الكافي في أصول الفقه - ج ٢

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

الكافي في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
المطبعة: فاضل
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-8276-65-7
الصفحات: ٦٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

وأما ما يتردد في بعض الكلمات من ترجيح النسخة المتضمنة للزيادة ، لاحتياج الزيادة إلى عناية بنحو يبعد الخطأ في إثباتها. فلم يتضح بناء العقلاء عليه بنحو يخرج به عما تقتضيه القاعدة.

نعم إذا كانت الزيادة غير دخيلة في بيان المراد من الباقي فقد لا يكون ظاهر حال النقل الخالي عنها نفيها ، ليتحقق التعارض بين النقلين المانع من حجية نقلها.

المسألة الخامسة : لما كان موضوع نصوص العلاج تعارض أخبار الأئمة عليهم‌السلام ، فلا مجال لجريان أحكامها في تعارض غيرها من الطرق المعتبرة بالخصوص ، بل يتعين التساقط فيها ما لم يثبت الترجيح بينها بالخصوص.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم قدس‌سره من جريان جميع الترجيحات فيها. لعموم التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : «فإن المجمع عليه لا ريب فيه» وقوله عليه‌السلام : «لأن الرشد في خلافهم» ، بدعوى : أن المورد لا يخصص الوارد.

فيدفعه أن المراد بالتعليل الأول لما كان هو خصوص الإجماع على الرواية ، فهو مختص بالأخبار ، ولا موضوع له في غيرها. وأما التعليل بالثاني فهو إنما يستفاد من المرفوعة ، التي تكرر منا عدم نهوضها بالاستدلال. وقد تقدم في مبحث التعدي عن المرجحات المنصوصة ما ينفع في المقام. فراجع. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم. ومنه نستمد العون والتسديد. والحمد لله رب العالمين.

٦٢١

خاتمة

في التزاحم

والكلام .. تارة : في حقيقته ومورده. وأخرى : في حكمه من حيثية الترجيح وعدمه. فهنا مقامان :

المقام الأول : في حقيقة التزاحم ومورده

التزاحم بين الحكمين إنما يكون بتعذر الجمع بينهما في مقام الامتثال بعد بلوغهما مرتبة تقتضي امتثالهما ، لتمامية ملاكيهما. أما التعارض فهو عبارة عن تكاذب الدليلين في إثبات الحكمين.

وهما يشتركان في عدم فعلية الحكمين معا بنحو الإطلاق. أما في التعارض فلفرض تكاذب الدليلين في إثبات الحكمين. وأما في التزاحم فلأن تقوّم الحكم التكليفي بالعمل يستلزم عدم فعليته مع تعذره ، فمع تعذر الجمع بين التكليفين في الامتثال يتعين امتناع فعليتهما معا بنحو الإطلاق ، بحيث يقتضي الجمع بينهما في الامتثال. نعم يمكن الخطاب بأحدهما أو بهما معا معلقا على عصيان أحدهما ، على ما سبق توضيحه في مبحث الترتب من مسألة الضد.

كما أنهما يختلفان في أمور :

الأول : أن التعارض يبتني على فرض قيام الدليل على كل من الحكمين ، بحيث يستلزم التنافي بين الحكمين ثبوتا التكاذب بين دليلهما إثباتا.

أما التزاحم فلا يبتني إلا على محض التنافي بين الحكمين ثبوتا وإن لم

٦٢٢

يتكاذب دليلاهما إثباتا ، لعدم قيام الدليل على فعلية كل منهما في مورده ، بل على مجرد تمامية ملاكيهما ، ولو لكونه مقتضى الجمع بين الدليلين عرفا.

الثاني : أن التزاحم يبتني على فرض تمامية ملاك كل من الحكمين ، بحيث يقتضي تشريع كل منهما وامتثاله لو لا التزاحم ، والعجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال. بخلاف التعارض ، فإنه يجتمع مع فرض العلم بعدم ثبوت أحد الملاكين ، أو الشك في ثبوت أحدهما أو كليهما ، لفقد الدليل عليه بعد تكاذب الدليلين في الحكم المسقط لهما عن الحجية فيه وفي الملاك تبعا له ، بناء على ما سبق من سقوط المتعارضين عن الحجية في لازم مؤداهما.

الثالث : أنه لا بد في التزاحم من فرض اقتضاء كل من الحكمين صرف القدرة لامتثاله بنحو ينافي مقتضى الآخر عملا. ولذا يختص بالأحكام الاقتضائية مع العجز عن الجمع بينها في الامتثال.

أما التعارض فلا يعتبر فيه إلا التنافي بين الحكمين ، بنحو يمنع من جعلهما معا ، وإن لم يكن امتثال أحدهما منافيا لمقتضى الآخر ، لعدم كونه اقتضائيا ، كالوجوب والإباحة ، أو لعدم تنافي مقتضاهما ، كالوجوب والاستحباب. بل وإن لم يقتض الحكمان العمل والامتثال ، كالحكمين الوضعيين.

