القواعد العامة في فقه المقارن

السيّد محمّد تقي الحكيم

القواعد العامة في فقه المقارن

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحكيم


المحقق: وفي الشناوة
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8889-93-2
الصفحات: ٢٩٦

والأسباب الموضوعية وراء كلّ رأي أو فكرة ، بعيدا عن كلّ ما يخلّ بهذا المنهج.

يضاف إلى ذلك أنّه كان يعتمد المنهج الأنسب للمقارنة بين القوانين والقواعد الإسلامية والقوانين والقواعد الوضعية ، وكان يقارن بين آراء القدامى وآراء المحدثين أيضا في مجالات الفقه والأصول والقواعد الفقهية ؛ وفي المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية.

المنهج التقريبي عند العلّامة الحكيم

يسعى العلّامة ـ في دراسة الفقه المقارن من خلال بحث أصوله وقواعده الفقهية ـ إلى إرساء الدعائم الرئيسة للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، وذلك بتوحيد مرجعياتها العلمية في أصول الفقه والقواعد العامّة : بأن تكون مشتركة بين الجميع ، وتخضع لقوانين البحث والنقد العلمي ، بعيدا عن الاختلافات العقائدية التي لا تتّصل مباشرة بمباحث الأصول والقواعد العامّة.

ويبدو أنّ العلّامة الحكيم كان يؤكّد هذا المنهج ؛ لأنّه كان يرى أنّ الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية لا يتحقّقان بمجرّد الشعارات ، وعقد الندوات ، وإلقاء الخطب ، بل لا بدّ من المضيّ في خطوات ملموسة تهدف إلى تحقيق ذلك على ساحة العمل وأرض الواقع ، وكسر حاجز عدم الثقة الذي يحول بين وحدة المسلمين ، والذي تراكم على مدى تلك القرون المتمادية ، ممّا أدّى إلى أزمة عدم الثقة بالطرف الآخر ، وعدم تفهّمه والإنصات له.

ولذلك استشعر العلّامة كلّ ذلك ، وقام بخطوات يشهد لها بالنجاح ؛ من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية ، فمن خلال منهجه هذا استطاع أن يدخل المذاهب الإسلامية في حوار ونقاش للأسس والركائز التي يبتني عليها كلّ مذهب على صعيدي الأصول والقواعد الفقهية ؛ فإنّ التقارب يبدأ من الحوار والاستماع إلى حجّة الطرف

٢١

الآخر ، ومن دون ذلك لا يستطيع الباحث أن يتعرّف الآراء الأخرى للمذاهب الإسلامية ، ولا يستطيع الاقتراب من المنهج الذي لا يعرفه ، ولم يطّلع عليه.

من هنا تكمن أهمّية المنهج المقارن الذي يصرّ عليه العلّامة ، فهو يؤدّي إلى رفع حالة الالتباس ، وسوء الفهم الذي ساد بين المذاهب الإسلامية مدى زمن طويل ، ممّا يهيّئ أرضية مشتركة لتوحيد المسلمين ، ويجعل الحكم بين المسلمين هو الحجّة والبرهان ، لا التعصّب المذهبي الذي هو آفة العلم.

ومن حسنات المنهج المقارن أنّه يؤدّي إلى تلاقح الأفكار ونضجها ، ويكسر حالة الجمود والتقليد التي تكون سائدة داخل المذهب الواحد ؛ فإنّه بالاطّلاع على الآراء والحجج الأخرى يمكن الفقيه ـ في ضوء الموازنة والمقارنة الموضوعية ـ أن يحلّل تلك الآراء ، ويخضعها للمقاييس العلمية ، ويقبلها إن وافقت تلك المقاييس ، ويرفضها إن لم تطابقها ، وقد جاء في الحديث الشريف : «الحكمة ضالّة المؤمن ، فحيثما وجد أحدكم ضالّته ، فليأخذها».

