إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

الْبَيت ) (١) حكم واحد لا كثرة فيه وإن كان المتعلّق ( الناس ) فيه الكثرة لكن الحكم بوحدته بما انّه متعلّق بالناس حجّة على الجميع ، فكلّ فرد وقف على ذلك الحكم ، تتمّ الحجّة عليه لكونه من مصاديق الناس ، ولا حاجة لتكثير الحكم والخطاب حسب تعدد المكلّفين بأن يكون لكلّ فرد من أفراد المكلّفين حكم خاص أو خطاب كذلك.

ويشهد على ذلك الأُمور التالية :

١. قضاء الوجدان ، فانّ من يخاطب الجمع الكثير لإنجاز عمل فإنّما يدعوهم إليه بخطاب واحد ولا يدعو كلّ فرد بخطاب خاص لكفاية وحدة الخطاب مع تعدد المتعلّق مع كون كلّ مكلّف مصداقاً للمتعلّق ومخاطباً به بنفس الخطاب الواحد.

٢. لو صحّ انحلال الخطاب الواحد إلى خطابات في الجمل الإنشائية لصحّ في الجمل الإخبارية ، فإذا أخبر بأنّ القوم جاءوا ، والحال انّه لم يجئ منهم أحد ، فلو قلنا بالانحلال يلزم أن يحكم عليه بأنّه كذب حسب تعدد الأفراد مع أنّه لم يكذب إلا كذبة واحدة.

٣. لو قلنا بانحلال الخطاب يلزم خروج الكفّار والعصاة عن مصبِّ الخطابات ، وذلك لأنّ خطاب العاصي والكافر أمر قبيح لا يصدر من الحكيم ، فانّ من نعلم أنّه يعصي على وجه القطع والجزم لا نطلب منه شيئاً على وجه الجد ، مع أنّ العصاة والكفّار محكومون بالفروع ، كما أنّهم محكومون بالأُصول ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا إنّ الخطاب واحد وهو حجّة على الكلّ سواء أطاع أم خالف ، ولا يشترط في الخطاب القانوني إلا وجود جماعة ينبعثون من بعث المولى أو ينتهون

__________________

١. آل عمران : ٩٧.

٨١

من نهيه ، ولا يشترط انبعاث الكلّ أو انزجارهم.

وقد اشتهرت هذه المقدّمة عن سيّدنا الأُستاذ بأنّه يفرّق بين الخطابات الشخصية والخطابات القانونية ، وانّه لا حاجة في الخطاب القانوني إلى الانحلال في الخطاب والحكم. وعلى هذه المقدّمة تدور رحى النظريّة : اجتماع خطابين عرضيين في وقت واحد.

السادسة : انّ الأحكام غير مقيّدة بالقدرة

المعروف أنّ الأحكام الشرعية مقيّدة عقلاً بالقدرة ، وذلك لأنّ خطاب العاجز أمر قبيح ، بل أمر محال ، إذ لا تنقدح الإرادة في ذهن المولى الذي يعلم بعجز المخاطب.

هذا هو المعروف ، غير أنّ سيدنا الأُستاذ أنكر هذه المقدّمة وذهب إلى أنّه ليس للعقل التصرّف في حكم الغير والشرع غير العقل فلا تكون الأحكام مقيّدة بالقدرة.

فإن قلت : إنّ خطاب العاجز قبيح بل محال فكيف للشارع الأمر به أو الحكم عليه؟

قلت : فرق بين الخطاب القانوني والخطاب الشخصي ، فما ذكرته صحيح في الخطاب الشخصي ، إذ لا يصحّ خطاب العاجز مع العلم بعجزه ، بخلاف الخطابات القانونية فانّ الحكم فيها واحد والكثرة في المتعلّق ، وليس لكلّ فرد حكم وخطاب حتّى يطلب لنفسه التقيّد بالقدرة ، بل خطاب واحد متعلّق بالعنوان وهو حجّة على الجميع.

نعم يشترط في الخطاب القانوني وجود جماعة مستعدّة لامتثال أمر المولى

٨٢

والانتهاء بنهيه حتّى لا يكون جعل الحكم لغواً.

فإن قلت : هذا يدلّ على أنّ الحكم الشرعي غير مقيّد بالقدرة عقلاً ولكن لا مانع من القول بتقيّد الأحكام بالقدرة الشرعية.

قلت : إنّ لازم هذه النظرية هو إجراء البراءة عند الشكّ في القدرة ، لأنّ مرجع الشكّ إلى الشكّ في وجود شرط التكليف ، والأصل عدم وجوده ، مع أنّهم لا يلتزمون بها عند الشكّ في القدرة ، بل الكلّ صائرون إلى القول بالاحتياط مع الشكّ فيها ، ولذلك لو شكّ في الاستطاعة أو بلوغ النتاج ، النصاب وجب الفحص ، ولا تجري البراءة.

