إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

شموله للافراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله ، فالمقتضى للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود ، لأنّ المانع في مثل العام إنّما هو يوجب صرف اللفظ عن مدلوله والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره فلو شكّ فالأصل عدمه.

وأورد عليه المحقّق الخراساني بوجهين :

أ. حمله على الباقي ترجيح بلا مرجّح

إذا كانت دلالة العام على كلّ فرد ، ضمن دلالته على العموم والشمول ، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في غيره وكان الغير ذا مراتب مختلفة ، وإرادة كلّ مرتبة أمراً ممكناً محتملاً ، فحمله على مرتبة خاصة ( الباقي كلّه ) يكون ترجيحاً بلا مرجّح.

ب. فقد المقتضي للحمل

إنّ ظهور العام المخصص في الباقي رهن أحد أمرين أمّا الوضع أو القرينة ، والمفروض انتفاء الأوّل لافتراض انّه ليس بموضوع للباقي ، كما أنّ الثانية أيضاً كذلك ودلالته على كلّ فرد على حدة في ضمن دلالته على العموم لا يوجب بقاء الدلالة مع انتفاء الثانية ، فانّ الدلالة التبعية فرع بقاء الدلالة الأصلية ، فإذا انتفت الثانية ، انتفت الأُولى وعلى هذا فلا مقتضي للحمل على الباقي فقوله : « لو شكّ فالأصل عدمه » صحيح لكنّه إذا كان هنا مقتض للدلالة ، وقد عرفت عدمه.

وقد قام المحقّق النائيني بالدفاع عن مقالة الشيخ حيث قال : إنّ هناك دلالات عرضية فإذا سقطت إحداها عن الحجّية بقيت غيرها من الدلالات على حجّيتها ضرورة أنّه إذا لم تكن دلالة العام على ثبوت الحكم لفرد ، دخيلة في دلالته

٥٠١

على ثبوته لفرد آخر ، لم يكن خروج فرد ما عن الحكم ، منافياً لبقاء دلالته على حكم الفرد الآخر ، فخروج بعض الأفراد إذا استلزم المجاز ، لا يوجب ارتفاعَ دلالته على ثبوت الحكم لبقية الأفراد التي لا يعمّها المخصِّص. (١)

يلاحظ عليه : بأنّه ماذا يريد من الدلالات العرضية؟ هل يريد منها ، الدلالات العرضية المستلزمة للأوضاع المستقلّة كالمشترك اللفظي؟ فهو غير صحيح جدّاً ولا يلتزم به القائل ، إذ ليس لفظ العام موضوعاً بأوضاع متعدّدة.

وإن أراد الدلالات العرضية الضمنية ، في ضمن دلالة لفظ العام على الكل ، ففيه انّه إذا سقطت الدلالة الثانية لأجل كون العام مستعملاً في غير معنى الكلّ حسب الفرض ، تبطل الدلالات التبعية.

إلى هنا تبيّن انّ الجوابين عن استدلال الخصم ، غير ناهضين لقلعه.

٣. إجابة المحقّق الخراساني عن الاستدلال

انّ المحقّق الخراساني استعان في رد الدليل بما أسّسه في الفصل السابق ، من إنكار المجازية في العام المخصص ، لا في متصله ولا في منفصله.

أمّا الأوّل : فلما عرفت من حديث تعدد الدالّ والمدلول وأنّ كلّ لفظ من ألفاظ « أكرم كلّ عالم عادل » في معناه لا أنّ لفظ « كل » استعمل في مجموع المعنى ، وعلى ضوء هذا فالعام حجّة في الخصوص ـ حسب تعبير الكفاية ـ والمراد من الخصوص أي العنوان المركب فكلّ من صدق عليه عالم عادل وإن كان نحوياً أو عروضياً أو لغوياً يجب إكرامه بحجّة هذا الدليل. ولا يعتدّ بالشكّ في النحوي العادل بعد شمول عنوان العام له.

__________________

١. أجود التقريرات : ١ / ٤٥٢.

٥٠٢

وأمّا المنفصل فلما عرفت من حديث تعدد الإرادتين وأنّ العام استعمل حسب الإرادة الاستعمالية أو التفهيمية في معناه العام ثمّ أخرج عنه بعد فترة ما لم تتعلّق به الإرادة الجدية وقيل لا تكرم العالم الفاسق ، فالمخصص باعتبار انفصاله عن العام لا يزاحم ظهور العام ، بل يبقى ظهوره بحاله وإنّما يزاحم حجيّة العام لكن في مورده الخاص وهو الفسّاق ، وأمّا في غير هذا المورد فالظهور حجّة يجب الأخذ به في عامة الموارد غير الفسّاق. وذلك ببركة الأصل العقلائي وهو تطابق الإرادة الاستعمالية التي يحكي عنها ظهور العام مع الإرادة الجدية إلا ما خرج بالدليل ، فهذا الأصل السائد بين العقلاء يبعثنا على الأخذ بالظهور في كلّ مقام لم يكن قرينة على خلافه.

