إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

كان اللازم الجري على ما يقتضيه العلم الإجمالي من ورود التقييد على أحد الإطلاقين. (١)

يلاحظ عليه : بأنّه إذا كان أحد الظهورين أقوى من الظهور الثاني فيؤخذ بالأقوى ويتصرف في الأضعف.

هذه هي الضابطة وأمّا تطبيقها على المقام ، فبيانه :

إنّ دلالة القضية الشرطية على السببية التامة أظهر من دلالتها على السببية المنحصرة ، والدلالة الأُولى مورد اتفاق إذا كان المتكلّم في مقام البيان ، بخلاف الدلالة الثانية فقد عرفت إنكار جمع المحقّقين لها ، والتصرف في مفهوم كلّ من القضيتين بمنطوق الآخر تصرف في الدلالة الثانية ( أي دلالتها على انحصار العلّية والسببية في واحد من الشرطين ).

بخلاف التصرف في منطوق كلّ بالآخر فانّه تصرف في سببية كلّ للجزاء ودلالة القضية الشرطية للسببية التامة أقوى وأظهر من دلالتها على الانحصار ، ومع دوران الأمر بين أحد التقييدين يتصرف في الأضعف دون الأقوى.

أضف إلى ذلك انّا نعلم علماً وجدانياً بزوال الانحصار إمّا بزواله وحده أو في ضمن زوال الاستقلال ، فعند ذلك ينحل العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي ، وهو زوال الانحصار وشك بدوي وهو الشك في زوال الاستقلال.

وربما يؤيّد ما ذكرنا من أنّ اللازم رفع اليد عن الانحصار دون السببيّة بأنّ مصب التعارض وإن كان هو المفهوم من جانب والمنطوق من جانب آخر إلا أنّه يستحيل التصرف في المفهوم نفسه ، لأنّه مدلول تبعي ولازم عقلي للمنطوق ، فلابدّ من رفع اليد عن ملزوم المفهوم بمقدار يرتفع به التعارض ، ولا يكون ذلك إلاّ

__________________

١. فوائد الأُصول للكاظمي : ١ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

٣٨١

بتقييد المنطوق ورفع اليد عن انحصاره ، دون كونه علة تامة ، لعدم الحاجة إلى التصرف في تمامية كل واحد من الشرطين بعد إلغاء الانحصار. (١)

يلاحظ عليه : كيف يقول باستحالة التصرف في المفهوم بحجّة انّه مدلول تبعي ولازم عقلي للمنطوق ، لأنّه إذا صار حجة فيكون كالمنطوق في قابلية كلّ للتقييد.

نعم صار المنطوق واسطة في الثبوت في ظهور هذه الحجة ، وعندئذ لا مانع بعد ظهورها أن يكون طرفاً للمعارضة بينه وبين المنطوق الآخر.

هذا كلّه حول الوجهين الأوّلين المقبولين ، وقد عرفت أنّ الجمع الأوّل أظهر من الجمع الثاني.

والقول بأنّ كلّ واحد سبب مستقل أظهر من القول بأنّهما معاً سبب مستقل.

بقي الكلام في الوجوه الثلاثة.

الثالث : رفع اليد عن المفهوم منهما

وحاصل هذا الوجه هو سلب المفهوم عن القضيتين وانّهما لا تدلاّن وراء المنطوق على شيء آخر حتّى يخصص منطوق كلّ بمفهوم الآخر.

يلاحظ عليه : أنّ إنكار الموضوع ليس علاجاً للمشكلة فانّ المفروض في البحث اشتمال القضيتين على المفهوم ولولا الاشتمال لما كان للبحث ملاك.

أضف إلى ذلك : انّ هذا ليس وجهاً مستقلاً ، بل يتحد نتيجة مع الوجه الأوّل ، غاية الأمر انّ القائل بالجمع الأول يقول بدلالته كلّ على المفهوم غاية الأمر

__________________

١. أجود التقريرات : ١ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، قسم التعليقة.

٣٨٢

يخصص مفهوم كلّ بمنطوق الآخر.

وأمّا القائل بهذا الوجه فهو ينفي أساس التعارض ، وهو الاشتمال على المفهوم ويأخذ بظهور كلّ قضية في استقلال سببها.

الرابع : جعل الشرط هو القدر المشترك

وحاصل هذا الوجه ، هو جعل الشرط القدر الجامع المشترك بين الخفاءين ، فليس الميزان خفاء الأذان بما هو هو ولا خفاء الجدران كذلك ، بل الميزان في وجوب القصر ، هو البعد عن الوطن أو محل الإقامة بمقدار خاص يلازمه خفاء الأذان والجدران ، فخفائهما أمارتان للموضوع أي الابتعاد بمقدار خاص وطريقان إليه ، وليس لهما موضوعيّة.

