تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 113 و 114 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

الذكر المحفوظ

قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن

وما روي في تحريفه

(٣)

السيّد عليّ الشهرستاني

بسم الله الرحمن الرحيم

تكلّمنا في الأعداد السابقة عن الإنزالين الدفعي والتدريجي للقرآن ، موضّحين معنى العرضة ، وما قيل عن ترتيب القرآن ، هل هو توقيفي أم اجتهادي؟ آتين بالروايات الدالّة على إشراف النبيّ(صلى الله عليه وآله) وجبريل عليه‌السلام على ترتيب الآيات في السورة.

ثمّ أشرنا إلى وجود أقوال أربعة في جمع القرآن وتأليفه ، وبيّنا أوّله وهو جمع القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنّه أمر بجمع ما نزل عليه إلى ذلك الحين ، مؤكّدين وجود مصاحف ناقصة للصحابة يقرؤون فيها ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أكّد على عدم تنجيسها ، وحملها إلى بلاد الكفر و ... ، وأنّ ما قالوه

١٠١

في تفسير جمع القرآن بأنّه يعني الحفظ لا الكتابة ، هو باطل.

قالوا بذلك لسلب فضيلة جمع القرآن للإمام عليٍّ عليه‌السلام وإعطائها لآخرين ، مع أنّه الأولى بذلك ـ عدا كونه أوّل كتّاب الوحي ، وصهر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وزوج البتول عليها‌السلام ، وابن عمّه ، وأوّل القوم إسلاماً ـ وذلك لكونه عِدْل القرآن ، وأحد الثقلين ، والقائل : سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار.

ثمّ صاروا إلى التشكيك في روايات جمع الإمام للقرآن وتضعيفها ، وحملها على الجمع في الصدور ، وأكثر من ذلك أنّهم رووا على لسانه أنّه قال : «أعظم الناس أجراً في المصاحف أبوبكر ، رحمة الله على أبي بكر هو أوّل من جمع كلام الله بين اللوحين»(١). وقوله في مصحف عثمان : «والله لو ولّيت لفعلت مثل الذي فعل»(٢).

ثمّ أشرنا إلى الجمع بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بواسطة الإمام عليّ عليه‌السلام من خلال الأدلّة والروايات التاريخية من كلا الفريقين ، ثمّ استعرضنا أقوال علماء الشيعة في مصحف الإمام عليه‌السلام وأخبار مصحف الإمام عليّ عليه‌السلام في كتب الجمهور ، ومن ثمّ تطرّقنا إلى لجوء الخلفاء إلى أسلوب الاحتماء بالصحابة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) المصاحف ١ / ١٥٤ الرقم ١٧ و ١٨ و ١٩ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٣٨٠ ، ٣٨١ ، تاريخ الإسلام ٣ / ١١٥ ، تاريخ الخلفاء : ٨٦.

(٢) أنظر البرهان للزركشي ١ / ٢٤٠ ، الاتقان للسيوطي ١ / ١٦٦ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ٤٤ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨ ، تاريخ ابن شبة ٣ / ٩٩٥.

١٠٢

ومصاحفهم لتصحيح أعمالهم في هذا المضمار فتعرّضنا إلى بعض مصاحف الصحابة ومواقفهم اتّجاه السلطة ، ثمّ ذكرنا بعض الآراء لبعض المؤلّفين في هذا المجال واستعرضناها بالنقد والتحليل ونستأنف الكلام هنا في مصحف الإمام عليّ عليه‌السلام :

مصحفا الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام :

بعد كلّ هذا العرض نتساءل : هل كان للإمام عليّ عليه‌السلام مصحف يختصّ به ـ كما يشيعه الآخرون ـ أم أنّ مصحفه هو مصحف المسلمين اليوم؟ وَبعبارة أخرى : هَلْ يَخْتَلِف مُصْحفُهُ عليه‌السلام عن المصحف الموجود المتداول المقروء عند الناس اليوم أم أنّه على وفاق معه؟

فلو قلنا بالقول الأوّل ، فما الدليل على المخالفة؟ بل ما هو حجم المخالفة فيما بينهما؟ هل هو في الترتيب؟ أم في متنه زيادة أو نقصاً؟

أمّا لو قلنا بالثاني ، فهل ذلك المصحف هو نفس مصحف رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي أمر بترتيبه وتدوينه ، وكان أودعه خلف فراشه ، أم أنّه مصحف آخر كتبه بإملاء رسول الله؟ أم أنّ له مصحفين؟ أحدهما ذاك ، والآخر هذا؟

