إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

الفصل الرابع عشر

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

هل يجوز تخصيص الكتاب العزيز بالخبر الواحد أو لا؟ وقد اختلفت فيه كلمتهم كما سيوافيك بعد ما اتّفقت كلمتهم في الأُمور التالية :

١. تخصيص الكتاب بالكتاب.

٢. تخصيص الكتاب بالسنّة المتواترة.

٣. تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المحفوف بالقرينة المفيد للعلم.

٤. تفسير مجملات الكتاب كالصلاة والزكاة والصوم بخبر الواحد ، فإنّ أجزاء العبادات تتبيّن بالخبر الواحد.

ولم يخالف في ذلك أحد ، إذ لا يعد التفسير للإجمال مخالفاً للقرآن ولا معارضاً له.

هذا ما اتفّقوا عليه ، نعم اختلفوا في تخصيص الكتاب بالخبر الواحد العاري من القرينة ، نظير الأمثلة التالية :

١. ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) حيث تخصّص « حلية وراء ذلكم » بما ورد من أنّ المرأة لا تزوّج على عمتها وخالتها إلا بإذنهما.

__________________

١. النساء : ٢٤.

٦٢١

٢. ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن ) (١) حيث خصّصت بأنّه لا ميراث للقاتل. (٢)

٣. ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٣) حيث خصصت بما دلّ على جواز الربا بين الوالد والولد ، والزوج والزوجة.

هذا والمسألة لها جذور في تاريخ أُصول الفقه ، وقد تضاربت أقوالهم في هذا الصدد.

فذهب إلى المنع الأقطاب الثلاثة من أصحابنا ، أعني : السيد المرتضى والشيخ الطوسي والمحقّق الحلي.

١. قال السيد المرتضى : والذي نذهب إليه أنّ أخبار الآحاد لا يجوز تخصيص العموم بها على كلّ حال ، وقد كان جائزاً أن يتعبّدنا اللّه تعالى بذلك فيكون واجباً غير أنّه ما تُعبدنا به. (٤)

٢. وقال الشيخ الطوسي : والذي أذهب إليه انّه لا يجوز تخصيص العموم بها على كلّ حال ، سواء خصّ بدليل متّصل أو منفصل أو لم يخص. (٥)

٣. وقال المحقّق الحلي : يجوز تخصيص العموم المقطوع به بخبر الواحد ، وأنكر ذلك الشيخ أبو جعفر ، ثمّ ذكر دليل المجيز بأنّهما دليلان تعارضا فيجب العمل بالخاص منهما لبطلان ما عداه من الأقسام. وأجاب عنه بأنّه لانسلّم انّ

__________________

١. النساء : ١١.

٢. الوسائل : ١٧ ، باب ٧ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١.

٣. البقرة : ٢٧٥.

٤. الذريعة إلى أُصول الشريعة : ١ / ٢٨٠.

٥. عدّة الأُصول : ١ / ١٣٥.

٦٢٢

خبر الواحد دليل على الإطلاق ، لأنّ الدلالة على العمل به الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة ، فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به. (١)

والمشهور بين المتأخرين هو الجواز حتّى استدلّ سيد مشايخنا المحقّق البروجردي قدس‌سره بوجود السيرة المستمرة في جميع الأعصار عليه ، وانّه لولاه لما قام للمسلمين فقه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب.

ومع ذلك فالمسألة ذات أقوال :

١. المنع ، كما عرفت من الأقطاب الثلاثة.

٢. الجواز ، كما عرفت من ادّعاء السيرة على التخصيص.

٣. التفصيل بين عام خُصّص بدليل قطعي ، فيخصص بالخبر الواحد أيضاً ، وغيره.

٤. التوقّف في المسألة. (٢)

استدلّ المحقّق الخراساني للجواز بوجهين :

١. جرت سيرة الأصحاب على العمل بالأخبار الآحاد ، في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمّة عليهم‌السلام واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة ، واضح البطلان. (٣)

٢. لولا جواز التخصيص لزم إلغاء الخبر بالمرّة أو ما بحكمه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب ـ لو سلم وجود مالم يكن كذلك ـ.

يلاحظ على الأوّل : أنّ ما ادّعاه من السيرة على تخصيص الكتاب بخبر

__________________

١. المعارج : ٤٦.

٢. لاحظ للوقوف على الآراء كتاب الفصول : ٢١٤.

