الكافي في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

الكافي في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
المطبعة: فاضل
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-8276-64-0
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٢

المقدمة الرابعة : عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وإلا اقتصر في ثبوت الحكم عليه ، ولا يبنى على الإطلاق ، كما ذكره المحقق الخراساني قدس‌سره.

وتوضيح ذلك : أن أفراد المطلق وأحواله .. تارة : تتساوى في احتمال شمول الحكم لها ، من دون مرجح لبعضها ، لا بلحاظ الخطاب ولا بلحاظ أمر خارج عنه.

وأخرى : لا تتساوى فيه ، بل يكون شموله لبعضها أظهر ، بحيث يكون متيقنا بالإضافة لغيره.

وهذا على قسمين :

الأول : أن يكون متيقنا بلحاظ أمر خارج عن الخطاب ، لا يكون من القرائن المحيطة به عرفا ، كما لو علم من الخارج وجه المناسبة بين الحكم والموضوع ، وكان الوجه المذكور في بعض الأفراد أو الأحوال أظهر منه في غيرها ، أو دل دليل آخر على ثبوت الحكم في بعضها.

الثاني : أن يكون متيقنا بلحاظ مقام الخطاب وما يحيط به من قرائن حالية أو مقالية ، كالمناسبة الارتكازية المستفادة منه التي تكون في بعض الأفراد أو الأحوال أظهر ، والتمثيل والمورد ونحوها. والجمود على عبارة المحقق الخراساني قدس‌سره يناسب إرادة هذا القسم.

ومرجع استدلاله عليه ـ بعد الفراغ عن أخذ المقدمة الثالثة في الإطلاق ، وتوقف الظهور فيه على كون المتكلم في مقام البيان ـ : أنه مع عدم وجود المتيقن مطلقا لو لم يكن المتكلم مريدا بالمطلق تمام أفراده ، بل كان مريدا لبعضها ، كان مخلا بغرضه ، لعدم بيانه لذلك البعض بعد فرض صلوح المطلق له ولغيره من غير مرجح. وكذا لو كان هناك متيقن لا بلحاظ مقام التخاطب ، لأن

٣٤١

وجوده لا يكفي ما لم يكن مبينا بالخطاب ، الذي هو المناسب للمقدمة الثالثة ، فيتعين حمل المطلق على الإطلاق بعد صلوحه لبيانه ، بخلاف ما لو كان هناك متيقن في مقام التخاطب ، حيث يصلح الخطاب لبيانه بعد فرض ترجحه على بقية الأفراد ، فلا ملزم بالحمل على الإطلاق وإرادة تمام الأفراد.

ويشكل ـ مضافا إلى ابتنائه على المقدمة الثالثة ، وقد سبق عدم توقف الإطلاق عليها ـ بأنه إنما يتجه لو كان مرادهم من كون المتكلم في مقام البيان ـ الذي تقدم في المقدمة الثالثة ـ كونه في مقام بيان تمام الأفراد والأحوال التي يشملها حكمه ، بحيث لو قصر عن العموم لبعضها كان مخلا بغرضه ، إذ عليه يكون وجود القدر المتيقن المذكور مستلزما لصلوح الإطلاق لأن يكون بيانا لتمام المراد لو كان المراد مختصا به. لكن الظاهر عدم إرادتهم به ذلك ، وإلا لزم ثبوت المفهوم للإطلاق ، لأن كون أفراد المطلق وأحواله تمام الأفراد التي يتعلق بها الحكم عبارة أخرى عن عدم ثبوت الحكم في غير تلك الأحوال ولغير تلك الأفراد ، ومن المعلوم عدم بنائهم على ذلك.

ومن هنا يتعين حمل مرادهم من كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد على ما سبق منا وتقتضيه أكثر كلماتهم ، وهو كونه في مقام بيان تمام ما هو الدخيل في موضوع الحكم وترتب الغرض ، ليكون الاقتصار على ذكر الماهية مستلزما لعدم دخل خصوصية زائدة عليها ، المستلزم لسريان الحكم لتمام أفرادها ، وفي تمام أحوالها.

وحينئذ لا يكون وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب بالمعنى المتقدم مانعا من الحمل على الإطلاق ، لأن كون المطلق بيانا لثبوت الحكم للمتيقن المذكور لا يستلزم كونه بيانا على دخل خصوصيته في الحكم زائدا على الماهية ، ليمنع من الحمل على الإطلاق والعموم لتمام أفرادها وأحوالها.

٣٤٢

بل لا مجال للبناء على ما ذكره بملاحظة سيرة أهل الاستدلال تبعا للمرتكزات الاستعمالية ، ولذا اشتهر أن المورد لا يخصص الوارد. كما أن الظاهر المفروغية عن عدم قصر الإطلاق على موارد التمثيل ، ولا على أظهر الأفراد ونحوها مما يكون متيقنا في مقام التخاطب بالمعنى المذكور.

