إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

وأمّا إذا فرض البعثان غير متزاحمين في مقام التأثير ، بل كان تأثير أحدهما عند عدم تأثير الآخر وخلوّ الظرف من المزاحم ، فلا محالة ينقدح في نفس المولى طلب آخر يتعلّق بالضدّ ، إذ الفعل مقدور للمكلّف ، والأمر الأوّل غير باعث ولا داع ، والزمان خال عن الفعل بحيث لولم يشغله المهمّ ، لكان الزمان فارغاً عن الفعل مطلقاً ، فأيّ مانع من طلب المهم عند عدم تأثير الأهم وعدم باعثيته؟

وهذا التقريب جميل في بابه حقيق بالتصديق ، وقد أجال فكره في مجال التطبيق من دون أن يركز على الدقائق العقلية فيرفع التزاحم بجعل الأمرين في رتبتين ، وبالتالي لم تأخذه هيبة الأمر بالمهم وفعليته في ظرف فعلية الأمر بالأهم الذي صار سبباً لذهاب جمع من الأعاظم إلى امتناع الترتب ، منهم المحقّق الخراساني ومنهم سيدنا العلاّمة الحجّة الكوهكمري ، فقد شغلت بالهم فعلية الأمر بالمهم وقالوا بأنّ نتيجة فعلية الأمرين هي طلب الضدّين.

ونزيد بياناً انّ التلاؤم والتضاد ـ يعني الأمرين ـ أمر عرضي ، ومصبهما هو متعلّقات الأوامر ، وقد عرفت أنّ بين المتعلّقين كمال التلاؤم في المجالات الثلاثة ، والمهم هو مقام الامتثال فانّ تقييد أحد الأمرين بالعصيان يوجب التلاؤم بين الامتثالين.

٦١

التقريب الخامس لتصحيح الترتّب

وهناك تقريب خامس قام بتفصيله وتهذيبه وتشييد معالمه المحقّق النائيني آخذاً أصله من المحقّق المجدد الشيرازي ( ١٢٣٠ ـ ١٣١٢ هـ ) ثمّ من تلميذه السيد محمد الفشاركي ( المتوفّى ١٣١٥ هـ ) ( قدس اللّه أسرارهم ) وقد أطال الكلام في المقام ورتّب لإثبات الترتّب مقدّمات خمس ، ونحن نذكر من كلّ مقدمة ملخّصها.

المقدّمة الأُولى : هل الموجب للجمع إطلاق الخطابين أو نفسهما؟

لا إشكال في أنّ الذي يوجب وقوع المكلّف في مضيقة المحال واستلزام التكليف بما لا يطاق إنّما هو إيجاب الجمع بين الضدّين ، وعلى ذلك لا إشكال في سقوط ما هو منشأ إيجاب الجمع ليس إلا ، ولا يمكن سقوط ما لا يوجب ذلك ، وهذان الأمران ممّا لا كلام فيهما ، بل الكلام كلّه في أنّ الموجب لإيجاب الجمع بين الضدّين هل هو نفس الخطابين واجتماعهما وفعليتهما مع وحدة زمان امتثالهما لمكان تحقّق شرطهما؟ أو انّ الموجب لإيجاب الجمع هو إطلاق كلّ من الخطابين لحالتي فعل متعلق الآخر وعدمه.

فلو قلنا بأنّ الموجب لإيجاب الجمع هو إطلاق الخطابين يسقط الإطلاق ويبقى أصل الخطاب ويصحّ الترتب ولو قلنا بأنّ الموجب هو نفس الخطابين واجتماعهما وفعليتهما مع وحدة زمان امتثالهما يسقط الخطابان من رأس وعليه

٦٢

يبتني بطلانه.

ثمّ قال : ومن الغريب ما صدر من الشيخ حيث إنّه أنكر الترتّب في الضدين اللذين يكون أحدهما أهم ، ولكنّه في مبحث التعادل والترجيح التزم بالترتب من الجانبين عند التساوي وفقد المرجّح حيث قال في ذيل قوله : « إنّ الأصل في المتعارضين عدم حجّية أحدهما » ما لفظه :

« لكن لما كان امتثال التكليف بالعمل بكلّ منهما كسائر التكاليف الشرعية والعرفية مشروطاً بالقدرة ، والمفروض انّ كلاً منهما مقدور في حال ترك الآخر وغير مقدور مع إيجاد الآخر ، فكلّ منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه ويتعيّن فعله ، ومع إيجاد الآخر يجوز تركه ولا يعاقب عليه ، فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة أدلّة وجوب الامتثال والعمل بكلّ منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة ، وهذا ممّا تحكم به بديهية العقل كما في كلّ واجبين اجتمعا على المكلّف ولا مانع من تعيين كلّ منهما على المكلّف بمقتضى دليله إلا تعيين الآخر عليه كذلك ». (١)

يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره في تبيين محل النزاع لا غبار عليه ، إنّما الكلام في عزو الترتب من الجانبين إلى الشيخ الأعظم قدس‌سره مع أنّ ما ذكره الشيخ لا صلة له بالترتّب المصطلح في المقام وذلك بالبيان التالي :

ذهب الشيخ إلى أنّ القول بحجّية الأخبار من باب الطريقية يستلزم السقوط وطرح كليهما ، وأمّا على القول بحجّيتها من باب السببية واشتمال العمل بكلّ واحد منهما على مصلحة ، فاللازم هو التخيير بين الخبرين ، وهذا الخطاب التخييري يستفاد من نفس الأمر بالعمل بخبر العادل ، أعني قوله : « صدق العادل » حيث إنّ العمل به في كلّ ، مع الأخذ بالآخر غير ممكن ، فيُقتصر في تقييد

__________________

١. فوائد الأُصول : ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

٦٣

الدليل بتركه حين الأخذ بالآخر ، فالحكم في الدرجة الأُولى هو الأخذ بهما ، ولمّا كان الأخذ بهما محالاً يقتصر في الأخذ بكلّ عند ترك الآخر.

وعندئذ يظهر الفرق بين المقامين ، بوجهين :

الأوّل : انّ التزاحم في مورد الترتّب وإن كان في مرحلة الامتثال لكن لا يعالج التزاحم فيها إلا بالتصرّف في مقام التشريع بتقييد خطاب المهم بعصيان الأهم ، وسيوافيك انّ الترتّب من المسائل التي يلازم إمكانُها وقوعَها ، فالدليلان بإطلاقهما يستلزمان التزاحم في مقام الامتثال ، ولا يعالج إلا بتقييد المهم بعصيان الأهم فيرتفع التزاحم في مقام الامتثال.

وأمّا التعارض في كلام الشيخ فلا يمكن علاجه بالتصرّف في مقام التشريع للعلم بكذب أحدهما ولكن لمّا كان كلّ واحد مشتملاً على المصلحة مع كذب واحد منهما يقتصر في ترك المصلحة ، بالأخذ بالآخر فيختصّ مورد العلاج بمقام الامتثال.

الثاني : انّ الأمر بالمهم في المقام في طول الأمر بالأهم ـ كما سيوافيك تفصيله ـ وهذا بخلاف الترتّب في كلام الشيخ فانّ كلاً من الدليلين في عرض الآخر غير انّه يتخير في العمل بواحد مع ترك الآخر ، فكيف يقاس هذا الترتب بذلك؟

الثانية : الواجب المشروط ( بعد حصول شرطه ) لا ينقلب إلى الواجب المطلق

إنّ الواجب المشروط بعد حصول شرطه لا ينقلب إلى الواجب المطلق ، فالحجّ واجب مشروط في حقّ الفقير والغني ، والمستطيع وغيره حتّى بعد حصول شرطه ، وبنى ذلك على أمرين :

أ. انّ الأحكام الشرعية مجعولة على نهج القضايا الحقيقية ، وهي الحكم على

٦٤

عنوان له مصاديق محققّة ومقدرة وليست من قبيل القضايا الشخصية ، بل هي أحكام كلية.

ب. انّ كلّ شرط موضوع ( وربما يبالغ ويقول : وكل موضوع شرط ) وانّ الاستطاعة إن كانت بظاهرها شرطاً للوجوب لكنّها موضوعة للوجوب وكأنّه سبحانه يقول : الإنسان العاقل البالغ المستطيع يجب عليه الحجّ.

والحكم المجعول على موضوعه ، لا ينقلب عمّا هو عليه ، ولا يخرج الموضوع عن كونه موضوعاً ، ولا الحكم عن كونه مجعولاً على موضوعه ووجود الشرط عبارة عن تحقّق موضوعه خارجاً ، وبتحقّق الموضوع خارجاً لا ينقلب الواجب المجعول من الكيفية التي جعل عليها ولا يوصف بالإطلاق بعد ما كان مشروطاً ، لأنّ انقلابه إلى الإطلاق يستلزم خروج ما فرض كونه موضوعاً عن كونه موضوعاً.

نعم لو كانت الأحكام الشرعية أحكاماً شخصية لصحّ ما ذكر. (١)

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ إرجاع عامّة الشروط إلى الموضوع مخالف لواقع الشروط فانّها حسب الواقع تنقسم إلى أقسام ونكتفي بذكر أقسام ثلاثة :

١. ما يكون قيداً للوجوب ومفاد الهيئة والحكم المنشأ ، المعبِّـر عن الإرادة ، كما إذا كان الشخص غير محب للضيف ولكن لو فاجأه الضيف لم يكن له بدّ من التكريم فيقول لعبده : إذا نزل بك الضيف فأكرمه ، فالوجوب معلّق على نزوله ، ولولاه فلا إرادة ولا وجوب بل ربما تتعلّق به الكراهة.