٣. الكفاية : ١ / ٣٦٦.

٦٢٣

الواحد غير ثابت ، لما عرفت من مخالفة الأقطاب الثلاثة ، ـ مضافاً ـ إلى أنّ هناك من القدماء من يمنع حجّية الواحد مطلقاً ، مخصّصاً كان للكتاب أو لا ، والقدر المتيقن من السيرة ، هو أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن ، وقد كانت في العصور الأُولى محفوفة.

ولأجل توفّر القرائن في عصر القدماء ، قسّموا الحديث إلى قسمين معتبر وغير معتبر ، فما أيّدته القرائن الداخلية كوثاقة الراوي ، أو الخارجية كوجوده في أصل معتبر ثابت انتسابه إلى جماعة كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار ، فهو صحيح ـ أي معتبر ـ يجوز الاستناد إليه ، والفاقد لكلتا المزيتين غير صحيح بمعنى انّه لايمكن الركون إليه.

وإنّما آل التقسيم الثنائي إلى الرباعي لأجل ضياع القرائن بضياع الأُصول. (١)

يلاحظ على الثاني : بأنّ كثيراً من أخبار الآحاد يرجع إلى تفسير مبهمات القرآن ومجملاته ، وقد عرفت أنّ حجّية خبر الواحد في هذا الباب خارج عن محط النزاع.

فإن قلت : إنّ ما ورد ، حول النجاسات والمحرّمات ينافي قوله سبحانه : ( هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم ما فِي الأرضِ جَمِيعاً ). (٢)

قلت : لا منافاة بين مفاد الآية وبين ما دلّ على كون شيء نجساً أو محرّماً ، وذلك لأنّ المراد من الآية الانتفاع بنحو من الأنحاء ، لا خصوص الأكل والشرب ، حتّى يكون دليلاً على المخالفة. هذا دليل المجوزين ، ولندرس دليل المانعين.

__________________

١. لاحظ : كليات في علم الرجال : ٥٩.

٢. البقرة : ٢٩.

٦٢٤

حجّة المانعين من التخصيص

احتجّ المانع بوجوه :

١. انّ الكتاب قطعي السند ، والخبر ظني السند ، والظنّي لا يعارض القطعي ، ولا ترفع اليد عن القطعي به.

وأجاب عنه المحقّق الخراساني بما هذا توضيحه : بأنّ التعارض ليس بين السندين ، حتّى يقال بأنّ الظني لا يعارض القطعي وإنّما الدوران بين دلالة الكتاب ( أصالة العموم ) ودليل حجّية الخبر ، فأمّا أن تُرفع اليد عن دلالة الكتاب أو دليل حجّية خبر الواحد ، كآية النبأ وغيرها ، والمتعيّن هو الأوّل ، لأنّ الخبر بدلالته وسنده صالح للتصرّف في دلالة الكتاب ، حيث إنّ اعتبار الأصل المذكور موقوف على عدم قرينة على خلافه ، والمفروض انّ الخبر يصلح لأن يكون قرينة ، فترفع اليد عنها به.

وإنّما قلنا : انّ دلالة الكتاب موقوفة على عدم ورود قرينة على الخلاف لما عرفت من أنّ السنّة الإلهية جرت على بيان الأحكام تدريجاً ، لا دفعيّاً ، وعلى ضوئه لا مانع من ورود العموم والإطلاق في الكتاب ، وورود مخصصه ومقيّده في السنّة.

وإلى هذا الجواب يشير المحقّق البروجردي ويقول : إنّ التصرف ليس في السند بل في العموم وأصالة العموم ظنية ، فرفع اليد عن العموم به ، رفع لليد عن الدليل الظني بالدليل الظني الأقوى ، للسيرة العقلائية.

ومراده قدس‌سره من كون دلالة الكتاب ظنيّاً ، هو كون عمومات الكتاب وإطلاقاته في مظنة التخصيص والتقييد لا كون كلّ الكتاب ظنّياً ، وسيوافيك شرحه عند البحث في حجّية الظواهر.

٦٢٥

٢. انّ دليل حجّية الخبر هو الإجماع والقدر المتيقن منه هو غير هذا المورد.

يلاحظ عليه : أنّ الدليل على حجّية الخبر الواحد ، ليس هو الإجماع ، بل الدليل هو السيرة العقلائية الجارية على الأخذ بالخبر الواحد ، سواء أكان في مقابله دليل قطعي أو لا ، مضافاً إلى سيرة الأصحاب الجارية على تخصيص الكتاب بالخبر الواحد.