نعم ، يتجه اعتبار عدم وجود المتيقن في مقام التخاطب لو أريد منه ما يمنع من انعقاد ظهور المطلق في الإطلاق مما لا يبلغ مرتبة الظهور في التقييد ، كما في موارد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية على التقييد من دون أن يتعين لها ، إذ لا إشكال في أن الإطلاق من صغريات الظهور ، ولا مقتضي فيه للحجية بدونه.

والذي تحصل من جميع ما تقدم : أن حمل المطلق على الإطلاق والعموم لتمام الأفراد والأحوال يتوقف على أمور ثلاثة :

الأول : عدم اشتماله على التقييد المتصل.

الثاني : عدم احتفافه بما يصلح للقرينية على التقييد وإن لم يكن ظاهرا فيه عرفا الذي قد يراد من عدم وجود المتيقن في مقام التخاطب.

الثالث : عدم احتفافه بما يناسب وروده في مقام أصل التشريع أو في مقام البيان من خصوص بعض الجهات غير الجهة التي يراد التمسك بالإطلاق من حيثيتها.

ويكفي في إحراز الأوليين مع الشك أصالة عدم القرينة المعول عليها عند العقلاء.

أما الثالث فلا ضابط لتشخيصه ، بل يوكل لنظر الفقيه في كل مورد بخصوصه.

٣٤٣

ومما ذكرنا يظهر حال الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأحوال الذي كثيرا ما يدعى مانعيته من التمسك بالإطلاق. فإنه إنما يمنع منه إذا رجع إلى عدم تمامية أحد الأمرين الأولين ، إما لكونه عرفا من قبيل القرينة الحالية الظاهرة في التقييد ، أو لكونه صالحا للقرينية عليه وإن لم يكن ظاهرا فيه ، بل يكون موجبا للإجمال ، سواء كان ناشئا من كثرة الاستعمال أم من غيرها ، كمناسبة الحكم والموضوع.

أما إذا لم يكن بأحد النحوين المذكورين فهو بدوي لا يعتد به ، كالناشئ من كثرة الابتلاء بالفرد ، أو من كونه أظهر الأفراد ، أو نحوهما.

٣٤٤

الفصل الثالث

في العام المخصص

لا إشكال ظاهرا في أنه مع التنافي بين العام والخاص فالعمل بالخاص في مورده ـ في الجملة ـ دون العام ، من دون فرق بين الخاص المتصل والمنفصل. غايته أن الأول مانع من انعقاد ظهور العام بدوا في شمول مورده ، والثاني مانع من حجيته فيه مع استقرار ظهوره في العموم له ، تقديما للخاص على العام من باب الجمع العرفي ، الذي يأتي في مبحث التعارض إن شاء الله تعالى لزوم العمل عليه مع تنافي الظهورين بدوا.

وإنما الكلام في حجية العام في الباقي بعد رفع اليد عن حجيته في العموم ، فالمعروف حجيته في الباقي مطلقا.

وعن بعضهم إنكار حجيته مطلقا ، أو مع تفصيلات لا مجال لاستقصائها. والمهم منها التفصيل بين ما إذا كان المخصص متصلا وما إذا كان منفصلا ، فالعام حجة في الباقي في الأول ، دون الثاني.

وقد احتج منكر الحجية في الباقي مطلقا أو مع التفصيل ..

تارة : بأن اللفظ حقيقة في العموم ، وهو غير مراد منه بقرينة الخاص ، وما دونه من المراتب مجازات ، واللفظ صالح لكل منها ، ولا معين ، فيتعين الإجمال.

وأخرى : بأنه لا ظهور للعام بعد التخصيص في الباقي ، فلا يكون حجة فيه.

٣٤٥

هذا ، وقد تقدم في أول الفصل الثاني أن التخصيص المتصل نحو نسبة تقتضي قصور الحكم عن مورد التخصيص من دون أن تستلزم استعمال العام الوضعي أو الإطلاقي في غير المعنى الموضوع له ، ليلزم المجاز فيه. بل لو فرض لزوم المجاز فلا إشكال في ظهور العام في إرادة تمام الباقي ـ الذي هو موضوع الحجية ـ كما يشهد به أدنى ملاحظة للمرتكزات العرفية في فهم الكلام.

والظاهر جريان ذلك في التخصيص المستفاد من القرائن الحالية التي يعتمد عليها المتكلم في مقام البيان ، فالعام معها ظاهر في إرادة تمام الباقي.

غاية الأمر أن الاستعمال معها .. تارة : يبتني على الحذف وتقدير التخصيص اعتمادا على القرينة ، الذي هو كسائر موارد الحذف والتقدير ليس من المجاز في شيء.

وأخرى : يبتني على التوسع في استعمال الكلام الدال في نفسه على العموم ، وإرادة خصوص الباقي منه. ولا أثر لذلك بعد انعقاد الظهور في الباقي الذي هو المعيار في الحجية.