ثمّ استدلّ على ذلك بوجهين :

١. انّ وحدة المعلول ـ أي وجوب القصر ـ كاشف عن وحدة العلّة لامتناع صدور الواحد عن الكثير بما هو كثير من دون جامع بينهما ، فهذه القاعدة تجرّ الباحث إلى القول بأنّ هنا علّة واحدة وهي البعد عن الوطن أو محل الإقامة للمعلول الواحد أي وجوب القصر.

يلاحظ عليه : أنّ مصب القاعدة على فرض الصحة هو الأُمور التكوينية لا الاعتبارية وفي التكوين ، الواحد البسيط الذي لا كثرة فيه ، كالعقل الأوّل بناء على كونه وجوداً بلا ماهية فهو لا يصدر إلا عن البحث البسيط وهو اللّه سبحانه ، وأين هذه الضابطة من الوجوب الاعتباري النوعي ( وجوب القصر ) الذي يتكثر بتكثر أفراده؟!

٢. انّ الشارع لمّا لم يجوز بالإفطار والتقصير في البلد حفظاً لكرامة الصيام

٣٨٣

بين الحاضرين ، وكرامة الصلاة الرباعية بين الأهل والعيال وإنّما جوز إذا ابتعد المسافر عن البلد على قدر يلازمه خفاء الأذان والجدران.

وهذا الوجه لا بأس به غير أنّه يثير إشكالاً ، وهو كيف يكون خفاء الأذان والجدران أمارة على البعد المعين مع أنّ الأذان يخفى بكثير قبل خفاء الجدران ، فانّ خفاء الثاني يتوقّف على قطع طريق كثير.

ويمكن دفعه بأنّ الأمارة هي تواري المسافر عن البيوت لا تواريها عن المسافر كما في الحديث (١) ، ولمّا كان تواري المسافر عن البيوت غير معلوم للمسافر جعل تواري البيوت عن المسافر طريقاً إلى الطريق ( تواري المسافر عن البيوت ) والأمارتان الواقعيتان ( خفاء الجدران ، وتواري المسافر عن أهل البيوت ) متقاربتان جداً.

الخامس : رفع اليد عن مفهوم إحدى القضيتين

وحاصل هذا الوجه : انّه يرفع اليد عن خصوص إحدى القضيتين ويؤخذ بمفهوم القضية الأُخرى ، وهذا هو المنقول عن ابن إدريس الحلي فزعم انّه يُلغى مفهوم قوله : « إذا خفي الأذان فقصّر » ويؤخذ بمفهوم القضية الأُخرى ، فعندئذ يرتفع التعارض.

يلاحظ عليه : مع أنّه ترجيح بلا مرجح ، انّ التعارض باق على حاله أيضاً ولم يقلع من الأساس ، وذلك لأنّ القول بعدم اشتمال القضية الأُولى على المفهوم وإن كان يعالج التعارض في جانب مفهوم تلك القضية ، ولكنّه باق على حاله في الجانب الآخر ، فإذا كان مفهوم قوله : « إذا خفيت الجدران فقصّر » هو انّه إذا لم

__________________

١. الوسائل : ج ٥ ، الباب ٦ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ٢.

٣٨٤

تخف الجدران فلا تقصر ، وعندئذ يقع التعارض بين هذا المفهوم ومنطوق القضية الأُولى ، فعلى المفهوم لا يجوز القصر ، وعلى منطوق القضية الأُولى يجب القصر وبذلك ظهر انّ الطريق منحصر في الأوّلين ، أي إمّا تقييد مفهوم كل بمنطوق الآخر ، أو تقييد منطوق كلّ بالآخر ، فمقتضى الصناعة هو الأوّل كما عرفت ، غير أنّ الفتاوى على الثاني.

٣٨٥

التنبيه الثالث

تداخل الأسباب والمسببات

وقبل الدخول في صلب الموضوع نقدّم أُموراً :

الأوّل : قد جعل المحقّق الخراساني عنوان البحث في التنبيهين : الثاني والثالث أمراً واحداً ، وهو قوله : « إذا تعدّد الشرط واتحد الجزاء » وجعل وجه التمايز بينهما الغرض والجهة المبحوثة عنها ، فكأنّ الغاية من عقد التنبيه الثاني معالجة التعارض الواقع بين مفهوم كلّ قضية مع منطوق القضية الأُخرى ، ولكن الغرض من عقد التنبيه الثالث البحث عن تداخل الأسباب في مقام التأثير وعدمه ، وعلى فرض عدم التداخل ، البحث عن تداخل المسببات في مقام الامتثال وعدمه ، وعلى ذلك فالبحث في التنبيه الثاني لفظي وفي الثالث عقلي حيث يقع البحث تارة في أنّ كلّ سبب هل يقتضي مسبباً مستقلاً أو لا؟ فإذا قال : إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ، فهل يقتضي كلّ من البول والنوم مسبباً مستقلاً ، أي إيجاباً متعدّداً أو لا؟ وعلى فرض اقتضائه وجوباً متعدداً ، يقع الكلام في كفاية الوضوء الواحد لامتثال الوجوبين أو لا ، فيعبر عن الأوّل ( اقتضاء كلّ سبب وجوباً مستقلاً وعدمه ) بعدم التداخل في الأسباب وتداخله كما يعبر عن الثاني ( كفاية وضوء واحد عن امتثال وجوبين أو لا ) بالتداخل في المسببات وعدمه.

