إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

هذا كلّه حول أصل العدم الأزلي في نظر المحقّق الخراساني ، وإليك دراسة ما أفاده المحقّق النائيني من التفصيل بين القيد المقسِّم والقيد المقارن.

التفصيل بين القيد المقسِّم والمقارن

إنّ المحقّق النائيني لمّا لم يرتض ما أفاده المحقّق الخراساني حول استصحاب العدم الأزلي حاول إصلاح النظرية بالفصل بين القيد المقسِّم والقيد المقارن ، فنفى حجّية الأصل الأزلي في الأوّل وأثبت حجّيته في الثاني ، وبذلك صار مفصِّلاً في حجّية الأصل الأزلي لا مثبتاً مطلقاً كالمحقّق الخراساني ولا نافياً كغيره.

وإيضاح مقصوده رهن الكلام في موضعين :

الأوّل : ما هو المراد من القيد المقسِّم والمقارن؟

إذا كان القيد قائماً بالموضوع ، مقسِّماً له بالذات أو حسب الوصف إلى قسمين ، كتقسيم القرشية والنبطية ، والمرأةَ إلى قسمين ، فيقال : قرشية وغير قرشية ، نبطية وغير نبطية ، فهذا ما نسمّيه بالقيد المقسِّم ، ويشترط فيه قيامه بالموضوع على نحو يجعل الموضوع قسمين.

وأمّا إذا كان القيد جوهراً قائماً بنفسه ، كوجود زيد ، أو عرضاً قائماً بموضوع آخر لا بموضوع العام فهذا ما نسمّيه بالقيد المقارن ، وذلك كما إذا قال : أكرم العالم عند وجود زيد ، أو قال : أكرم العالم عند مجيء زيد ، فوجود زيد جوهر قائم بنفسه لا بالعارض ، كما أنّ مجيئه قائم بزيد لا بموضوع الحكم ( العالم ) ، ولأجل ذلك يعدّ الكلّ من المقارنات الاتفاقية أو الدائمية.

٥٤١

الثاني : ما هو الوجه في التفريق بين المقسِّم والمقارن؟

هذا هو المقام الثاني الذي يريد المحقّق النائيني بيان وجه التفريق بين نوعي القيدين ، وحاصل ما أفاده هو انّه إذا كان القيد وصفاً للموضوع ، قائماً به قياماً ذاتياً كالقرشية ، أو عرضياً كالفسق ، يكون الموضوع موصوفاً بالقيد ، وجوداً وعدماً كقولنا المرأة غير القرشية ترى الدم إلى ستين ، والمرأة غير القرشية ترى الدم إلى خمسين.

ومن المعلوم أنّ الموصوف لم يتعلّق به اليقين ، فانّ المرأة إمّا تتولد قرشية أو غير قرشية ، فليس هنا قضية متيقّنة وقضية مشكوكة ، بل هي مشكوكة من أوّل الأمر.

واستصحاب العدم المحمولي ، أي عدم القرشية من دون مضاف إلى مرأة معيّنة ، لا يثبت أنّ هذه المرأة غير قرشية.

وهذا بخلاف ما إذا كان القيد جوهراً مستقلاً قائماً بنفسه أو عرضاً لكن غير قائم بموضوع القضية ، فانّ الجزء الثاني بحكم انّه جوهر أو قائم بغير موضوع القضية لا يقع وصفاً للموضوع ، وليس لها شأن سوى اجتماعهما في عمود الزمان ، فمجرّد إحراز اجتماعهما في فترة من الزمان يكفي في ترتّب الأثر ، سواء أكان الإحراز بالوجدان أم بالأصل.

ثمّ فرّع على ما ذكره الفرع التالي وهو انّه إذا تلفت العين تحت يد إنسان غير مالك ، وشكّ في أنّ يده هل كانت يد ضمان أو يد أمان ، فقد ذهب المشهور إلى الضمان ، وما هذا إلا لأجل انّ « عدم إذن المالك » أُخذ جزءاً مقارناً للاستيلاء لا واصفاً له ، فعندئذ إذا أحرز الاستيلاء بالوجدان وعدم الإذن بأصل العدم الأزلي ، يثبت كون اليد عادية ، وذلك لأنّ إذن المالك ليس وصفاً للاستيلاء بل مجرّد

٥٤٢

اجتماعهما في عمود الزمان كاف في الحكم بالزمان.

يلاحظ عليه : انّ ما ذكره في القيود المقسمة أمر لا غبار عليه ، إنّما الكلام في القيود المقارنة حيث زعم انّه يجوز أخذ شيئين مختلفين موضوعاً لحكم واحد وإن لم يكن بينهما رابط ، وهذا شيء لا يساعده الدليل.

