الكافي في أصول الفقه - ج ١

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

الكافي في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
المطبعة: فاضل
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-8276-64-0
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٢

أو مهملة في قوة الجزئية؟ فمفهوم قولهم عليهم‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء» على الأول انفعال ما دون الكر بكل نجس ، وعلى الثاني انفعاله في الجملة ولو ببعض النجاسات. ومفهوم قولنا : إن أحسن إليك زيد فأكرم ولده ، على الأول عدم وجوب إكرام أولاد زيد حتى واحد منهم عند عدم إحسانه ، وعلى الثاني عدم وجوب إكرامهم كلهم حينئذ من دون نفي وجوب إكرام بعضهم.

الظاهر الثاني ، لأن إناطة العام بالشرط إنما تستلزم عدم ثبوته مع عدمه ، لا انتفاء جميع أفراده بارتفاعه ، لأن نقيض الكلية جزئية تخالفها في الإيجاب والسلب. من دون فرق في ذلك بين أن يكون العموم انحلاليا وأن يكون مجموعيا والمعلق على الشرط في الأول وإن كان أحكاما متعددة حقيقة وعرفا بخلافه في الثاني ، إلا أن ذلك ليس فارقا في المقام بعد كون المعلق والمنوط في القسمين معا هو العام.

نعم ، لو كان المعلق والمنوط في الانحلالي كل واحد من تلك الأحكام على حياله واستقلاله ، بحيث يرجع إلى إناطات متعددة بعدد تلك الأحكام اتجه عموم المفهوم ، لأن إناطة كل فرد بنفسه تستلزم ارتفاعه بارتفاع الشرط ، فيلزم ارتفاع الجميع بارتفاعه.

لكنه يحتاج إلى عناية خاصة زائدة على مفاد العام. ومجرد كون العموم انحلاليا لا يستلزم ذلك ، لأن انحلالية العام إنما تقتضي استقلالية كل فرد من أفراده ملاكا وإطاعة ومعصية ، ولا تنافي مجموعيتها في الإناطة بحيث تكون الإناطة للعام ، كما هو مقتضى الظهور البدوي للكلام. ولذا لا إشكال في ظهور مثل قولنا : إذا لبس زيد لامة حربه لم يخف أحدا ، في أنه إذا لم يلبسها خاف في الجملة ، لا من كل واحد ، مع أن العموم فيه انحلالي بلا إشكال.

٢٦١

ومما تقدم يظهر أن الجزاء لو كان قضية مهملة أو جزئية كان مفاد المفهوم قضية عامة مخالفة له في الإيجاب والسلب. إلا أن يراد بالجزئية الإشارة إلى أفراد خاصة ، فيكون مفاد المفهوم قضية جزئية أيضا موضوعها خصوص تلك الأفراد. لكنه موقوف على عناية وقرينة خاصة.

الأمر الرابع : إذا تعددت الشرطية مع وحدة الجزاء وتعدد الشرط لزم التنافي بناء على ظهور الشرطية في المفهوم ، لأن مقتضى كل شرطية عدم تحقق الجزاء إذا لم يتحقق شرطها وإن تحقق شرط الأخرى ، وهو ينافي إطلاق منطوق الأخرى.

ولا إشكال في ذلك مع عدم قابلية الجزاء للتعدد ، كما في قولنا : إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر ، وقولنا : إن أنزل الرجل أجنب ، وإن جامع أجنب ، أما مع قابليته له ، كما في قولنا : إن ظاهرت فاعتق رقبة ، وإن أفطرت فاعتق رقبة ، فقد يدعى عدم التنافي ، حيث يمكن تعدد التكليف بتعدد العتق تبعا لتعدد السبب ، فمع تحقق أحد الشرطين يتحقق التكليف التابع له ويكون منوطا به ، دون التكليف التابع للآخر ، فلا ينافي مفهوم الشرطية الأخرى.

لكنه يشكل بأن تعدد التكليف في ذلك لما كان موقوفا على تعدد المكلف به ، بحمله في كل شرطية على فرد من الماهية مباين للفرد المكلف به في الأخرى ، فهو مخالف لإطلاق المكلف به في كل منها ، إذ مقتضى إطلاق المكلف به في كل منها إرادة أصل الماهية الحاصلة بصرف الوجود المستلزم لوحدة التكليف ، فيلزم التنافي بين الشرطيتين بالتقريب المتقدم.

ومما ذكرنا يتضح أنه يكفي في التنافي أن تكون إحدى القضيتين شرطية والأخرى حملية دالة على ثبوت جزاء الشرطية في غير مورد الشرط ، بل يكفي

٢٦٢

مطلق ما دل على حصر الحكم بموضوع وإن لم يكن بلسان القضية الشرطية مع ما دل على ثبوت ذلك الحكم في غير ذلك الموضوع ، كقولهم عليهم‌السلام : «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك ...» (١) ، مع ما تضمن ناقضية النوم (٢).

نعم ، قد تختص الشرطية ببعض الجهات الدخيلة فيما ذكروه في المقام.

ومن ثم ينبغي جعلها ـ تبعا لهم ـ موضوعا للكلام. وإن أمكن استفادة حال غيرها مما يذكر فيها ، وإن امتاز بشيء ينبه عليه.

