تراثنا ـ العددان [ 111 و 112 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 111 و 112 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

قال الشريف :

يعجبني مطل ديون الهوى

لطول تردادي على الماطل

نظر إليه تلميذه مهيار فقال :

يا ماطلي بالدين ما ساءني

إليك ترديد المواعيد لي

قال الشريف في مطلع إحدى حسينيّاته :

راحل أنت والليالي نزول

ومضرٌّ بك البقاء الطويل

أخذه الشاعر الشهير جميل صدقي الزهاوي فقال :

ساكن أنت والأعادي تقول

ومضرٌّ بك السكوت الطويل

قال الشريف :

غاية الناس في الزمان فناء

وكذا غاية الغصون الذبول

وقال الشيخ عبد الحسين صادق العاملي في رثاء عليّ بن الحسين شهيد الطفّ :

بكر الذبول على نضارة غصنه

إنّ الذبول لآفة الغصن الندي

قال الشريف في مدح الطائع :

فاتني منك انتصار بيميـ

ـني فتلافيت انتصاراً بمقالي

أخذه مهيار الديلمي فقال في أهل البيت عليهم‌السلام :

فما فاتني نصركم باللسا

ن إذا فاتني نصركم باليد

وقد أخذه أيضاً عبد المحسن الكاظمي من قصيدة في الحرب الطرابلسية الإيطالية فقال :

إن فاتني نصر فرسان الوغى بيدي

فكم أفاد لسان في الوغى وفمُ

٢٠١

قال الشريف متحمّساً :

يستشعر الطرف زهواً حين أركبه

كأنّه بنجوم الليل منتعل

أخذه سبط بن التعاويذي يصف فرس الخليفة :

مفتخراً بنعله

على هلال الأفقِ

قال الشريف :

طلبوا التراث فلم يروا من بعده

إلاّ علاً وفضائلاً وجلالا

وهو عين ما قاله في رثاء والده :

هل يورث الرجل الكريم إذا مضى

إلاّ بواقي من علاً وتكرُّمِ

أخذه السيّد حيدر الحلّي فقال :

مناجيب قد أفنى التراث على الندى

أبوهم وأبقى في العلا لهم الذكرى

قال الشريف :

وتُرى خفافاً في الوغى فإذا انتدوا

وتلاغط النادي رأيت ثقالا

أخذه السيّد حيدر فقال :

إن دُعوا خفّوا إلى داعي الوغى

وإذا النادي احتبى كانوا الثقالا

قال الشريف في كرائم النبوّة يوم كربلاء :

قد سلبن القناع عن كلِّ وجه

فيه للصون من قناع بديل

أخذه الحاج هاشم الكعبي بقوله :

بدت وهي حسرى الوجه ممّا يروعها

وكم حاسر في صونه يتنقّب

٢٠٢

قال الشريف :

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي

مواقع اللثم في داج من الظلم

نظر إليه إبراهيم الغزّي المتوفّى عام (٥٢٤هـ) فقال من قصيدة :

حتّى إذا طاح منها المرط من دهش

وأنحلَّ بالضم ّ سلك العقد في الظلم

تبسّمت فأضاء الليل فالتقطت

حبّات منتثر في ضوء منتظم

ونظر إليه مهيار قبله فقال :

وقد كاد أسداف الدجى أن يضلّها

فما دلّها إلاّ وميض ثناياها

وقال الشريف في رثاء ابن ليلى :

لعمرو الطير يوم ثوى ابن ليلى

لقد عكفت على لحم كريم

أخذه السيّد حيدر الحلّي في رثاء جدِّه الحسين عليه‌السلام إلاّ أنّه جعل السيوف مكان الطير وقد أجاد بقوله :

وإن أكلت هندية البيض شلوه

فلحم كريم القوم طعم المهنّدِ

قال الشريف :

بن على الناس بعزٍّ وعلاً

ستساويهم غداً بين الرمم

أخذ المعنى مهيار الديلمي بقوله :

ميّز من الناس على ظهرها

نفسك لا ميزة بين الرغام

قال الشريف :

