تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

فإنّ كلّ هذه الأخبار تجعلنا نطمئنّ بإِقدام الإمام عليه‌السلام على جمع القرآن من خلف فراش رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل أن يشرع أبوبكر في جمع القرآن أو أن يكلّف زيد ابن ثابت بالجمع.

فالسؤال هو : لو كان القرآن قد كتب وجمع ورتّب على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مصحف واحد ، فما الداعي لإعادة جمعه من جديد على عهد أبي بكر؟.

ألم يقولوا بأنّ معاذاً ، وأُبيّاً ، وسعيداً ، وأبا الدرداء ، وزيداً ، وأبا زيد ، قدجمعوا القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ وأَنَّ جمعهم كان جمع تدوين وكتابة لا جمع حفظ في الصدور كما وضّحناه.

فإن كان هذا الخبر صحيحاً ، فلماذا يجمعه أبوبكر مرّة أخرى؟

باعتقادي أنّ ما برَّرُوه في الجواب ـ بأنّ جمعهم كان حفظاً في الصدور والذاكرة ـ هو عليل ، لأنّ غالب الصحابة كانوا قد حفظوا القرآن أوجزءاً منه ، وكانوا يرتّلونه آناء الليل وأطراف النهار ، ولذلك سُمّي القرآن قرآناً لكثرة قراءتهم إيّاه ، بل كانت لهم مصاحف تامّة كمصحف الإمام عليّ عليه‌السلام أو ناقصة كمصاحف غيره من الصحابة ، وإلاّ ، فأيّ شيء أحرق عثمان إن لم يكن هناك مصاحف؟ أم أيّ شيء طلبه أبو بكر وعمر من الصحابة حينما جمعت المصاحف عندهم لمّا أرادوا توحيدها بزعمهم؟!

إذن مع صحّة هذه الأخبار فلا مبرّرَ لجمعه من جديد.

فتلخّص من كلّ ما سبق :

١٨١

١ ـ كتابة القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

٢ ـ وجود صحف بل مصاحف ناقصة على عهده(صلى الله عليه وآله) ، فيها السورالكاملة ، والّتي أُحكِمَتْ آياتها وعُرفت حدودها من خلال عرض جبريل للقرآن على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلّ عام.

٣ ـ قراءة الناس القرآن في صلاتهم على عهده(صلى الله عليه وآله) وكذا قراءَتهم في تلك الصحف أو المصاحف.

٤ ـ أمر الرسول(صلى الله عليه وآله) الإمام عليّاً عليه‌السلام بجمع الصحف من خلف فراشه وجعلها مصحفاً بين الدفّتين بعد وفاته.

٥ ـ بدأ الإمام عليّ عليه‌السلام جمع القرآن بكلا شقّيه المجرّد والمفسّر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأكمل عليه‌السلام المصحف المجرّد في ثلاثة أيّام حسبما رواه عبد خير عنه(١) ، والثاني أعني المصحف المفسّر في ستّة أشهر على قول ابن عبّاس(٢).

٦ ـ إنّ الإمام عليّاً عليه‌السلام قدّم المصحف المفسَّر إلى الخلفاء كي يقيم الحجّة عليهم ويبيّن للناس أنّهم ماضون في التفكيك بين القرآن وعدله ـ أعني العترة الطاهرة عليهم‌السلام ـ خلافاً لقوله(صلى الله عليه وآله) : «وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الفهرست لابن النديم : ٣٠ ، حلية الأولياء ١/٦٧ أو ستّة أيّام حسب حكي جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، توحيد الصدوق : ٧٣ ، بحار الأنوار ٤٠/١٥٥ و ٨٩/٥١ ، التوحيد للصدوق ٧٢ ، ٧٣.

(٢) مناقب بن شهرآشوب ١/٣١٩ ، عنه في بحار الأنوار ٤٠/١٥٥ و ٨٩/٥١.

١٨٢

الحوض» لقول عمر انصرف به لا تفارقه ولا يفارقك.