عملنا في هذا الكتاب

كان عملنا في هذا الكتاب يتمحور في نقاط ، وهي ما يلي :

١ ـ الإرجاع إلى المصادر الأساسية : فقد عملنا جهد الإمكان على إرجاع الآراء المنسوبة إلى أشخاص معيّنين إلى كتبهم مباشرة ، وعدم الاكتفاء بنسبة الآخرين إليها ، فمثلا في الطبعة السابقة للكتاب كان قد نقل تعريف الحموي من كتاب (المدخل الفقهي العامّ) للشيخ مصطفى الزرقا ، ونحن قمنا بإرجاع هذا التعريف إلى كتاب الحموي نفسه ، وهو كتاب (غمز عيون البصائر) وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآراء والأفكار التي كانت تنسب إلى المحقّق النائيني ، وكان يرجع فيها إلى كتاب (القواعد الفقهية) للبجنوردي ، فأرجعنا آراء النائيني إلى كتابه (منية الطالب).

٢٢

وأمّا في الأمور والمطالب التي يظنّ أو يقطع فيها بعض الأحيان أنّ المصنّف قد اقتبس منها أو كان ناظرا إليها ، فأرجعنا القارئ إلى بعض المصادر ؛ لما فيه من الفائدة وتوثيقا للأفكار الواردة في الكتاب.

كما أبدلنا بالمصادر ذات الطبعات القديمة التي هجرت ، أو الطبعات الحجرية التي يندر تداولها اليوم ، أو الكتب المخطوطة ، الكتب الحديثة الطبع والمنقّحة والمتداولة.

٢ ـ اعتماد المصادر الحديثية المعتبرة والروايات ؛ فقمنا بإرجاع الأحاديث والروايات إلى الكتب الحديثية المعتبرة عند المذاهب الإسلامية ، مثلا الكتب الأربعة عند الإمامية ، والكتب الصحاح والمسانيد عند المذاهب الإسلامية الأخرى.

٣ ـ التعليق والاستشهاد : فقد قمنا بالتعليق على بعض المواضع التي أحسسنا فيها بضرورة هذا الأمر ، والاستشهاد لبعض الأفكار والآراء التي بيّنها المؤلّف ، فقد استشهدنا بآراء من كتاب (تحرير المجلّة) للشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، وبآراء من (العناوين الفقهية) لمير فتّاح ، وبآراء من (عوائد الأيام) للنراقي ، وغيرهم ؛ من أجل تأكيد الرأي الذي بيّن ، وتوثيق تلك الفكرة أو هذا الرأي.

ولا يفوتني أن أشكر جزيل الشكر مركز التحقيقات والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ؛ لتبنّيه الأعمال والمشاريع العلمية التي تخدم أهداف التقريب ، وتصبّ في تقدّم المسيرة الوحدوية التي أكّدها الإسلام ونبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخصّ بالذكر سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ أحمد المبلّغي حفظه الله تعالى مدير المركز الذي أتاح لي الفرصة للمشاركة في هذا المجال ، وقدّم إليّ ما أحتاج إليه من وسائل ومراجع كان لها الأثر في إتمام هذا الكتاب النفيس. وكذلك أشكر قسم الفقه والأصول التابع للمركز بكلّ كادره ؛ لما قدّموه إليّ من مساعدة في هذا النطاق.

٢٣

نسأل المولى القدير أن يمدّنا بألطافه لخدمة الإسلام والمسلمين من طريق تعزيز الوحدة بين إخواننا وأبناء جلدتنا أينما كانوا في بقاع الأرض المعمورة ، إنّه سميع مجيب.

وفي الشناوة

٢٤

ترجمة المؤلّف

بقلم : نجله علاء الدين السيّد محمد تقي الحكيم

المؤلّف في سطور

ولد سماحة سيّدي الوالد في مدينة النجف الأشرف بالعراق عام (١٩٢١ م ـ ١٣٤٠ ه‍) ، ودفن فيها.

نشأ نشأة علمية بتوجيه من والده سماحة السيّد سعيد الحكيم (ت ١٣٩٥ ه‍ ـ ١٩٧٥ م) وأعلام أسرته ، فدرس علوم العربية والمنطق والبلاغة وأصول الفقه والفلسفة والتاريخ على أيدي الأساتذة الأجلّاء العلماء الأعلام : أخيه السيّد محمد حسين الحكيم (ت ١٤١٠ ه‍ ـ ١٩٨٩ م) ، والشيخ نور الدين الجزائري ، والسيّد صادق السيّد ياسين ، والشيخ علي ثامر ، والسيّد يوسف الحكيم (ت ١٤١١ ه‍ ـ ١٩٩٠ م) ، والسيّد حسن الحكيم (ت ١٣٩٤ ه‍ ـ ١٩٧٤ م) ، والسيّد محمد علي الحكيم ، والشيخ محمد رضا المظفر (١٣٨٣ ه‍ ـ ١٩٦٤ م) ، والسيّد موسى الجصاني.

