القواعد العامة في فقه المقارن

السيّد محمّد تقي الحكيم

القواعد العامة في فقه المقارن

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحكيم


المحقق: وفي الشناوة
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8889-93-2
الصفحات: ٢٩٦

ومقتضى ذلك أن يؤخذ بالزيادات الواردة في هذه الأحاديث جمعا بين مختلف الألسنة التي وردت فيها.

وإذا كانت الأحاديث هي المصدر الأساس لهذه القاعدة الفقهيّة ، فالأنسب أن ندخل عليها بعض التعديل ليتمّ انسجامها مع مصدرها ، وبخاصة إذا علمنا أنّ لهذا التعديل مدخليّة في محتواها الفقهي.

وعلى هذا فيكون لسانها : «لا ضرر ولا ضرار على مؤمن في الإسلام».

***

٨١

الفرع الرابع

شبهات حول مدلول القاعدة

الشبهة الأولى : إجمال القاعدة

المراد من إجمال القاعدة : بدعوى أنّ الأحاديث التي اعتبرناها مصدرا للقاعدة ، وحاولنا أن نستفيد منها ما يلقي الأضواء على مدلولها ، لا تخلو من إجمال ؛ لخروج المورد في بعضها عن المدلول الظاهر لها ، وخروج المورد ممّا لا يستساغ في محاورات أهل العرف عادة.

فألفاظ الحديث وإن سلّم أنّها ظاهرة في نفي التشريعات الضرريّة والضراريّة ، إلّا أنّ ما ورد في بعض ألسنته من اتخاذها كبرى لإثبات حكم ، لا نفيه ، ممّا يوقف ذلك الظهور ؛ للشكّ في انعقاده مع احتمال قرينيّة الموجود على إرادة خلافه ، والقول بخروج المورد عن القاعدة بعيد لا يمكن نسبته إلى الشارع.

ويتّضح ذلك من الحديث السابق الذي تعرّض لقصة الأنصاري مع سمرة ، حيث جاء فيه أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري بقلع الشجرة :

«اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار». (١)

__________________

١ ـ الكافي ٥ : ٢٩٢ كتاب المعيشة ، باب الضرار ح ٢.

٨٢

مع أنّ الأمر بقلع الشجرة حكم إيجابي ، فكيف يطبّق عليه ما دلّ على النفي؟ وقد طبّقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو ظاهر الحديث.

فالجهل بكيفية التطبيق يولّد نوعا من الإجمال في المدلول ؛ لاحتمال أن يريد الشارع معنى آخر وجعل التطبيق قرينة عليه.

يقول الشيخ مرتضى الأنصاري وهو يعرض لهذه القصة : «وفي هذه القصة إشكال من حيث حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقلع العذق ، مع أنّ القواعد لا تقتضيه ، ونفي الضرر لا يوجب ذلك». (١)

رأي ومناقشة

وفي مجال الإجابة على هذه الشبهة وردت عدّة محاولات :

إحداها : ما ذكره الشيخ الأنصاري وهو يعقّب على ما ذكره من الإشكال بقوله : «لكن لا يخلّ بالاستدلال». (٢)

وكأنّه يريد أن يقول : إنّ الكبرى لمّا كانت واضحة الدلالة على النفي ؛ فإجمال التطبيق لا يسري إليها. (٣)

ولكن هذا الجواب ـ إن كان هو المقصود له ـ لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ الكبرى الكلّية إذا اقترنت بقرينة مجملة لا بدّ أن يسري إجمالها إلى المدلول ، فيمنع من انعقاد ظهوره فيه ابتداء ، ومع هذا الإجمال كيف يمكن الاستدلال به في غير مورد التطبيق؟

ثانيها : ما قيل : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يطبق الجملة على هذه القضية من هذه الجهة ، وإنّما كان حكمه بقلع عذقه من جهة ولايته صلى‌الله‌عليه‌وآله على النفوس والأموال تأديبا وحسما لمادة

__________________

١ ـ رسائل فقهية : ١١١ قاعدة «لا ضرر».

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ راجع : منية الطالب ٣ : ٣٩٩.

٨٣

الفساد ، بعد أن تمرّد من قبول الحكم الشرعي ، أي وجوب الاستئذان. (١)

والظاهر أنّ المجيب يقصد في جوابه هذا : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كانت له سلطتان إحداهما تشريعية ، وهي التي يعملها في تبليغ الأحكام ، والأخرى تنفيذية ، وهي التي استحقّها بحكم ولايته العامّة المجعولة له ، فقد أعمل هنا كلتا السلطتين ، فهو في ذكره للقاعدة مبلّغ ، وهو في أمره بالقلع مؤدّب ، وإحداهما لا ترتبط بالأخرى.