وواضح أنّ كثيراً ممّا هو موجود في مصحفه المفسّر لن يروق للآخرين ، وخصوصاً الخلفاء منهم ؛ إذ فيه القضايا والبلايا ، ووجود هذه الأمور في مصحف العلم جعلهم أن يفكّروا جدّياً بتطويق الإمام عليه‌السلام وسلب كلّ ماخصّه الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) من فضائل ومنحها لآخرين صارفين بذلك الناس عن الإمام عليه‌السلام وأهل بيته عليهم‌السلام ، كما أنّ هذا هو الذي دعاهم إلى كتابة المصحف من جديد ، وحرق بقية المصاحف كي لا يبقى فيها شيء يوافق مصحف الإمام عليّ عليه‌السلام.

أجل إنّ جمع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لهذا المصحف في الفترة الزمنية الّتي جلس فيها الإمام عليه‌السلام في بيته اعتراضاً على الحاكمين لها دلالاتها وإيحاءاتها وقد وضّحنا بعضها وسنكملها في الأقسام الاُخرى.

وعليه فإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان قد جمع القرآن في ثلاثة أيّام امتثالاً لأمر الرسول(صلى الله عليه وآله) ليكون هو أوّل من جمع القرآن بين اللوحين لا غيره.

وكذا الحال في جمعه المفسّر في ستّة أشهر.

وللبحث صلة ...

١٨٣

دراسة

في سند الزيارة الجامعة الكبيرة

حميد ستودة الخراساني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد ، فقد انعقد الكلام في هذا المقال بشأن الزيارة الجامعة الكبيرة سنداً والتي يزار بها جميع الأئمة صلوات الله عليهم ، وهي أفصح الزيارات وأبلغها وأعلاها وأعظمها.

والكلام فيه يقع في جهتين :

الأولى : التحقيق في ما أفاده العلاّمة المجلسي رحمه‌الله بشأن سندها.

الثانية : البحث السندي ولاسيّما الفحص عن تمييز ووثاقة النخعي الوارد في سندها.

١٨٤

الجهة الأولى : التحقيق في ما أفاده المجلسي أعلى الله مقامه بشأن سند الزيارة.

قال المحدّث المحقّق في بحاره بعد أن نقل الزيارة الجامعة :

«إنّما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلا وإن لم أستوف حقّها حذرا من الإطالة ؛ لأنّها أصحّ الزيارات سنداً وأعمّها مورداً وأفصحها لفظاً وأبلغها معنىً وأعلاها شأناً»(١).

وقال أيضاً في موضع آخر من نفس الكتاب :

«أوردت في هذا الكتاب من الجوامع بعدد المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لكن أفضلها وأوثقها الثانية [أي الزيارة الجامعة الكبيرة المعهودة] »(٢).

وقال في تحفة الزائر :

«روى هذه الزيارة الشيخ الصدوق وغيره بسند معتبر» ... إلى أن قال بعد أن نقل الزيارة : «وهي أحسن الزيارات الجامعة سنداً ومتناً»(٣).

هذا ، ولكن يمكن أن ينتقض كلامه بما أفاده بشأن سند الزيارة الجامعة في ملاذ الأخبار في باب (زيارة جامعة لسائر المشاهد على أصحابها السّلام)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام : ٩٩ / ١٤٤.

(٢) نفس المصدر : ٩٩ / ٢٠٩.

(٣) تحفة الزائر : ٥٨٠ و ٥٨٩.

١٨٥

وإليك لفظه :

«الحديث الأوّل مجهول ؛ لكن الزيارة نفسها شاهد عدل على صحّتها»(١).

والغريب أنّه ذكر في ختام بحثه وبعد أن شرح وأوضح الزيارة في الملاذ عين ما تقدّم منه أوّلا في البحار فراجع(٢).

هذا ، ثمّ إنّه نسب أيضاً الأصحّية سنداً إلى زيارة أخرى في بحاره ، وهي زيارة مطلقة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ومعروفة بأمين الله(٣) ، وهذه الأمور توجب التنافي بدواً بين كلماته ، إلاّ أنّا نأوّل ونوجّه ذلك بما سيأتي في ختام البحث.

الجهة الثانية : البحث السندي والتتبع في تمييز ووثاقة النخعي.

روى المجلسي رحمه‌الله الزيارة في البحار عن الصدوق رحمه‌الله في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن الدَّقَّاق وَالسِّنَانِي وَالْوَرَّاق وَالْمُكَتِّب جَمِيعاً عَنِ الأسَدِيِّ عَنِ الْبَرْمَكِيِّ عَنِ النَّخَعِيِّ(٤).