السابعة : كلّ من الضدين أمر مقدور

إنّ المأمور به هو كلّ من الضدّين بما هو هو وذلك أمر مقدور ، وأمّا غير المقدور فهو الجمع بين الضدّين وهو ليس بمأمور به ، مثلاً : إذا زالت الشمس وقامت حجّة على إزالة النجاسة عن المسجد وقامت حجّة أُخرى على صلاة الظهر ، فهناك حجّتان تامتان قامتا على العبد كلّ يطلب نفسه ولا يطلب الجمع ، فقيامهما في هذه الحالة كقيام الحجّتين عند طلوع الفجر في شهر رمضان فكلّ حجّة في مفاده سواء أكانتا غير متزاحمتين كما في الصوم والصلاة أو متزاحمتين كما في الإزالة والصلاة.

هذا هو حال الشرع ، وأمّا العقل فإن رأى التكليفين متساويين في الأهمية حكم بالتخيير بين الأمرين ، فيكون في ترك الأمر الآخر معذوراً من دون أن يقيد أحد الأمرين بترك الآخر ، وأمّا لو كان أحدهما أهم من الآخر فيحكم العقل بتقديم الأهم على المهم على نحو لو اشتغل بالأهم يكون في ترك الآخر معذوراً

٨٣

ولو اشتغل بالمهم فقد امتثل أحد التكليفين لكن لا يكون معذوراً في ترك الأهم ، كما أنّه لو ترك اشتغاله بالأهمّ والمهمّ معاً فلا يكون معذوراً في ترك الأمرين.

إذا عرفت هذه المقدّمات السبع ، فقد استنتج قدس‌سره من هذه المقدّمات بقاء الحكمين أو الخطابين على الموضوعين من دون تقييد الأمر بالمهم بالعصيان ، وذلك لما مرّ في المقدّمة الخامسة من أنّ الخطابات الشخصية تختلف عن الخطابات القانونية ، فالخطاب الشخصي ناظر إلى صورة الابتلاء فلا محيص من تقييد الخطاب بالمهم بترك الأهم وعصيانه ، وأمّا الخطابات القانونية فبما انّ الخطاب واحد وهو غير ناظر إلى حالة التزاحم بحكم المقدّمة الرابعة فلا داعي لتقييد امتثال الأمر بالمهم بعصيان الأوّل.

فخرج بهذه النتيجة بقاء الحكمين والخطابين بحالهما عند الابتلاء بالتزاحم غاية الأمر للمكلّف تحصيل العذر في ترك أحدهما ، فلو امتثل الأمر بالأهم فقد حصّل العذر ، وإن امتثل الأمر بالمهم لم يحصّل العذر في ترك الأهم ، وإن عصى كلا الأمرين فلم يحصّل عذراً أبداً.

وبهذا تبين انّ الأهم والمهم نظير المتساويين في أنّ كلّ واحد مأمور به في عرض الآخر ، وهذان الأمران العرضيان فعليّان متعلّقان بعنوانين كلّيين من غير تعرّض لهما لحال التزاحم وعجز المكلّف ، إذ المطاردة التي تحصل في مقام الإتيان لا توجب تقييد الآخرين أو أحدهما أو اشتراطهما أو اشتراط أحدهما بحال عصيان الآخر لا شرعاً ولا عقلاً ، بل تلك المطاردة لا توجب عقلاً إلا المعذورية العقلية في ترك أحد التكليفين حال الاشتغال بالآخر في المتساويين وفي ترك المهم حال اشتغاله بالأهم. (١)

__________________

١. تهذيب الأُصول : ١ / ٣٠٢ ـ ٣١٢.

٨٤

نظرنا في المقدّمات والنتيجة

هذا ما أفاده سيدنا الأُستاذ قدس‌سره ـ شكر اللّه مساعيه ـ ولكنّ لنا في بعض المقدّمات والنتيجة نظراً نطرحه على صعيد البحث؟

١. انّ ما استدلّ على نفي الانحلال بأنّه لو صحّ الانحلال في الإنشاء لصحّ في الإخبار ، ولو صحّ في الإخبار يلزم أن يُحكم على القائل بأنّ النار باردة انّه كذب بعدد وجود النار في العالم ماضية وحاضرة ، غير تام ، وذلك إذ لا ملازمة بين الانحلال وتعدّد الكذب ، لأنّ الثاني من صفات الكلام المتفوَّه به ، فإذا كان ما تفوَّه به كلاماً واحداً وإن كان الموضوع وسيعاً فلا يلزم إلا كذباً واحداً ، فلو جاء القوم ولم يجئ واحد منهم لم يكذب إلا كذباً واحداً ، إذ لم يصدر منه إلا كلام واحد مع وحدة المجلس.