بقي في المقام أمران :

الأول : أنه قد يدعى أن ما تقدم من معيار التزاحم من الاكتفاء بإحراز الملاكين لا يناسب ما هو المعلوم من أن الملاك بنفسه لا يصلح للإلزام عقلا ما لم يترتب عليه جعل التكليف من قبل المولى ، ولذا لا يجب عقلا إطاعة الأوامر والنواهي الواردة بداعي الإرشاد للمصالح والمفاسد الواقعية ، وينحصر وجوب الإطاعة بالأوامر والنواهي المولوية.

٦٢٣

كما لا ينبغي التأمل في أن اجتماع مقتضيات الأحكام المختلفة في الموضوع الواحد ـ المعبر عنه بالتزاحم الملاكي ـ لا يقتضي جريان أحكام التزاحم الذي نحن بصدده ، فليس للمكلف الترجيح بينها بالأهمية ، فضلا عن احتمالها ، ولا التخيير مع عدمها ، بل إن أحرز جعل المولى الحكم على طبق أحدها ـ لأهميته بنظره ـ أو جعله حكما آخر لا يناسب أحدها بخصوصه فهو ، وإن لم يحرز تعين التوقف والرجوع للأصول.

بل تقدم منا أنه بناء على التحسين والتقبيح العقليين فإحراز جهة الحسن أو القبح لا يقتضي البناء على الحكم الشرعي المطابق لها ، لاحتمال المزاحم ، مع أن احتمال المزاحم فيما نحن فيه لا يمنع من البناء على فعلية الحكم الذي يحتمل وجود المزاحم له.

كما أنه يمكن فرض التزاحم ـ الذي نحن بصدده ـ حتى بناء على ما عليه الأشاعرة من عدم توقف الأحكام على المصالح والمفاسد في المتعلقات ، ولا على المصالح في نفس الأحكام.

لكنه يندفع بأنه ليس المراد بالملاك المصالح والمفاسد في متعلقات الأحكام ، أو المصالح في نفس جعل الأحكام ، التي لا بد منها بناء على مختار العدلية في التحسين والتقبيح العقليين. بل المقتضيات الموجبة لجعل الأحكام والأغراض الداعية له ، التي لا بد منها فيه كسائر الأفعال الاختيارية ، ولا يظهر من الأشاعرة إنكار ذلك ، فلا يمنع ما ذكرنا من فرض التزاحم على مختارهم.

وحينئذ فعدم جعل الحكم إن كان لعدم المقتضي له خرج عن محل الكلام.

وإن كان مع وجود المقتضي له فهو يكون .. تارة : لقصور المقتضي عن التأثير في جعل الحكم ، لوجود المزاحم له في مرتبة سابقة على جعله ، ولو كان

٦٢٤

هو مصلحة التسهيل على المكلف. وهو راجع إلى عدم تمامية موضوع الحكم ، الذي هو موضوع الغرض الداعي لجعله. وفي مثل ذلك يكون التزاحم الملاكي.

وأخرى : لعجز المكلف عن الامتثال بعد تمامية المقتضي وصلوحه لأن يترتب عليه جعل الحكم ، لتمامية موضوعه الذي هو موضوع الغرض الداعي للجعل ، وبه يتم الملاك المراد في المقام. وفي مثله يكون التزاحم الحكمي الذي هو محل الكلام.

والحكم وإن لم يكن فعليا في المقام إلا أن عدم فعليته ليس لقصور في ملاكه ، ولا لعدم تمامية موضوعه وعدم تعلق الغرض به ، بل لقصور المكلف في مقام الامتثال ، نظير قصور المولى لو فرض عجزه عن الكلام ، أو عن إيصال التكليف ، حيث قد لا يجعل التكليف حينئذ مع تمامية غرضه وموضوعه.

نعم لو كان العجز موجبا لقصور المقتضي عن التأثير في جعل الحكم ، ومانعا من تعلق الغرض به ، كان من النحو الأول ، وكان مانعا من تمامية موضوع التكليف ، كما هو الحال في جميع موارد تقييد التكليف بالقدرة شرعا.

ويفترق الوجهان : أولا : في صدق الفوت بعدم متابعة المقتضي ـ قصورا أو تقصيرا ـ في الثاني ، دون الأول.

وثانيا : في صلوح المقتضي في الثاني للتقرب ـ كما تقدم في مسألة الضد ـ دون الأول.