أمّا المشايخ الأربعة للصدوق في الطبقة الرابعة من نفس السند فلم يرد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ملاذ الأخبار في فهم تهذيب الأخبار : ٩ / ٢٤٧.

(٢) نفس المصدر : ٢٧٨.

(٣) قال رحمه‌الله : «بيان : إنّما كرّرنا تلك الزيارة لاختلاف ألفاظها وكونها من أصحّ الزيارات سنداً وأعمّها مورداً». أنظر : بحار الأنوار : ٩٧ / ٢٦٩.

(٤) بحار الأنوار : ٩٩ / ١٢٧.

١٨٦

بشأنهم جرح أو قدح ، بل ذكرهم في إسناده مقروناً بما يوجب المدح من اعتماده عليهم وإكثار روايته عنهم في مواضيع كثيرة من كتبه ، ومن إردافه الرضيَلة والرحمَلة لهم تلو أسمائهم ؛ مع أنّ ما وقع من تعدّد الرواة واجتماعهم في هذه الطبقة لا يقصر عن التوثيق ، بل يوجب الوثوق بالخبر المروِي عنهم(١).

وأمّا أبو الحسين محمّد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي في الطبقة الثالثة ، ومحمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي في الطبقة الثانية فنصّ على وثاقتهما النجاشي وقال للأسدي : «كان ثقة صحيح الحديث ...»(٢) وللبرمكي : «كان ثقة مستقيماً ...»(٣).

وعليه ، لا ضير في رجال سنده إلاّ الأخير وهو مختلفٌ في تحديد اسم أبيه(٤) أيضاً ، فروى الزيارة الصدوق في العيون بإسناده عن موسى بن عمران النخعي(٥) ، بينما رواها في الفقيه بإسناده عن موسى بن عبد الله النخعي(٦) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أنظر : «با پيشوايان هدايتگر» بالفارسية [أي مع أئمة الهدى] : ١ / ٤٥ ـ ٥٨.

(٢) رجال النجاشي: ٣٧٣.

(٣) رجال النجاشي : ٣٤١.

(٤) يحتمل أن يكون الرجل في السند هو الذي أدّى بالمجلسي في الملاذ إلى الحكم

بكون الحديث مجهولاً سنداً.

(٥) عيون الأخبار : ٢ / ٢٧٢.

(٦) من لايحضره الفقيه : ٢ / ٦٠٩.

١٨٧

فتبعه الشيخ رحمه‌الله في تهذيبه(١) ، وقد ورد الرجل أيضاً في الاستبصار بعنوان موسى بن عمرو النخعي(٢).

إذن ، يكون البحث في مقامين :

المقام الأوّل : في اتّحاد المختلف فيه.

والمقام الثاني : في القرائن الدّالّة على وثاقته.

المقام الأوّل : في اتّحاد المختلف فيه :

قد اتّضح ممّا سردناه أنّ الرجل المبحوث عنه قد سُمّي أبوه باسمين مختلفين ، وهما عمران وعبدالله ، وأمّا الاسم الذي ورد في الاستبصار (أي عمرو) فهو تصحيف عمران قطعاً ، وقد التفت إلى ذلك وصرّح به السيّد المحقّق الخوئي قدس‌سره في معجم الرجال ، فراجع(٣).

ثمّ إنّه يقول السيّد المتتبّع المحقّق البروجردي :

« ...ولم أجد لموسى بن عبدالله النخعي ذكراً في غير تلك الرواية [اي رواية الزيارة الجامعة] ، وذكر جدّي محمّد بن عبدالكريم في رسالته في الزيارات هذه الرواية وذكر بدل موسى بن عبدالله موسى بن عمران ولم يظهر مستنده مع مخالفته للتهذيب والفقيه ، فإنْ صحّ ذلك كان هو موسى بن عمران

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأحكام : ٦ / ٩٥.

(٢) الاستبصار في ما اختلف من الأخبار : ٣ / ٧٠.

(٣) معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال : ١٩ / ٦٠ ـ ٦١.

