القواعد العامة في فقه المقارن

السيّد محمّد تقي الحكيم

القواعد العامة في فقه المقارن

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحكيم


المحقق: وفي الشناوة
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8889-93-2
الصفحات: ٢٩٦

أوّلا : الضرر في القاعدة شخصيّ أو نوعيّ؟

والمراد بالضرر الشخصي : ما يدخل على الفرد من نقص وإن لم يشاركه غيره فيه ، بينما يراد بالضرر النوعي : ما يشمل أغلبيّة الناس وإن لم يعمّهم جميعا (١) ، وبينهما عموم وخصوص من وجه ، فهما يلتقيان ـ مثلا ـ في ضرر ما يعمّ نوع الناس ، فإذا انطبق على زيد ـ مثلا ـ كان من ناحية ضررا شخصيّا ؛ لانطباقه على الشخص ، ومن ناحية أخرى نوعيّا ؛ لشموله لأغلبيّة الناس ، كالضرر الناشئ من استعمال الماء البارد في الغسل في شدّة البرد.

ويفترقان في انطباقه على من يتضرّر باستعمال الماء في الحرّ ، فإنّه ضرر شخصيّ ، لا نوعيّ ، وعلى من لا يتضرّر باستعمال الماء البارد في قمّة الشتاء وإن تضرّر به نوع الناس.

آراء ومناقشة

وقد أثير الحديث حول ما أريد من الضرر الوارد في لسان قاعدة (لا ضرر) : هل هو الضرر الشخصيّ ، أو الضرر النوعيّ؟

__________________

١ ـ انظر : القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٧.

١٠١

فإن أريد به الضرر الشخصيّ كان بناء كثير من هذه الأبواب التي سبق عرضها عليها في غير موضعه ؛ لعدم استلزامها الضرر الشخصيّ كالشفعة مثلا ، وأكثر أبواب الخيارات ؛ لابتنائها على الضرر النوعيّ ، لا الشخصيّ ؛ لوضوح أنّه لا يلزم من عدم تشريع الشفعة وبعض الخيارات ضرر لجميع الأشخاص ؛ إذ لا يلزم من بيع الشريك دون إذن شريكه ضرر عليه دائما ، فربما يكون المشتري الجديد أفضل من سابقه فلا يدخل عليه الضرر ، وهكذا في أكثر الخيارات.

وإن أريد به الضرر النوعيّ لزم نفي التكاليف عن غير المتضرّر إذا كان لازما لنوع الناس ، وربّما وقف الاستدلال بالقاعدة على كثير من الأبواب أو المسائل الفقهية التي جعل الفقهاء المدار للضرر الشخصي ، لا النوعي ، كأبواب الوضوء والغسل والصوم.

الرأي المختار

والتحقيق أنّ الضرر الوارد في لسان القاعدة ـ كما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع وكونها واردة مورد الامتنان ـ يقتضي أن يكون المراد به الضرر الشخصيّ ؛ إذ ليس من المنّة على المكلّف غير المتضرّر من قبل امتثاله لحكم الشارع ، أن ينفي عنه الحكم ، لا لشيء إلّا لأنّ غيره يتضرّر. (١)

هذا بالإضافة إلى أنّ مقتضى ما استفدناه من حكومة هذه القاعدة على الأدلّة الأوّلية يقتضي ذلك ٢ ـ فالأدلّة المتعرّضة لأحكام الشارع الأوّلية ـ كأدلّة وجوب الصلاة ، والصوم ، والحج ، وغيرها ... واردة مورد العموم الاستغراقي ، ومقتضاه انحلاله إلى تكاليف متعدّدة بتعدّد من ينطبق عليهم موضوع التكليف. فكأنّ الشارع وجّه

__________________

١ ـ انظر : فرائد الأصول ٢ : ٤٦٦ ، ومنية الطالب ٣ : ٤٢٣ ، وقاعدة «لا ضرر ولا ضرار» لشيخ الشريعة الأصفهاني : ٤٥ ، ومنهاج الأصول ٣ : ٢٥٧ ، ومصباح الأصول ٢ : ٥٣٤ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٧.

٢ ـ منية الطالب ٣ : ٤٢٣.

١٠٢

تكاليفه إلى هؤلاء الأفراد مباشرة ، فكان لكلّ منهم تكليفه الخاصّ ، ثمّ جاءت هذه القاعدة فشرحت مراده من هذه الأدلّة ، فكأنّها قالت : إنّ هذه الأحكام إذا استلزم امتثالها ضررا لمن تعلّقت به فهي منفية عنه ، فهي إذا ناظرة للضرر الشخصيّ ، لا النوعيّ.