حضر دروس البحث الخارج في الفقه والأصول على أيدي الآيات العظام : السيّد محسن الحكيم (ت ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٧٠ م) ، والسيّد أبي القاسم الخوئي (ت ١٤١٣ ه‍). والشيخ حسين الحلي (ت ١٣٩٥ ه‍ ـ ١٩٧٠ م) ، والسيّد ميرزا حسن البجنوردي

٢٥

(ت ١٣٩٦ ه‍ ـ ١٩٧٦ م). والفلسفة على يد الشيخ محمد رضا المظفر ، والسيّد ميرزا حسن البجنوردي.

درّس السطوح العالية في الفقه والأصول لطلبة الحوزة العلميّة في النجف الأشرف سنوات عديدة.

قام بتدريس الفقه لطلبة البحث الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على متن كتاب المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري ، وأصول الفقه على متن كتاب الكفاية للشيخ محمد كاظم الخراساني.

درّس طلّاب البحث الخارج علم أصول الفقه المقارن بآراء أئمة المذاهب الإسلامية ، وكتب بعض طلابه تقريرات درسه.

أسّس مع عدد من الأعلام جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف ، وواكب نشاطها لأكثر من ربع قرن ، ودرّس في كليّتها كليّة منتدى النشر النّحو والصّرف والبلاغة والأدب والتاريخ والفقه والأصول وعلم النّفس وعلم الاجتماع ، ابتداء من عام ١٩٤٤ م.

أسّس مع عدد من المفكرين المجمع الثقافي لمنتدى النشر عام ١٩٤٣ م ، وساهم في نشاطاته الثقافية المختلفة.

أسّس مع عدد من الأعلام كليّة الفقه في النجف الأشرف عام ١٩٥٨ م ، وتولّى فيها تدريس علوم أصول الفقه المقارن ، والقواعد الفقهية المقارنة ، وفقه اللغة ، والتاريخ الإسلامي ، وعلمي الاجتماع والنّفس ، ممّا يكشف عن موسوعيّة معرفيّة كبيرة.

أنتخب عميدا لكلّية الفقه عام ١٩٦٥ م ، وشغل هذا المنصب حتى عام ١٩٧٠ م.

٢٦

درّس أصول الفقه المقارن بمعهد الدراسات الإسلامية العليا ، جامعة بغداد ، من عام ١٩٦٧ م حتى عام ١٩٧٠ م.

أشرف على العديد من الرسائل الجامعية لطلبة الدراسات العليا ، وناقش مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه.

اختير خبيرا علميا أكاديميا لترقية حملة الشهادات العليا لرتب جامعية أعلى.

انتخب بالإجماع في عام ١٩٦٤ م عضوا عاملا في المجمع العلمي العراقي ، بترشيح من علّامتي العراق المرحومين الشيخ محمد رضا الشبيبي والدكتور مصطفى جواد ، وشغل العضوية حتى عام ١٩٩٦ م ، ومثّل المجمع في عدد من المؤتمرات العلمية.

أنتخب عضوا في مجمع اللغة العربية المصري عام ١٩٦٧ م.

أنتخب عضوا في مجمع اللغة العربية السّوري عام ١٩٧٣ م.

أنتخب عضوا في مجمع اللغة العربية الأردني عام ١٩٨٠ م.

أنتخب عضوا في مجمع الحضارة الإسلامية الأردني عام ١٩٨١ م.

كلّف عام ١٩٨١ م من قبل الجامعة العربية ، المنظّمة العربية لمكافحة الجريمة ، بوضع مصطلحات للعقوبات تكون معتمدة لدى دول الجامعة ، ولكن هذا المشروع لم يكتمل لظروف خاصة.

عيّن عضو شرف في المجمع العلمي العراقي عام ١٩٩٧ م.

