إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

وعلى ذلك فالتأويل عبارة عن إرجاع الفعل أو الكلام المبهمين من خلال القرائن الموجودة ، إلى واقعه. وقد استعمل في القرآن المجيد في موارد ثلاثة :

أ. تأويل الفعل

يصف القرآن الكريم ردّ المنازعات إلى اللّه والرسول بقوله : ( أَحسن تأويلاً ) ، ويقول : ( يا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللّه وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُم فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيء فردُّوه إِلى اللّه وإِلى الرسُول إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيْر وَأَحسَن تَأْويلاً ). (١)

أي أحسن مآلاً ، لأنّ في الرجوع إلى اللّه والرسول إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل ، على خلاف الرجوع إلى الجبت والطاغوت.

ومن هذا القبيل وصف الكيل بالعدل والإنصاف بقوله : ( أَحسن تأويلاً ) يقول سبحانه : ( وَأَوفُوا الكَيْل إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالقِسْطاسِ الْمُسْتَقيم ذلِكَ خَيرٌ وَأَحسنُ تأويلاً ) فالمراد أحسن مآلاً لما يترتّب على إجراء العدل في عمليّة الوزن من المصالح والغايات الصحيحة.

فالتأويل في هذه الآيات بمعنى المآل والمرجع بما يترتب عليه من المصالح.

ب. تأويل النوم

قد شاع إضافة التأويل إلى الرؤيا في القرآن الكريم في غير واحد من الآيات نظير :

١. رؤية يوسف سجود أحد عشر كوكباً مع الشمس والقمر له.

__________________

١. النساء : ٥٩.

٧٤١

٢. رؤية أحد مصاحبيه في السجن أنّه يعصر خمراً.

٣. رؤية مصاحبه الآخر أنّه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل منه الطير.

٤. رؤية الملك سبع بقرات سمان وسبع عجاف.

فالتأويل في هذه الموارد عبارة عن إرجاع الرؤيا إلى حقيقتها ، فإنّ الإنسان في الرؤيا الصادقة يرى الواقع نفسه ولكن القوة المتخيّلة إلى حين الانتباه تتصرّف في ما رآه وتتغيّر كيفية الرؤيا وشكلها ، فالتأويل عبارة عن إرجاع الرؤيا إلى أُصولها وجذورها التي كانت عليها.

ج. تأويل المتشابه

قد تعرّفت على أنّ التأويل ربما يوصف به الفعل وأُخرى به الرؤيا وثالثة الكلام ، وليس المراد منه في القرآن الكريم هو صرف الظاهر عن وضعه الأصلي ، وإن ذكره ابن منظور في لسانه ، (١) فقال المراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.

فلو صحّ ما ذكره فإنّما هو مصطلح جديد لا صلة له بالقرآن الكريم فإنّ ظاهر القرآن المستقرّ يستحيل منه العدول إلى معنى آخر ، إذ معنى ذلك أنّ القرآن يشتمل على ما لا يوافق العقل والعلم ، فيُعدل عن الظاهر لرفع التناقض ، سبحان من لايناقض كلامُه حكمَ العقل الحصيف ، والعلم الصحيح ، بل الوحي والعقل والعلم يسيرون جنباً إلى جنب ، وللتأويل في القرآن عند ما يقع وصفاً للكلام معنى آخر وهو الذي نذكره :

التأويل عبارة عن إرجاع الكلام الذي له ظهور بدويّ غير مستقرّ ، إلى

__________________

١. لسان العرب ، ج ١١ ، مادّة أول.

٧٤٢

الظهور النهائي الاستقراري بالإمعان في القرائن المكتنفة بالآية.

وها نحن نذكر نماذج من هذا التأويل الذي هو بمعنى تحقيق ظهور الآية وإنهاء الظهور البدوي إلى الظهور النهائي.

