إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

التمسّك بالبراءة ، ولكن محلّه هو الجملة الإخبارية ، والمتكلّم هو الذي يخبر بأنّه سار وقرأ كذلك والعرف يصدقه في كلامه ، ولا يكون لهذا التصديق منشأ عندهم إلا عدم دلالتها على إدخال الغاية في حكم المغيّى.

ثمّ لو قلنا بأحد الأقوال في دخول الغاية في حكم المغيّى فهو ، وإلا فيصير الكلام مجملاً فينتهي الأمر إلى الأُصول العملية ، فهل المقام من مجاري الاستصحاب أو البراءة؟ فيه خلاف ، فإذا غسل اليد دون المرفق فهل يمكن التمسّك باستصحاب بقاء الوجوب؟ الظاهر لا ، لأنّ استصحاب الوجوب لا يثبت وجوب غسل المرفق إلا على القول بالأصل المثبت ، لأنّ بقاء الوجوب مع غسل ما سوى المرفق من اليد يلازم عقلاً وجوب غسل المرفق ، وإلا لما كان وجه لبقائه لعدم وجوب ما فوق المرفق إجماعاً.

بل المورد مجرى البراءة لكونه من قبيل الشكّ في الأقل والأكثر الارتباطيين.

٤٤١

الفصل الرابع

مفهوم الحصر

المشهور انّ الأُمور التالية تفيد الحصر :

١. إلا الاستثنائية ، ٢. إنّما ، ٣. بل الاضرابية ، ٤. تقديم ما حقّه التأخر ، ٥.تعريف المسند إليه باللام.

وإليك دراسة الكلّ واحداً بعد الآخر.

الكلام في « إلا » الاستثنائية

١. هـل الاستثناء مـن النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي ، أو لا هذا ولا ذاك؟

٢. لو قلنا بالدلالة ، فهل الجملة الاستثنائية أو خصوص لفظة « إلا » تدلّ على الحصر أو لا؟ وسيوافيك ما هو المراد من الحصر.

٣. وهل دلالتها على الحصر ، دلالة منطوقية أو مفهومية؟

وإليك دراسة تلك الأُمور :

أ. الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي

إنّ لفظة « إلا » تستعمل على وجوه :

٤٤٢

١. أن تكون للاستثناء نحو قوله : ( فَشَِربُوا مِنْهُ إِلاّ قَليلاً ). (١)

٢. أن تكون صفة بمنزلة « غير » ، فيوصف بها وبتاليها جمع منكَّر أو شبهه ، نحو قوله : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلهةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتا ). (٢)

٣. أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى ، نحو قوله : ( لا يَخافُ لَدَيَ المرسَلُونَ * إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمّ بَدَّلَ حُسْناً ). (٣)

٤. أن تكون زائدة تختص بالشعر.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّ المفيد للحصر هو إلا « الاستثنائية » فنقول :

لا خلاف في أنّ الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة.

وقد أوضح الشيخ الأنصاري مقصود أبي حنيفة بقوله : إنّ غاية ما يُستفاد من الاستثناء انّ المستثنى غير داخل في الحكم الذي نطق به المتكلّم به ، وأمّا حكمه واقعاً فيحتمل أن يكون محكوماً بحكم المستثنى منه أيضاً ، أو يكون محكوماً بخلافه ، وبالجملة انّ المتكلّم يريد بالاستثناء أن لا يخبر عنه بالحكم المذكور (٤) ، وعدم اخباره عنه بذاك الحكم لا يثبت عدم كونه محكوماً به بل يحتمل الأمرين. (٥)

واحتجّ بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة إلا بطهور » فانّه لو كان الاستثناء من النفي إثباتاً يلزم أن تكون الصلاة نفس الطهور وإن لم تكن سائر الشرائط

__________________

١. البقرة : ٢٤٩.

٢. الأنبياء : ٢٢.

٣. النمل : ١٠ ـ ١١.

٤. وبعبارة أُخرى : ليس محكوماً بشخص الحكم لكن من المحتمل أن يكون محكوماً بسنخه كما يحتمل أن لا يكون كذلك.

٥. مطارح الأنظار : ١٨٧.

٤٤٣

موجودة.

يلاحظ عليه : بأنّه خلاف المتبادر منها في عامة الموارد ، وخلاف ما يتبادر ممّا يعادله في بعض اللغات كلفظة « مگر » في الفارسية فانّه يعادل « إلا » الاستثنائية ، فلو وقع بعد النفي ، يفيد الإثبات ، كما لو وقع بعد الإثبات ، يفيد النفي.