وثالثا : في أنه يحق للمكلف في الأول إحداث ما يرفع التكليف ، بتحقيق المزاحم للمقتضي ، كما يجوز له الإخلال بسائر ما هو دخيل في موضوع التكليف ، لأن التكليف لا يقتضي حفظ موضوعه. ولا يحق له ذلك في الثاني ، لأن التكليف ـ تبعا للغرض ـ يقتضي حفظ متعلقه ، فلا يجوز له تعجيز نفسه عن الامتثال قبل الوقت ، فضلا عما بعده.

٦٢٥

ورابعا : في أن الشك في فعلية التكليف في الوجه الأول للشبهة الحكمية ـ الراجعة لاحتمال صلوح شيء لمزاحمة المقتضي ـ أو الموضوعية ـ الراجعة لاحتمال وجود ما هو معلوم المزاحمة ـ مجرى للبراءة. أما الشك في فعلية التكليف في الوجه الثاني للشك في القدرة فلا بد معه من الاحتياط ، على ما سبق في التنبيه الخامس من مبحث البراءة.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه إن علم بدخل القدرة في الملاك وموضوع الغرض ، أو بعدم دخلها فذاك ، وإلا فمقتضى إطلاق موضوع دليل الحكم ـ فيما لو لم يقيد بالقدرة ـ عدم دخلها في الملاك والغرض ، كما هو الحال في سائر القيود المحتملة.

إن قلت : لا مجال لإحراز عموم الملاك والغرض لحال العجز وعدم دخل القدرة فيهما من إطلاق الخطاب ، إذ بعد ظهور الخطاب في فعلية التكليف ، والعلم بعدم فعليته مع العجز يكون الإطلاق مقيدا بالقدرة لبا ، كما لو قيد بها لفظا ، وكما لو استفيد التقييد لفظا أو لبا ـ بدليل متصل أو منفصل ـ بغير القدرة من القيود التعبدية ، حيث يكون سقوط الإطلاق عن الحجية في فعلية الحكم مانعا من استفادة عموم الملاك والغرض منه.

نعم لو بيّن موضوع الغرض والملاك بطريق آخر غير الخطاب بالتكليف الظاهر في فعليته أمكن إحراز عمومه لمورد العجز.

قلت : رفع اليد عن الإطلاق بدليل التقييد إنما هو بلحاظ كونه قرينة عرفية على بيان المراد من الإطلاق وفهمه منه ، فهو تابع للنظر العرفي في فهم الأدلة والجمع بينها. ووضوح دخل القدرة في فعلية التكليف ارتكازا إنما يكون قرينة عرفا على تقييد الإطلاق من حيثية الفعلية ، لا من حيثية الغرض والملاك ، بل يكتفي العرف بالإطلاق في إحراز عدم دخل القدرة في الملاك والغرض ، فيرتبون الآثار العملية الأربعة المتقدمة ، كما يظهر بأدنى ملاحظة لطريقتهم في

٦٢٦

فهم خطابات بعضهم لبعض ، وبالرجوع لمرتكزاتهم في فهم الخطابات الشرعية.

ولا مجال ـ مع ذلك ـ لقياسه بالتقييد اللفظي المتصل أو المنفصل أو اللبي في القيود التعبدية ، لعدم خضوع المرتكزات العرفية للقياسات ، وإنما يتشبث بها لتقريب المرتكزات فيما لو طرأ عليها الالتباس ، لا في مثل المقام مما كانت فيه من الوضوح بحدّ يستغني عن ذلك.

على أنه قد يكون منشأ الفرق : أن ظاهر الخطاب وإن كان هو الفعلية ، إلا أن ظاهر حال الحاكم أيضا هو بيان موضوع غرضه بخطابه ، فعدم تقييده بالقدرة اتكالا على الارتكاز المذكور ظاهر في اعتماده على مفاده ، وهو خصوص تقييد الفعلية ، وإلا كان مخلا ببيان غرضه ، أما مع التقييد بها ، فحيث كان تقييد الفعلية مستغنى عن بيانه ، فتصديه له ظاهر في الحاجة إليه لبيان موضوع غرضه.

وإن كان الإنصاف أن غلبة عدم دخل القدرة في الغرض ، وكونها آلة لتحصيله ، توجب ضعف ظهور التقييد بها لفظا في دخلها فيه ، وقرب حمله على متابعة ما هو المرتكز من دخلها في الفعلية ، بحيث قد يحتاج بيان دخلها في الغرض إلى مئونة في البيان ، وليست كسائر القيود التعبدية التي يفهم من التقييد بها دخلها في الغرض.

ولذا يكثر من العرف التسامح في ذكرها مع عدم دخلها في الغرض ، نظير تسامحهم في التقييد بالعلم ، حيث يكثر ابتناؤه على ارتكاز طريقيته ، من دون أن يكون دخيلا في موضوع الحكم ثبوتا.