١. إنّه سبحانه يحيط بالظالمين في الدنيا والآخرة إحاطة قيّوميّة ، فيحيط بالإنسان بشراشر وجوده وخصوصياته ، يقول سبحانه : ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَما كُنْتُم ). (١)

ويقول سبحانه : ( ما مِنْ نَجْوى ثَلاثة إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمسة إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثر إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنما كانُوا ثُمَّ يُنبئهُمْ بِما عَمِلُوا يَوم القِيامة ). (٢)

فهاتان الآيتان من الآيات المحكمة تبيّن لنا إحاطة وجوده سبحانه بعامة الممكنات إحاطة قيّوميّة.

ولكنّه سبحانه وتعالى يبيّن تلك الإحاطة القيّومية في مورد الظالم بتشبيه خاص بغية تقريب المراد ويقول : ( إِنّ رَبّك لَبِالْمِرصاد ). (٣)

وما ذلك إلا لأجل تشبيه الإحاطة القيومية بالأمر الحسّي وعند ذلك يعرض التشابه ، وما ذلك إلا لأنّ السلطة الحقيقية عند الناس هي سلطة الصياد بصيده إذا جلس في المرصاد وأخفى نفسه عنه وهو يراه ولا يراه هو ، فالآية لأجل تقريب سلطته الإحاطية إلى الأذهان يستخدم كلمة المرصاد ، وعندئذ يعرض التشابه للآية ، لكن أين سلطته سبحانه على الناس ، من سلطة الصياد على الصيد.

وعلى ضوء ذلك فالآية متشابهة من حيث الظهور البدوي ، ولكن بالإمعان

__________________

١. الحديد : ٤.

٢. المجادلة : ٧.

٣. الفجر : ١٤.

٧٤٣

في نفس الآية ومقارنتها بالآيات الأُخرى يتبيّن أنّ الغرض تشبيه الإحاطة العقلية بالإحاطة الحسّية تقريباً للأذهان ومعاذ اللّه أن تكون إحاطته بالإنسان كإحاطة الصيّاد بصيد.

٢. إنّه سبحانه يريد أن يبيّن عظمته يوم القيامة ، فبيّنها بقوله : ( كَلاّ إِذا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّا * وَجِيئَ يَوْمَئِذ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذ يَتَذَّكَرُ الإِنْسانُ وَأَنّا لَهُ الذِّكْرى ). (١)

وهو بظاهره يفيد ، نسبة المجيء إليه سبحانه وبالتالي جسميته والذي أوقع التشابه فيه ، أي تشابه المراد هو نزول المعارف العقلية العليا إلى موقع الحس واللمس. فإنّ ظهور عظمته وقهره يوم القيامة باندكاك الجبال وظهور جهنّم يعد مجيئاً له.

٣. يقول سبحانه : ( يا إِبْليسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلْقتُ بِيَديَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالِين ) (٢). فأصحاب الأهواء يثبتون له سبحانه يدين جسمانيتين ، أو يقولون لا نعلم كيفيتهما ، ولكنّه لو أُمعن النظر يعلم أنّ التصريح بأنّه سبحانه خلق آدم بيديه كناية عن الاهتمام بخلقة آدم حيث خلقه ونفخ فيه من روحه وعلّمه الأسماء حتّى يتسنّى بذلك ذمّ إبليس على ترك السجود لآدم وأنّه ترك السجود لما قام بخلقته مباشرة وإنّما أتى « باليدين » لأنّ الغالب في عمل الإنسان هو القيام به باستعمال اليد ، يقول : هذا البناء بنيته بيدي ، مع أنّه استعان في عمله هذا بعينه وسمعه وغيرهما من الأعضاء ، وكأنّه سبحانه يندد بالشيطان بأنّك تركت السجود لموجود اهتممتُ بخلقه وصنعه.

٤. قوله سبحانه : ( الرَّحمن على العَرْشِ اسْتَوى ) (٣) في اللغة هو السرير ،

__________________

١. الفجر : ٢١ ـ ٢٣.