والأولى تغيير العنوان ، ولذلك جعلنا العنوان عند تعدّد الشرط تداخل

٣٨٦

الأسباب والمسببات لأنّ المسألتين متمايزتان جوهراً وذاتاً ، ومع هذا لا تصل النوبة إلى التمايز بالأغراض والمقاصد.

الثاني : قد ظهر ممّا ذكرنا المراد من تداخل الأسباب والمسببات فمرجع التداخل في الأسباب وعدمه إلى اقتضاء السببين وجوباً واحداً أو اقتضائهما وجوبين مختلفين ، فالأوّل هو التداخل في الأسباب والثاني هو عدم التداخل فيها.

ومرجع التداخل في المسببات وعدمه ـ بعد القول بعدم تداخل الأسباب وانّ كلّ سبب يقتضي إيجاباً مستقلاً ـ إلى لزوم تعدّد الامتثال وعدمه ويعبر عن الأوّل بعدم تداخل المسببات وعن الثاني بتداخلها.

وإن شئت قلت : إنّ مرجع التداخل السببي وعدمه إلى دعوى عدم اشتغال الذمة إلا بوجوب واحد أو بوجوبين ، كما أنّ مرجع التداخل المسببي وعدمه بعد القول بعدم التداخل في الأسباب إلى دعوى صدق الامتثال بالإتيان بفرد واحد عند تعدّد التكاليف والاشتغالات وعدمه ، فالتداخل في المسببات لا يعني تداخل الوجوبين ، بل المراد تداخلهما في مقام الامتثال ، وبذلك اتّضح انّ البحث في مورد الأسباب ـ تداخلاً وعدمه ـ يرجع إلى مقام الدلالة وظهور القضية في تعدد الوجوب وعدمه ، كما أنّ البحث في مورد المسببات ـ تداخلاً وعدمه ـ يرجع إلى مقام الامتثال وانّه هل يكفي الإتيان بفرد واحد في امتثال الوجوبين أو لا؟

الثالث : انّ النزاع في التداخل وعدمه فيما إذا كان الجزاء أمراً قابلاً للتكرار كالوضوء والغسل ، وأمّا لو كان غير قابل له كالقتل فيما إذا ارتد وزنى بالإحصان ، فهو خارج عن محطّ البحث.

الرابع : انّ الشرط للجزاء ـ وجوب الوضوء ـ تارة يختلف نوعاً كالنوم والبول بالنسبة إلى وجوب الوضوء ، ومسّ الميت والجنابة بالنسبة إلى الاغتسال ، وأُخرى

٣٨٧

يتحد نوعاً ويتعدد مصداقاً ، كما إذا بال مرتين أو نام أو وطأ الحائض كذلك فيقع الكلام تارة في مقام الدلالة ، وأُخرى في مقام الامتثال ، فلو كان الكلام في الأُولى فيقال : هل ظاهر القضية الشرطية انّ كلّ شرط يطلب جزاء ـ وجوباً ـ خاصاً أو لا؟ ولو كان الكلام في مقام الامتثال فيقال ـ على القول بعدم التداخل في الأسباب ـ : هل يكفي الإتيان بمصداق واحد ، في امتثال الوجوبين أو لا؟

الخامس : انّ النزاع كما يجري في القضايا الشرطية ، يجري في القضايا الخبرية ، كما إذا قال : الحائض تغتسل ، والجنب يغتسل ، نعم يمكن إرجاع القضايا الخبرية إلى الشرطية بأن يقال : إذا حاضت تغتسل كما يمكن العكس.

السادس : انّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

١. عدم التداخل مطلقاً ، وهو المشهور وإليه ذهب الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني ، إلا ما خرج بالدليل.

٢. التداخل مطلقاً ، وهو خيرة المحقّق الخونساري والسيد البروجردي.

٣. التفصيل بين اختلاف الشرطين ماهية أو اتحادهما كذلك وتعدّدهما مصداقاً ، فالأوّل ـ كما مرّ ـ كالنوم والبول ، والجنابة ومس الميت والزيادة والنقيصة في الصلاة فانّ زيادة الركوع ، غيرزيادة السجود ، وكذلك نقيصتهما ؛ وأمّا الثاني فمعلوم.

فذهب ابن إدريس إلى عدم التداخل في الأوّل ، والتداخل في الثاني ، ولذلك أفتى بعدم تكرر الكفّارة ، لو تكرر وطء الحائض.

السابع : انّ المحقّق الخراساني قد خلط بين البحثين : التداخل وعدمه في الأسباب ، والتداخل وعدمه في المسبّبات ولم يفصّل بينهما بالعنوان ، وقد أوجب

٣٨٨

ذلك إغلاقا في فهم عبارات الكتاب.