وإذا فليس الأمر هنا «من باب تخصيص المورد كي يكون مستهجنا ، ويكون موجبا لسقوط حجية العامّ وإجماله». (٢)

ولكنّ هذا الجواب ـ إن صح ما استظهرناه منه ـ غير واضح أيضا ؛ وذلك لأنّا ، وإن سلّمنا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يملك السلطتين ، وحاولنا أن نسلّم أنّه أعملهما معا في هذه الواقعة ، إلّا أنّا لا نسلّم عدم الارتباط بينهما ؛ لظهور التعليل الوارد بقوله : «فإنّه لا ضرر» في أنّه بمنزلة البيان لحيثيات الحكم بالقلع ، أو قل : إنّه ظاهر في تطبيق القاعدة على المورد ، وإلّا فما معنى هذا التعليل أو التفريع بالفاء على الأمر بالقلع في لسان الحديث؟!

ثالثها : ما أجاب به الشيخ محمد حسين النائيني ـ فيما حكي عنه ـ : من أنّ ضرر الأنصاري ولو كان مستندا إلى جواز الدخول بغير إذنه ، وهو الجزء الأخير لعلّة الضرر ، ولكنّ جواز الدخول من غير استئذان بالآخرة ينتهي إلى حقّه لإبقاء عذقه في ذلك البستان ، فذلك الحقّ هو حكم شرعي وضعيّ نشأ من قبله الضرر ، فيكون الضرر عنوانا ثانويا لذلك الحقّ ، فيرتفع بارتفاع الضرر بالمطابقة أو بالالتزام ، فلا يرد إشكال حتّى بناء على تطبيقه على مسألة العذق. (٣)

__________________

١ ـ القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٢٦.

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٢٦ نقلا عن منية الطالب ٣ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، والنقل كان بالمعنى لا بالنصّ.

٨٤

وكأنّ المراد من هذا النصّ أنّ جواز الدخول من غير استئذان لمّا كان مسبّبا عن حقّه ببقاء العذق ، ويكون ذلك الجواز ضرريا ؛ فإنّه يجوز رفعه برفع سببه ، أعني : حقّه ببقاء العذق ، ويكون ذلك تطبيقا لقاعدة (لا ضرر) الدالّة على رفع الأحكام الضررية ؛ وبخاصّة أنّ السبب تعنون بعنوان الضرر تبعا للحكم الذي تسبّب عنه.

ويمكن أن يجاب على ذلك بأنّ السبب إذا كان سببا لأحكام متعددة وكان بعضها ضرريا وبعضها غير ضرري ، فإنّ دليل (لا ضرر) لا ينفي أكثر من الحكم الضرري ، أمّا بقية الأحكام فلا معنى لرفعها برفع سببها (١) ، و (الضرورات تقدّر بقدرها) كما تقول القاعدة العقلية ، وقاعدة (لا ضرر) قاعدة امتنانية ، وليس من المنّة أن يعاقب الإنسان بأكثر ممّا يستحقّه من عقاب.

وحقّه ببقاء العذق هنا يصلح أن يكون سببا لترتّب حقوق متعدّدة عليه ، كحقّه في استغلال الثمرة مثلا ؛ فلا معنى لأن يحرم منها وهي غير ضرريّة ، وكان يكفي في رفع الضرر عنه رفع حقّه في الدخول بغير استئذان ، لا قلع أصل الشجرة.

على أنّ تعنون السبب بعنوان الضرر ـ لأنّ الحكم المترتّب عليه قد أخذ هذا العنوان ليتسلّط عليه الرفع ـ غير واضح. (٢)

رابعها : والجواب الذي يراه بعض أساتذتنا أنّه هو الصواب أن يقال : إنّ تقديم حقّ الأنصاري ؛ لحفظ عرضه ، من جهة أهمّيته في نظر الشارع ، كما هو الشأن في باب التزاحم من تقديم الأهمّ على المهمّ ، وهو أحد المرجّحات الخمسة في باب التزاحم ، بل أهمّها. (٣)

ومراده من هذا النصّ ظاهرا : أنّ هذه القصة يمكن أن تنتظم في باب التزاحم ، إذ إنّ قلع الشجرة ممّا يولّد ضررا لسمرة ، وبقاءها ممّا يولّد ضررا للأنصاري ، وذلك

__________________

١ ـ راجع : مصباح الأصول ٢ : ٥٣١.

٢ ـ القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٢٦.

٣ ـ المصدر السابق : ٢٢٧.

٨٥

لتعريض عرضه للهتك بدخول الأجنبي على عائلته ، وبما أنّ المحافظة على العرض أهمّ في نظر الشارع ؛ قدّم على حقّه في إبقاء الشجرة ؛ لذا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقلع.

والجواب على ذلك : أنّ الذي يزاحم المحافظة على العرض إنّما هو جواز الدخول بغير إذن ، لا وجود الشجرة ، ومقتضى ذلك أن يمنعه من استعمال هذا الحقّ ، لا أن يقلع شجرته.