وذلك لأنّ وحدة الحكم كاشفة عن وحدة الموضوع ، ووحدة الموضوع رهن وجود رابط بين الجزءين حتّى يجعله موضوعاً واحداً ومركّباً بأن تصلح للوقوع موضوعاً لحكم واحد ، وعندئذ يكون الجزء الثاني وصفاً للأوّل ويكون الموضوع للضمان هو الاستيلاء الموصوف بعدم إذن المالك ، وإلا فالشيئان المختلفان الفاقدان للوحدة والربط كيف يمكن أن يقعا موضوعاً لحكم واحد؟!

وأمّا ما مثّله من ذهاب المشهور إلى الضمان فلا يدلّ على ما يتوخّاه لاحتمال انّ ذهابهم إليه رهن أحد أمرين :

١. وجود النصّ في المسألة ، وقد كان سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي معتمداً عليه كما مرّ. (١)

٢. ما ذكرناه سابقاً من أنّه إذا كان الحكم الأوّلي للموضوع هو الحرمة أو الفساد أو الضمان فيتمسّك به في الموارد المشكوكة إلا أن يدلّ عليه دليل.

وحاصل الكلام : انّ ما اختاره المحقّق النائيني من جريان الأصل في القيود المقارنة دون المقسّمة مبني على إنكار لزوم الوحدة في الموضوع ـ ولو وحدة عرفية ـ فعندئذ يمكن إحراز أحد الجزءين بالوجدان والآخر بالأصل ، ولكنّك عرفت أنّ الحكم والإرادة الواحدة يطلبان لأنفسهما شيئاً واحداً ووحدة حرفية فانية في الموضوع.

__________________

١. لاحظ صفحة ٥٣٢من هذا الكتاب.

٥٤٣

إحياء نظرية المحقّق الخراساني

إنّ المحقّق الخوئي لمّا لم يرتض تفصيل أُستاذه بين القيد المقسِّم والقيد المقارن ذهب إلى حجّية استصحاب العدم الأزلي وفاقاً للمحقّق الخراساني لكن ببيان آخر.

وحاصل ما أفاده مبنيّ على أمرين :

الأوّل : انّ وجود العرض بذاته محتاج إلى وجود موضوعه ، لأنّه من لوازم وجود العرض ، وقد عُرِّف العرض بأنّه ذو ماهية تامّة قائمة في الخارج بموضوعه ، وهذا ما يعبر عنه على وجه الإيجاز ( العرض ماهية في نفسه لغيره ) لكن عدم العرض ليس له هذا الشأن ، فهو غير محتاج إلى وجود الموضوع ، مثلاً : انّ العدالة لمّا كانت عرضاً يتوقّف وجودها على وجود الموصوف بها ، وأمّا عدم العدالة فلا يحتاج إلى وجود الموضوع ، ولذلك لو وجد زيد وصار غير عادل فنفس العدم الأزلي مستمر إلى ذلك الوقت.

ومنه يعلم حال القرشية فهي عرض قائم بالمرأة فلا يعقل وجود القرشية بلا وجود موضوعها ، وأمّا عدم القرشية فهي غنيّة عن الموضوع ، فلو أُشير إلى ماهية المرأة وقيل انّها لم تكن قرشية قبل ان تتولد ، فهذا العدم باق على حاله بعد ولادتها.

الثاني : إذا ورد أنّ المرأة تحيض إلى خمسين إلا القرشية.

فهاهنا قضيتان :

إحداهما : الجملة الاستثنائية : إلا القرشية.

والأُخرى : الجملة المستثنى منها ، أعني : المرأة تحيض إلى خمسين.

فلا شكّ أنّ القرشية في الجملة الأُولى عرض لا يفارق الموضوع فلا تتحقّق القرشية في الخارج إلا بوجود المرأة ، ولأجل ذلك لا يصحّ استصحاب القرشية ، إذ

٥٤٤

لا حالة سابقة لها.

وأمّا الجملة الثانية فبما انّ المأخوذ فيها عدم القرشية فلا يستدعي أخذ عدم القرشية فيها على نحو مفاد ليس الناقصة ، أي وصفاً للمرأة بأن يقال : كلّ مرأة لا تكون متّصفة بالقرشية تحيض إلى خمسين ، بل يكفي أخذ عدم القرشية بنحو ليس التامة بأن يكون شيئاً مقارناً للمرأة بأن يقال : كلّ مرأة ، لا تكون متّصفة بالقرشية تحيض إلى خمسين عاماً.

والباقي تحت العام هو الثاني لا الأوّل ، وجهه واضح أنّ العدم غني عن الموضوع فلا وجه لأخذ عدم القرشية وصفاً للمرأة ، بل يكفي صدق عدم القرشية في ظرف تحقّق المرأة دون أن يكون وصفاً لها ، فعندئذ إذا شكّ في قرشية المرأة وعدمها فالموضوع مركّب من جزأين :

١. المرأة ٢. لا تكون بقرشية.