إشكال ودفع

وقد يرد على هذه الاستفادة ما ورد في بعض روايات القاعدة من التعليل بها لتشريع الشفعة ، ممّا يكشف عن إرادة الضرر النوعيّ منها. ففي رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه‌السلام قال :

«قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن قال : ولا ضرر ولا ضرار». (١)

والجواب عن هذا الإيراد : أنّ الرواية ليست نصّا في التعليل لتصلح أن تقف أمام تلك الاستفادة ، واحتمال ورودها مورد الحكمة التي لا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما غير بعيد. (٢)

والحقيقة أنّ أكثر هذه الأبواب التي عرضت على ألسنة أولئك الأعلام وغيرهم غير مبتنية على هذه القاعدة وإن صلحت أن تكون حكمة لها ، وأغلبها لها أدلّتها الخاصّة ، وليس من بينها هذه القاعدة. (٣)

__________________

١ ـ الكافي ٥ : ٢٨٠ كتاب المعيشة ، باب الشفعة ح ٤.

٢ ـ انظر : منية الطالب ٣ : ٣٧٣.

٣ ـ انظر : مصباح الأصول ٢ : ٥٣٥.

١٠٣

ثانيا : نفي الضرر بين الرخصة والعزيمة

تساءل الفقهاء عن النفي الوارد على «الضرر» في هذه القاعدة أهو من قبيل الرخصة ، أم من قبيل العزيمة؟ (١)

ويقصدون بذلك : أنّ الشارع حين نفى الحكم الذي نشأ من امتثاله الضرر ، هل نفاه بما أنّه لا مصلحة فيه ولا ملاك له ؛ فلا يكون مشروعا لديه ، أو أنّه اقتصر في النفي على الإلزام الصادر عنه مع بقاء المصلحة التي أوجبت تشريعه بعنوانه الأوّلي؟

ورتّبوا على ذلك ثمرات فقهية واسعة في مجالات الأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، منها ـ مثلا ـ ما يذكر في الوضوء من أنّ المكلّف إذا أقدم على وضوء ضرريّ ، وكان الضرر الذي يحدثه الوضوء ضررا غير بالغ ، أي من الأضرار غير المحرّمة شرعا ؛ لأنّ الضرر المحرّم ـ كالضرر الذي يلقي الإنسان في التهلكة ـ يكون مانعا من صحّة الوضوء ابتداء ؛ لعدم إمكان التقرّب به ، ولا معنى للتقرّب بما هو مبغوض ، لا لأجل هذه القاعدة.

فإذا قلنا : إنّ حديث «لا ضرر» عزيمة (٢) ، أي أنّه ينفي المشروعيّة ابتداء ؛ لعدم وجود الملاك لها ، كان الوضوء باطلا ؛ لعدم تشريعه من قبل الشارع.

وإذا قلنا : بأنّه رخصة (٣) ، أي أنّ الشارع رخّص في تركه منّة على العباد ، مع أنّ

__________________

١ ـ يراجع ما كتبناه من الرخصة والعزيمة في الأصول العامة للفقه المقارن : ٦٧ المؤلف.

٢ ـ انظر : جواهر الكلام ٥ : ١١١ ، ومنية الطالب ٣ : ٤١٢ ، ووسيلة النجاة ١ : ١١١ ، مسوغات التيمم ، مسألة رقم (١٧).

٣ ـ انظر : العروة الوثقى ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٣ كتاب الحج ، شرائط وجوب حجة الإسلام ، مسألة رقم (٦٥) ، ومستمسك العروة الوثقى ٤ : ٣٣١ ، ومصباح الأصول ٢ : ٥٥١ ـ ٥٥٢.

١٠٤

الملاك المقتضي لتشريعه ما يزال موجودا مع هذا الوضوء ، ويترتّب عليه أثره ، أقصاه أنّ التقرّب فيه إنّما كان بالملاك ، لا بالأمر الوجوبي ؛ لانتفائه هنا كما هو الفرض. والتقرّب بالملاك ـ كما حقّق في الأصول ـ كاف في صحّة العبادة. (١)

الرأي المختار

والتحقيق : أنّ مقتضى ما استفدناه من حديث (لا ضرر) من كونه واردا مورد الامتنان على المكلّفين ، أنّ المستفاد منه الرخصة ، لا العزيمة ؛ لأنّ المنّة لا تقتضي أكثر من رفع الإلزام في الأحكام التكليفيّة ، واللّزوم في الأحكام الوضعية ، ولا تكشف عن رفع أصل الملاك.

