقائق وإزالة القتام عن وجهها المشرق فأخذ يذكر الأدلّة التاريخية لرواة حديث الغدير من الصحابة والتابعين وطبقات رواته من أئمَّة الحديث وحفّاظه وذلك بدأً من القرن الثاني الهجري وحتّى القرن الرابع عشر الهجري ما يربو عددهم على الخمسمائة والخمسين جمعاً من الصحابة والتابعين والحفّاظ والعلماء.

ثمَّ استمرَّ رحمه‌الله على هذا المنحى في ذكر المؤلّفين في حديث الغدير من الفريقين ، والمناشدة والاحتجاج بحديث الغدير ، ومناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى وأيّام عثمان ويوم الرحبة ... ، وما إلى ذلك من مناشدته عليه‌السلام يوم الجمل طلحة بحديث الغدير ، وأعلام الشهود له يوم الركبان ، ومن أصابته الدعوة و ... ، هكذا أخذ يذكر كلَّ شاردة وواردة تارخية ليستدلَّ بها على

٢٠٥

خلافة علىّ عليه‌السلام بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) ، وإثبات فضله وفضيلته وحقِّه وحقّانيّته حيث كان يرى بها تصريحاً بذلك لا مفرَّ عن ذكره.

وإذا أمعنّا النظر في نقده لأعلام المؤلِّفين من الجانب المخالف كنقده لفرية القرطبي والقسطلاني على الشيعة ، ونقده على السيوطي والآلوسي وعلى ابن تيمية وعلى السويري والمقريزي وعلى ابن حزم ، لرأينا أنَّ المسلك التاريخيّ للعلاّمة الأميني في ردِّ التحريفات والتزييفات من يد الأمانة!

ـ على حدِّ تعبيره ـ لهو خير مسلك انتحاه وعبّأ له فكره وقلمه وجوانحه وجوارحه ليحذو حذو السلف الصالح في إثبات كلمة الحقِّ بالدليل الواضح والبرهان الراجح ، كما مدَّ إلى الجانب الأدبي باعه ، وبرى له يراعه ، وأتحف موسوعته بالشعر والشعراء ، وآلف بينهما بنسق يدرء الملل ، ويشحذ الأفكار ويونس المقل ، فجعله محتذياً الجانب التاريخيّ حذو النَّعل بالنَّعل ، والقذَّة بالقذَّة ، أو قل كفرسي رهان سيقا إلى مضمار الغدير بعنان قاده القلم فجعله خفّاقاً كالعلم.

فإنَّ هذا المجهود التاريخيّ والأدبيّ العظيم الذي خلَّفه العلاّمة رحمه‌الله بين دفَّتي كتاب الغدير ترك للمحقِّقين والباحثين والناقدين مجالاً واسعاً ليخوضوا غمار هذا البحر الموّاج عسى أن يبلغوا غمره إن استطاعوا ولم يستطيعوا إلاّ بسلطان.

هذا وقد جعل العلاّمة كتابه على قسمين ، القسم الأوّل : وهو الجزء الأوَّل تحت عنوان : الغدير عند الصحابة والتابعين والمصنِّفين والآيات النازلة في الغدير ومعاني المولى.

٢٠٦

والقسم الثاني : وهو من الجزء الثاني إلى آخر الكتاب المشتمل على الغدير في الشعر العربيّ من القرن الأوّل إلى القرن الرابع العشر الهجريّ.

ولكن كما ذكرنا سابقاً أنّ الجانب التاريخيَّ قد طما على الجانب الأدبيِّ في كلا قسميه.

ولا يخفى أنّ العلاّمة وثّق كلاًّ من الجانبين التاريخيّ والأدبيّ فذكر المصادر وأمّهات الكتب التي أخذ منها والأسانيد التي اعتمدها في صحَّة ما ينقله ، كما أشار في مواطن عديدة إلى ما نشلته يد الأمانة! ـ على حدّ تعبيره ـ وغيّرت بعض معالمه من حذف وتصحيف.