ومن هنا يلزم صرف الكلام لما إذا كان المخصص منفصلا ، بقرينة ـ لفظية أو غيرها ـ لا يظهر من المتكلم الاعتماد عليها في مقام بيان العام.

والعمدة في تقريب الإشكال فيه : أنه بعد فرض رفع اليد عن ظهور العام في العموم بقرينة الخاص فلا مجال لإحراز إرادة تمام الباقي ، لا من العام بنفسه ، لعدم ظهوره في نفسه إلا في إرادة العموم بتمامه ، دون تمام ما عدا مورد الخاص ، ولا بضميمة الخاص ، لأنه إنما يتضمن عدم إرادة مورده من العام ، من دون أن يتضمن شرح المراد من العام. نعم يتجه ذلك فيما إذا كان ناظرا للعام ومبينا للمراد منه ، حيث يكون حاكما عليه حكومة بيانية. لكنه هو خارج

٣٤٦

عن محل الكلام.

ولا يهم مع ذلك تحقيق أن استعمال العام في مورد التخصيص حقيقي أو مجازي. إذ لو كان ظاهرا في نفسه أو بضميمة المخصص في إرادة الباقي بتمامه كان حجة وإن كان مجازا ، ولو لم يكن ظاهرا فيه لم يكن حجة وإن كان حقيقة ، لإمكان إرادة ما دونه الذي هو حقيقة أيضا. وإن كان ربما يتضح الحال فيه من هذه الجهة تبعا للكلام في وجه الحجية الذي هو المهم في المقام.

وقد يدفع ذلك بوجوه :

الأول : أن الاستعمال فيما دون العموم من المراتب وإن كان مجازا ، إلا أن الترجيح لتمام ما عدا الخاص ، لأنه أقرب للعام من ما دونه ، فيتعين الحمل عليه بعد تعذر الحمل على المعنى الحقيقي.

وفيه : أنه لا اعتبار في الترجيح لبعض المجازات بالأقربية بحسب الكمّ ، بل المعيار فيه الأقربية الذهنية ، إما لتعارف الاستعمال فيه وكثرته عند عدم إرادة الحقيقة ، أو لقوة للمناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي ، فمثلا إرادة خصوص النافع من العالم بلحاظ مناسبة العلم للنفع أقرب عرفا من إرادة كل من عدا زيد منه ، وإن كان الثاني أكثر أفرادا وأقرب كمّا من العام.

الثاني : ما في التقريرات من أن دلالة العام على أفراده انحلالية ، فدلالته على كل فرد غير منوطة بدلالته على بقية الأفراد. وحينئذ فصرف دليل الخاص للعام عن دلالته على مورده لا ينافي ظهوره في غيره من أفراده ، فيلزم العمل به فيه مع عدم الصارف عنه.

وفيه : أن دلالة العام على حكم أفراده ارتباطية لا انحلالية ، لأن العموم إن كان وضعيا فأداته لها معنى واحد وهو العموم ، وإن كان إطلاقيا فهو ظاهر في كون الماهية تمام الموضوع ، وسريان الحكم لأفرادها وأحوالها قهري

٣٤٧

وتحليله في القسمين إلى حكم كل فرد فرد وحال حال عقلي ، لا عرفي دلالي بنحو يكون للكلام دلالات متعددة ، نظير تعدد المدلول تبعا لتعدد الكلام.

إلا أن يرجع إلى دعوى : أن الدلالات على الأفراد وإن كانت في نفسها ارتباطية تبعا للدلالة على العموم ، إلا أنها ليست ارتباطية في مقام الحجية ، فسقوط بعضها عن الحجية بسبب الخاص لا يستلزم سقوط الباقي عنها ، لعدم الارتباطية بين الدلالات التضمنية في الحجية. نظير ما يدعى من عدم الارتباطية في الحجية بين الدلالة الالتزامية والدلالة المطابقية ، بل يمكن سقوط المطابقية عن الحجية بسبب المعارض مع بقاء الالتزامية على الحجية.

لكن الدعوى المذكورة ممنوعة ، كما هي ممنوعة في النظير ، وهو الدلالة الالتزامية على ما ذكرناه في مباحث التعارض عند الكلام في حجية المتعارضين في نفي الثالث.

الثالث : ما ذكره المحقق الخراساني قدس‌سره من أن التخصيص لا يستلزم استعمال العام في الخصوص ، ليكون مجازا مرددا بين مراتب الخصوص ، بل مقتضى أصالة الحقيقة استعماله في العموم ، غاية الأمر أنه يحمل على ضرب القاعدة ، مع كون الخاص مانعا من حجية ظهوره في مورده ، تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر ، ولا مصحح للخروج عنه في غير مورده بعد استقرار ظهوره في العموم وعدم المنافي له فيه.