على أنّ وجه التعليل أو التفريع على الأمر بالقلع ـ أي الحكم الوجودي ـ بقوله : «فإنّه لا ضرر ولا ضرار» الظاهر في نفي التشريع الضرري ، ما يزال يكتنفه الغموض.

الرأي المختار

وحلّ الإشكال في حدود ما يبدو لنا : أنّ التطبيق الوارد في هذه القصة تطبيق منسجم مع ما يظهر من القاعدة من نفي التشريع الضرري ، إلّا أنّ التطبيق إنّما كان للفقرة الثانية من القاعدة ـ أعني كلمة «لا ضرار» ـ لا الأولى منها ، كما ذكر ذلك جلّ من عرضنا لآرائهم من الأعلام.

وتقريب ما ندّعيه ـ وعلينا عهدته ـ أنّ جوّ المحاورة التي جرت بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمرة ، بما فيها من محاولة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الإشارة عليه بالاستئذان ، أو البيع بما شاء من ثمن ، أو التعويض بالجنّة ، وامتناع سمرة عن قبول هذه العروض ، كشف له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسية هذا الرجل الذي يأبى إلّا إيقاع الأذى على الأنصاري ومضارّته ، مستغلّا حقّه في بقاء الشجرة في داره لتحقيق ذلك الضّرار.

واستعمال حقّه في الدخول إليها من غير استئذان ، إنّما هو وسيلة من وسائل الضرار ، فلو قدّر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يرفع حقّه في الدخول للجأ إلى وسائل أخرى للإيذاء ، كأن يولّد للأنصاري اتّهاما باستغلال الثمرة ، أو التقصير بسقيها ، أو غير ذلك ، ممّا يولّد الضرار له ، مستغلّا حقّه ببقاء هذه الشجرة في داره.

٨٦

فالضرار إذا ليس ناشئا من حقّه في الدخول بغير استئذان ـ وإن كان ذلك منشأ الشكوى من قبل الأنصاري ـ وإنّما هو ناشئ من حكم الشارع بحقّه في إبقاء الشجرة في تلك الدار ؛ لذلك نفى الشارع حكمه ببقاء ذلك الحقّ ، بتطبيق (لا ضرار) عليه ، بعد أن صدق عليه أنّه رجل مضارّ.

أمّا أمره بقلع الشجرة فإنّما هو نظير مجيء الأمر بعد توهّم الحظر ؛ لا يراد منه جعل حكم جديد ، وإنّما هو إيذان برفع حقّه في إبقاء الشجرة ، فكأنّه قال له : إنّ الشارع رفع عنك حقّه في إبقاء الشجرة في بيتك ما دام هذا الحقّ مولّدا لتعنّت سمرة في إلقاء الضرر عليك ؛ لذا لا حظر عليك في رفعها.

الشبهة الثانية : سقوط القاعدة لكثرة التخصيص

وشبهة أخرى أثارها الشيخ الأنصاري حول هذه القاعدة وهي : سقوطها لكثرة ما طرأ عليها من تخصيص. (١) لوضوح أنّ العرف لا يطمئنّ في محاوراته إلى عموم تتوارد عليه التخصيصات ، فتخرج أكثر مصاديقه عن مجالات دلالته ، بل لا يعمدون إلى هذا الأسلوب في التعبير عن مرادهم ؛ استهجانا له. والشارع سيّد البلغاء في أساليب أدائه ؛ فلا يعقل أن يلجأ إلى استعمال ما يستهجنونه في أساليب الحوار.

وبما أنّ حديث «لا ضرر» في حدود ما قرّبنا به دلالته ناف للتكاليف المحدثة للضرر ، ونحن نعلم أنّ في الشريعة أحكاما موضوعاتها ضررية ، كالأحكام المتعلّقة بالضرائب المالية التي تحتاج إليها الدولة لتقويم بنيتها الاجتماعية ، والأحكام المتعلّقة بالعقوبات المالية والبدنية وغيرها ، فلا بدّ من الالتزام بتخصيص القاعدة بهذه الأحكام ، فيكون مدلول القاعدة : كلّ حكم أحدث امتثاله الضرر فهو منفيّ في الشريعة الإسلامية ، إلّا في الخمس ، إلّا في الزكاة ، إلّا في الضمان ، إلّا في القصاص ، إلّا في

__________________

١ ـ فرائد الأصول ٢ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.

٨٧

التعزير ، وهكذا ...

ومقتضى ذلك ألّا يبقى تحت عموم القاعدة إلّا أقلّ القليل ، وهذا ما يوجب وهنا في دلالتها يوقف الأخذ بها ؛ فلا بدّ إذا من التماس مدلول آخر ينسجم والأساليب البليغة في محاورات أهل اللسان.