قراءة أدبية في الغدير :

لو أردنا أن نتطرَّق للجانب الأدبيّ من هذه الموسوعة وأن نحصيه عدداً ، لرأينا أنّ أدب السجال الشعريّ له السهم الأوفر والثقل الأكبر فيها ، ولأذعنّا أنّ للعلاّمة باعاً طويلاً وحسّاً مرهفاً ومذاقاً أدبيّاً قلّما يتوفَّر لمثله من علماء ومحقّقين وباحثين ، وذلك بدأً من ذكره شعراء القرن الأوّل الهجريّ كحسّان بن ثابت وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّين.

ثُمَّ إنّ هذه الموسوعة وإن زخرت بالمباحث الأدبية إلاّ أنّ المنحى التاريخيّ الذي انتحاه العلاّمة من جمع المعلومات وصبِّها مصبَّ الدفاع عن يوم الغدير والذبِّ عن مظلوميّة أهل بيت الرسالة عليهم‌السلام قد طما على جانب الأبحاث الأدبية.

٢٠٧

فإنّ ما يلفت النظر في هذا المضمار من البحث والنقد الأدبيّ هو أنّ العلاّمة رحمه‌الله عدَّ بعض الشخصيّات في عداد شعراء القرن الأوَّل كأمير المؤمنين عليٍّ عليه‌السلام وقيس بن سعد بن عبادة وعمرو بن العاص ومحمَّد بن عبد الله الحميري ، ولم نعهد من كتب التاريخ والأدب والتراجم عدُّ مثل هؤلاء في عداد الشعراء ، ولم تذكر لهم حتّى بعض القصائد إلاّ ما قلَّ وندر كقصيدة واحدة مثلاً أو بعض الأبيات والأراجيز ، وكثيراً ما ذكر هذا النمط الأخير من الشعر ـ وهو الرجز والحدي ـ في مغامرات ومساجلات ومواقف عديدة من أسفار العرب وأوطارهم ، ولكن ليس كلُّ من نطق بالشعر بشاعر ، ولم يعدُّ كلُّ من نطق بالشعر في عداد الشعراء.

اللّهمّ لايكون النقد منقصةً من مقام العلاّمة الشامخ وهو من تعلمون! وأين الحصى من نجوم السّما؟ وأين المتطفِّل الغافل من النحرير الباسل؟ وأنّا يكون ذلك؟! إلاّ أنّ المباحث عادةً ما تتَّخذ أسلوبها وتجري مجراها العلميّ علّها أن تستفيد أو تفيد والله أعلم بما نعي ونقول وهو من وراء القصد.

أمير المؤمنين عليه‌السلام والشعر :

هو سيِّد الكلام ، وإمام البيان ، وربُّ الفصاحة والبلاغة ، ومن شهدت له آيات الكتاب العزيز بانشراح صدره وسجاحة لسانه ورجاحة عقله وبيانه ، وهو إمام الموحّدين وسيّد الوصيِّين وإمام المتّقين وقائد الغرِّ المحجّلين ووصىُّ رسول ربِّ العالمين.

٢٠٨

وكلّما نغور في ذكر فضائله ومناقبه عليه‌السلام ونتطلّع عليها ونتمعّن فيها نراه رجلاً من حملة رسالة السماء ومن أولياء الله الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، ومن عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و ....

فكيف يمكن أن يعدَّ عليّاً عليه‌السلام في عداد الشعراء الذين يصفهم القرآن بوصف عام (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَاد يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ) (١) ، وإن استثنى سبحانه وتعالى المؤمنين منهم فإنَّ الطابع الشعريّ العامّ يسلك بالشاعر مسالك وإن لم تضرُّ بشخصيّة المؤمنين منهم لكنّها لا تليق بمقام الإمامة وحملة رسالة السماء ، فإذا كان الشعراء يميلون إلى الشعر في الملمّات والنوائب لإثارة المشاعر فإنّ أولياء الله يلجؤون فيما ينتابهم إلى المنطق السليم والبيان الحكيم لإحياء الضمائر أو تسلية الخواطر أو إرشاد المشاعر.