إذا عرفت ذلك ، فلندخل في صلب الموضوع. اعلم أنّ التنبيه الثالث يقع في موضعين :

الموضع الأوّل

حكم الأسباب من حيث التداخل وعدمه

قد عرفت أنّ المقصود من تداخل الأسباب وعدمه ، هو اقتضاء كلّ سبب وجوباً مستقلاً ، وعدمه. وبعبارة أُخرى : تأثير كلّ شرط في حدوث وجوب خاص ، غير تأثير الشرط الآخر فيه ، ولا ملازمة بين عدم التداخل في الأسباب ( وحدوث وجوبين مستقلين ) ، وبين عدم التداخل في المسببات ، أي عدم كفاية مصداق واحد في امتثال الوجوبين ، بل ربّما يمكن القول بعدم التداخل في الأسباب ، ومع ذلك يكتفى في امتثال السببين ، بالإتيان بمصداق واحد ، فلو مسّ الميت أو أجنب ، يكفي الاغتسال الواحد لامتثال وجوبين. نعم القول بعدم التداخل في المسببات فرع القول بعدم التداخل في الأسباب ، أي فرع القول بتعدّد الوجوب.

إذا عرفت ذلك فلنذكر دليل القائل بعدم التداخل :

إطلاق الشرط يقتضي عدم التداخل

استدلّ القائل بعدم التداخل في الأسباب ، ( اقتضاء كلّ شرط وجوباً مستقلاً ) بظهور القضية الشرطية في حدوث الجزاء ( الوجوب ) عند حدوث الشرط ، سواء أقلنا إنّه هو السبب أو كاشف عن السبب الواقعي ولازم ذلك تعدّد

٣٨٩

الوجوبين.

وبعبارة أُخرى : انّ ظاهر كلّ قضية شرطية أنّه علّة تامة لحدوث الجزاء ، سواء أوجد الشرط الآخر أم لا ، وعلى فرض الوجود ، سواء وجد معه أو قبله ، أو بعده.

هذا هو دليل القائل بعدم التداخل فيها.

دليل القائل بالتداخل إطلاق الجزاء

فإذا كان ظهور كلّ من الشرطين في كلّ من القضيتين في الحدوث عند الحدوث دليل القائل بعدم التداخل ، فإطلاق متعلّق الوجوب وهو « الوضوء » أو « الاغتسال » دليل القائل بالتداخل ، لأنّ ظاهر إطلاق الجزاء ، انّ الوضوء مثلاً هو الموضوع التام ، ومن المعلوم أنّ الطبيعة الواحدة لا يمكن أن تقع متعلّقاً ، لوجوبين ، لاستلزامه اجتماع المثلين ، وهو محال كاجتماع الضدين.

فتلخّص انّ إطلاق الشرط وتأثيره في الحدوث عند الحدوث مطلقاً ، دليل القائل بعدم التداخل ، كما أنّ إطلاق الجزاء وانّ الموضوع لكلا الوجوبين ، هو الوضوء لا غير دليل القائل بالتداخل ولا يمكن الأخذ بكلا الظهورين ولابد من التصرف في أحدهما.

تخلّص القائل بالتداخل عن الإشكال

ثمّ إنّ القائل بالتداخل يتصرف في ظهور الشرط في الحدوث عند الحدوث ، بأحد الوجهين :

١. منع دلالة القضية الشرطية على الحدوث عند الحدوث ، بل على الثبوت

٣٩٠

عند الحدوث ، أي ثبوت الوجوب ، أعمّ من كونه نفس الوجوب السابق أو الوجوب الجديد.

وهذا تصرف في ناحية الشرط ، ومنع دلالته على الحدوث عند الحدوث.

٢. أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كلّ شرط إلا أنّ الأثر وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأوّل ، وتأكّده عند الآخر.

وهذا تصرف في ناحية الجزاء وانّ الهيئة الجزائية لا تدلّ على الوجوب التأسيسي ، بل إذا سبقه شرط آخر ، يدل على الوجوب التأكيدي. (١)

هذان الوجهان ممّا اعتمد عليه القائل بالتداخل وتخلّص عن التعارض اللازم من الأخذ بالإطلاقين ، وإليك ما تخلّص به القائل بعدم التداخل في الأسباب.

تخلّص القائل بعدم التداخل عن الإشكال

وقد تخلّص القائل بعدم التداخل بوجهين آخرين :

١. الالتزام بأنّ متعلّق الجزاء وإن كان واحداً صورة ، إلا أنّه حقائق متعدّدة حسب تعدّد الشرط ، كصلاة الفجر ونافلته فهما واحدتان صورة ومختلفتان حقيقة. وعلى ضوء ذلك نقول الوضوء لأجل النوم غير الوضوء لأجل البول. (٢) وهذا تصرّف في الجزاء.