فالطبيب الذي يلزمك باستعمال دواء ما ، لانطوائه على ملاك شفائك من مرضك ، ثم يجد أنّ هذا الدواء يولّد لك ضررا مادّيا لغلائه ، فيرفعه عنك مراعاة لك ، ويبدله بآخر ، فإنّ رفعه لا يكشف عن نفي الملاك والمصلحة فيه ؛ لذلك لو قدّر لك أن تقدم على استعماله لأحدث لك الشفاء وإن تضرّرت به ماديا.

فوجود الحكم بعنوانه الأوّلي يكون كاشفا عن وجود الملاك ، ووجود المنّة في رفع الضرر لا ينافي بقاءه ، والتقرّب بالملاك كاف في تحقيق العبادة ، كما مرّ.

ولازم ذلك أن يقال بصحّة العبادة هنا وإن لم يكن ملزما بها.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعاملة الضرريّة ؛ لأنّ (الضرر) لا ينفي أكثر من اللزوم ، ومقتضى رفعه امتنانا أن يكون لك الخيار في إمضاء المعاملة الضررية أو تركها ، لا بطلان أصلها.

وعلى هذا فمقتضى ما تفيده هذه القاعدة هو نفي الإلزام واللزوم ، لا أصل التشريع.

__________________

١ ـ انظر : مستمسك العروة الوثقى ٥ : ١٣١ ، ومحاضرات في أصول الفقه ٣ : ٥٧.

١٠٥

ثالثا : القاعدة وشمولها للمحرّمات

وإذا صحّ ما انتهينا إليه في مدلول القاعدة من أنّها رخصة لا عزيمة ، أي أنّ مدلولها لا يرفع أكثر من اللّزوم في الأحكام الوضعيّة ، والإلزام في الأحكام التكليفيّة ، وجب التساؤل عن مدى شمول هذه القاعدة للأحكام التكليفية الملزمة.

وهل تتناول المحرّمات ؛ فترخّص بارتكابها إذا استلزم امتثالها ضررا ، أو تختصّ بالواجبات؟

والذي يبدو من لسان القاعدة أنّ فيها إطلاقا يشمل المحرّمات والواجبات ؛ إذ لا يوجد فيه ما يمنع هذا الشمول. (١)

رأي ومناقشة

وقد استبعد بعض أساتذتنا (٢) في مجلس المذاكرة شمولها للمحرّمات ؛ بدعوى أنّ فتح هذا الباب ينهينا إلى فوضى لا نهاية لها ، وربّما ولّد ذريعة للمتسامحين من الناس في أن يرتكبوا المحرّمات كالزنا والقمار وشرب الخمر مثلا ، بدعوى أنّ تركها يولّد لهم أضرارا ، وهذا يولّد خطرا على الإسلام ؛ لإشاعة الفحشاء بين أبنائه بهذه الذريعة.

وهذا في الواقع نوع من الخطابة لا مسرح له في المجالات العلمية ؛ لأنّ المفروض في الأحكام أن تلحظ فيها المصالح والمفاسد الواقعية ، وتشرّع على هذا

__________________

١ ـ انظر : مستند الشيعة ١٥ : ٣٢.

٢ ـ لم نعثر على شيء من ذلك في حدود ما اطّلعنا عليه من كتب أساتذة المصنّف ، لكن يوجد ما يشبهه في كلام البجنوردي في قاعدة «نفي العسر والحرج» والكلام في شمولها للمحرّمات. راجع : القواعد الفقهية ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٦.

١٠٦

الأساس ، واستغلال هذه الأحكام وإساءة استعمالها من قبل بعض الانتهازيين لا يدخل في حساب المشرّع ابتداء ، وإن دخل في حسابه بعد ذلك باتّخاذ الروادع عن أمثال ما يصدر عن بعضهم من إساءات ، وهي حالات شاذّة ؛ لأنّ المفروض في الإنسان السويّ ألّا يلجأ إلى أمثال هذه الأساليب في التحايل على الشريعة ما دام يملك مسكة من إيمان ... ومثل هؤلاء لهم في الشريعة عقوباتهم الرادعة بالتعزير وأمثاله.

على أنّ المتسامح ـ والعياذ بالله ـ لا تعدمه ذريعة يتوسّل بها للإقدام على المحرّمات ، فلا يقتضي أن نعطّل هذه القاعدة ـ بعد فرض شمولها للمحرّمات ـ لهذا الاعتبار.