فإنّهم عليهم‌السلام كانوا يترفّعون ويتنزَّهون عن مسالك الشعر والشعراء ، وإن نطقوا به أحياناً فما ذلك إلاّ في نطاق معرفة الله وحيِّز التربية الإيمانية والتقوى والحكمة والموعظة الحسنة ، وإنّ ما نسب إلى الإمام عليٍّ عليه‌السلام من ديوان شعر فقد توصّلت يد التحقيق إلى أنّ أكثر مانسب إليه من الشعر ماهو إلاّ لشعراء آخرين كان يتمثَّل به الإمام عليه‌السلام ، وإنَّ ما ثبت إليه منه ما هو إلاّ النزر القليل وذلك في مواطن لا يعدُّها المتفطّن اللبيب من مسالك الشعراء وممّا لا ينبغي أن يعدّ ديواناً من الشعر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سورة الشعراء ٢٦ : ٢٢٥.

٢٠٩

أجل إنّهم عليهم‌السلام كانوا ينطقون بالشعر تارة وذلك فيما ذكرناه من الحكمة والموعظة الحسنة ؛ لأنَّه من لوازم الأدب وهم سادته ، ومن كلام العرب وهم أعلم بمذاهبه ومآربه ، ولمّا سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام من أشعر الناس؟ تنزَّه عن الجواب ولمّا ألحّوا عليه قال عليه‌السلام : «إن كان ولا بدّ فإنّه الملك الضلّيل» (١) وأراد به إمرأ القيس ولم يصرّح باسمه حيث تستشعر منه كراهية أن يخوض ما يخوضه الناس فيما يذهب إليه الشعراء من مسالك شتّى ، وأنّا يكون للإمام وكيف ينبغي له أن يسلك مسالك الشعراء حيث عرفوا وعرفت أشعارهم بكثرة الاستعارات المجازية والتزويقات والترويقات الشعرية حتّى قيل في الشعر : «أكذبه أعذبه» حيث يسير في عالم الخيال ويصوّر كلّ ما هو بعيد عن الواقع ليتقرّب به الشاعر إلى الملوك والأكابر من ذوي الجاهات والمقامات طمعاً وتملُّقاً ، هذا وقد عرف الشعر بالغزل والهجاء والطرب والغناء والتشبيب والمفاخرة والتحريض على الأخذ بالثأر والانتقام ، وكلّ ذلك مخالف لما جاء به الدين الحنيف من شريعته السمحاء التي ترسم للإنسان طريق طاعة الله في كلِّ ما ترمي إليه رسالة السماء من برّ وصلاح.

ولا يعني هذا أنَّهم عليهم‌السلام كانوا لا يعتنون بالشعر والشعراء ولا يعيرون لهما أيّ أهمّية ، وكيف ذلك وهو من لوازم الأدب ومن آليّات حفظ اللغة والإبقاء عليها من الإندراس والانطمار ، ولكن كان أكثر اهتمامهم هداية الشعر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة ٤ / ١٠٥.

٢١٠

والشعراء إلى الالتزام بموازين الشريعة السمحاء وبثِّ روح الإيمان والإخاء وأعمال الخير ، وكلّ ما يدلّ على سبل الخير والفلاح والعبودية والإيمان بالآخرة والإحساس بعظم المسؤولية وخطرها.

فلذلك كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يرتجز بشعر عبد الله بن رواحة أو عامر ابن الأكوع ـ على اختلاف الرواية ـ في يوم الخندق وهو يحمل التراب وقد وارى شعر صدره :

لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا (١)

 ... الخ.

وكما أبدى ارتياحه لشعر كعب بن زهيرلمّا أنشده لاميّته المعروفة والتي مطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيّمٌ إثرها لم يفد مكبول

إلى أن قال :

إنّ الرسول لنورٌ يستضاء به

وصارمٌ من سيوف الهند مسلول

فقال الرسول(صلى الله عليه وآله) : من سيوف الله (٢).

فإنَّ إبداله(صلى الله عليه وآله) (الهند) بـ : (الله) لدليل على علمه(صلى الله عليه وآله) بأوزان الشعر ومجاري الكلام ، وهو سيّد الكلام وأفصح من نطق بالضّاد ، وكذلك يتبيّن لنا هذا المعنى جليّاً في ردّه(صلى الله عليه وآله) على أبي سفيان يوم أحد لمّا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الغدير ٢ / ٦.

(٢) الغدير ٢ / ٦.