دعي إلى الحضور العديد من المؤتمرات والندوات العلمية في البلاد العربية وغيرها ، وشارك في جملة منها ، من ذلك :

أ ـ مؤتمر كراچي المنعقد في باكستان عام ١٩٥٧ م ، بمناسبة مرور ١٤ قرنا على ولادة الإمام علي عليه‌السلام ممثّلا عن سماحة السيّد محسن الحكيم قدس‌سره.

ب ـ المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد بالقاهرة عام ١٩٦٤ م.

٢٧

ج ـ المؤتمر المشترك بين مجمعي اللغة العربية المصري والعراقي المنعقد ببغداد عام ١٩٦٥ م.

د ـ المؤتمر المشترك بين مجمعي اللغة العربية المصري والعراقي المنعقد بالقاهرة عام ١٩٦٧ م.

ه ـ مؤتمر دراسة أحرف الطّباعة العربية ، بدعوة من المنظّمة العربية للثقافة والعلوم المنعقد بالقاهرة عام ١٩٧١ م.

و ـ ندوة المصطلحات القانونية ، بدعوة من اتّحاد المجامع العربية المنعقدة بدمشق عام ١٩٧٢ م.

ز ـ المؤتمر التأسيسي لجمعية الجامعات الإسلامية ، بدعوة من جامعة القرويين ، المنعقد بمدينة فاس عام ١٩٧٤ م.

ح ـ ندوة معالجة تيسير النحو العربي المنعقدة بالجزائر عام ١٩٧٥ م.

مؤلّفاته المطبوعة

١ ـ مالك الأشتر ، مطبعة الغري ، النجف الأشرف ١٩٤٦ م ، طبعة ثانية ، بيروت ٢٠٠١ م ، المؤسّسة الدولية للدراسات والنشر.

٢ ـ شاعر العقيدة (السيّد الحميري) ، مطبعة دار الحديث ، بغداد ١٩٦٣ م ، طبعة ثانية ، بيروت ٢٠٠١ م ، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر.

٣ ـ الأصول العامّة للفقه المقارن ، دار الأندلس ، بيروت ١٩٦٣ م ، طبعة رابعة ، بيروت ٢٠٠١ م ، المؤسّسة الدولية للدراسات والنشر.

٤ ـ الزواج المؤقّت ودوره في حلّ مشكلات الجنس ، دار الأندلس ، بيروت ١٩٦٣ م.

٥ ـ فكرة التقريب بين المذاهب ، مكتبة المنهل ، الكويت ١٩٧٨ م.

٢٨

٦ ـ مناهج البحث في التاريخ ، مكتبة المنهل ، الكويت ١٩٧٨ م.

٧ ـ تاريخ التشريع الإسلامي ، كتاب المعهد ، معهد الدراسات العربية والإسلامية ، لندن ١٩٩٨ م.

٨ ـ التشيّع في ندوات القاهرة ، دار التجديد ، بيروت ١٩٩٩ م.

٩ ـ من تجارب الأصوليّين في المجالات اللغوية ، مؤسّسة الألفين ، الكويت ٢٠٠٠ م.

١٠ ـ عبد الله بن عباس ، حياته وسيرته ، شخصيّته وآثاره.

١١ ـ القواعد العامّة في الفقه المقارن ، الطبعة الأولى ، المؤسّسة الدوليّة للدّراسات والنشر ، بيروت ١٤٢٢ ه‍ ـ ٢٠٠١ م.

مؤلّفاته المخطوطة

١ ـ زرارة بن أعين.

٢ ـ مع الإمام علي عليه‌السلام ، قيد الطبع.

٣ ـ مشكلات الأدب النجفي.

٤ ـ الإسلام وحريّة التملّك والمفارقات الناشئة عن هذه الحرية ، قيد الطبع.

٥ ـ أبو فراس الحمداني (مفقود).

٦ ـ تعليقة على كتاب (كفاية الأصول) للشيخ محمد كاظم الخراساني.

٧ ـ انطباعاتي عن محاضرات الأستاذ الشيخ حسين الحلّي.

٨ ـ تعليقة على كتاب (مستمسك العروة الوثقى) للسيّد محسن الحكيم.

نشاطاته الأخرى

وقد قدّم لمجموعة من الكتب بمقدّمات إضافية ، منها :

٢٩

١ ـ كتاب (النصّ والاجتهاد) للإمام شرف الدين ، مطبعة النجف ، النجف الأشرف ١٩٥٦ م.

