إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٧٦٤

تمرّداً وعصياناً للمولى والمفروض انّ الحكم بالحرمة فعلي ، لا اقتضائي ، ولكنّه متحقّق في القاصر ، لعدم فعلية النهي وكونه اقتضائياً ، فلا يكون المأتي به مبغوضاً فيصلح لأن يتقرب به ، وإلى ما ذكرنا أشار بقوله : وأمّا إذا لم يلتفت إليها قصوراً وقد قصد القربة فالأمر يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً.

٢. انّ سقوط الأمر لأجل حصول الغرض من الأمر ، وليس لأجل الامتثال ، لافتراض تقديم النهي على الأمر ، وذلك ( تقديم النهي ) لأنّ الأحكام الشرعية تابعة للجهات الواقعية في المصالح والمفاسد ، لا للجهات المؤثرة فيها فعلاً والمفروض انّ مصلحة النهي ـ وإن لم يكن واصلاً ـ هو الأقوى فيكون العمل محكوماً بالحرمة لا بالوجوب ، ولأجل ذلك قلنا إنّه لا يصدق الامتثال نعم يسقط الأمر لأجل حصول الغرض. وإلى ما ذكرنا أشار بقوله : فيحصل به الغرض من الأمر فيسقط به قطعاً وإن لم يكن امتثالاً بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد.

٣. لو قلنا بأنّ الأحكام الشرعية تابعة للجهات الواصلة ، وانّه لا أثر للملاك الواقعي ، بل التأثير في التقديم والتأخير هو الملاك الواصل ـ وهو ما كان ملتفتاً إليه ـ ينقلب حكم الواقعة من النهي إلى الوجوب فيكون المورد ، امتثالاً للأمر المقدم ، دون النهي ، لكن الفرض غير ثابت عند الإمامية لاستلزامه نوعاً من التصويب وأن يكون حكم اللّه تابعاً لعلم المكلف.

وإلى ما ذكرنا أشير بقوله : لا لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن أو القبح لكونهما تابعين لماعلم منهما ـ كما حقّق في محله ـ.

٤. يمكن أن يقال بحصول الامتثال في المقام حتّى بناءً على تبعية الأحكام

٢٠١

للملاكات الواقعية من المصالح والمفاسد ، لا للجهات المؤثرة فيها فعلاً ، وذلك لأنّ العقل لا يرى فرقاً بين هذا الفرد والفرد الآخر في الوفاء بالغرض من الأمر بالطبيعة ، وإلى ذلك أشار في « الكفاية » بقوله : مع أنّه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك ـ كون المؤثر هو الجهات الواقعية لا الواصلة ـ بأنّ العقل لا يرى تفاوتاً بينه وبين سائر الأفراد في الوفاء بفرض الطبيعة المأمور بها وإن لم يعمه بما هي مأمور بها ، لكنّه لوجود المانع لا لعدم المقتضي ، فيكون المورد أشبه بما مرّ في الواجب الموسع المبتلى بواجب مضيق فيأتي بالموسع دونه ، فإنّ الفرد الموسع وإن كان فاقداً للأمر ، لكنّه لا لفقد المقتضي ، بل لأجل وجود المانع ، فيأتي به بنيّة الأمر المتعلّق بالطبيعة بما هي هي لا بما هي مأمور بها.

٥. ثمّ رتّب على ما ذكر بأنّه لو كان دليلا الحرمة والوجوب من قبيل المتعارضين وقُدّم دليل الحرمة ، فلا يكون مجال للصحة ، لفقدان الملاك حتى في الجهل عن قصور بخلاف ما إذا كانا من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة ، فيمكن الحكم بالصحة في موارد الجهل والنسيان عن قصور لوجود الملاك وحصول الغرض كما في الفروض الثلاثة الأُولى وإمكان إتيانه بالأمر المتعلّق بالطبيعة كما في الفرض الرابع.

هذا إيضاح ما في « الكفاية ».

ثمّ إنّ السيد الأُستاذ ، أورد على صاحب الكفاية بأنّ الجمع بين القول بالامتناع ، واشتمال الصلاة في الدار المغصوبة على الملاكين ، جمع بين المتضادين.