١٨٨

ابن يزيد النوفلي النخعي ابن أخ الحسين بن يزيد النوفلي الذي روى عن السكوني كتابه ورواه عنه إبراهيم بن هاشم»(١).

ومقتضى التحقيق على ما سيبدو في ما سيأتي هو أنّ موسى بن عبدالله النخعي متّحد مع الرجل المعروف والمشتهر بموسى بن عمران النخعي والذي قد كثر ما رواه في كتب الإمامية عن عمّه وشيخه الحسين بن يزيد النوفلي ، سيّما في مجال المعارف الاعتقادية التي تشكّل أعمدة الدين وأصوله وجذور المذهب وأسسه(٢) ، وذاك هو الذي حمل كثيراً من الأسرار فأمكنه أنتحمّل ما ألقى إليه الإمام الهادي عليه‌السلام من زيارة جامعة كبيرة مع تلك الفصاحة والبلاغة ، وإليك نبذة ممّا رواه الصدوق من معارف مشرقة عالية أصيلة عبر هذا الرجل لتثبت هويته :

١ ـ «عن محمّد بن أحمد السناني رضي‌الله‌عنه ، عن محمّد بن أبي عبدالله الأسدي الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عليّ بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، قال :

إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ، ولا مكان ، ولا حركة ، ولا انتقال ، ولا سكون ، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ترتيب أسانيد كتاب الكافي : ٢٨٧.

(٢) للوقوف على بعض ما رواه ، راجع : بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : ٢ / ٧ ؛ ٣٥ ؛ ٩٢ ؛ ١٥٠ ؛ ١٥٤ ؛ ١٧٥ ؛ ١٧٦ ؛ ١٩٧.

١٨٩

والانتقال ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً»(١).

٢ ـ «حدثّنا محمّد بن أحمد السناني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن عليّ بن سالم ، عن أبيه ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله جلّ جلاله : لو اجتمع الناس كلّهم على ولاية عليّ ما خلقت النار»(٢).

٣ ـ «حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الأسدي الكوفي ، قال : حدّثني موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :

إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا عليّ على ناقة من نور ، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان ، على كلّ ركن ثلاثة أسطر : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، وتعطي مفاتيح الجنّة ، ثمّ يوضع لك كرسي يعرف بكرسي الكرامة فتقعد عليه ، ثمّ يجمع لك الأوّلون والآخرون في صعيد واحد ، فتأمر بشيعتك إلى الجنّة ، وبأعدائك إلى النار ، فأنت قسيم الجنّة ، وأنت قسيم النار ، ولقد فاز من تولاّك ، وخسر من عاداك ، فأنت في ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الأمالي للصدوق ، المجلس السابع والأربعون : ٢٧٩.

(٢) نفس المصدر ، المجلس الرابع والتسعون ، ٦٥٧.

١٩٠

اليوم أمين الله ، وحجّة الله الواضحة»(١).

٤ ـ «روى محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الأئمة بعدي إثنا عشر ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم القائم ، فهم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمّتي بعدي ، المقرُّ بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر»(٢).

٥ ـ «حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عليّ بن سالم ، عن أبيه ، عن ثابت ابن أبي صفيّة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «مَن سرّه أن يجمع الله له الخير كلّه فليوال عليّاً بعدي ، وليوال أولياءه ، وليعاد أعداءه»(٣).

٦ ـ «حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام : لأيّ علّة دفنت فاطمة عليها‌السلام بالليل ولم تدفن بالنهار؟ قال : لأنّها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) المصدر نفسه ، المجلس الخامس والتسعون : ٦٧٠.

(٢) الفقيه : ٤ / ١٨٠.

(٣) الأمالي للصدوق ، المجلس الثاني والسبعون : ٤٧٤.

١٩١

أوصت أن لا يصلّي عليها الرجلان»(١).

إذن ، إنّ ما كتبه الصدوق في الفقيه من عنوان موسى بن عبدالله النخعي إمّا سهو من قلمه أو غلط وقع من النسّاخ ، فنقَل عنه الشيخ رحمه‌الله أيضاً في التهذيب دون التحقيق والتبيين.