إذا عرفت هذا فقد وقع الكلام بينهم في كيفية الجمع بين الشرطيتين في المقام ، والوجوه المحتملة بدوا ثلاثة :

الأول : المحافظة على مفهوم كل من الشرطيتين مع تقييده لمنطوق الأخرى ، ومرجعه إلى رفع اليد عن ظهور الشرط في كل منهما في الاستقلال والبناء على أن الشرط هو مجموع الشرطين ، فلا يثبت الجزاء إلا مع ثبوتهما معا ، وينتفي بانتفاء أحدهما فضلا عن انتفائهما معا. وأطلقوا عليه : الجمع بمفاد الواو.

الثاني : المحافظة على إطلاق منطوق كل منهما وعلى ظهورهما في الإناطة المستتبعة للمفهوم مع تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الأخرى ، ومرجعه إلى كفاية أحد الشرطين في ثبوت الجزاء ، مع انتفائه بانتفائهما معا وأطلقوا عليه الجمع بمفاد (أو).

الثالث : رفع اليد عن المفهوم رأسا فتحمل الشرطية على بيان مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، دون إناطته به. وهو وإن شارك الوجه الثاني في ثبوت الجزاء بثبوت أحد الشرطين ، إلا أنه يخالفه في البناء على انتفائه

__________________

(١) راجع الوسائل ج : ١ باب : ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) راجع الوسائل ج : ١ باب : ٣ من أبواب نواقض الوضوء.

٢٦٣

بانتفائهما معا ، تبعا للاختلاف بينهما في تحديد مفاد الشرطيتين. ومن هنا لا وجه لما ذكره بعض الأعاظم قدس‌سره من رجوع الثالث للثاني.

هذا ولم أعثر عاجلا على من اختار الوجه الأول. نعم حيث سبق من بعض الأعاظم قدس‌سره رجوع الثالث للثاني لزم تردد الأمر عنده بين الوجهين الأولين. وقد ذكر قدس‌سره أنه لا مرجح لأحدهما ، لابتناء كل منهما على تقييد الشرط إما بمفاد الواو أو بمفاد (أو) ، وحيث كان كل منهما مخالفا للإطلاق تعين البناء على الإجمال ، والرجوع للأصول العملية في صورة تحقق أحدهما دون الآخر.

لكن تقدم عند الكلام في دلالة الشرطية على الانحصار أن وجود العدل للشرط المطابق لمفاد (أو) لا يستلزم تقييد الشرط ليدفع بالإطلاق ، وينهض بمعارضة ظهور الشرط في الاستقلال الذي يكون مقتضى الوجه الأول رفع اليد عنه ، بل الوجه في دفعه ظهور الشرطية في الإناطة. ولا ريب في أن ظهورها فيها لا يصلح لمعارضة ظهور الشرط في الاستقلال ، لكثرة تجرد الشرطية عن إفادة الإناطة ، بخلاف تجردها عن الظهور في استقلال الشرط. ومن ثم كان ظهورها فيه أقوى من ظهورها في الإناطة ، فيلزم تقديمه. وعلى ذلك لا مجال للوجه الأول إلا بقرينة خاصة ملزمة ، وحيث عرفت عدم رجوع الثالث للثاني يتعين التردد بينهما لا غير.

وقد اختار جماعة الوجه الثاني ، وبنوه على أحد وجوه ..

الأول : ما ذكره شيخنا الأعظم قدس‌سره وغيره من تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الأخرى. ولا مجال للالتزام بظاهره ، لما أشار اليه غير واحد من أن المفهوم ليس مفاد قضية قابلة للتقييد ، بل هو لازم لمفاد الشرطية ، فلا بد في التصرف في الملزوم المدلول للشرطية بحمله على ما ينتج نتيجة التقييد المذكور ، بدعوى حمل الشرطية على الإناطة الناقصة بالمقدار الذي لا ينافي

٢٦٤

ثبوت الجزاء مع الشرط الآخر ، بلا حاجة إلى رفع اليد عن الإناطة رأسا.

لكنه يشكل بأن الإناطة أمر بسيط لا يقبل الانحلال والتحليل عرفا ، ليتجه رفع اليد عن بعض مراتبها مع المحافظة على الباقي في مقام الجمع العرفي بين الأدلة المتنافية ، بل لا بد إما من رفع اليد عنها رأسا ، أو البناء عليها ورفع التعارض بوجه آخر. ومجرد كون نسبة المفهوم اللازم مع منطوق الشرطية الأخرى العموم المطلق لا يكفي في الجمع المذكور ما لم يكن عرفيا.

الثاني : حمل الشرط على القدر المشترك بين الشرطين. وهو راجع إلى التصرف في ظهور الشرط في الخصوصية ، وحمله في كلتا الشرطيتين على القدر الجامع ، مع المحافظة على ظهورها في الإناطة المستلزمة لانتفاء الجزاء بانتفاء القدر الجامع. قال في التقريرات : (ولعل العرف يساعد على ذلك بعد الاطلاع على التعدد).

ويشكل بأن المراد بذلك إن كان جعل تعدد الشرط قرينة على أن المراد بكل شرط هو القدر الجامع ، بحيث يكون مسوقا في القضية طريقا إليه وعبرة له ، نظير ما لو مرّ حيوان على شخص فقال : اسم هذا أرنب ، حيث لا يراد به بيان اسمه بشخصه بل بجنسه. فهو بعيد جدا لقوة ظهور العنوان في الحكاية عن معنونه استقلالا ، واحتياج فنائه في غيره إلى عناية خاصة يصعب البناء عليها في غالب الموارد ، بل يمتنع ذلك فيما لو لم يكن بين الشرطين جامع عرفي ، لتفرع مقام الإثبات على مقام الثبوت.