ولعلّ الأقرب إلى الوجه العلميّ ما ربّما يستفاد من كلام الأستاذ نفسه من أنّ حديث «لا ضرر» حديث امتناني ، وليس من المنّة أن يسمح الشارع بارتكاب مفسدة متيقّنة ، وهي مفسدة الحرام ؛ توقّيا من حدوث ضرر ينشأ عن امتثال المحرّم.

وعلى هذا فإنّ المحرّمات تكون خارجة عن مورد القاعدة ؛ لأنّ موردها امتناني.

ومن هنا وجدنا أنّ «اعتناء الشارع بالمنهيّات أشدّ من اعتنائه بالمأمورات ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).

ومن ثمّ سومح في ترك بعض الواجبات بأدنى مشقّة كالقيام في الصلاة ، والفطر ، والطهارة ، ولم يسامح في الإقدام على المنهيات وخصوصا الكبائر» (٢).

وهذا الوجه غير واضح على إطلاقه ؛ لأنّا نعلم أنّ الشارع قد تسامح في المحرّمات عند الضرورة ـ حتى الكبائر ـ منّة منه على العباد ، وسيأتي في قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) (٣) ما يؤكد هذا الجانب.

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٩ : ٧٤٩ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ح ٢٠٩٥ بتقديم وتأخير في ألفاظ الحديث.

٢ ـ الأشباه والنظائر للسيوطي ١ : ٢١٧ ـ ٢١٨.

٣ ـ ص ١٢٠ وما بعدها ، و ٢٠٦ وما بعدها.

١٠٧

ومقتضى ذلك أنّ قاعدة لا ضرر شاملة للمحرّمات التي يكون في نفيها منّة ، كما إذا كان امتثالها محدثا لضرر أهمّ ، أو كان من الحالات التي ورد فيها التسامح الشرعي ، كما في بعض الضرورات المنصوص من قبله على إباحة بعض المحرمات لأجلها ، مثل أكل الميتة عند الاضطرار.

الرأي المختار

والأولى أن يقال : إنّ المستفاد من القاعدة ـ كما قرّبناه سبق ـ أنّ (لا ضرر) إنّما تنفي خصوص الحكم الذي يحدث امتثاله الضرر ، والمحرّمات ـ نوعا ـ لا نتصوّر في امتثالها إحداث ضرر ما.

والسرّ في ذلك أنّ امتثال المحرّم لا يكون إلّا بتركه ، والترك عدم ، فلا يتصوّر فيه غالبا أن يكون علّة إحداث نقص مادّي ، فترك شرب الخمر لا يحدث الضرر ، وإن كان شربه قد يدفع الضرر.

والحقيقة أنّ الواجبات والمحرّمات مختلفات من حيث السنخية ، فامتثال الواجب قد يحدث ضررا كما في الوضوء في شدة البرد مثلا ؛ لأنّه أمر وجوديّ يصلح أن يكون علّة لإحداث ضرر ما ، ولكن ترك الحرام لا يمكن عادة أن يحدثه ؛ لكونه عدميا.

نعم الذي يمكن تصوره في المحرّمات ـ كما أشرنا قبل قليل ـ هو أن مخالفتها قد تكون رافعة للضرر ، كما في مثال إساغة اللقمة بالخمر ، ولها قواعدها الخاصّة.

والحقيقة أنّ قاعدة (لا ضرر) ناظرة إلى رفع الضرر ابتداء ، وتلك ناظرة إلى رفعه بعد وجوده ، وهو لا يتحقّق إلا بمخالفة الحرام ، أي أنّ ارتكاب المحرّم قد يرفع الضرر بعد حدوثه.

وعلى هذا فالمحرّمات تكون خارجة بالتخصّص ؛ ولذلك خصّها الشارع بفحوى

١٠٨

قاعدة مستقلّة يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى. (١)

نعم ؛ لو أمكن أن نتصوّر أنّ ترك محرّم ما ـ وهو عدم ـ يمكن أن يكون علّة في إحداث ضرر ما ؛ يكون ذلك مشمولا للقاعدة ، إلّا أنّنا لا نتصوّره في جلّ المحرّمات ؛ فهي إذا خارجة عن هذه القاعدة تخصّصا.

وما يقال عن المحرّمات بالتقريب الذي ذكرناه يقال عن الأمور العدميّة.

رابعا : القاعدة والأمور العدميّة

ويقصد بالأمور العدميّة : الأمور التي لم يرد من الشارع حكم فيها ، وعدم وروده يستلزم الضرر.