أقول : ما استدلّ به ضعيف فانّ الحصر ناظر إلى صورة اجتماع عامّة الأجزاء والشرائط غير الطهارة ، وعندئذ تدلّ على لزوم تحصيل الطهارة أو قراءة فاتحة الكتاب ، لأنّه لا تحصل الصلاة إلا إذا كانت الأجزاء والشرائط الفعليّة المفروضة وجودها مقرونة بالطهارة ، أو بقراءة الفاتحة ، وعندئذ يصحّ أن يقال : انّ الصلاة نفس الطهارة ، أي التوأمة مع سائر الأجزاء والشرائط.

ويؤيد ذلك ، التعبير عن ذلك « بطهور » أو بفاتحة الكتاب ، دون أن يقول إلا طهوراً أو فاتحة الكتاب ، ليفيد معنى الاقتران ، أيْ اقتران سائر الأجزاء والشرائط بهما.

ب. دلالته على الحصر

هذا هو الموضع الثاني ، أي دلالة « إلا » الاستثنائية على الحصر وهو مبنيّ على تسليم الأمر الأوّل أعني أنّ الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي.

والظاهر من كلمات الأُصوليين انّ أداة الحصر هو لفظة « إلا » ولكن الظاهر من الخطيب القزويني هو « النفي والاستثناء » قال : ومن أداة الحصر : النفي والاستثناء ، كقولك في قصر الموصوف إفراداً : « ما زيد إلا شاعر » ، أو قلبا : « ما زيد إلا قائم » وفي قصرها أفراداً وقلبا : « ما شاعر إلا زيد ». (١)

__________________

١. شرح المختصر : ٨٢.

٤٤٤

وعلى أيّ تقدير فالظاهر أنّ المراد من الحصر ، حصر الخارج عن حكم المستثنى منه ، في المستثنى وانّه لم يخرج عنه سواه ، وقد عبّر عن الحصر في الكفاية بقوله لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلباً أو إيجاباً بالمستثنى منه ولا يعمّ المستثنى. (١)

ويدلّ على الحصر بالمعنى المختار أمران :

١. تبادر الحصر

يتبادر الحصر من موارد استعمالاته في الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب فقوله سبحانه : ( والعَصْر * إِنَّ الإِنسانَ لَفِي خُسْر * إِلاّ الّذِينَ آمَنُوا ... ). (٢)

إذ لو لم تدل على الحصر لما تمّ الاحتجاج على الطوائف الخارجة عن الطوائف الأربعة الواردة في نفس السورة ، إذ هي بصدد التنديد بسائر الطوائف ، فلو لم تدل على الحصر واحتمل خروج بعض الطوائف عن الحكم عليهم بالخسران ، لما تمّ التنديد ، لأنّ كلّ طائفة ـ غير الأربع ـ يتصوّر انّها الخارجة عن حكم الآية.

وأمّا السنّة فقوله : « لا تعاد الصلاة إلا في خمسة : الطهور والوقت والقبلة ، والركوع والسجود » (٣) على نحو لو دل دليل على لزوم اعادتها بفوت القيام المتّصل بالركوع ، لعدّ مخالفاً للمفهوم ، ويلزم تخصيصه به ، لأنّ المنطوق أخصّ من المفهوم.

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٢٦.

٢. العصر : ١ ـ ٣.

٣. الوسائل : ٤ ، الباب ١٠ من أبواب الركوع ، الحديث ٥.

٤٤٥

٢. دلالة كلمة الإخلاص على الحصر

قبول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسلامَ من قال : لا إله إلا اللّه ، فلو لم يكن مفيداً في حصر الالوهية في اللّه ، لما شهد القائل بالتوحيد ، وتصوّر انّ دلالته على التوحيد لأجل القرينة ـ كما في الكفاية ـ لا دليل عليه ، وعده الشيخ في المطارح كلاماً سخيفاً.

ثمّ إنّ في كلمة الإخلاص سؤالاً وجواباً سيوافيك الكلام فيه بعد إتمام دراسة المواضع الثلاثة التي أشرنا إليها في صدر البحث.

ج. هل الدلالة على الحصر دلالة مفهومية؟

إذا قلنا : أكرم العلماء إلا زيداً ، فهنا أُمور ثلاثة :

١. حكم المستثنى منه : وجوب إكرام العلماء باستثناء زيد.