ماض من العيش لو يفدى فديت له

كرائم المال من خيل ومن نَعَمِ

أخذه القاضي الأرجاني ولم يوفّق في أخذه :

لو كان يفدى فيُرى راجعاً

ماض من العيش فديناه

٢٠٣

قال الشريف :

ولم أر مثل الماطلات عشية

ذوات يسار ما قضين غريما

أخذ مهيار معنى الشطر الثاني منه وأودعه الشطر الأوّل من قوله :

يالواة الدين عن ميسرة

والضنينات وماكنَّ لئاما

قال الشريف في وصف الإبل التي أنحلها السير :

هنَّ القسىُّ من النحول فإن سما

طلب فهنَّ من النجاء الأسهم

أخذه ابن قلاقس بأكثر ألفاظه فقال :

خوص كأمثال القسىِّ نواحلاً

فإذا سما طلب فهنَّ سهام

وأخذه من المتأخّرين السيّد جعفر الحلّي بقوله :

متعطّفات كالقسىِّ موائلاً

وإذا ارتمت فكأنّما هي أسهم

قال الشريف :

فلا باسط بالسوء إن ساءني يداً

ولا فاغر بالذمِّ إن رابني فما

وقال مهيار :

ولا تحسبنِّي باسطاً يد دافع

ولا فاتحاً من بعدها فم عاتب

قال الشريف :

ولولاك ما استسقيت مزناً لمنزل

فأحمل فيه منّة للغمائم

وقد أحسن أخذه ابن الخيّاط الدمشقي وزاد معناه حسناً على الأصل :

وما كنت لولا أنَّ دمعي من دم

لأحمل منّا للسحاب بسقياه

٢٠٤

قال الشريف من قصيدة في مدح والده :

وفتية علّموا القنا كرماً

فأصبحت من ضيوفها الرخم

أخذه الحاج حسن القيّم الحلّي في رثاء الحسين عليه‌السلام :

أعدت السيف كفّه في قراها

فغدا في الوغى يضيف النسورا

والأصل فيه قول أحد شعراء الحماسة :

لمست بكفّي كفّه أبتغي الندى

ولم أدر أنّ الجود من كفّه يُعدي

قال الشريف في البرق :

قمن نساء الحيِّ يقتبسـ

ـنه ناراً من الإيماض لم تُضرمِ

أخذه ابن القيّم المذكور فقال :

حسبنه خلف البيوت ضرماً

فرحن وهناً يقتبسن ناره

وقال الشريف :

حتّى رمى الإ صباح في ليلة

لفّت أزار الرجل المحرم

أخذه القيّم أيضاً بقوله :

وصار بالصبح كعبد محرم

راح يشدُّ بالصفا أزراره

وقال الشريف :

والقول يعرض كالهلال فإن مشى

فيه الفعال فذاك بدر تمام

أخذه السيّد حيدر الحلّي فقال مادحاً :

كنت الهلال فزدت في

مدحي إلى أن صرت بدرا

٢٠٥

قال الشريف في رثاء والده :

وغدت عرانين العلا وأكفّها

من بين أجدع بعده أو أجذم

أخذه السيّد حيدر في رثاء السيّد مرزا جعفر :

شهرت أيدي المنايا سيفها

فاستعاذ الدهر منه فزعا

وحمى عن أنفه في كفّه

فإذا الأقطع يحمي الأجدعا

كما أخذه عبد المحسن الكاظمي في رثاء الشيخ محمّد حسن آل ياسين فقال :

وغدت أكفّ المجد إثر أنوفها

هذي مجذّمة وهذي جدَّع

قال الشريف في الخليفة الطائع :

لله ثمّ لك المحلُّ الأعظم

وإليك ينتسب العلاء الأقدم

أخذ سبط بن التعاويذي الشطر الثاني بتمامه فقال :

وإليك ينتسب العلاء قديمه

وحديثه وطريفه وتلاده

قال الشريف :

كالغيث يخلفه الربيع وبعضهم

كالنار يخلفها الرماد المظلم

وقال السيّد حيدر الحلّي :

وبعضهم كالنّار لا يخلفها

فيها سوى ما كان من رمادها

قال الشريف :