توضيحه : انّه لا شكّ في وجود التضاد بين ملاكي الغصب والصلاة ، فإن أمكن رفع التضاد بين الملاكين باختلاف الحيثيتين ، أمكن رفعه في الحكمين مع أنّ

٢٠٢

القائل بالامتناع لا يلتزم به ، ولو قلنا بأنّ اختلاف الحيثيتين ، لا يرفع تضاد الحكمين لكونهما موجودين بوجود واحد فلا يرفع تضاد الملاكين. (١)

لكن لقائل أن يقول : إنّ اختلاف العنوانين لا يكون مصحِّحاً لتعلّق الوجوب والحرمة بالشيء الواحد وجوداً ، وإن جاز أن يكون مصحِّحاً لاجتماع الملاكين فيه ، وذلك لأنّ العنوانين وإن كانا مختلفين مفهوماً ، لكنّهما متّحدان وجوداً. ولازم اجتماع الحكمين المتضادّين ، طلب إيجاد شيء واحد وتركه ، وهو بمنزلة الأمر بالمحال. وهذا بخلاف الملاكين المختلفين في المصلحة والمفسدة ، فانّهما ليسا قائمين بالمكلّف به حتّى لا يصحّ توصيفه بالصلاح والفساد ، لأنّهما من الأُمور الخارجية الراجعة إلى نفس المكلَّف تارة ، ومجتمعه أُخرى. فالصلاة في الدار المغصوبة ذات صلاح وفلاح وهي التي تدفع الإنسان إلى ذكر ربّه ، الذي هو مفتاح كلّ خير. كما أنّها مبدأ فساد وشرّ ، لاستلزامها التعدّي على حقوق الغير الذي هو قبيح عقلاً ، ومستلزمة لرواج الفوضى في المجتمع واختلال النظام. ولا مانع من اجتماعهما لاختلاف محلّهما. وهو ـ دام ظلّه ـ صرّح بذلك في موضع آخر (٢) ، وبذلك صحّح كون الشيء الواحد مقرّباً ومبعداً ، حسناً وقبيحاً.

إذا عرفت هذه المقدمات يقع الكلام في أدلّة القائل بالامتناع ، وقد هذّبه المحقّق الخراساني في ضمن أُمور :

__________________

١. تهذيب الأُصول : ١ / ٢٨٨.

٢. لاحظ تهذيب الأُصول : ١ / ٣١٦.

٢٠٣

دليل القائلين بامتناع اجتماع الأمر والنهي

استدلّ القائل بالامتناع بوجوه أتقنها وأوجزها ما أفاده المحقّق الخراساني بترتيب مقدّمات أربع ، وإليك الإشارة إلى رؤوسها :

١. الأحكام الخمسة تضاد بعضاً بعض ، والمتضادان لا يجتمعان.

٢. الأحكام تتعلّق بالمصاديق والأفعال الخارجية لا العناوين الكلية.

٣. انّ تعدد العنوان كالغصب والصلاة لا يوجب تعدداً في المعنون.

٤. ليس للوجود الواحد إلا ماهية واحدة.

ثمّ إنّه قدس‌سره شرع ببيان هذه المقدّمات الأربع وخرج بالنتيجة التالية ، وهي امتناع اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوانين.

والحجر الأساس لاستنباط الامتناع هو الأوّليان من المقدّمات الأربع دون الثالثة والرابعة ، فانّ الثالثة أي إيجاب تعدّد العنوان تعددَ المعنون ـ على القول به ـ إنّما يختصّ بالعناوين الأصلية كالجنس والفصل دون الاعتبارية كالصلاة والانتزاعية كالغصب ، فانّ الصلاة كما سيوافيك أمر اعتباري يطلق على موجود متشكل من أجناس مختلفة كالكيف في القراءة والوضع في الركوع والسجود ، كما أنّ الغصب عنوان انتزاعي ينتزع من استيلاء الأجنبي على ملك الغير سواء كان بالكون فيه كالسكنى في بيت الغير ، أو بالحيلولة بينه وبين المالك وإن لم يتصرف فيه ، وعلى أيّ حال فالبحث في أنّ تعدّد العنوان يوجب تعدّد المعنون أو لا ، مختص بالأُمور التكوينية ولا يعم الاعتبارية والانتزاعية.

٢٠٤

كما أنّ المقدمة الرابعة خارجة عن محط البحث ، لأنّ البحث في أنّ للوجود الواحد ماهية واحدة لا غير يختص بالماهيات المتأصلة ، وأين هذا من الماهيات الاعتبارية والانتزاعية؟

فالمهم في المقام هو المقدّمة الأُولى والثانية ، وإليك تحليلهما.

تحليل المقدّمة الأُولى

قال المحقّق الخراساني في إثبات تلك المقدمة : إنّ الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان ، والزجر عنه في ذاك الزمان فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال ، بل من جهة انّه بنفسه محال ، فلا يجوز عند من يجوّز التكليف بغير المقدور أيضاً. (١)

أقول : القول بأنّ الأحكام الخمسة بأسرها متضادة ، رهن انطباق تعريف التضاد عليها مع أنّه غير منطبق عليها ، وقد عُرّف الضدّان بأنّهما أمران وجوديان لا يستلزم تعقّل أحدهما تعقّل الآخر يتعاقبان على موضوع واحد داخلان تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف.

والتعريف مشتمل على قيود خمسة وكلّ قيد يحترز به عمّا ليس واجداً للقيد.