٢. حكم المستثنى ، عدم وجوب إكرام زيد.

٣. حصر الخروج في المستثنى.

أمّا الأوّل : فلا شكّ انّ دلالة الجملة عليه منطوقية ، إنّما الكلام في الأمر الثاني ، أعني : استفادة حكم المستثنى ، فهل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟

فقد فصّل المحقّق الخراساني بين كون حكم المستثنى لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه فالدلالة مفهومية وبين كونه مستفاداً من لفظة « إلا » فمنطوقية ، قال في هذا الصدد :

ثمّ إنّ الظاهر انّ دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم وانّه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلّت عليها الجملة الاستثنائية. نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق كما

٤٤٦

هو ليس ببعيد. (١)

توضيحه : انّه لو قلنا بأنّ حكم المستثنى مستفاد من الخصوصية الموجودة في الجملة الاستثنائية وانّ حكمه لازم الخصوصية ، فالدلالة تكون مفهومية ، والمراد من تلك الخصوصية هو « حصر المجيء في قوم غير زيد » فيفهم منه عدم مجيء زيد ، فعدم مجيئه ليس مصرحاً به في الكلام وإنّما المصرّح به هو مجيء القوم ، نعم قيد القوم بغير زيد.

وأمّا لو قلنا : إنّ لفظة إلا بمعنى « استثني » فاللفظ قائم مقام ذلك الفعل ، فتكون الدلالة منطوقية لاستفادة حكم زيد من لفظة « إلا ».

يلاحظ عليه : أنّ الظاهر انّ الدلالة منطوقية ، وذلك لأنّ هيئة الجملة الاستثنائية موضوعة لإفادة معنيين :

١. ثبوت الحكم للمستثنى منه.

٢. ونفيه عن المستثنى.

وقد سبق تمثيل الخطيب القزويني للحصر الافرادي بقوله : « ما زيد إلا شاعراً » وفي الحصر القلبي بقوله : « ما زيد إلا قائماً » فاستفادة كلّ من الحكمين من المنطوق ودلالة الهيئة الاستثنائية على حكم كلّ من المستثنى منه والمستثنى دلالة لفظية تضمنية.

وبذلك يسقط الاحتمال الثاني ، أعني : كون إلا بمعنى « استثنى ».

وأما الثالث ، أعني : دلالة الجملة الاستثنائية على حصر الخروج في المستثنى فهو محتمل الأمرين ، وبما انّه لا يترتب على تعيين ذلك ثمرة عملية فلا نخوض فيه.

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣٢٨.

٤٤٧

وربما يتصوّر وجود الثمرة ، وهي انّ الدلالة المنطوقية أقوى من المفهومية ، فتعيين إحدى الدلالتين غير خالي عن الثمرة.

يلاحظ عليه : أنّ تقديم الدلالة المنطوقية على المفهومية ليس لأجل كونها أقوى من المفهومية دائماً ، بل ربما يكون المفهوم أقوى من المنطوق ، بل الحكم في كلّ مورد يتبع أقوى الدلالتين.

بحث حول كلمة الإخلاص

لا شكّ انّ « لا » النافية للجنس تعمل عمل « ان » كقولك : « لا رجل قائم » ويكثر حذف خبرها كقوله سبحانه : ( قالُوا لا ضَْير إِنّا إلى رَبِّنا مُنْقَلِبُون ) (١) وقوله : ( ولَوْ تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مكان قَرِيب ). (٢) وعندئذ يقع الكلام في تعيين الخبر ، لقوله : « لاإله إلا اللّه » فان قدر « ممكن » كان اعترافاً بإمكان المستثنى ، لا لوجوده ، وإن قدر « موجود » كان اعترافاً بنفي وجود الآلهة ، لا نفي إمكانه وكلا الأمرين خلاف المقصود ، فانّ المطلوب من هذه الكلمة أمران :

١. الاعتراف بوجود المستثنى فعلاً هو رهن تقدير « موجود » لا « ممكن ».

٢. إنكار إمكان الآلهة وامتناعها وهو رهن تقدير « ممكن » لا « موجود » فكلّ من الخبرين صالح من جهة وغير صالح لجهة أُخرى.

وقد أُجيب بوجوه :

١. انّ لفظ « لا » اسميّة غنية عن الخبر

إنّ لفظ « لا » النافية للجنس ، اسمية غنية عن الخبر ، فقولك : « لا رجل » و « لا

__________________

١. الشعراء : ٥٠.