٢. ما يكون قيداً لمتعلّق الحكم ، كما إذا تعلّقت إرادة المولى على الصلاة في المسجد فيقول : صلّ صلاة الظهر في المسجد فالقيد ظرف للصلاة يجب تحصيله كتحصيلها.

__________________

١. فوائد الأُصول : ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

٦٥

٣. ما يكون قيداً للموضوع ، ككونه إنساناً عاقلاً بالغاً.

فإذا كانت القيود على أقسام ثلاثة فكيف نجعلها قسماً واحداً؟

وثانياً : أنّ ما ذكره من بقاء القضايا الكلية المشروطة على وصفها السابق مبني على القول بعدم انحلالها إلى أحكام جزئية وشخصية لهذا الفرد وذاك الفرد ، وإلا فلو ثبت الانحلال يكون الخطاب الشخصي إلى الفقير مشروطاً بالاستطاعة دون خطابه إلى الغني مطلقاً ، إذ يقبح أن يخاطب الغني السالم بأنّك إذا استطعت فحج ، مع علمنا وعلمه بأنّ المقتضي تام والمانع مفقود.

وثالثاً : أنّ رحى الترتّب لا تدور على بقاء الواجب المشروط بعد حصول شرطه على ما كان عليه ، بل تدور على أن يكون الشرط المأخوذ في موضوع الأمر بالمهم على وجه لا يقتضي طلب الجمع بين الضدّين وإن اقتضى طلب الضدّين. وعلى ذلك فلابدّ من التركيز على أنّ العصيان هل يقتضي طلب الجمع بين الضدين أو يقتضي طلب الضدّين؟ فعلى الأوّل يمتنع الترتّب ، وعلى الثاني يصحّ ، مثلاً لو كان الشرط هو امتثال الأمر الأهم على نحو الشرط المتأخر أي تصوّر الامتثال أو كان الشرط هو التسليم على زيد وافترضنا انّه سلم ، ففي هذا القسم لا ينجع الشرط في صحّة الترتّب ، سواء قلنا بأنّ الواجب المشروط بعد تحقّق شرطه باق على مشروطيته ، أو ينقلب إلى الواجب المطلق ، كما أنّه إذا كان الشرط هو العصيان على نحو الشرط المتأخر فهو نافع في رفع طلب الجمع ، من غير فرق بين بقاء الواجب المشروط بعد حصول شرطه على الشرطية أو لا ، فالواجب التركيز على دراسة واقعية الشرط وانّه هل يمنع عن طلب الجمع أو لا يمنع؟ لا على انقلاب الواجب المشروط إلى المطلق وعدمه.

فالمحقّق النائيني ـ مكان التركيز على هذا الأمر المهم الذي تدور عليه رحى

٦٦

الترتّب ـ ركّز على قضية لا ينتفع بها في الترتب إلا على وجه بعيد كما سيوافيك.

ثمّ إنّ المحقّق النائيني بحث في مقدّمة مستقلة ثالثة عن تقسيم الواجب المضيق إلى قسمين ، وأفاد انّ هذه المقدّمة ليست بمهمة في إثبات الترتّب ، ولأجل ذلك تركناها ونعرّج إلى المقدمة الرابعة في كلامه التي هي مقدّمة ثالثة في كلامنا وقد وصفها بأنّ رحى الترتّب تدور مدارها.

المقدّمة الثالثة : في أنّ الأمر بالمهم في طول الأمر بالأهم

إنّ السبب لوجود الخطاب في صورة خاصة أو في عامّة الصور هو التقييد أو الإطلاق ، فالتقييد آية وجود الخطاب في ظرف خاص ، والإطلاق آية وجود الخطاب في عامة الأحوال.

ثمّ إنّه قدس‌سره قسم الإطلاق إلى أقسام ثلاثة :

الأوّل : الإطلاق والتقييد اللحاظيان.

الثاني : نتيجة الإطلاق والتقييد.

الثالث : الإطلاق الذاتي.

وذكر انّ مصب الأوّل هو الانقسامات الطارئة على المتعلّق قبل تعلّق الحكم ، كتقييد الصلاة بالوضوء أو إطلاقها بالنسبة إلى جميع الأمكنة.

كما أنّ مصبّ الثاني هو الانقسامات اللاحقة بعد تعلّق الحكم كاختصاص وجوب الجهر أو القصر بالعالم دون الجاهل ، أو كاشتراك أحكام اللّه بين العالم والجاهل فانّ التقييد والإطلاق نتيجة دليل ثانوي يفيد الاختصاص أو التعميم ولا يكون الدليل الأوّل متكفلاً لا للاختصاص ولا للتعميم ، لأنّ المفروض انّهما من الأحوال الطارئة بعد تعلّق الحكم.