١. أمران وجوديان ، خرج المتناقضان والعدم والملكة.

٢. لا يستلزم تصوّر أحدهما تصوّر الآخر ، خرج المتضائفان ، كالأُبوة والبنوة.

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٢٤٩.

٢٠٥

٣. يتعاقبان على موضوع واحد ، خرج ما يجتمع من الأعراض كالحلاوة والحُمْرة.

٤. داخلان تحت جنس قريب ، خرج المتماثلان لأنّهما داخلان تحت نوع واحد وإن كانا لا يجتمعان.

٥. بينهما غاية الخلاف ، خرج القتمة والحمرة.

إذا وقفت على تعريف التضاد فهلمّ معي ندرس انطباقَ تعريف التضاد على مطلق الأحكام أو خصوص الوجوب والحرمة وعدمه؟

فنقول : المراد من الوجوب والحرمة في اصطلاح الأُصوليّين هو البعث والزجر الإنشائيّان بلفظ : « افعل » أو « لا تفعل » والبعث والزجر من الأُمور الاعتبارية بقرينة إنشائهما باللفظ ، فإنّ الإنشاء يتعلّق بالأمر الاعتباري دون الأمر التكويني ، والإنشاء نوع مضاهاة لعالم التكوين مثلاً انّ الإنسان قبل الحضارة كان يبعث غلامه أو يزجره بيده ولما جلس على منصّة التشريع والتقنين أخذ ينشأ بلفظتي « افعل » و « لا تفعل » ما يضاهي البعث أو الزجر التكوينيين ، فالمنشأ بعث إنشائي قائم مكان البعث باليد ، والأُمور الاعتبارية خارجة موضوعاً عن تعريف التضاد.

فإن قلت : إنّ الوجوب والحرمة وإن كانا أمرين اعتباريين لكن منشأهما هو الإرادة ، ومن المعلوم انّ إرادة البعث تضادّ إرادة الزجر ، فلعلّ إطلاق التضاد على الأحكام باعتبار مباديها وهي الإرادة.

قلت : إنّ الإرادتين وإن كانتا غير مجتمعتين لكن عدم الاجتماع ليس لأجل التضاد لما قلنا من أنّ الضدّين عبارة عن الأمرين اللذين يكونان من نوعين داخلين تحت جنس قريب كالسواد والبياض ، إذ هما داخلان تحت الكيف المبصر

٢٠٦

ولكن الإرادتين في الأمر والنهي ليستا من نوعين ، بل من نوع واحد ، غاية الأمر يختلفان باعتبار المراد.

فإن قلت : إنّ القول باجتماع الأمر والنهي يستلزم ما لا يمكن اجتماعهما ، سواء أكانا من الأُمور المتضادة أم من غيرها ، وذلك في مواضع ثلاثة :

١. في مقام الجعل حيث لا يمكن البعث إلى شيء في وقت ، والزجر عنه في نفس الوقت.

٢. في المبادئ حيث إنّ الأمر كاشف عن المحبوبية والمصلحة ، والنهي كاشف عن خلافها.

٣. في مقام الامتثال حيث إنّ بينهما مطاردة من حيث الامتثال والإطاعة ، فامتثال الأمر يكون بالإتيان بالمتعلق ، وامتثال النهي بتركه وليس بإمكان المكلّف الجمع بين الفعل والترك.

قلت : إنّ البحث منصبّ على مسألة وجود التضاد بين الأحكام وعدمه وأمّا البحث عن إمكان اجتماع البعث والنهي وعدم إمكانهما ، أو عن اختلاف المبادي وعدم إمكان اجتماعها ، أو المطاردة في مقام الامتثال فموكول إلى المستقبل وسيوافيك دفع هذه المحاذير.

تحليل المقدّمة الثانية

ذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه ممّا قد انتزع عنه ، وإنّما يؤخذ في متعلّق الأحكام آلة للحاظ متعلّقاتها والإشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها ، لا بما هو هو وبنفسه وعلى

٢٠٧

استقلاله وحياله. (١)

ثمّ استنتج ممّا ذكره ما هذا لفظه : انّ المجمع حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً كان تعلّق الأمر والنهي به محالاً ، ولو كان تعلّقهما به بعنوانين وذلك لما عرفت من كون فعل المكلّف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنـه ، متعلّقاً للأحكـام ، لا بعناوينه الطارئة عليه. (٢)

أقول : إنّ في متعلّق الأحكام احتمالات نذكرها تباعاً :

١. الأحكام متعلّقة بالمفاهيم الذهنية المقيدة بكونها في الذهن.

٢. الأحكام متعلّقة بالأفعال الخارجية والموجودات العينية ، وهذا ما يعبَّر عنه بالوجود بمعنى اسم المصدر.

٣. الأحكام متعلّقة بإيجاد الطبائع في الخارج ، والذي يقال له الوجود بالمعنى المصدري.