وأجاب الشيخ عن هذه الشبهة (١) بإمكان التماس قدر جامع بين هذه الأحكام الضررية ـ على اختلافها ـ يكون هو المخصّص ، فيكون التخصيص واحدا ، وإن أخرج أكثر الأفراد ، ومثل هذا ليس فيه ما يستهجن لدى أهل اللسان ؛ لأنّ المستهجن كثرة التخصيصات ، لا التخصيص الواحد المنطوي على كثرة الأفراد ، فلو قال القائل : أكرم العلماء إلّا النحويين ، وكان النحويّون يشكّلون تسعين بالمائة من مجموع العلماء ـ مثلا ـ لا يكون التخصيص مستهجنا عرفا.

مناقشة ورأي

ولكنّ هذا الجواب وإن كان سليما بالنسبة إلى التخصيص المنصبّ على العناوين ، لا الأفراد (٢) ، كما هو الشأن في القضايا الحقيقية التي لا يكون الوجود الخارجي الفعلي منظورا فيها ، بل الحكم فيها يكون واردا على موضوعه مفروض الوجود ، قلّت أفراده أو كثرت ، إلّا أنّ هذا القدر الجامع لو أمكن تصوّره فإنّما هو من صنعنا نحن ؛ إذ لم يرد التعبير عنه من قبل الشارع المقدّس في أيّ دليل.

وعمليّة التخصيص إنّما هي عملية جمع بين ظهورات متعدّدة متدافعة في اللّحاظ الأوّلي ، صادرة جميعا من الشارع المقدّس ، والصادر منه هنا هو جعل أحكام متعدّدة لموضوعات ضررية متعدّدة ، لا حكم واحد ؛ ليفكّر بكيفية الجمع بينه وبين هذه

__________________

١ ـ فرائد الأصول ٢ : ٤٦٥.

٢ ـ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٢٨٤.

٨٨

القاعدة النافية للأحكام التي نشأ من امتثالها الضرر. (١)

وإذا فرض تعدّد الأحكام الضررية فلا بدّ من الالتزام بكثرة التخصيص الموجب لوهن القاعدة عرفا.

الرأي المختار

والأولى أن يجاب على ذلك بأنّا لا نتعقّل أن يجعل الشارع أحكاما ضررية ؛ لأنّ أحكامه وليدة مصالح ومفاسد باتّفاق كلمة المسلمين ، وإن اختلفت وجهات نظرهم في كيفية الاستدلال على ذلك ، وتشريع الأحكام الضررية من قبله يتنافى مع ما يدركه العقل من أنّ ذلك ممّا لا ينبغي صدوره من الشارع المنزّه عن شهوة التحكّم في تصرّفات عبيده ، كما هو مقتضى ما تقتضيه قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين.

كما أنّ الأعلام الذين استدلّوا على مبدأ المصالح والمفاسد بالاستقراء ، لا بدّ أن يكونوا قد أدركوا ـ بحكم استقرائهم ـ أوجه المصالح في هذه الأحكام التي يبدو أنّها ضررية ، وإن لم تكن هي كذلك.

وتقريب ذلك : أنّ الضرر إنّما يصدق على النقص الداخل على الإنسان غير المعوّض ، أمّا النقص المعوّض فلا يصدق عليه عنوان الضرر قطعا (٢) ، فالتاجر الذي يدفع المال عوضا عن السلعة التي يأخذها لا يصدق عليه أنّه تضرّر بدفع ثمنها ، ما دام قد أخذ السلعة عوضا عن الثمن.

وإذا صحّ هذا اتّضح ما نريده من عدم صدق عنوان الضرر على موضوعات هذه الأحكام التي لا يتقوّم النظام الاجتماعي إلّا بها عادة.

فالذي يدفع الضريبة المالية ـ مثلا ـ للدولة يأخذ من طريق غير مباشر عوضها

__________________

١ ـ راجع : القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٠.

٢ ـ ذكر النراقي : أنّ صدق الضرر عرفا إنّما هو إذا كان النقصان ممّا لم يثبت بإزائه عوض مقصود للعقلاء يساويه مطلقا ، وأمّا مع ثبوت ذلك بإزائه فلا يصدق الضرر أصلا. عوائد الأيام : ٦٢.

٨٩

شعورا بالطمأنينة ، والأمان ، والحماية ، كما يأخذ في مقابلها نتائج الخدمات التي تقدّمها الدولة من ضمانات ضدّ المرض ، والجهل ، والفقر ، وغيرها ممّا تنهض به ويتقوّم به النظام العامّ للمجتمعات ، وهذا أثمن بكثير ممّا يدفعه عادة من أموال.

فمثل هذه الأحكام لا يتعقّل فيها إحداث ضرر ليفكّر بكيفيات الجمع بينها وبين هذه القاعدة.