٢. سبأ : ٥١.

٤٤٨

مال » ، كلام تام غني عن الجواب ، وهذا هو الذي نقله الشيخ الأنصاري عن بعضهم وحاصله : انّ العدم كالوجود ، فكما أنّ الوجود منه رابط ، مثل قوله : « زيد قائم » ومنه محمول مثل : « زيد موجود » ، فكذلك العدم ، فمنه رابط مثل قولك : « زيد ليس قائماً » ، ومنه محمول مثل قولك : « زيد معدوم ». والأوّل يحتاج إلى الطرفين لامتناع تحقّق الرابط بدونهما بخلاف الثاني ، فالعدم المستفادمن كلمة « لا » على طريقة التميميّين عدم محمول ولا يحتاج إلى تقدير خبر ، والمعنى نفي عنوان الالهية مطلقاً إلا في اللّه كأنّه يقول : « الإله معدوم إلا اللّه » كما في قولك : لا مال ولاأهل ، ويراد منه نفي المال والأهل. (١) وكان سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي يرتضيه في درسه الشريف في مبحث العام والخاص كما سيوافيك.

فإن قلت : إنّ القضية لابدّ لها من جهة وهي لا تخلو من الإمكان والفعلية ، وعلى كلّ تقدير يعود المحذور ، فإن كانت الجهة هي الإمكان يكون الاستثناء اعترافاً بإمكان المستثنى ، وإن كانت « الفعلية » التي هي مساوقة بالموجود ، كان نفياً لوجود الآلهة لا لإمكانها.

قلت : إنّ الجهة لا هذا ولا ذاك ، بل الجهة عبارة عن الضرورة فكأنّه يقول : « الإله معدوم إلا اللّه بالضرورة » ونفي الإله بالضرورة يساوق امتناعه ، كما أنّ إثباته بالضرورة يلازم وجوب وجوده.

وصحّة الجواب مبنية على ثبوت « لا » الاسمية ، وإلا يلزم تركيب الكلام من حرف واسم ، ونقل الشيخ في المطارح انّه لغة التميميّين لكن تفسير الجملة الذائعة بين العرب كلّهم بلغة طائفة خاصة ليس صحيحاً.

__________________

١. مطارح الأنظار : ١٩٢.

٤٤٩

٢. الإله بمعنى واجب الوجود

المراد من « الإله » هو واجب الوجود ، ونفي ثبوته ووجوده في الخارج وإثبات فرد منه وهو « اللّه » يدلّ بالملازمة البيّنة على امتناع تحقّقه في ضمن غيره تبارك وتعالى ضرورة انّه لو لم يكن ممتنعاً لوجد ، لكونه من أفراد الواجب. (١)

وعلى هذا فالمقدر هو « موجود » فهو يدلّ بالدلالة المطابقية على فعلية وجوده سبحانه ولكن يدلّ بالملازمة على نفي إمكان غيره ، إذ لو كان ممكناً بالإمكان العام لكان موجوداً بالضرورة لضرورة وجوده ووجوبه.

يلاحظ عليه : أنّ الإله إمّا بمعنى المعبود ، ـ كما هو المشهور ـ أو يساوق مفهومه مفهوم لفظ الجلالة ، غير أنّ الأوّل كلّي ، والآخر علم شخصي فما يتبادر من لفظ « اللّه » هو المتبادر من لفظ « الإله » بحذف التشخّص ، وأمّا كونه بمعنى واجب الوجود فلم يثبت. نعم هو من لوازم وجود الإله الواقعي.

٣. المقصود حصر العبادة في اللّه لا إثبات وجوده

إنّ العرب الجاهليّين كانوا موحّدين في المراتب الثلاثة التالية :

١. التوحيد الذاتي : واحد لا ثاني له.

٢. التوحيد الخالقي : لا خالق سواه.

٣. التوحيد الربوبي : لا مدبر في الكون سواه.

وإنّما كانوا مشركين في العبادة ، وكانوا يعبدون الأصنام بذريعة انّهم عباد اللّه المكرمين حتّى يتقربوا بعبادتهم إلى اللّه زلفى ، فجاء النبي لردّ هذه العقيدة وانّ

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٤٥٠

العبادة كسائر مراحل التوحيد مختصة باللّه سبحانه ، وانّه لامعبود إلا اللّه ، فالكلمة سيقت لحصر العبادة فيه لا لإثبات وجوده.