الأمر الثاني : الكبريان المتنافيتان اللتان تتضمنهما الأدلة الشرعية إن اتحد موضوعهما واختلف حكمهما فلا إشكال في كونهما موردا للتعارض ، دون التزاحم ، لتوقف التزاحم على تعدد الموضوع ، ليمكن تعدد الغرض والملاك.

٦٢٧

وإن تعدد موضوعهما فتنافيهما إن كان لمقدمة خارجية كانا موردا للتعارض أيضا ، دون التزاحم ، للتكاذب بينهما بضميمة المقدمة المذكورة ، كما في دليلي وجوب القصر ووجوب التمام. وكذا إن كان لتعذر الجمع بينهما في مقام الامتثال دائما أو غالبا ، لابتناء التكاليف الشرعية على ما يلائم طاقة غالب الناس.

أما مع قلة موارد تعذر الجمع بينهما في مقام الامتثال ، فالمورد غالبا يكون من موارد التزاحم الذي هو محل الكلام.

ثم إن موضوعي الكبريين المستفادين من دليلهما .. تارة : يتحدان بحسب العنوان والمعنون ، كما لو دل أحد الدليلين على وجوب إكرام النحويين والآخر على حرمته.

وأخرى : يختلفان بحسبهما معا ، كما في دليلي حرمة التصرف في المغصوب ووجوب إنقاذ الغريق.

وثالثة : يختلفان بحسب العنوان ويتحدان بحسب المعنون ولو في بعض الأفراد ، كإكرام العلماء وإكرام الفساق ، والغصب والصلاة.

والأول من أوضح أفراد الاتحاد المستلزم للتعارض ، والثاني من أوضح أفراد التعدد المعتبر في التزاحم ، وأما الثالث فالحال يختلف فيه باختلاف العناوين ، وقد تقدم في مبحث اجتماع الأمر والنهي الضابط في الفرق بينها بما يغني عن التعرض له هنا. فراجع.

٦٢٨

المقام الثاني : في حكم التزاحم من حيثية الترجيح وعدمه

تقدم أنه لا بد في التزاحم من تمامية موضوع التكاليف المتزاحمة ، وفعلية غرضها وملاكها مع العجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، وحيث لا بد من حفظ الغرض والملاك من قبل المولى بجعل التكليف ، فلا بد من عدم رفع اليد عن جميع التكاليف المتزاحمة ، لما فيه من تفويت ما يمكن تحصيله من الغرض والملاك.

كما أنه حيث يمتنع التكليف مع العجز ، فلا بد من قصور عموم التكاليف المتزاحمة عن حال التزاحم بنحو يقتضي حفظ القدرة لامتثال كل منها ، بل لا بد من رفع اليد عن بعضها أو عن كل منها معلقا على امتثال الباقي ، على ما أشرنا إليه آنفا.

نعم مع غفلة المولى عن التزاحم ـ الذي هو ممكن في الموالي العرفيين ـ فالتكليف وإن لم يقصر من قبل المولى ، إلا أنه يسقط عقلا عن مقام الإطاعة ، فلا يجب إطاعته في ظرف امتثال الباقي.

إذا عرفت هذا فلا ريب في التخيير في الامتثال بين التكاليف مع عدم المرجح لأحدها ، لامتناع الترجيح من غير مرجح في فرض تساوي الغرضين ، بملاك امتناع تحقق التكليف ـ الذي هو فعل اختياري للمولى ـ من دون غرض.

كما لا ريب في أنه مع وجود المرجح لأحدهما يلزم حفظ الراجح واستيفاء ملاكه ، لإطلاق فعليته. ومن هنا كان المناسب النظر في المرجحات الملزمة باختيار أحدها بعينه ، وفعليته على نحو الإطلاق.

والمذكور في كلماتهم أمور ..

٦٢٩

الأول : الأهمية. ولا إشكال في كونها من المرجحات في المقام ، لأن في المحافظة على الأهم تحصيل المرتبة الزائدة من الغرض. نعم لا بد من كون الأهمية بمرتبة ملزمة ، بأن تكون المرتبة الزائدة من الغرض مقتضية للإلزام ، وإلا كان الترجيح أولى ولم يكن لازما.

هذا ولو كان أحدهما المعين محتمل الأهمية ، فقد صرح غير واحد بوجوب اختياره ، على اختلاف منهم في وجه ذلك.

والعمدة فيه : أن سقوط التكليف في باب التزاحم وإن كان راجعا إلى تقييده لبا وعدم فعليته ، إلا أن تقييده وعدم فعليته لمّا لم يكن لقصور موضوعه المستلزم لعدم فعلية غرضه وملاكه ، بل لوجود العذر عنه عقلا بملاك التعذر والعجز ، فبناء العقلاء في ذلك على لزوم الاحتياط حتى يثبت العذر المسوغ للتفويت. ولذا كان بناؤهم على الاحتياط مع الشك في القدرة ، كما أشرنا إليه آنفا عند الكلام في حقيقة التزاحم.