٤. الأحكام متعلّقة بالطبائع المعراة من كلّ عارض ولاحق ، المنسلخة عن كلّ شيء لكن لغاية الإيجاد ، فالإيجاد غاية للبعث وليس متعلّقاً له.

٥. الأحكام متعلّقة بالعناوين بما هي مرآة للخارج وطريق إليه ، وليس مراد القائل بتعلق الأحكام بالخارج ، بتعلّقها به من دون توسيط عنوان مشير إليه.

هذه هي مجموع الاحتمالات التي تتصوّر في المقام.

أمّا الأوّل فهو غير صحيح بالمرة ، لأنّ المفاهيم بقيد كونها في الذهن غير قابلة للامتثال أوّلاً ، ولا تغني ولا تسمن من جوع ثانياً.

وأمّا الثاني فهو الذي بنى عليه المحقّق الخراساني نظرية الامتناع ، فهو أيضاً

__________________

١. كفاية الأُصول : ١ / ٢٤٩.

٢. كفاية الأُصول : ١ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

٢٠٨

غير تام ، وذلك لأنّه إن أُريد من تعلّق الحكم بالخارج ، الفرد الخارجي من الصلاة بعد وجودها فهو طلب للحاصل ، وإن أُريد الفرد الخارجي قبل وجودها فليس له أيّة واقعية حتّى يتعلّق به الطلب ، وماله الواقعية هي العناوين الكلية التي لا يرضى القائل في المقام بتعلّق الأحكام بها.

وأمّا الثالث فهو الذي أوعز إليه المحقّق الخراساني عند البحث عن متعلّقات الأوامر في خاتمة كلامه.

فيرد عليه أمران :

أ. انّ دلالته على إيجاد الطبيعة فرع وجود دال عليه ، والدال منحصر في الهيئة والمادة ، والأولى وضعت للبعث نحو الطبيعة ، والثانية وضعت لنفس الطبيعة فأين الدال على إيجاد الطبيعة.

ب. لو افترضنا صحّة النظرية لكانت النتيجة هي جواز اجتماع الأمر والنهي ، لأنّ القول بتعلّق الأحكام بإيجاد الطبيعة عبارة أُخرى عن تعلّقها بالعناوين الكلية من دون فرق بين أن يكون العنوان هو الصلاة أو الغصب أو يكون العنوان إيجاد الصلاة وإيجاد الغصب فيكون متعلّق كلّ غير الآخر.

وأمّا الرابع فهو الحقّ الذي لا غبار عليه ، فانّ القوة المقننة تنظر إلى واقع الحياة عن طريق العناوين والمفاهيم الكلية وتبعث إليها لغاية الإيجاد أو الترك فيكون متعلّق كلّ من الأمر والنهي مفهوماً فاقداً لكلّ شيء إلا نفسه ، فعندئذ ترتفع المطاردة في مقام التشريع ، لأنّ متعلّق الأمر غير متعلّق النهي.

كما ترتفع المطاردة في مقام الامتثال ، لأنّه بوجوده الواحد مصداق للامتثال والعصيان لكن كلاً بحيثية خاصة.

وأمّا الخامس فهو يرجع إلى الاحتمال الرابع ، فإن أُريد من المرآتية ، المرآتية

٢٠٩

بالفعل ، فالمفاهيم الذهنية لا تكون مرآة للخارج بالفعل لعدم وجود المرئي ؛ وإن أُريد المرآتية الشأنية ، فهو يرجع إلى الاحتمال الرابع ، وهو انّ المأمور به هو الطبيعة المنسلخة عن كلّ تعين وعارض سوى نفسها لكن الأمر بها لغاية الإيجاد أو لغاية الترك.

إلى هنا تمّ تحليل ما أرساه المحقّق الخراساني من الاستدلال على الامتناع ، وقد عرفت عدم تماميته ، فحان البحث في بيان أدلّة القائلين بالجواز.

٢١٠

أدلة القائلين بجواز الاجتماع

استدلّ القائل بالجواز بوجوه سبعة نذكرها واحداً تلو الآخر ، ولكن قبل الخوض في بيان هذه الوجوه نلفت نظر القارئ إلى نكتة ، وهي :

إنّ القائلين بالجواز على طائفتين :

فمنهم من يقول بأنّ الأحكام تتعلّق بالمصاديق الخارجية والأُمور العينية ، وعلى الرغم من ذلك فهو يقول بجواز الاجتماع لأجل انّ التركيب بين الصلاة والغصب انضمامي لا اتحادي وهذا يقرب ممّا ذكره الآخرون من أنّ تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون فالقول بالجواز لأجل انّ متعلق الأمر غير متعلق النهي في الخارج.