٣. لو جاز التخصيص بالخبر الواحد ، لجاز نسخ الكتاب به لكونهما مشتركين في أصل التخصيص ويختلفان في أنّ النسخ تخصيص في الأزمان ، والآخر تخصيص في الأفراد.

يلاحظ عليه : بأنّ القياس مع الفارق ، فانّ النسخ رفع الحكم من رأس بخلاف الآخر ، فانّه بمعنى إخراج بعض الأفراد عن حكم الآية ، ولذلك اتّفق المسلمون على عدم جواز نسخ الكتاب بالخبر الواحد ، حفظاً لكرامة القرآن وصيانته عن تطرق الأهواء إليه ، بخلاف التخصيص فانّه أمر ذائع شائع فكم فرق بين قولنا : لا ميراث للقائل المخصص لقوله ( للذَّكرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن ) (١) فهو مخرج للقائل عن تحت العموم ، وبين نسخ حلية المتعة ، الواردة في قوله سبحانه : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة ) (٢) بخبر الواحد الذي يدّعيه أهل السنّة فهو بمنزلة رفع الحكم من رأس.

٤. الأخبار الدالّة على طرح الخبر المخالف للقرآن ، والخبر المخصص مخالف له فينتج لزوم طرحه ، لا الأخذ ثمّ تخصيص الكتاب به وإن شئت ان تصبّه في قالب الشكل الأوّل تقول : الخبر المخصّص للكتاب ، مخالف للكتاب ، وكلّ خبر مخالف للكتاب ليس بحجّة ، ينتج : الخبر المخصّص للكتاب ، ليس بحجّة.

__________________

١. النساء : ١١.

٢. النساء : ٢٤.

٦٢٦

أقول : الروايات الواردة حول كون الحديث موافقاً للكتاب أو مخالفاً له ، تُدرس في مقامين :

١. في باب جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، بحجّة انّ المخصص مخالف أو ليس بموافق.

٢. في باب حجّية خبر الواحد ، حيث يستدلّ المانع بهذه الروايات على عدم حجّية الخبر الواحد ، مخصصاً كان أو لا.

واعلم أنّ هذه الروايات ليست على صنف واحد ، بل على أصناف أربعة ، والمهم هو الصنف الثالث ، أعني : ما يدلّ على عدم حجّية المخالف للكتاب بناء على أنّ المخصص مخالف ، وإليك بيان الأصناف إجمالاً.

الأوّل : ما لا يعترف بحجّية الخبر الواحد ، إلا إذا كان موافقاً للكتاب ، أو كان له شاهد أو شاهدان منه ، نظير ما رواه أيوب بن راشد عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال : « ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ». (١)

وهذا الصنف من الروايات ، لا يمكن الأخذ بظاهرها ، إذ معنى ذلك ، إلغاء حجّية الخبر الواحد من رأس ، والمفروض حجّيته وإنّما الكلام في سعتها وضيقها ، وهي محمولة على مورد العقائد حيث إنّ الغلاة يروون أحاديث في مقامات الأنبياء والأولياء حسب أهوائهم ، فلم يكن في علاجها محيص عن عرضها على الكتاب لتُعلم صحّة الرواية وفسادها.

وأمّا الروايات الواردة حول الأحكام فيؤخذ بها وإن لم تكن موافقة ، غاية الأمر يجب أن لا تكون مخالفة له ، وأمّا الوارد في العقائد والأُصول خصوصاً فيما

__________________

١. الوسائل : ١٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٢ ، ولاحظ الحديث ١١ ، ١٤ ، ١٨ ، ٣٧ ، ٤٧ من هذا الباب.

٦٢٧

يرجع إلى مقامات الأولياء ، فالشرط هو الموافقة ، لا عدم المخالفة حتّى يتميّز الصحيح عن غيره.

الثاني : ما ورد في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الآخر ، وانّه يطرح المخالف ، نقتصر على رواية واحدة :

روى الكليني عن العالم عليه‌السلام يقول : « اعرضوهما على كتاب اللّه عزّوجل فما وافق كتاب اللّه عزّوجل ، فخذوه وما خالف كتاب اللّه فدعوه ». (١)

وهذا القسم من الأحاديث لا صلة له بالمقام ، لأنّ الكلام في الخبر غير المعارض ، فلو عدّ عدم المخالفة في الخبرين المتعارضين مرجّحاً فلا يكون دليلاً على اشتراطه في غيره.