٦٧

وإنّما المهم في المقام هو الإطلاق الذاتي ، والمراد وجود الخطاب في حالتي الفعل والترك بنفسه وباقتضاء هويته الذاتية ، فالخطاب في قوله « أزل النجاسة » عام يشمل صورة الإزالة وعدمها ، نظير قولك : الإنسان موجود ، فالموضوع ذات الإنسان لا بوصف الوجود ، وإلا لانقلبت النسبة إلى الضرورة ؛ ولا بوصف العدم ، وإلا لانقلبت إلى الامتناع بل الماهية المعراة من كلّ قيد ومنه الوجود والعدم.

وفي المقام يتعلّق الوجوب بذات الإزالة لا بقيد الوجود الذي نعبر عنه بالامتثال ، ولا بقيد العدم الذي نعبر عنه بقيد العصيان ، فينتج انّ خطاب أزل النجاسة محفوظ في حالتي الوجود والعدم والامتثال والعصيان.

هذا كلّه حول الأمر بالأهم ، وأمّا الأمر بالمهم فنلفت نظرك إلى أمرين :

١. ما مرّ في المقدّمة الثانية من أنّ الشرط أي العصيان موضوع في الأمر بالمهم فمرجع قولك : « وإن عصيت فصلّ » إلى قولك : « أيها العاصي صلّ » ، ومن الواضح انّ الحكم لا يتكفّل حال موضوعه من وضع أو رفع ، بل هو حكم على تقدير وجوده ومشروط به.

وبعبارة أُخرى : قولك : « أيّها العاصي صلّ » بمعنى انّه إن وجد العصيان صدفة فصلّ وليس الأمر بالصلاة داعياً إلى إيجاد العصيان ، لأنّ الحكم لا يثبت موضوعه.

إذا عرفت معنى الإطلاق في الأهم أي كونه محفوظاً في حالتي العصيان والامتثال ، وعرفت أنّ العصيان مأخوذ في موضوع الأمر بالمهم من دون أن يكون للأمر دعوة إلى إيجاد موضوعه أي العصيان ، يظهر لك انّ الأمر بالصلاة في طول الأمر بالإزالة وذلك ببيانين :

٦٨

١. انّ مقتضى الإطلاق الذاتي في الأمر بالأهم كونه محفوظاً في حالتي الامتثال والعصيان وداعياً إلى إيجاد متعلّقه في حالة العصيان أيضاً فيكون طارداً للعصيان ورافضاً له من أن يدخل في حوزة الأمر بالأهم.

وأمّا الأمر بالمهم فلا يدعو إلى حفظ العصيان وإثباته وإيجاده ، بل يدعو إلى الأمر بالصلاة لو تحقّق العصيان صدفة وعلى عفو الخاطر وما يشبه ذلك ، فيكون الأمر بالمهم غير مزاحم للأمر بالأهم.

٢. انّ خطاب الأهم في رتبة متقدمة على موضوع خطاب المهم وهو العصيان ، لما عرفت من أنّ العصيان كالطاعة متأخران عن الحكم ، والمفروض انّ العصيان موضوع في الأمر بالمهم فهو مقدّم على حكمه تقدّم الموضوع على حكمه ، فينتج تقدّم خطاب الأهم على خطاب المهم برتبتين.

وإن أردت تصويره فلاحظ العناوين التالية :

الأمر بالأهم علة فهو في رتبة متقدّمة.

العصيان في رتبة الإطاعة التي هي متأخرة عن الأمر.

العصيان موضوع في الأمر المهم وهو متقدّم على حكمه.

فيكون الأمر بالمهم متأخّراً عن الأمر بالأهم برتبتين. (١)

يلاحظ على هذه المقدّمة بطولها التي لخصناها في هذه السطور بوجهين :

الأوّل : انّ الطاعة وإن كانت متأخّرة عن الأمر بالأهم ، لأنّها أثرها ، والأثر كالمعلول يكون متأخّراً عن العلة رتبة ، إلا انّه لا دليل على تأخر العصيان رتبة عن الحكم ، لعدم وجود ملاك المعلولية في العصيان.

__________________

١. فوائد الأُصول : ١ / ٣٥٧ ـ ٣٦١.

٦٩

نعم الطاعة والعصيان متأخران زماناً عن الأمر بالأهم ولكن الكلام في التأخّر الرتبي.

الثاني : انّ التأخّر الرتبي لا ينفع مالم يرفع فساد طلب الجمع بين الفعلين بشهادة انّه لو جعل الشرط في الأمر الثاني امتثال الأمر الأوّل على نحو الشرط المتأخر بأن يقول : « أزل النجاسة إن امتثلت فصلِّ » فلا يرتفع الفساد ، بل يلزم طلب الجمع بين الفعلين مع أنّ الأمر الثاني متأخّر عن الأمر الأوّل برتبتين.