وعلى أيّ حال ، فإنّه إمّا متّحد مع موسى بن عمران النخعي كما أورده الصدوق في العيون(٢) وكثيراً ما روى عنه مع الواسطة ، أو محمول على الرجل المشهور والمعروف بين القدماء من المحدّثين. أضف إلى ذلك أنّ وحدة الطريق للصدوق رحمه‌الله يقتضي وحدة الراوي ، والمتعيّن هو موسى بن عمران بن يزيد النخعي ؛ إذ لم يوجد موسى بن عبدالله النخعي في غير هذا الموضع في مصادرنا الإمامية كما ذكر ذلك السيّد البروجردي رحمه‌الله ، وهذا النوع من التصحيف قريب محتمل لتشابه الكلمتين ، ولأنّه لم تتغيّر سائر مفردات العنوان غير عبدالله ـ أي (موسى) و (ابن) و (النخعي) ـ مع أنّ الصدوق قد أكثر نقل رواياته عن موسى بن عمران النخعي في التوحيد(٣) والعيون(٤) وعلل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) علل الشرايع : ١ / ١٨٥ / الباب ١٤٩.

(٢) عيون الأخبار : ٢ / ٢٧٢.

(٣) التوحيد (للصدوق) : الصفحة ١٩ / الحديث ٤ ؛ ٢٠ / ح ٧ ؛ ٥٩ / ح ١٧ ؛ ٩٥ / ح ١٥ ؛ ١١٧ / ح ٢٠ ؛ ١٣٤ / ح ١ و ٣ ؛ ١٣٨ / ح ١٥ ؛ ١٣٨ / ح ١٦ ؛ ١٦٤ / ح ١ ؛ ١٨٤ / ح ٢٠ ؛ ٢٨٠ / ح ٧ ؛ ٣٨٢ / ح ٢٩ ؛ ٤٠٣ / ح ١٠.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٧ / ح ٢ ؛ ١ / ٥٩ / ح ٢٨ ؛ ٢ / ٢٧٢ / ح ١.

١٩٢

الشرائع(١) والأمالي(٢) وكمال الدين(٣) وثواب الأعمال والفقيه(٤).

ويؤيّد ما اخترناه ما ذكره الشيخ أبو عبدالله محمّد بن جعفر صاحب المزار من سنده لهذه الزيارة ، حيث نقلها في كتابه بإسناده عن الطوسي ، عن المفيد ، عن الصدوق ، عن علي بن أحمد بن موسى والحسين بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الكاتب ، عن عليّ بن أبي عبدالله الكوفي ، عن البرمكي ، عن موسى بن عمران النخعي(٥).

هذا ، وأمّا ما قاله بعض المحقّقين من أنّ (عبدالله) اسم لجدّ موسى فنسب إليه ، وأيّد ذلك بقرينة وهي السند المروي في روضة الكافي (الرقم ١٤١) ، حيث نقل فيها رواية الكليني بإسناده عن موسى بن عمران النخعي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) علل الشرايع (للصدوق) : ١ / ١٣ / ح ١٠ ؛ ١ / ١٥ / ح ١ ؛ ١ / ١٦ / ح ١ ؛ ١ / ٣١ / ح ١ ؛ ١ / ٦٧ / ح ١ ؛ ١ / ٦٨ / ح ١ ؛ ١ / ٧٧ / ح ١ ؛ ١ / ١٠٧ / ح ٥ ؛ ١ / ١٢٠ / ح ٤ ، ٢ / ٤٣٧ / ح ٢ ؛ ٢ / ٤٤٧ / ح ٦ ؛ ٢ / ٥٧١ / ح ٤ و ....

(٢) الأمالي للصدوق ، المجلس الرابع : ١٥ ؛ المجلس السادس : ٢٠ ؛ المجلس الرابع والعشرون : ١١٢ ؛ المجلس السابع والعشرون : ١٣١ و ١٣٢ ؛ المجلس التاسع والعشرون : ١٥٠ ؛ المجلس الثالث والثلاثون : ١٧٨ ؛ المجلس الخامس والتسعون : ٦٧٠ و ....