الثالث : ما يُركِّز على المخالف المجرّد عن التعارض.

روى الكليني بسنده عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه‌السلام يقول : « من خالف كتاب اللّه وسنّة محمد فقد كفر ». (٢)

الرابع : ما يشترط الموافقة وعدم المخالفة معاً ، وقد ورد بهذا العنوان روايات ربّما تناهز ثلاثاً ، نقتصر على رواية واحدة :

روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ على كلّ حق حقيقة ، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فدعوه ». (٣)

__________________

١. الوسائل : ١٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٩. ولاحظ الحديث : ١ ، ١٠ ، ٢١ ، ٢٩ وغيرهما.

٢. الوسائل : ١٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٦.

٣. الوسائل : ١٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠. ولاحظ أيضاً الحديث : ١٥ ، ٣٥.

٦٢٨

ولا يذهب عليك أنّ أحد الملاكين في الصنف الرابع خاص ( كونه موافقاً للكتاب ) والآخر عام ( عدم كونه مخالفاً ) فالأوّل رهن وجود مضمون الحديث في الكتاب ، وأمّا الثاني فيكفي عدم المخالفة ، سواء أكان موافقاً كما إذا كان المضمون موجوداً ، أم لم يكن موافقاً وفي الوقت نفسه لم يكن مخالفاً كما إذا لم يكن مضمونه وارداً في الكتاب ، مثلاً ما دلّ على عدم جواز الصلاة في عرق الجنب عن حرام ليس موافقاً للكتاب ومع ذلك ليس مخالفاً أيضاً ، ولعلّ العرف يأخذ بالملاك الأعم ، لأنّ الأخص موجود في الأعم ، فالميزان هو عدم المخالفة ، فعندئذ يرجع الصنف الرابع إلى الصنف الثالث. وتكون النتيجة عدم حجّية الخبر المخالف للكتاب والمفروض انّ المخصص مخالف للكتاب.

إلى هنا تمّ تقرير دليل الخصم.

يلاحظ عليه : بأنّ الروايات الناهية عن الأخذ بالخبر المخالف يفسر بأحد وجهين :

الأوّل : أنّها محمولة على التباين الكلّي بأن يكون الحديث مخالفاً للكتاب تماماً ، وذلك لأنّ المخالفة على نحو العموم والخصوص ليست مخالفة في دائرة التقنين والتشريع ، بشهادة انّه يجوز تخصيص الكتاب بالسنّة المتواترة ، والسنّة المحفوفة بالقرائن ، فلو كانت المخالفة تعمّ هذا القسم يجب أن لايخصّص الكتاب بالسنّة أبداً ، لأنّ لسان هذه الروايات آب عن التخصيص.

فإن قلت : حمل هذه الروايات على الخبر المباين يوجب حملها على الفرد النادر ، لعدم وجود الخبر المباين في الروايات ، فيكون الكلام بعيداً عن البلاغة.

قلت : إنّ علماءنا الأبرار بذلوا جهوداً جبارة في تهذيب أحاديث الشيعة عن الموضوعات ، فلا تجد المباين في الجوامع الحديثية إلا نادراً ، وإلا فقبل دورة

٦٢٩

التهذيب كانت الروايات المتباينة غير عزيزة.

الثاني : حمل روايات المقام على صورة التعارض

ويحتمل أن يكون المراد من ترك الخبر المخالف للكتاب هو صورة تعارضه مع الخبر الآخر وإن كان يؤخذ به عند عدم التعارض ويخصّص به القرآن.

والذي يقودنا إلى هذا الحمل ، هو انّ المخالف المطرود في الخبرين المتعارضين أعمّ من التباين والعموم والخصوص المطلق ، فلو حمل ما ورد على ترك المخالف في الصنف الثالث على المبائن يلزم التفريق في لسان الروايات في البابين ، وهذا ما يبعثنا بحمل روايات المقام على باب التعارض ، ويكون المراد من المخالف هو الأعمّ من التباين والعموم والخصوص لكن يختصّ عدم حجّية المخالف بصورة التعارض دون انفراده.