٢. ص : ٧٥.

٣. طه : ٥.

٧٤٤

والاستواء عليه هو الجلوس ، غير أنّ هذا حكم مفرداتها ، وأمّا مع الجملة فيتفرع الاستظهار منها ، على القرائن الحافّة بها ، فالعرب الأقحاح لا يفهمون منها سوى العلو والاستيلاء ، وحملها على غير ذلك يعد تصرفاً في الظاهر ، وتأويلاً لها ، فإذا سمع العرب قول القائل :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

أو سمع قول الشاعر :

ولما علونا واستوينا عليهم

تركناهم مرعى لنسر وكاسر

فلا يتبادر إلى أذهانهم سوى العلو والسيطرة والسلطة لا العلو المكاني الذي يعد كمالاً للجسم ، وأين هو من العلو المعنوي الذي هو كمال الذات؟!

وقد جاء استعمال لفظ الاستواء على العرش في سبع آيات (١) مقترناً بذكر فعل من أفعاله ، وهو رفع السماوات بغير عمد ، أو خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيّام ، فكان ذاك قرينة على أنّ المراد منه ليس هو الاستواء المكاني ، بل الاستيلاء والسيطرة على العالم كلّه ، فكما لا شريك له في الخلق والإيجاد لا شريك له أيضاً في التدبير والسلطة ، ولأجل ذلك يقول في ذيل بعض هذه الآيات : ( أَلا لَهُ الخَلق وَالأَمْر تَباركَ اللّه ربّ العالَمين ). (٢)

ولو لم يفسّر الاستواء بما ذكرناه ، يكون ذكر جلوسه على السرير في ثنايا ذكر أفعاله ، بلا مناسبة ، إذ أي نكتة في الإخبار عن جلوسه على سريره ، لو لم يكن كناية عن استيلائه على عالم الخلق والكون.

__________________

١. الأعراف : ٥٤ ، يونس : ٣ ، الرعد : ٢ ، طه : ٥ ، الفرقان : ٥٩ ، السجدة : ٤ ، الحديد : ٤.

٢. الأعراف : ٥٤.

٧٤٥

٣. ما هو المراد من ابتغاء الفتنة؟

إنّ أصحاب القلوب الزائغة لا يريدون الاهتداء بهدى القرآن الكريم ، وإنّما يتبنّون عقيدة أو فكرة أو سلوكاً خاصّاً فيرجعون إلى القرآن بغية الاستدلال عليها ، ولأجل ذلك يأخذون من الآيات المتشابهة ما تؤيد ظهورها المتزلزلة مقاصدَهم ، وإليك نموذجاً :

إنّ روّاد الجبر الذين يتظاهرون به بغية الانحلال الأخلاقي والحرّية في السلوك ، يتمسّكون بقوله سبحانه : ( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدي مَنْ يَشاء ) (١) ويبثّون فكرة الجبر الذي هو بمعنى سلب الاختيار عن الإنسان في مجال الهداية والضلالة والإيمان والكفر والطاعة والعصيان فكأنّ الإنسان ريشة في مهبّ الريح.

غير أنّ الراسخين في العلم يؤوّلون الآية ويرجعونها إلى واقعها المراد ، وهو أنّ الآية بصدد بيان أنّ الفيوض المعنوية والمادّية كلّها بيد اللّه سبحانه ولا يملك الإنسان شيئاً من ذلك ، ولكن لا بمعنى وجود الفوضى في هداية الإنسان وإضلاله وإنّما يتّبعان الأرضية الصالحة التي يكتسبها العبد باختياره ويستحق الهداية أو الضلالة.

وقد صرّح سبحانه في آيات أُخرى بذلك ، يقول سبحانه : ( يُضِلُّ بِهِ كَثَيراً وَيَهْدي بِهِ كَثيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاّ الْفاسِقين ) (٢) ، ويقول : ( إِنّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوم الضّالّين ) (٣). ويقول : ( إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَناب ). (٤)

فهذه الآيات تفسّر لنا إضلال اللّه سبحانه وأنّه جزاء من اللّه سبحانه لمن

__________________

١. النحل : ٩٣.