وهذا كالمحقق النائيني الذي تطرق إلى تثبيت الجواز عن طريق انّ التركيب بين المادة والصورة انضمامي لا اتحادي ، فخرج بالنتيجة التالية : انّ تركيب الغصب والصلاة تركيب انضمامي فالحيثية الصلائية غير الحيثية الغصبية.

ومنهم من يقول بأنّ متعلّق الأحكام هو الطبائع بما هي هي ، وعندئذ يسهل له القول بالجواز ، لأنّ متعلّق الأمر في عالم الجعل والإنشاء غير متعلّق النهي ، وقد ذهب إلى هذا القول السيد المحقّق البروجردي والسيد الأُستاذ ( قدس سرهما ).

فعلى القارئ الكريم الالتفات إلى هذه النكتة في دراسة أدلّة القائلين بالجواز.

إذا عرفت ذلك فلنذكر تلك الوجوه :

٢١١

الأول : دليل قدماء الأُصوليّين

إذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص ، فخاطه العبد في ذلك المكان عدّ مطيعاً لأمر الخياطة ، ولذا لا يأمره بتجديد الخياطة ، وعدّ عاصياً للكون في ذاك المكان الخاص.

يلاحظ عليه : أنّ المثال خارج عن محط البحث فلأنّ الخياطة لا تختلط بالغصب ، لأنّ الأولى عبارة عن إدخال الإبرة في الثوب ، كما أنّ الثاني عبارة عن الكون في المكان الخاص فلا يعد إدخال الإبرة في الثوب غصباً ، إذ ليس فيه تصرف في المغصوب ، وليس التصرّف في الهواء تصرّفاً في المغصوب ، لأنّه ليس ملكاً لصاحب المكان.

الثاني : دليل المحقّق القمّي

استدل المحقّق القمي بوجه مفصل نذكره ضمن مقاطع.

قال : إنّ متعلّق الأمر طبيعة الصلاة ، ومتعلّق النهي طبيعة الغصب ، وقد أوجدهما المكلّف بسوء اختياره في شيء واحد ولا يرد في ذلك قبح على الآمر ، لتغاير متعلق المتضادين فلا يلزم التكليف بالمتضادين.

فإن قلت : الكلي لا وجود له إلا بالأفراد ، فالمراد بالتكليف بالكلي هو إيجاد الفرد وإن كان على الظاهر متعلّقاً بالكلّي.

قلت : إنّ الفرد مقدّمة لتحقّق الكلّي في الخارج ، فلا غائلة في التكليف به مع التمكّن من سائر المقدمات.

فإن قلت : إنّ الأمر بالمقدّمة اللازم من الأمر بالكلّي يكفينا ، فإنّ الأمر بالصلاة أمر بالكون الكلي ، والأمر به أمر بالكون الخاص مقدّمة ، فهذا الكون

٢١٢

بعينه منهي عنه أيضاً بالنهي المقدّمي.

قلت : نمنع وجوب مقدّمة الواجب ، وعلى فرض الوجوب ، فالواجب هو فرد ما من الكون ، لا الكون الخاص الجزئي ، وإنّما اختار المكلّف مطلقاً الكون في ضمن هذا الفرد المحرّم.

نعم لو كانت المقدّمة منحصرة في الحرام ، كما إذا لم يتمكن إلا من الصلاة في الدار المغصوبة ، فنحن نقول بامتناع الاجتماع ، فلابدّ إمّا من الوجوب أو الحرمة. (١)

هذا ملّخص كلامه ، وحاصله :

١. لا مانع من اجتماع الحكمين لاختلاف المتعلّقين ، واجتماع الحكمين المتضادين في الفرد لا يضر ، لأنّ الفرد مقدمة لهما.

٢. لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب وحرمة مقدّمة الحرام ، فالكون حرام لا انّه واجب لاختصاص الوجوب بالمباح ، ويسقط وجوب المقدّمة بالمحرّم ، لكون وجوبها توصلياً.

٣. لو فرض انحصار المقدّمة بالحرام ، فلابدّ من القول بامتناع الاجتماع ، فلابدّ من تقديم الوجوب أو التحريم.

وربما ينسب إليه التفصيل بين كون الانحصار بسوء الاختيار وعدمه ، وانّه لا مانع من فعلية وجوب ذيها لكونه بسوء الاختيار ، دون ما لم يكن كذلك ولكنّه ليس في كلامه إشارة إليه ، ولعلّه ذكره في غير هذا المقام ، كما قال المحقّق المشكيني في تعليقته على الكفاية ، وستوافيك النسبة في التنبيه الأوّل من تنبيهات المسألة

__________________

١. القوانين : ١ / ١٤١ ـ ١٤٢.

٢١٣

فانتظر.

يلاحظ عليه أوّلاً : بما في الكفاية من أنّ الفرد الخارجي نفس الطبيعي في عالم العين وإن كان غيره في عالم التصوّر ، ومع العينية كيف تتصوّر المقدّمية المستلزمة للاثنينية. وهي منتفية قطعاً.