٦٣٠

الفصل الخامس عشر

في حالات العام والخاص

الهدف من عقد هذا الفصل بيان حالات العام والخاص من التخصيص والنسخ وانتهى كلام صاحب الكفاية فيه إلى البحث عن النسخ والبداء ، فصارت مادة البحث في هذا الفصل ممزوجة من المسائل الأُصولية والقرآنية والكلاميّة ونحن نقتفيه حسب تناسب المقام.

الأوّل : في دوران الأمر بين التخصيص والنسخ

إنّ للخاص والعام حالات مختلفة ، حسب تقدّم أحدهما على الآخر ووروده قبل حضور وقت العمل بالآخر أو بعده ، والصورة المتصوّرة لا تخرج عن ست صور :

الأُولى : ورود الخاص والعام متقارنين

إذا ورد الخاص والعام متقارنين ، سواء كانا في كلام واحد على وجه لا ينعقد للكلام ظهور أصلاً ، كما إذا قال : أكرم العلماء إلا زيداً ، أو ينعقد الظهور ، لكن ظهوراً غير مستقر ، إذ جاء المخصّص في آخر كلامه بصورة مستقلة ، والحال انّه لم يفرغ بعدُ من كلامه ومقصده ، فلا شكّ انّه يحمل على التخصيص بلا كلام.

٦٣١

الثانية : ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام

إذا ورد الخاص بعد العام وقبل حضور وقت العمل به ؛ كما إذا قال المولى يوم السبت : أكرم العلماء يوم الجمعة ، وقال يوم الأربعاء : لا تكرم فسّاقهم يوم الجمعة ، فيكون أيضاً مخصصاً ، لا ناسخاً.

وجه ذلك : انّ النسخ عبارة عن رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر على وجه لولاه لكان ثابتاً ، وهو فرع ثبوت الحكم للموضوع جداً ، في برهة من الزمان ثمّ رفعه ، ولذلك قالوا : إنّ النسخ تخصّص في الأزمان ، بمعنى انّه مانع عن استمرار الحكم بعد ثبوته شرعاً ، لا عن أصل ثبوته ، كما أنّ هذا معنى قولهم : النسخ عبارة عن حضور الناسخ بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ.

وإن شئت قلت : إذا تعلّقت الإرادة الجدية بأصل التكليف ولو في برهة من الزمان ، وكان الدليل ظاهراً في الاستمرار ، فورد الناسخ بعد العمل بالتكليف في قسم من الزمان ، يكون الدليل الثاني ناسخاً ، لكونه مانعاً عن استمرار التكليف لا عن أصله.

وأمّا الخاص الوارد قبل حضور وقت العمل ، يكون مانعاً عن أصل التكليف وكاشفاً عن عدم تعلّق الإرادة الجدية به من أوّل الأمر ، فهو إخراج فرد ، أو عنوان عن كونه محكوماً بحكم العام من أوّل الأمر ، ولذلك يشترط وروده قبل وقت العمل بالعام لئلاّ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

الثالثة : ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام

إذا ورد الخاص متأخراً عن العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالعام ، كما

٦٣٢

إذا ورد العام في الكتاب والسنّة والخاص في لسان الأئمة ، مثل قوله سبحانه : ( فلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُم ) (١) وورد الخاص في لسان الإمام الصادق عليه‌السلام حيث قال : « لا ترث النساء عن عقار الدور شيئاً » (٢) ، فمقتضى القاعدة كون الخاص ناسخاً لا مخصصاً ، لكنّه لا يخلو عن محذورين.

الأوّل : إجماع الأُمّة على أنّ النسخ مختص بعصر الرسول وإنّ ما لم ينسخ فهو باق مستمر إلى يوم القيامة.

الثاني : انّ الخاص في الروايات الصادرة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام كثيرة ، فجعل هذه الروايات من قبيل النسخ مالا يلتزم به أحد.

وعلى هذين الوجهين لا يكون مثل هذا النوع من الخاص ، ناسخاً ، لكن عدّه مخصصاً أيضاً مشكل لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فإذا كان الحكم في مورد الخاص كالعقار في إرث الزوجة غير متعلّق للإرادة الجدية وكانت النساء محرومة من الإرث فيه ، لماذا تأخر البيان في عصر الرسالة إلى أوائل القرن الثاني.

والحاصل : انّ عدّه ناسخاً أو مخصّصاً مقرون بالإشكال.