والأوّل محرز بالوجدان والآخر بالأصل.

هذا هو حاصل ما أفاده المحقّق في هامش أجود التقريرات. (١)

ولأجل أن نذكر شيئاً من عبارات المحقّق المذكور في الجزء الأوّل ، نقول :

قال قدس‌سره : إنّ الحكم الثابت للموضوع المقيّد بما هو مفاد كان الناقصة ( إلا القرشية ) إنّما يكون ارتفاعه ( في جانب المستثنى منه ) بعدم اتصاف الذات بذلك القيد على نحو مفاد السالبة المحصلة من دون أن يتوقّف ذلك باتّصاف الذات بعدم ذلك القيد على نحو مفاد ليس الناقصة ، فمفاد قضية « المرأة تحيض إلى

__________________

١. أجود التقريرات : ١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ؛ المحاضرات : ٥ / ٣٣٢ ـ ٣٣٦. ورسالة اللباس المشكوك لنفس المحقّق ، وهذه الرسالة أسبق نشراً من الكتابين السابقين فقد أطال الكلام فيها في حجّية أصل العدم الأزلي.

٥٤٥

خمسين إلا القرشية » وإن كان هو اعتبار وصف القرشية على وجه النعتية في موضوع الحكم بتحيض القرشية بعد الخمسين إلا أنّه لا يستدعي أخذ عدم القرشية في موضوع عدم الحكم بتحيض المرأة بعد الخمسين على وجه النعتية ، ـأعني به مفاد ليس الناقصة ـ وإنّما يستدعي أخذ عدم القرشية في ذلك الموضوع على نحو السالبة المحصلة ، وكلّ مرأة لا تكون متصفة بالقرشية باقية تحت العام وإنّما الخارج خصوص المتصفة بالقرشية لا انّ الباقي بعد التخصيص هو المرأة المتصفة بعدم القرشية ، فإذا شكّ في كون المرأة قرشية لم يكن مانع من التمسّك باستصحاب عدم القرشية الثابت لها قبل ولادة تلك المرأة في الخارج. (١)

يلاحظ عليه بوجهين :

الأوّل : أنّ ما أفاده في جانب المستثنى في غاية المتانة ، إنّما الكلام فيما أفاده في جانب المستثنى منه ، فقد سبق منّا انّ الباقي تحت العام يتصوّر على أنحاء ثلاثة :

١. الموجبة المعدولة : المرأة غير القرشية تحيض إلى خمسين.

٢. الموجبة السالبة المحمول : المرأة التي هي ليست بقرشية تحيض إلى خمسين.

٣. السالبة المحصلة : إذا لم تكن المرأة قرشية تحيض إلى خمسين.

والأوّلان رهن وجود الموضوع ، إذ الوصف الوجودي ( غير القرشية ) أو ( هي التي ليست بقرشية ) لا ينفك عن وجود الموصوف بخلاف الثالث فانّه يصدق حتّى مع عدم الموضوع ولكن الكلام في تشخيص انّ الباقي تحت العام ما هو؟!

فإن كان الموضوع من قبيل الأوّلين فلا يجري الاستصحاب لعدم الحالة

__________________

١. تعاليق أجود التقريرات : ١ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩. ولاحظ المحاضرات : ٥ / ٣٣٢ ـ ٣٣٦.

٥٤٦

السابقة ، وإن كان من قبيل الثالث يجري الاستصحاب لوجودها إلا أنّ المحمول أعني قوله : ( ترى أو تحيض ) قرينة على أنّ الباقي تحت العام هو القسمان الأوّلان ضرورة انّ الحكم الإيجابي ( ترى أو تحيض ) رهن وجود الموضوع ، قال التفتازاني في منطق التهذيب : فلابدّ في الموجبة من وجود الموضوع إمّا محقّقاً وهي الخارجية ، أو مقدراً فهي الحقيقية ، أو ذهنياً فهي الذهنية كما مرّ.

وبالجملة نحن نستكشف من الحكم على أنّ الموضوع هو القسم الأوّل والثاني اللذان لا يصدقان إلا على المرأة الخارجية.

الثاني : يرد عليه ما أوردناه على أُستاذه ، لأنّ مرجع ما ذكره هو تركّب الموضوع من أمر وجودي محرز بالوجدان وهو المرأة ، وأمر عدمي يحرز بالأصل دون أن يكون بينهما صلة بجعل الثاني وصفاً للأوّل ، وكأنّ الموضوع في لسان الشرع كالآتي في لساننا « ١. المرأة ٢. لم تكن قرشية تحيض إلى خمسين » ومن المعلوم أنّ وحدة الحكم كاشفة عن وحدة الموضوع ، فلابدّ أن يكون في الموضوع وحدة آلية يجعل الشيئين الأجنبيين أمراً واحداً ، وعندئذ ترجع السالبة المحصّلة إلى موجبة سالبة المحمول. فيكون الموضوع : المرأة التي هي لم تكن قرشية تحيض إلى خمسين ، ومن الواضح انّها تفقد الحالة السابقة.