٢. انّ ما أفاده فـي المقـدّمة السادسة بـأنّ الأحكـام الشرعية غير متقيـّدة بالقدرة عقلاً وإلا يلزم تصرّف العقل في حكم الغير ، ولا شرعاً وإلا يلزم إجراء البراءة عند الشكّ في التكليف ، غير تام ، لأنّ موقف العقل في المقام موقـف الكشف لا التصرّف ، فإذا وقف العقل على صفات الشارع يستكشف بما انّه حكيم انّه لا يوجه الحكم إلا إلى القادر لا الأعم منه والعاجز ، فالأحكام الشرعية مقيّدة بالقدرة الشرعية دلّ على ذلك العقل دون أن يتصرّف في حكم الشرع.

ومع الاعتراف بأنّ الأحكام الشرعية مقيّدة بالقدرة فمع الشكّ في القدرة يجب الاحتياط ولا يجوز إجراء البراءة ، لما قلنا في محلّه من أنّ كلّ شرط لا يعلم وجوده وعدمه إلا بالفحص يجب الفحص عنه ، ولذلك يجب التفحّص عن

٨٥

الاستطاعة في الحج ، والنصاب في الزكاة والقدرة في كلّ الأحكام ، وإلا يلزم تعطيل قسم كبير من الأحكام.

هذا كلّه حول بعض ما أفاده في المقدّمات.

وأمّا النتيجة التي استنتجها من هذه المقدّمات فهي مبنيّة على مقدّمتين :

المقدمة الأُولى : الإطلاق هو كون ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع من دون سريان حكمه إلى حالات الموضوع المختلفة.

المقدمة الثانية : انّ الدليل غير ناظر إلى صورة التزاحم.

فنقول : إنّ ما ذكره صحيح في عالم الإثبات دون الثبوت ، والدليل وإن كان غير ناظر إلى حالات المكلّف من الابتلاء والتزاحم إلا انّ المولى يمكنه التفطّن إلى صورة الابتلاء ، وعندئذ نسأل هل يرى المولى نوع المكلّف محكوماً بالحجّتين وملزماً بالعمل بهما أو لا؟ فعلى الأوّل يلزم التكليف بغير المقدور ، وعلى الثاني يلزم رفع اليد عن إحدى الحجّتين تعييناً أو تخييراً.

وإن شئت قلت : إنّ الأحكام الشرعية متقيّدة بالقدرة بالمعنى الذي عرفت ، وعلى ضوء ذلك فلو سئل المولى عن انبساط طلبه وشموله لصورة التزاحم في حقّ نوع المكلّف ، لا شخصه حتّى يقال انّ الخطاب قانوني لا شخصي فامّا أن يجيب بالإثبات لزم الأمر بغير المقدور ، وإن أجاب بالسلب فمعنى هذا انّه رفع يده عن إحدى الحجّتين تعييناً أو تخييراً ، وهذا ما يجرّنا إلى القول بعدم التحفّظ بالأمرين معاً.

والحاصل : انّه قد وقع الخلط بين مقام الإثبات ومقام الثبوت ، فما ذكره صحيح في مقام الإثبات ، فالدليل غير ناظر لصورة التزاحم والخطاب واحد

٨٦

وليس هناك خطابات ، إلا انّ الكلام في مقام الثبوت وتوجّه المولى إلى أنّه ربّما يبتلي نوع المكلّف بالأمرين ، ومن المعلوم أنّ هذا الموقف لا يقبل الإهمال ، فإمّا أن يكون هناك إرادتان وحجّتان على المكلّف من دون رفع اليد عن أحدهما تخييراً أو تعييناً فيلزم الأمر بغير المقدور أو لا يكون إلا إحدى الحجّتين تعييناً أو تخييراً فهو على جانب النقيض ممّا اختاره.

٨٧

الفصل السادس

في جواز الأمر

مع العلم بانتفاء شرطه

هل يجوز أمر الآمر مع علم الآمر بانتفاء شرطه ، أو لا؟

ظاهر العنوان يعرب عن أنّه من فروع مسألة « التكليف بما لا يطاق » فالأشاعرة على الجواز والعدلية على المنع ، وعلى كلّ تقدير ففي مرجع الضمير في قوله « بانتفاء شرطه » وجوه.

الأوّل : انّ الضمير يرجع إلى نفس الأمر ، والمراد من شرط الآمر هو علل وجوده ، فانّ الأمر ظاهرة كونيّة ولكلّ ظاهرة علّة ومن أجزاء العلّة هو الشرط. فيقع الكلام في جواز الأمر مع انتفاء شرط من شرائط علّة وجود الأمر. وأمّا علّة وجود الأمر فهو عبارة عن تصور الشيء ، والتصديق بفائدته ، والشوق المؤكّد إليه ، ودفع موانعه و ....