نظرية الشيخ الأعظم في المقام

لو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فلا محيص عن كونه ناسخاً لا مخصّصاً لئلاّ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا أُحرز كون العام وارداً لبيان الحكم الواقعي ، وإلا لكان الخاص أيضاً مخصِّصاً له ، كما هو الحال في

__________________

١. النساء : ١٢.

٢. الوسائل : ١٧ ، الباب ٦ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٧.

٦٣٣

غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات.

وجهه : أنّه لو كان المولى بصدد بيان الحكم الواقعي ، لم يجز له تأخير البيان عن وقت العمل ، فإذا شاهدنا التأخّر فلا مناص عن جعله ناسخاً ، أي من قبيل ارتفاع الحكم من زمان ورود الخاص وكان الحكم الواقعي إلى زمان ورود الخاص هو العام ، فلم يكن هناك إلقاء في المفسدة وتفويت للمصلحة.

وأمّا إذا كان المولى بصدد بيان الحكم الظاهري دون بيان الحكم الواقعي ، فيكون الناس مكلّفين بالحكم الظاهري دون الواقعي ما لم يصل إليهم الخاص ، فإذا وصل ارتفع الحكم الظاهري بارتفاع موضوعه ، وتصل النوبة إلى العمل بالحكم الواقعي ويكون الخاص مخصّصاً غير متأخّر عن وقت الحاجة.

نظريتنا في المسألة

ولكن الظاهر هو القول بالتخصيص مطلقاً من غير تفصيل ، وذلك لأنّ المصلحة أوجبت بيان الأحكام تدريجاً فالأحكام كلّها كانت مشرّعة في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نازلة عليه ، غير أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيـّن ما بيـّن ، وأودع مالم يُبيّن ـ إمّا لعدم استعداد في المجتمع أو لعدم وجود الفرصة للبيان ، أو لوجود المصلحة في تأخيره ـ عند أوصيائه الأئمة المعصومين عليهم‌السلام بعده ، وليس تأخير البيان أمراًقبيحاً بالذات حتى لا يُغيّر حكمه وإنّما هو بالنسبة إلى القبح كالمقتضي نظير الكذب ، فلو كان هناك مصلحة غالبة كنجاة المؤمن كان أمراً حسناً. هذا هوالحقّ الذي يدركه من سبر حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمجتمع الإسلامي.

فأقصى ما في تأخير البيان وقوع المكلّف في المشقّة ، أو تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة ، وكلّها هيّنة إذا اقتضت المصلحة الكبرى تأخير البيان.

٦٣٤

الرابعة : ورود العام قبل حضور وقت العمل بالخاص

إذا ورد العام بعد الخاص وقبل حضور وقت العمل به ، كما إذا قال : لا تكرم العالم الفاسق في شهر رمضان ثمّ أمر بإكرام العلماء قبل دخول الشهر ، ففي هذه الصورة يتعيّن كون الخاص المتقدّم مخصِّصاً للعام المتأخّر ، ولا وجه للنسخ لما عرفت من عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل. أضف إلى ذلك ما سبق من أنّه يلزم لغوية حكم الخاص في المقام وهو لا يصدر من الحكيم العالم بعواقب الأُمور.

الخامسة : ورود العام بعد حضور وقت العمل بالخاص

تلك الصورة ولكن ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، أي بعد حضور زمان يمكن العمل به ، فهل الخاص المتقدّم مخصّص للعام المتأخّر ، أو العام المتأخّر ناسخ للخاص المتقدّم؟ وليست هذه الصورة كالمتقدّمة ، إذ لا تلزم لغوية الخاص من القول بناسخية العام. والثمرة بين القولين واضحة ، فعلى الأوّل يعمل بالخاص في خصوص مورده ، وعلى الثاني ينتهي أمد حكم الخاص ويجب العمل بالعام في الفاسق والعادل.

قال المحقّق الخراساني : الأظهر أن يكون الخاص مخصِّصاً لكثرة التخصيص حتى اشتهر ما من عام إلاّ وقد خصّ مع قلّة النسخ في الأحكام جدّاً ، وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام ولو بإطلاقه أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع. (١)

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٧١.

٦٣٥

السادسة : إذا حصل تردّد بين ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ، وقبل حضوره ، قال المحقّق الخراساني : الوجه هو الرجوع إلى الأُصول العملية. (١)

يلاحظ عليه : أنّه لا يترتّب على كلا القولين أثر في مقام العمل فإنّ الواجب في المقام هو العمل بالخاص في المستقبل ، سواء أكان ناسخاً للعام أم مخصّصاً ، لافتراض أنّه لوكان ناسخاً فإنّما يكون ناسخاً في مورده الخاص لا في الأعمّ منه.