وإن كان المراد به كون تعدد الشرط قرينة على أن موضوع الحكم الذي يتضمنه الجزاء هو القدر الجامع ، وليس ذكر كل من الشرطين إلا لأنه فرد منه ، من دون دخل خصوصيته فيه. فهو وإن كان قريبا جدا فيما لو كان بين الشرطين جامع عرفي ، بل مطلقا بناء على ما تكرر من بعضهم ـ كالمحقق الخراساني قدس‌سره ـ

٢٦٥

من امتناع تعدد موضوع الحكم الواحد حقيقة ، لأن وحدة الأثر تستلزم وحدة المؤثر ، إلا أنه لا ينفع في المحافظة على ظهور الشرطية في المفهوم بأن تدل الشرطيتان على انتفاء الجزاء بانتفاء كلا الشرطين ، لامتناع تعليق الحكم على بعض أفراد موضوعه وإناطته به ، وإنما يقتصر على الحكم بثبوته حين ثبوته لا غير.

مثلا : لو شرّع ملك ولد مطلق المملوك عبدا كان أو أمة ، صح أن يقال :

يملك ولد العبد ، ولا يصح أن يقال : يملك المولود إن كان ولد عبد ، إلا أن يراد بالعبد مطلق المملوك ولو كان أمة ، أو لا يراد بالشرطية الإناطة.

الثالث : تقييد الشرط بمفاد (أو). لكن تقدم في وجوه استدلالهم على مفهوم الشرط أن ذلك ليس من التقييد ، وإنما هو نحو آخر من التصرف في متعلق الإناطة.

وحينئذ يشكل بأن كفاية أحد الأمرين في ثبوت الحكم إنما يصحح تعليقه وإناطته بأحدهما بنحو الترديد بالتصريح بالعطف ب (أو) ولا يصحح إناطته بأحدهما بعينه ، بل لا بد من تنزيل الشرطية المقتصر فيها على أحدهما بعينه على مجرد الثبوت عند الثبوت ، دون الإناطة.

إلا أن يراد الإشارة بالمعين إلى المردد بين الأمرين ، لمعهودية الترديد بينهما ، كما في خصال الكفارة وهو محتاج إلى عناية زائدة لا مجال للبناء عليها إلا بقرينة خاصة ، لا يكفي فيها مجرد اختلاف الشرط في الشرطيتين أو الأكثر قطعا.

وهناك وجوه أخر يبتني عليها الوجه الثاني لا يسع المقام الكلام فيها. وهي مشاركة للوجوه المتقدمة في الضعف ، إن لم تكن أضعف منها. ومن هنا لا مجال للبناء على الوجه المذكور ، بل لا بد من البناء على الوجه الثالث.

٢٦٦

والظاهر مفروغيتهم عنه فيما لو أمكن تعدد الجزاء ، كمثال التكفير مع الظهار والإفطار المتقدم ، ولذا غفل بعضهم عن التنافي بين الشرطيتين فيه بدوا بسبب وضوح الجمع بهذا الوجه وارتكازيته.

نعم ، قد يقوى ظهور الشرطيتين في الإناطة ، كما في موارد عدم الحاجة لبيان مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، حيث يتعين حينئذ سوقهما للتحديد والإناطة المستلزمة للمفهوم ، كما هو الحال فيما تضمن أنه إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر ، فإن مجرد وجوب القصر في مورد الشرطين لما كان مقتضى إطلاق دليل وجوب القصر على المسافر ، تعين سوق الشرطيتين لبيان مبدأ القصر ، فيكون ظاهر كل منهما إناطته بشرطها ، لبيان عدم ثبوته بدونه الذي هو مفهوم الشرطية.

وربما تكون هناك قرائن أخرى حالية أو مقالية تلزم بسوقها للتحديد والإناطة ، لا مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط.

وحينئذ لا مجال للوجه الثالث ، بل لا بد من الجمع بوجوه أخر ، تبعا لخصوصيات القرائن المختلفة باختلاف الموارد من دون وضوح ضابط لها.

ولا يسعنا استقصاء الوجوه الممكنة حينئذ ، بل نكتفي بالإشارة لما يحضرنا منها ، ليستعين به الفقيه في مقام الجمع بين الأدلة ورفع التنافي بينها.

فمنها : الوجه الأول المبتني على رفع اليد عن ظهور القضيتين في استقلال الشرط أو نحوهما مما يقتضي الحصر ، وكون الموضوع مجموعهما.

ومنها : اختلاف سنخ الحكم في القضيتين ، نظير ما تضمن توقف حلية السمك على ما إذا كان له فلس مع ما تضمن توقفها على إخراجه من الماء حيا ، فيحمل الأول على الحلية من حيثية ذات الحيوان والثاني على الحلية الفعلية.

ومنها : حمل القضيتين أو إحداهما على الحصر الإضافي ، الذي هو من

٢٦٧

الاستعمالات الشائعة عند العرف في القضايا المسوقة للحصر ، نظير حمل ما تضمن حصر نواقض الوضوء بما يخرج من الطرفين الأسفلين على كونه بالإضافة إلى سائر ما يخرج من البدن ، كالقيء والرعاف ، فلا ينافي ناقضية ما لا يخرج منه ، كالنوم.