وعلى هذا فإنّ هذه الأحكام خارجة بالتخصّص عنها (١) ، أي أنّها غير داخلة في عنوان القاعدة ابتداء ؛ لأنّها لا تنطوي على أضرار ؛ إذ الأضرار المعوّضة ليست أضرارا.

نعم ؛ إذا ولّدت هذه الأحكام أضرارا أكثر ممّا تقتضيه طبيعة ما تؤدّيه من خدمات للأفراد ـ كما في بعض الظروف الطارئة ـ تكون مشمولة للقاعدة ، وترفع استنادا إليها ، ولا محذور في ذلك. (٢)

الشبهة الثالثة : سقوط القاعدة لابتلائها دائما بالمعارض

وقد قرّبت هذه الشبهة بأنّ حديث (لا ضرر) لو نسب إلى أيّ دليل من أدلّة الأحكام الواقعية لكان بينه وبين ذلك الدليل العموم والخصوص من وجه. (٣)

فأدلّة وجوب الوضوء مثلا تقول : إنّ الوضوء واجب للصلاة ، ضرريا كان أو غير ضرري ، وأدلّة (لا ضرر) تنفي الحكم الضرري ، وضوءا كان أو غير وضوء ، فهما إذا يلتقيان بالوضوء الضرري ، ويفترقان بالضرر في غير الوضوء ، وبالوضوء غير الضرري. فالوضوء الضرري ـ وهو موضع الالتقاء بينهما ـ يكون واجبا بمقتضى أدلّة وجوب الوضوء مطلقا ، وغير واجب بمقتضى كونه ضرريا منفيّا وجوبه بحديث (لا ضرر) ، وهكذا بالنسبة إلى كلّ حكم.

__________________

١ ـ راجع : العناوين ١ : ٣١٥.

٢ ـ راجع : منية الطالب ٣ : ٤٠٢.

٣ ـ راجع : مصباح الأصول ٢ : ٥٤٠.

٩٠

وبما أنّ نسبة الأدلّة إلى موضع الالتقاء بين العامّين من وجه نسبة واحدة من حيث الظهور ، فلا يمكن تقديم بعضها على بعض ، وبمقتضى ذلك يحكم بتعارضها وتساقطها للمعارضة ؛ لاستحالة أن يعبّدنا الشارع بالدليلين المتناقضين ، واستحالة صدور التناقض منه.

مناقشة ورأي

وقد أجيب عن هذه الشبهة بعدّة أجوبة ، لعلّ أهمّها :

أوّلا : إنّ هذه القاعدة ـ أعني (لا ضرر) ـ يمكن نسبتها إلى مجموع الأحكام الشرعية فتكون أخص منها ، والخاص يقدّم على العامّ ، فكأنّ الشارع قال : عليكم بالأخذ بأحكامي جميعا إلّا ما كان منها ضرريّا ، والأحكام الضررية كما هو واضح أخصّ من مطلق الأحكام ؛ فيقدم دليلها عليها بالتخصيص. (١)

وهذا الجواب سليم لو كان عندنا مثل ذلك العموم الشامل ، وانتزاعنا له من مجموع ما ورد من قبل الشارع من الأحكام لا يجعله صادرا من قبله ، وإنّما الصادر منه أحكام متفرّقة واردة على موضوعاتها ، مدلولة لأدلّتها الخاصّة ، والنسبة إنّما تلحظ عادة بين الأدلّة الصادرة عن الشارع ، لا المنتزعة من قبلنا. (٢)

والأدلّة الصادرة عنه أدلّة متفرّقة ، كلّ دليل فيها وارد على حكمه ، فللوضوء دليله ، وللصلاة دليلها ، وهكذا ... والنسبة بين حديث (لا ضرر) وبين كل واحد منها هي العموم والخصوص من وجه ـ كما سبق تقريبه ـ ومقتضاه التعارض والتساقط ، فلا يبقى لقاعدة (لا ضرر) مورد واحد.

ثانيا : وقد يقال في مقام الجواب : إنّ التعارض هنا وإن كان محكما من حيث

__________________

١ ـ منية الطالب ٣ : ٤٠٦.

٢ ـ راجع : دراسات في علم الأصول ٣ : ٥١٣.

٩١

الدلالة ، إلّا أنّه يمكننا الرجوع إلى المرجّحات ، ومن المرجّحات في باب التعارض : الشهرة ، والشهرة هنا في جنب قاعدة (لا ضرر) ؛ لأنّ الفقهاء ـ على اختلاف مذاهبهم ـ يعملون بها ، ويقدّمونها على الأدلّة جميعا ، بينما لا نجد فيهم من يقدّم الأدلّة المعارضة لها عليها. (١)

وهذا الجواب في الواقع لا يصلح جوابا على الشبهة لو أمكن الرجوع في العامّين من وجه إلى المرجّحات ؛ لأنّ الشهرة ـ التي اعتبرت في لسان الأدلّة الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر» (٢) ـ هي الشهرة في الرواية ، لا الشهرة في الاستناد. (٣)

أي أنّ مقياس تقديم إحدى الروايتين على الأخرى هو كثرة رواتها ـ على نحو تكون الرواية مشهورة بين الرواة ـ لكثرة الناقلين لها عن المعصوم ، في قبال الرواية الشاذّة التي ينفرد بها راو أو راويان.