والحاصل انّ التأخّر الرتبي مهما بذلت الجهود على إثباته لا ينجح ، فانّ التزاحم في مقام الامتثال ، والامتثال أمر زماني ولا يرتفع طلب الجمع إلا أن يكون زمان تأثير الأوّل مغايراً لتأثير زمان الثاني على النحو الذي عرفت في تقريب السيد المحقّق البروجردي.

المقدّمة الرابعة : في أنّ الخطاب الترتّبي لا يقتضي الجمع

هذه المقدّمة ـ كما قلنا سابقاً ويفصح عنوانُها ـ سيقت لإثبات أنّ الخطابَ الترتبيّ لا يقتضي إيجابَ الجمع ، وهي تحمل روح الترتّب ولها أهمية خاصة ، وقد فصّل المستدل الكلام في بيان مقصوده ، ونحن نقتصر على ما هو اللازم المؤثر في إثبات المدّعى.

إذا كان أحد الدليلين متعرّضاً لحال الدليل الآخر ، فإمّا أن يكون نفس الخطاب رافعاً أو دافعاً لموضوع الآخر ، وإمّا أن يكون امتثاله.

فإن كان الأوّل فهذا ممّا يوجب عدم اجتماع الخطابين في الفعلية ، ولا يعقل أن يكون كلّ من الخطابين فعليّاً ، لأنّ وجود أحد الخطابين رافع لموضوع الآخر فلا يبقى مجال لفعلية الآخر حتى تقع المزاحمة ، وهذا كما إذا ربح الرجل وكان عليه

٧٠

دين من عام الربح ، فخطاب « أدّ دينك » ، رافع لموضوع خطاب الخمس الوارد في الآية المباركة ، وذلك لأنّ الخمس بعد المؤونة وأداء (١) الدين من المؤونة.

فإن كان الثاني ، أي كان أحد الخطابين بامتثاله رافعاً لموضوع الآخر ، فهذا هو محلّ البحث في الخطاب الترتّبي حيث يتحقّق اجتماع كلّ من الخطابين في الفعلية ، لأنّه مالم يمتثل خطاب الأهمّ لا يرتفع خطاب الآخر لعدم ارتفاع موضوعه بعدُ ، فيجتمع الخطابان في الزمان وفي الفعلية بتحقّق موضوعهما ، فيقع الكلام في أنّ اجتماع مثل هذين الخطابين يوجب إيجاب الجمع أو لا ، والحقّ أنّه لا يوجب لوجوه ثلاثة :

١. لو لزم إيجاب الجمع يلزم المحال في جانب المطلوب ، لأنّ مطلوبية المهمّ ووقوعه على هذه الصفة إنّما يكون في ظرف عصيان الأهم وخلوّ الزمان عنه ، بداهة أنّ ما يكون قيداً للطلب ( فإن عصيت فصلّ ) يكون قيداً للمطلوب ، فيكون الواجب « الصلاة بعد العصيان » ، كالحجّ بعد الاستطاعة ، فلو فرض وقوعه على صفة المطلوبية في حال وجود الأهم وامتثاله ، يلزم الجمع بين النقيضين ، إذ يلزم أن يكون مطلوباً مقيداً بكونه بعد العصيان وفي الوقت نفسه مطلوباً ولو حال عدمه.

٢.لو لزم إيجاب الجمع لزم المحال في ظرف الوجوب ، لأنّ خطاب الأهمّ يكون من علل عدم خطاب المهم لاقتضائه رفع موضوعه ، فلو اجتمع خطاب الأهم والمهم وصار المهمّ في عرض خطاب الأهمّ كما هو لازم إيجاب الجمع لكان من قبيل اجتماع الشيء مع علّة عدمه.

٣. البرهان المنطقي أيضاً يقتضي عدم إيجاب الجمع فانّ الخطاب الترتبي

__________________

١. الوسائل : الجزء ٦ ، الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

٧١

بمنزلة المنفصلة المانعة الجمع ، بين النسبة الطلبيّة في جانب المهمّ والنسبة الفاعليّة في جانب الأهم ، فصورة القضية هكذا : إمّا أن يكون الشخص فاعلاً للأهم ، وإمّا أن يجب عليه المهم ومعه كيف يعقل إيجاب الجمع. (١)

يلاحظ على الوجه الأوّل ، منع كون العصيان قيداً للطلب والمطلوب ، وإنّما هو قيد للطلب دون المطلوب بشهادة أنّه لو تمكّن عن طريق الإعجاز الجمع بين الأهم والمهمّ لوقع المهمّ على وصف المطلوبية فما يظهر منه قدس‌سره من عدم كون المهم مطلوباً في غير صورة العصيان كما ترى.

وعلى الثاني ، أنّ ما ذكره من أنّ خطاب الأهم من علل عدم خطاب المهمّ لاقتضائه رفع موضوعه. لا يوافق جعل المقام من القسم الثاني ، أي كون أحد الخطابين بامتثاله رافعاً لموضوع الآخر ، فكيف يصحّ أن يقول إنّ خطاب الأهم من علل عدم خطاب المهم لاقتضائه رفع موضوعه.