ومنها : التصرف في خصوص إحدى القضيتين إما بتقييد الموضوع فيها بموضوع الأخرى لو كان أخص منه ، أو بحمله فيها على كونه علامة على تحقق الموضوع في الأخرى ، ويكون هو الموضوع حقيقة. ولذا احتمل في التقريرات كون ذلك هو الوجه لما في السرائر وعن غيرها من أن التعويل على خفاء الأذان ، وأن خفاء الجدران أمارة يتوصل بها لمعرفته ... إلى غير ذلك مما لا يتيسر ضبطه ، ويوكل لنظر الفقيه في الموارد المختلفة.

الأمر الخامس : لا إشكال في فعلية الحكم تبعا لوجود موضوعه في الخارج بتمام حدوده المأخوذة في الكبرى الشرعية ، فإذا تعدد وجود الموضوع في الخارج هل يلزم تعدد الامتثال ، أو يكتفى بامتثال واحد؟

ولا فرق في محل الكلام بين كون الموضوعين من سنخ واحد يختص به الحكم كبرويا ـ كما لو لم يجب إكرام زيد إلا بمجيئه ، فجاء مرتين ـ أو لا يختص به ـ كما في الكفارة لو ظاهر الشخص مرتين ـ وكونهما من سنخين ، كل منهما موضوع له كبرويا ـ كما في الكفارة لو ظاهر الشخص وأفطر ـ لعدم الفرق في ملاك النزاع بعد اشتراك الكل في تعدد السبب خارجا ووحدة المسبب. وقد عنونت المسألة في كلماتهم بمسألة التداخل.

ومما ذكرنا يظهر عدم تفرع هذه المسألة على الكلام في المسألة السابقة ، لأن الكلام في تلك المسألة في أنه مع تعدد الشرط ووحدة الجزاء هل يتعين البناء كبرويا على أن كل شرط موضوع مستقل للحكم الذي تضمنه ، أو أن

٢٦٨

الموضوع مجموع الشروط؟. أما الكلام في هذه المسألة ففي أنه لو تعدد الموضوع صغرويا في الخارج فهل يتعدد الامتثال؟ بعد الفراغ عن تحديد الموضوع كبرويا ، واحدا كان أو متعددا ، مستفادا من قضية شرطية أو من غيرها.

نعم ، تصلح تلك المسألة لتنقيح بعض صغريات هذه المسألة ، لأن وجود كلا الشرطين في الخارج يكون من تعدد الموضوع ومن صغريات هذه المسألة لو بني في تلك المسألة على أن مقتضى الجمع بين الشرطيتين البناء على استقلال كل شرط في الموضوعية للحكم. ولعل هذا هو المنشأ لذكرهم لها في ذيل مسألة مفهوم الشرط.

هذا ، ولا بد في موضوع المسألة من أمرين :

الأول : كون الحكم مما يقبل التعدد تبعا لتعدد متعلقه ، كالوجوب والاستحباب المقتضيين للامتثال بفرد من الماهية المطلوبة بنحو البدلية ، حيث يمكن تعددهما ـ تبعا لتعدد الموضوع ـ مع تعدد متعلقهما ، بأن يختص كل تكليف بفرد من الماهية مباين لمتعلق الآخر فيلزم تعدد الامتثال تبعا لذلك. وكذا الضمان الذي قد يتعلق بقدر معين من المال حيث يمكن تعدده بتعدد المضمون من ذلك المقدار. وهذا ما لا يقبل التعدد لوحدة متعلقه ، إما لكون المتعلق كليا قد تعلق الحكم به بنحو الاستغراق ، كمتعلق التحريم والكراهة ، أو لكونه شخصيا ، كمتعلق النجاسة المسببة عن الملاقاة الذي هو الجسم الخارجي غير القابل للتعدد. فإنه لا إشكال في التداخل في مثل ذلك ، لامتناع تعدد الحكم من سنخ واحد مع وحدة متعلقه ، لأنه من اجتماع المثلين ، ومع وحدة الحكم لا إشكال في وحدة الامتثال.

الثاني : عدم تخلل الامتثال بين الموضوعين ، وإلا فلا ريب في عدم

٢٦٩

التداخل واختصاص الامتثال المتخلل بالتكليف الأول ، واحتياج الثاني لامتثال آخر.

هذا ، وقد ذكر غير واحد أن الكلام تارة : في تداخل الأسباب. والمراد به أن تعدد الموضوع في الخارج هل يوجب تعدد الحكم أو لا؟ والمرجع فيه ظهور الدليلين ، ومع فقده فالأصل التداخل ووحدة التكليف.

وأخرى : في تداخل المسببات ، بمعنى : أنه بعد فرض تعدد التكليف ـ تبعا لتعدد الموضوع في الخارج ـ هل يلزم تعدد الامتثال ، أو يكتفى في امتثال التكاليف المتعددة بامتثال واحد؟ ومع الشك فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم التداخل وتعدد الامتثال.

لكن الظاهر أنه لا مجال للبناء على عدم التداخل في الأسباب مع التداخل في المسببات. لوضوح أنه مع وحدة المكلف به لا بد من وحدة التكليف ، لامتناع اجتماع المثلين ، ومع تعدد المكلف به لا بد من تعدد الامتثال. وحينئذ فالمكلف به مع تعدد الشرط إن كان هو الماهية المطلقة التي يكفي في تحققها صرف الوجود فلا بد من البناء على وحدة التكليف ، الراجع لتداخل الأسباب ، فيلزم الاكتفاء بالامتثال بصرف الوجود ، ومع تعدد التكليف لا بد من تعدد المكلف به وحمل التكليف بالماهية في كل خطاب على خصوص فرد منها مباين للفرد الآخر ، ومع ذلك لا بد من تعدد الامتثال الراجع لعدم التداخل في المسببات.