فإن قلت : إنّ الإرادة الاستعمالية إنّما تكون حجّة إذا لم ينكشف خلافها ، ومع قيام الدليل الخاص ، الكاشف عن عدم تطابقهما لا اعتبار بهذه الإرادة.

قلت : إنّ الأصل العقلائي بمعنى أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجديّة ، جار في كلّ واحد واحد من أفراد العموم التي تعلّق بها الحكم ، وليس هنا أصل واحد حتى يكون الوقوف على عدم تطابقهما في مورد أو صنف ، مانعاً عن جريانها فهناك حسب الأفراد والآحاد أُصول يدل على تطابقهما ولأجل ذلك ترى العقلاء لا يشكّون في حجّية العام في الباقي وإن عُلم خروج فرد أو صنف.

وحاصل الكلام : انّ المخصّص المتّصل يُزاحم ظهورَ انعقاد الظهور في العموم ، ولذلك قلنا بكونه حجّة في الخصوص أي العنوان المركّب ، وأمّا المخصص المنفصل فلأجل انفصاله زماناً لا يبطل ظهور العام ، بل هو باق في

٥٠٣

ظهوره لكنّه يبطل حجّية العام في مورد الخاص ترجيحاً للأظهر على الظاهر أو النصّ على الأظهر فإذا كان الظهور غير منثلم ، الكاشف عن وجود الإرادة الاستعمالية فالأصل الثابت بين العقلاء تطابق الإرادتين إلا ما خرج بالدليل. وتكون نتيجته هو حجّية الظهور في كلّ موضوع شكّ في خروجه عن تحت العام.

٥٠٤

الفصل الرابع

في حجّية العام في مورد إجمال المخصص مفهوماً

إذا كان المخصّص مجملاً في مورد ، فهل يكون ذلك مانعاً عن حجّية العام في نفس ذلك المورد أيضاً أو لا؟ وبعبارة أُخرى إذا كان إجمال المخصص مانعاً عن التمسّك به في مورد ، فهل يكون ذلك مانعاً عن حجّية العام فيه أيضاً أو لا؟ وأمّا حجّية العام في غير ذلك المورد أو حجّية الخاص في مصداقه القطعي فلا كلام فيها ، وليست مطروحة في المقام.

مثلاً إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال بعد فترة : لا تكرم فسّاق العلماء ، وتردد مفهوم الفسق بين خصوص مرتكب الكبيرة فقط ، أو الأعمّ منها ومن الصغيرة ، فإجمال المخصص مانع عن كونه حجّة في مورد مرتكب الصغيرة ، وهل إجماله يمنع عن حجّية العام في مورده ، حتّى تصل النوبة إلى الأُصول العملية ، أو لا يكون مانعاً عنه ، فيحتجّ في مورد مرتكب الصغيرة بالعام ويحكم بوجوب إكرامه.

هذا هو محور البحث في المقام ، وما اخترناه في العنوان يناسب ما هو المقصود من عقد هذا الفصل.

وفي كلمات القوم عنوانان آخران :

١. في سراية إجمال المخصص إلى العام وعدمها.

٥٠٥

٢. التمسّك بالعام في الشبهات المفهومية للمخصص.

وأمّا صور المسألة فلا تتجاوز عن أربع ، لأنّ المخصص إمّا متّصل أو منفصل ، وإجمال المخصص تارة يستند إلى دورانه بين الأقلّ والأكثر ، أو بين المتبائنين ، وإليك رؤوس الصور على وجه التفصيل :

١. المخصص المتّصل ودوران الأمر بين الأقل والأكثر.

٢. المخصّص المنفصل ودوران الأمر بين الأقل والأكثر.

٣. المخصّص المتصل ودوران الأمر بين المتبائنين.

٤. المخصّص المنفصل ودوران الأمر بين المتبائنين.

وليعلم أنّ المخصص المجمل تارة يكون لفظياً وأُخرى لبيّاً ، كما أنّ إجماله تارة يكون في المفهوم وأُخرى في المصداق ، والبحث في المقام مركّز على المخصص اللفظي ـ دون اللّبي ـ وعلى المفهومي ، دون المصداقي.

أمّا اللبي فلم يبحث عنه المحقّق الخراساني.