٢. البقرة : ٢٦.

٣. الأنعام : ١٤٤.

٤. الرعد : ٢٧.

٧٤٦

خرج عن طاعته ( الفاسقون ) وعدّ من الظالمين كما أنّ الهداية جزاء منه سبحانه لمن هو أناب إلى اللّه سبحانه ، فلا يصحّ تفسير هذه الآيات إلا بردّ المتشابه إلى المحكم.

٤. الراسخون في العلم والتأويل

إنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه بشهادة أنّهم راسخون في العلم ، ولو كانوا غير عالمين به لكان الصحيح أن يقول وأمّا الراسخون في الإيمان ، وقد تضافرت الروايات على أنّ أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام هم الراسخون العالمون بتأويل المتشابه. نعم أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام هم المصداق الأوسط لهذا وإلا فالراسخون في العلم هم العلماء المتحلّون بالإيمان ، الذين لا يؤوّلون المتشابه برأي مسبق وإنّما يعوّلون على الآيات المحكمات في تفسير المتشابهات.

إلى هنا تمّ الكلام في المواضع الأربعة ممّا يرجع إلى المحكم والمتشابه.

إكمال :

التأويل في مقابل التنزيل

قد عرفت أنّ تأويل المتشابه إنّما هو إرجاع ظهوره المتزلزل إلى ظهوره المستقرّ على ضوء القرائن الموجودة في الآية وما في الكتاب العزيز من الآيات المحكمات ، وهناك مصطلح آخر للتأويل وهو : التأويل في مقابل التنزيل فللآية تنزيل ، كما أنّ لها تأويل ، فالمصداق الموجود في عصر الوحي تنزيله ، والمصاديق المتحقّقة في الأجيال الآتية تأويله ، وهذا من دلائل سعة آفاق القرآن ، فالقرآن كما يصفه الإمام يجري مجرى الشمس والقمر ، فينتفع منه كلّ جيل في عصره كما ينتفع بالشمس

٧٤٧

والقمر عامّة الناس في عامّة الأجيال ، ولذلك يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « إذا نزلت آية على رجل ثمّ مات ذلك الرجل ، ماتت الآية مات الكتاب! ، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى ». (١)

نموذجان من التأويل في مقابل التنزيل

١. يقول سبحانه : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آية مِنْ رَبِّهِ إِنّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوم هاد ). (٢)

نصّ القرآن الكريم بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشخصه منذر كما نصّ بأنّ لكلّ قوم هاد ، وقد قام النبيّ بتعيين مصداق الهادي في حديثه ، وقال : « أنا المنذر وعليّ الهادي إلى أمري ». (٣)

ولكن المصداق لا ينحصر بعلي عليه‌السلام ، بل الهداة الذين ظهروا عبر الزمان هم المصاديق الجديدة للآية المباركة ، ولذلك نرى الإمام الباقر عليه‌السلام يقول : « رسول اللّه المنذر ، وعلي الهادي ، وكلّ إمام هاد للقرن الّذي هو فيه ». (٤)

فالمتحلّون بحلية الإيمان والعلم ، كلّهم هداة عبر الزمان فالمصاديق المتجددة ، تأويل للقرآن مقابل تنزيله.

٢. يقول سبحانه : ( وَإِنْ نَكَثُوا أَيمانهُمْ مِنْ بَعْد عَهْدِهِم وَطَعَنُوا في دِينكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّة الكُفر إِنَّهُمْ لا أَيمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُون ). (٥)

فتنزيل الآية هو مشركوا قريش وتأويلها هو الناكثون في عهد الإمام

__________________

١. نور الثقلين : ٢ / ٤٨٣ ، ح ٢٢.