فالشارع ـ مثلا ـ لم يشرّع الضمان على الدولة لإنسان ما إذا تلف ماله بآفة سماويّة ، وبما أنّ عدم تشريعه ضرر على ذلك الإنسان ، فهل يمكن أن نرفع هذا العدم بقاعدة (لا ضرر)؟ ورفع العدم معناه إيجاد الضمان في المثال ؛ فنحكم بضمان الدولة لهذا الإنسان استنادا إلى هذه القاعدة. (٢)

والجواب على ذلك بالنفي ، ويتّضح ممّا سبق أن ذكرناه من أنّ هذه القاعدة إنّما

__________________

١ ـ وهي قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» يأتي الحديث عنها في صفحة ١٢٠ وما بعدها و ٢٠٦ وما بعدها.

٢ ـ وفي هذه النقطة تختلف النظرية الإسلامية عن النظرية الوضعية بالنظر إلى الكسب الضائع ، فيغلب على النظم القانونية الحديثة الاتجاه إلى حساب التعويض على أساس معدّلات الكسب السابقة ، وما كان يستطيع المتضرّر كسبه لنفسه ولأفراد أسرته لو لم تقع له هذه الإصابة ، ويعني ذلك أنّ التاجر الذي يصاب وهو في سن الخمسين بإصابة تمنعه عن العمل وتلزمه الدار ، سيأخذ تعويضا يقدّر على أساس أرباحه السابقة من عمله ، فإذا كان يكسب مائة قبل الإصابة ، أعطي نسبة كبيرة منها. ويختلف ما يستحقّه ضمانا إذا كان ربحه أكثر من مائة أو أقل منها ، ويقدّر الواجب في مقدار مقطوع على أساس ضرب مقدار هذا الربح في عدد السنوات التي يتوقّع لمثله الاستمرار في هذا العمل. ضمان العدوان في الفقه الإسلامي : ٤٣١.

١٠٩

تنفي خصوص الحكم الذي يولّد امتثاله الضرر. والأمور العدمية لا تصلح أن تكون محدثة لإضرار (١) ، وإنّما يكون تشريع نقيضها رافعا أحيانا للضرر بعد وجوده. وقد قلنا : إنّ القاعدة ليست ناظرة لمثله ، وإنّما يمكن أن يستفاد من أدلّة أخرى قد يتّضح أمرها من القواعد الآتية التي قيل : إنّها متفرّعة على هذه القاعدة إذا تمّت أدلّتها ، وتمّ ما ذكروه لها من دلالة.

خامسا : الضرر في القاعدة واقعيّ أو علميّ؟

المستفاد من هذه القاعدة ـ بمناسبة الحكم والموضوع وبتسلّط النفي على نفس الضرر ـ : أنّ المنفيّ فيها هو الضرر الواقعي (٢) ، لا العلم أو الظنّ به.

والعلم والظنّ إنّما هما طريقان له ، والطريق إذا أخطأ الواقع وتبيّن الخطأ لصاحبه بعد ذلك فيه طولب به ، على ما هو التحقيق في الأحكام الظاهرية من أنّها لا تجزئ عن الواقع ، ولا تسقطه (٣) ، بل يبقى المكلّف العالم بالضرر مطالبا به متى انكشف له الخطأ.

وعلى هذا ؛ فمن علم الضرر أو ظنّه في مثال الوضوء السابق إذا أقدم على الوضوء وتبيّن وجوده واقعا ، صحّ وضوؤه إذا لم يكن الضرر محرّما عليه وأمكنه قصد التقرّب ؛ لأنّ (لا ضرر) كما سبق رخصة لا عزيمة.

ومن علم بالضرر أو ظنّه ، وترك الوضوء استنادا للقاعدة وتيمّم ، ثمّ انكشف عدم وجود الضرر ، بطل تيمّمه ، وطولب بالوضوء ؛ إذ لا مسقط لوجوبه ؛ لأنّ مفروض

__________________

١ ـ منية الطالب ٣ : ٤١٨.

٢ ـ انظر : الأصول في علم الأصول : ٣٥٢ ، ومنية الطالب ٣ : ٤٠٩ ، ومصباح الأصول ٢ : ٥٤٣ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٣.

٣ ـ انظر : كفاية الاصول : ٨٦ ، وفوائد الاصول ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

١١٠

القاعدة أنّها إنّما تنفي ما ثبت واقعا أنّه محدث للضرر ، وهو ليس موجودا في مفروض المسألة ، وإنّما الموجود هو العلم أو الظنّ به ، وهما ليسا موضع الأثر.

سادسا : القاعدة وشمولها لضرر الغير

ويقصد بذلك : أنّ القاعدة هل تقتضي رفع الوجوب مثلا عن المكلّف إذا لم يسبب امتثاله ضررا له ، وإنّما يسبّب إحداث ضرر لغيره.