إذا وقفت على رؤوس الصور فلنذكر أحكامه :

١. المخصص اللفظي المتصل الدائر بين الأقلّ والأكثر

إذا كان المخصص اللفظي متصلاً بالعام ودار أمره بين الأقل والأكثر كما إذا قال : « أكرم العلماء غير الفسّاق » فيسري إجمال المخصِّص إلى العام ، ولا يحتجّ به في مورد الشكّ ( مرتكب الصغيرة ) واستدلّ عليه المحقّق الخراساني بقوله : « فلعدم انعقاد الظهور للعام أصلاً ، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكلّ واحد من الأقل والأكثر ». (١)

__________________

١. الكفاية : ١ / ٣٢٩.

٥٠٦

تفصيله هو ما مرّ في الفصل الماضي من أنّ المخصص المتّصل ، يعارض ظهور العام ، فلا ينعقد له ظهور في العموم ، حتّى يتمسك به في مورد الشكّ ( أعني : مرتكب الصغيرة ) بل ينعقد ظهوره في الخصوص ، أي العنوان المركب ، أي : « العلماء غير الفسّاق » ، فكما يجب في مقام الاحتجاج إحراز كونه عالماً ، هكذا يجب إحراز كونه غير فاسق ، والمفروض انّه غير محرز ، لإجمال مفهوم الفاسق وتردده بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة ، فعلى الأوّل فهو من مصاديق غير الفسّاق ، دون الثاني ، ومعه كيف يمكن أن يتمسّك بالدليل الذي لم يحرز موضوعه؟

فإن قلت : إنّما يصحّ هذا إذا كان المخصّص بلسان الوصف كالمثال الماضي ، وأمّا إذا كان بلسان الاستثناء كما إذا قال : أكرم العلماء إلا الفساق منهم ، فالموضوع هو العالم ، والمفروض انّه محرز بعامة أجزائه.

قلت : إنّ الموضوع وإن كان هو العلماء ، لكن الاستثناء جعل العام حجّة في غير مورد الفسّاق ، فالعام حسب الموضوع وإن كان محرزاً ، لكنّه بما هو حجّة فيه غير محرز.

وبعبارة أُخرى : الموضوع حسب الإرادة الاستعمالية وإن كان محرزاً ، لكنّه حسب الإرادة الجدية غير محرز لتعلّقها بشهادة الاستثناء ، بغير الفسّاق من العلماء ، وإنّما يحتجّ بالإرادة الاستعمالية إذا أحرزت مطابقتها مع الإرادة الجدية ، لكنّها بعدُ غير محرزة ، إذ لو كان مرتكب الصغيرة غير معدود من الفسّاق فالتطابق في مورد مرتكب الصغيرة محقّق محرز ، دونما إذا كان معدوداً منهم.

٢. المخصص اللفظي المنفصل الدائر بين الأقل والأكثر

إذا كان المخصص اللفظي ، منفصلاً عن العام ، بحيث لا يزاحم ـ لأجل

٥٠٧

انفصاله ـ انعقادَ ظهوره في العموم ، وإنّما يزاحم حجّيته فيه كما مرّ ، ودار أمـره بين الأقل والأكثر ، كما إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال بعـد فترة : « لا تكرم فسّاق العلماء » فهل يسري إجماله إلى العام أو لا؟ ذهب المحقّق الخراسـاني وتبعه السيّد الأُستاذ ـ قدّس سرّهما ـ إلى عدم سرايته إلى العام ، وأنّ العـام يكون حجّة في مورد الشكّ ، كمرتكب الصغيرة ، والفرق بينه وبين المتّصـل حيث قلنا بعدم حجّية العام فيه هو انعقاد ظهور اللفظ في العموم وبالتالي شموله لكلّ فرد حتّى مرتكب الصغيرة ، هذا من جانب ومن جانب آخر الأصـل تطابق الإرادة الاستعمالية التي يحكي عنها الظهور في مورد مرتكب الصغيرة مع الإرادة الجدية فيكون العام حجّة في الفرد المشكوك ، وأمّا المخصص اللفظي المنفصل فهو وإن كان حجّة قطعية في مورد الكبيرة ، لكنّه في مورد الصغيرة مشكوك الحجيّة ، فلا يجوز رفع اليد عن الحجّة القطعيّة بالحجّة المشكوكة.

وإلى هذا الدليل يشير المحقّق الخراساني بقوله :

« إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملاً بأن كان دائراً بين الأقل والأكثر وكان منفصلاً فلا يسري إجماله إلى العام لا حقيقة ولا حكماً ، بل كان العام متبعاً فيما لا يُتبع فيه الخاص ، لوضوح انّه حجّة فيه بلا مزاحم أصلاً ضرورة انّ الخاص إنّما يزاحمه فيما هو حجّة على خلافه تحكيماً للنصّ أو الأظهر على الظاهر لا فيمالا يكون كذلك ». (١)

وقال السيد الأُستاذ قدس‌سره : ولا يقاس ذلك بالمتصل المردد بين الأقل والأكثر ، إذ لم ينعقد للعام هناك ظهور قط إلا في المعنون بالعنوان المجمل ومرتكب الصغيرة

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٣٩.