ولا يخفى عليك بأنّ ابن أبي الحديد المعتزلي أكّد في شرح النهج على أنّ الإمام عليّاً عليه‌السلام هو أوّل من جمع القرآن وحفظه ودوّنه إذ قال :

«وأمّا قراءته القرآن واشتغاله به ، فهو المنظور إليه في هذا الباب ، اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولم يكن غيره

١٠٣

يحفظه ، ثمّ هو أوّل من جمعه ، نقلوا كلّهم أنّه تأخّر عن بيعة أبي بكر ، فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنّه تأخّر مخالفةً للبيعة ، بل يقولون : تشاغل بجمع القرآن ، فهذا يدلّ على أنّه أوّل من جمع القرآن ، لأنّه لو كان مجموعاً في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) ، وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون إليه ، كأبي عمرو بن العلاء ، وعاصم بن أبي النجود وغيرهما ؛ لأنّهم يرجعون إلى أبي عبدالرحمن السلمي القارئ ، وأبوعبدالرحمن كان تلميذه ، وعنه أخذ القرآن ، فقد صار هذا الفنّ من الفنون الّتي تنتهي إليه أيضاً ، مثل كثير ممّا سبق»(١).

فما يعني هذا الكلام؟ وهل جمع عليه‌السلام بين اللوحين تنزيله وتأويله ، أو اختصّ بجمع أحدهما دون الآخر؟

والّذي أحتمله وأَميلُ إليه هو وجود مصحفين للإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه‌السلام :

أحدهما مجرّد عن التفسير والتأويل ، وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بمصحف التلاوة والذِّكْر.

والآخر مفسَّر وَمُؤَوَّل ، وفيه شأن النزول ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، وأسماء المؤمنين والمنافقين ، كما فيه فضائح بعض المهاجرين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ١/٢٧.

١٠٤

والأنصار ، إلى غيرها من المعارف الإلهية. وهو مصحف العلم والتفسير والتأويل.

فالمصحف الأوّل هو المنزل على رسوله(صلى الله عليه وآله) في ليلة القدر دفعة واحدة والذي أمرنا بتلاوته.

أمّا المصحف الثاني(١) فهو كتاب علم وتفسير وليس كتاب ذكر وتلاوة.

وقد احتملنا هذا الأمر جمعاً بين الأخبار لأنّ جمع القرآن في مدّة ثلاثة أيّام لا يتّفق مع جمعه في ستّة أشهر الواردة في نصوص اُخرى ، فلابدّ من الجمع بين الأقوال مع الحفاظ على الثوابت المعروفة في أمر القرآن ، كوجود مصاحف مدوّنة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وإشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ترتيب المصحف و ...

وممّا اشتهر في هذا الأمر هو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يعرض عليه من قبل جبرئيل عليه‌السلام القرآن كلّ عام مرّة ، ومعناه أنّه كان يعيد الآيات النازلة عليه

نجوماً إلى أماكنها في السور من قرآن التلاوة ، فيقول : ضعوا الآية الفلانية في المكان الفلاني (٢) ، وقال تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَاْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) أي أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يرتّب الآيات طبق قرآن التلاوة كلّ سنة بعد نزولها منجَّمةً عليه(صلى الله عليه وآله) ، ثمّ يجيز قراءتها في الصلاة بعد إكمال تلك السور ، وكتابة تلك السور في مصاحف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) نسميه بالمصحف مسامحة.

(٢) والتي مرت نصوصها سابقاً.

١٠٥

وقد يكون تأكيد الرسول(صلى الله عليه وآله) على أفضلية قراءة القرآن في المصحف من قرائتها عن ظهر القلب يعود إلى إصراره وتأكيده على ترتيب التلاوة.

نحن بهذا الجمع أمكننا أن نوفّق بين تلك الأخبار الكثيرة المتخيّل تعارضها. مؤكّدين بأن لا تعارض بين أخبار مصحف الإمام عليّ عليه‌السلام.

نعم ، إنّ الإمام عليه‌السلام جمع مصحفه الثاني (أي المفسّر) حينما رأى الأمّة أعرضت عنه وغيّرت الاُمور لصالحها ، فأراد أن يؤرّخ للناس ما سمعه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في تفسير الآيات حسب التسلسل التاريخي للأحداث والمناسبات فيها ، رافعاً بذلك الإجمال في بعض الأمور ، بتقديم المنسوخ على الناسخ ، والمكّي على المدني ، وجعل المحكم بجنب المتشابه ، بل وضع كلّ شيء في محلّه ، وهذا ما عناه البعض بأنّه عليه‌السلام قدّم المنسوخ على الناسخ والمكّي على المدني ، أو ما قاله عليه‌السلام بقوله : (جمعته بتنزيله وتأويله ، محكمه ومتشابهه) ، وهو الذي عناه محمّد ابن جزي الكلبي في قوله : «لو وجد مصحفه لكان فيه علم كثير» (١).