٢١١

متحصِّناً بالجبل والمسلمون محدقون حوله فنادى :

أُعلُ هبل أعلُ هبل

فأجابه(صلى الله عليه وآله) :

الله أعلى وأجلّ

فأعاد أبو سفيان كرّته ثانيةً :

نحن لنا العزّى ولا عزّى لكم

فأجابه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) :

الله مولانا ولا مولى لكم (٢)

وما قوله(صلى الله عليه وآله) في حنين :

أنا النّبيُّ لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب (١)

إلاّ شعرٌ من الرجز ذو وزن وقافية.

هذا ولو اطّلعت على ما سجّله العلاّمة الأميني من المساجلات الشعرية في حضرة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) في الجزء الثاني من كتابه الغدير تحت عنوان (الشعر والشعراء في السنَّة والكتاب) لأغناك وكفاك ، ولعلم كلّ باحث وسائل يحمل بين جنبيه حبَّ التطلّع ليشفي غليله من المعين الصافي والسلسال العذب أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار من أهل بيته عليهم‌السلام كانوا أشدّ وأكثر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الغدير ١٠ / ٨٠.

(٢) قصص الأنبياء : ٣٤٨.

٢١٢

اهتماماً بالشعر والشعراء ، وأمّا قول الرسول(صلى الله عليه وآله) : «لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتّى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً (١) » فإنّه يصبُّ في مصبِّ التوجيه الهادف للشعر والشعراء.

وممّا يدلّنا على الشعر الهادف وأنّهم عليهم‌السلام كانوا ينظمون الشعر أحياناً هو ما أضافه ثامن الحجج الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام على تائية دعبل في قوله عليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحّت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً

يفرّج عنّا الهمّ والكربات (٢).

وإنَّ هذا التوجّه والاهتمام من الأئمّة عليهم‌السلام لدليل على الأثر العظيم الذي يتركه الشعر على النفوس ويشحنها بما يحمله في طيِّه من أخبار وآثار وقد قال العلاّمة في ذلك : «وأنت تجد تأثير الشعر الرائق في نفسيّتك فوق أيّ دعاية وتبليغ ، فأيّ أحد يتلو ميمية الفرزدق فلا يكاد أن يطير شوقاً إلى الممدوح وحبّاً له؟ أو ينشد هاشميّات الكميت فلا يمتلئ حجاجاً للحقِّ؟ أو يترنَّم بعينية الحميري فلا يعلم أنّ الحقّ يدور على الممدوح بها؟ أو تلقى عليه تائية دعبل فلا يستاء لاضطهاد أهل الحقّ؟ أو تصكّ سمعه ميمية الأمير أبي فراس فلا تقف شعرات جلدته؟» (٣).

وفي مجال اهتمام الأئمّة عليهم‌السلام بالشعر والشعراء قال رحمه الله : «وبهذه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الخلاف ٦ / ٣٠٨.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٤٥٠.

(٣) الغدير ٢ / ٢.

٢١٣

الغاية المهمّة كان الشعر في القرون الأولى مدحاً وهجاءً ورثاءً كالصارم المسلول بيد موالي أئمّة الدين ، وسهماً مغرقاً في أكباد أعداء الله ، ومجلّة دعاية إلى ولاء آل الله في كلِّ صقع وناحية ، وكانوا صلوات الله عليهم يضحّون دونه ثروةً طائلة ويبذلون من مال الله للشعراء ما يغنيهم عن التكسّب والاشتغال بغير هذه المهمّة ، وكانوا يوجّهون الشعراء إلى هذه الناحية ، ويحتفظوا بها بكلِّ حول وطول ، ويرضّون الناس عليها ويبشّرونهم عن الله ـ وهم أمناء وحيه ـ بمثل قولهم : (من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنّة) ، ويحثّونهم على تعلّم ما قيل فيهم وحفظه بمثل قول الصادق ألأمين عليه السلام : (علّموا أولادكم بشعر العبدي) وقوله : (ما قال فينا قائل بيت شعر حتّى يؤيّد بروح القدس)» (١).