وحيث يشك في مسوغية التزاحم لتفويت محتمل الأهمية ، لاحتمال عدم العجز عنه بسبب التكليف الآخر ، وجب الاحتياط بتحصيله ، وتعين تفويت الآخر الذي يعلم بمسوغية التزاحم لتفويته تعيينا أو تخييرا ، وكونه عذرا فيه.

ولو كان كلاهما محتمل الأهمية فلا موضوع للترجيح المذكور ، لتعذر الاحتياط المتقدم بعد تقابل الاحتمالين. وهو ظاهر مع تساوي الاحتمالين.

أما مع أقوائية أحدهما فربما يدعى لزوم العمل على الاحتمال الأقوى ، لعدم وضوح حكم العقل بالتخيير معه ، واحتمال توقفه عن الحكم بكون متابعة الاحتمال الأضعف عذرا في ترك متابعة الاحتمال الأقوى. فتأمل جيدا.

٦٣٠

بقي شيء

وهو أن ترجيح الأهم إنما هو مع اقتضائه صرف القدرة إليه ، وترك المهم من أجله ، لكونه تعيينيا مضيقا بالذات أو بالعرض ، أما لو كان تخييريا أو موسعا ، بنحو يمكن الجمع بين الامتثالين ، وجب الجمع بينهما ، وخرج عن باب التزاحم.

كما أن ترجيح الأهم لمّا لم يوجب سقوط غرض الآخر وملاكه ، ولا رفع موضوعه ، فلا يجوز للمكلف إيقاع التزاحم بين التكليفين بمثل تضييق وقت الأهم ، لأنه وإن أوجب رفع المولى يده عن التكليف الآخر ، إلا أنه كرفع اليد عن التكليف مع العجز عن امتثاله ، الذي لا يسوغ تعجيز المكلف نفسه عن الامتثال.

وكذا الحال لو كانت الوظيفة التخيير بين التكليفين ، لعدم المرجح لأحدهما ، فإنه لا يسوغ للمكلف إيقاع التزاحم بينهما ، لعين ما سبق.

الثاني : ما إذا كان لأحد التكليفين بدل اضطراري في طوله ، دون الآخر ، فيقدم ما لا بدل له على ما له البدل ، وينتقل للبدل. كما لو دار الأمر بين صرف الماء في الطهارة الحدثية للصلاة وصرفه في تطهير المسجد ، فيجب الثاني ، ويتعين التيمم للصلاة. ذكر ذلك بعض الأعاظم قدس‌سره.

وهو ظاهر إذا كان تشريع البدل بنحو يقتضي جواز إيقاع المكلف نفسه في الاضطرار ، بحيث له إراقة الماء ليشرع له التيمم في المثال السابق ، حيث يخرج المورد حينئذ عن باب التزاحم ، إذ يشترط في التزاحم كون كل من التكليفين بنحو يقتضي صرف القدرة إليه.

أما إذا لم يكن كذلك ، بل كان المبدل مقتضيا لحفظ القدرة عليه ، فهو لا يخرج عن التزاحم. ولا وجه حينئذ لتعجيز المكلف نفسه عن المبدل ،

٦٣١

والانتقال لبدله الاضطراري من أجل امتثال التكليف الآخر ، مع عدم المرجح له من جهة أخرى.

وبالجملة : لا وجه لعدّ هذا من مرجحات باب التزاحم ، لعدم الدليل على العمل عليه إلا في المورد الخارج عن التزاحم.

الثالث : ما إذا كانت القدرة دخيلة في موضوع أحد التكليفين شرعا دون الآخر ، فقد سبق في المقام الأول أن القدرة وإن كانت شرطا في فعلية التكليف عقلا ، إلا أنها قد تكون أيضا دخيلة في فعلية الغرض من التكليف وتمامية ملاكه ، فتكون معتبرة في موضوعه شرعا. وقد ذكر بعض الأعاظم قدس‌سره أنه يتعين ترجيح ما تعتبر فيه القدرة عقلا فقط على ما تعتبر فيه القدرة شرعا أيضا عند التزاحم.

وهو متجه إن كان المراد بالقدرة المعتبرة شرعا في التكليف ما يعم القدرة الشرعية الراجعة إلى عدم لزوم محذور شرعي من تحقق متعلقه ، إذ يكون التكليف الآخر واردا عليه ورافعا لموضوعه ، لأن مخالفة ذلك التكليف محذور شرعي ، فيرتفع به موضوع التكليف الذي أخذت فيه القدرة شرعا.

لكنه يخرج عن باب التزاحم ، لعدم فعلية الغرض من التكليف المذكور بعد عدم تمامية موضوعه ، ولا بد في التزاحم من تمامية غرض كلا التكليفين ، كما تقدم.