والحقّ أن يقال : إنّ المحقّق النائيني أتعب نفسه الشريفة في ترتيب هذه المقدّمات لتصحيح الترتّب ، لكن تصحيحه واستنباطه ، لا يتوقّف على هذه المقدّمات المفصّلة ، وكان في وسعه أن يرد من أقصر الطرق وأسهلها كما عرفت منّا. شكر اللّه مساعي علمائنا.

__________________

١. فوائد الأُصول : ١ / ٣٥٧ ـ ٣٦١.

٧٢

ثمرات بحث الترتّب :

الفروع الفقهية المترتّبة على صحّة الترتّب

إنّ أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه ، ونحن إذا راجعنا الفقه نرى أنّ هناك أحكاماً شرعية أفتى بها العلماء ، ولا يصحّ الإفتاء بها إلا على القول بصحّة الترتّب ، وإليك بعض ما عثرنا عليه أو ذكره غيرنا :

١. المسألة المعروفة ، أعني : ما إذا رأى المكلّف نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة ، فلا شكّ أنّه تجب المبادرة إلى إزالتها قبل أن يصلي مع سعة الوقت ، ومع الضيق يقدّم الصلاة ، ولكن لو ترك الإزالة مع سعة الوقت واشتغل بالصلاة عصى ، لأنّه ترك الأهمّ ، وإنّما الكلام في صحّة صلاته ، فتحكم بالصحّة على الترتّب. (١)

٢. إذا كان بدن المكلّف أو ثوبه نجساً ، ومن جانب آخر كان محدثاً وليس عنده من الماء إلا بقدر أحد الأمرين : رفع الحدث أو الخبث. فبما أنّ لرفع الحدث بدلاً وهو التيمّم ، يجب استعمال الماء في رفع الخبث ، فصار رفع الخبث أهمّ ، ورفع الحدث هو المهم. فلو عصى واستعمل الماء في رفع الحدث بالتوضّؤ أو الاغتسال ، فصحّتهما مبنيّة على القول بالترتّب ، أي توجّه الأمر إلى رفع الحدث

__________________

١. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الطهارة ، فصل « يشترط في صحّة الصلاة ... » المسألة الرابعة.

٧٣

عند العزم على عصيان الأمر بالأهم. (١)

٣. إذا كانت وظيفة المكلّف التيمّم لضيق الوقت عن استعمال الماء ، ومع ذلك خالف فتوضّأ أو اغتسل ، فصحّة الوضوء أو الغسل مبنية على صحّة الترتّب أو الاكتفاء بالملاك. (٢)

٤. إذا كان وضوء الزوجة مفوِّتاً لحقّ الزوج ، مع سعة الوقت فتوضأت ، فصحّة وضوئها مبنيّة على صحّة الترتّب ، أو القول بكفاية الملاك ، كما هو الحال في عامة المسائل. (٣)

٥. لو انحصر ماء الوضوء بما يوجد في الآنية المغصوبة ، فإن اغترف منها مرّة واحدة ـ لأجل التوضّؤ ـ ما يكفيه للوضوء ، فيجب عليه الوضوء ، وإن عصى في الاغتراف ، ولا صلة للصحّة هنا بالترتّب ، لسقوط النهي عن الاغتراف بالعصيان ، وأمّا إذا كان بناؤه على الاغتراف تدريجياً ، فاغترف مرّة ما يكفيه لغسل الوجه ، فصحّة وضوئه بهذا الشكل ـ بأن يغترف مرّة أُخرى بعد غسل الوجه ، لغَسْل اليمنى ثمّ اليسرى ـ مبنية على صحّة الترتّب ، فانّ القدرة على كلّ غسلة من غسلات الوضوء حاصلة عند كلّ غسلة بالعصيان بالتصرّف في الآنية المغصوبة. (٤)

ونظيره الاغتراف من آنية الذهب أو الفضّة ، وليست القدرة الفعلية على

__________________

١. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الطهارة ، فصل في التيمم ومسوغاته ، في ذيل المسألة ٢٢.

٢. المصدر السابق ، المسألة ٢٩.

٣. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الطهارة ، شرائط الوضوء ، المسألة ٣٦.

٤. لاحظ فوائد الأُصول : ١ / ٣٧٨.

٧٤

مجموع العمل قبل الشروع فيه شرطاً ، بـل تكفي القدرة عنـد كلّ جزء من أجزائـه.