وحاشى للعلاّمة رحمه‌الله أن يطلق كلمة شاعر على مولى الموحّدين عليه‌السلام ، ولكنّه لمّا اتّخذ منهجية في ذكر شعراء الغدير وتراجمهم جعل أميرالمؤمنين من شعراء القرن الأوّل طرداً للباب ، ولو ذكر الفصل تحت عنوان شعر القرن الأوّل في الغدير لكان أنسب بشخصية الإمام عليه‌السلام ، وأمنع للعلاّمة من الوقوع في مغبّة مثل هذا النقد ولكن للمصنِّفين في مصنّفاتهم شأنٌ وهو رحمه‌الله أسمى من كلِّ ذلك وأزكى.

قيس بن سعد ، محمَّد بن عبد الله الحميري ، عمرو بن العاص :

إنّ طبيعة لغة العرب بما تملكه من فصاحة وبلاغة وذلك لكثرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الغدير ٢ / ٣.

٢١٤

مفرداتها وجزالة ألفاظها ودقّة معانيها إضافة إلى القواعد التي ابتنيت عليها من إعراب رفع ونصب وجرٍّ جعل أبناء هذه اللغة ينشؤون على فصاحتها وبلاغتها متفطّنين إلى مواقع الكلم ومجاري الكلام ، حيث حصلت لهم منذ نشأتهم ونعومة أضفارهم ملكة في علومها من صرف ونحو وبيان وبديع وشعر وسجع وما إلى ذلك من بدائع اللغة وروائعها ، فإنّ تمرّسهم بفنون اللغة ومهاراتهم بها أضحى كأمر فطريٍّ يتلقّونه ويأنسون به منذ طفولتهم ، فإنّك إذا اطّلعت على كتب الأدب مثل الأغاني وقصص العرب وأيّام العرب لرأيت ذلك بكلِّ وضوح حيث إنَّهم ينشدون الشعر منذ الصبا ولهم ملكة في الأوزان الشعرية التي اقتبسوها من نفس طبيعة اللغة بلا معلّم ، ولكن برز منهم من عُرف بالشعر وامتاز به عن الآخرين ، مضافاً إلى ذلك النبوغ والذكاء المتوقِّد الذي كان يدفع ببعض الشعراء إلى الاهتمام والاكتراث بهذا الجانب فكانت تلمع أشعارهم وتسير بها الركبان فتنتشر في البلاد فيشتهرون بها وتعرف بها مسالكهم الشعرية أو قل نفسهم الشعريّ ، فإذا قرأت ترجمة الكميت بن زيد مثلاً فسوف تطّلع على نبوغه الشعريّ منذ عهد الصبا ، وإذا ألقيت نظرة على سوق عكاظ فسوف تعلم أنّها كانت قصبة سبق ومضمار مباراة للشعراء حيث يعلّقون الشعر الفائز منها على جدار الكعبة ، ومن ذلك لمعت المعلّقات من بين شعر العرب وشعرائهم ، وإذا قرأت قصصهم رأيت مدى احتياج مجتمعهم آنذاك إلى الشعراء حتّى في حلِّ بعض معضلاتهم الاجتماعية كبثِّ روح الأخلاق والنبل فيهم مثلاً وذلك ما نراه في لامية العرب.

٢١٥

هذا ومن طريف ما يذكر من قصصهم هي قصّة لبيد بن ربيعة العامري في قصيدته التي يقول فيها :

نحن بنو أمِّ البنين الأربعة

الضاربين الهام وسط المجمعة (١)

فإذا اطّلعت عليها لرأيت مدى احتياجهم إلى الشعراء وكيف يورد لبيد الكلام موارده حيث غار فكره في عالم الخيال وصنع العجب العجاب وهو شابٌّ يافع آنذاك ، وإنّي أحترز عن ذكر القصّة برمّتها خشية الإطناب والإسهاب ولما فيها من ألفاظ لا تناسب المقام والمقال.

إذن فلا يمكننا أن نقول إنّ مثل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومحمّد بن عبد الله الحميري وعمرو بن العاص ليسوا بشعراء فإنَّهم كانوا شعراء وذلك لما أهدته إليهم طبيعة لغتهم من فنون الكلام والبيان ، ثمّ إنّ مثل سعد بن قيس وهو رئيس الأنصار ورجل معروف بالفطنة والدهاء ، ومثل عمرو بن العاص الذي يعدّ من دهاة العرب كيف لا يمكن لهما أن ينطقا بالشعر؟ سوى أنّنا نستطيع أن نقول إنّهم لم يعرفوا بهذه الصفة لأنّهم لم يسلكوا مسالك الشعراء ولم يكثروا منه وإن كانت لبعض أشعارهم مسحة أدبية ، فإنّ للشعر والشعراء مشارب ومآرب لم تتصف بها هذه الثلّة التي ذكرها العلاّمة الأميني من شعراء القرن الأوّل.