بخلاف الصورة الخامسة فإنّ الثمرة موجودة في كون الخاص مخصّصاً ، أو العام ناسخاً. فعلى الأوّل يكون ملاك العمل في المستقبل هو الخاص بخلاف الثاني فإنّه يكون ملاك العمل عندئذ هو العام.

وهناك صورة سابعة وهو الجهل بأحوال الدليلين على وجه الإطلاق من كونهما متقارنين أو متأخرين ولم يعلم المتقدّم ولا المتأخّر ، ولا كيفيتهما.

وبما أنّ المتعيّن في جميع الصور السابقة هو التخصيص ، فيكون حكمه أيضاً هو التخصيص لعدم خروجها عنها. فلاحظ.

تمّ الكلام في الأمر الأوّل ، وإليك الكلام في الأمرين الآخرين :

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٧١.

٦٣٦

الأمر الثاني

النسخ

قد عرفت أنّ في هذا الفصل أُموراً ثلاثة ، وقد تمّ الكلام في الأمر الأوّل ، فلنأخذ الأمر الثاني بالبحث وهو النسخ ، ويقع الكلام في أُمور :

الأوّل : النسخ لغة واصطلاحاً

النسخ لغة هو إبطال شيء وإقامة شيء آخر مقامه.

يقال : نسخت الشمسُ الظلَّ أي أذهبتْه وحلّتْ محلَّه ، وانتسخ الشيبُ الشبابَ ، والتناسخ في الفرائض والمواريث أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يُقسَّم ، وكذلك تناسخ الأزمنة والقرون بعد القرون الماضية.

وربما يقال : أصل النسخ : الإبدال من الشيء غيره ، ولعلّه بهذا المعنى نسختُ الكتابَ أي استنسخته.

وعلى هذا يكون إمّا مشتركاً لفظيّاً بين الإبطال والإبدال ، أو مشتركاً معنوياً بتصوير جامع بينهما.

وأمّا اصطلاحاً فهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخّر على وجه لولاه لكان سائداً ، وعرّفه الطبرسي بقوله : « كلّ دليل شرعي دلّ على أنّ مثل الحكم الثابت بالنص الأوّل ، غير ثابت في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتاً بالنصّ الأوّل مع تراخيه عنه ».

ولا تخفى وجازة التعريف الأوّل.

٦٣٧

الثاني : في إمكان جواز النسخ عقلاً أو شرعاً

النسخ عندنا جائز عقلاً ، واقع سمعاً ، وأدلّ دليل على جوازه وقوعه في الشريعة الإسلامية فانّها نسخت شيئاً من الأحكام الواردة في الشرائع السابقة ، كما أنّ كلّ شريعة سماوية نسخت شيئاً ممّا ورد في سابقتها ، مثلاً : جاء في التوراة : إنّ اللّه تعالى قال لنوح عليه‌السلام عند خروجه من الفلك انّي جعلت كلّ دابة مأكلاً لك ولذريتك وأطلقت لذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه » (١) مع أنّه سبحانه حرّم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيراً من اللحوم.

ويظهر إمكان النسخ من خلال اختلاف المقتضيات الزمانية والمكانية ، فربما يكون حكماً صالحاً في ظروف معينة ، فإذا تغيرت لم يصر ذلك الحكم صالحاً في تلك الظروف ، بل لابدّ من تغيّره أيضاً.

نعم الأحكام المتناغمة مع الفطرة الإنسانية لا تتغيّر مادامت الفطرة الإنسانية.

وبالجملة إمكان النسخ ووقوعه أمر لا ريب فيه غير أنّ اليهود ذهبت إلى امتناعه إمّا عقلاً وشرعاً ، أو شرعاً فقط.

وقد نقل الرازي في تفسيره استدلالهم بشكل مبسوط ، ونحن نلخّص كلامه :

إنّ الدليل لا يخلو من حالات ثلاث : إمّا أن يدلّ على الدوام ، أو يدلّ على خلافه ، أو لايدلّ على أحدهما.

أمّا الأوّل فيلزم من نسخه كذب الخبر الأوّل.