أمّا الشهرة في الفتوى فهي ليست منظورة للأدلّة في مجال الترجيح.

على أنّ أدلّة الأحكام الأوّليّة ليست أقلّ شهرة من أدلّة قاعدة (نفي الضرر) لتقدّم هذه القاعدة عليها. (٤)

الرأي المختار

والجواب الذي يدفع هذه الشبهة ـ فيما يبدو ـ هو أنّ دليل (لا ضرر) دليل حاكم على أدلّة الأحكام الأوّلية ؛ ولذلك قدّم عليها ، والدليل الحاكم لا تلحظ فيه النسبة بينه

__________________

١ ـ يمكن استفادة هذا الجواب من كلمات المحقّق السبزواري في كفاية الأحكام ٢ : ٥٥٦ كتاب إحياء الموات.

٢ ـ عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ح ٢٢٩.

٣ ـ راجع : دراسات في علم الأصول ٣ : ٥١٢.

٤ ـ قام السيد محمد جواد العاملي بتقديم قاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» على أحاديث الإضرار ؛ لكون القاعدة هي المشهورة بين الأصحاب. مفتاح الكرامة ١٤ : ٥١٣ كتاب إحياء الموات.

٩٢

وبين الدليل المحكوم. (١)

ولإيضاح معنى الحكومة ، وبيان السرّ في تقديم الأدلّة المتوفّرة عليها على غيرها نعود إلى ما سبق أن ذكرناه في كتابنا «الأصول العامّة للفقه المقارن» من تحديدها ، وذكر الفرق بينها وبين التخصيص ، والسبب الذي أوجب أن لا تلحظ النسبة بينها وبين ما تحكم عليه ، بخلاف التخصيص ... إلى ما هنالك ممّا يلقي بعض الأضواء في هذا المجال :

قلنا في كتابنا «الأصول العامّة للفقه المقارن» : المراد بالحكومة أن يكون أحد الدليلين ناظرا إلى الدليل الآخر ، موسّعا أو مضيّقا له.

فمن القسم الأوّل ما ورد من أنّ : «الفقّاع خميرة استصغرها الناس» (٢) ، فالفقّاع وإن لم يكن خمرا بمفهومه اللغوي ، إلّا أنّ الشارع بدليله هذا وسّع مفهوم الخمر إلى ما يشمل الفقاع ، وأعطاه جميع أحكام الخمر بحكم عموم التنزيل ، وأمثال هذا في الأدلّة كثيرة.

ومن القسم الثاني ما ورد في أدلّة نفي الضرر ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار» (٣) ، وسمة هذه الأدلّة إلى أدلّة الأحكام الأوّلية سمة المضيّق لها إلى ما لا يشمل الأحكام الضرريّة ، ولسان الكثير من أدلّة هذا النوع من الحكومة لسان نفي للموضوع تعبّدا ، ونفي الموضوع يستدعي نفي الحكم ، إذ لا حكم بلا موضوع.

ومن مزايا الأدلّة الحاكمة أنّ النسبة لا تلحظ بينها وبين الأدلّة المحكومة كما هو الشأن في الأدلّة المخصّصة ، فليس من الضروري أن يكون الدليل الحاكم أخصّ من الدليل المحكوم ؛ لنلتزم بتقديمه عليه ، بل يكفي أن يكون شارحا ومبيّنا له ليقدّم

__________________

١ ـ انظر : رسائل فقهية : ١١٦ «قاعدة لا ضرر» ، ومنية الطالب ٣ : ٤٠٥ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٢ ، ودراسات في علم الأصول ٣ : ٥١٤ ـ ٥١٥.

٢ ـ الكافي ٦ : ٤٢٣ كتاب الأشربة ، باب الفقاع ح ٩.

٣ ـ تهذيب الأحكام ٧ : ١٤٧ كتاب التجارات ، باب (١٠) في بيع الماء والمنع عن الكلأ والمراعي ح ٣٦.

٩٣

عليه ، وإن كانت النسبة بينهما هي العموم من وجه.