٢ ـ كتاب (الكندي : الرائد الأوّل للفلسفة الإسلامية ومفخرة الفكر العربي) للدكتور محمد بحر العلوم ، مطبعة النجف ، النجف الأشرف ١٩٦٢ م.

٣ ـ ديوان السيّد الحميري ، جمع وتحقيق وشرح شاكر هادي شكر ، دار الحياة ، بيروت ١٩٦٦ م.

٤ ـ كتاب (القياس : حقيقته وحجيّته) للدكتور مصطفى جمال الدين ، مطبعة النّعمان ، النجف الأشرف ١٩٧٢ م.

٥ ـ كتاب (العقل عند الشيعة الإماميّة) للدكتور رشدي عرسان عليان ، مطبعة دار السّلام ، بغداد ١٩٧٣ م.

٦ ـ كتاب (عقد الفضولي في الفقه الإسلامي) للدكتور عبد الهادي الحكيم ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف ١٩٦٥ م.

كما ونشر العديد من البحوث والمقالات في الصّحف والمجلّات العراقية والعربية ، منها :

البذرة ، الهاتف ، النجف ، الإيمان ، الأضواء ، البيان ، الدليل ، الغري ، النهج ، العرفان ، البلد ، الحياة ، مجلّة المجمع العلمي العراقي ، مجلّة مجمع اللغة العربية المصري ، وغيرها.

وأخيرا : أصدر الدكتور محمد كاظم مكي كتابا عن حياته ، وآثاره ، ونشاطاته العلمية تحت عنوان (ومن ثمرات النجف في الفقه والأصول والتاريخ والأدب ، السيّد محمد تقي الحكيم) مطبعة دار الزهراء ، بيروت ١٩٩١ م.

وأصدر الدكتور عبد الأمير زاهد كتابا عن منهجيّته تحت عنوان (التّنظير المنهجي عند السيّد محمد تقي الحكيم) النجف ١٩٩٩ م. طبع في بيروت ، المؤسّسة الدولية للدّراسات والنشر ٢٠٠١ م.

٣٠

مقدّمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد ، فهذه هي المحاولة الثانية لدراسة الفقه المقارن من خلال بحث قواعده الفقهية هذه المرّة ، بعد محاولتي الأولى في بحث أصوله الفقهية ، في كتابي (الأصول العامّة للفقه المقارن).

وكلتا المحاولتين تهدفان إلى وضع أسس علمية مقارنة لأصول الفقه وقواعده العامّة ، تضفي على كلّ منهما سمة علم له مقوّماته وأسسه ومعالم شخصيّته.

وهما ـ فيما أخال ـ محاولة لتطوّر فقه مقارن يشمل مختلف المدارس الفقهية ، بما فيها مدرسة النجف الأشرف الحديثة والتي كان لها قدم سبق في تطوّر أمثال هذه الدراسات.

والمحاولتان تسعيان كذلك إلى إرساء ركائز واقعية عملية للتقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة ، من خلال توحيد مرجعياتها الفكرية أصول فقه وقواعد عامة ، تستنبط بواسطتهما الأحكام الفرعية التفصيلية الموحّدة وصولا إلى التقارب الإسلامي المنشود.

وقد حاولت في كتابي هذا وضع أسس عامة للقواعد الفقهية المقارنة ، متّخذا من

٣١

قواعد الضرر والحرج والنيّة نماذج تطبيقية لها ، باعتبارها من أكثر القواعد الفقهية شمولا وسعة.

ولعلّ ما فيها من جدة النهج ، وجهد المحاولة في التماس مواقع الالتقاء بين القواعد المتفرّقة ، ودراستها دراسة منهجية لم يسبق لي أن اطّلعت على معالم محدّدة لها في تجارب السابقين ، هذه الأمور كفيلة للطلب من ذوي الاختصاص تناول هذه الدراسة بالنقد الموضوعي ، فإنّه أساس نجاح مثل هذه المحاولات والاستفادة من عطائها في مجالات التشريع.

والله أسأل أن يوفّقني إلى ما فيه خير الفكر ، وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم ، والحمد لله ربّ العالمين.