وعليه يكون المراد من الجواز هو الإمكان الوقوعي ، وأنّه هل يصدر الأمر من الآمر في هذا الظرف أو لا يصدر؟

والجواب هو عدم الجواز ، لأنّ صدور المعلول مع عدم العلّة التامّة أشبه بصدور المعلول بلا علّة ، وهو محال وقوعاً ـ وإن كان بالذات ممكناً ـ وهذا شأن

٨٨

كلّ معلول ممكن بالذات ، ممتنع بعدم وجود علّته ، فيكون ممكناً بالذات ممتنعاً بالغير ، وهذا هو الذي يعبر عنه بالامتناع الوقوعي.

الثاني : انّ الضمير يرجع إلى الأمر مثل الاحتمال الأوّل ، لكن يراد من المرجع نفس الأمر ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه على نحو الاستخدام ، بأن يقال : هل يجوز أمر الآمر مع علم الآمر بانتفاء شرط الفعلية أو شرط التنجز؟ وهذا هو الذي اختاره المحقّق الخراساني وقال : إنّ داعي إنشاء الطلب لا ينحصر بالبعث والتحريك حقيقة وقد يكون صورياً وربما يكون غير ذلك.

ويؤيد ذلك انّ القائلين بالجواز يستدلّون بأمره تعالى إبراهيمَ الخليلَ بذبح ولده إسماعيل مع علمه تعالى بفقدان شرط فعلية الأمر أو تنجّزه ، والشرط هو عدم النسخ ، وقد كان منتفياً والأمر منسوخاً ، وإلى هذا الاحتمال يرجع ما ذكره العلاّمة الطباطبائي في تعليقته على الكفاية من رجوع الضمير إلى الامتثال. أي هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرط الامتثال؟ وهذا التعبير أفضل وأوضح من تعبير المحقّق الخراساني.

وقد سبق منّا القول بأنّ شرط فعلية الأمر هو بيان المولى والمفروض انّه سبحانه بيّن أمره للخليل ، وإنّما المنتفي هو شرط التنجز وهو عدم النسخ فهو شرط تنجز الأمر لا فعليته.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني ذكر انّ هذا الاحتمال يرفع النزاع من البين ويقع التصالح بين الجانبين فالقائل بالجواز يريد من الأمر بالشيء هو الإنشاء الصوري مع عدم بلوغ الأمر إلى مرحلة الفعلية والتنجّز ، كما أنّ القائل بالامتناع يريد من الأمر بالشيء هو الأمر به بعامّة مراتبه حتّى التنجز ، فعندئذ لا نزاع بين النافي والمثبت.

٨٩

الثالث : ما اختاره سيدنا الأُستاذ قدس‌سره وهو انّ المراد الأمر بالشيء مع انتفاء شرائط المأمور به ، كما إذا أمر بالصلاة مع الطهارة وهو يعلم عدم تمكّن المكلّف منها ، ثمّ إنّه قدس‌سره قال بجوازه وذلك مستنداً بما اختاره في البحث السابق من وجود الفرق بين الخطاب الشخصي والخطاب القانوني حيث لا يصحّ توجيه الخطاب الشخصي إلى الفاقد بأن يقول لفاقد الماء والتراب ، صل مع الطهارة.

وأمّا الخطاب القانوني فيصحّ ، وذلك لأنّه ليس خطاباً شخصياً ، بل خطاباً لعامّة المكلّفين ، وهم بين واجد للشرط وفاقد له ، فيصحّ خطاب الجميع بالأمر وإن كان بعضهم فاقداً للشرط ، إذ عند الفقدان تصل النوبة إلى العقل فيعد العاجز معذوراً والواجد غير معذور.

يلاحظ عليه : بأنّ ما ذكره لا ينطبق على المثال الذي طرحه كلّ من النافي والمثبت ، وهو أمر الخليل بذبح إسماعيل مع عدم شرطه ، إذ لم يكن الخطاب في هذا المورد إلا خطاباً شخصياً لا قانونياً.

أضف إلى ذلك ما ذكرناه سابقاً من أنّ الخطابات القانونية وإن كانت غير ناظرة إلى صورة التزاحم أو إلى صورة فقد المكلّف شرط المأمور به ، لكن عدم النظارة يختص بعالم الإثبات فالدليل في مقام الدلالة غير ناظر إلى صورة التزاحم وفقد الشرط.

لكن المولى سبحانه واقف باختلاف المكلّفين من حيث الشروط وأنّهم بين واجد لشرط المكلّف به وفاقد له وعندئذ فهل يبقى خطابه ـ عند التوجه إلى اختلاف المكلّفين في الشرط ـ أو لا؟ فعلى الأوّل عاد محذور التكليف بالمحال وعلى الثاني لا يكون للخطاب القانوني دور في المقام ، لأنّ الخطاب الشخصي أيضاً مثله.