وفيه : أن مراده باستعمال العام في العموم لضرب القاعدة إن كان هو الاستعمال في العموم لضرب القاعدة الظاهرية التي يرجع إليها عند الشك ، خروجا عن ظهوره البدوي في إرادة عموم الحكم الواقعي. أشكل بأنه خلاف الظاهر جدا ، لما فيه من التصرف في موضوع حكم العام بتقييده بالشك في الحكم الواقعي ، وفي نفس حكمه بحمله على التعبد بالحكم ظاهرا في مقام

٣٤٨

العمل ، لا جعل نفس الحكم. كما أن لازمه عدم التنافي بين حكمي العام والخاص بنحو يكون العمل بالثاني تحكيما لأقوى الظهورين ، بل كشف الخاص عن المراد من العام بنحو يقتضي التباين بين حكميهما سنخا ، مع فعلية حكم الخاص في مورده ، لتقدمه رتبة ، وارتفاع موضوع الحكم العام بوصوله.

وكل ذلك مما تأباه المرتكزات العرفية في الجمع بين الدليلين جدا. بل ليس فيه محافظة على استعمال العام في العموم بعد رجوعه إلى تقييد موضوع الحكم بالشك.

وإن كان مراده أن العام مستعمل في العموم لبيان الحكم الواقعي ، لكن لا بداعي بيان المراد الجدي ، بل بداعي ضرب القاعدة التي يرجع إليها عند عدم المخرج عنها ، إما تسهيلا لبيان المراد الجدي فيما لو لم يتسن للمتكلم استيعابه بتمام خصوصياته ببيان واحد ، أو لغرض آخر.

أشكل بأن حمل العام على صدوره لا بداعي المراد الجدي مناف لأصالة الجهة فيه المعول عليها عند العقلاء ، التي لعلها أقوى من أصالة الظهور فيه.

ولذا كان بناء أهل الاستدلال على عدم حمل أحد الدليلين المتنافيين على التقية إلا مع تعذر الجمع العرفي بينهما حتى بحملهما على المجاز.

ولا وجه لقياسه على موارد التقييد المتصل حيث يكون حمل الاستعمال فيه في العموم على عدم بيان المراد الجدي مقتضى ظهور الكلام الوضعي أو الإطلاقي.

ومن هنا لم يكن حمل العام على ذلك بأولى من حمله على الاستعمال في الخصوص على خلاف ظهوره. بل الثاني أولى ، لأن أصالة الجهة أقوى من أصالة الظهور. وربما يكون هناك بعض الوجوه الأخر لتقريب حجية العام المخصص في الباقي ، لا مجال لإطالة الكلام فيها.

٣٤٩

ولعل الأولى أن يقال : الوجه في حجية العام المخصص في الباقي بناء أهل المحاورة على ذلك وسيرتهم القطعية الارتكازية ، التي جرت على طبقها سيرة أهل الاستدلال من صدر الإسلام إلى يومنا هذا بمقتضى طبعهم ، من غير نكير منهم. ولو لا ذلك لاختل نظام الاستدلال والاستنباط ، لكثرة تخصيص العمومات ، حتى قيل : ما من عام إلا وقد خصّ. وكفى بسيرتهم ـ تبعا لارتكازيات أهل المحاورة ـ حجة في المقام ، لأنها الدليل على حجية الظواهر الكلامية في جميع الموارد. ولا يعتنى بخلاف من تقدم للشبهة المتقدمة بعد شذوذه وخروجه عن ذلك.

والظاهر ابتناء حجية العام في الباقي عندهم على كون العام من سنخ المقتضي للكشف عن إرادة المتكلم لعموم الحكم لأفراده وأحواله ، فلا يرفع اليد عنه فيها إلا في مورد المزاحمة بالخاص ـ تقديما لأقوى الدليلين ـ عملا بالمقتضي ما لم يثبت المانع ، بناء منهم على التفكيك بين الأفراد والأحوال في مقام استكشاف مراد المتكلم من العام ، لخصوصية فيه ، لا لعموم التفكيك في الحجية بين الدلالات التضمنية ، لينافي ما تقدم منا في دفع الوجه الذي سبق من التقريرات.

ولا يهم مع ذلك تحقيق أن العام صادر لضرب القاعدة ، أو للتقية ، أو غيرهما مما ينافي أصالة الجهة ، أو أنه مبتن على التوسع أو المجاز في استعمال أداة العموم أو مدخولها ، لتنزيل الأفراد الخارجة منزلة العدم ، اعتمادا على قرينة متصلة حالية أو مقالية اختفت علينا ، أو غير ذلك مما يصحح للمتكلم بيان العام مع إرادة الخاص. فإن ذلك كله وإن أمكن ثبوتا ، إلا أنه لا دخل له في مقام العمل بعد ما سبق من لزوم البناء على حجية العام والاقتصار في الخروج عنه على مورد ثبوت التخصيص.