أما إذا كان المراد بالقدرة المعتبرة شرعا في موضوع التكليف خصوص القدرة الخارجية التكوينية ، فلا وجه لترجيح الآخر عليه بعد تحقق موضوعهما معا ، وفعلية التزاحم بينهما ، لفرض القدرة على كل منهما بنفسه ، والمتعذر إنما هو الجمع بينهما. وبذلك ظهر أن هذا المرجح ـ كسابقه ـ إنما ينهض بالترجيح في غير مورد التزاحم.

٦٣٢

الرابع : سبق زمان الامتثال. فقد التزم بعض الأعاظم قدس‌سره بترجيح السابق زمانا ، إلا أن يكون المتأخر أهم منه. بدعوى : أن سقوط كل من التكليفين المتزاحمين لا يكون إلا بامتثال الآخر الموجب للعجز عنه ، فلا مسقط للتكليف المتقدم ، لعدم امتثال المتأخر بعد ، فهو مقدور عليه ، أما المتأخر فيسقط بامتثال المتقدم ، للعجز عنه به. أما لو كان المتأخر أهم فوجوب حفظ القدرة عليه يسقط التكليف المتقدم.

لكنه كما ترى ، لوضوح أن المسقط لأحد التكليفين المتزاحمين ، ليس فعلية العجز عنه بامتثال الآخر ، بل مجرد تعذر الجمع بين التكليفين في مقام الامتثال ، ولذا يتخير بين التكليفين المتقارنين المتساوي الأهمية ، مع القدرة على كل منهما بخصوصه. وهو حاصل في المقام ، لأن التكليف المتأخر حيث يجب حفظ القدرة عليه ، ولا يجوز تعجيز النفس عنه قبل مجىء وقته ـ ولذا اعترف به قدس‌سره بترجيحه مع أهميته ـ فهو صالح لمزاحمة التكليف المتقدم مع عدم الترجيح بينهما ، كما لو كانا متقارنين.

والذي ينبغي أن يقال : لا ينبغي التأمل في ترجيح المتقدم فيما لو احتمل احتمالا معتدا به تجدد القدرة على المتأخر مع حفظ المتقدم ، أو تجدد العجز عن المتأخر أو ارتفاع موضوعه مع تفويت المتقدم. لاحتمال تحصيل كلا الغرضين في الأول ، والحذر من فوتهما معا في الثاني. ومرجع الأمرين في الحقيقة للشك في مزاحمة المتأخر للمتقدم ، الملزم بالاحتياط بتحصيل المتقدم ، للشك في حصول العذر المسقط. إلا أن يكون اللاحق من الأهمية بمكان بحيث يقتضي الاحتياط له بتفويت الأسبق زمانا بمجرد احتمال مزاحمته له.

وأما مع عدم الاحتمال المذكور ، أو ضعفه بنحو لا يعتد به ، فمقتضى القاعدة عدم ترجيح الأسبق زمانا ، كما هو المعلوم في أغراض الإنسان

٦٣٣

التكوينية. لو لا ما تقدم عند الكلام في ترجيح محتمل الأهمية من أن الشك حيث كان في المسقط المعذر عن امتثال التكليف تعين تنجز احتمال التكليف ، بنحو يجب الاحتياط فيه ما لم يعلم بالمعذرية.

وحينئذ ربما يكون التقدم الزماني منشأ للترجيح بنظر المولى لتحصيل ما يمكن تحصيله فعلا ، تحفظا من الطوارئ غير المحتسبة للمكلف ، أو التي لا يعتد باحتمالها ، كما قد يتحفظ من احتمال خطأ قطع المكلف ، ولا يتحفظ المكلف نفسه من ذلك. ومع الاحتمال المذكور يشكل حكم العقل بالتخيير.

نعم مع إحراز أهمية المتأخر بنحو يعتد به فلا إشكال في لزوم ترجيحه.

وأما مع احتمال أهميته ، فالأمر لا يخلو عن إشكال ، لتزاحم الاحتياطين. ولا بد من التأمل التام في المقام ، لأن الأمور الوجدانية لما لم تكن خاضعة للبرهان فقد يلتبس الأمر فيها بأدنى شبهة.

تنبيه

التزاحم في مقام الامتثال إنما يتصور في التكاليف الاستقلالية ، دون التكاليف الضمنية بالأجزاء أو الشرائط في المكلف به الارتباطي ، كما لو تعذر الجمع بين القيام والطمأنينة في الصلاة. لوحدة الغرض الفعلي ، ولا موضوع معها للتزاحم.

ولذا كان مقتضى القاعدة سقوط التكليف بالمركب بتعذر بعض ما يعتبر فيه ـ من الأجزاء والشرائط ـ لو كان لدليل اعتباره إطلاق يشمل حال التعذر ، لرجوعه إلى تعذر المكلف به ، وهو المركب الارتباطي التام. وإنما يكتفى بالناقص لدليل خاص من إجماع أو غيره.