وقد قدَّم الثاني (أي المفسّر) للحكّام دون الأوّل ، لأنّه كان يعلم بأنّ الحكّام لا يريدون أن يعرّفوا أو يتعرّف الآخرون بأسماء من نزلت فيهم الآيات عند قرائتهم لها.

وأنّهم قد تركوا الأخذ بالمصحف المفسّر ـ مضافاً لما سبق ـ لأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) التسهيل ١/٤.

١٠٦

الإمام عليه‌السلام اشترط عليهم بأن يكون هو مع القرآن ولا يفترق عنه ، إذ قال لهم لمّا جاء بالمصحف إليهم : «هذا كتاب الله قد ألّفته كما أمرني وأوصاني رسول الله كما أُنزل.

فقال له بعضهم : اتركه وامض.

فقال لهم : إنّ رسول الله قال لكم (إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض) فإن قبلتموه فاقبلوني معه ، أحكم بينكم بما فيه من أحكام الله.

فقالوا : لا حاجة لنا فيه ولا فيك ...» (١).

إذن المصحفُ المُفسَّرُ هو غير المصحف المُجَرَّدِ ، إذ قدّم الإمامُ عليه‌السلام المصحف المفسَّر للخلفاء ظاهراً مع علمه بعدم استجابتهم للأَخذ به ؛ وذلك لصعوبة ما فيه ، ولوجود علوم فيه هي من ودائع النبوّة ، فلا يمكن تطبيقه وإجراؤه إلاّ على يد المعصوم عليه‌السلام الذي هو عِدْل القرآن ، إذ لا يمسّ معاني ذلك الكتاب إلاّ المطهّرون.

وعليه فالإمام عليه‌السلام أقدم على تقديم الكتاب لهم إتماماً للحجّة عليهم ليس إلاّ.

أمّا المصحف المجرّد فإنّه وإن اختلف عن المصحف المتداول في بعض القراءات ، لكنّ الإمام عليه‌السلام كان لا يرتضي الجهر بالمخالفة ، لأنّه لا يريد أن يفتح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) إثبات الوصية : ١٢٣.

١٠٧

باب التصرّف بالقرآن المشهور بين المسلمين ، أو قل المتواتر بين المسلمين.

إذن الإمام عليه‌السلام قد جمع الموجود من الآيات في الألواح والعسب والرقّ ، أي وحدَّها في مصحف واحد مجموع في ثلاثة أيّام ، ثمّ احتفظ بها كي تكون أصلاً يرجع إليه لو اشتدّ الخلاف بين المسلمين.

ويعود عدم تقديم الإمام عليّ عليه‌السلام مصحف التلاوة ـ أعني المجرّد عن التفسير ـ للناس ، لمعرفته بأنّهم كانوا قد ألّفوا آيات ذلك الكتاب العزيز وحفظوه وكانوا يَقْرَؤون به في صلواتهم بجوف الليل ومنذ أيّام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولهم دويّ كدويّ النحل ؛ إذ جاء في الأخبار : بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يمرّ على بيوت الأنصار ويستمع إلى نداء أصواتهم بالقراءة في بيوتهم(١). لذلك اكتفى الإمام عليه‌السلام بتقديم المصحف المفسّر لإتمام الحجّة عليهم.

والزبدة هي أنَّ الإمام عليّاً عليه‌السلام في أكبر الظنّ كان لا يرى ضرورة في تقديم مصحفه المجرّد للناس لأُنسهم به وتلاوتهم لآياته ، أو قُلْ لاشتهاره وتواتره بينهم ، ولأنّهم كانوا يعرفونه كما يعرفون آباءَهم وأبناءهم وبلدانهم ، لكنّه ومع كلّ ذلك احتفظ بنسخة منه لنفسه ولأهل بيته.