٩٠

ثمرة البحث

تظهر الثمرة في لزوم الكفّارة على من أفطر يوم شهر رمضان مع فقد شرط المأمور به في الواقع ، دون أن يكون المكلّف عالماً به ، كما إذا أفطر ثمّ بدا له السفر قبل الظهر أو مات أو مرض كذلك ، فعلى القول بصحّة التكليف تجب عليه الكفارة بخلاف القول بعدم صحّته ، لفقدان الشرط.

يلاحظ على الثمرة : أنّ الظاهر لزوم الكفّارة مطلقاً ، إذ ليست الكفّارة دائرة مدار وجوب الصوم وعدمه واقعاً حتّى يقال بأنّ المكلّف لم يكن مكلّفاً بالصوم لفقدان الشرط في الواقع به ، بل تدور على الإفطار بلا عذر والمفروض انّه أفطر بلا عذر ثمّ طرأ عليه العذر.

٩١

الفصل السابع

هل الأوامر والنواهي

تتعلّق بالطبائع أو الافراد؟

وقبل الدخول في صلب الموضوع نقدّم أُموراً :

الأوّل : ليس النزاع في الدلالة اللفظية

إنّ النزاع لا يختصّ بالأمر والنهي باللفظ بل يعمّ الأمر بالجملة الخبرية أو النهي بمثلها ، كما يعمّ الأمر والنهي بالإشارة فيقع الكلام في الجميع فيما هو المتعلّق للأمر والنهي.

والذي يعرب عن عمومية محلّ النزاع ما نقل عن السكاكي من اتّفاق علماء العربيّة على أنّ المصدر المجرّد عن اللام والتنوين لا يدلّ إلا على نفس الماهية ، فلو كان النزاع في الدلالة اللفظية لكان اللازم عدم النزاع ، لأنّ المادة في الأمر والنهي هي المصدر المجرّد من اللام والتنوين فلا يدلّ إلا على نفس الماهية ، وهي المتعلّق للأمر ، فيجب على الأُصوليّين الاتّفاق على كون المتعلّق هو الطبيعة ، لكن وجود النزاع يُعرب عن كون محلّه أعمّ من اللفظ والفعل. ومن اللفظ أعم من الإنشاء والإخبار.

٩٢

الثاني : ليس النزاع مبنيّاً على المسائل الفلسفية

إنّ في الفلسفة مسألتين هامّتين لهما تأثيران في سائر المسائل الفلسفية.

١. هل الأصل في الخارج ، والمنشأ للأثر هو الوجود أو حدّ الوجود وهو الماهية؟

وبعبارة أُخرى : هل المحصّل للغرض هو الوجود وتحقّق الشيء أو المحصّل هو الشيء لكن عند التلبّس بالتحقق؟

فربّما يقال بتعلّق الأمر بالفرد على القول الأوّل وبالطبيعة على القول الثاني.

٢. هل الموجود في الخارج هو طبيعي الشيء أو فرده؟ فعلى الأوّل يكون المتعلّق هو الطبيعة ، وعلى الثاني هو الفرد.

يلاحظ على كلا الأمرين : بأنّ المسائل الأُصولية مسائل عرفية ، وبتعبير آخر عقلائية لا صلة لها بالمسائل الفلسفية الدقيقة ، فانّ الحاكم في المسائل الفلسفية هو العقل الدقيق ، ولكن الحاكم في المسائل الأُصولية هو العرف الدقيق.

وعند ذلك لا وجه لابتناء البحوث الأُصولية على البحوث الفلسفية.

وبذلك يعلم أنّ ما أطنب به المحقّق الاصفهاني ( قدّس اللّه نفسه الزكية ) من أنّ النزاع مبني على أنّ الطبيعي بنفسه موجود أو هو موجود بوجود أفراده تبعيد للمسافة وخروج عن طور البحث في المسائل الأُصولية.

الثالث : ما هو المراد من الطبيعة؟

قد تطلق الطبيعة ويراد بها الماهية الحقيقية التي لو وجدت في الخارج لكانت من إحدى الحقائق الكونيّة وتكون داخلة تحت مقولة واحدة كالإنسان

٩٣

الذي هو داخل تحت مقولة الجوهر.

وقد تطلق على العنوان المنتزع من حقائق متعددة داخلة تحت مقولات مختلفة ، كالصلاة التي هي ليست داخلة تحت مقولة من المقولات ، بل هي عنوان منتزع من حقائق متباينة كالقراءة التي هي من مقولة الفعل ، والجهر والمخافتة اللتين هما من مقولة الكيف ، والركوع والسجود اللذين هما من مقولة الوضع ، ولأجل ذلك توصف الصلاة ، بالماهية المخترعة وهي في الحقيقة عنوان منتزع من ماهيات وحقائق متباينة.

الرابع : ما هو المراد من الافراد في عنوان البحث؟

هذا هو بيت القصيد في المقام وهناك احتمالات :

١. المراد من الافراد هو المصاديق الخارجية من أفراد الطبيعة بحيث يتعلّق الأمر أوّلاً وبالذات بنفس الفرد لا على العنوان حتّى يكون مرآة لها.