ما هو المرجع إذا لم يكن الأصل العدمي حجّة؟

قد عرفت أنّ العام لا يحتجّ به في الشبهة المصداقية للمخصص ، لأنّ الموضوع مركّب من عنوان العام وعدم عنوان المخصص والجزء الأوّل وإن كان محرزاً لكن الثاني ليس بمحرز.

كما أنّ أصل العدم الأزلي لا يحتجّ به على بقاء المشتبه تحت العام للوجوه

٥٤٧

التي عرفتها.

بقي الكلام في تعيين المرجع بعد قصور اليد عن العام والأصل العدمي ، فنقول :

إنّ المرجع هو الأُصول العملية : الاستصحاب والتخيير والاشتغال والبراءة وهي تختلف حسب اختلاف الموارد ، وإليك الأمثلة.

أمّا الأوّل ـ أعني الاستصحاب ـ : فلو أقام إنسان في بلد متردداً في الإقامة وشكّ في أنّ هذا اليوم يوم الثلاثين أو يوم التاسع والعشرين ، فعلى الأوّل يتمّ بعد انقضاء ذلك اليوم وعلى الثاني يقصر يوم الشكّ وبعده ثمّ يتم ، فالمرجع هو استصحاب وجوب القصر إلى أن يحصل اليقين بأنّه أقام في ذلك البلد ثلاثين يوماً.

وأمّا الثاني ـ أعني التخيير ـ : فكما إذا قال المولى : يجب إكرام العلماء ثمّ قال : يحرم إكرام فسّاق العلماء ، فالفرد المشتبه بما انّه يحتمل بقاؤه تحت العام يجب إكرامه كما يحتمل خروجه عن تحته ودخوله تحت المخصص فيحرم ، فيدور الأمر بين المحذورين فيتخير.

وأمّا الثالث ـ أعني الاشتغال ـ : كالمرأة المرددة بين القرشية وغيرها ، فإذا رأت الدم بعد الخمسين فيتردد أمر الدم بين كونه دم استحاضة أو دم حيض فتجمع بين الوظيفتين.

أمّا الرابع ـ أعني البراءة ـ : فكما إذا قال : يجب إكرام العلماء ثمّ قال : لا يجب إكرام فسّاق العلماء ، فالفرد المشتبه مردد بين وجوب الإكرام وعدمه فتجري البراءة.

إلى هنا تمّ الكلام في إحراز حال المشتبه في الشبهة المصداقية للمخصص.

٥٤٨

الفصل السابع

إحراز حال الفرد المشتبه

بالعنوان الثانوي

كان البحث في الفصل السابق مركّزاً على إحراز حال الفرد ، الذي اشتبه حاله لأجل تخصيص العام فدار أمر الفرد بين كونه باقياً تحت العام أو خارجاً عنه ، مثلاً : قال المولى : أكرم العلماء ثمّ قال : لا تكرم فساق العلماء ، واشتبه حال العالم من حيث الفسق والعدالة ، فشكّ في بقائه تحت العام وعدمه فلا يُحرز حال الفرد لا بالعام ولا بالأصل الأزلي.

وأمّا هذا الفصل فقد استظهر المحقّق الخراساني بأنّ الاشتباه رهن غير التخصيص ، بل لأجل وجود الإجمال في الدليل العام ، فهل يمكن تنقيح حاله من حيث دخوله تحت الدليل بالعنوان الثانوي أو لا؟

مثلاً : قال سبحانه : ( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلى المَرافِق ). (١)

فلو قلنا بظهور الآية أو انصرافها إلى الغَسْل بالماء المطلق فلا شكّ في بطلان الوضوء بالماء المضاف ، وأمّا لو قلنا بإجمال الآية وإمكان سعتها للماء

__________________

١. المائدة : ٦.

٥٤٩

المطلق والمضاف ، فيقع الكلام في إمكان تنقيح حال الفرد المشتبه ، أي التوضّؤ بالماء المضاف بالعنوان الثانوي ، وبالتالي استنتاج دخوله في الآية.

كما إذا نذر أحد أن يتوضأ بالماء المضاف إذا رزقه اللّه الولد ، وقد رُزق الولد ، فبما انّ العمل بالنذر واجب لقوله سبحانه : ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ). (١) فيمكن استكشاف شمول آية الوضوء للتوضّؤ بالماء المضاف من وجوب الوفاء بالنذر ( الوضوء بالماء المضاف ) ، بأن يقال : التوضّؤ بالماء المضاف واجب وفاءً للنذر ، وكلّما وجب الوفاء به حسب النذر يكون صحيحاً ، لأنّه لولا الصحّة لما وجب الوفاء ، فينتج انّ الإتيان بهذا الوضوء صحيح ، ومن الواضح انّ الشكّ نبع من إجمال الآية لا من تخصيص العام بمخصص شكّ في كون فرد من أفراد العام من أفراد المخصص أولا.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني حاول نقد هذا الإحراز بتقسيم العناوين الثانوية إلى قسمين : قسم أخذ في متعلّقه حكم من الأحكام الخمسة المتعلّقة بالأفعال.