(٣) كمال الدين : ١ / ٢٥٧ / ح ٢ ؛ ١ / ٢٥٨ / ح ٣ ؛ ١ / ٢٥٩ / ح ٤ ؛ ١ / ٣٢٢ / ح ٤ وح ٥ ؛ ١ / ٣٢٩ / ح ١١ ؛ ٢ / ٣٣٤ / ح ٤ ؛ ٢ / ٣٤٠ / ح ٢٠ ؛ ٢ / ٣٤٥ / ح ٣١ ؛ ٢ / ٣٥٨ ، ح ٥٦ و ....

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٣١٣؛ ٤ / ١٧٩ و ٣٥١.

(٥) المزار الكبير : ٥٢٤.

١٩٣

عن عمّه الحسين بن عيسى بن عبدالله(١) فبدّل (عيسى) في السند بـ : (يزيد) لتصحيفه وتحريفه(٢) ، فغير موجّه ، فإنّه مضافاً إلى عدم ذكر عبدالله في أجداد الحسين ـ بل هو الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبدالملك النوفلي كما أشار إليه النجاشي(٣) ـ فإنّ الحسين قد روى مراراً عن عيسى بن عبدالله بن محمد العمري في الوسائل(٤) ، فالصواب وقوع التصحيف في هذا السند من جهة (بن) فيكون تحريف (عن) لتشابه الكلمتين كما صرّح بذلك السيّد المحقّق الخوئي رحمه‌الله أيضاً حيث يقول :

والظاهر أنّ فيه [أي في السند المروي في الروضة ، الرقم (١٤١)] تحريفاً ، فإنّ الحسين بن عيسى بن عبدالله لا يكون عمّاً لموسى بن عمران ، بل عمّه الحسين بن يزيد بقرينة سائر الروايات ، والصحيح : موسى بن عمران ، عن عمه الحسين ، عن عيسى بن عبدالله ، والله العالم»(٥).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الكافي ، ٨ / ١٥٢ / ح ١٤١.

(٢) بررسي سندي زيارت جامعه كبيره [بالفارسية] ، الشيخ محمّد سند ، مجلّة سفينة ، ترجمة : مهناز فرحمند ، رقم ١٥ ، العام ١٣٨٥ الهجري الشمسي ، الصفحة ٩٨.

(٣) رجال النجاشي : ٣٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٦٤؛ ١٦ / ٢٩٤ و ٣٣٢؛ ٢٣ / ١٩٨؛ ٢٥ / ٢٠١.

(٥) معجم الرجال : ١٩ / ٦١. هذا وروى الحرّ العاملي بإسناده عن موسى بن عمران النخعي عن عمّه الحسين بن عيسى بن عبدالله مراراً ، فراجع وسائل الشيعة : ٢ / ٤٣٦ / ح ٨ ؛ ٣ / ٧٧ / ح ٣ ؛ ٤ / ٩٦ / ح ٨ و ....

١٩٤

المقام الثاني : في القرائن الدّالّة على وثاقة النخعي :

قد اتّضح ممّا قدّمناه في المقام السابق أنّ موسى بن عمران النخعي وإن كان مهملا في كتب الرجال كما ادّعاه المجلسي في الملاذ إلاّ أنّ هناك عدّة من القرائن والشواهد التي إذا ضممنا بعضها إلى بعض ـ وأنْ يوجد فيها ما يكون مبنائيّاً ـ يثبت أنّه لا يقلّ ذلك عن النصّ على وثاقته إن لم يزد عليه ، بل لا يشكّ أحد في جلالته ورفعة مقامه ، بل نطمئنّ بأنّه غنيّ عن التوثيق صريحاً ، سيّما إذا عرفنا دأب الرجاليّين من الإماميّة من أنّهم يذكرون في كتبهم أو فهارسهم من كان له تصنيف أو تأليف في مجال الفقه والحديث ولم يذكروا الآخرين ، بينما الرجل المبحوث عنه لم يصنف كتاباً بشأن الروايات الناقلة لها الدالّة على حسنه وكماله. وكيف كان نذكر في ما يلي القرائن التي يستكشف منها علوّ قدره وعظمته :

١ ـ إكثار رواية بعض الأجلاّء عنه ، فقد روى عنه أبو الحسين محمّد ابن جعفر الكوفي الأسدي ـ ويقال له أيضاً : محمّد بن أبي عبدالله ـ ما يقرب من خمسين رواية في الوسائل واعتمد عليه.