ومعنى كلامي أنّ كلّ ما أثاروه من إعلام وضجّة حول جمع الخلفاء للقرآن كان يعني الاستنقاص من النبوّة والتعريض برسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وفي المقابل الرفع بضبع الخلفاء والارتفاع بمنزلتهم حتّى على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لكنّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) انظر مثال ذلك في صحيح البخاري ٤/١٥٤٧/ح ٣٩٩١ ، باب غزوة خيبر ، وصحيح مسلم ٤ /١٩٤٤/ح ٢٤٩٩ ، باب فضائل الأشعريّين.

١٠٨

كلّ تلك الضجّة ردّت من خلال القول بتواتر القرآن عند المسلمين ، وأنّ العلم به كالعلم بالبلدان.

كما أنّ وصية رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بأنّ يجمع المصحف بعد وفاته جاءت للقول بأنّ الإمام عليه‌السلام هو الأولى بهذه الفضيلة دون غيره من الصحابة.

ولَرُبَّ قائل يقول : إنّ مصحف الإمام عليّ عليه‌السلام المفسَّر هو عينه المجرّد ، بفارق أنّه أضاف إليه التفسير في حواشيه ، أو أنّه أشار إلى كون هذه الآية منسوخة ، والآية الفلانية ناسخة ، أو أنّ هذه الآية هي المحكمة وتلك هي المتشابه ، وهذه الآية مكّية وتلك مدنية ، وكان الإمام يذكر كلّ ذلك في هامش الكتاب العزيز وهذا يعني بأنّ للإمام عليه‌السلام مصحفاً واحداً لا مصحفين.

وهذا الاحتمال قد يصحّ إن قلنا باتفاق النصوص على اشتمال مصحف الإمام عليه‌السلام على الناسخ والمنسوخ لا بتقديم الناسخ على المنسوخ كما في بعض النصوص ، والفرق بين التعبيرين واضح ، والنصوص تدلّ على كلا الطرفين ، وليس من السهل البتّ بأحد الطرفين ، وإن كنّا نرجّح تقديم الناسخ على المنسوخ في مصحف الإمام عليّ عليه‌السلام المفسّر ، وهذا يفنّد الاحتمال السابق ويشير إلى وجود مصحف آخر بترتيب آخر ، لكنّ الاحتمال السابق يبقى قائماً ، لأنّ في رواية سليم : «فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ» وفي رواية الاحتجاج : «ولقد أُحْضِرُوا الكتاب كُمُلاً مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ» ونقل السيوطي عن ابن اشته عن ابن سيرين قوله : «إنّه كتب في مصحفه الناسخ

١٠٩

والمنسوخ» وهذه النصوص تختلف عن سابقتها وحتّى ابن سيرين حكي عنه كلا الأمرين ، ففي قول آخر عنه : «نبّئتُ أنّه كتب المنسوخ وكتب الناسخ في أثره» ، وهذه الجملة تختلف عن جملته السابقة.

القرّاء والإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام :

مرّ عليك حال الصحابة القرّآء ، أمّا الإمام عليّ عليه‌السلام فلم يطلبوا منه أن يأتيهم بنسخته ، وهو لم يعطهم إيّاها ، لكنّهم عن طريق أبي عبدالرحمان السّلَمي وصلوا إلى قراءته ـ حسبما مرّ عليك ـ واعتمدوها كي يصحّحوا مصحفهم ويعطوه الشرعية ، وقد يكونون استعانوا بحذيفة بن اليمان للوقوف على قراءة الإمام عليّ عليه‌السلام وتصحيحه للمصحف الإمام.

وبرأيي أنّ تصحيح المصحف الموجود لا يحتاج إلى كثير من المؤونة ، لاعتقادنا بأنّ المقروء ليس فيه ما يخالف القراءة المشهورة بين المسلمين والّتي قرأ بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والإمام عليّ عليه‌السلام ، وفاطمة الزهراء عليها‌السلام.

وإنّك لو ألقيت نظرة إجمالية على نهج البلاغة وخطب السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ضدّ الشيخين وكلام الإثني عشر الذين احتجّوا على أبي بكر في جلوسه مجلس الخلافة ، ووقفت على الآيات الّتي استشهدوا بها لَما رأيت في كلامهم آية تخالف القراءة المشهورة والمأخوذ بها اليوم خلافاً مغيّراً للمعنى.

١١٠

بل في كلام السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام : «وهذا كتاب الله بين أظهركم»(١) ، يدلّ على وجود الكتاب كاملاً آنذاك ، وهو مقبول عندها حيث تستشهد بآياته.