وعلى ذلك لو تعذر الجمع بين أمرين ، وعلم باكتفاء الشارع بالميسور ، فالمورد من موارد الشك في الجعل ، للتردد في المركب الواجب ، وأنه

٦٣٤

المشتمل على أي منهما. وحينئذ لا إشكال في التخيير بينهما مع العلم بالتساوي بينهما في الأهمية ، وفي ترجيح الأهم منهما مع العلم به.

ولو احتمل أهمية أحدهما بعينه فالمورد من صغريات الدوران بين التعيين والتخيير في مقام الجعل ، الذي سبق في مبحث الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين الكلام في أن المرجع فيه البراءة أو الاشتغال.

ومنه يظهر الحال لو تردد محتمل الأهمية بينهما. حيث يتعين التخيير بناء على الرجوع للبراءة هناك ، والاحتياط بتكرار المركب مع كل منهما بناء على الاشتغال.

ولو علم بأهمية أحدهما إجمالا فالمورد من صغريات الدوران بين المتباينين في مقام الجعل ، فيلزم الاحتياط بتكرار المركب مع كل من الأمرين مع تيسره.

أما لو تعذر الاحتياط ، أو علم بعدم وجوبه ، فالمتعين التخيير ظاهرا بين المركبين.

ولنكتف بهذا المقدار من الكلام في المقام. ومنه سبحانه نستمد العون والتوفيق والتأييد والتسديد.

والحمد لله في البدء والختام وبه الاعتصام.

٦٣٥
٦٣٦

خاتمة علم الأصول

في الاجتهاد والتقليد

يبحث في أولهما عن الاجتهاد ، وفي ثانيهما عن التقليد ، ثم في خاتمة يبحث فيها عن وجوب الفحص الذي هو مشترك بين المجتهد والمقلد.

المقام الأول

في الاجتهاد

وهو لغة بذل الوسع ، كما في الصحاح ، ومختاره ، والقاموس ، والنهاية ، ولسان العرب. وزاد في الأخيرين : «وهو افتعال من الجهد الطاقة». وأما في الاصطلاح فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه ، بما لا مجال لإطالة الكلام فيه.

ولعل الأنسب بمحل الكلام تعريفه بأنه : ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الكلي ، أو معرفة الوظيفة الفعلية في الشبهات الحكمية. والكلام فيه يقع في ضمن مسائل ..

المسألة الأولى : وقع الكلام بين الأصوليين في تجزي الاجتهاد وعدمه. ومرجعه إلى أنه هل يكون الشخص قادرا على استنباط الحكم الشرعي ، أو تشخيص الوظيفة في خصوص بعض المسائل ، أو لا بد إما من قدرته على ذلك في جميع المسائل ، أو عجزه عنه في الكل؟. والمعروف هو إمكان التجزي. وربما نسب القول بامتناعه للشذوذ ، وإن كان هو الظاهر من شيخنا الأستاذ قدس‌سره

٦٣٧

وبعض أعيان تلاميذه.

والظاهر إمكان التجزي ، بل وقوعه ، لا بمعنى تجزّي الملكة ، فإنها أمر بسيط لا يقبل التجزي ، بل بمعنى قصورها بسبب عدم الإحاطة بجميع كبريات الاستدلال وصغرياتها ، بل ببعضها ، حيث يكون ذلك منشأ للقدرة على الاستنباط أو تشخيص الوظيفة في خصوص الفروع المبتنية على ما أحاط به من الكبريات والصغريات المذكورة دون غيرها.

فقد يكون الشخص مثلا محيطا بما هو الحجة من الأدلة اللفظية ، قادرا على تشخيص الظهورات اللفظية ، غير قادر على بعض صور الجمع بين الظهورين ، أو على كيفية علاج تعارض الأدلة ، أو على تشخيص الوظيفة والأصل عند فقد الأدلة ، فيتيسر له استنباط الفروع التي ينفرد بها ظهور واحد ، دون الفروع التي تتصادم فيها الظهورات أو تتعارض فيها الأدلة ، أو يكون المرجع فيها الأصول.

كما قد يكون الشخص محيطا بالأصول العملية أو ببعض أقسامها دون الأدلة والظهورات ، فيتسنى له معرفة الوظيفة في الفروع المبنية على تلك الأصول فيما لو قطع بوصول النوبة لها ، دون الفروع المبنية على غيرها من الأصول أو على الظهورات ... وهكذا.

ودعوى : أن مقدمات الاستدلال متداخلة يرتبط بعضها ببعض ، ولا يكفي الفراغ من بعضها في الاستفادة منها في الاستنباط ، بل لا بد من الفراغ عن الجميع في عملية الاستنباط وتشخيص الوظيفة. ممنوعة ، لاختلاف الفروع في ذلك جدا ، كما يظهر بأدنى ممارسة وتأمل.