وسرّ الفرق بينهما : أنّ التقديم في التخصيص إنّما كان لأجل أنّ ظهور الخاصّ في مصاديقه أقوى من ظهور العامّ في مصاديق الخاص ، أو أنّ الخاصّ نصّ ، والعامّ ظاهر ، والنصّ والأظهر يقدّمان على الظاهر عادة ، أو أنّ الخاصّ بمنزلة القرينة على المراد الجدّي ، والظهور لا يتجاوز الكشف عن المراد الاستعمالي للآمر ، ومن عدم القرينة على تغاير المراد الاستعمالي للمراد الجدّي نستفيد تطابقهما ، فإذا جاءت القرينة على المغايرة لم يبق مجال للاستدلال ـ بما يكشف عن المراد الاستعمالي ـ على المراد الجدي.

ولكن ذلك لا يتأتّى في العامّين من وجه ؛ لأنّ نسبة كلّ منهما إلى موضع الالتقاء من حيث الظهور نسبة واحدة ، فلا يصلح أن يكون أحدهما قرينة على التخصيص بالنسبة إلى الآخر ، ومن هنا التزمنا بالتساقط في العامّين من وجه عند تعارضهما في موضع الالتقاء.

ولكنّ لسان الحكومة لمّا كان لسان شرح وبيان للمراد من الأدلّة الأوّلية ، كان قرينة على كلّ حال ، فلا بدّ أن ينزّل ذو القرينة عليها عرفا.

ومن هنا لم يلحظ العلماء النسبة في أدلّة العناوين الثانوية مع العناوين الأوّلية ، ولا أدلّة الرخصة مع العزيمة ، فيعارضون بينها ، مع أنّ النسبة بينها ـ في الغالب ـ هي نسبة العموم من وجه.

والسرّ في ذلك هو ما قلناه من تقديم العرف لهذا النوع من الأدلّة بعد أن كان لسانه لسان بيان وشرح للمراد من الأدلّة الأوليّة. (١)

ومن هنا تتّضح حكومة أدلّة (لا ضرر) على الأدلّة الأوّلية ؛ لأنّ لسان هذه الأدلّة لسان شرح وبيان للمراد من أدلّة الأحكام الأوّلية ، فكأنّ الشارع قال : إنّ مرادي من

__________________

١ ـ الأصول العامّة للفقه المقارن : ٨٢ ـ ٨٣. بتصرّف.

٩٤

أحكامي التي وردت في الأدلّة الأوّلية هي الأحكام التي لا يولّد لك امتثالها ضررا ، فإذا ولّدت لك هذه الأحكام ضررا فهي منفيّة عنك ، وما دام الشارع قد شرح لك مراده فلا معنى لمحاولات الجمع بينها لاستكشاف المراد.

وعلى هذا ، فالقاعدة ليست معارضة للأدلّة الأوّلية ؛ لتقدّمها عليها من جهة الحكومة.

***

٩٥

الفرع الخامس

مجالات القاعدة في الفقه

عرض الفقهاء لقسم من هذه المجالات عند ما تحدّثوا عن هذه القاعدة ، وتوسّع بعضهم فبنى عليها كثيرا من أبواب الفقه : (١)

«ويبتني على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه ، فمن ذلك الردّ بالعيب ، وجميع أنواع الخيارات ، والحجر بسائر أنواعه على المفتي به ، والشفعة فإنّها للشريك لدفع ضرر القسمة ، وللجار لدفع ضرر الجار السوء (بجيرانها تغلو الديار وترخص) ، والقصاص ، والحدود ، والكفّارات ، وضمان المتلفات ، والجبر على القسمة بشرطه ، ونصب الأئمّة والقضاة ، ودفع الصائل ، وقتال المشركين والبغاة». (٢)

وذكر السيوطي جملة أخرى من الأبواب ، أمثال : فسخ النكاح ، والبيع

__________________

١ ـ راجع : الأشباه والنظائر للسبكي ١ : ٤١ ـ ٤٥ ، والقواعد والفوائد ١ : ١٤١ ـ ١٤٦ ، ونضد القواعد الفقهية : ٨١ ـ ٨٦ ، والقواعد للحصني ١ : ٣٣٥ ـ ٣٤٠ ، والأقطاب الفقهية : ٤٧ ، وقاعدة «لا ضرر ولا ضرار» لشيخ الشريعة الأصفهاني : ٤٧ ـ ٤٩ ، وقاعدة «لا ضرر» لضياء الدين العراقي : ١٧٥ ـ ٢٠١ ، وتحرير المجلّة ١ : ١٤٠ ـ ١٤٢ ، ودرر الحكام ١ : ٣٦ ـ ٣٧ ، وشرح المجلّة للأتاسي : ٥٣ ـ ٥٤ ، وشرح القواعد الفقهية : ١٦٦ ـ ١٧٧ ، والمدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩١ ـ ٩٩٢.

٢ ـ الأشباه والنظائر لابن نجيم : ٨٥.

٩٦

بالعيوب ... (١) ، وغيرها.