أجل إنّ قيس بن سعد كان عالماً متكلّماً وكان معاوية يخشى سطوة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) خزانة الأدب ٩ / ٥٥١ ، الأغاني ١٧ / ١٨٥.

٢١٦

لسانه وقد أنشد بعض الأشعار ، وإنّ عمرو بن العاص كان يعرف بدهائه في الجاهلية بخذلان المسلمين عند النجاشي ملك الحبشة ، وفي الإسلام بشقّ عصاهم منذ أن شدّ رحاله الخاوية ومال بدهائه إلى معاوية ، ولكن لم نعهد من كتب الأدب والتراجم أنّها أثبتتهم ظمن الشعراء ولو المقلّين منهم على أقلّ الاحتمالات ، كما صدر في الآونة الأخيرة ديوان مالك الأشتر النخعيّ رضي‌الله‌عنه أثبتوا فيه بعض الأشعار والأراجيز التي قالها أيّام حياته وفي حروبه ومواقفه في نصرة أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام ، ولكن لم تتّصف هذه الشخصية الفذَّة وهذا الرجل العظيم بكونه شاعراً ، فإنّ طبيعة اللغة العربية وبكارتها آنذاك شيءٌ والشعر والشاعرية شيءٌ آخر.

فلو أردنا أن نكثر من الشواهد في هذا المجال لطال بنا المقال وابتعدنا عن لسان الحال ولخرجنا من أصل المطاف إلى ما نحذر ونخاف فثبِّتنا من لدنك بالقول الثابت يا خفىَّ الألطاف.

الكميت بن زيد رائد الصناعة الشعرية :

لقد تميّز كتاب الغدير بتراجم كافية وافية للشعراء الذين نظموا في يوم الغدير قصائد تناولت قصّته الخالدة أو مرّوا عليه دون إطناب كقضيّة تاريخية ماجدة ، فكانت تراجم تغني القارئ وتزوِّده من المعلومات ما يكفيه عناء التنقيب والتفتيش عنها في المصادر وأمّهات الكتب ، حيث أعرب الأديب المصريّ محمّد عبد الغني حسن في مقاله الذي طبع في الجزء الأوّل من

٢١٧

الغدير عن تقديره لجهود العلاّمة مثنياً على موسوعته العلمية قائلاً : «فهو ـ أي العلاّمة ـ يذكر في كلِّ قرن شعراء الغدير فيه ويذكر غديريّاتهم ولا يكتفي بذلك كلّه بل يترجم لهؤلاء الشعراء تراجم لا يستغني عنها مؤرّخ أو باحث أو أديب ... إلى أن يقول : ولست مبالغاً في تقدير هذه التراجم ، فترجمة الشاعر الكميت مثلاً من شعراء الغدير في القرن الثاني قد بلغت ثلاثين صفحة من الجزء الثاني حتّى كادت تصلح أن تكون في ذاتها كتاباً قائماً بدراسة الكميت ...» (١).

فلو اطّلع القارئ على هذه الترجمة من هذه الموسوعة ورأى ماذكر فيها من المدح والإطراء والثناء عليه والاعتراف بمقامه الأدبيّ الشامخ لأذعن حينئذ بأنّه اللبيب الحاذق والكميت السابق ذو الأدب الرائق الذي لم يدركه لاحق ولم يسبقه لبلوغ القمم من سابق فائق.

وإنّي أكتفي بما ذكره العلاّمة رحمه‌الله من كتاب الأغاني في معرفة مقامه الأدبيّ اللامع وبيانه الرائع :

«سئل معاذ الهراء من أشعر الناس؟ قال : أمن الجاهليّين أم من الإسلاميّين؟ قالوا : بل من الجاهليّين ، قال : إمرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص ، قالوا : فمن الإسلاميّين؟ قال : الفرزدق وجرير والأخطل والراعي ، قال : فقيل له : يا أبا محمّد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟ قال : ذاك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الغدير ١ / ١٤.