نعم لا بد من صلوح الباقي لأن يحمل عليه العام عرفا ، ولا يكون سوقه

٣٥٠

لأجله مستنكرا عند أهل المحاورة. وإلا امتنع حمل العام عليه ، ولزم الجمع بوجه آخر. ومع عدم وضوحه يستحكم التعارض بين العام والخاص. كما إذا لزم تخصيص الأكثر ، أو أظهر الأفراد ، أو المورد ، أو غيرها.

كما لا بد من تعين الخاص للتقديم عرفا في مقام الجمع ، فلو كان هناك وجه آخر أولى في مقام الجمع عرفا تعين. ومع عدم المرجح لأحدهما يلزم التوقف. ولا ضابط لذلك ، بل يوكل لنظر الفقيه عند النظر في الأدلة. إلا أن المفروض في محل الكلام تقديم الخاص ورفع اليد به عن عموم العام ، كما سبق في أول الفصل.

٣٥١

الفصل الرابع :

في إجمال الخاص واشتباهه

لا إشكال في أن التمسك بالدليل في مورد فرع إحراز موضوعه فيه ، فلا يتمسك به مع عدم إحرازه ، للشبهة الموضوعية ، أو لإجمال الموضوع بنحو الشبهة المفهومية أو غيرها. ومن هنا لا إشكال في عدم حجية كل من العام والخاص مع عدم إحراز عنوانه.

وإنما الإشكال والكلام بينهم في حجية العام مع إحراز عنوانه في مورد إجمال الخاص والشك في تحقق عنوانه.

هذا ، وحيث سبق أن المخصص المتصل مانع من انعقاد ظهور العام في العموم تعين عدم حجية العام في مورد اشتباه الخاص المتصل مطلقا ، لسريان إجماله للعام ، كما لو كان الإجمال والاشتباه في عنوان العام بنفسه. ومن هنا يكون موضوع الكلام اشتباه الخاص المنفصل الذي لا يسري إلى العام ، ولا يمنع من انعقاد ظهوره في العموم الذي تقدم في الفصل السابق أنه المقتضي للحجية في جميع أفراده أو أحواله.

إذا عرفت هذا فإجمال الخاص واشتباهه بالإضافة إلى بعض الموارد يكون تارة : للشبهة المفهومية وأخرى : للشبهة المصداقية مع وضوحه مفهوما فيقع الكلام في مقامين :

٣٥٢

المقام الأول : في الشبهة المفهومية

والمعيار فيها اشتباه المراد بالخاص. وهي تكون تارة : للتردد بين الأقل والأكثر ، حيث يختص الاشتباه بالزائد ، كما لو تردد الفاسق بين مطلق العاصي وخصوص مرتكب الكبيرة.

وأخرى : للتردد بين المتباينين ، إما مع وجود قدر متيقن يكون الخاص حجة فيه قطعا ، كما لو تردد بين مفهومين بينهما عموم من وجه ، نظير تردد الشريف بين الفاطمي ، وذي الشرف الاجتماعي ، أو بدونه ، كما لو تردد زيد بين رجلين.

أما في الصورة الأولى فالظاهر ـ كما صرح به جماعة ـ هو حجية العام في مورد الإجمال. لما تقدم من أن سقوط العام عن الحجية في مورد الخاص المنفصل إنما هو لمزاحمة ظهوره فيه بما هو أقوى منه وما يكون عرفا من سنخ الرافع لمقتضى حجيته. وهو لا يتم بالإضافة إلى مورد إجمال الخاص ، لعدم حجية الخاص فيه لينهض بمزاحمة العام ، فهو كسائر موارد الشك في التخصيص الزائد الذي تقدم في الفصل السابق حجية العام المخصص فيها. ومجرد احتمال شمول الخاص المعلوم له لا يصلح فارقا بعد عدم حجيته فيه.

وأما في الصورة الثانية فالظاهر سقوط العام عن الحجية في كل من طرفي الترديد بخصوصيته ، للعلم الإجمالي بإرادة أحدهما من الخاص ، فيكون الخاص حجة فيهما إجمالا ، بنحو يمنع عن جريان أصالة العموم كذلك بعد عدم المرجح لأحدهما. كما يكون العام حجة أيضا في أحدهما إجمالا ، إذ لا ملزم بخروجهما معا عن حكم العام بعد قصور الخاص عن ذلك.

٣٥٣

المقام الثاني : في الشبهة المصداقية

والظاهر أن محل الكلام هو الشبهة البدوية. أما مع العلم الإجمالي بفردية أحد فردين للخاص دون الآخر فالظاهر عدم الإشكال بينهم في حجية كل من العام والخاص في كل منهما إجمالا ، وعدم حجيته في كل منهما بخصوصيته ، نظير ما تقدم ، في الشبهة المفهومية ، وإنما لم يتعرضوا لذلك لوضوحه. والكلام في الفرق بين الشبهة الموضوعية والمفهومة إنما هو في خصوص ما إذا لزم الشك في زيادة التخصيص في الشبهة المفهومية ، وزيادة أفراد الخاص في الشبهة المصداقية.