٢ ـ ما قاله العلاّمة المامقاني رحمه‌الله بشأن الراوي في تنقيح المقال وإليك لفظه :

« ... وفي روايته لها دلالة واضحة على كونه إماميّاً صحيح الاعتقاد ، بل في تلقين مولانا الهادي عليه‌السلام مثل هذه الزيارة المفصّلة المتضمّنة لبيان مراتب

١٩٥

الأئمّة عليهم‌السلام شهادة على كون الرجل من الحسان ، مقبول الرواية لهم ، وإهمالهم ذكره في كتب الرجال غير قادح فيه»(١).

بل هذا ـ أي إلقاء الرواية الغامضة العالية المضامين مع تلك الحقائق الصادقة إلى المخاطب ـ دليل لِمّيٌّ على اعتماد الإمام عليه‌السلام على الرجل وكونه من أخيار أصحابه بل من أصحاب أسراره ، وهذا أرقى وأرفع من القول بأنّه ثقة.

٣ ـ إنّ الرجل وقع في أسناد تفسير القمّي ، سورة النحل ذيل قوله تعالى : (إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسان)(٢) فوثّقه السيّد المحقّق الخوئي رحمه‌الله من هذا الطريق(٣).

٤ ـ إنّه وقع في إسناد كامل الزيارات ، الباب التاسع ، في الدلالة على قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الحديث السابع(٤).

٥ ـ إنّه قد تكرّر ذكره في أسانيد كتاب العلل كما قاله في تنقيح المقال(٥) ، بل قد كثر نقل الصدوق رحمه‌الله عن الرجل في أسانيد كتبه المختلفة ، وهذا شهادة على اعتماد الصدوق إليه ووثاقته عنده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تنقيح المقال : ٣ / ٢٥٧.

(٢) النحل : ٩٠.

(٣) معجم الرجال ، ٢٠ / ٦٦؛ أنظر : تفسير القمّي ، سورة النحل : ١ / ٣٨٩ ، وكذا سورة القمر : ٢ / ٣٤٢.

(٤) كامل الزيارات : ٣٦.

(٥) تنقيح المقال : ٣ / ٢٥٨.

١٩٦

٦ ـ إنّه قد وقع في أسانيد كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى عدّة مرّات مع ما قال مولّفه عماد الدين محمّد بن أبي القاسم الطبري من أنّه لا أذكر فيه إلاّ المسند من الأخبار عن المشايخ الكبار وثقات الأخيار(١).

٧ ـ إنّه قد وقع في إسناد المزار الكبير(٢) مع ما قال صاحبه في مقدّمته من أنّه قد جمع في كتابه من فنون الزيارات للمشاهد المشرّفات ... وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات ، ممّا اتّصل به من ثقات الرواة إلى السادات عليهم‌السلام(٣).

إذن ، يستخلص من جميع ما ذكرناه أنّ النخعي كان من وجوه الأصحاب وأعظمهم مقاماً عند الإمام عليه‌السلام ، فيقاس حاله بمثل هشام والمفضل وابن سنان من أصحاب المعارف الإلهيّة ، وقد شهّره بين الإمامية ما رواه كثيراً بشأن الأئمة وأحوالهم إلى أن انتهى أمره إلى أن أجابه الإمام عليه‌السلام وخاطبه فألقى إليه بارقة ملكوتية بشأن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام وزيارتهم.

وبذلك يعلم أنّ تجميع هذه القرائن والاستظهار من جميع الشواهد المنقولة وإن لم يكن فيها نصّ على وثاقة الرجل ولكنّه يحصل الإطمئنان بوجاهته والإعتناء بشأنه وهو مقدّم على الظن المعتبر بوثاقة أحد الحاصل من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : ٢ / ٧ ؛ ٣٥ ؛ ٩٢ ؛ ١٥٠ ؛ ١٥٤ ؛ ١٧٥ ؛ ١٧٦ ؛ ١٩٧.

(٢) المزار الكبير : ٥٣٤.

(٣) نفس المصدر : ٢٧.