وقسم لم يؤخذ فيه أحد الأحكام المتعلّقة بالأفعال.

ومع أنّ القسم الثاني كان خارجاً عن غرضه طرحه على صعيد البحث بعد ما فرغ من القسم الأوّل ، ونحن نقدّم البحث في الثاني على الأوّل ، لأنّه بحث استطرادي إذا وقع في أثناء البحث يوجب التعقيد ، فنقول :

إنّ الضرر والحرج والإكراه من العناوين الثانوية التي لم يؤخذ في متعلقه حكم من الأحكام المتعلّقة بأفعال المكلّفين ، فهو يفارق القسم الأوّل الذي أخذ في متعلّقه الرجحان أو الإباحة ، ولأجل ذلك لو شكّ في جواز الصوم لأجل الضرر يقدّم على حكم العنوان الأوّلي بلا تردد ، بخلاف القسم الأوّل فلا يقدّم إلا إذا

__________________

١. الحج : ٢٩.

٥٥٠

أحرز فيه الرجحان والإباحة.

وإلى ذلك أشار المحقّق الخراساني بقوله : « نعم لا بأس بالتمسّك به في جوازه بعد إحراز التمكّن منه والقدرة عليه (١). فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلاً ( كالضرر والحرج والإكراه ) ، فإذا شكّ في جوازه ( الفرد كشرب الخمر عن إكراه والإفطار لكون الصوم ضررياً ) صحّ التمسّك بعموم دليل العناوين الثانوية في الحكم بجوازها ». (٢)

والحاصل فرق بين النذر وطاعة الوالد ، وبين الحرج والضرر والإكراه ، فلا يتمسّك بالقسم الأوّل إلا بعد إحراز الحكم المأخوذ في متعلّق النذر من الطاعة والإباحة ، بخلاف الحرج والضرر والإكراه فيتمسك بهما في جواز الفرد المشكوك بلا شرط.

نعم للتمسّك بالقسم الثاني من العناوين الثانوية شرط آخر ، وقد أشار إليه المحقّق الخراساني في المقطع الثاني من كلامه ، وهو :

إنّ التمسك بالحرج والضرر والإكراه لإثبات جواز الفرد المشكوك مشروط بكون الملاك فيها أقوى من ملاك الحكم الأوّلي ، حيث إنّ الخمر والصيام والوضوء ، محكومة بالعنوان الأوّلي بالحرمة أو الوجوب ، وبالعنوان الثانوي بالجواز ، فلا يقدّم العنوان الثانوي إلا إذا كان الملاك في جانب العنوان الثانوي أقوى ، وإلا لم يؤثر أحد العنوانين فيرجع إلى الأُصول كالإباحة.

هذا وما أفاده في المقام مغاير لما سيأتي منه في البحث عن قاعدة : « لا ضرر ولا ضرار » من تقدّم العناوين الثانوية على العناوين الأوّلية مطلقاً من غير فرق

__________________

١. لا وجه لأخذ القدرة ، إذ الأحكام كلّها مقيّدة بالقدرة.

٢. الكفاية : ١ / ٣٥١.

٥٥١

بين الأقسام وانّ التقديم مطلقاً مقتضى التوفيق العرفي بينهما.

وعلى كلّ تقدير فهذا القسم غير مقصود بالذات في هذا الفصل.

إنّما الكلام في العناوين الثانوية التي أخذت في متعلّقها حكم من الأحكام المتعلّقة بأفعال المكلّفين بعناوينها الأوّلية. كاستحباب الفعل ووجوبه المأخوذين في متعلق وجوب الوفاء بالنذر ، وكالاباحة المأخوذة في متعلق إطاعة أمر الوالد.

فصحّة النذر فرع وجود الرجحان في المتعلّق فيختص بالمستحب والواجب ، ولزوم طاعة الوالد فرع عدم كون المأمور به معصية للّه فيختص بغير الحرام.

والذي يدلّ على انّ لزوم الرجحان في متعلّق النذر ما رواه أبو الصلاح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال :

« وليس شيء هو طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به ، وليس من رجل جعل للّه عليه مشياً في معصية اللّه إلا أنّه ينبغي له أن يترك إلى طاعة اللّه ». (١)

وعلى ضوء ذلك فيجب الوفاء بالنذر الذي ثبت وجوب الرجحان في متعلّقه ، كما أنّ وجوب طاعة الوالد مقيد بما إذا كان متعلّقه أمراً مباحاً.