فهم قد استشهدوا وقرؤوا بآيات هذا الكتاب الذي نتلوه كلّ يوم ، أي أنّ التواتر بقرآنية هذا القرآن هو الذي صحَّح المصحف لا ما ادَّعَوه من اتّخاذ شاهدين وما شابه ذلك من أقوال بعيدة عن المنطق والعقل السليم. ولنرجع إلى قراءة الإمام عليّ عليه‌السلام تارة اُخرى.

فقد روى الطحاوي ، عن يحيى بن أَكْثَم أنّه قال :

«إن كانت القراءة تؤخذ بصحّة المخرج ؛ فما نعلم لقراءة من صحّة المخرج ما صحّ لقراءة عاصم ؛ لأنّه يقول : قرأت القرآن على أبي عبدالرحمان ، وقرأ أبو عبدالرحمان على عليّ ، وقرأ عليٌّ على النبيّ(صلى الله عليه وآله)». ثمّ قال الطحاوي : «وصَدَق ، وقد كنّا أخذنا قراءة عاصم حرفاً حرفاً عن روح بن الفرج ، وحدّثنا : أنّه أخذها عن يحيى بن سليمان الجعفي ، وأنّه قال لهم : حدّثنا أبو بكر بن عيّاش ، قال : قرأت على عاصم ، قال أبو بكر : فقلت لعاصم : على من قرأت؟ قال : على السّلَمِي ، وقرأ [السّلِميُّ] على عليّ ، وقرأ عليٌّ على النبيّ(صلى الله عليه وآله)».

إلى أن يقول : «ولقد حدّثني إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بلاغات النساء : ١٤.

١١١

حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله الواسطي ، قال : سمعت حفص بن سليمان الكوفي ، عن عاصم ، قال : قال أبو عبدالرحمان : قرأت على عليّ فأكثرتُ ، وأمسكتُ عليه فأكثرت ، وأقرأتُ الحسن والحسين حتّى ختما القرآن»(١).

فالجملة الأخيرة من الخبر ذات وجهين ، فقد تكون صادرة عن السلمي وقد تكون أضافة من الراوي(٢) لأنّه لا داعي لمثل الحسن والحسين عليهما‌السلام أن يختما القرآن على أبي عبدالرحمان السلمي ، وأبوهما الإمام عليّ عليه‌السلام هو الذي أقرأ أبا عبدالرحمان السلمي ، فلماذا لا يُقْرِئُهُما أبوهما كما أقرأ أبا عبدالرحمان؟!

بل كيف لم يقرئهما جدّهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وهو الذي دعا المسلمين إلى تعليم القرآن وتعلّمه ، مؤكّداً فَضْلَ تِلاوتِه وختمه؟! بل لماذا لم تقرئهما أمُّهما الزهراء عليها‌السلام؟!.

فالمحتمل أيضاً بأنّ السلمي أقرأهما للتأكّد من صحّة أخذه عن أمير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مشكل الآثار ١/٢٦٣ ، وراجع وفيات الأعيان ٦/٣٩٠/الترجمة ٨٢٥ ليعقوب الحضرمي.

(٢) قد يكون أَمرُ الإمامين الحسن والحسين قد وصل في زمن عثمان ومعاوية ، إلى ما يشابه قول أهل المدينة في الإمام الباقر : ما رأينا أحداً قطّ أكذب من هذا يحدّث عمّن لم يره ، فلمّا رأى الإمام الباقر ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبدالله الأنصاري فصدّقوا ، وكان جابر يأتيه يتعلّم منه «رجال الكشّي ١/٢١٧/ح ٨٨ ، الكافي ١/٤٦٩ ، باب مولد أبي جعفر/ح ٢» فقد يكون الإمامان قد أخذا عن أبي عبدالرحمان في الظاهر ليقرِّرا للناس صحّة هذه القراءة.

١١٢

المؤمنين عليه‌السلام ، ولذلك قال (قرأت فأكثرت) (أمسكت فأكثرت) ، وهذا يعني أنّه قرأ القرآن ثمّ أمسك على قراءة عليّ عليه‌السلام ليضبطها ، ثمّ قرأها على الإمامين عليهما‌السلام ليتأكّد من صحّة ما أخذه.

قال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب : « ... والقرّاء السبعة إلى قراءته يرجعون.

فأمّا حمزة والكسائي فيعوّلان على قراءة عليّ وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلى عليّ ، ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أَقْرَأُ من عليّ بن أبي طالب للقرآن.

وأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو ، فمعظم قراءاتهم يرجع إلى ابن عبّاس ، وابن عبّاس قرأ على أُبيّ وعليّ ، والَّذي قرأه هؤلاء القرّاء يخالف قراءة أُبي ، فهو إذاً مأخوذ من عليّ عليه‌السلام.