يلاحظ عليه : بأنّ الإشكال باق بحاله لكن بصورة أُخرى ، وهو انّ الخبر امّا ممكن أو موجود ، فعلى الأوّل لم يعترف بكونه معبوداً بالفعل ، وعلى الثاني لم ينف إمكان معبودية غيره.

٤. الكلمة مشتملة على عقد واحد وهو عقد النفي

إنّ الإشكال مبني على أنّ الكلمة الطيبة مشتملة على عقدين : عقد النفي وعقد الإثبات بمعنى نفي إلوهية غيره ، وإثبات أُلوهيّته ، وعندئذ يتوجه الإشكال ، لأنّ الغرض في العقد الأوّل نفي الإمكان ، وفي الثاني إثبات وجوده فعلاً والخبر الواحد ، أعني : « ممكن » أو « موجود » لا يفي بكلا الأمرين.

وأمّا لو قلنا بأنّ الغرض الأقصى منها ، هو العقد السلبي ، أي سلب الأُلوهية عن كلّ ما يتصوّر سوى اللّه سبحانه ، وامّا إثبات الأُلوهية للّه سبحانه ، فليس بمقصود ، لكونها كانت أمراً مسلّماً ، فيسقط الإشكال ، ويكون الخبر المقدر ، هو الممكن.

ويكون مفاده نفي إمكان أُلوهيّة غيره وأمّا أُلوهيته سبحانه ، إمكاناً أو فعلاً ، فليس بمقصود ، لكونها أمراً مسلماً إمكاناً وفعلية. (١)

٥. الهدف نفي الفعلية وإثباتها

وهذا الوجه ذكره الشيخ الأنصاري ، وحاصله : انّ الغاية من كلمة

__________________

١. التعليقة على الكفاية : ١٥٩ ، للعلاّمة الطباطبائي.

٤٥١

الإخلاص في جانبي السلب والإيجاب ، هو نفي أُلوهية الآلهة الموجودة بين المشركين وحصر الأُلوهية في اللّه.

وبعبارة أُخرى نفي الفعلية عنها وإثباتها له ، وأمّا نفي إمكان أُلوهيتها فليس بمطلوب في المقام وإنّما يطلب من الآيات الأُخرى نظير :

١. ( لَوْ كانَ فِيهما آلهةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسدَتا فَسُبْحانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عمّا يَصِفُون ) (١) ، وقوله : ( وما كانَ مَعَهُ مِنْ إِله إِذاً لَذَهَبَ كلُّ إِله بِما خَلَقَ وَلَعلا بعضُهُمْ عَلى بَعْض سُبْحانَ اللّهِ عمّا يَصِفُون ) (٢). (٣)

هذه هي أجوبة القوم في المقام ، والأظهر هو الجواب الرابع والخامس ، فلاحظ.

من أدوات الحصر لفظة « إنّما »

من أدوات الحصر كلمة « إنّما » قال الخطيب في تلخيص المفتاح : ومنها « إنّما » كقولك في قصره إفراداً « إنّما زيد كاتب » وقلنا : « إنّما زيد قائم » (٤) فلو أُريد من الكلام قطع الشركة كما إذا زعم المخاطب انّ زيداً كاتب وشاعر معاً ، فيكون القصر إفراداً ، وإن أُريد قلب اعتقاد المتكلّم كما إذا اعتقد المخاطب انّ زيداً قاعد ، يكون القصر قلباً.

واستدلّ علماء المعاني على إفادتها للحصر بوجوه :

١. انّ لفظة « إنّما » تتضمن معنى « ما » و « إلا » بشهادة قول المفسّرين ( إِنّما

__________________

١. الأنبياء : ٢٢.

٢. المؤمنون : ٩١.

٣. مطارح الأنظار : ١٩٢.

٤. المختصر : ٨٢.

٤٥٢

حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ) (١) أي ما حرم ربّكم إلا الميتة وما تلاها.

٢. قول النحاة : إنّ لفظة « إنّما » لإثبات ما يذكر بعدها ونفي ما سواه.

٣. صحّة انفصال الضمير معه ، كقولك : « إنّما يقوم أنا » ولا وجه لظهور الضمير إلا إفادة الحصر.

أنا الذائد الحامي الذمار وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (٢)

واستدل ّ المحقّق الخراساني على إفادته الحصر بوجهين تاليين :

٤. تبادر الحصر منها في استعمالاتها.