نعم ، يتجه البحث في المقامين فيما لو كان ترتب التكليف على الموضوع بتوسط أثر يستتبع التكليف ، كما في ترتب التكاليف بأسباب الطهارات على تحقق نواقض الطهارة ، بتوسط سببيتها للحدث.

حيث يمكن فيها الكلام أولا : في تعدد الحدث مع تعدد سببه أو

٢٧٠

وحدته ، الراجع للكلام في تداخل الأسباب وعدمه.

وثانيا : في لزوم تعدد المطهّر ـ كالغسل والوضوء ـ في فرض تعدد الحدث وعدمه ، الراجع للكلام في تداخل المسببات ، على ما يأتي التعرض له إن شاء الله تعالى بعد الكلام في التكليف ونحوه ـ كالملكية ـ الذي هو عمدة الكلام في المقام.

إذا عرفت هذا فالمنسوب للمشهور عدم التداخل مطلقا ، وعن جماعة التداخل مطلقا ، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد الموضوعات جنسا واختلافها ، فالتداخل في الأول دون الثاني. والتحقيق الأول.

وتوضيح ذلك : أنه لا ينبغي التأمل في أن مقتضى إطلاق متعلق حكم الجزاء في كل دليل كون المتعلق هو الماهية المطلقة الصادقة بكل فرد ، ولازم ذلك التداخل والاكتفاء في امتثال الكل بصرف الوجود ، لصدق الماهية المذكورة عليه قطعا. فاللازم في البناء على عدم التداخل ولزوم تعدد الامتثال من التماس المخرج عن مقتضى الإطلاق المذكور.

فاعلم أنه حيث يمتنع تعدد الحكم مع وحدة متعلقه ، للزوم اجتماع المثلين ، كان مقتضى الإطلاق المذكور وحدة الحكم الوارد على الماهية المذكورة مع تعدد الموضوعات في الخارج ، ولازم ذلك استناد الحكم لأسبقها وجودا ، واحدا كان أو متعددا ، أما اللاحق فلا يكون سببا لحدوث الحكم ، بل يكون مؤكدا للحكم الأول لو كان قابلا للتأكد ـ كالحكم التكليفي ـ أو خاليا عن الأثر لو لم يكن الحكم المذكور قابلا للتأكد ـ كالضمان ـ من دون أن يوجب حدوث حكم خاص به ، وهو مخالف لظاهر دليل موضوعية الموضوع للحكم ، لظهوره في حدوث الحكم تبعا لحدوث الموضوع دائما ، لا مجرد مقارنته له وإن كان سابقا عليه بسبب وجود موضوع سابق.

٢٧١

ولا ينبغي التأمل في أن الظهور المذكور أقوى من ظهور إطلاق المتعلق في إرادة الماهية المطلقة المستلزم لوحدة الحكم ، فلا بد من رفع اليد عن الظهور الثاني وحمل المتعلق في كل دليل على فرد من الماهية مباين للفرد المتعلق للحكم الذي تضمنه الدليل الآخر ـ وإن كان ذلك نحوا من التقييد لها ـ ليتعدد الحكم تبعا لتعدد الموضوع ، وهو راجع لعدم التداخل.

هذا في فرض تعاقب الموضوعات وجودا في الخارج ، وأما مع تقارنها فوحدة الحكم المترتب عليها وإن لم تناف ظهور دليل موضوعية الموضوع في ترتب الحكم عليه ، إلا أن دليل موضوعية الموضوع كما يكون ظاهرا في ترتب الحكم عليه كذلك هو ظاهر في استقلاله في تأثير الحكم ، ولازم ذلك تعدد الأحكام تبعا لتعدد الموضوعات.

وبالجملة : مقتضى إطلاق المتعلق في كل قضية وإن كان هو وحدة المتعلق في جميعها ، وهو الماهية المطلقة بما لها من حدود مفهومية ، ولازم ذلك وحدة الحكم المترتب على الموضوعات المختلفة ، سواء تعاقبت في الخارج أم تقارنت ، وهو مرجع التداخل ، إلا أنه لا بد من الخروج عن ذلك بظهور القضية في ترتب الحكم على الموضوع باستقلاله ، المستلزم لتعدد الحكم تبعا لتعدد الموضوع ، وتعدد المتعلق تبعا لذلك ، بأن يكون المتعلق لكل حكم فردا من الماهية يختص به مباينا للفرد المتعلق للحكم الآخر ، وهو راجع لعدم التداخل.

ثم إن تحقق موضوع المسألة ـ وهو تعدد الموضوع ـ بتعدد أفراد سنخ واحد يبتني على أخذ الموضوع بنحو الانحلال بلحاظ الأفراد ، بحيث يكون كل فرد موضوعا للحكم ، لا بنحو يكون الموضوع هو مطلق الوجود الناقض للعدم المطلق الذي لا يقبل التكرار ، وهو يختلف باختلاف الأدلة. إلا أن المفروض في محل الكلام هو الأول. ولعله مقتضى الظهور النوعي.