٢. الرعد : ٧.

٣. نور الثقلين : ٢ / ٤٨٢.

٤. نور الثقلين : ٢ / ٤٨٥.

٥. التوبة : ١٢.

٧٤٨

علي عليه‌السلام ، ولذلك يقول في حقّهم : « والذي فلق الجنة وبرأ النسمة واصطفى محمّداً بالنبوّة إنّهم لأصحاب هذه الآية ، وما قوتلوا منذ نزلت ». (١)

ومن العجب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سمّى هذا النوع من القتال ـ حسب ما ورد في الرواية ـ تأويلاً في مقابل التنزيل ، فقال مخاطباً عليّاً عليه‌السلام : « تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتَ معي على تنزيله ، ثمّ تُقْتَل شهيداً تخضبّ لحيتُك من دم رأسك ». (٢)

فهذا هو عمّار قاتل في صفّين مرتجزاً بقوله :

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله (٣)

فوصف جهاده في صفين مع القاسطين تأويلاً للقرآن الكريم.

الجري والتطبيق هو التأويل في مقابل التنزيل

إنّ القرآن الكريم ليس كتاباً طائفياً ، بل هو كتاب عالمي نزل لهداية الناس عبر القرون ، ومع ذلك نرى أنّ قسماً كبيراً من الآيات القرآنية فسّرت بأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام حتّى أنّ قوله سبحانه : ( إِهْدِنَا الصِّراط المُسْتَقيم ) في سورة الفاتحة فسر بصراط النبيّ والأئمّة القائمين مقامه.

وهناك من يجهل أهداف هذه الروايات وكيفية تفسيرها للآيات فينسب الشيعة إلى الطائفية. (٤)

__________________

١. نور الثقلين : ٢ / ١٨٩ ؛ البرهان في تفسير القرآن : ٢ / ١٠٦.

٢. بحارالأنوار : ٤٠ / ١ ، الباب ٩١.

٣. الاستيعاب : ٢ / ٤٧٢ ، المطبوع في حاشية الإصابة ؛ مجمع البيان : ١ / ٢٨.

٤. انظر نظرية الإمامة عند الشيعة الاثنا عشرية : ٥٠٤.

٧٤٩

غير أنّ هذه التفاسير تأويل للقرآن بمعنى بيان مصاديقها الواضحة ومعالمها الوسطى ولا تعني اختصاص الآية بهم ، وهذا ما يسمّيه سيد المحقّقين العلاّمة الطباطبائي بالجري والتطبيق.

وهذا هو المراد من أنّ للقرآن بطناً أو بطوناً يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، ومنه ما مضى ومنه ما لم يجئ بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر ». (١)

نحمده سبحانه ونشكره على توفيقه لهذا العبد لتحرير هذه المحاضرات

التي ألقاها شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ في مباحث الألفاظ

وقد لاح بدر تمام هذا الجزء في الثامن من شهر

ذي القعدة الحرام من شهور عام ١٤١٧ هـ

وأرجو من اللّه سبحانه أن يجعل جهدي

ذخراً لآخرتي وسعيي سبباً لنيل رضاه ،

فإنّ ما في الكون يفنى سوى ما كان للّه ، يقول الشاعر :

تأمل في الوجود بعين فكر

ترى الدنيا الدنيّة كالخيال

ومن فيها جميعاً سوف يُفنى

ويبقى وجه ربّك ذو الجلال (٢)

أنا الراجي

محمد حسين الحاج العاملي

عامله اللّه بلطفه الخفي

____________

١. مرآة الأنوار : ٤.

٢. البيتان لمحمد بن أحمد بن عبد اللّه ( المتوفّى ٩٨٨ هـ ) كما في نفح الطيب : ١ / ١٢٠.