إذا علمت ذلك فنقول :

إذا نذر أن يتوضّأ بماء مضاف فلا ينعقد النذر إلا إذا أحرز استحباب الوضوء أو وجوبه بالماء المضاف. وبعبارة أُخرى : رجحان الوضوء ، وإلا فلا يجوز التمسّك بإطلاق قوله : ( وليوفوا نذورهم ) ، لأنّه مخصّص بقوله : « للّه طاعة » فيكون التمسّك بقوله : ( وليوفوا نذورهم ) في إثبات صحّة الوضوء بالماء المضاف

__________________

١. الوسائل : ١٦ ، الباب ٧ من أبواب النذر ، الحديث ٦.

٥٥٢

من قبيل التمسّك بالعام : ( وليوفوا نذورهم ) في الشبهة المصداقية للمخصص حيث يحتمل أن يكون الوضوء بالماء المضاف طاعة أو غير طاعة ، وقد مرّ عدم جوازه.

ثمّ إنّ القائل أيّد كلامه بما ورد من صحّة الصيام في السفر والإحرام قبل الميقات إذا نذر كذلك.

أمّا الأوّل فقد روى الشيخ عن علي بن مهزيار قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ... فكتب عليه‌السلام في الجواب : « وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ». (١)

وأمّا الثاني : فقد روى الشيخ عن الحلبي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه‌السلام عن رجل جعل للّه عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال « فليحرم من الكوفة وليف للّه بما قال ». (٢)

وروى أيضاً عن علي بن أبي حمزة قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه‌السلام عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة؟ قال : « يحرم من الكوفة ». (٣)

وروى أيضاً عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لو انّ عبداً أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البليّة ، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان ، كان عليه أن يتم ». (٤)

يلاحظ عليه : وجود الفرق بين المقيس والمقيس عليه ، بأنّ الصيام في السفر ، والإحرام قبل الميقات ، محكومان بالحرمة ويصيران جائزين بالنذر ، فبالنذر ، ينقلب الحرام إلى الجائز ، وأمّا المقام فالمدعى هو استكشاف كون الوضوء بالماء

__________________

١. الوسائل : ٧ ، الباب ١٠ من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث ١.

٢ و ٣ و ٤. الوسائل : ٨ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت ، الحديث ١ ، ٢ ، ٣.

٥٥٣

المضاف ، جائزاً قبل النذر وداخلاً تحت العام ، فللنذر عندئذ دور الكشف ، وفي المقيس عليه ، دور التقليب ، وأين أحدهما من الآخر؟

ثمّ إنّ في المقيس عليه إشكالين :

الأوّل : اشتراط الرجحان في متعلّق النذر

يشترط في متعلّق النذر ، وجود الرجحان قبل تعلّقه ، والمفروض أنّه حرام قبله ، فكيف تعلّق به النذر؟

وأجاب عنه المحقّق الخراساني بوجوه ثلاثة :

١. انّ الروايات السابقة تكشف عن رجحان الصوم في السفر ، والميقات قبل الإحرام أمراً راجحاً بالذات ، وإنّما لم يؤمر بهما استحباباً أو وجوباً لمانع يرتفع مع النذر.

وأورد عليه بانّه كيف يمكن القول بكونهما راجحين بالذات وقد منع مانع عن الأمر بهما ، مع تشبيه الإحرام قبل الميقات ، بالصلاة قبل الوقت. (١)

أقول : لم نجد نصّاً بهذا المضمون وإنّما الوارد غيره :

١. روى زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : « وليس لأحد أن يُحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». (٢) والمراد من الوقت ، هو الميقات ، أُطلق وأُريد منه المكان.

٢. روى ابن أُذينة قال : قال أبو عبد اللّه عليه‌السلام في حديث : « ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له ». (٣) نعم شُبّه في بعض الروايات ، بمن صلّى أربعاً في

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٤٩.

٢. الوسائل : ٨ ، الباب ١١ من أبواب المواقيت ، الحديث ١١.

٣. الوسائل : ٨ ، الباب ٩ من أبواب المواقيت ، الحديث ٣.

٥٥٤

السفر وهو كالآتي :

رواية ميسرة قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه‌السلام وأنا متغيّر اللون فقال لي : « من أين أحرمت؟ » قلت : من موضع كذا وكذا ، فقال : « رب طالب خير تزلّ قدمه ـ ثمّ قال : ـ يسرّك أن صليّت أربعاً في السفر؟ ». قلت : لا ، قال : « فهو واللّه ذاك ». (١)

وعلى أيّ تقدير فهل تدلّ هذه الروايات على كونهما راجحين بالذات أولا؟

ظاهر رواية زرارة وابن أُذينة عدم المصلحة بتاتاً في الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر ، لكن ظاهر رواية ميسرة وجود المصلحة ، غير أنّه رفع الوجوب رحمة للأُمّة كما يعلم من تشبيه الإحرام قبل الميقات بمن صلّى أربعاً مكان ركعتين ، فإنّ الصلاة الرباعية واجدة للمصلحة كالثنائية ، لكنّه سبحانه رحمة للأُمّة ، رفع وجوبها.