__________________

١. هذا الوجه هو الذي ذكره المحقّق الخراساني بعنوان ثالث الوجوه ، وكان الأولى أن يذكره بعد الأول ـ كما فعلناه ـ وأمّا ما ذكره بصورة الوجه الثاني ، فهو دليل القائل بعدم التداخل ، لا التداخل فقد أدخل في ضمن بيان دليل القائل بالتداخل ، دليل القائل بعدمه.

٢. وما في الكفاية في ذيل هذا الاحتمال من إمكان الاجتزاء بمصداق واحد ممّا لا حاجة إليه في المقام وإنّما يناسب مسألة تداخل المسببات مع أنّ الكلام في تداخل الأسباب.

٣٩١

٢. ما أشار إليه في ضمن النقض والإبرام وقال : « قلت نعم إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كمافي المثال هو وجوب الوضوء مثلاً لكلّ شرط غير ما وجب بالآخر ».

وحاصله : انّه يقيّد إطلاق الجزاء بقوله : « مرة أُخرى » وكأنّه يقول : « إذا نِمت فتوضّأ » وإذا بُلت فتوضّأ مرّة أُخرى ، ويكون الموضوع للوجوب الأوّل هو الطبيعة وللوجوب الثاني ، هو الفرد الثاني ، ويرتفع محذور اجتماع المثلين ، وهذا أيضاً تصرّف في الجزاء.

فظهر من ذلك ، انّ كلاً من القائل بالتداخل وعدمه قد لمس الإشكال وصار بصدد دفعه ، إمّا بالتصرف في جانب الشرط كما في الوجه الأوّل ، أو في جانب الجزاء هيئة أو مادة كما في الوجوه الثلاثة المتأخّرة ، إنّما الكلام في ترجيح أحد التأويلين بكلا شقيه على التأويل الآخر كذلك ، فنقول :

ترجيح ظهور القضية الشرطية على إطلاق الجزاء

ثمّ إنّ القائلين بعدم التداخل في الأسباب ، ذكروا لترجيح ظهور القضية الشرطية في الحدوث عند الحدوث ، الذي هو الأساس لعدم التداخل وجوهاً نذكرها تباعاً.

الأوّل : ما ذكره المحقّق الخراساني تبعاً للشيخ الأعظم وقال : « لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء ، وظهور الإطلاق ، ضرورة انّ ظهور الإطلاق ، يكون معلّقاً على عدم البيان ، وظهورها ( القضية الشرطية ) صالح لأن يكون بياناً فلا ظهور للجزاء مع ظهورها فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل. (١)

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٣١٨.

٣٩٢

توضيحه : انّ دلالة القضية الشرطية على الحدوث عند الحدوث بالدلالة اللفظية الوضعية ودلالتها عليه ، لا يتوقف على شيء آخر غير نفسها ، بخلاف دلالة الجزاء ( فتوضأ ) على وحدة متعلّق الوجوبين فانّه بالإطلاق وسكوت المتكلّم عن القيد مع كونه في مقام البيان ، فدلالته على وحدة الجزاء متعلّق على عدم البيان الدالّ على القيد ، وظهور القضية الشرطية ، في الحدوث عند الحدوث كاف ، لأن يكون بياناً وانّ متعلّق الوجوب في كلّ من القضيتين شيء غير الآخر ، وانّ المحكوم في كلّ فرد غير الآخر ، فعندئذ لا ينعقد الإطلاق في جانب الجزاء لوجود البيان فلا يُعدّ تقديم ظهور الشرط على الجزاء تصرّفاً فيه ، لعدم انعقاد الإطلاق.

يلاحظ عليه : أنّ دلالة القضية الشرطية على الحدوث عند الحدوث وإن كانت لفظية لكن دلالتها على أنّ الشرط في عامة الأحوال كذلك ، سواء سبقه الشرط الآخر أم قارنه أو تأخّر عنه ، إنّما هو بالإطلاق وسكوت المتكلّم مع كونه في مقام البيان ، فالمقام من قبيل تعارض الإطلاقين ، لا من قبيل تعارض الدلالة اللفظية مع الدلالة الإطلاقية ، فكما أنّ إطلاق الشرط يصلح لأن يكون قرينة على تقييد متعلّق الجزاء ، أي الوجوب ، وانّ المحكوم بالوجوب في الشرط الثاني غير الأوّل ، كذلك إطلاق الجزاء يصلح لأن يكون قرينة على أنّ الحدوث عند الحدوث فيما إذا تفرّد الشرط ، لا ما إذا سبقه الآخر أو قارنه ، فعندئذ يكون الوجوب مؤكّداً لا مؤسّساً لحكم جديد.

وبعبارة أُخرى : انّ دلالة القضية الشرطيّة على أنّ كلّ سبب تامّ للجزاء وتعلّق الوجوب ، وإن كان بالوضع ، لكن كونه كذلك في عامة الحالات سواء كان قبله أو معه شيء أو لا ، إنّما هو بالإطلاق ببيان انّه لو كان المؤثر هو الشرط ، بشرط أن لا يسبقه شيء أو يقارنه شيء ، لكان عليه البيان ورفع الجهل ، وحيث لم يبين

٣٩٣

يؤخذ بالإطلاق ويقال : الشرط مؤثر في عامة الأحوال.