وثانياً : انّ ما نسب إليه من فعلية وجوب ذيها مع تسليم حرمة المقدّمة غير تام ، لأنّه يستلزم التكليف بالمحال وهو غير جائز ، سواء أكان بسوء الاختيار أو لا.

وأمّا القاعدة المعروفة من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فليس بمعنى صحّة الخطاب بل بمعنى وجود الملاك.

وبعبارة أُخرى : لا ينافي ملاكاً وعقاباً لا خطاباً وحكماً ، فلو ألقى نفسه من شاهق فحال السقوط حرام ملاكاً لا خطاباً لامتناع الامتثال عندئذ.

الثالث : دليل المحقّق النائيني

إنّ المحقّق النائيني من القائلين بالجواز مع القول بتعلّق الأحكام بالمصاديق الخارجية ، غير أنّه يسعى ليثبت انّ متعلّق الأمر في الخارج غير متعلّق الأمر فيه ، ودليله مبني على مسألة فلسفية حول تركيب المادة والصورة ، فالحكماء على طائفتين ، فمنهم من يقول بأنّ التركيب اتحادي وليست هنا كثرة.

مثلاً الحيوان إذا وقع في مدارج الكمال يصير نفس الإنسان لا شيئاً منضماً إلى النفس الناطقة ونظيره : تركب الجسم من حيوان وصورة ، فانّ الهيولى في الماء نفس الصورة المائية كما أنّ الهيولى في النار نفس الصورة الخارجية.

ومنهم من يذهب إلى أنّ التركيب انضمامي وإنّ هنا كثرة باسم المادة والصورة كالحيوان بالنسبة إلى الناطق ، أو باسم الهيولى والصورة كما في الماء والنار

٢١٤

على القول بتركب الكل من الهيولى والصورة. وإلى كلا القولين يشير المحقّق السبزواري بقوله :

ان بقول السيد السناد

تركيب عينية اتحاد

لكن قـول الحكماء العظام

من قبله التركيب الانضمام

ثمّ إنّ المحقّق النائيني قدس‌سره برهن على مختاره ببيان مفصل نأتي بموجزه تحت أرقام رياضية حتى يسهل فهم مرامه.

١. انّ الصلاة الموجودة في المجمع لا تنقص عن حقيقة الصلاة بشيء ، إذا أتى بها في مكان مباح كما أنّ الغصب الموجود في المجمع لا تنقص من حقيقة الغصب بشيء كما إذا كان الغصب مجرداً عن الصلاة.

٢. انّ الصلاة من مقولة الوضع وعُرّف الوضع بأنّه نسبة حاصلة للشيء من نسبة أجزاء الشيء بعضها إلى بعض والمجموع إلى الخارج ( أي الخارج عن ذلك الشيء ) كالقيام والقعود ، والاستلقاء والانبطاح وغيرها ، فالقيام مثلاً عبارة عن الهيئة الحاصلة من نسبة بعض أعضاء البدن إلى بعض كالرأس إلى أعلى والأقدام إلى أسفل ، والمجموع إلى الخارج ككونه مستقبلاً للقبلة ومستدبراً الجدي.

فعلى هذا فالصلاة مؤلفة من قيام وركوع وسجود ، وجلوس في التشهد كلّها حتّى مقولة الوضع ، وأمّا الهويّ إلى الركوع والسجود فإن قلنا بخروجها عن ماهية الصلاة فهو ، وإلا فما هو جزء للصلاة عبارة عن الأوضاع المتلاحقة والمتلاصقة ، فانّ الهويّ لاينفك عن الأوضاع المتبادلة ، فإذا شرع في الانحناء للركوع أو السجود إلى الأرض يتبدّل الوضع السابق إلى وضع لاحق ويستمر التبدّل إلى أن يصل إلى حدّ الركوع أو السجود.

كما أنّ الغصب من مقولة الأين ، وعرف الأين بأنّه هيئة حاصلة من كون

٢١٥

الشيء في المكان وليس مجرد نسبة الشيء إلى المكان ، بل الهيئة الحاصلة من كون المكين فيه ، فالصلاة في الدار المغصوبة لا تنفك عن كون الإنسان فيها ، فتحصل هيئة خاصة باسم الغصب.

إلى هنا تبيّن انّ الصلاة لا تجتمع مع الغصب في حال من الأحوال ، لأنّ الأولى من مقولة الوضع والثاني من مقولة الأين ، والوضع والأين من الأجناس العالية التي لا جنس فوقها وهي متباينات بالذات غير مجتمعات كذلك.