وأمّا عاصم ، فقرأه على أبي عبدالرحمن السلمي ، وقال أبو عبدالرحمن : قرأت القرآن كلّه على عليّ بن أبي طالب ، فقالوا : أفصح القراءات قراءة عاصم لأنّه أتى بالأصل ، وذلك أنّه يظهر ما أدغمه غيره ويحقّق من الهمز ما ليّنه غيره ، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.

والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى عليّ ، وليس في الصحابة من

١١٣

ينسب إليه العدد غيره ، وإنّما كتب عدد ذلك كُلُّ مِصْر عن بعض التابعين»(١).

أجل ، إنّ السلمي أخذ القراءة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعنه أخذ حفص هذه القراءة ؛ قال حفص : «قال لي عاصم : ما كان من القراءة الّتي أقرأتك بها فهي القراءة الّتي قرأت بها على أبي عبدالرحمان السلمي عن عليّ عليه‌السلام ».

وقد ذكر عاصم أنّه لم يخالف أبا عبدالرحمان في شيء من قراءته ، فإنّ أبا عبدالرحمان لم يخالف عليّاً عليه‌السلام في شيء من قراءته(٢).

وكذا الحال بالنسبة إلى قراءات الآخرين أمثال حمزة الزيّات والكسائي وأبو عمرو بن العلاء فهم أخذوا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فحمزة الزيّات عن جعفر الصادق عن محمّد الباقر عن عليّ بن الحسين زين العابدين عن الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام.

والكسائي قرّاء على حمزة الزيّات بالإسناد المتقدّم وأبو عمرو بن العلاء بن نصر ، ويحيى بن يعمر قرأ على أبي الأسود الدؤلي وهو قرأ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال الشيخ محمّد هادي معرفة رحمه‌الله بعد أن نقل كلام الذهبي : «وكانت القراءة الّتي أخذها حفص بن سليمان عن عاصم بن أبي النَّجُوْدِ ترتفع إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب ١/٣٢١ وعنه في بحار الأنوار ٤٠/١٥٧ ، ٨٩/٥٣ ، وانظر عمدة القاري ١٨/٨٢.

(٢) معرفة القرّاء الكبار للذهبي ١/٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٥/٢٥٩.

١١٤

عليّ عليه‌السلام (١).

نستنتج أنّ قراءتنا اليوم هي قراءة عليّ بن أبي طالب ثابتة منذ العهد الأوّل تتعاهدها الأمّة عن الأمّة وباقية مع الخلود»(٢).

ثمّ قال تحت عنوان (حفص وقراءتنا الحاضرة) : «كان عليّ أمير المؤمنين أوّل من أبدى فكرة جمع القرآن بعد وفاة رسول الله مباشرة وإِن كان جمعه هو رُفض ، لكنَّ فكرة الجمع أَثَّرت أَثَرها في نفس الوقت ولم يكن الاختلاف بين الجمعين في ذات القرآن»(٣).

إلى أن يختم كلامه بالقول : «أمّا القراءة الحاضرة ـ قراءة حفص ـ فهي قراءة شيعية خالصة ، رواها حفص وهو من أصحاب الإمام الصادق ، عن شيخه عاصم وهو من أعيان شيعة الكوفة الأعلام ، عن شيخه السلمي وكان من خواصّ عليّ عليه‌السلام (٤) ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن الله عزّوجلّ»(٥).

قلت : كلام الشيخ هادي معرفة صحيح من جهة وغير صحيح من جهة أُخرى ، فهو صحيح من جهة أنّ مادّة القرآن المتداولة اليوم ونصّه ما هو إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) معرفة القرّاء الكبار للذهبي ١/١٤١.

(٢) التمهيد في علوم القرآن ٢/١٨٤ ، طبقات القرّاء في عليّ بن أبي طالب.

(٣) التمهيد في علوم القرآن ٢/٢٤٩.

(٤) ذكره ابن قتيبة في أصحاب عليّ وممّن حمل عنه الفقه. المعارف : ٥٢٨ وعدّه البرقي في رجاله من خواصّ الإمام من مضر ، رجال البرقي : ٣٦/الترجمة ٤٦.

(٥) التمهيد في علوم القرآن ٢/٢٥٠.