النجف الأشرف

٢٧ رجب ١٤٢٠ ه‍ المطابق ٦ / ١١ / ١٩٩٩ م

***

٣٢

بحوث تمهيدية

وتتضمّن :

* مدلول القاعدة الفقهية

* موضوع القواعد الفقهية

* ملاحظات حول مناهج البحث السابقة

٣٣
٣٤

المبحث الأول

مدلول القاعدة الفقهية لغة واصطلاحا

القاعدة لغة

في لسان العرب : «القاعدة أصل الأسّ ، والقواعد الأساس ، وقواعد البيت أساسه ، وفي التّنزيل : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ...)(١) ، وفيه (... فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ ...)٢ ـ (٣)

وفي الصّحاح للجوهري (قواعد البيت : أساسه) (٤).

والمراد بالفقه الذي أضيفت إليه القواعد هنا هو ما سبق تحديده في كتابنا (الأصول العامّة للفقه المقارن) من أنّه : «مجموع الأحكام الشرعية الفرعية الكليّة أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع أو العقل عند عدمها» (٥).

ومن هذه الإضافة ندرك جانب التجوّز في حدود الأدلّة اللّغوية للقاعدة ، وذلك

__________________

١ ـ البقرة : ١٢٧.

٢ ـ النحل : ٢٦.

٣ ـ لسان العرب ٣ : ٣٦١ مادة «قعد».

٤ ـ الصحاح ٢ : ٥٢٥ مادة «قعد».

٥ ـ الأصول العامة للفقه المقارن : ٣٦.

٣٥

باستعمالها في الأساس المعنوي بدلا من الأساس المادّي المنصوص عليه في كتب اللغة ، لأنّ الفقه ـ وهو من الأمور المعنويّة ـ لا بدّ أن يقوم على أسس معنوية لتصحّ إضافتها إليه.

القاعدة اصطلاحا

والذي يبدو أنّ هذا التجوّز في استعمال القاعدة هنا تحوّل على أيدي الفقهاء إلى مصطلح يحمل دلالة محدودة ، كما يظهر ذلك من تعاريفهم للقواعد الفقهية في المظانّ التي تذكر فيها هذه القواعد. (١)

وقد حاولنا أن نعرض لبعض هذه التعاريف بشيء من الحديث تمهيدا لما انتهينا إليه من تحديد لما يجب أن يحمل هذا المصطلح من دلالة يخيّل إلينا أنّ الفقهاء الّذين تحدّثوا في هذا المجال كانوا يحومون حولها بالذّات ، وإن لم تف تعاريفهم التي اطّلعنا عليها بذلك.

وقد اخترنا من تعاريفهم نموذجين أحدهما قديم والآخر حديث.

تعريف الحموي للقاعدة الفقهية

فالحموي ـ وهو من أعلام الفقهاء القدامى ـ عرّف القاعدة الفقهية في حاشيته على الأشباه بأنّها : «حكم أغلبيّ ينطبق على معظم جزئياته» (٢).

وكأنّ المعرّف إنما قيّد الحكم بكونه أغلبيا ، وكونه ينطبق على معظم جزئياته بالنّظر لما دخل على هذه القواعد أو معظمها من الاستثناءات فكانت نتائجها لذلك أغلبية (٣) أي منطبقة على أكثر الجزئيات.

__________________

١ ـ انظر : الأشباه والنظائر للسبكي ١ : ١١ ، ومختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي ١ : ٦٤ ، وشرح التلويح على التوضيح ١ : ٣٥ ، وتحرير المجلّة ١ : ٢٨٩ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٥.

٢ ـ غمز عيون البصائر ١ : ٥١. والموجود في المصدر هكذا : «حكم أكثريّ لا كلّي ، ينطبق على أكثر جزئياته ؛ لتعرف أحكامها منه».

٣ ـ قال في تهذيب الفروق ١ : ٥٨ : «ومعلوم أنّ أكثر قواعد الفقه أغلبية».