٢٧٢

ولذا لا إشكال في مفروض الكلام في أنه لو تجدد وجود الماهية بفرد آخر بعد العمل بمقتضى الحكم المسبب عن الفرد الأول لاقتضى ثبوت الحكم وترتيب الأثر ، مع أنه لو أخذ الموضوع بالنحو الآخر لم يكن الوجود اللاحق موضوعا للحكم وموردا للأثر حتى بعد الامتثال ، لعدم ناقضيته للعدم المطلق.

ومنه يظهر أنه لا مجال لما تقدم عن الحلي من التفصيل في التداخل وعدمه بين تعدد الموضوع من سنخ واحد ومن سنخين. إذ مع أخذ الماهية في الموضوع بنحو الانحلال يتعين عدم التداخل ، كما في صورة اختلاف السنخ ، ومع أخذها بالنحو الآخر يخرج عن مسألة تداخل الأسباب ، لخروج الفرد اللاحق عن الموضوعية المستلزم لعدم الأثر له حتى بعد امتثال الحكم المترتب على الفرد الأول ، وهو خارج عن مفروض الكلام.

هذا ، ولو لم يكن لدليل الحكم إطلاق ـ ينهض بأن الماهية مأخوذة في الموضوع بنحو الانحلال ، وأن كل فرد مقتض لثبوت حكم مستقل ـ كان مقتضى الأصل البناء على التداخل ، لوضوح أن مقتضى أصالة البراءة الاقتصار في التكليف على المتيقن ، وهو التكليف الواحد الذي يكفي في امتثاله الفرد الواحد. ولا مجال معه لقاعدة الاشتغال ، لأن الشك في الفراغ ليس للشك في الامتثال ، بل للشك في ثبوت التكليف الزائد.

ثم إنه بناء على عدم التداخل يتعين سقوط أحد التكليفين بالإتيان بفرد واحد وإن لم يقصد به أحدهما بعينه ، لأنه وإن لم يكن امتثالا لأحدهما بخصوصه ، لعدم المرجح له بعد صلوح الفرد المذكور لأن يقع امتثالا لكل منهما ، إلا أن عدم دخل الخصوصية في الغرض وعدم الامتياز بين موضوعي الغرضين ثبوتا بأكثر من تعدد الوجود مستلزم لسقوط أحد الغرضين بالإتيان بأحد الفردين قهرا ، المستلزم لسقوط أحد التكليفين وبقاء التكليف الآخر بفرد آخر. واعتبار قصد خصوص أحد الأمرين في امتثاله محتاج إلى دليل خاص

٢٧٣

دال على دخل القصد المذكور في غرضه ، والإطلاق والأصل يدفعان ذلك.

نعم ، قد يختص امتثال أحد التكليفين بأثر ، كما فيمن كان عليه صوم يوم من سنته وآخر من السنة السابقة ، حيث يكون أثر صوم الأول قبل مجيء شهر رمضان اللاحق عدم ثبوت الفدية. وحينئذ يتعين توقف ترتب ذلك الأثر على سقوط خصوص أمره ، إما بقصد امتثاله بخصوصه بالفرد الأول ، أو بالإتيان بفردين الموجب لحصول كلا الغرضين وسقوط كلا الأمرين. فلاحظ.

بقي في المقام أمور ..

أولها : إذا كان الحكم غير قابل للتعدد ، لوحدة متعلقه ، فلا إشكال في استناده لأسبق الأسباب واحدا كان أو متعددا دون اللاحق. وحينئذ إن كان قابلا للتأكد لم يبعد البناء على تأكده باللاحق ، لأنه بعد تعذر البناء على مقتضى ظهور دليل سببيته في ترتب حكم مستقل عليه لم يبعد التنزل إلى تأثيره تأكيد الحكم الواحد ، كما هو مقتضى طبع السببية في مثل ذلك ، لأنه أقرب من رفع اليد عن ظهور الدليل في تأثير المتأخر رأسا. بل لا ينبغي التأمل في تعينه مع تقارن السببين ، لأن اشتراك المتقارنين في مسبب واحد ليس إلا لأنه مقتضى طبع السببية ، وهي تقتضي التأكد مع قابلية المسبب له.

ثانيها : ما تقدم إنما هو مع اتحاد متعلق الحكم المسبب عن الشروط المتعددة مفهوما ومصداقا. أما إذا اختلف المتعلق مفهوما ولو بلحاظ اختلاف القيود المأخوذة في الماهية وكان بين المفهومين تصادق في الخارج ، فإن كان بينهما عموم من وجه كما لو كان الواجب في أحدهما إكرام العالم وفي الآخر إكرام الهاشمي فالظاهر البناء على التداخل ، بمعنى إمكان امتثال كلا الأمرين بفرد واحد من مورد الاجتماع ، عملا بإطلاق الواجب في كل منهما ، ولا ينهض إطلاق دليل السببية بالخروج عنه ، إذ لا مانع من تأثير كل سبب لحكمه المستقل

٢٧٤

بعد اختلاف متعلقي الحكمين مفهوما ومصداقا.

ومجرد اجتماعهما في بعض الأفراد لا يمنع من إطلاق كل منهما بنحو يشمل حال الاجتماع ، لعدم لغوية التكليف بكل منهما على إطلاقه بعد إمكان امتثال كل منهما بالفرد الذي به الافتراق ، ومع ذلك لا موجب للتقييد في كل منهما بما إذا لم يمتثل به الآخر بعد إمكان وفاء المجمع بكلا الغرضين.