بل ذكر المحقق الخراساني قدس‌سره : أنه يستحيل عادة حصول الاجتهاد المطلق من دون أن يكون مسبوقا بالتجزي. وما ذكره متين بلحاظ الوضع

٦٣٨

المتعارف من تدرج رجل العلم في المعلومات ، وفي المهارة فيها ، وفي قوة النظر ، والذوق الفقهي باستمرار الممارسة ، فلا يتسنى له في أول مراحله إلا تشخيص الوظيفة في الفروع الفقهية غير المعقدة ، التي يسهل إثبات كبرياتها الأصولية ، وإحراز موضوع تلك الكبريات فيها ، ثم يقوى على الأصعب فالأصعب بطول الزمن مع استمرار الممارسة وإعمال النظر والملاحقة.

وربما يبقى عاجزا عن تشخيص الوظيفة في بعض الفروع ، لشدة تعقدها ، واضطراب الوجدان عليه فيها ، لتصادم جهات الكشف عن الوظيفة الفعلية ، أو ابتلائها بما يمنع من الركون إليها ، كما يبتلى به أعاظم المجتهدين في كثير من الموارد ، فيتوقف عن الفتوى فيها. ولعله لذا اكتفى في الفصول في الاجتهاد المطلق بالقدرة على استنباط جملة معتد بها من الأحكام.

نعم قد يكون منشأ التوقف عن الفتوى التورع والاحتياط للواقع ، أو تجنب بعض المحاذير ، مع القدرة على تشخيص الوظيفة. ولذا قد يفتي لو ترجح في نظره ذلك ، لحاجة الناس للفتوى أو نحوها. لكنه غير مطرد ، بل قد يكون للعجز ، كما ذكرنا.

هذا ولا ينبغي التأمل في وجوب عمل المتجزي برأيه فيما وصل إليه ، وإن قيل إنه محل خلاف. لعموم أدلة الحجج له ، فيقطع بمقتضاها بالوظيفة الفعلية ، كما يقطع بها في موارد الأصول الفعلية. ولا مجال لتخلف القاطع عن قطعه ، فضلا عن حجية رأي غيره عليه ممن يخالفه ويكون جاهلا بنظره. ولا يقلد الغير إلا فيما يعجز عن تشخيص الوظيفة فيه ، لدخوله في كبرى رجوع الجاهل للعالم بالإضافة إليه.

وأما الرجوع للمتجزي وتقليده فيما وصل إليه فالكلام فيه موكول لمبحث التقليد.

٦٣٩

المسألة الثانية : اتفقت الكلمة ـ كما قيل ـ على التخطئة في العقليات ، سواء كان لها دخل بالأحكام الشرعية ، كاستلزام وجوب الشيء لوجوب مقدمته ، أم لا ، ككون الكل أعظم من الجزء. إذ ليس شأن العقل إلا إدراك الواقع ، ولا مجال لتبعية الواقع للإدراك ، لتفرع مقام الإثبات على مقام الثبوت ، وتأخره عنه رتبة ، ولا يكون المتقدم تابعا للمتأخر. بل ليس الواقع الذي يتناوله الإدراك إلا أمرا واحدا ، يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه.

وأما الشرعيات فقد تكرر نقل إجماع أصحابنا على التخطئة فيها ، وأن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا تابعا لموضوعه الواقعي ، يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه. بل الظاهر مفروغيتهم عنه.

وما قد ينافيه من بعض كلماتهم في حقيقة الحكم الظاهري ، والجمع بينه وبين الحكم الواقعي ونحوهما. ناشئ عن الغفلة عن منافاة ذلك للتخطئة. ولذا تكرر منهم النقض على بعض الوجوه المذكورة في كلماتهم باستلزامه التصويب ، حيث يناسب ذلك المفروغية عن بطلانه.

وكيف كان فالتصويب يتردد في كلمات القائلين والناقلين له بين وجوه ثلاثة الأول : أن الحكم في حق كل مجتهد ومن يقلده تابع لاجتهاده ، بحيث لا حكم لله تعالى في الواقعة قبل تحقق الاجتهاد.

الثاني : أن له تعالى أحكاما متعددة بعدد ما يعلم حصوله من آراء المجتهدين ، فكل مجتهد قد جعل في حقه وحق مقلديه الحكم الذي سوف يؤدي إليه اجتهاده.

الثالث : أن له حكما واحدا أوليا يشترك بين العالم والجاهل ، يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه ، إلا أن من أدى اجتهاده لخلافه ينقلب الحكم في حقه وحق من يقلده على طبق اجتهاده ، فالاجتهاد المخالف للواقع من سنخ

٦٤٠