إنَّ الجياد على المرا

بط تشتكي طول المقام

وقال السيّد حيدر في الشطر الأوّل من هذا البيت :

الخيل عندك ملّتها مرابطها

والبيض منها عرا أغمادها السأم

٢٠٦

قال الشريف :

إنّما قصّر في آجالنا

أنّنا نأنف من موت الهرم

وقال السيّد حيدر الحلّي :

عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم

لا يهرمون وللهيّابة الهرم

الأمير أبو محمّد عبد الله المعروف بابن سنان الخفاجي الحلبي المتوفّى عام (٤٦٦هـ) كان يحذو حذو الشريف ويتبع طريقته ويأخذ من معانيه وألفاظه :

قال الشريف :

لست للزهراء إن لم ترها

كوعول الهضب يعجمن اللجم

وقال ابن سنان :

لست من عدنان إن لم ترها

كذئاب القاع يرعين اللجم

قال الشريف :

دين عليك فإن تقضيه أحي به

وإن أبيت تقاضينا إلى حكم

وقال ابن سنان :

فكيف تقذف ودّاً كنت تحفظه

لقد خصمتك لو صرنا إلى حكم

قال الشريف :

يا قلب ما أنت من نجد وساكنه

خلّفت نجداً وراء المدلج الساري

نظر إليه ابن سنان بقوله :

لقد علقت بشعب غير ملتئم

آهاً لقلبك من نجد وساكنه

٢٠٧

وقال ابن سنان أيضاً :

يا إخوتي وإذا صدقت فأنتم

من إخوة الأيّام لا من إخوتي

بعداً لأيّامي التي علّقتها

بكم فحارت في السبيل وضلّت

قال الشريف :

إن الذوابل والأقلام أرشية

إلى العلا لملوك العرب والعجم

ليس السيوف عن الأقلام غانية

الفري للسيف والتقدير للقلم

وقد أجاد في أخذ معناهما السيّد رضا الهندي الموسوي فقال في مطلع قصيدة مدح بها أحد علماء إيران من أقطاب الحركة الدستورية :

السيف من حقّه أن يخدم القلما

يجري مداداً فيبكي السيف منه دما

قال الشريف في رثاء شرف الدولة بن عضد الدولة :

لم يجر يوماً بأطراف العراق دماً

إلاّ وراع دماء القوم في الشام

نظر إليه الشيخ حمادي نوح الحلّي فقال في رثاء العلاّمة السيّد مهدي القزويني :

خبر يدكدك في العراق جباله

فتراع من دهش جبال الشام

قال الشريف في مدح الطائع العبّاسي :

فإذا غضبت فأنت أنت شجاعة

توفي على غضب الردى وهمُ همُ

نظر إليه السيّد حيدر الحلّي فقال يخاطب الإمام المهدي عليه‌السلام :

ما خلت تقعد حتّى تستثار لهم

وأنت أنت وهم فيما جنوه هم

٢٠٨

قال الشريف :

لا يستقرّ المال فوق أكفّهم

كالسيل يزلق من ذرى الأعلام

أخذه القاضي الأرجاني فقال :

له كفٌّ يزلُّ المال منها

وكيف يقرُّ ماء في مسيل

قال الشريف في وصف شعره :

لا يفضل المعنى على لفظه

شيئاً ولا اللفظ على المعنى

أخذه السيّد السعيد الحبّوبي في وصف شعره وزاده حسناً :

فلست ترى به لفظاً غريباً

ولا معنى به إلاّ غريبا

قال الشريف :

ومنظر كان في السرّاء يضحكني

يا قرب ما عاد بالضرّاء يبكيني

أخذه ابن زيدون بقوله من قصيدته الشهيرة (٤٦٣هـ) :

إنّ الزمان الذي ما زال يضحكنا

أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

قال الشريف في إحدى غراميّاته :

لو أنَّ قومك نصَّلوا أرماحهم

بعيون سربك ما اُبلَّ طعينُ

وقد ألمَّ به الشيخ صالح الكوّاز في إحدى حسينيّاته :