وبعبارة أخرى : ملاك محذور اجتماع المثلين مع وحدة متعلق التكليفين عدم اعتبار العرف تعدد التكليفين إلا مع اختلاف ما يدعو إليه كل منهما ، ولا موضوع للمحذور المذكور في الفرض بعد اختلاف متعلقي التكليفين في الجملة ، لانطباق كل منهما على ما لا ينطبق عليه الآخر ، وإن تطابقا في بعض الأفراد ، لأن تطابقهما فيه وإن اقتضى دعوة كل منهما إلى وجوده ، إلا أن كلا منهما إنما يدعو إليه بنحو البدلية بينه وبين ما به الافتراق من كل من المتعلقين ، فاختلف نحو داعويتهما إليه.

ولأجل ذلك لا يبعد البناء على التداخل فيما إذا كان أحدهما أخص من الآخر مطلقا ، لأن الأخص وإن كان مدعوا إليه بكل من التكليفين ، إلا أن التكليف الوارد عليه يدعو إليه عينا ، والتكليف الوارد على العام يدعو إليه بنحو التخيير والبدلية ، فاختلف نحو داعويتهما إليه ، فلا يلغو التكليف بكل من المفهومين على إطلاقه ، ليتعين تقييد كل منهما بما يباين الآخر ـ المستلزم لعدم التداخل ـ محافظة على تعدد التكليف الذي هو مقتضى إطلاق دليل السببية.

ومن ذلك يظهر أن مقتضى القاعدة التداخل لو كان التكليفان تخييريين مشتركين في بعض الأطراف وينفرد كل منهما بطرف ، أو كان أحدهما تخييريا والآخر تعيينيا متعلقا بأحد أطراف التخيير ، لاختلاف نحو تعلق الحكم في مورد الاشتراك.

٢٧٥

بل يتعين ذلك في جميع موارد اختلاف نحو تعلق الحكم بالمتعلق الواحد ، ككونه مطلوبا استقلالا في أحدهما وضمنا في الآخر. وأولى بذلك ما لو كان بين المفهومين اجتماع موردي بين بعض أفرادهما من دون اتحاد كاللبس والتزين.

نعم ، كثيرا ما تقوم القرينة على كون الواجبات المسببة عن الأسباب المختلفة ماهيات متباينة في أنفسها شرعا ـ نظير التباين بين صلاتي الظهر والعصر ، وسجودي الصلاة والعزيمة ـ وهو خارج عن محل الكلام ، إذ الكلام في مقتضى الجمع بين دليلي الحكمين مع قطع النظر عن القرائن الخارجية.

ثالثها : أشرنا آنفا إلى أن محل الكلام في التداخل وعدمه ما إذا كان التكليف مسببا عن الموضوع المذكور في القضية بالمباشرة. وأما إذا كان مسببا عنه بتوسط أثره ، ـ كالتكليف بالوضوء المسبب عن البول والنوم بتوسط أثرهما ، وهو الحدث ـ فيما لو تكرر السبب الواحد أو اجتمع أكثر من سبب.

فالكلام .. تارة : في تداخل الأسباب بمعنى : أن تعدد الموضوع الشرعي هل يوجب تعدد الأثر ـ كالحدث في المثال ـ أو لا؟

وأخرى : في تداخل المسببات ، بمعنى أنه لو فرض تعدد الأثر فهل يلزم تعدد الامتثال ـ كالوضوء مرتين في المثال ـ أو لا؟.

أما الأول فحيث كان المفروض عدم التصريح في الدليل بالأثر فلا مجال لاستفادة أحد الوجهين من الدليل ، بل كما يمكن تعدد الأثر مع تعدد السبب يمكن وحدته مع التأكد وبدونه ، ولا طريق لإحراز شيء من ذلك إلا بقرينة خارجية.

وأما الثاني فلا إشكال في الاكتفاء بالامتثال الواحد مع إحراز وحدة الأثر وعدم تأكده المستلزم لعدم تأثير الموضوع الثاني ، كما هو الحال فيما تضمن

٢٧٦

وجوب التكفير بتعمد الأكل على الصائم في نهار شهر رمضان ، فإنه حيث كان ذلك بتوسط سببية الأكل لنقض الصوم ـ الذي لا يقبل التعدد ولا التأكد ـ يتعين عدم تعدد الكفارة بتعدد السبب. إلا أن تتعدد بملاك آخر يحتاج إلى دليل خاص ، كما ورد في تكرار الجماع.

وأما مع إحراز تعدد الأثر أو تأكده أو احتمال أحد الأمرين فتارة : لا يكون ملاك سببية الأثر للحكم رفع الأثر ، كما لو قيل من بال في المسجد فليتصدق بدرهم ومن أراق فيه الدم فليتصدق بدرهم ، وعلم بأن منشأ وجوب التصدق هو النجاسة المترتبة على الأمرين.

وأخرى : يكون ملاك سببية الأثر للحكم رفعه ، كما في سببية البول والنوم للوضوء ، وسببية الإنزال والجماع للغسل.

أما الأول فالظاهر البناء معه على عدم التداخل ، لعين الوجه المتقدم ، فإن مقتضى إطلاق سببية السبب للحكم تعدد الحكم بتعدد السبب المستلزم لتعدد المتعلق وعدم التداخل. وبه يخرج عن إطلاق المتعلق المقتضي للتداخل.