ويمثّل له بالمرأة الحامل أو المرضع ، إذا استلزم امتثالها لأمر الحجّ ضررا على جنينها أو طفلها ، فهل يرفع عنها وجوب الحج؟ (١)

الظاهر ذلك ؛ لأنّ إطلاق الضرر شامل لمثل هذه الصورة ، ولا مقيّد له ، وكونه واردا مورد الامتنان يؤيّد ذلك ؛ إذ ليس من المنّة إحداث الضرر للطفل أو الجنين الواردين في المثال.

__________________

١ ـ يذكر الفقهاء ـ عادة ـ المرأة الحامل أو المرضع من جملة الذين رخّص الشارع في إفطارهم في شهر رمضان إذا أضرّ بهما الصوم أو بطفلهما ، ولم يذكروا ذلك في الحج. راجع : العروة الوثقى ٢ : ٤٧ كتاب الصوم ، فصل في موارد جواز الإفطار.

١١١
١١٢

المبحث الثاني

القواعد التي بنيت على قاعدة

(لا ضرر ولا ضرار)

ويتضمّن :

* قاعدة الضرر يزال

* قاعدة القديم يترك على قدمه

* قاعدة الضرر لا يكون قديما

* قاعدة الضرورات تبيح المحظورات

١١٣
١١٤

أولا : قاعدة الضرر يزال

وهذه القاعدة ربّما تعتبر من أهم القواعد التي رتّبت على قاعدة (لا ضرر) ، وذكرت مصدرا لكثير من أبواب الفقه على ألسنة بعض الفقهاء. (١)

مصدر القاعدة

هذا النصّ (الضرر يزال) أو (يزال بقدر الإمكان) كما قيّد في لسان بعض الفقهاء (٢) ـ وهو قيد عقلي لا ضرورة إلى ذكره ـ لم أعثر عليه في لسان آية أو حديث ، وإنّما ورد في بعض الكتب الفقهية ، وربّما كان من صياغة بعض العلماء. (٣)

مدلولها

والمراد بالقاعدة ـ كما توحي به كلمة «يزال» ـ هو لزوم إزالة الضرر عن المتضرّر.

__________________

١ ـ راجع : الأشباه والنظائر للسبكي ١ : ٤١ ، والقواعد للحصني ١ : ٣٣٣ والأشباه والنظائر للسيوطي ١ : ٢١٠ ، والأشباه والنظائر لابن نجيم : ٨٥ ، وشرح المجلّة للأتاسي ١ : ٥٣ ، وتحرير المجلّة ١ : ١٣٣ ، وشرح المجلّة للقاضي ١ : ٨٠ ، ودرر الحكام ١ : ٣٧ ، وشرح القواعد الفقهية : ١٧٩ ، والمدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٣.

٢ ـ انظر : شرح القواعد الفقهية : ٢٠٧ ، وتحرير المجلة ١ : ١٣٣ ، والمدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٢.

٣ ـ ويذكر أنّ كلّ من تطرّق إلى هذه القاعدة بنصّها المذكور «الضرر يزال» ، ذكر بأنّ أصل هذه القاعدة هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار». راجع : الأشباه والنظائر للسيوطي ١ : ٢١٠ ، والأشباه والنظائر لابن نجيم : ٨٥.

١١٥

والإزالة لا تكون عادة إلّا إذا فرض وجود الضرر ابتداء ، فهي ناظرة إلى رفع وجوده بعد حدوثه ، لا دفعه. (١)

والقاعدة وإن وردت بصيغة الجملة الخبريّة ، إلّا أنّ المراد بها الإنشاء ؛ إذ لا معنى لإخبار الشارع أنّ الضرر إذا وجد فسوف يوجد من يرفعه ؛ لبداهة أنّ ذلك ليس من وظيفته باعتباره مشرّعا ؛ لأنّ وظيفة المشرّع منحصرة بإثبات أو نفي ما يدخل في نطاق تشريعاته ، كما سبقت إليها الإشارة في حديث (لا ضرر).

يضاف إلى ذلك كذب مثل هذا الخبر ـ لو أمكن صدوره عنه ، وهو منزّه عنه ـ لأنّ الضرر الحادث للناس لا يحصل دائما من يزيله ؛ ليقال بأنّه يزال.

فإذا مثل هذا الخبر لا يصلح حمله على ظاهره ، فلا بدّ أن يراد به الإنشاء ، فيكون مفاده مفاد أمر من الشارع بإزالة الضرر عن المتضرّر وإن عبّر عنه بلسان الإخبار. ونظيره كثير في مجالات التعبير عن الأحكام الشرعية.