لو كلّ طعنة فارس بأكفهم

لم يخلق المسبار للمطعون

قال الشريف :

أشمّ منك نسيماً لست أعرفه

كأن ظمياء جرّت فيك أردانا

٢٠٩

نظر إليه والدنا الشيخ يعقوب بن جعفر بن الحسين فقال :

وبمسك ضاع الصعيد إذا

انجرَّ رداء لها عليه ومرط

قال الشريف :

مررت على تلك الديار ووحشُها

دوان ومن يحكين غير دوان

فأنكرت العينان والقلب عارف

قليلاً ولحّا بعدُ بالهملان

وقال الأبيوردي الأموي وأخذ الصدر الأوّل من البيت الثاني :

لها في محاني ذلك الشعب منزل

إذا أنكرته العين فالقلب عارف

قال الشريف في رثاء الصابي :

ملأت بمحياك البلاد مساعياً

ويملأ مثواك البلاد مناعيا

أخذه السيّد حيدر الحلّي في رثاء الشيخ مهدي آل كاشف الغطاء :

ملأت مكارمك البسيطة أنعماً

فلذلك انعقدت لفقدك مأتما

قال الشريف :

ومن حذر لا أسأل الركب عنكم

وأعلاق قلبي باقيات كما هيا

وقال السيّد السعيد الحبّوبي من مقطوعة يشكّ في صحّة نسبتها إليه :

لقد طال عهد الحبّ بيني وبينهم

وأشجان قلبي باقيات كما هيا

قال الشريف :

وما شبت من طول السنين وإنّما

غبار حروب الدهر غطّى سواديا

٢١٠

أخذ معناه الشاعر الشهير محمّد مهدي الجواهري بقوله :

ومستنكر شيباً قبيل أوانه

أقول له هذا غبار الوقائع

قال الشريف :

هل عرَّقت فيكم كفاطمة

أمٌّ وهل كمحمد جدُّ

أخذه علاء الدين الشفهيني الحلّي من قصيدة له حسينية :

فما كلُّ جدّ في الرجال محمّد

ولا كلُّ أمّ في النساء بتول

قال الشريف :

تمنّى رجال نيلها وهي شامس

وأين من الشمس الأكفّ اللوامس

وقال تاج الدين الحسن بن راشد من قصيدة يمدح فيها الإمام المهدي عليه‌السلام متضمناً الشطر الثاني :

كشمس تعالت عن أكفّ لوامس

(وأين من الشمس الأكفُّ اللوامس)

قال الشريف :

أنامله في الحرب عشر أسنّة

ولكنّها في الجدب عشر غمائم

وأين يقع قول الشيخ حسن مصبح الحلّي من الشطر الثاني :

خصباً بعشر غمائم لكنّها الـ

ـعشر الأنامل تستهلّ وتغدق

قال الشريف في مدح الطائع :

يُعدّ لعليائه هاشماً

إذا ما الأذلاّء عدُّوا هشاما

إذا ما بنوا بيت أكرومة

أطالوا السماك ومدُّوا الدعاما

٢١١

أخذه الخطيب الشيخ حسّون بن عبد الله الحلّي :

فهمُ الوارثون أكرومة الـ

ـمجد قديماً من هاشم لا هشام

قال الشريف :

أمن المروءة أن أبيت مسهّداً

قلقاً أبلُّ ملابسي بدموعي

وتبيت ريَّان الجفون من الكرى

وأبيت منك بليلة الملسوع

أخذه منه السيّد حسين الطباطبائي بحر العلوم :

أسرَّك طرفي أن يبيت مسهّداً

وقلبي ملسوع وطرفك راقد

٢١٢

من ذخائر التراث

٢١٣

٢١٤

مودّة القربى وأهل العبا

تأليف

عليّ بن شهاب الدين الهمداني

٧١٤ ـ ٧٨٦ هـ

تحقيق

محمّد جواد النجفي

٢١٥

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

جاء أعرابىُّ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال : يا محمّد ، اعرض علىَّ الإسلام.

فقال : تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه.

قال : تسألني عليه أجراً؟

قال : لا ، إلاّ المودّة في القربى.