وأما الثاني فالظاهر البناء معه على التداخل ، لإطلاق متعلق الأمر ، كالوضوء والغسل في المثالين المتقدمين. ولا ينافيه ظهور دليل السببية في تجدد الأمر بالمتعلق تبعا لتعدد السبب ، لأن الأمر المذكور لما كان غيريا لأجل رفع الأثر ، فحيث لا مانع من وحدة الرافع مع تعدد الأثر المرفوع ، أمكن تعدد الأمر الغيري بالرافع الواحد ، تبعا لتعدد الأثر المرتفع به ، لاختلاف نحو الداعوية ، لأن داعوية كل أمر غيري بالمقدمة في طول داعوية الأمر النفسي بذيها ، فمع تعدد الأثر في المقام يتعدد الأمر النفسي بالرفع بتعدد الأثر ، ويترشح من كل أمر أمر غيري بالمقدمة وإن كانت واحدة ، ولا يلزم مع ذلك محذور اجتماع المثلين.

٢٧٧

هذا بناء على كون الأمر الغيري مولويا شرعيا ، وأما بناء على كونه عقليا فالأمر أظهر ، لرجوعه إلى تعدد الأمر النفسي الشرعي برفع الأثر لا غير تبعا لتعدد الأثر. ولعله لذا كان التداخل في الرافع للحدث والخبث مفروغا عنه بين الفقهاء.

٢٧٨

الفصل الثاني

في مفهوم الوصف

وقع الكلام في أن أخذ الوصف في موضوع الحكم هل يدل على إناطته به بحيث ينتفي بانتفائه ـ الراجع لثبوت المفهوم له ـ أو على مجرد ثبوته حينه.

والظاهر عدم اختصاص النزاع بالوصف المعتمد على الموصوف. كما لا يختص بانتفاء الحكم ـ على تقدير القول بالمفهوم ـ عن خصوص الموصوف ، بل يعم انتفاءه عن غيره ، فيدل قولنا : لا تأكل الرمان الحامض على جواز أكل غير الحامض حتى من غير الرمان. لحكاية القول بعموم المفهوم للموردين عن بعضهم ، وظهور عموم بعض أدلتهم على المفهوم لهما. ومجرد وضوح بطلان العموم عند بعضهم لا يكفي في تخصيص محل النزاع. بل قد يتجه تعميم النزاع للوصف بالكناية المعبر عنه بالوصف الضمني ، كما في النبوي : «لئن يمتلئ جوف الرجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا» (١) ، بلحاظ أن امتلاء البطن كناية عن كثرة الشعر ، فلو كان له مفهوم كان مقتضاه الاختصاص بالشعر الكثير. بل مقتضى بعض أدلتهم عموم ملاك النزاع لغير الوصف من القيود ، كالحال والظرف ، كما قد نشير إلى جميع ذلك عند استطراد الأدلة الآتية.

إذا عرفت هذا فلا إشكال في أن مفاد القضية مطلقا جعل الحكم الشخصي المتقوم بتمام ما أخذ فيها من قيود وشروط وخصوصيات أو الحكاية عنه كذلك ، كما تقدم في التنبيه الثاني من تنبيهات مفهوم الشرط ، ولا تتضمن الحكم بنحو أوسع من ذلك.

__________________

(١) بحار الأنوار ج : ٧٩ ص : ٢٩٢.

٢٧٩

إلا أن يخرج بعض الأطراف عن كونه قيدا في القضية ، كالوصف المذكور لبيان حال الموضوع اللازم أو الغالب ، كتقييد الربائب المحرمة في الآية الشريفة بكونها في الحجر. أو تكون خصوصية الطرف ملغية ، بحيث يكون مسوقا لبيان دخل ما هو الأعم منه ، كما لو قيل : إذا كان الرجل كثير الشك أهمل شكه ، وأريد به بيان عدم الاعتناء بشك كثير الشك مطلقا من دون خصوصية الرجل. وكلاهما مخالف لظاهر أخذ العنوان في القضية. ولعله إلى الأول يرجع ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا.

وقد ذكرنا في التنبيه المذكور أن ذلك وحده لا يكفي في الدلالة على المفهوم ، لأن انتفاء الحكم الذي تضمنته القضية بانتفاء بعض أطرافها لا ينافي ثبوت مثله في مورد الانتفاء ، بل لا بد مع ذلك من ظهور القضية في كون الطرف دخيلا في سنخ الحكم بحيث ينتفي بانتفائه.

والظاهر أن الوصف ـ ككثير من القيود المذكورة في القضية من الحال والظرف غيرهما ـ لا ظهور له في ذلك وضعا ولا إطلاقا ، لعدم فهمه من نفس الكلام. من دون أن ينافي ما تقدم من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ، وأن ظاهر العنوان دخله بخصوصيته في الحكم ، لما سبق من أن ذلك إنما هو بالإضافة إلى شخص الحكم لا سنخه.

وحينئذ لا بد في الاستدلال على مفهوم الوصف وغيره من القيود بوجوه أخر لا ترجع إلى كونه مقتضى الوضع أو الإطلاق. وما يمكن الاستدلال به بعد النظر في كلماتهم وجوه ..

الاول : دعوى لزوم اللغوية بدونه ، إذ لو كان الحكم يعمّ حال فقد القيد لم يكن لتكلّف ذكره فائدة. وهو لو تم يجري في غير الوصف من القيود.

نعم ، لا يجري في الوصف غير المعتمد على موصوف ، لأنه يكفي في فائدة ذكره بيان ثبوت الحكم في مورده ، ولا تتوقف على نفيها عن غيره. وإلا

٢٨٠