حجيّتها

وعمدة ما استدلّ به لهذا النصّ هو بناؤه على حديث «لا ضرر».

يقول السيوطي وهو يتحدّث عن هذه القاعدة : أصلها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار» (٢) ، ومثله ما ذكره ابن نجيم. (٣)

ويقول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء وهو يفرّع على بعض الأمثلة التي سيقت لتطبيق قاعدة (لا ضرر) : «فالضرر يزال بقاعدة لا ضرر» (٤) ، وكان منشأ الاستدلال عليها بحديث (لا ضرر) هو ما استفيد من الحديث من نفي الضرر حدوثا وبقاء. يقول

__________________

١ ـ انظر : المدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٣.

٢ ـ الأشباه والنظائر ١ : ٢١٠.

٣ ـ الأشباه والنظائر : ٨٥.

٤ ـ تحرير المجلّة ١ : ١٤٢.

١١٦

محمد سلام مدكور وهو يعلّل ذلك : «لأنّ الحديث في فقرته الأولى ينفي الضرر قبل الوقوع وبعده» (١) ، وتسليط النفي على الضرر لا يراد به الإخبار ؛ لما سبق شرحه ، فيكون مفادها النهي عن إيجاد الضرر أو وجوده ، والنهي عن وجوده لا معنى له إلّا الأمر بإزالته ، وبهذا صحّ بناء (الضرر يزال) على الحديث.

الرأي المختار

ولكنّ التحقيق الذي سبق أن عرضناه بمقتضى حكومة هذه القاعدة على الأدلّة الأوّلية (٢) : أنّ المستفاد منها هو نفي ما يولّد امتثاله الضرر من تشريعات الشارع ، لا النهي عن إحداث الضرر ، أو لزوم رفعه ؛ ولذلك قلنا : إنّ هذا الحديث لا يتناول المحرّمات أو الأمور العدميّة (٣) ؛ لأنّ امتثال المحرّمات لا يولّد ضررا ، والممكن تصوّره في المحرّمات غالبا أنّ مخالفتها قد ترفع الضرر بعد وجوده ، وهو أجنبيّ عن القاعدة.

على أنّه ليس عندنا في الشريعة أنّ كلّ ضرر تجب إزالته ، وإلّا لكلّفنا كلّ متضرّر بأضرار مالية أو بدنية أن يجهد ليل نهار لإزالة الضرر عن نفسه ولو كان بسيطا ، وهذا ما قامت الضرورة على خلافه.

نعم ، عندنا من الأضرار ما تجب إزالتها ، وهي الأضرار التي لا يتسامح العقلاء ببقائها عادة ، كالأضرار التي تؤدي بحياة الإنسان ، أو تعطّل عضوا من أعضائه الرئيسة ، أو تستأصل أمواله ، ونظائر ذلك ، ممّا يمكن أن يستفاد من أمثال آية التهلكة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(٤) ، أو من إدراك العقل بأنّ هذا النوع من الضرر ممّا

__________________

١ ـ مدخل الفقه الإسلامي : ١١٦.

٢ ـ تقدّم عرض هذا التحقيق في ص ٩٢ ـ ٩٥.

٣ ـ تقدّم الكلام في عدم شمول حديث «لا ضرر» للمحرّمات في ص ١٠٦ ، وعدم شموله للأمور العدمية في ص ١٠٩.

٤ ـ البقرة : ١٩٥.

١١٧

لا ينبغي أن يبقى ، الكاشف عن حكم الشارع بذلك.

وسيأتي في قواعد الضرورة القادمة ما يلقي بعض الأضواء على ذلك.

ثانيا : قاعدة القديم يترك على قدمه

المراد من القاعدة

والمراد بهذه القاعدة في حدود ما ذكره مصطفى الزرقا : «أنّ ما كان في أيدي الناس أو تحت تصرّفاتهم قديما من أشياء ومنافع ومرافق مشروعة (١) أصلها يبقى لهم كما هو ، ويعتبر قدمه دليلا على أنّه حقّ قائم بطريق مشروع». (٢)

ثمّ أضاف : «وعلى هذا الأساس يقرّر أبو يوسف في كتاب (الخراج) أنّه لا ينزع شيء من يد أحد إلّا بحقّ ثابت معروف». (٣)

تطبيقات

ومثّل لهذه القاعدة بقوله : «فلو كان لدار إنسان ميزاب على دار غيره ، أو كان له مسيل أو بالوعة أو ممرّ في أرض غيره ، أو تحميل لجذوع داره على جدار جاره من القديم ، فأراد ذلك الغير إزالته ، فليس له ذلك ، بل يحقّ لصاحبه إبقاؤه ولو لم يعرف بأيّ وجه وضع ؛ لأنّ قدمه دليل مشروعيّة وضعه». (٤)

__________________

١ ـ الموجود في المصدر : «مشروعة في أصلها».