يلاحظ على ذلك : أنّ الغرض من الأمر هو تحصيل ما ليس بموجود ، ولو تعلّق الأمر بالفرد الخارجي ، يلزم تحصيل الحاصل ، إذ بعد وجود الفرد الذي هو متعلّق الأمر لا معنى للبعث إليه ، فانّ ظرف الفرد بهذا المعنى ظرف سقوط الأمر لا تعلّقه.

٢. أن يراد من الفرد ، المشخّصات الكلّية والضمائم التي لا تنفك الطبيعة عنها فالمتعلّق والضمائم عناوين كلّية يتعلّق بهما الأمر أيضاً ، فبما انّ الطبيعة والمشخّصات عناوين كلّية والمفروض تعلّق الأمر بكليهما ، فيُصبح الفرد الخارجي مصداقاً للواجب بكلتا الحيثيتين : فيكون مصداقاً للطبيعة كما أنّه يكون مصداقاً للضمائم والمشخّصات والأعراض التي لا ينفك عنها.

٩٤

وعلى ضوء هذا فالنزاع في أنّ المأمور به هو الطبيعي بما هو هو أو هو مع المشخّصات والأعراض الكلية.

فمن قال بالأوّل فقد جعل الواجب هو الحيثية الطبيعية ومن قال بالثاني جعل الواجب الحيثيتين الطبيعية والضمائم المقترنة بها.

فإذا فرضنا انّه توضأ بماء حار في البرد القارص ، فهل متعلّق الأمر هو نفس التوضأ بالماء ، أو أنّ متعلّقه هو الضميمة المقترنة بها كحرارة الماء؟ فلو افترضنا انّه قصد القربة في أصل الوضوء دون الوضوء بالماء الحارّ ، فعلى القول بأنّ متعلّقه هو الطبيعة يصحّ وضوؤه دون القول الثاني لأنّه لم يقصد القربة في الضمائم.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي اعترض على تفسير الفرد بهذا المعنى فقال ما هذا لفظه :

إنّ تشخّص الطبيعي بنفس وجوده ، وتشخّص الوجود بذاته ، وأمّا الأُمور الملازمة للوجود الجوهري خارجاًً التي لا تنفك عنه ، كأعراضه من الكم والكيف والأين والوضع وغيرها ، فهي موجودات أُخرى في قبال ذلك الموجود ومباينة له ذاتاً وحقيقة ، ومتشخّصات بنفس ذواتها ، وافراد لطبائع شتّى ، لكلّ منها وجود وماهية فلا يعقل أن تكون الأعراض مشخّصات لذلك الوجود لما عرفت من أنّ الوجود هو نفس التشخّص ، فلا يعقل أن يكون تشخّصه بكمه وكيفه وأينه ووضعه. (١)

يلاحظ عليه : بأنّه خلط بين المصطلحين : مصطلح الفلاسفة وما اصطلح عليه الأُصوليون.

توضيح ذلك : قد كان الرأي السائد قبل الفارابي ( المتوفّى ٣٣٩ هـ ) على أنّ

__________________

١. المحاضرات : ٤ / ١٩.

٩٥

التشخّص بالاعراض وانّ الجواهر تتشخّص بالكم والكيف وسائر الاعراض ، فالإنسان الطبيعي بالبياض والسواد يتميّز عن الآخر ، كما أنّه بطول قامته وقصرها يتميّز عن الآخر وهكذا.

ولكن انقلب الرأي السائد في عصر الفارابي إلى يومنا هذا بأنّ تشخّص الإنسان بوجوده ، ومع قطع النظر عن الوجود فالإنسان كلّي ، وضم كلي ( العرض ) إلى كلي آخر لا يفيد التشخّص ، فإذاً التشخّص الخارجي ، يتحقق بنفس وجود الجوهر فله طبيعة ووجود ، كما أنّ للعرض طبيعة ووجوداً ، فالوجود هو الذي يضفي التشخّص على الجوهر وعلى العرض ، فتعيّن الجوهر بوجوده كما أنّ تعيّن العرض به ولا يتشخّص الجوهر لا بطبيعة العرض ولا بوجوده.

هذا هو مصطلح الفلاسفة المتأخرين عن الفارابي ولكنّ للتشخّص اصطلاحاً آخر عند الأُصوليين وهو مبنيّ على الفهم العرفي ، حيث إنّ تميّز فرد عن فرد آخر عند العرف بعوارضه واعراضه ككون زيد أبيض وأطول من عمرو الذي هو أسود وأقصر ، أو كون زيد ابن فلان وعمرو ابن فلان آخر ، فهذه الاعراض تميّز الجواهر بعضها عن بعض. وكلّ من المصطلحين صحيح في موطنه ، ففي الدقّة العقلية التشخّص مطلقاً بالوجود لا بالاعراض ولكن التشخّص بين الناس إنّما هو بالاعراض ولكل قوم مصطلحهم ومشربهم.