١٩٧

قول الرجالي : إنّه ثقة. وانطلاقاً من هذا يعلم صحّة ما قاله المجلسي رحمه‌الله بشأن سند الزيارة الجامعة من أنّها أصحّ الزيارات سنداً ؛ فإنّه يكون صحيحاً أعلائياً في غاية الصحّة ، فيفوق على سائر الزيارات سنداً ، ولذلك واضب عليها علماء الطائفة قديماً وحديثاً وقد كثر استشهادهم بها في مختلف المجالات الشرعية من تفسير الآيات القرآنية وبيان الأحكام الشرعية وشرح الأخبار ولولا ثبوتها عندهم لما كانت هذه الكثرة من الاستدلالات بفقرة أو فقرات منها.

اللّهم إلاّ أنّ يقال : إنّ زيارة أمين الله مع تعدّد واعتبار سندها تكون من أصحّ الزيارات سنداً أيضاً كما قاله المجلسي رحمه‌الله بشأنها ، فيحمل ما أفاده من الوصف المذكور للزيارتين على كونه نسبيّاً إضافيّاً ، أي يقاس كلّ من الزيارتين مع غيرهما من بقيّة الزيارات ؛ أو يحمل ويقيَّد الوصف المذكور بشأن سند الزيارة الجامعة بما يتوفّر في إطار سند الجوامع من الزيارات ، بمعنى أنّ هذه الزيارة من بين الجوامع تكون أحسنها وأوثقها سنداً ؛ لأنّ البرمكي والكوفي ممّن رويا الحديث موثّقان بتزكية عدلين كما لا يخفى ، والنخعي وجيه ومعتمد عند الإمام عليه‌السلام كما عرفت ، فيصير السند صحيحاً أعلائيّاً كما مرّ آنفاً. والقرينة على هذا القيد ما كتبه المجلسي رحمه‌الله بشأن السند في كتابه تحفة الزائر بالفارسية (١٠٨٥هـ) حيث كتبه بعد أن مضت أربعة أعوام من فراغه من تأليف المزار من كتاب البحار(١٠٨١هـ) ، فيثبت لنا منه ما اختلج في خاطره من القيد المذكور ، وقد مرّ في صدر البحث كلامه في تحفة

١٩٨

الزائر ، ويؤيّده أيضاً ما سردناه عنه هناك حيث قال في البحار :

«أوردت في هذا الكتاب من الجوامع بعدد المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لكن أفضلها وأوثقها الثانية [أي الزيارة الجامعة الكبيرة المعهودة] »(١).

هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ العلاّمة المجلسي رحمه‌الله اعتقد بأصحيّة الزيارة الجامعة إذا قورن المتن مع السند وضمّ إليه ، فيصير معنى كلامه أنّ هذه الزيارة تكون أصحّ الزيارات سنداً ومتناً معاً ، فيحتمل أنّ المجلسي حكم بأصحيّة الزيارة الجامعة على ما هو المصطلح عند قدماء الأصحاب من حصول الاطمئنان بصدور الخبر لقرائن مرجّحة كوجودها في الأصول والكتب المعتبرة وعبر اقتران متنها بسندها فيوجب ذلك الوثوق والركون إلى صدورها قطعاً بحيث لا يبقي أيّ ريب وشكٍّ فيه ، والشاهد على ذلك ما نقل عن ملاذه من أنّ الزيارة الجامعة نفسها شاهد عدل على صحّتها ، بينما تكون زيارة أمين الله من أصحّ الزيارات سنداً فقط.

هذا ، ويوجد هنا احتمال ضعيف آخر في كلامه ، وهو أنّ المجلسي أطلق الكلام المذكور على ما هو المصطلح عند الرجاليين من القدماء ، فيكون المراد من أصحيّة السند هو أنّ الطريق الواصل منه إلى الشيخ أو الصدوق رحمهما الله في هذا الحديث أحسن الطرق الموجودة من بين يديه ، بينما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٩٩ / ٢٠٩.

١٩٩

يكون المراد من أصحيّة المتن هو أنّ الطريق المكتوب للشيخ أو الصدوق في كتابيهما إلى الراوي عن الإمام عليه‌السلام أوثق طريق وإسناد في ذلك.

وعلى كلّ تقدير يندفع التنافي بين كلاميه رحمه‌الله وإن كان الأوّل أقرب تحقيقاً ، والعلم عند الله ، والحمد لله رب العالمين.

٢٠٠