وأمّا الثاني فهذا لا يعدّ نسخاً ، لأنّ المفروض انّ الأمر الأوّل كان مؤقتاً.

__________________

١. سفر التكوين ، الاصحاح التاسع ، الآية ٣.

٦٣٨

وأمّا الثالث فبما انّ امتثال الأمر مرة واحدة مسقط ، فليس هناك دليل على لزوم امتثاله في المرة الثانية حتّى يكون الدليل الثاني ناسخاً. (١)

يلاحظ عليه : أنّ هناك قسماً رابعاً وهو ظهور الدليل في الدوام لا كونه نصاً فيه ، فإذا جاء الناسخ فيكشف عن عدم صحّة ظهور الدليل الأوّل وانّ ما فهم من استمرار الحكم ودوامه كان فهماً خاطئاً ومصب النسخ هو هذا القسم ، وإلا فما نص عليه بالدوام أو بالانقطاع أو يكون مهملاً من حيث الدوام وعدمه ، إمّا يستحيل نسخه لاستلزامه الكذب كما في القسم الأوّل ، أو يستغني عن النسخ كما في القسمين الأخيرين وذلك إمّا ارتفاعه : بانتهاء غايته ، أو عدم ظهوره في الاستمرار ، حتّى يرتفع وإنّما النسخ فيما إذا كان الدليل حسب الظاهر ظاهراً في الاستمرار ، قابلاً للدوام ، فيكون الدليل الثاني ناسخاً له ، رافعاً للحكم حسب الظاهر وإن كان في الواقع كاشفاً عن انتهاء أمد الحكم.

ولذلك يقول الأُصوليون النسخ رفع حسب الظاهر ، وأمّا في الواقع فهو دفع وإعلام بانتهاء الحكم.

الثالث : الفرق بين النسخ والتخصيص

لا شكّ انّ النسخ والتخصيص يشتركان في تضييق دائرة الحكم لكن النسخ تخصيص في الأزمان ، أي مانع من استمرار الحكم بعد النسخ لا عن ثبوته قبله ، بخلاف الثاني فانّه تخصيص في الأفراد ، أي مانع من شمول الحكم لبعض أفراد العام منذ أوّل الأمر.

وبذلك يعلم أنّه يشترط في النسخ ورود الناسخ بعد حضور العمل

__________________

١. تفسير مفاتيح الغيب : ٣ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ بتلخيص منّا.

٦٣٩

بالمنسوخ بفترة قصيرة أو طويلة ، وأمّا التخصيص فيشترط وروده قبل حضور وقت العمل بالحكم ، وإلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح.

وبذلك يعلم أنّ أمره سبحانه تبارك وتعالى بذبح إسماعيل والمنع عنه قبل ذبحه ليس من مقولة النسخ ، لما علمت من أنّ النسخ عبارة عن قطع استمرار الحكم ، وهو رهن العمل به ، ولو مدة قصيرة. يقول سبحانه : ( فَلَما بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قالَ يا بُنيَّ إِنّي أَرى فِي المَنامِ أَنّي أَذبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَل ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرين ) (١) وبما انّ رؤية الأنبياء رؤيا صادقة ، فقد أيقن إبراهيم عليه‌السلام بأنّ اللّه سبحانه قد أمره بذبح ولده ، ولمّا جاء به إلى منى ووضع السكين على حلقه وهمّ بذبحه خوطب بقوله : ( قَدْ صَدَّقتَ الرُّؤيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزي المُحْسِنين ). (٢)

فالآية تحكي انّه بإنجاز المقدّمات صدّق رؤياه ، وهذا كاشف على أنّه كان مأموراً بالمقدّمات دون الذبح ، وكان ذلك كافياً في رفع مستوى إخلاصه وتفانيه في جنب اللّه.

وبعبارة أُخرى : كان الأمر ، اختباريّاً.

الرابع : وقوع النسخ في القرآن الكريم

دلّت غير واحدة من الآيات على وقوع النسخ في القرآن الكريم إجمالاً نحو :

١. قوله سبحانه : ( وَإِذا بَدَّلْنا آيةً مكانَ آية واللّهُ أَعلَمُ بِما يُنَزّلُ قالُوا انّما أَنْت مُفتر بَل أَكثرُهُمْ لا يَعْلَمُون ). (٣)

__________________

١. الصافات : ١٠٢.

٢. الصافات : ١٠٥.

٣. النحل : ١٠١.

٦٤٠