الثالث : ما اختاره سيدنا الأُستاذ قدس‌سره وهو انّ المراد من الافراد هو المصاديق المتصوّرة بنحو الإجمال كما هو الحال في الوضع العام والموضوع له الخاص فيكون معنى « صلّ » أوجد فرد الصلاة ومصداقها ، لا بمعنى انّ الواجب هو الفرد الخارجي أو الذهني بما هو كذلك ، بل ذات الفرد المتصوّر إجمالاً ، فانّ الافراد قابلة للتصوّر إجمالاً قبل وجودها كما انّ الطبيعة قابلة للتصوّر كذلك. (١)

__________________

١. تهذيب الأُصول : ١ / ٣٤٣.

٩٦

دليل القول المختار

إذا عرفت هذه الأُمور فالظاهر انّ المراد من الفرد هو المعنى الثاني ، وعلى ذلك فالأمر يتعلّق بنفس الطبيعة لا بالمشخّصات التي نعبّر عنها بالضمائم أو الجهات الفردية ، ودليله واضح وهو انّ البعث لا يتعلّق إلا بما هو دخيل في غرض المولى ولا يتعلّق بما ليس له دخل فيه ، ومن المعلوم أنّ المؤمِّن لغرض المولى هو نفس الطبيعة مع قطع النظر عن الضمائم والمشخّصات الفردية بحيث لو أمكن أن توجد الطبيعة مجرّدة عن الضمائم والمشخّصات لكان صالحاً للامتثال ، غير أنّ الطبيعة لا تتحقّق في الخارج بلا ضمائم.

أدلّة القول بتعلّقه بالافراد

استدلّ القائل بتعلّق الأوامر بالافراد بأُمور فلسفية غير مفيدة في المقام ، وإليك بيانها ضمن أُمور :

١. انّ الطبيعة ليست موجودة في الخارج وإنّما الموجود هو الفرد ، فكيف يكون ما ليس موجوداً في الخارج متعلقاً بالأمر؟

يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال بما ذكر غفلة عن تفسير قولهم : « الحقّ انّ الطبيعي موجود بوجود أفراده » وذلك لأنّ تحقق الفرد عين تحقّق الطبيعة وهي تتحقّق في ضمن كلّ فرد مع تكثّر الأفراد. فإذا كان في مجلس عشرة أشخاص فهناك طبائع كثيرة حسب تكثّر الأفراد ، فزيد إنسان تام كما أنّ عمرو إنسان تام آخر وهكذا ، والتفصيل في محلّه.

٢. قد اشتهر بين الفلاسفة أنّ الطبيعة بما هي هي ليست إلا هي ، فهي لا موجودة ولا معدومة ، ولا مطلوبة ولا مبغوضة ، فإذا كان هذا مقام الطبيعة وشأنها

٩٧

فكيف تكون متعلّقة للأمر وموضوعاً للبعث؟

يلاحظ عليه : بأنّ الاستدلال بهذه الكلمة المأثورة من الفلاسفة نابع من تفسير خاطئ لها فانّ المراد من سلب الوجود والعدم أو المطلوبية والمبغوضية عن الماهيّة هو عدم كون هذه الأُمور في مرتبة الماهية ، إذ لو كان الوجود أو العدم مأخوذين في مرتبتها لأصبحت واجبة الوجود أو ممتنعة فلا محيص عن توصيف الماهية بالإمكان بمعنى سلب الوجود والعدم عن حدّها وكونهما غير مأخوذين في تلك المرحلة ، وهكذا المطلوبية والمبغوضية فليستا في حد الماهية ، إذ لو كانت الأُولى مأخوذة لما صحّ السلب عنه في ظرف من الظروف ، وهكذا العكس.

ومع هذا الاعتراف تكون الماهية في مرتبة دون حدها موجودة معدومة مطلوبة ومبغوضة.

وإن شئت قلت : إنّ الماهية بالحمل الأوّلي ليست واجدة لهذه الأُمور بشهادة انّ مفهوم الإنسان غير مفاهيم هؤلاء ، وأمّا بالحمل الشائع الصناعي فلا شك انّ الإنسان موجود والعنقاء معدوم والصلاة مطلوبة وشرب الخمر مبغوض.