وهذا النوع من الإطلاق موجود في جانب الجزاء ببيان انّ الموضوع هو الطبيعة ، فلو كان الموضوع الطبيعة الموجودة في ضمن فرد آخر ، لكان عليه البيان وحيث لم يبين نستكشف انّ الموضوع هو الطبيعة ، ويستحيل تعلّق إرادتين مستقلتين بها.

فكما أنّ إطلاق القضية الشرطية صالح للتصرّف في جانب الجزاء بإضافة قيد عليه مثل « فرد آخر » عليه ، فهكذا إطلاق الجزاء صالح للتصرّف في جانب القضية الشرطية بأحد الوجهين الماضيين : الثبوت عند الحدوث ، أو الوجوب المؤكّد.

الثاني ما أفاده المحقّق الاصفهاني : انّ نسبة الصدر إلى الذيل نسبة ذات الاقتضاء إلى فاقد الاقتضاء حيث إنّ متعلّق الجزاء نفس الماهية المهملة ، والوحدة والتعدّد ، خارجان عنها ، بخلاف أداة الشرط فانّها ظاهرة في السببية المطلقة ولا تعارض بين المقتضي والاقتضاء. (١)

يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من خروج الوحدة والتعدّد من مدلول الجزاء وإن كان صحيحاً لكن دلالة القضية الشرطية على السببية المطلقة ليس إلا كونه سبباً لحدوث الجزاء عند حدوث الشرط وهذا المقدار من الدلالة لا يكفي ، لأنّ كونه سبباً مطلقاً في جميع الأحوال ليس مدلول الدلالة اللفظية ، بل مدلول الدلالة الإطلاقية حيث إنّ المتكلّم لم يخص السببية بحال دون حال وعند ذاك تصبح السببية في عامة الأحوال مدلول الإطلاق ، فكيف يقدّم على إطلاق الجزاء؟

الثالث : ما أفاده المحقّق النائيني وحاصله :

__________________

١. نهاية الدراية : ٣٢٦.

٣٩٤

« إنّ ظهور القضية الشرطية في كونها انحلالية أظهر من اتحاد الجزاء في القضيتين ، وذلك لأنّه لا شبهة في أنّ القضية الشرطية ، كالقضية الحقيقية ، فكما أنّ قوله : « المستطيع يحجّ » عامّ لمن استطاع في كلّ وقت ، فكذلك قوله : « إذا استطعت فحجّ » عام لمن استطاع في وقت ولازم الانحلال ان يترتّب على كلّ شرط جزاء غير ما رتب على الآخر ، فيكون هذا قرينة للجزاء ويصير بمنزلة أن يقال : إذا بُلت فتوضأ وإذا نِمْت ثانياً فتوضأ وضوءاً آخر. (١)

وقد وصفه تلميذه في محاضراته بأنّه في غاية الصحة والجودة وانّه يتمّ ببيان أمرين :

أوّلهما : انّ القضية الشرطية ظاهرة في الانحلال وتعدد الطلب ، لأنّها ترجع إلى القضية الحقيقية ، ولا إشكال انّ الحكم في القضية الحقيقية ينحلّ بانحلال موضوعه إلى أحكام متعددة.

ثانيهما : انّ مقتضى تعدّد القضية الشرطية في نفسها ، تعدّد الطلب أيضاً ، فإذا فرض تعلّق طلبين بماهية واحدة كان مقتضى كلّ ، إيجادَ تلك الماهية ، فيكون المطلوب في الحقيقة هو إيجادها مرّتين فإذا فرض ظهور القضية الشرطية في الانحلالية وتعدّد الطلب ، كان ظهور القضية في تعدّد الحكم لكونه لفظياً مقدماً على ظهور الجزاء في وحدة الطلب لو سلمنا ظهوره فيها ، ويكون مقتضى القاعدة عدم التداخل. (٢)

يلاحظ عليه : بأنّه لو أُريد من الانحلال ، انحلالُ قضيّة واحدة إلى قضايا كثيرة حسب عدد الموضوعات ، على نحو ، لو افترضنا انّ عبر القرون ملايين من

__________________

١. فوائد الأُصول : ١ / ٤٩٤.

٢. المحاضرات : ٥ / ١١٨.

٣٩٥

المسلمين لهم القدرة والاستطاعة لحجِّ البيت لتعلّق بكلّ إرادة وإنشاء وحكم مستقل ، وبالتحليل ، فلو أُريد من الانحلال هذا ، فنحن نمنعه لشهادة الوجدان على أنّ المولى إذا أنشأ إلزاميّاً على عبيده ، أو على من تحت يده فليس هنا إلا إرادة واحدة متعلّقة بالعنوان الكلي يتلقّاه كلّ منهم حجّة على نفسه دون أن يكون هنا انشاءات وإرادات.