٧٥٠

فهرس المحتويات

كلمة الأُستاذ المحاضر....................................................... ٥

كلمة المؤلّف............................................................... ٧

الفصل الخامس

في اقتضاء الأمر بالشيء النهيَ عن ضدّه

المسألة أُصولية ، وهل هي عقلية أو لفظية؟.................................... ٩

الفرق بين الضدّ العام والخاص والمحاور الثلاثة في هذا الفصل................... ١٠

المحور الأوّل : اقتضاء الأمر ، النهي عن الضد العام

الاستدلال علي الدلالة بالدلالات الثلاث.................................... ١١

المحور الثاني : اقتضاء الأمر ، النهي عن الضدّ الخاص

الاستدلال بمسلك المقدمية : ترك الضد مقدمة لفعل الضد..................... ١٤

إنكار المقدمية لوجوه ثلاث................................................ ١٦

٧٥١

الاستدلال بمسلك الملازمة وانّ المتلازمين متساويان في الحكم................... ٢٦

المحور الثالث : في الثمرة الفقهية

بطلان الصلاة علي القول بالاقتضاء وتصحيحها بالملاك تارة وقصد الامر المتعلق بالطبعي ثانيا وتصحيح الامر بالضدين علي نحو الترتب ثالثا.............................................................. ٣٢

الفرق بين التعارض والتزاحم............................................... ٣٦

مرجحات التعارض والتزاحم............................................... ٣٨

الترتب من المسائل التي يكفي في وقوعها امكانها.............................. ٤٠

تقريبات لتصحيح الترتّب

التقريب الأوّل للترتّب ومناقشات المحقق الخراساني واجوبتها................... ٤٣

الاستدلال على امتناع الترتّب لوجهين...................................... ٥٢

التقريب الثاني لتصحيح الترتّب ومناقشته.................................... ٥٦

التقريب الثالث لتصحيح الترتّب ومناقشته................................... ٥٨

التقريب الرابع لتصحيح الترتّب للمحقق البروجردي......................... ٦٠

التقريب الخامس لتصحيح الترتّب للمحقق النائيني ومناقشته................... ٦٢

الفروع الفقهية المترتّبة على صحّة الترتّب.................................... ٧٣

تقريب سيدنا الاستاذ في المقام بتصوير امرين عرضيين ومناقشته................ ٧٨

٧٥٢

الفصل السادس

في جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرطه

ما هو المراد من العنوان وحكم الأوامر الامتحانية؟............................ ٨٩

ما ذكره السيد الأُستاذ في تفسير العنوان..................................... ٩٠

الفصل السابع

في تعلّق الأوامر بالطبائع

ليس النزاع في الدلالة اللفظية كما انه ليس النزاع مبنيّاً على المسائل الفلسفية.... ٩٢

ما هو المراد من الطبيعة والافراد في عنوان البحث؟............................ ٩٣

ادلة القولين وتحليلها....................................................... ٩٧

ثمرة البحث بين القولين.................................................. ١٠٠

بحث اكمالي وهو ان للطبيعة أفراد لا حصص.............................. ١٠٢

الفصل الثامن

بقاء الجواز عند نسخ الوجوب

إمكان بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب...................................... ١٠٦

ما يدلّ على بقاء الجواز بعد امكانه........................................ ١٠٩

٧٥٣

الفصل التاسع

الواجب التخييري

شبهات مثارة حول تصوير الواجب التخييري............................... ١١٣

نظرية المحقّق الخراساني في تفسير الواجب التخييري ومناقشته................. ١١٤

نظرية المحقّق النائيني في تفسير الواجب التخييري ومناقشته.................... ١١٩

نظرية المحقّق الإصفهاني في تفسير الواجب التخييري وتعليله................... ١٢٢

نظرية بعض القدماء وما هو المختار عندنا.................................. ١٢٤

تصحيح التخيير بين الأقل والأكثر........................................ ١٢٧

الفصل العاشر

الواجب الكفائي

النظرية الأُولى في تفسير الواجب الكفائي وتحليلها........................... ١٣٣

النظرية الثانية في تفسير الواجب الكفائي وتحليلها........................... ١٣٨

النظرية الثالثة والرابعة في تفسير الواجب الكفائي........................... ١٣٩

ثمرات البحث بين التفاسير المختلفة للواجب الكفائي........................ ١٤٢

الفصل الحادي عشر

تقسيم الواجب إلى المطلق والمؤقّت

الواجب : مطلق م مؤقت : فوري وغير فوري ، والموقت :