٦. إذا توقّف حفظ نفس محترمة على ترك الصلاة أو قطعها ، فلو عصى واشتغل بالصلاة ، مبتدأ بها أو مستمرّاً فيها ، فالصحّة مبنية على صحّة الترتّب أو القول بكفاية الملاك. (١)

٧. إذا كان المكلّف في حال الصلاة فسلّم عليه شخص ، وجب عليه ردّ السلام ، ولو عصى واستمرّ في الصلاة ، صحّت لمكان الأمر الترتبي. (٢)

٨. لو شرع في اليومية مع سعة وقتها ، ثمّ ظهر له ضيق وقت صلاة الآية ، يجب عليه قطعها والاشتغال بصلاة الآية ، فلو لم يقطعها واستمرّ في الصلاة ، فالصحّة مبنية على القول بالترتّب أو كفاية الملاك. (٣)

ومثله كلّ صلاة موسّعة عارضت صلاة مضيّقة ، كالنافلة في وقت الفريضة مع ضيق وقتها.

٩. إذا وجب السفر في شهر رمضان بإيجاب أهم من صومه ، كسفر الحجّ ، فلو عصى ولم يسافر توجّه إليه الأمر بالصوم بحيث لو أفطر وجبت عليه الكفّارة ، كما يجب عليه الإتمام ولا يصحّ منه القصر ، فكأنّ المولى يقول : « سافر ، وأفطر ، وقصّر ، ولو عصيت فصم وأتمم ». (٤)

__________________

١. لاحظ العروة الوثقى ، فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً ، المسألة ٤.

٢. لاحظ العروة الوثقى ، فصل في مبطلات الصلاة ، المسألة ١٦.

٣. العروة الوثقى ، فصل في صلاة الآيات ، المسألة ١٢.

٤. لاحظ فوائد الأُصول : ١ / ٣٥٧ ، وأجود التقريرات : ١ / ٣٠٢.

٧٥

١٠. إذا زاحم الصوم ، حفظ نفس الغير أو عرضه أو زاحمه حفظ مال أهمّ في نظر الشارع من الصوم ، ومع ذلك صام ، فالصحّة مبنية على أحد الأمرين الترتّب أو القول بكفاية الملاك. (١)

١١. إذا كان اعتكاف الزوجة منافياً لحقّ الزوج ، أو اعتكاف المستأجر منافياً لحقّ الأجير ، فلو خالف وصام واعتكف ، فتصحيح العبادة بأحد الأمرين كما مرّ. (٢)

١٢. إذا كان عليه خمس من عام الربح الماضي ، وكان عليه دين حال ، فيقدّم الدين على الخمس ، فلو خالف ولم يؤدّ الدين يمكن القول بوجوب الخمس مترتّباً على العصيان. (٣)

١٣. لو صلّى العصر قبل الظهر في الوقت المشترك نسياناً فلا مانع من الإتيان بالظهر في الوقت المختصّ بالعصر.

فلو ترك الإتيان بالظهر في هذا الوقت واشتغل بصلاة أُخرى قضاءً فيمكن أن يقال إنّ اشتغال الذمّة بالواجب الفوريّ ـ أعني : صلاة الظهر ـ لا ينافي صحّة عبادة أُخرى مضادّة له بناء على تعلّق الأمر بالموسّع ـ أعني : صلاة القضاء ـ فعلاً أيضاً على الترتّب. (٤)

١٤. لو فرضت حرمة الإقامة على المسافر من أوّل الفجر إلى الزوال ، فلو

__________________

١. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الصوم ، فصل في شرائط صحّة الصوم ، في ذيل قوله : « الشرط السادس ».

٢. لاحظ العروة الوثقى ، كتاب الاعتكاف ، فصل : يشترط في صحّته أُمور : السابع.

٣. لاحظ فوائد الأُصول : ١ / ٣٥٨.

٤. كتاب الصلاة للحائري اليزدي : ١٦.

٧٦

فرض أنّه عصى هذا الخطاب وأقام ، فلا إشكال في أنّه يجب عليه الصوم ويكون مخاطباً به ، فيكون في الآن الأوّل الحقيقي من الفجر قد توجّه إليه كلّ من حرمة الإقامة ووجوب الصوم ولكن مترتّباً ، فيكون وجوب الصوم أو وجوب التمام مترتّباً على عصيان حرمة الإقامة. وكأنّه يقول : تحرم لك الإقامة ، وإن عصيت بنيّة الإقامة ، فصُم واتمم.

١٥. لو فرض وجوب الإقامة على المسافر من أوّل الزوال ، فلو عصى ولم ينو الإقامة وجب عليه القصر وإفطار الصوم ، وكأنّه يقول : أقم وإن عصيت فقصّر وأفطر. (١)

__________________

١. فوائد الأُصول : ١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

٧٧

خاتمة المطاف

نظرية

الأمر بالأهم والمهم عرضاً لا بنحو الترتّب

إنّ سيّدنا الأُستاذ الإمام الخميني قدس‌سره لمّا لم يرتض بالترتّب على النحو الذي أقام دعائمه المحقّق النائيني ، سلك مسلكاً آخر في تصحيح الأمر بالمهم مع الأمر بالأهم.