٥. تصريح أهل اللغة بذلك كالأزهري وغيره. (٣)

وأورد على الأوّل من الأخيرين بأنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ولا يعلم بالدقة ، لعدم وجود ما يرادفها في عرفنا حتّى يستكشف منه بمراجعة الوجدان.

يلاحظ عليه : بأنّه يكفي التبادر عند أهل اللسان وإن لم يكن في عرفنا ما هو مرادف لها.

وعلى الثاني منها بأنّ قول اللغوي ليست بحجّة إلا من باب الظن المطلق.

يلاحظ عليه : بأنّه إذا تضافر النقل من اللغويين والنحويين وعلماء المعاني على أنّه يفيد الحصر ، أفاد ذلك وثوقاً وهو علم عرفي وحجّة شرعية.

__________________

١. البقرة : ١٧٣.

٢. الذمار كلّ ما يلزمك حمايته وحفظه والدفع عنه.

٣. مطارح الأنظار : ١٩٢ ؛ درر الأُصول : ١٩٧.

٤٥٣

دليل النافي لإفادة الحصر

ذهب الرازي في تفسير قوله سبحانه : ( إِنّما وَليُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون ) (١) إلى أنّ لفظة « إنّما » لا تفيد الحصر ليبطل بذلك دلالة الآية على ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، واستدلّ على مختاره بالآية التالية :

( إِنّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماء أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوم يَتَفَكَّرُونَ ). (٢)

وجه الاستدلال : انّ حال الدنيا ليس منحصراً بما جاء في هذا المثل ، بل يمكن بيان حال الدنيا بتمثيلات أُخرى.

١. ( إِنّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ). (٣)

٢. ( وَمَا الحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الغُرُور ). (٤)

إلى غير ذلك من الأمثال الواردة في الكتاب والسنّة والأدب العربي بُغْية بيان حال الدنيا وهذا آية عدم الحصر. (٥)

__________________

١. المائدة : ٥٥.

٢. يونس : ٢٤.

٣. محمد : ٣٦.

٤. الحديد : ٢٠.

٥. مفاتيح الغيب : ١٢ / ٣٠ بتصرف وإيضاح.

٤٥٤

يلاحظ عليه : بأنّ الدنيا في التمثيلات المتقدّمة شبهت بأُمور متماثلة في الحقيقة والمعنى كما في تشبيهها بماء أنزل من السماء أو باللعب واللهو أو ببيت عنكبوت ، فالمشبه به وإن كان مختلفاً صورة ، ولكنّه واحد معنى وهدفاً ، فلو نظرنا إلى الدنيا من حيث سرعة الفناء وعدم الخلود فالدنيا أمر غير باق زائل ، كزوال طراوة الورود والأزهار والأشجار الخضراء ، أو زوال اللهو واللعب بسرعة حيث يتمّ بعد ساعة أو ساعتين ، وانخرام بيت العنكبوب بقطرة ماء أو شعلة نار أو بنسيم الصبا وأمثالها.

فلا يصحّ أن يقال : انّ واقع الدنيا لا ينحصر في الأوّل ، إذ لا فرق بين الأوّل والثاني والثالث فالجميع إشارة إلى أمر واحد.

فإن قلت : ما معنى الحصر في قوله سبحانه : ( قُلْ إِنّما يُوحَى إِليَّ أَنّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ) (١) ، وقوله سبحانه : ( قُلْ إِنّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِليَّ أَنّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِك بِعِبادِةِ رَبِّهِ أَحداً ) (٢) حيث إنّه أوحى إلى النبي أشياء كثيرة وراء قوله : إله واحد فلو قلنا بالحصر يجب أن يكون الموحى إليه أمراً واحداً.

قلت : إنّ الحصر في الآية إضافي وليس بحقيقي فليست الآية بصدد بيان انّه لم يوح إليه طول رسالته إلا أمر واحد ، بل بصدد بيان أنّ الذي أُوحي إليه في مجال معرفة اللّه شيء واحد ، وهو انّه إله واحد لا اثنان كما عليه الثنوية ولا ثلاثة كما عليه المسيحية ، ولا أكثر كما عليه المشركون ، ففي هذا المجال لم يوح إليه إلا شيء واحد.

__________________

١. الأنبياء : ١٠٨.

٢. الكهف : ١١٠.