وقد اختلفت كلماتهم في حجية العام في مورد الاشتباه بين القول بحجيته مطلقا ، وبعدمها كذلك ، وبالتفصيل بوجوه مختلفة يأتي الكلام فيها.

والظاهر عدم الحجية مطلقا وأن ما قيل بحجيته فيه من الموارد إما غير تام ، أو خارج عن محل الكلام.

والوجه في ذلك : أن التمسك بدليل الحكم في مورد يتوقف أولا : على تعين المراد الجدي به الذي يكون حجة فيه بحيث تتحدد به الكبرى المتضمنة للحكم ويتعين موضوعه الذي يترتب عليه ثبوتا.

وثانيا : على إحراز انطباق ذلك الموضوع في المورد ، ليكون صغرى للكبرى المفروضة. وحيث كان مقتضى الخاص في المقام عدم تعلق الإرادة الجدية بالعموم ، بل بما عدا مورد الخاص منه ، فلا وجه للاكتفاء في إثبات الحكم العام بإحراز عنوانه العام في مورد الشك في صدق عنوان الخاص ، لعدم إحراز الموضوع الحقيقي ـ المستلزم للحكم ثبوتا ـ بذلك ، بل لا بد معه من إحراز عدم صدق الخاص عليه ، ليتم الموضوع المذكور.

وبعبارة أخرى : العام لا يكون حجة في بيان حكم الفرد ابتداء ، لعدم

٣٥٤

تعرضه له ، بل بتوسط شرحه لحدود الحكم الكلي على الموضوع الكلي ، حيث يكون انطباقه على الفرد مستلزما لثبوت حكمه ، فمع فرض عدم استقلال العام بشرح الحكم الكلي وتحديد موضوعه ، لثبوت المخصص له ، بل يكون موضوع الحكم المذكور متحصلا من مجموع الدليلين ، يتعين عدم البناء على ثبوت الحكم في الفرد إلا بعد إحراز دخوله في الموضوع المتحصل منهما ، وهو الداخل في عنوان العام الخارج عن مورد الخاص ، ولا يكفي دخوله في عنوان العام في ثبوت حكمه له مع عدم إحراز خروجه عن مورد الخاص.

ولا مجال مع ذلك لقياسه بصورة إجمال الخاص بعد ما تقدم من أنه مع عدم حجية الخاص في مورد الإجمال يتعين حجية العام في تحديد الحكم الكلي بالإضافة إليه ، لعدم المانع من ذلك مع ثبوت مقتضي الحجية فيه ، كما لو شك في أصل التخصيص.

وبذلك يظهر اندفاع الاستدلال لحجية العام في مورد الاشتباه بأن الخاص إنما يزاحم العام فيما هو حجة فيه ، وحيث لا يكون حجة في مورد الاشتباه تعين حجية العام فيه ، إذ لا ترفع اليد عن الحجة إلا بالحجة. وجه الاندفاع : أن العام أيضا لا يكون حجة فيه بعد عدم كون عنوانه تمام موضوع الحكم الكلي ، بل لا بد من إحراز موضوعه ، وهو المتحصل من الدليلين ، كما سبق.

هذا ، وقد يستدل على حجية العام في مورد الشك بأن عنوان العام مقتض لثبوت حكمه ، وعنوان الخاص من سنخ المانع منه ، فمع إحراز المقتضي في الفرد المشتبه لا يعتنى باحتمال المانع ، لقاعدة المقتضي.

لكنه يندفع بما ذكره غير واحد من منع الكبرى والصغرى. أما الكبرى فلأنه لم يتضح من بناء العقلاء عموم الرجوع لقاعدة المقتضي ، سواء أريد بها

٣٥٥

عدم الاعتناء عملا باحتمال المانع ابتداء ، أم بتوسط التعبد ظاهرا بعدمه ، بأن يدعى أن بناء العقلاء دائما على أصالة عدم المانع. وإنما ثبت في خصوص بعض الموارد ، وليس منها المقام.

وأما الصغرى فلأنه لا يطرد كون عنوان العام من سنخ المقتضي للحكم ثبوتا وعنوان الخاص من سنخ المانع منه. بل قد يكون عنوان العام جزء المقتضي ، أو من سنخ ارتفاع المانع ، وعنوان الخاص من سنخ المقتضي أو متمما له ، أو من سنخ الشرط. وهو لا ينافي ما تقدم من كون العام من سنخ المقتضي للحجية ، والخاص من سنخ المانع منه. لعدم السنخية بين مقامي الثبوت والإثبات ، ولا تلازم بينهما.

ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا من عدم حجية العام في المقام ما لم يحرز عدم دخول الفرد في الخاص. ويأتي الكلام في ضابط ذلك إن شاء الله تعالى.