٥٠٨

مشكوك الدخول في العام هناك من أوّل الأمر ، بخلافه هنا فانّ ظهور العام يشمله قطعاً.

والذي يدلّ على ذلك أنّه لو كان المخصّص المنفصل المجمل حكماً ابتدائياً من دون أن يسبقه العام لما كان حجّة إلا المقدار المتيقّن دون المشكوك فكيف مع ظهور العام. (١)

أقول : إنّ ما أسّسه المحقّق الخراساني قدس‌سره ، من أنّ المخصّص المنفصل لا يهدم ظهور العام ولا يعارضه فهو حجّة إلى أن يثبت خلافه ، صحيح فيما إذا شكّ في أصل التخصيص أو في التخصيص الزائد ، كما إذا شكّ في تخصيصه وراء الفسّاق ، بالنحاة أيضاً.

وأمّا إذا شكّ في سعة المخصّص القطعي وضيقه ، فالظهور المنعقد للعام لا يحتجّ به كما هو الحال كذلك في جانب المخصص المجمل الدائر بين الأقلّ والأكثر.

توضيحه : انّ الاحتجاج بالعام في مورد الصغيرة يعتمد على أحد أمرين :

١. الظهور في العموم.

٢. تطابق الإرادة الاستعمالية في موردها مع الإرادة الجدية.

وكلاهما لا ينجعان.

أمّا الأوّل ، فلأنّ الاحتجاج به لأجل كشفه عن الإرادة الجدّية ، وإلا فالظهور بما هو ظهور ، ليس بحجّة ، وعندئذ فلو شكّ في أصل التخصيص ، كما إذا شكّ في ورود تخصيص ثان على العام ، كعدم إكرام النحاة ، فيحتجّ بعموم العام وظهوره

__________________

١. تهذيب الأُصول : ١ / ٤٧٣.

٥٠٩

في الشمول كشفه عن وجود الإرادة الجدية في مورد النحاة.

وأمّا إذا كان التخصيص قطعياً وكان الشكّ في سعته وضيقه ـ كما في المقام ـ حيث شكّ في شمول « الفسّاق » لمرتكب الصغيرة وعدمه ، ففي مثله لا يحتجّ بالظهور المنعقد للعام في العموم ، لأنّه إنّما يحتجّ به إذا كان كاشفاً عن الإرادة الجدية ، وقد علم خلافه ـ بعد ورود المخصص ـ حيث إنّ المخصص كشف عن تعلّق الإرادة الجدية ، بغير الفسّاق ، والظهور كشف عن تعلّقها بمطلق العلماء ومع هذه المخالفة لا يحتج بالظهور المنهار.

نعم لو شكّ في تخصيص زائد ـ وراء الموجود ـ يحتجّ به ، لأنّ سقوط ظهوره في مورد ( الفسّاق ) لا يصير دليلاً على سقوطه في مورد آخر لا صلة بينهما ، كما في مورد النحاة.

وأمّا الثاني ، أعني : الاحتجاج بأصالة التطابق في الإرادتين ، فهو أيضاً كالاحتجاج بالظهور ، لأنّها ليست أصلاً تعبدياً ، بل أصلاً عقلائياً كاشفاً عن وجود الإرادة الجدية ، في كلّ مورد تعلّقت به الإرادة الاستعمالية ومع صدور المخصص المنفصل ، وتطرق الشك في دخول الصغيرة تحت العام أو المخصص به فلا يصلح الأصل المزبور ، للاحتجاج لزوال الوثوق بعموم العام خصوصاً عدم استلزام الخروج عن تحت العام ، تخصيصاً آخر ، بل هنا تخصّص واحد ، كانت الصغيرة باقية تحته أو خارجة.

وبهذا البيان عدل شيخنا الأُستاذ ( مد ظلّه ) عمّا بنى عليه في الدورات السابقة حيث استقرّ نظره أخيراً على أنّ إجمال المخصص المنفصل يسري إلى العام حكماً.

وممّا ذكرنا يظهر عدم تمامية ما أفاده السيّد الأُستاذ من أنّه لو كان

٥١٠

المخصص المنفصل حكماً ابتدائياً من دون سبق العام لما كان حجّة إلا في القدر المتيقّن دون المشكوك فكيف مع ظهور العام؟

وذلك لأنّه لا ملازمة بين عدم الحجّية وبين عدم المانعية عن الاحتجاج بالعام ، فالأوّل مسلم إذ ليس المخصص حجّة في المشكوك ولكن الثاني غير معلوم ، فانّ المنفصل المجمل يصير كالقرينة الحافة بالكلام التي توجب إجمال الكلام.