٤٥٥

وأظن انّ الرازي ومن لفّ لفّه كان عالماً بعدم صحّة ما تمسّك به لكن عقيدته المسبقة بتربيع الإمامة وانّ علياً رابع الخلفاء لا أوّلهم ، جرته إلى هذه المناقشات غيرا لتامة.

وعلى كلّ تقدير درس مورد الآيات المشتملة على كلمة « إنّما » يقف على أنّه يفيد الحصر ، وإليك بعض هذه الآيات :

١. ( إِنّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاف أَو يُنفَوْا مِنَ الأَرض ). (١)

٢. ( إِنّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِير ... ). (٢)

٣. ( لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ * إِنّما يَنهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخرَجُوكُمْ ). (٣)

إلى غير ذلك من الآيات المشعرة بالحصر خصوصاً إذا كانت بعد السلب ، كما إذا قيل : ليس زيد قائماً إنّما هو قاعد.

وعلى كلّ تقدير فلو دلت على الحصر فإنّما تدلّ بالمنطوق لا بالمفهوم ولا وجه لتسمية تلك الدلالة وما تقدّمها مفهوماً.

٣. بل الإضرابية

ذكر النحاة والأُدباء في كتبهم القواعد التالية للفظة بل :

١. انّ لفظة بل وضعت للإضراب والانتقال من معنى إلى معنى ، أو من

__________________

١. المائدة : ٣٣.

٢. البقرة : ١٧٣.

٣. الممتحنة : ٨ ـ ٩.

٤٥٦

غرض إلى غرض ، وهذه الحقيقة لا تنفك عن لفظة بل ، قال سبحانه : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَياةَ الدُّنيا ). (١)

٢.لو تلاها جملة فهي حرف ابتداء كما في الآية المتقدمة وليست بعاطفة ، وإن تلاها مفرد فهي عاطفة كما سيوافيك أمثلته.

٣. ثمّ إنّ لفظة « بل » تارة تنقل حكم المعرض عنه إلى المدخول بعينه ، وأُخرى تنقل ضدّه ، وهذا ممّا لا بدّ للفقيه من معرفة موارده.

فإن تقدّمها جملة خبرية إيجابية أو جملة إنشائية ، فعندئذ تنقل حكم الأوّل إلى الثاني ومع السكوت عن حكم المضرب عنه فلا يحكم عليه بشيء من النفي والإثبات كقولك : اضرب زيداً بل عمراً ، وقام زيد بل عمر ، وإلى تلك الضابطة يشير ابن مالك في منظومته ويقول :

وانقل بها للثاني حكم الأوّل

في الخبر المثبت والأمر الجلي

وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حالته مع جعل ضدّ ما سبق لما بعدها نحو قوله : ما قام زيد بل عمرو ، أي : بل قام عمرو ، ولا تضرب زيداً بل عمراً ، أي : بل اضرب عمراً. (٢)

هذه هي القواعد الكلية في تلك اللفظة وعند ذاك تصل النوبة إلى البحث عن إفادتها الحصر فقد اختلفت الأقوال كالتالي :

١. لا تفيد الحصر مطلقاً ، ونسب إلى الحاجبي.

٢. تفيد الحصر مطلقاً ، ونسب إلى الزمخشري.

____________

١. الأعلى : ١٤ ـ ١٦.

٢. المغني ، باب الحروف. ( حرف بل ) ، ج ١ ، ص ١٥١ ، ط ٥ ؛ بيروت ١٩٧٩ م.

٤٥٧

٣. انّ لفظة « بل » وضعت لنقل الحكم من المتبوع إلى التابع فقط مطلقاً كما عن بعضهم أو في الإثبات فقط كما عليه المشهور.

٤. التفصيل بين مورد دون مورد ، وهو خيرة المحقّق الخراساني. وحاصله : انّ الاضراب على أقسام ثلاثة :

١. ما كان لأجل انّ المضرب عنه إنّما أُوتي به غفلة أو سبقه به لسانه فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه ، كأن يقول : جاءني زيد بل عمرو فيما إذا التفت إلى أنّ قوله : « زيد » غلط أُوتي به غفلة ، ففي مثله لا دلالة لها على الحصر.