٢ ـ المدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٨.

٣ ـ المصدر السابق ، وقد ذكر أبو يوسف في تملّك المسلم للأرض الموات بأنّه «ليس للإمام أن يخرج شيئا من يد أحد إلّا بحقّ ثابت معروف» ، الخراج : ٧٨.

٤ ـ المدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٨ ـ ٩٩٩.

١١٨

حجّيتها من بناء العقلاء

ويمكن الاستدلال لهذه القاعدة ببناء العقلاء القائم على التغاضي عن أمثال هذه الأضرار ، المعلوم إقراره من قبل الشارع وإلّا «لأدّى إلى إهدار معظم الحقوق بعد تقادم عهدها» (١) ، وهذا ما لم يرده الشارع قطعا.

ويستثنى من ذلك الأضرار غير المشروعة وإن تقادم عهدها ، ولا عبرة بقدمها ، فلو كان لدار ميزاب على جارها ، يعلم بأنّه وضع بالرغم على الجار ، وتقادم عهده ، فتقادمه لا يعطيه صفة المشروعيّة وإنّما يعطيها لمشكوك الحال ، لا لما علم عدم مشروعيته ابتداء.

وقد صاغ له بعض الفقهاء قاعدة خاصة أسموها بقاعدة «الضرر لا يكون قديما». (٢)

ثالثا : قاعدة الضرر لا يكون قديما

وهي بهذه الصياغة لا تخلو من إجمال ؛ إذ لا معنى لأن يقال : الضرر لا يكون قديما ؛ مع إنّه قد يكون قديما بالوجدان ، كما مرّ في الأمثلة.

والأولى أن تصاغ هكذا : «الضرر غير المشروع لا يحتجّ بتقادمه» (٣) ؛ فإنّه أصرح في التعبير عمّا يريدونه من هذه القاعدة في حدود ما فسّرت به

__________________

١ ـ المصدر السابق : ٩٩٩ ، والموجود كلمة : «عهودها» بدل «عهدها».

٢ ـ انظر : شرح القواعد الفقهية : ١٠١ ، وتحرير المجلّة ١ : ١٣٣ ، والمدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٩.

٣ ـ راجع : المدخل الفقهي العام ٢ : ٩٩٩.

١١٩

لديهم. (١)

رابعا : قاعدة الضرورات تبيح المحظورات

وهذه القاعدة هي التي تكفّلت بشأن الأحكام التحريمية ورفعتها في حالات معيّنة ، أعني حالات الضرورة.

مصدر القاعدة

هذه القاعدة بلسانها الذي ذكرناه لم أجدها في نصّ شرعيّ مأثور (٢) ، ولعلّها أيضا من صياغة القدامى. (٣)

مدلولها

في لسان العرب : «الضرورة : اسم لمصدر الاضطرار ، تقول : حملتني الضرورة على كذا وكذا». (٤)

والاضطرار : الإلجاء. وقد ورد في تفسير قوله عزوجل : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ

__________________

١ ـ جاء في المادة [١٢٢٤] من مواد مجلّة الأحكام العدلية في الفصل الرابع في بيان حقّ المرور والمجرى والمسيل : «أمّا القديم المخالف للشرع الشريف فلا اعتبار له ، يعني أنّ الشيء المعمول بغير صورة مشروعة في الأصل لا اعتبار له ولو كان قديما ، ولا يزال إذا كان فيه ضرر فاحش». درر الحكّام ٣ : ٢٣٩.

٢ ـ ذكر المحقّق البحراني بأنّ ما ورد من أنّ الضرورات تبيح المحظورات لم يرد بهذا اللفظ ، إلّا أنّ هذا المعنى مستفاد من عدّة من الأخبار. الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٧٠.

٣ ـ انظر : الأشباه والنظائر للسبكي ١ : ٤٥ مع إضافة قيد «عدم نقصانها عنها» ، والمنثور في القواعد ٢ : ٦٨ ، والأشباه والنظائر للسيوطي ١ : ٢١١ ، والأشباه والنظائر لابن نجيم : ٨٥.

٤ ـ لسان العرب ٤ : ٤٨٣ مادة «ضرر».

١٢٠