هذا وقد ورد في الصوم في السفر : « ليس من البر الصيام في السفر » الظاهر من عدم الملاك. (٢)

٢. صيرورتهما راجحين عند تعلّق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك.

٣. تخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلّق النذر بهذه الروايات ، وهذا هو الظاهر من صاحب الجواهر.

يلاحظ عليه : أنّ اللسان آب عن التخصيص ، فانظر إلى القول المعروف لانذر إلا في طاعة ، أو ما ورد في الروايات : « هو للّه طاعة ». وقد جاء هذا الجواب

__________________

١. الوسائل : ٨ ، الباب ١٢ من أبواب المواقيت ، الحديث ٦.

٢. الوسائل : ٧ ، الباب ١٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث ٧ و ٨.

٥٥٥

في كلام « الكفاية » عند الإجابة عن الإشكال الثاني مع أنّ محله هنا ، ولذلك أوجد تعقيداً في العبارة.

مضافاً إلى أنّ كلاً من الصوم والإحرام عبادة يتقرب بها العبد إلى اللّه سبحانه ، فإذا كان خالياً عن أي رجحان فكيف يحصل التقرّب؟!

إلى هنا تمّ الكلام حول الإشكال الأوّل ، وإليك الإشكال الثاني.

الثاني : الأمر النذري كالأمر الإجاري توصّلي

هذا هو الإشكال الثاني وحاصله : أنّه لم يتعلّق بالصوم في السفر ، ولا بالإحرام قبل الميقات أمر ، بما هو هو ـ كما هو المفروض ـ حتّى يقصده ويتعبد به ، فانحصر الأمر ، بالأمر النذري وهو أمر توصّلي لا تعبديّ.

أقول : إنّ الإشكال الأوّل كان يركّز على شرطية رجحان المتعلّق في النذر وقد عرفت الإجابة عنه بوجوه ثلاثة ، وهي بين مقبول وغير مقبول.

وأمّا الإشكال الثاني فهو يركز على أنّ الصيام في السفر ، والإحرام قبل الميقات عمل عبادي وصحّته فرع قصد أمره العبادي ، فما هو الأمر العبادي في المقام؟ فهل هو الأوامر الواقعية المتعلّقة بالصيام في السفر والإحرام قبل الميقات ، أو غيره؟ والأوّل منتف لافتراض كونهما محرمين قبل النذر فلا أمر حتّى يقصده ؛ بقي الثاني وهو الأمر النذري ، الذي هو أمر توصّلي لا تقرّبي ، فقوله : ( فليوفوا نذورهم ) مثل قوله : ( أوفوا بالعقود ).

ويمكن الجواب عنه بوجوه ثلاثة ، وقد ذكر المحقّق الخراساني منها وجهين :

١. يكفي في صحّة العبادة وجود الرجحان قبل النذر كشف عنه دليل

٥٥٦

صحتها ، فملاك العبادة وجود الملاك فيها ، وقد عرفت ما يدلّ من الروايات على كونهما راجحين بالذات وإنّما لم يؤمرا بهما لوجود المانع ، ولم يذكر المحقّق الخراساني هذا الجواب في المقام مع أنّه ذكره عند الذبّ عن الإشكال الأوّل ، وكان عليه أن يشير إليه في المقام أيضاً ـ الإشكال الثاني ـ.

٢. صيرورة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات راجحين بتعلّق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك ، كما ربما يدلّ عليه ما في الخبر من كون الإحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت. (١) وإلى هذا أشار المحقّق الخراساني بقوله : لأجل كشف دليل صحّتها عن عروض عنوان راجح عليهما ملازم لتعلّق النذر.

ومرجع هذا الجواب إلى أنّه يعرض للمتعلّق عنوان راجح يجعله ذا ملاك كاف في عبادية المتعلّق ، نظير ما مرّ في صوم يوم عاشوراء من أنّه ينطبق عليه عنوان يجعله مكروهاً غير محبوب.

وأورد عليه سيد مشايخنا المحقّق البروجردي بأنّ العنوان غير الملتفت إليه لا يكون مصحّحاً للعبادة حيث قال : إنّه لا معنى لصيرورتهما عباديين لأجل طروء عنوان مجهول يغفل عنه المكلّف ولا يكون مقصوداً له لا تفصيلاً ولا إجمالاً. (٢)

يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره وإن كان صحيحاً لكنّه يكفي في وجود الرجحان وجود العنوان الراجح في الواقع وإن لم يتوجه المكلّف إليه فمصحح العبادية وجود الرجحان وقصد الشيء الراجح وإن لم يعلم وجه الرجحان لا قصد العنوان حتّى تكون الغفلة مانعة عن قصد العبادية.