قال : قرابتي أو قرابتُك؟

قال : قرابتي.

قال : هات أبايعك ، فعلى من لا يحبّ قرابتك لعنة الله.

فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : آمين.

كفاية الطالب /٩٠

٢١٦

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

لعلّ كلّ قارىء متتبّع حين يتصفّح تلك الأوراق التي حملت بين أسطرها مناقب أهل البيت وفضائلهم عليهم‌السلام يعي جيّداً مدى حجم الخطورة التي حملتها تلك الصفحات على عاتقها منذ وقت روايتها وتدوينها ونزولاً إلى مستقرّها بين يدي قارئها الكريم ، ولا سيّما إذا ما طالعنا تاريخ الظلم والاضطهاد الذي مارسه السّاسة والحكّام تجاه أهل البيت عليهم‌السلام وتجاه ما جاء بحقّهم من الفضائل والمناقب التي تكشف أحقّيّتهم وتظهر مظلوميّتهم.

فمنذ اليوم الأوّل الذي قُبض فيه الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) ظهرت بوادر الظلم والجور على تركته ـ الثقل الثاني بعد الكتاب ـ ومُورست تجاههم سياسة القمع والإقصاء ، فأصبحوا مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام :

إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولَّى

بدا لهُمُ من الناسِ الجفاءُ(١)

أخذت هذه السياسة تزداد في تماديها شيئاً فشيئاً على شجرة النبوّة وحملة الرسالة ، حتّى أصبح سبّ أخِ رسول الله وابن عمّه من على المنابر سنّةً أكيدةً لا محيص عنها.

ذلك الرجل العظيم الذي خلّفه الرسول الكريم للمسلمين إماماً ووصيّاً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ديوان الإمام عليّ لقطب الدين الكيدري : ٩٧.

٢١٧

وخليفةً وبخبخ له قادتُهم وزعماؤهم المزعومون ، أمسى بين ظهرانيهم ـ ولسبعين سنةً ـ مشتوماً على أفواه وعّاظ السلاطين.

فمنذ ذلك الوقت المبكّر لغياب حامل الرسالة المصطفى(صلى الله عليه وآله) أصبحت فضائل أهل بيته من أشدّ المحظورات المهلكة التي يلزم على الجميع اجتنابها واجتناب تدوينها ، بل روايتها مطلقاً.

وكانت الانطلاقة الأولى لهذه الهجمة العشواء متمثّلةً بنهي الخليفة الثاني عن تدوين الحديث الشريف بذرائع شتّى ، ولا يخفى أنّ مناقب أهل البيت وفضائلهم كان لها الحظُّ الأوفر من بين تلك الأحاديث الشريفة المنهىّ عنها ، فكانت الوسيلة الوحيدة لتحجيم فضائل العترة الطاهرة آنذاك هو النّهي عن تداول الحديث على الإطلاق وإن كان في ذلك ضياع للشريعةِ الغرّاءِ.

وهكذا مروراً بمعاوية الذي كتب إلى الآفاق : «برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته»(١).

ونزولاً إلى الحكّام المتعسّفين الذين أخذوا يتفنّنون باضطهاد أهل البيت وأتباعهم ومن روى شيئاً بحقّهم.

ومن الغريب والملفت للنظر أن تصل قصاصات الجلد وجذاذات الورق وهي تحمل في طيّاتها مناقب أهل بيت الرحمة وفضائلهم.

فوا عجباً ، كيف تسنّى لهذه المحظورات أن تشقّ جدار الزمن القاهر وتخترق أبواب السلاطين الظلمة الذين سعوا جاهدين لإزالة ما تبقّى من آثارهم ومناقبهم؟!

وكيف تسنّى لها أن تصل إلينا بعد أن قطعت مسافة ألف وأربعمائة سنة من القهر والحرمان ، مجتازةً حقول الألغام التي لا تُبقي ولا تذر؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ / ٤٤.

٢١٨

قد ضاع حتماً منها الكثير ، وما وصل منها أقلّ من القليل ، ومع ذلك تبقى عيون الدهشة والاستغراب شاخصة إليها ، خصوصاً عندما نستمع إلى أحمد بن حنبل وهو يقول : «ما جاء لأحد من أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه»(١).