وحاصل النظرية : عبارة عن حفظ الأمر على الموضوعين بلا تقييد المهم بالعصيان ، وذلك بترتيب مقدّمات مفصّلة ، نذكر ملخّصاً منها :

الأُولى : الأحكام تتعلّق بالطبائع

إنّ الأحكام الشرعية تتعلّق بنفس العناوين الكلّية ، لا بها مع سائر الخصوصيات ، فانّ الطبيعي في الخارج لا ينفك عن الزمان والمكان وسائر الملابسات ، لكن المأمور به نفس الصلاة لا ضمائمها الكلّية ، وهكذا النواهي ، وذلك لأنّ المحصِّل للغرض هو نفس وجود الطبيعة دون الضمائم وإن كانت الطبيعة لا تنفك عنها.

وبذلك يُعلم أنّ مراد القائل بتعلّق الأحكام بالأفراد ليس هو المصاديق

٧٨

الخارجية ، بل الضمائم والمشخّصات الكلّية ، فالوجوب في الصلاة يتعلّق بنفس الطبيعة لا بملازماتها ، كالصلاة في المساجد والبيوت والشوارع ؛ وقس على ذلك ، النواهي.

الثانية : الإطلاق : كون الطبيعة تمام موضوع الحكم

إنّ الإطلاق عبارة عن كون الطبيعة تمام الموضوع للحكم ، ففي قولنا : اعتق رقبة « الرقبة » مطلق ومرسل عن القيد باسم المؤمنة ، فهي تمام الموضوع ، بخلاف المقيّد ، فالمطلق فيها جزء الموضوع.

وأمّا تفسير الإطلاق بلحاظ سريان الطبيعة في أفرادها وأصنافها بأن يلاحظ المولى الرقبة في ضمن المؤمنة والكافرة والعادلة والفاسقة وهكذا فليس بتام ، فما ربّما يفسر الإطلاق بكون الرقبة واجبة سواء أكانت مؤمنة أم كافرة وهكذا ، فهو إطلاق لحاظي غير ثابت ولا دليل عليه ، إذ يكفي بالاحتجاج بالمطلق جعله تمام الموضوع من دون لحاظ سيلانه أو سريانه في أصنافه ومصاديقه.

الثالثة : انّ الدليل غير ناظر لحال التزاحم

إذا تعلّق الحكم بنفس الإزالة فالمقنن في حال التقنين لا يلاحظ زمان تزاحمه بالصلاة وغيرها ، وذلك لأنّ الحكم المتعلّق بالصلاة متأخّر عن الحكم بوجوب الإزالة بمرحلتين ، وما يتأخّر عن الشيء بمرحلتين ، لا يصحّ أن يكون الحكم ناظراً إليه ، وذلك لأنّ الحكم بالإزالة متقدّم على تطبيق الحكم على الصعيد العملي ، أعني : مقام الامتثال ، كما هو متقدّم على حدوث التزاحم بينه وبين سائر الواجبات ، فيكون الحكم بالإزالة متقدّماً على التزاحم برتبتين ، فكيف يكون ناظراً لحال ما يتأخّر عنه برتبتين؟

٧٩

أضف إلى ذلك انّ الأمر بالإزالة مشتمل على الهيئة والمادة ، والهيئة تدلّ على الوجوب والمادة على الطبيعة فليس هناك دالّ على صورة التزاحم.

الرابعة : ليس للحكم إلا مرحلتان

المعروف أنّ للحكم الشرعي مراتب أربعة :

الف : مرحلة الاقتضاء ، وهي مرحلة المصالح والمفاسد المقتضية لإنشاء الحكم.

ب : مرحلة الإنشاء ، وهي إنشاء الحكم على وفق المصالح والمفاسد بالإيجاب في الأُولى والنهي في الثانية.

ج : مرحلة الفعلية : وهي مرحلة بيان الحكم على المناهج المعروفة سابقاً ولاحقاً.

د : مرحلة التنجّز : وهي قيام الحجّة عند المكلّف على حكم المولى.

لكنّه قدس‌سره أنكر كون الأُولى والرابعة من مراحل الحكم ، قائلاً : بأنّ مرحلة الاقتضاء من مقدّمات الحكم لا نفسه ، كما أنّ مرحلة التنجّز مرحلة متأخّرة عن الحكم ، وهو حكم العقل بتنجّز الحكم على المكلّف وأثره استحقاق الثواب والعقاب ولا صلة للتنجّز بالحكم.

الخامسة : الخطاب الشرعي خطاب قانوني واحد

إنّ الخطابات الشرعية بل الأحكام مطلقاً ـ سواء أكان هناك خطاب أم لا ـ خطاب أو حكم واحد ، وهو بوحدته حجّة على عامّة المكلّفين ، فالحكم أو الخطاب واحد ، والمتعلّق كثير ، مثلاً ، قوله سبحانه : ( وَللّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ

٨٠