٣٦

مناقشة التعريف

وهذا إن أريد به التحديد المنطقي لما يجب أن يحمل هذا المصطلح من دلالة فإنّه يرد عليه :

أوّلا : أنّه غير جامع ، وذلك لخروج القواعد الفقهية المنتجة لوظائف عقلية ، كقواعد البراءة والاحتياط العقليّين ، إذا لوحظ إنتاجها لأحكام جزئية لوضوح أنّ نتائجهما ليست أحكاما ، إذ لا يوجد فيها اعتبار ، لأنّ العقل مدرك وليس بحاكم (١) ، والحكم إنّما يتقوّم بالاعتبار لا بالإدراك.

ولخروج ما لم يدخل عليه الاستثناء من القواعد ، كالقواعد العقلية ، التي لا تقبل التخصيص أمثال : (الضّرورة تقدّر بقدرها).

ثانيا : أنّه غير مانع ، لإطلاق كلمة الحكم فيه ، ومقتضى ذلك دخول القواعد العرفية واللغوية والقانونية والأصولية ذات الاعتبارات المعنيّة ، وهي لا تنتج أحكاما فقهية وإن احتاج إليها الفقيه أحيانا في مجالات استنباطه ، أمثال : (الأصل في الكلام الحقيقة) و (لا ينسب لساكت قول) ، و (القرآن حجّة) ، وهكذا ...

يضاف إلى ذلك دخول ما يسمّى بالمسائل الفقهية في نطاق التعريف لكون أكثرها أحكاما أغلبية وهي ليست بقواعد.

ثالثا : دخول القيود التوضيحيّة في التعريف وهي على خلاف الأصل لوضوح أنّ ذكر كلمة (أغلبي) يغني عن ذكر (ينطبق على معظم جزئيّاته).

هذا إذا أريد من التعريف أن يكون تعريفا علميا ، أمّا إذا أريد منه أن يكون شرحا لفظيا للمصطلح فلا ترد عليه أكثر هذه المؤاخذات ، إلّا أنّ دخوله في مجالات البحث العلمي لا موضع له ؛ لأنّ طبيعة البحث العلمي تستدعي الدقّة في التّحديد.

__________________

١ ـ للمزيد راجع مبحث : «العقل مدرك وليس بحاكم» من الأصول العامة للفقه المقارن : ٢٦٦.

٣٧

تعريف آخر للقاعدة الفقهية

وكأنّ مصطفى الزرقا عدل ـ لذلك أو لما يشبهه ـ عن هذا التعريف إلى صياغة تعريف حديث ، فقد عرّف القواعد الفقهية بأنّها : «أصول فقهية كلّية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاما تشريعية عامّة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها» (١).

مناقشة التعريف

وهذا التعريف وإن كان أسلم من سابقه لخروج الأحكام غير التشريعية عن حيّزه ، إلّا أنّه ما يزال موضعا لبعض تلك الملاحظات فهو :

أوّلا : غير جامع ؛ لخروج الوظائف الفقهية المستفادة من الإدراك العقلي الذي لا يستتبع الكشف عن الحكم الشرعي ، كبعض قواعد البراءة العقلية والاحتياط المنتجة لوظائف جزئيّة.

ثانيا : غير مانع ؛ لدخول المسائل الفقهية المصاغة بنصوص دستورية في حيّز التعريف ؛ وذلك لتضمّنها أحكاما عامّة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.

ثالثا : انطواؤه على قيد إيضاحي لا ضرورة له وهو كلمة (في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها) ؛ لوضوح أنّ الحكم لا يرد إلّا على موضوعه والحوادث التي تدخل تحته.

التعريف المختار

وعلى هذا فالتعريف الذي يقتضينا أن نذكره هو التعريف السّالم من تلك المؤاخذات ، وفي حدود إدراكنا يقتضي أن يكون :

__________________

١ ـ المدخل الفقهي العام ٢ : ٩٦٥.

٣٨

(كبرى قياس يجري في أكثر من مجال فقهي لاستنباط حكم شرعي فرعي جزئي أو وظيفة كذلك).

أضواء على التعريف

وأظن أنّ هذا التعريف بما أخذ فيه من قيود سوف يحدّد لنا الفروق بين القواعد الفقهية وغيرها ممّا التبس على الكثير منّا أمره فعددناه ضمن القواعد الفقهية ، وهو لا يقتضي أن يكون منها ، ويدفع عنه ما سبق أن لاحظناه على التعريفين السّابقين من عدم الاطّراد والانعكاس.