وما ذكرنا هو الوجه في التوقّف في العمل بالعام ، وقد أشار إلى بعض ما ذكرناه شيخ مشايخنا العلاّمة الحائري وإن عدل عنه في هامش كتابه ، قال : إذا صارت عادة المتكلم جارية على ذكر المخصص منفصلاً عن كلامه ، فحال المنفصل في كلامه ، حال المتصل في كلام غيره ، فيحتاج في العمل بالعام إلى أحد أمرين :

١. القطع ببقائه تحت العام.

٢. الأصل.

أمّا الأوّل فغير موجود ، وأمّا الثاني فجريانه مخصوص بمورد لم يوجد فيه ما يصلح لأن يكون مخصصاً. (١)

ثمّ إنّه قدس‌سره عدل عمّا ذكر في الهامش ، وحاصله : انّه لو صحّ ما ذكر لما جاز تمسّك أصحاب الأئمّة بكلام إمام زمانهم ، لأنّه كالتمسّك بصدر كلام متكلم قبل مجيء ذيله ، مع أنّ ديدنهم جرى على التمسّك.

يلاحظ عليه : أنّه لم يثبت انّهم كانوا يتمسّكون بعموم العام ، مع احتمال

__________________

١. درر الفوائد : ١ / ٢١٥ ، ط جماعة المدرسين.

٥١١

مجيء مخصص في كلام الإمام اللاحق ، فانّ أكثر الروايات المتضمنة للأحكام صدر عن الصادقين ، ولم يثبت انّ نظائر زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من أصحاب الإمامين كانوا يتمسّكون مع احتمال صدور مخصص في كلام الأئمّة الباقين ، ولأجل ذلك كان الأصل حاكماً.

إلى هنا تمّ بيان أحكام القسمين في المخصّص المتصل والمنفصل من أقسام دوران المخصّص بين الأقل والأكثر وبقي الكلام في أحكامهما من أقسام دوران الأمر بين المتبائنين.

٣. المخصص اللفظي المتصل الدائر أمره بين المتبائنين

إذا دار أمر المخصص اللفظي المتصل بين المتبائنين ، كما إذا قال : أكرم العلماء إلا زيداً وتردد المستثنى بين شخصين أحدهما زيد بن عمر والآخر زيد بن بكر ، يسقط الاحتجاج بالعام في مورد كلّ من الشخصين ، لما عرفت في المخصص المتصّل الدائر أمره بين الأقل والأكثر من أنّ اتصال المخصّص يمنع عن انعقاد الظهور للعام في العموم ، بل ينعقد ظهوره في الخصوص من أوّل الأمر ، أي في العنوان المركب من العلماء وغير الفسّاق ، فكما يجب إحراز كون المورد عالماً يجب إحراز كونه غير فاسق ، وفي المقام أيضاً كذلك فكون المورد عالماً وإن كان محرزاً لكن لم يحرز الجزء الآخر لأجل الجهل بالمفهوم.

٤. المخصّص اللفظي المنفصل المجمل الدائر أمره بين المتبائنين

إذا كان المخصص اللفظي المنفصل ، مجملاً مفهوماً مردداً بين المتبائنين ، كما إذا قال : أكرم العلماء ولا تكرم زيداً العالم ودار أمره بين زيد بن عمرو وزيد

٥١٢

بن بكر العالمين ، فهل يسري أو لا؟ الحقّ أنّه يسري حكماً ، بمعنى أنّه لايكون العام حجّة في حقّ هذين الشخصين ، للعلم التفصيلي بسقوط العام عن الحجّية في حقّ أحدهما ، ومعه كيف يمكن أن يكون العام حجّة في مورد أحدهما أو كليهما؟! وعلى ذلك يجب إعمال قواعد العلم الإجمالي ، فلو كان لسان المخصص رفع الوجوب يجب إكرام كلا الرجلين حتّى تحصل البراءة ، وإن كان لسانه تحريم الإكرام يدور الأمر بين المحذورين فيعمل بحكمه من التخيير أو القرعة.

إلى هنا تمّ الكلام في المخصص اللفظي المجمل مفهوماً وأمّا الكلام في المخصص اللبي المجمل مفهوماً فلم يبحث عنه المحقّق الخراساني ، وإنّما بحث فيه في الشبهة المصداقية لا في الشبهة المفهومية.

فخرجنا بالنتيجة التالية : انّ إجمال المخصّص اللفظي يسري إلى الأقسام في عامة الصور متصلاً كان أو منفصلاً ، دار أمر الإجمال بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين.

إذا علمت ذلك فلندخل في الإجمال المصداقي الذي يعبر عنه بالشبهة المصداقية للمخصّص ، ولنعقد له فصلاً مستقلاً كما عقدناه للمجمل مفهوماً.