٢. ما كان لأجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه فلا دلالة له على الحصر أيضاً كقوله سبحانه : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى * وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَياةَ الدُّنيا ). (١)

وقوله تعالى : ( وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالحَقّ وَهُمْ لا يُظْلَمُون * بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَة من هذا وَلَهُمْ أَعمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُون ). (٢)

٣. ما كان في مقام الردع وإبطال ما أثبت أوّلاً فيدّل على الحصر ، قال سبحانه : ( وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحمن وَلَداً سُبحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُون ). (٣)

والمعنى بل هم عباد ونحوه قوله سبحانه : ( أَمْ يَقُولُونَ بِه جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلحَقِّ كارِهُون ) (٤) وهو يفيد الحصر.

ولا يخفى انّها لو أفادت الحصر فالحصر إضافي ، أي انّه ليس شأن لملائكة

__________________

١. الأعلى : ١٤ ـ ١٦.

٢. المؤمنون : ٦٢ ـ ٦٣.

٣. الأنبياء : ٢٦.

٤. المؤمنون : ٧٠.

٤٥٨

اللّه في مقابلة اتهامهم بالولدية إلا أنّهم عباد مكرمون ، ومع ذلك لا ينافي أن يكون لهم شأن في غير ذلك المجال ، فانّهم كتبة الأعمال وقبضة الأرواح إلى غير ذلك من الشؤون.

٤. من أدوات الحصر تقديم ما حقّه التأخير

اتّفق النحاة على أنّ تقديم ما حقّه التأخير كالمفعول يفيد الحصر ، كقوله سبحانه : ( إِيّاك نَعْبُدُ وإِيّاك نَسْتَعين ). (١)

نعم لا يصحّ أن يقال انّه يفيد الحصر دائماً ، إذ ربما يكون للتقديم علل مختلفة كالأهمية وغيرها.

٥. اشتمال المسند إليه على اللام

وقال المحقّق الخراساني ما هذا حاصله : إذا كان المسند إليه محلّى بلام الجنس وكان الحمل شائعاً لما أفاد الحصر ، كما إذا قال : الضارب زيداً ، فانّ غاية ما يفيده الحمل اتحادهما وجوداً ومصداقاً ، ومثل ذلك لا يقتضي حصر المسند إليه في المسند.

نعم يفيد تعريف المسند إليه الحصر في موارد ثلاثة :

١. إذا كانت اللام للاستغراق.

٢. إذا أُخذ مدخول اللام بنحو الإرسال والإطلاق.

٣. إذا كان الحمل حملاً أوّلياً ذاتياً.

فلنرجع إلى إيضاح ما أفاده فنقول : إنّ لام التعريف على أقسام :

__________________

١. الحمد : ٥.

٤٥٩

١. لام الجنس فيما إذا كان الحمل شائعاً

يقع الكلام تارة فيما إذا كان الحمل شائعاً صناعياً وأُخرى حملاً أوّلياً.

أمّا الأوّل فله أقسام خمسة :

أ. إذا كانت النسبة بين المسند إليه والمسند التساوي نحو الإنسان ضاحك.

ب. إذا كان المسند إليه أخصَّ مطلق من المحمول ، نحو : الإنسان ماش.

ج. إذا كان المسند إليه أعمّ مطلق من المسند نحو : الأمير زيد.

د. إذا كانت النسبة بينهما عموماً وخصوصاً من وجه كما في قول القائل : الحمامة بيضاء.

فالقسمان الأوّلان يفيدان الحصر لا لجهة اللام ، بل لأجل كون النسبة هي التساوي أو كون المسند إليه أخصّ مطلق.

فلو استفيد الحصر فإنّما يستفاد من لحاظ النسبة ، وأمّا وجود اللام فليس له دور في المقام ، وأمّا الآخران فلا يدلاّن على الحصر لافتراض انّ المسند إليه أعمّ من المسند ، أو كون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه فلا يعقل للحصر مفهوم.

وحاصل الكلام : انّ الذي يؤثر في الحصر وعدمه هو لحاظ واقع المسند إليه مع المسند من حيث النسبة ، ولذلك يفيد الحصر في الأوّلين دون الآخرين.

إذا أُريد من مدخول لام الجنس الإطلاق والإرسال فهو يفيد الحصر ، كما في قوله : ( الحمد للّه ) فانّ حصر جنس الحمد للّه ، لأجل انّ كلّ ما يصدق عليه الحمد فهو للّه حتّى الحمد الموجه إلى غيره ، لانّه سبحانه مبدأ المحامد وأصلها ، فكلّ ما للغير من جمال وكمال فهو منه سبحانه.

٤٦٠