١١٥

نفس القرآن المنزل على رسوله(صلى الله عليه وآله) والذي كتبه الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وغيره من الصحابة في عهده(صلى الله عليه وآله). وهو ما اصطلحنا عليه بـ : (المصحف المجرّد).

لكنّ الخطأ هو الإيحاء بأنّ ترتيب القرآن الحالي والقراءة فيه هو نفس ترتيب وقراءة الإمام عليّ عليه‌السلام في كلا مصحفيه ، فهذا غير صحيح ؛ لأنّا كنّا قد وضَّحنا بأن ترتيب القراءة غير ترتيب النزول ، وأنَّ لكل واحد من الصحابة قراءةً خاصةً وترتيباً خاصّاً به. وقد وقفت على أنّ للإمام عليه‌السلام مصحفاً مفسّراً ذكر فيه التنزيل والتأويل ، طبقاً للنزول وهذا ما اصطلحنا عليه بـ (المصحف المفسّر).

وهذا يختلف عن المصحف المجرّد ، لكن الاختلاف لم يكن في ذات القرآن ، فالمصحف المفسّر قرآن تفسير وعلم ، والمصحف المجرّد قرآن تلاوة وذكر.

وعليه فهذا المصحف المتداول اليوم مقبول عند الأئمة عليهم‌السلام ومُمْضى من قبلهم ، ونحن نقرؤه تبعاً لهم ؛ لأنّ مادّته القرآنية وأصله الإلهي معترف بهما وبصحّتهما عندهم ، ومعناه أنّ الإمام عليّاً عليه‌السلام يقبل بهذا المصحف كما يقبل به آخرون من الصحابة ، لكن في الوقت نفسه لا ننفي وجود اختلاف بين قراءة أهل البيت عليهم‌السلام وقراءات الصحابة ، وبين ترتيب مصاحف الصحابة ومصحف أهل البيت عليهم‌السلام ، بل بين ترتيب مصاحف الصحابة فيما بينهم ، ولا يستبعد أن يقال : بأنّ هذا المصحف المتداول اليوم هو مأخوذ عن مصحف الإمام

١١٦

عليّ عليه‌السلام ؛ لاتّفاق أربعة أو أكثر من القرّاء السبعة على القراءة به على وَفْقِ قراءة الإمام عليّ عليه‌السلام.

أو قل بأن الإمام عليّاً عليه‌السلام والصحابة الكبار ـ أمثال اُبَيّ وابن مسعود ـ جاءوا يصحّحون قراءة المصحف المشهور ، أي أنّ قراءتهم كانت الأصل لهذا المصحف لأنّهم أعيان الصحابة لا قراءة زيد بن ثابت ، لأنّ المتواتر بين المسلمين هو قراءة أولئك لا قراءة زيد ، لأنّ الروايات أَطبقت على أنّهم هم الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وعلى كلّ حال ، فإنّ المهمّ هو أنّ الأئمّة عليهم‌السلام قد قبلوا هذا المصحف ، فيكون هو (المصحف الإمام) عند جميع المسلمين ، ولا خلاف في ذلك ، ويؤكّده عدم تحريفه ووحدة نصّه وبقاؤه عبر عدّة قرون بِرَغْمِ كُلّ الملابسات ، وبرغم كثرة طبعاته وخطوطه وأشكاله المختلفة في مختلف البلدان ، بل وبرغم سعي الأعداء لتحريفه ، وخصوصاً إسرائيل التي سعت في الآونة الأخيرة إلى تشويه القرآن العزيز والمساس به.

البسملة معياراً في القرآن المتواتر :

وممّا يمكن قوله في صحّة قراءتنا ، وأنّ المصحف اليوم هو ليس ببعيد عن مصحف الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام والصحابة الذين دوّنوه على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، هو بَدْءُ سُوَرِهِ بالبسملة ، وهذا ما لا يعتبره الآخرون في بدء سور مصاحفهم ، فتراهم إلى يومنا هذا يصرّون على إسقاط البسملة من السور

١١٧

الّتي يقرؤونها في صلواتهم ، بدعوى أنّ أبا بكر وعمر كانا لا يقرآن بهما وخصوصاً في الصلوات الإخفاتية.

فعن مالك والأوزاعي : أنّه ليس من القرآن إلاّ في سورة النمل ، ولا يقرأ لا سرّاً ، ولا جهراً إلاّ في قيام شهر رمضان(١).

وقال أبوحنيفة : تقرأُ ويسرُّ بها ، ولم يقل أنّها آية من السورة أم لا.

قال يعلى : سألت محمّد بن الحسن عن (بسم الله) فقال : ما بين الدفّتين قرآن.