٣. انّ الطبيعي الصرف لا يقضي حاجة الإنسان وإنّما القاضي لها هو وجوده الخارجي ومعه كيف يكون الطبيعي الصرف متعلقاً للبعث والزجر؟

يلاحظ عليه : بأنّ المستدل خلط بين متعلّق البعث وما هو غاية البعث المفهومة من القرينة ، فالبعث يتعلّق بالطبيعي الصرف من كلّ قيد ولكن الغاية من البعث إليه هو إيجادها ، فإذا قال : إسقني ، فقد بعثه إلى السقي من دون تجاوز الطلب عن السقي إلى شيء آخر لكن الغاية هو إيجادها.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني لما وقف على الاستدلال حاول أن يجيب عنه بالتفريق بين متعلّق الأمر ومتعلّق الطلب ، فقال : إنّ الأمر يتعلّق بالطبيعة وأمّا

٩٨

الطلب فهو يتعلق بوجودها وإليك نصّه ، يقول :

إنّ المراد بتعلّق الأوامر بالطبائع دون الافراد هو انّ الطبائع بوجودها السعي بما هو وجودها ( قبالاً لخصوص الوجود ) متعلّقة للطلب لا أنّها بما هي هي ، كانت متعلّقة لها كما ربما يتوهّم فانّها كذلك ليست إلا هي ، نعم هي كذلك تكون متعلّقة للأمر فانّه طلب الوجود. (١)

يلاحظ عليه : بأنّ كلامه مبني على أنّ الهيئة تدلّ على أخذ الوجود في متعلّق الطلب ، فإذا قال : اسقني ، فمعنى ذلك : اطلب منك وجود السقي ، لكنّه كلام غير تام ، لأنّ الهيئة وضعت للبعث أو الطلب المجرّدين عن الوجود.

فالأولى في الإجابة ما قلنا من أنّ البعث إلى الطبيعة لغاية الإيجاد ، فبما انّ المؤمِّن للغرض هو الوجود فهذا يشكِّل قرينة على أنّ البعث لتلك الغاية.

وربما يجاب عن الإشكال بأنّ الطبيعة تؤخذ مرآة للخارج شأن كلّ المفاهيم فإذا قال : اسقني ، فقد جعل السقي مرآة إلى الحيثية الوجودية والجهة العينية من الطبيعي فيطلب الطبيعي بما هو حاك عن الخارج ومرآة له.

يلاحظ عليه : بما سبق في مبحث الوضع من أنّ الطبيعة لا يمكن أن تكون مرآة إلى الافراد ، لأنّ اللفظ لا يحكي إلا عن معناه ، والمفروض انّ الخصوصيات الفردية خارجة عن الموضوع له ، فكيف تدلّ عليها الطبيعة؟ ومجرّد اتحاد الطبيعة مع المشخّصات الفردية لا يكون سبباً لحكاية الطبيعة عن الملازمات فلابدّ من إرادة المشخّص من لفظ ودالّ آخر ، والمفروض عدمه.

٤. انّ المتلازمين يجب أن يكونا متّحدين في الحكم ، فإذا تعلّق البعث بالطبيعة ، يجب أن يتعلّق بلوازمها وضمائمها.

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

٩٩

يلاحظ عليه : ما مرّ في مبحث وجوب المقدمة من أنّ المتلازمين يجب أن يكونا غير متضادين في الحكم كأن يكون أحدهما واجباً والآخر محرّماً ، أمّا اتحادهما في الحكم فلا.

ثمرة البحث

تظهر ثمرة البحث في موارد نشير إلى موردين :

الأوّل : إذا توضأ في الصيف بماء بارد وقصد القربة في أصل الوضوء لا في الضمائم ، فلو قلنا بتعلّق الأمر بالطبائع يكفي وجود القربة في أصل التوضّؤ بالماء ، وأمّا لو قلنا بتعلّقها مضافاً إلى الطبائع بالافراد أي اللوازم والمقارنات يبطل الوضوء لعدم القربة فيها ، بل الغاية منها هو التبرّد.

الثاني : فيما إذا صلّى في دار مغصوبة فعلى القول بأنّ متعلّق الأمر والنهي هو نفس الطبيعة لا المشخّصات الفردية يكون متعلّق الأمر غير متعلّق النهي ، لأنّ الصلاة تتشخّص تارة بالمباح وأُخرى بالمغصوب والكلّ من الملازمات المتّحدة معها في الوجود فلا يتجاوز الأمر عن متعلّقه إلى ملازماته ومتشخّصاته ، بخلاف ما لو قلنا بتعلّق الأمر بالأفراد حيث تكون الملازمات المتّحدة متعلقة للأمر فيلزم أن يتعلّق الأمر بنفس ما تعلّق به النهي وهو غير جائز.

وأورد عليه المحقّق الخوئي بما هذا حاصله : بأنّ الأمر على كلا القولين تعلّق بالصلاة أو بفرد ما منها ، ولم يتعلق بفرد ما من هذه الطبيعة وفرد ما من الطبائع الأُخرى الملازمة لها في الوجود الخارجي ، وعلى ذلك فالقائل بتعلّق الأمر بالطبائع يدّعي تعلّقه بطبيعة الصلاة مع عدم ملاحظة أيّة خصوصية من الخصوصيات ، والقائل بتعلّقه بالافراد يدّعي انّه تعلّق

١٠٠