٥١٣

الفصل الخامس

المخصّص اللفظي المجمل مصداقاً

إذا كان المخصص مجملاً من حيث المصداق لا من حيث المفهوم ، كما إذا قال : أكرم العلماء ثمّ قال : لا تكرم فسّاق العلماء ، وكان المخصص معلوماً مفهوماً وإنّما تعلّق الشكّ بالمصداق وانّ زيداً العالم مثلاً هل هو فاسق أو لا؟ وهذا هو المسمّى بالشبهة المصداقية للمخصص وموردها ما إذا كان عنوان العام محرزاً وعنوان الخاص مشكوكاً كما عرفت ، وأمّا إذا كان نفس عنوان العام مشكوكاً وأنّ زيداً مثلاً عالم أو لا ، فهذا ما يسمّى بالشبهة المصداقية للعام ، وهذا خارج عن محط البحث ، ومن المعلوم أنّ العام ليس بحجّة فيه.

وكان اللازم على المحقّق الخراساني أن يقسّم المخصّص اللفظي ـ في الشبهة المصداقية ـ إلى مخصص متصّل ، ومخصص منفصل ، ثمّ إنّ الشبهة في كلّ من المتّصل والمنفصل تارة تدور بين الأقلّ والأكثر ، وأُخرى بين المتبائنين فتصير الأقسام أربعة كالشبهة المفهومية ، لكنّه قدس‌سره سلّم عدم جواز التمسّك في المتصل مطلقاً ، وفي المنفصل صورة دوران الأمر بين المتبائنين خص البحث بصورة واحدة وهي صورة انفصال المخصص ، ودوران الإجمال بين الأقل والأكثر ، ونحن أيضاً نقتفيه.

ثمّ إنّ المشهور بين القدماء هو جواز التمسّك كما سيوافيك كلامهم عند

٥١٤

التطبيقات ووافقهم من المتأخرين المحقّق النهاوندي ( المتوفّى ١٣١٧ ) في كتاب « تشريح الأُصول » والمعروف بين المتأخرين هو عدم الجواز ، ولنذكر أدلة المجوزين ، حيث استدلّوا بوجوه :

الأوّل : مزاحمة الحجّة بغير الحجّة

انّ الخاص إنّما يزاحم العام فيما كان فعلاً حجّة ( ما علم أنّه مصداق له كمعلوم الفسق ) ، ولا يكون حجّة فيما اشتبه انّه من أفراده فخطاب : « لا تكرم فسّاق العلماء » لا يكون دليلاً على حرمة إكرام من شكّ في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل أكرم العلماء ولا يعارضه ، فانّه من قبيل مزاحمة الحجّة بغير الحجّة. (١)

حاصله : انّ الحجّة عبارة عن ضم الكبرى إلى صغرى محرزة فيقال هذا خمر ، وكلّ خمر حرام ، وأمّا المقام فالكبرى ( لا تكرم فسّاق العلماء ) وإن كانت محرزة لكن الصغرى ( كون زيد فاسقاً ) غير محرز ، فلا يحتجّ بالخاص فيه ، وهذا بخلاف جانب العام ، فانّ الحجّة بكلا جزئيها محرزة حيث نعلم أنّه عالم ، وكلّ عالم يجب إكرامه ، فرفع اليد عن الثاني من قبيل مزاحمة الحجّة بغير الحجّة.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني أجاب عن الاستدلال بقوله : « إنّ الخاص وإن لم يكن دليلاً في الفرد المشتبه فعلاً ، إلا أنّه يوجب اختصاص حجّية العام في غير عنوانه ( الخاص ) من الأفراد ، فيكون أكرم العلماء دليلاً وحجّة في العالم غير الفاسق ، فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقاً للعام بلا كلام ، إلا أنّه لم يعلم أنّه من مصاديقه بما هو حجّة لاختصاص حجّيته بغير الفاسق.

وبالجملة : العام المخصّص بالمنفصل وإن كان ظهوره في العموم كما إذا لم

__________________

١. الكفاية : ١ / ٣٤٢ ، ولاحظ تشريح الأُصول للمحقّق النهاوندي : ٢٦١ ـ ٢٦٢.

٥١٥

يكن مخصَّصاً ، بخلاف المخصص المتصل ، كما عرفت إلا أنّه في عدم الحجّية إلا في غير عنوان الخاص ، مثله فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجّتين فلابد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين ». (١)

وحاصله : انّ الصغرى في كلا الدليلين غير محرزة ، أمّا الخاص فلما عرفت ، وأمّا العام فهناك ملاحظتان ، فالصغرى حسب إحداهما محرزة دون الأُخرى فإن لوحظ العام ، مع قطع النظر عن المخصص المنفصل ، فالصغرى والكبرى محرزتان ، لأنّها في هذا اللحاظ ليست إلا نفس العالم ، وأمّا إذا لوحظ العام بعد تخصيصه به ، فالموضوع يتعنون بقيد عدمي ، ويكون الموضوع هو العالم غير الفاسق ، والجزء الأوّل منها وإن كان محرزاً لكن الجزء الثاني ، أعني : القيد العدمي بعد غير محرز.