٧٥٤

موسع ومضيق.......................................................... ١٤٦

هل القضاء تابع للأداء أو بأمر جديد؟..................................... ١٤٨

مقتضي الأصل العملي في المسألة.......................................... ١٥١

الفصل الثاني عشر

الأمر بالأمر بفعل

هل بالامر هو أمر بنفس الفعل؟........................................... ١٥٤

ثمرات المسألة........................................................... ١٥٥

إثبات شرعية عبادات الصبي بالعمومات................................... ١٥٨

الفصل الثالث عشر

الأمر بعد الأمر

هل الأمر بعد الأمر تأكيد أو تأسيس...................................... ١٥٩

المقصد الثاني

في النواهي

الفصل الأوّل

مادّة النهي وصيغته

ما هو مفاد الهيئة النهي؟.................................................. ١٦٤

٧٥٥

عدم دلالتها على الدوام.................................................. ١٦٥

الفصل الثاني

في اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد

الفرق بين الاجتماع الآمري والاجتماع المأموري........................... ١٦٦

هل النزاع صغروي أو كبرويّ؟........................................... ١٦٨

ما هو المراد من الواحد في العنوان؟........................................ ١٧٠

ما هو الفرق بين هذه المسالة ومسألة النهي عن العبادة؟..................... ١٧١

المسألة أُصولية وفيه الاشارة الي سائر الاقوال............................... ١٧٤

عموم النزاع لأقسام الأمر والنهي......................................... ١٨٠

لزوم أخذ عنوان المندوحة في النزاع وعدمه................................. ١٨٢

جريان النزاع علي القول بتعلق الاحكام بالطبائع او بالافراد.................. ١٨٦

الفرق بين التعارض والتزاحم............................................. ١٨٧

ثمرات القول في المسالة................................................... ١٩٦

ادلة القائلين بامتناع..................................................... ٢٠٤

أدلة القائلين بجواز الاجتماع.............................................. ٢١١

نظريتنا في المسالة وذكر ما تبتني عليه...................................... ٢٢١

رفع المحاذير في مقام الجعل والمبادئ والامتثال............................... ٢٢٤

الاستدلال علي الجواز بالعبادات المكروهة وافاضة القول فيها................. ٢٣٠

٧٥٦

تنبيهات

التنبيه الاول : في حكم الاضطرار إلى الحرام................................ ٢٤٣

الاضطرار إلى ارتكاب الحرام من غير اختيار................................ ٢٤٤

عبادة المحبوس المضطر.................................................... ٢٤٥

حكم الاضطرار بسوء الاختيار ، حكم الدخول ، حكم الخروج ، حكم العبادة حين الخروج ٢٤٨

التنبيه الثاني : لا تزاحم علي القول بجواز الاجتماع والتزاحم علي القول بالمتنان ٢٦٩