__________________

١. لم نقف على هذا النصّ وإنّما الموجود هو تشبيه الإحرام قبل الميقات بإتمام الصلاة في السفر كما مرّ.

٢. لمحات الأُصول : ٣٣٤.

٥٥٧

على أنّه يمكن أن يقال : انّ العنوان العارض : « كون أفضل الأعمال أحمزها » وهو ليس شيئاً مغفولاً للمكلّف عند النذر.

٣. يكفي في العبادية الرجحان الطارئ على المتعلّق بعد تعلّق النذر بإتيانهما عبادياً ومتقرباً بهما منه تعالى.

والفرق بين الثاني والثالث واضح ، فانّ الرجحان الطارئ في الجواب الثاني يرافق تعلّق النذر وليس متأخراً عنه بخلاف هذا الجواب ، فانّ الرجحان يكون طارئاً بعد تعلّق النذر بإتيانهما عبادياً ومتقرباً بهما منه.

فإن قلت : كيف يتعلّق بهما النذر بإتيانهما عبادياً مع أنّهما ليسا حين النذر عبادة ، بل يوصفان بها بعد تعلّق النذر كما هو المفروض ، وعندئذ فهو عند النذر ليس متمكّناً من المتعلّق الموصوف بالعبادية.

قلت : يكفي التمكّن من المتعلّق بعد النذر ولا يعتبر في صحّة النذر إلا التمكّن من الوفاء ولو بسبب النذر.

هذه هي الأجوبة الثلاثة التي جاء الثاني والثالث منهما في « الكفاية » دون الأوّل.

وعلى كلّ تقدير فالذب عن الإشكال الثاني بأحد الوجوه الثلاثة :

١. وجود الرجحان الذاتي في المتعلّقين قبل النذر.

٢. طروء عنوان راجح يرافق النذر.

٣. طروء رجحان به بعد النذر لأجل انّ المكلّف نذر بقيد انّ المتعلّق عبادي وموجب للتقرب.

وهذا هو السبب لطروء عنوان راجح بعد النذر.

٥٥٨

ولا يخفى انّ هذه الأجوبة فروض نظرية لا دليل عليها إلا الفرض الأوّل على بعض الروايات من تشبيه الإحرام قبل الميقات على إتمام الصلاة فيه ، بناء على اشتماله على المصلحة واقترانه بالمانع.

والأولى أن يجاب بجواب رابع وهو انّ عبادية الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر ببركة نفس الأوامر المتعلّقة بالإحرام والصوم غاية الأمر انّ الموضوع للوجوب هو الإحرام من الميقات وللاستحباب هو الصوم في الحضر ، ولا يعمّان الإحرام قبله أو الصيام في السفر ، وأمّا مع ملاحظة النذر فصار موضوع الوجوب أو الاستحباب أوسع ممّا في الدليل.

فالموضوع مع النذر أوسع من الإحرام من الميقات والصوم في الحضر.

وبالجملة انّ ما دلّ على صحّة الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر مع النذر كشف عن كون الموضوع في حال النذر أوسع منه في غيره.

وعلى ذلك فالناذر يأتي بقصد نفس الأمر المتعلّق بحجة الإسلام أو الصوم الاستحبابي من دون حاجة إلى التمسّك بالأجوبة الثلاثة.

٥٥٩

الفصل الثامن

إحراز حال الفرد المشتبه

بالأصل اللفظي

كانت البحوث السابقة تدور حول إحراز حال الفرد المشتبه بالطرق التالية :

١. إحرازه بالتمسّك بالعام المخصص.

٢. إحرازه عن طريق الأصل العدمي الأزلي.

٣. إحرازه عن طريق العناوين الثانوية.

هذه هي البحوث الماضية ولكن يدور البحث في هذا الفصل على إحراز الفرد لكن بالأصل اللفظي ـ أي أصالة العموم ـ وربّما يعبر عن هذا البحث بأنّه إذا دار أمر الفرد بين التخصيص والتخصّص فهل يمكن إثبات الثاني بالتمسّك بأصالة العموم أو لا؟ وللمسألة صورتان :

الصورة الأُولى : إذا ورد قوله : أكرم العلماء ، وعلم من الخارج حرمة إكرام زيد ، ودار الأمر بين كونه جاهلاً فيكون الخروج تخصّصاً ، أو عالماً فيكون الخروج تخصيصاً ، فهل يصحّ التمسّك بأصالة العموم وإثبات انّ الخروج تخصّصي وانّ زيداً جاهل لا عالم ، فلو وقع الجاهل في لسان الدليل موضوعاً للأثر الشرعي يترتب عليه ذلك الأثر بفضل أصالة العموم؟

٥٦٠