٢١٨

أشعر الأوّلين والآخرين» (١).

وكفاه فخراً وشرفاً حبُّه وولاؤه لأهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إذ كان ينتصر بهم ولهم ، فكانوا ملاذه ومأواه وخير من سدّده ورعاه وأيَّده وحباه ووجّهه وهداه ، فكثيراً ما اعتنى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام به وبشعره ، فكانوا يؤيِّدونه ويقوّمون شعره تارةً أو يزوِّدونه من المعاني أدقّها وأرقاها وأحمدها وأنقاها ، هذا كلّ ما نراه وندركه من حياة هذا الشاعر العملاق والأديب اللوذعيّ الفذّ.

هذا وإنّ ما جاء من كلام الجاحظ في شأن الكميت بن زيد حيث تناقلته كتب الأدب والتراجم في مقام المدح والثناء على شاعرنا اللبيب هو قوله : «ما فتح للشيعة الحِجاج إلاّ الكميت بقوله :

فإن هي لم تصلح لحيٍّ سواهم

فإنّ ذوي القربى أحقُّ وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثه

لقد شركت فيهم بكيل وأرحب» (٢)

وهو كلام تخامره العصبية الطائفية ويشوبه الاستهجان والاستخفاف بمنهج الشيعة القويم ومنطقها العليم ، حيث ظهرت على فلتات لسان الجاحظ تذمّره من تاريخ الشيعة اللامع بالإباء وإنكاره لمواقفهم الراسخة في إحقاق كلمة الحقّ ودحر كلمة الباطل منذ عهد السقيفة وحتّى يومنا هذا ، حيث ظهرت المباحث العلمية وكشفت النقاب عن التاريخ المزيّف والحقيقة المجهولة ، وقد وجم القوم عن الردِّ وعجزوا عن الصدّ ، فقلبوا لنا ظهر المجن بإثارة الفتن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الغدير ٢ / ١٩٥.

(٢) الغدير ٢ / ١٩١.

٢١٩

واصطناع المحن ، وطفق الحقُّ ليرتئي مرَّةً أخرى على أن يصول بيد جذّاء أويصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمنٌ حتّى يلقى ربَّه ، ألا وإنّ الصبر على هاتا أحجى ، فلنصبرنَّ وفي العين قذى وفي الحلق شجى نرى تراثنا نهبا(١).

وقد تصدّى العلاّمة الأميني رحمه‌الله لهذا الكلام رادّاً على الجاحظ وقد ألقمه حجراً بأسلوبه العلميِّ متَّبعاً في ذلك الشيخ المفيد في ردِّه عليه في الفصول المختارة(٢).

ولكن ومع كلِّ ما في كلام الجاحظ من تحامل وتغيُّظ على الشيعة ، وبالرُّغم من أنَّ كلامه كلام ذمّ بما يشبه المدح ، إلاّ أنّه لا يخلو من اعتراف وإقرار بمقام الكميت بن زيد على المناظرة العلمية في شعره ، وبالرغم من أنّ الكميت لم يكن هو أوّل من ناظر من الشيعة على الصعيد العامّ ، وإن لم يكن يعدّ من الشخصيّات أو من العلماء الجدليِّين الكلاميِّين والمناظرين للخصوم ممّن عدّهم العلاّمة الأميني قبل أن تنعقد نطفة الكميت بن زيد كخزيمة بن ثابت وعبد الله بن عبّاس والفضل بن عبّاس وعمّار بن ياسر وأبي ذر الغفاري و ... ، ولكنَّه هو أوّل من أدخل المناظرة في الشعر من الشعراء ، وهو أوّل من أوجد هذه الصناعة في الشعر وفتح الباب على مصراعيه لأجيال ومواكب الشعراء ليدخلوا هذا المضمار فدخلوا وخاضوا وجاؤوا بالعجب العجاب ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) استعارة أدبية من الخطبة الشقشقية ، نهج البلاغة ١ / ٣١.

(٢) الفصول المختارة : ٢٨٦.

٢٢٠