وأهمّ ما يقتضينا أن نشير إليه في هذا المجال هو :

الفرق بين القاعدة الفقهية والمسألة الفقهية

ولعلّ ما ورد في التعريف من كون قياس القاعدة الفقهية يجري في أكثر من مجال فقهي يحدّد هذا الفرق ، وذلك أنّ القاعدة الفقهية تجري في أكثر من مجال فقهيّ ؛ بخلاف المسألة الفقهية ، فهي وإن صلحت أن تكون ضابطة لجزئياتها كقولنا مثلا : كل مكلّف تجب عليه صلاة الظهر ، على نحو يستطيع أن يجري قياسها كل واحد من المكلّفين لاستنتاج حكمه الجزئي ، كأن يقول : أنا مكلّف ، وكلّ مكلّف تجب عليه صلاة الظهر ، فأنا تجب عليّ صلاة الظهر.

إلّا أنّ اقتصارها على مجال فقهي واحد لا تتجاوزه إلى غيره أبعدها عن صدق مدلول القاعدة عليها بخلاف قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) مثلا ؛ فإنّ تمشّيها في أكثر المجالات الفقهية كالصلاة ، والصوم ، والحج ، وغيرها هو الذي أهلها لصدق عنوان القاعدة عليها (١).

فقولنا : (يجري في أكثر من مجال فقهي) يخرج المسألة الفقهية ؛ كما أنّ قولنا :

__________________

١ ـ راجع : فوائد الأصول ٤ : ٣١٠.

٣٩

(لاستنباط حكم شرعي فرعي جزئي) يشير إلى :

الفروق بين القاعدة الفقهية والأصولية

والحقيقة أنّ الفروق التي ذكرت على ألسنة الفقهاء والأصوليين كثيرة ؛ لعلّ أهمّها ممّا يتّصل بتعريفنا فرقان :

أوّلا : إنّ إنتاج القاعدة الفقهية هو الحكم الجزئي أو الوظيفة الجزئية ؛ بخلاف القاعدة الأصولية ؛ فإنّ إنتاجها دائما هو حكم كلّي أو وظيفة كذلك. (١)

وقد أورد على هذا الفارق بأنّه لا يصلح أن يكون فارقا ؛ لأنّ ما اعتبر من القواعد الأصولية نراه تارة ينتج الحكم الكلّي وأخرى الحكم الجزئي (٢) ، فمن تيقّن الحكم الكلّي ثمّ شكّ بارتفاعه ؛ استصحب ذلك الحكم استنادا إلى مدلول هذه القاعدة (لا تنقض اليقين بالشكّ) ، وكانت نتيجة هذا الاستصحاب هو بقاء الحكم الكلّي ، ومن تيقّن طهارته وشكّ في ارتفاعها ؛ استصحب الطّهارة وهي حكم جزئي.

وكذلك ما اعتبر أنّه قاعدة فقهية كقاعدة الطّهارة وهي : (كلّ مشكوك طاهر) ؛ نراها تنتج مرّة حكما كليّا ، وذلك إذا كان المشكوك هو الحكم الكلّي ، وأخرى حكما جزئيا ، وذلك إذا كان المشكوك هو طهارة ثوبه مثلا. وقد أجبنا في كتابنا (الأصول العامّة للفقه المقارن) ونحن نتحدّث عن هذه الشبهة بأنّه : «ليس هناك ما يمنع من اشتراك الموضوع الواحد بين علمين وأكثر إذا تعدّدت فيه الحيثيّات بتعدّد العلوم.

فالاستصحاب من حيث إنتاجه للحكم الكلّي يكون موضوع مسألة أصولية ، ومن حيث إنتاجه للحكم الجزئي يكون موضوع مسألة فقهية ، وتعدّد الحيثيّة يعدّد

__________________

١ ـ انظر : المصدر السابق ١ : ١٩.

٢ ـ ممّا اضطر البعض إلى التفصيل في داخل المسألة الواحدة ؛ فذهبوا إلى أنّ الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية هو مسألة أصولية ، والاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية هو مسألة فقهية.

انظر : فوائد الأصول ٤ : ٣١١ ـ ٣١٢ ، ومصباح الأصول ٣ : ٦ ـ ٨ ، ومنتهى الأصول ٢ : ٤٩٧.

٤٠