وإن شئت قلت : إنّ الموضوع حسب ظهور العام وإن كان محرزاً ، لكنّه بالنسبة إلى ما هو حجّة فيه غير محرز ، لأنّه ليس حجّة في مطلق العلماء ، بل العلماء غير الفسّاق.

وبعبارة ثالثة : انّ الموضوع حسب الإرادة الاستعمالية محرز ولكنّه بالنسبة إلى الإرادة الجدية غير محرز.

فإن قلت : ما ذكرته خلط بين التقييد والتخصيص فبما انّ لسان التقييد ، لسان بيان حدّ الموضوع وخصوصياته ، يكون سبباً لتركب الموضوع وتعنونه بعنوان القيد ، كما إذا قال :

إذا أفطرت اعتق رقبة ،

ثمّ قال : إذا أفطرت اعتق رقبة مؤمنة.

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

٥١٦

فعندئذ يكون متعلّق الإرادة الجدية هو المعنون المركب من شيئين.

وهذا بخلاف التخصيص فانّ شأنه إخراج ما ليس بموضوع عن تحت الموضوع ، فلا يورث إخراج الفسّاق منهم ، تركّب الموضوع من جزءين أحدهما إيجابي ـ أعني : العلماء ـ والآخر سلبي وهو غير الفسّاق.

قلت : إنّ ما ذكرته من الفرق بين التقييد والتخصيص إنّما يصحّ إذا كان الإخراج إفرادياً ، كأن يُخرج زيداً ، وعمراً وهكذا على التفصيل ، وأمّا إذا كان الإخراج بملاك وتحت عنوان كالفسّاق مثلاً ، فلا محالة يكون العام في مقام الحجّية ، معنوناً بغير عنوان الخاص ، أي العلماء غير الفسّاق.

نعم يظهر من المحقّق العراقي ، انّ التخصيص ، لا يُضفي على العام أي عنوان ، وانّ إخراج بعض الأفراد ، بعنوان خاص ـ كالفسّاق ـ أشبه بإخراجهم عن تحته بالموت ، حيث قال : إنّ شأن المخصّص إخراج الفرد مع إبقاء العام على تمام الموضوعية ، وإنّما يُقلِّل افراد العام دون انقلاب فيه نظير موت بعض الأفراد. (١)

وأنت خبير بأنّه خلط بين التخصيص الإفرادي ، والتخصيص العنواني الحاكي عن ملاك الإخراج ، فعندئذ يكون العام حجّة في غير عنوان الخاص كما أوضحناه.

الثاني : التمسّك بالعموم الأحوالي

إنّ العام بعمومه الافرادي يدلّ على وجوب كلّ فرد من العلماء كما أنّه بعمومه الأحوالي يدلّ على سراية الحكم إلى كلّ حال من حالات الموضوع ، وهي عبارة عن كونهم عدولاً أو فسّاقاً ، أو مشكوكي العدالة ، فقد خرج الثاني عن

__________________

١. مقالات الأُصول : ١ / ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

٥١٧

تحت العموم بفضل المخصص ، وبقي الثالث تحت العموم الأحوالي للدليل.

يلاحظ عليه أوّلاً : ـ مضافاً إلى ـ أنّ العموم الأحوالي هو نفس الإطلاق الأحوالي والتعبير عن الثاني بالأوّل خلاف الاصطلاح ، انّه ليس الإطلاق هو تسرية الحكم إلى عامة حالات الموضوع وأخذها فيه ، بأن يقال : إنّ العالم واجب الإكرام ، سواء كان معلوم الفسق ، أو مشكوك ، أو مقطوع العدم حتّى يرجع الإطلاق إلى ضم القيود ، مع أنّه رفض القيود ، بل الإطلاق عبارة عن كون ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع وهو في المقام هو لفظ « العالم » فقط لاجعل الفرد واجب الإكرام في الأحوال الثلاثة.

وثانياً : أنّ العموم الأحوالي فرع العموم الافرادي ، فلو علم بقاء فرد تحت العام يشمله الحكم في الأحوال الثلاثة ، وأمّا إذا شكّ في بقائه أو خروجه ، كما هو الحال في المقام ، لأنّ المورد على فرض من مصاديق المخصص ، نشك في وجود العموم الأحوالي حتّى يحتجّ به.