نعم لا بد من كون موضوع التخصيص هو العنوان بمنشإ انتزاعه ، بحيث يكون جريان حكمه في الفرد وخروجه عن حكم العام بتوسط ثبوت منشأ انتزاعه فيه ، بخلاف ما إذا سيق العنوان لمحض الحكاية عن عناوين أخرى أو عن الأفراد بخصوصياتها ، بحيث تكون هي الدخيلة في موضوع الحكم من دون أن يكون العنوان دخيلا فيه ، نظير التخصيص في قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ)(١) ، لوضوح أن موضوع التحريم العناوين الخاصة من الخنزير والميتة ونحوهما من دون أن يكون للتلاوة دخل فيه. وكما لو سبق من المتكلم ذكر مجموعة أشخاص للمخاطب ، ثم قال : لا تكرم من سبق ذكره ، حيث لا دخل لسبق الذكر في الحكم.

فإنه يتعين حينئذ عدم لزوم إحراز العنوان المذكور ، بل يرجع الشك في

__________________

(١) سورة المائدة الآية : ١.

٣٥٦

انطباقه على عنوان خاص أو فرد خاص إلى الشك في زيادة التخصيص ، الذي يكون المرجع فيه عموم العام إذا كان الخاص منفصلا ، ويخرج عن محل الكلام من التمسك بالعام في مورد اشتباه الخاص.

وإلى هذا يرجع التفصيل بين كون الخاص عنوانيا وكونه غير عنواني الذي ذكره في التقريرات ، وإن استدل بما يناسب التفصيل الآتي.

هذا ، وبقي الكلام في التفصيلات المذكورة في كلماتهم ، أو المناسبة لاستدلالاتهم ، وقد ذكرنا آنفا أنها إما غير تامة أو خارجة عن محل الكلام ، ومنها التفصيل المتقدم بين كون الخاص عنوانيا وكونه غير عنواني. والمهم منها ـ عداه ـ تفصيلان :

الأول : أنه إذا كان العام ظاهرا في إحراز العنوان المشتبه ـ المفروض دخله في الحكم غير عنوان العام ـ في تمام أفراده تبعا لتحقق حكمه فيها كان حجة في الفرد المشتبه ، وإن لم يكن ظاهرا في ذلك لم يكن حجة فيه. وتوضيح ذلك : أنه لما كان ظاهر العام بدوا ثبوت حكمه في تمام أفراده كان مقتضاه ثبوت تمام ما يتوقف عليه الحكم من الملاك وما يستلزمه فيها ، فإذا قال المولى : أكرم كل من أزوره ، وعلم من الخارج توقف وجوب الإكرام بنظره على العلم والعدالة ، كان ظاهر العموم المتقدم كون كل من يزوره عالما عادلا ، كما يكون مقتضاه تمامية ملاك وجوب الإكرام في جميعهم ، ولازم ذلك عدم التنافي بينه وبين ما دل على اعتبار العلم والعدالة فيمن يجب إكرامه.

لكن لا مجال للبناء على ذلك في أكثر عمومات الأحكام العامة الشرعية وغيرها بالإضافة إلى أدلة اعتبار بعض الأمور في أحكامها غير عناوينها ، لوضوح غلبة عدم التلازم خارجا بين عناوين العمومات والأمور المأخوذة في تلك الأدلة ، بنحو لا مجال معه لحمل العام على بيان تحقق تلك

٣٥٧

الأمور في أفراده ، كما هو ظاهر في مثل عموم مطهرية الغسل بالماء مع ما دل على اعتبار التعدد في التطهير من البول ، وعموم الاكتفاء بغسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين في الوضوء مع ما دل على اعتبار الترتيب والموالاة في الوضوء ، وعموم صحة البيع مع ما دل على اعتبار العلم بقدر الثمن ، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.

وحينئذ يتعين البناء في ذلك على التنافي بين الدليلين ، ثم قد يتعين عرفا الجمع بالتخصيص ، الراجع إلى أن المراد الجدي بالعام ليس إثبات حكمه في تمام أفراده ، بل في خصوص ما كان منها واجدا لتلك الأمور ، وأن موضوع حكم العام يختص بذلك ، فلا يكفي حينئذ إحراز عنوان العام في ترتب الحكم ، بل لا بد معه من إحراز تلك الأمور. وعليه يترتب ما تقدم من عدم حجية العام في الشبهة المصداقية.

نعم كثيرا ما يكون ظاهر العام تحقق ذلك الأمر المعتبر في الحكم في تمام أفراده ، وأنه ملازم لعنوان العام كحكمه ، لعدم المانع من ذلك بعد عدم وضوح الانفكاك بينهما عند العرف.

بل لا إشكال في دلالته على ذلك لو كان الأمر المذكور ظاهر الملازمة للحكم عقلا ـ كالملاك ـ أو عرفا ، كالطهارة الملازمة عرفا وارتكازا للمطهرية على تفصيل ذكرناه في مباحث المياه من الفقه.