تقديم النهي لوجوه مختلفة ومناقشته........................................ ٢٧٠

دراسة أقسام التوضّؤ بماءين مشتبهين...................................... ٢٨٢

التنبيه الثالث : تعدد الإضافات كتعدّد العناوين أو لا؟...................... ٢٨٦

الفصل الثالث

في كشف النهي عن الفساد

فيه مقامان : المقام الاول كشف النهي في باب العبادات عن الفساد........... ٢٨٧

الفرق بين هذه المسألة ( دلالة النهي علي الفساد ) والمسالة السابقة........... ٢٨٧

المسألة أُصوليّة لا فقهيّة.................................................. ٢٨٩

انقسام النهي إلى تحريمي وتنزيهي ، نفسي وغيري ، اصلي وتبعي وبيان حكمها. ٢٩١

٧٥٧

حكم النهي الإرشادي ، والنهي التخييري.................................. ٢٩٣

تعريف العبادة والمعاملة................................................... ٢٩٤

معنى الصحّة والفساد.................................................... ٢٩٦

هل الصحّة والفساد مجعولان مطلقاً او ليس بمجعولين وفيه تفصيل............ ٢٩٩

ما هو الأصل المعوّل عليه عند الشكّ؟..................................... ٣٠٤

في أقسام تعلّق النهي بالعبادة وبيان حكمها................................. ٣٠٩

المقام الثاني : دلالة النهي على الفساد في المعاملات.......................... ٣٢٣

دليل القول بدلالته علي الفساد........................................... ٣٢٥

الاستدلال بصحيحة زرارة علي الفساد.................................... ٣٢٧

في ملازمة النهي للصحّة عند ابي حنيفة.................................... ٣٣١

فروع فقهية من ثمرات البحث............................................ ٣٣٦

المقصد الثالث

في المفاهيم

وفيه فصول .................................................................

المنطوق والمفهوم من أوصاف المدلول...................................... ٣٤١

تعريف المفهوم.......................................................... ٣٤٢

حصر المداليل في المنطوق والمفهوم......................................... ٣٤٥

٧٥٨

مسلك القدماء والمتأخّرين في استفادة المفهوم................................ ٣٤٨

النزاع صغروي لا كبروي................................................ ٣٥١

ما هو المراد من مفهوم الموافقة؟........................................... ٣٥٢

الفصل الأوّل

مفهوم الشرط

الاستدلال علي دلالة الجملة الشرطية علي المفهوم بالتبادر ، بالانصراف ، التمسك بالاطلاق بالتقريبات الثلاثة ٣٥٥

نظرية المحقق البروجردي في دلالة الجملة الشرطية علي المفهوم ما هو المختار عندنا؟ ٣٦٦

ما هو المختار عندنا؟..................................................... ٣٦٧

تنبيهات

الأوّل : المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم لاشخصه............................. ٣٧١

الثاني : إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء..................................... ٣٧٨

الوجوه الخمسة في رفع التعارض بين مفهوم كل مع منطوق الاخر............ ٣٧٨

التنبيه الثالث : تداخل الأسباب........................................... ٣٨٦

معني التداخل في الاسباب................................................ ٣٨٧

إطلاق الشرط يقتضي عدم التداخل في الاسباب............................ ٣٨٩

إطلاق الجزاء يقتضي التداخل فما هو المرجح لتقديم احدهما علي الاخر........ ٣٩٠

٧٥٩

التفصيل بين كون الأسباب معرفات أو مؤثّرات............................ ٣٩٨

التفصيل بين وحدة الأسباب جنساً وعدمها................................. ٤٠٠

ما هو الاصل المعول عند الشك؟.......................................... ٤٠٣

في تداخل المسببات ومعناه................................................ ٤٠٤

إمكان التداخل ثبوتاً وعدمه.............................................. ٤٠٥

حجّة القائل بعدم التداخل................................................ ٤٠٧

حجّة القائل بالتداخل.................................................... ٤٠٩

الثمرات المترتّبة على القولين.............................................. ٤١٠

السالبة الكلية ومفهومها واختلاف العلمين في مفهوم قوله : اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ٤١٢

الفصل الثاني

مفهوم الوصف

في تعريف مفهوم الوصف وتحديد محل النزاع............................... ٤١٧

أقسام الوصف.......................................................... ٤٢٠

ادلة القائلين بحجية مفهوم الوصف........................................ ٤٢٢

دراسة أدلّة النافي للمفهوم................................................ ٤٢٧

٧٦٠