وإن أُريد من الانحلال كون الحكم المتعلّق بالعنوان حجّة على كلّ منهم ، أو حجّة على ثبوت الحكم ، للموضوع كالقوم مهما وجد ، فهو صحيح ، لكن دلالته على ثبوت الحكم له ، في عامة الأحوال ، متقدماً ، أو متأخراً أو لاحقاً إنّما هو بالإطلاق وسكوت المولى عن القيد ، فعندئذ يكون ذلك الإطلاق نظير الإطلاق الموجود في الذيل.

الرابع : ما اعتمد عليه السيد الأُستاذ

إنّ العلل الشرعية في نظر العرف كالعلل التكوينية ، فكما أنّ كلّ علّة تكوينية تُؤثّر في معلول مستقل ، دون المعلول المشترك بينها وبين غيرها ، فهكذا العلل الشرعية يؤثر كلّ منها في معلول خاص.

مثلاً انّ كلاً من النار والشمس ، تُولّد حرارة خاصة ، لا حرارة مشتركة ، سواء أكانت النار متقدّمة على الشمس ، أو متأخّرة وهذا هو المرتكز في أذهان العرف ، فإذا سمع العرف الذي ارتكز في ذهنه ما لمسه وشاهده في العلل التكوينية ، قوله : إذا بُلْت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ، ينتقل ـ حسب الارتكاز السابق ـ انّ لكلّ من البول والنوم معلولاً مستقلاً ، وانّ وجوب الوضوء الناشئ من البول ، غير الوجوب الناشئ من النوم ، وظهور الصدر في هذا المعنى ليس

٣٩٦

مستنداً إلى الإطلاق ، بل إلى الارتكاز الحاصل من ممارسة الأُمور التكوينية ، ويكون ظهوره أقوى من ظهور الجزاء في الإطلاق ، بل يصير مثل ذاك سبباً للتصرف في ذيل الجزاء على نحو يلتحم مع تعدّد الوجوب.

نعم قد مرّ منّا انّ قياس التشريع بالتكوين ، أو الاعتبار بالحقيقة ممنوع وانّ هذا سبب لأكثر المغالطات ، ولكن ما ذكرناه لا ينافي ذلك ، لأنّ كلامنا في المقام في فهم العرف ، الذي لا يدرك هذه الأُمور الدقيقة ، فارتكازه في الأُمور التكوينية وتلقّيه العلل الشرعية أسباباً وعللاً للأحكام كالتكوين ، يصير سبباً لانعقاد ظهور أقوى في جانب القضية الشرطية على نحو يقدم على ظهور الجزاء في الوحدة. (١)

ولعلّه إلى ما ذكرنا يرجع قول المحقّق الإصفهاني في بيان وجه عدم التداخل « انّ العرف إذا أُلقي إليه القضيتان ، فكأنّه يرى مقام الإثبات مقروناً بمقام الثبوت ويحكم بمقتضى تعدّد السبب بتعدّد الجزاء من غير التفات إلى أنّ مقتضى إطلاق المتعلّق خلافه ، وهذا المقدار من الظهور كاف في المقام ». (٢)

ترجيح إطلاق الجزاء على الشرط

ثمّ إنّ السيد المحقّق البروجردي ذهب إلى ترجيح ظهور الجزاء في الوحدة على ظهور الشرط في تعدّد الوجوب قائلاً : إذا قال المولى : إذا بلت فتوضأ ، وقال : إذا نمت فتوضأ ، فإمّا أن يكون متعلّق الوجوب نفس الحيثية المطلقة ، أعني : طبيعة الوضوء ، أو شيء وراء ذلك. فعلى الأوّل لا يصحّ تعلّق وجوبين على أمر

__________________

١. تهذيب الأُصول : ١ / ٤٤٤.

٢. نهاية الدراية : ٣٢٦.

٣٩٧

واحد ، وعلى الثاني فلابدّ أن يقال : إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضأ وضوءاً آخر ، وهذا لا يصحّ من وجهين :

١. ربما يكون البول متقدّماً ، فعندئذ لا يصحّ أن يقال : إذا بلت فتوضأ وضوءاً آخر.

٢. انّ هذا النوع من التقييد إنّما يصحّ إذا كان أحد الخطابين ناظراً إلى الآخر ، لا فيما إذا لم يكن كذلك كما في المقام. (١)

يلاحظ على الأوّل : أنّ القيد لا ينحصر بلفظة « آخر » بل يمكن أن يُقيّد الطبيعة بقيد آخر ، كأن يقال : إذا بلت فتوضّأ لأجل البول ، وإذا نمت فتوضّأ وضوءاً لأجل النوم.

يلاحظ على الثاني : بانّ المتفرقات في كلام إمام واحد بل الأئمة كحكم كلام واحد.