وفي مثل ذلك لا مجال لدعوى تقييد موضوع حكم العام بصورة وجود ذلك الشيء ، إذ لا معنى للتقييد به مع استفادة الحكم بوجوده تبعا للحكم الملزوم له ، بل يكون مقتضى عمومه ثبوته في تمام أفراده ، بحيث لو ثبت عدم تحققه في فرد كان منافيا للعموم المذكور وكاشفا عن تخصيص موضوع حكم العام بالإضافة إلى ذلك الفرد بخصوصيته.

٣٥٨

ومثل ذلك ما لو كان المستفاد من العام ـ بنفسه أو بقرائن خارجية ـ تحديد مفهوم الأمر المعتبر في الحكم أو مصداقه أو بيان مصاديقه ، وأن الحكم الذي تضمنه مترتب على التحديد والبيان المذكورين ومتفرع عليهما.

فالأول مثل ما لو دل دليل على جريان حكم التوارث بالشهادتين ، ودل آخر على اعتبار الإسلام فيه ، حيث يستفاد منهما أن الأول شارح لموضوع الثاني ، وأن مفهوم الإسلام متقوم بالإقرار بالشهادتين.

والثاني مثل ما دل على أن من ترى الدم ثلاثة أيام تترك الصلاة ، مع ما دل على المانع من الصلاة هو الحيض ، حيث يستفاد منه تحديد مصاديق موضوع الثاني ، وهو الحيض وأنه يتحقق بالدم المستمر ثلاثة أيام.

والثالث مثل ما لو دل دليل على لعن بني أمية قاطبة مع ما دل على أنه لا بد في من يلعن أن لا يكون مؤمنا.

حيث يستفاد من الأول تشخيص مصاديق الثاني ، وأن استحقاقهم للعن لأنهم غير مؤمنين. وفي جميع ذلك لا ينبغي التأمل في عدم التنافي بين الدليلين ، ليكون الثاني مخصصا للأول ، بل يكون العام الأول واردا على الآخر ومنقحا لموضوعه.

وحينئذ لو ثبت عدم تحقق ذلك الأمر المعتبر في الحكم في بعض أفراد العام المستلزم لعدم ترتب حكمه ـ كما لو ثبت في الفروض المتقدمة كفر منكر الضروري وإن شهد الشهادتين ، أو عدم حيضية الدم المستمر ثلاثة أيام مع عدم سبق طهر عشرة أيام عليه ، أو إيمان بعض بني أمية المعين ـ فلا يرجع ذلك إلى تخصيص العموم بصورة وجود ذلك الأمر المعتبر في الحكم ـ بحيث ترجع الأدلة المتقدمة مثلا إلى أنه يثبت التوارث بالشهادتين إلا أن يكون الشاهد بهما غير مسلم ، وأن من ترى الدم ثلاثة أيام تترك الصلاة إلا أن تكون غير حائض ،

٣٥٩

وأن بني أمية ملعونون قاطبة إلا المؤمن منهم ـ لتكون الأفراد المذكورة من مصاديق الخاص الخارجة عن عموم العام. فإن ذلك خلاف فرض سوق العموم لتنقيح ذلك الأمر المعتبر في الحكم ، بل يتعين تخصيص العموم المذكور بذلك الفرد بخصوصه ، فيبنى في الأمثلة المذكورة على تخصيص عموم التوارث بالشهادتين وتحقق الإسلام به بغير منكر الضروري ، وتخصيص عموم حيضية الدم المستمر ثلاثة أيام ووجوب ترك الصلاة به بما إذا سبقه طهر عشرة أيام ، وتخصيص عموم لعن بني أمية وعدم إيمانهم بغير الشخص المذكور.

ويترتب على ذلك أن المرجع مع الشك في حال بعض أفراد العام المذكور وفي أنه واجد للأمر الذي دل الدليل على اعتباره في الحكم أو فاقد له هو عموم ذلك العام ، لأنه يكون بيانا على ثبوته فيه وثبوت الحكم تبعا له ، فيعمل عليه بمقتضى أصالة العموم ، كما لو شك في كفر منكر الضروري عن جهل بثبوته في دين الإسلام ، أو في حيضية الدم الفاقد للصفات وإن استمر ثلاثة أيام ، أو في إيمان شخص خاص من بني أمية. ومن هنا يتم التفصيل المذكور.

لكنه ليس تفصيلا في محل الكلام ، لما سبق من عدم تخصيص العموم بدليل اعتبار ذلك الأمر في الحكم ، ليكون الشك في تحققه في الفرد راجعا إلى الشك في مصداق الخاص ، بل التخصيص إنما يكون بالفرد بخصوصيته ، فمع الشك في حال فرد آخر يكون المرجع عموم العام بلا كلام ، لرجوعه للشك في زيادة التخصيص.

الثاني : ما ذكره غير واحد من التفصيل بين المخصص اللفظي واللبّي ، فالعام حجة في مورد الاشتباه في الثاني دون الأول.

٣٦٠