وسرعان ما يزول هذا التعجّب والاستغراب حين نعلم أنّ ليد الغيب تدخّلا في حفظ آثارهم ومناقبهم عليهم‌السلام ، وأنّ الآية الكريمة (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنا لَهُ لَحافِظُوْنَ) (٢) لها ارتباط وثيق بهذا الشأن.

فقد جاء في مناقب ابن شهراشوب بعد أن ذكر قوله تعالى : (فَسئلُوا أهلَ الذِكِرِ) (٣) ، ثمّ قوله تعالى : (إِنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنّا لَهُ لحفِظُونَ) ، قال :

«قال الحارث : سألت أمير المؤمنين عن هذه الآية؟

قال : واللهِ ، إنّا نحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التأويل والتنزيل»(٤) فإن كان الله (عزّ وجلّ) متكفّل بحفظ الذكر من الضياع والتحريف ، فكذلك أهله ، لا بدّ من حفظ مكانتهم ، وإبراز فضيلتهم ، فبهم يحفظ الذكر ، وبهم تكشف أسراره وتتّضح معانيه.

ولذا فقد قيّظ الله تعالى لنصرة أهل البيت عليهم‌السلام ولحفظ فضائلهم ومناقبهم وإظهار حقّهم ومظلوميّتهم من أعلام الحفّاظ النابهين وأئمّة الحديث المتفقّهين الذين تسمو بأنفسهم روح العدل والإنصاف ، فجمعوا ما تبعثر من مآثرهم وما تشتّت من مناقبهم ، وقوّموا الأحاديث وصحّحوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣/١٠٧.

(٢) سورة الحجر : ٩.

(٣) سورة النحل : ٤٣ ، وسورة الأنبياء : ٧.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣١٣.

٢١٩

الأسانيد وبذلوا عناية فائقة في حفظ تراثهم وتدوينه ، وذلك بعد ما اطّلعوا على الجناية العظمى والمؤامرة الكبرى التي حاكها ساسة الشرّ من أجل طمس هويّتهم (صلوات الله وسلامه عليهم).

وهكذا صنع كبار أئمّة أهل السنّة المنصفين ، ومن منطلق : قل الحقّ ولو على نفسك ، فصنّفوا المجلّدات الطوال ودوّنوا الأحاديث والأخبار التي تخصّ مناقب آل النّبيّ الأطهار ، ومن بين أُولئك الأعلام الأخيار السيّد عليّ ابن شهاب الدين الهمداني ، الذي أخذ على عاتقه أن يُلملم شتات مفاخرهم ويجمع ما تفرّق من فضائلهم بكتاب موجز سمّاه مودّة القربى وأهل العبا ، وهو كتاب عانى الضّياع والإهمال طوال القرون السبعة المنصرمة.

وقد رغّب إلىّ الأستاذ فارس حسّون كريم تحقيق هذا السفر الجليل ، ثقة منه بي ورغبة في تحقيق تراث أهل البيت ونشر أفكارهم ومعارفهم ، فشمّرت عن ساعد الجدّ تلبية لطلبه الكريم في تحقيق هذا الكتاب القيّم ، كي يخرج إلى النور بحُلّة جديدة بعد أن مضى عليه زمن طويل من الغياب والإهمال.

وقد وضعنا المقدّمة على قسمين :

القسم الأوّل : يتناول جوانب من حياة المؤلّف.

والقسم الثاني : تحدّثنا فيه عن منهجيّة تحقيق الكتاب.

ولا أدّعي أنّي أحرزت الكمال والتّمام في عملي هذا ، فالكمال له وحده سبحانه ، آملاً منه تعالى أن يهدينا بهدايته وينيرَ لنا دربه ويُنيلنا شفاعة محمّد وآله(صلى الله عليه وآله) ، إنّه خيرُ مدعوّ وخيرُ مجيب.

محمّد جواد النجفي

١٧ / ربيع الأوّل / ١٤٢٩

٢٢٠