٣. هذا هو لبّ البرهان غير أنّ المستدل التفت إلى وجود الإشكال في الحركة في حال الهوي إلى الركوع والسجود ، فإنّ الحركة يجتمع فيها عنوان الغصب والصلاة مع كونها أمراً واحداً ، فهذا هو الأمر الثالث الذي حاول أن يثبت فيه انّ هنا حركتين ، لأنّ وحدة الحركة في المقام يتصور على وجهين وكلاهما باطلان.

أ. أن تكون الحركة جنساً وعنوانا الصلاة والغصب فصلاً.

ب. أن تكون الحركة عرضاً والصلاة والغصب عارضين لها.

أمّا الأوّل فغير صحيح بالمرة لاستلزامه أن يكون الشيء الواحد يقع تحت فصلين.

وأمّا الثاني فيستلزم قيام العرض بالعرض كما يستلزم تركب الأعراض مع انّها بسائط ، فلا محيص إلا عن الالتزام بأمر آخر وهو تعدّد الحركة الذي بيّنه في المقطع الرابع بقوله :

٤. قد حقّق في محله انّ الحركة لا تدخل تحت مقولة ، والمقولات وإن كانت عشرة ولكن الحركة لا تدخل تحت واحدة من هذه المقولات ، وهذا لا يعني انّ الحركة مقولة وراء المقولات العشرة تضاف إليها حتّى ينتهي عدد المقولات إلى إحدى عشرة مقولة بل الحركة في كل مقولة نفسها ، مثلاً :

٢١٦

إنّ التفاحة على الشجرة يطرأ عليها حالات مختلفة ، فتنقلب من البياض إلى الصفرة والحمرة ، ومن صغر الحجم إلى كبره.

فهناك حركتان حركة في الكيف وحركة في الكم والحركة في كلّ مقولة نفس تلك المقولة لا شيئاً وراء ذلك.

وعلى ضوء ذلك فالحركة في الدار المغصوبة ينطبق عليها الوضع والأين ، فهي مع الوضع وضع ومع الأين أين ، وبما انّهما من الأجناس المتباينة لا محيص إلا أن يقال انّ الصلاة مغايرة بالحقيقة والهوية للغصب ، وبالتالي الحركة الصلائية مغايرة للحركة الغصبية ، بعين مغايرة الصلاة والغصب ، ويكون في المجمع حركتان : حركة صلائيّة ، وحركة غصبيّة ، وليس المراد من الحركة رفع اليد ووضع اليد وحركة الرأس والرّجل ووضعهما ، فإنّ ذلك لا دخل له في المقام حتّى يبحث عن أنّها واحدة أو متعددة ، بل المراد من الحركة : الحركة الصلائيّة ، والحركة الغصبيّة ، وهما متعددتان لا محالة.

وإلى الأمر الثالث والرابع يشير المحقّق الخوئي في تقريراته عن أُستاذه ، فيقول :

فإن قلت : أليست الحركة الواحدة الخارجية يصدق عليها انّها صلاة كما يصدق عليها انّها غصب وعليه ، فلا محالة يكون التركيب بينهما اتحادياً ويكون كلّ منهما بالإضافة إلى الآخر لا بشرط.

قلت : ليس الأمر كذلك فانّ الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أُخرى منضمة إليها ، أعني بها مقولة الأين ، ومن الواضح انّ المقولات كلّها متباينة يمتنع اتحاد اثنتين منها في الوجود وكون التركيب بينهما اتحادياً وما ذكر من صدقها على حركة شخصية واحدة يستلزم تفصّل الجنس الواحد ، أعني به :

٢١٧

الحركة بفصلين في عرض واحد وهو غير معقول.

هذه عصارة البرهان التي استللناها من كلا التقريرين : ( « فوائد الأُصول » للكاظمي و « أجود التقريرات » للخوئي ).

يلاحظ على الاستدلال بأُمور :

الأوّل : فلأنّ التأكيد على أنّ تركيب العنوانين تركيب انضمامي لا اتحادي يعرب عن اتّفاقه مع المحقّق الخراساني على أنّ الأحكام تتعلّق بالأفعال الخارجية ، ولما كانت نتيجة ذلك هو الامتناع لا جواز الاجتماع فانبرى إلى تصحيح الاجتماع بأن تركيب المقولتين انضمامي وكلّ مقولة بمعزل عن المقولة الأُخرى ، فتكون إحداهما متعلّقة بالأمر والأُخرى متعلّقة بالنهي.

ولكنّك عرفت أنّ الأحكام لا تتعلّق بالأفعال الخارجية لأنّها بعد الوجود ظرف السقوط ، وقبل الوجود ليس لها تحقّق في الخارج حتّى يتعلّق بها الحكم.

الثاني : انّ حديث التركيب الانضمامي والاتحادي من خصائص الوجودات الخارجية كالمادة والصورة أو الهيولى والصورة ، فمن قائل بأنّ المادة في مدارج حركتها تصير نفس الصورة من دون أن يكون بينهما اثنينية ، والتركيب بينهما اتحادي إلى آخر بأنّ المادة في مدارج حركتها تتشخص بالصورة وبينهما اثنينية والتركيب بينهما انضمامي.