قال : قلت : فلِمَ تسرُّه ـ أي تقروه سرّاً ـ قال : فلم يجبني(٢).

فهؤلاء استدلّوا على عدم جزئية البسملة بما رووه عن فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان ، فهي وإن كانت تخالف روايات صحيحة اُخرى صادرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإنّه كان يجهر فيها بالبسملة(٣).

فعن أبي هريرة قال : كان رسول الله يجهر بـ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة ، فترك الناس ذلك(٤).

وإليك ما استدلّوا به على عدم مشروعية الجهر بالبسملة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١/١٩٤.

(٢) تفسير الرازي ١/١٩٤ ، العدّة للصنعاني ٢/٤١٠ ، الاتقان للسيوطي ١/٧٨ ، سبل السلام ١/١٧٢ ، الام للشافعي ١ / ١٠٧ ، مختصر المزني : ١٤.

(٣) سنذكر تلك الروايات لاحقاً إن اقتضى الأمر.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٢/ ٤٧ ، وانظر مستدرك الحاكم ١/٢٣٢ ، الدرّ المنثور ١ / ٨.

١١٨

منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، وأحمد في مسنده ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : «صلّيت مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحد منهم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(١).

وفي سنن الترمذي عن يزيد بن عبدالله ، قال : «سمعني أبي وأنا أقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال أبي : بُنيَّ إيّاك ، قال : ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله كان أبغض إليه حدثاً في الإسلام منه ، فإنّي قد صلّيت مع رسول الله ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقول ، فلا تقلها ، إذا أنت قرأت فقل : الحمد لله ربّ العالمين»(٢).

فهاتان الروايتان إن صحّتا فهما تناقضان روايات اُخرى وردت عن أبي بكر وعمر ـ دون عثمان جامع القرآن!! ـ في الجهر بالبسملة.

ففي الدرّ المنثور : عن ابن عمر ، قال : «صلّيت خلف النبيّ وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(٣).

وفي المستدرك ، عن أنس ، قال : «صلّيت خلف النبيّ وخلف أبي بكر وعمر وخلف عثمان وخلف عليّ فكلّهم كانوا يجهرون بقراءة (بِسْمِ اللهِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم كتاب الصلاة باب حجّة من قال لا يجهر بالبسملة / ح ٥٠ و ٥٢ ، وسنن النسائي باب ترك الجهر بالبسملة من كتاب افتتاح الصلاة ١/ ١٤٤ ، مسند أحمد ٣/ ١٧٧ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٢٣ ، ٢٥٥ ، ٢٧٣ ، ٢٧٨ ، ٢٨٦ ، ٢٨٩.

(٢) سنن الترمذي ٢/٤٣ ، مسند أحمد ٤/٨٥ ، المصنّف لعبدالرزّاق ٢/٨٨.

(٣) الدرّ المنثور ١/٨ عن الدارقطني.

١١٩

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(١).

وفي السنن الكبرى : روى عبدالرحمن بن أَبْزَى ، قال : «صلّيت خلف عمر ابن الخطّاب فجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(٢).

فقد يكون أبوبكر وعمر من المثبتين للبسملة ، وقد يكونان من النافين لها ، لكن أقول : إنّ عثمان ومعاوية كانا من النافين لها على نحو القطع واليقين ، فلي دراسة مخطوطة أُثبت فيها دور الأمويّين في رفع البسملة وأنّها حذفت في الستّ الأواخر من عهد عثمان بن عفّان وهي السنين التي ابتدع عثمان فيها ابتداعاته حسب إقرار الجميع.

فالنهج الحاكم أدرجوا إسم الرسول(صلى الله عليه وآله) مع الخلفاء كي يتستّروا باسمه(صلى الله عليه وآله).

وفي المقابل نرى إصرار مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام على الإتيان بالبسملة بل الجهر بها ، إذْ عُدَّ في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام الجهرُ بالبسملة في ضِمْنِ علائم المؤمن الخمسة.

وعن عليّ عليه‌السلام أنّه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وكان يقول : من ترك قراءتها فقد نقص ، وكان يقول : هي تمام السبع المثاني(٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مستدرك الحاكم ١/٢٣٤ وله بيان في ذيله راجعه.

(٢) السنن الكبرى ٢/٤٨.

(٣) الدرّ المنثور ١/٧ قال أخرج الثعلبي عن عليّ ، وأنظر كنز العمّال ٢/١٩١ ، ٣٧٥.

١٢٠