وثالثاً : إنّما يصحّ التمسّك بالعموم الأحوالي ، إذا كان الشكّ مأخوذاً في لسان الدليل ، بأن يقال : انّ العالم واجب الإكرام حتّى ولو شكّ في كونه فاسقاً أو غير فاسق ، مع أنّه ليس كذلك وإلا يلزم أن يكون مبيّناً لحكمين : واقعي وظاهري ، أمّا الأوّل فالحكم على العالم بما هو هو ، والحكم عليه ، بما انّه مشكوك الفسق والعدالة ، وهذا ممّا لا يحتمله قوله : « أكرم العلماء ».

الثالث : استصحاب حكم العام

هذا الوجه ذكره الشيخ من قبل المجوزين وقال : ويمكن أن يحتجّ للخصم بالاستصحاب فيما لو عمل بالعام في المشكوك بواسطة القطع باندراجه

٥١٨

ثمّ طرأ الشكّ فيه. (١)

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ الكلام في التمسك بالعام لا بالاستصحاب.

وثانياً : أنّه لا يعمّ الشكوك البدوية ويختصّ بما إذا كان للحكم حالة سابقة.

وثالثاً : انّ طروء الشكّ إلى اليقين يوجب زوال اليقين من أصله ، فعندئذ يخرج المورد عن قاعدة الاستصحاب ويدخل في قاعدة اليقين ، وهي ليست بحجّة ولا تشملها أخبار الاستصحاب ، لأنّها ظاهرة في وجود اليقين الفعلي حين الشكّ والمفروض زواله من عند الشك.

الرابع : التمسّك بقاعدة المقتضي والمانع

وهذا الوجه أيضاً ذكره الشيخ في المطارح من قبل المجوزين ، قال :

الظاهر عن عنوان العام والمخصص أن يكون الأوّل مقتضياً ، والثاني مانعاً عن الحكم ففي موارد الاشتباه يؤول الأمر إلى الشك في وجود المانع بعد إحراز المقتضي والأصل عدمه فلابدّ من الحكم بوجود المقتضي. (٢)

يلاحظ عليه : أنّه لم يدلّ دليل على حجّية قاعدة « المقتضي والمانع » ، نعم قال بحجّيتها العلامّة الشيخ محمد هادي الطهراني قدس‌سره وبالغ في تشييدها ، بتطبيق أخبار الاستصحاب عليها ، وقد أوضحنا في محلّه ضعف التطبيق.

أضف إلى ذلك : انّه ربّما لا يكون لسان المخصّص ، لسان المانع ، كما إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : وليكن العلماء عدولاً ، والشكّ في عدالة واحد منهم ، ليس شكّاً في المانع بعد إحراز المقتضي ، بل هو شكّ في جزء المقتضي.

__________________

١ و ٢. مطارح الأنظار : ١٩٧.

٥١٩

المخصّص اللبّي والشكّ في الشبهة المصداقية

المراد من المخصّص اللبيّ ، ما إذا كان الدالّ على الحكم الشرعي ، أمراً غير لفظي ، كالإجماع ، وسيرة المتشرّعة ، وحكم العقل ، مثلاً لو دلّ الدليل اللفظي على إكرام الجيران وحصل القطع للمكلّف على عدم وجوب إكرام الأعداء منهم ، يسمّى مثل ذلك تخصيصاً لبيّاً.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني خصّ ذكر المخصّص اللبي بهذا الفصل ، أعني : الشبهة المصداقية ، ولم يذكره في فصل الشبهة المفهومية مع إمكان جريانه فيها ونحن أيضاً نقتفيه.

ونقول : إنّ المخصّص اللبيّ في الشبهة المصداقية تارة يكون متّصلاً بالحكم العام ـ كحكم العقل ـ وأُخرى منفصلاً ، كالإجماع والسيرة ، وعلى كلا الوجهين فتارة يكون الإجمال دائراً بين الأقل والأكثر ، وأُخرى بين المتبائنين ، والأمثلة نفس الأمثلة.

وعلى ضوء ما ذكر يسري الإجمال إلى العام ، في متصله ومنفصله ، في الدائر بين الأقل والأكثر أو الدائر بين المتبائنين ، ووجهه انّ المخصص جعل العام حجّة في غير عنوان الخاص والعام بعنوانه وإن كان محرزاً ، لكنّه بما هو حجّة فيه ، أعني : الجار غير العدو ، غير محرز.

لكن الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني أجازا التمسّك بالعام في صورة واحدة ، وهي إذا دار إجمال المخصص المنفصل بين الأقل والأكثر مصداقاً وأوضحه في « الكفاية » بما يلي :

وأمّا إذا كان لبيّاً بأن كان ممّا يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم إذا كان بصدد

٥٢٠