وعلى كلّ حال فهذا البحث الفلسفي مختص بالموجودات الخارجية دون العناوين الاعتبارية كالصلاة أو الانتزاعية كالغصب.

أمّا الصلاة فهي عنوان اعتباري يعبر بها عن عدة مقولات متنوعة ومجتمعة فالصلاة تشتمل على الأذكار ، وهي بما انّها مشتملة على الجهر والإخفات من مقولة الكيف ، وعلى القيام والركوع والسجود فهي من مقولة الوضع ، وعلى الهوي فإن

٢١٨

قلنا بأنّ الواجب هي الهيئة الركوعية والسجودية وانّ الهوي مقدمة فهي من مقولة الوضع ، وإن قلنا : إنّ الواجب هو الفعل الصادر من المكلّف ، فيكون الهُويّ حركة في الوضع إلى أن تنتهي بترك الأوضاع المتلاحقة إلى حدّ الركوع والسجود.

وعلى ضوء ذلك تكون الصلاة أمراً اعتبارياً باعتبار إطلاقها على ما يشتمل على أزيد من مقولة وأمّا الغصب فهو أمر انتزاعي بشهادة انّه ينتزع من أمرين مختلفين في الماهية.

١. قد ينتزع من التصرف في مال الغير ، كلبس ثوب الغير.

٢. قد ينتزع من الاستيلاء على مال الغير بلا تصرف فيه ، كما إذا منع المالك من التصرف في ماله فيكون الغصب عنواناً انتزاعياً ، تارة ينتزع من التصرف في مال الغير ، وأُخرى من الاستيلاء على مال الغير وإن لم يتصرف فيه ، فمثل ذلك لا يكون داخلاً تحت مقولة وإنّما يكون أمراً انتزاعياً ، فحديث التركيب الاتحادي والانضمامي في المقام أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع ، وعلى ذلك فالغصب ليس من الماهيات المتأصلة ليستحيل اتحاده مع الصلاة خارجاً وانّه من المفاهيم الانتزاعية القابلة للانطباق على ماهيات متعددة ، وعليه فلا مانع من انطباقه على الصلاة.

الثالث : انّ القول بتعدّد الحركة وانّ الحركة الصلائية غير الحركة الغصبية يخالف الحس والوجدان ، إذ لا يصدر عن المصلي إلا حركة واحدة وعلى فرض صدور حركتين فالحركة الثانية أيضاً بما انّها تصرف في مال الغير توصف بالغصب أيضاً.

على أنّ استنتاج الحكم الشرعي من هذه المقدّمات الفلسفية المبتنية على مقدّمات غير واضحة لا يمكن الاعتماد عليه.

٢١٩

الوجه الرابع

ما ذكره بعضهم من أنّ الاجتماع لو كان آمرياً ومن قبل المولى ، لكان ذلك مستحيلاً ، لكنّه ليس في المقام كذلك بداهة أنّه مأموري ومن قبل نفس المكلّف بسوء اختياره ، فلا يكون هناك مانع عن الاجتماع.

يلاحظ عليه بوجهين :

١. انّ القائل بالامتناع يقول بأنّ الحكم بصحّة الاجتماع يؤول إلى الاجتماع الآمري ، لأنّ المفروض أنّ كلا من الخطابين ـ لإطلاق متعلّقه ـ يعمّ ما لو وجد كل في ضمن الآخر فيعود المحذور ، إذ لو كان لمقولة : « صلّ » إطلاق ، يعمّ ما إذا كانت متحدة مع الغصب ، للزم أن يكون المجمع واجباً وحراماً وهذا لا يمكن الالتزام به.

٢. لو افترضنا انّ الاجتماع مأموريّ ، فالإشكال غير مندفع أيضاً ، لأنّ التكليف بالمحال أمر قبيح من غير فرق بين سوء الاختيار وعدمه ، هذا وسيوافيك في الوجه الخامس دفع الإشكالين فانتظر.

الوجه الخامس للمحقّق البروجردي

وهذا الوجه ذكره المحقّق البروجردي قدس‌سره وأوضحه السيّد الإمام الخميني قدس‌سره وشيّد أركانه ، ودفع المحاذير المتوهمة شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ ، وحاصل الوجه هو :

إنّ الأحكام لا تتعلّق إلا بالطبائع دون المصاديق الخارجية ، وعندئذ لا مانع من تعلّق الأمر بحيثيته ، والنهي بحيثية أُخرى وعندما تصادفت الحيثيتان على شيء واحد ، لا مانع من أن يكون ذاك الشيء مصداقاً للمأمور به بحيثيته

٢٢٠