وذكر السيّد فتّاح في كتابه «العناوين» ، وهو يستعرض المقامات التي استند الفقهاء فيها إلى هذه القاعدة ، جملة ممّا ذكرناه عن السيوطي وابن نجيم ، ويضيف عليها كثيرا من الموارد ، يقول :

«ويندرج تحته لزوم دية المتترس المقتول على المجاهدين ، وسقوط النهي عن المنكر ، وإقامة الحدود مع عدم الأمن ، وعدم الإجبار على القسمة مع تحقّق الضرر ، وعدم لزوم أداء الشهادة كذلك ، وحرمة السحر والغشّ والتدليس ، ومشروعية التقاصّ ، وجواز بيع أمّ الولد في مواقع ، والتسعير على المحتكر إن أجحف ، وحرمة الاحتكار مع حاجة الناس ، وتفريق الأمّ عن الولد ، وجواز قلع البائع زرع المشتري بعد المدة ، وتخيّر المسلم في الفسخ مع انقطاع المسلم فيه عند الحلول ، وتخيّر المرابح عند الكذب والخديعة ، وفي خيار التأخير ، وما يفسد ليومه ، والرؤية ، والغبن ، وعدم سقوط خيار الغبن بالخروج عن الملك ، وخيار العيب والتدليس ، والتصرية ، وتعذّر التسليم ، وتبعّض الصفقة ، وحلول الديون بموت المديون ، وبيع ما يتسارع إليه الفساد من الرهن ، وخيار الغبن في الصلح ، وعدم جواز شراء المضارب من ينعتق على المالك ، وعدم لزوم دفع الغاصب على الودعي ، وجواز دفع الوديعة إلى الحاكم والثقة (٢) عند الضرورة ، وعدم جواز الرجوع في مثل عارية اللّوح في السفينة ، وتخيّر المالك مع زراعة ما هو أشدّ ضررا من المأذون فيه ، وفسخ المشتري مع ظهور العين مسلوبة (٣) المنفعة ، والخيار في الإجارة لو عمّ العذر عقلا أو شرعا ، ومهلة الشفيع لو تضرّر المشتري ، وعدم تبعّض الأخذ بالشفعة وعدم بطلانها بالفسخ بعيب ونحوه ، وعدم لزوم الوصاية ما لم يقبل ، وتخيّر المولّى عليه لو زوّجه الولي بغير الكفء أو بذات

__________________

١ ـ الأشباه والنظائر ١ : ٢١٠ ـ ٢١١.

٢ ـ الموجود في المصدر : «أو الثقة».

٣ ـ الموجود في المصدر : «مسلوب».

٩٧

العيب ، وجواز تزويج الأمة مع العنت ، وخيار الزوجة مع فقر الزوج ، وحرمة الدخول في السوم ، والخطبة بعد إجابة الغير ، وفسخ النكاح بالعيوب ابتداء واستدامة في أحد الزوجين ، وترك القسمة بأقلّ من ليلة أو بأكثر ، وسقوط قسمة المجنونة ، وعدم جواز العضل على أزيد ممّا وصل منه إليها ، وسماع دعوى المقرّ المواطاة ، وعدم جواز إحياء مشعر العبادة ، وحرمة التطويل أو المانعية في المشتركات كالمساجد والمشاهد والطرق والأسواق ونحو ذلك ، وعدم جواز القصاص في الطرف مع التعزير (١) بالنفس ، وشرعيّة أصل القصاص والديات ، والكثير من الجزئيات وفروعها (٢) ، فتدبّر» (٣).

مناقشة ورأي

والملاحظة ممّا عرضناه من كلمات هؤلاء الأعلام أنّهم أغفلوا التعرّض لجريان هذه القاعدة في كثير من أبواب الفقه كالعبادات مثلا ، ولعلّ وجهة نظرهم هي ضرب أمثلة ممّا تجري فيه وليس الاستقصاء التامّ لمختلف الموارد التي تجري فيها.

على أنّ تمامية ما ذكروه من جريانها في قسم من هذه الأبواب والموارد متوقّف على إعطاء القاعدة دلالات معيّنة قد تختلف في توفّرها عليها ، وهذا ما يدعونا أن نتحدّث قليلا عمّا يلقي بعض الأضواء عليها ، وهو ما يشكّل المطلب الثاني.

__________________

١ ـ الموجود في المصدر : «التغرير».

٢ ـ الموجود في المصدر : «وكثير من جزئيات فروعهما».

٣ ـ العناوين ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

٩٨

المطلب الثاني

ما يلابس القاعدة من الأحكام

* أوّلا : الضرر في القاعدة شخصيّ أو نوعيّ؟

* ثانيا : نفي الضرر بين الرخصة والعزيمة

* ثالثا : القاعدة وشمولها للمحرّمات

* رابعا : القاعدة والأمور العدميّة

* خامسا : الضرر في القاعدة واقعيّ أو علميّ؟

* سادسا : القاعدة وشمولها لضرر الغير

٩٩
١٠٠