فتلخّص من هذا البحث الضافي ، تقدّم ظهور القضية الشرطية الدالة على تعدّد الوجوب على ظهور الجزاء في وحدة المتعلّق ، وتكون النتيجة هو عدم تداخل الأسباب وانّ لكلّ سبب تأثيراً.

بقيت هنا أُمور :

الأوّل : التفصيل بين كون الأسباب معرفات أو مؤثّرات

قد بنى فخر المحقّقين المسألة على أنّ الأسباب الشرعية هل هي معرفات وكواشف ، أو مؤثرات؟ وعلى الأوّل الأصل التداخل بخلافه على الثاني ، وحكاه الشيخ الأنصاريّ عن المحقّق النراقي في عوائده. (٢)

__________________

١. نهاية الأُصول : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ؛ لمحات الأُصول : ٢٩٣.

٢. مطارح الأنظار : ١٨٠.

٣٩٨

قال العلاّمة في القواعد : لا تداخل في السهو وإن اتّفق السبب ، على رأي.

وقال فخر المحقّقين في شرحه : ذهب الشيخ في « المبسوط » إلى التداخل مطلقاً ... وذهب ابن إدريس إلى التداخل في المتّفق لا المختلف ، والتحقيق انّ هذا الخلاف يرجع إلى أنّ الأسباب الشرعية ، هل هي مؤثرات أو علامات. (١)

وقال أيضاً في باب غسل الجنابة والأسباب الشرعية علامات فلا يستحيل تعدّدها. (٢)

إنّ الفرق بين تداخل الأسباب وتداخل المسببات غير منقّح في كلمات القدماء ، بل عند بعض المتأخّرين كالمحقّق الخراساني فقد خلط بينهما في الكفاية. وأوّل من نقّحه ببيان رائق هو الشيخ الأنصاري (٣) والظاهر انّ كلام الفخر ناظر إلى التداخل في الأسباب وهذا هو الذي استظهره الشيخ أيضاً حيث قال : « ولا ينافي ذلك استدلالهم بأنّ العلل الشرعية معرفات فلا يمتنع اجتماعها في شيء واحد » الظاهر في دعوى تداخل الأسباب. (٤)

وحاصل كلام فخر المحقّقين انّه لو كان كلّ من البول والنوم موضوعاً للحكم ، وعلّة وسبباً له فيطلب كلّ ، حكماً ومعلولاً ـ وجوباً ـ غير ما يطلبه الآخر ، لامتناع توارد العلّتين المستقلّتين على معلول واحد.

وأمّا لو كان كلّ منها معرفاً لما هو الموضوع واقعاً ، فلا مانع من تعدد المعرّف لموضوع واحد ، وذلك كمبطلات الوضوء فانّ الظاهر انّ الجميع حتى الريح كاشفة عن ظلمة نفسية يُذهبها الوضوء.

__________________

١. إيضاح الفوائد : ١ / ٢٤٥.

٢. إيضاح الفوائد : ١ / ٤٨.

٣. لاحظ المطارح : ١٨٠ ، في أوائل الهداية.

٤. مطارح الأنظار : ١٨٠.

٣٩٩

يلاحظ عليه أوّلاً : بعدم الملازمة بين كون الأسباب الشرعية معرّفات وبين كونها معرّفات لشيء واحد ، إذ من المحتمل أن يكون كلّ كاشفاً عن سبب مستقل ، فيكون حكم المعرِّف ، حكم كونه موضوعاً وسبباً.

وثانياً : أنّ تعدد الأسباب الشرعية كما أفاده المحقّق الخراساني ، ليس إلا كالأسباب العرفية في كونها معرفات تارة ، ومؤثرات أُخرى.

أمّا السبب الشرعي فتارة يكون علّة للحكم الشرعي ودخيلاً في ترتّب الحكم الشرعي ، كما في قوله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (١) ، وقوله : إذا شككت فابن على الأكثر ؛ وأُخرى كاشفاً عن السبب ، كعبور الحمرة إلى جانب المغرب ، الكاشف عن استتار القرص كاملاً.

ومثلها ، الأسباب العرفية فهي أيضاً على قسمين فتارة تكون علّة ـ كما في قولك : إذا طلعت الشمس كان النهار موجوداً ـ وأُخرى يكون أمارة على حدوث الموضوع وكاشفاً كما إذا قلنا : إذا كان النهار موجوداً كانت الشمس طالعة.

فليست الأسباب الشرعية ، معرفات مطلقاً ، ولا الأسباب العرفية عللاً مطلقاً بل ينقسمان إلى قسمين. (٢)

الثاني : التفصيل بين وحدة الأسباب جنساً وعدمها

وهناك تفصيل آخر لابن إدريس وهو التفصيل بين ما كان السبب من جنس واحد كتكرر وطء الحائض ، أو من أجناس متعددة كزيادة العمل والذكر في الصلاة ، فاختار في الأوّل التداخل دون الثاني.

__________________

١. الإسراء : ٧٨.

٢. لاحظ الكفاية : ١ / ٣١٨ ـ ٣١٩.

٤٠٠