نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

وأمّا الأول فلأن أحدا من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى أفعل. وقوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي مقرّكم أو ناصرتكم ، مبالغة في نفي النصرة ، كقولهم : الجوع زاد من لا زاد له.

وأيضا ، فالاستعمال يمنع من أن مفعلا بمعنى أفعل ، إذ يقال هو أولى من كذا دون مولى من كذا ، وأولى الرجلين دون مولاهما ، وحينئذ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظرا للرواية الآتية من كنت وليّه. فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه. وصدّره بأ لست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا ليكون أبعث على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضا ... » (١).

فالعجب منه كيف يصرّ هنا ـ في الوجه الثاني ـ على نفي احتمال إرادة ( الأولى ) من ( المولى ) مطلقا ، ثمّ في الوجه الثالث يدعي بأن المعنى الواقعي من ( المولى ) في الحديث هو ( الأولى بالاتباع والقرب ) استنادا إلى فهم الشيخين هذا المعنى منه ، فيبطل تطويلاته وخزعبلاته في الوجه الثاني بنفسه؟!

أليس تلك التطويلات ردا على الشيخين وإبطالا لفهمهما؟!

نعم لا بدّ من الردّ على الشيعة وإن استلزم الردّ على أبي بكر وعمر!!

تحريف من عبد الحق الدهلوي

والعجب أيضا من الشيخ عبد الحق الدهلوي إذ اقتفى أثر ابن حجر المكي في هذا التهافت والتناقض ، ونقله في ( اللمعات ) من غير تنبيه على ذلك ، وأمّا في ترجمته المشكاة إلى الفارسية فأورد كلام ابن حجر في الوجه الثالث مع إسقاط جملة : « بل هو الواقع ... » فحيّا الله الأمانة!!

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٥.

٨١

حديث الغدير بلفظ :

« من كنت أولى به ... »

ومن الأدلة القاطعة على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وأنه المراد من حديث الغدير هو : ورود حديث الغدير في بعض طرقه بلفظ : « من كنت أولى به من نفسه » وفي بعضها بلفظ : « من كنت وليّه وأولى بنفسه » :

أخرج الطبراني في مسند زيد بن أرقم خطبة الغدير وفيها حديث الثقلين وجاء في آخرها : « ثم أخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه فقال : من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).

وقال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني : « وللطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ : من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (٢).

وقال أيضا : « وعند الطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ : من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (٣).

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ / ١٨٦.

(٢) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط.

(٣) نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الأطهار ص : ٢١.

٨٢

وقال القاضي ثناء الله الهندي ـ وهو من تلامذة الشاه ولي الله ، والموصوف عند مخاطبنا ( الدهلوي ) بـ « بيهقي الزّمان » كما في ( إتحاف النبلاء ) : « وفي بعض طرقه : من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).

وقال سبط ابن الجوزي : « فتعيّن العاشر ، ومعناه : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصفهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين ، فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه : فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد عليّ وقال : من كنت وليّه وأولى به من نفسه فعلي وليّه » (٢).

الحديث يفسّر بعضه بعضا

ثم إنّ من القضايا المسلّمة لدى علماء الحديث « إنّ الحديث يفسّر بعضه بعضا » ، وهي قضية يستند إليها المحقّقون في توضيح مشكلات الأخبار ورفع إشكالاتها ، ومن ذلك قول ابن حجر العسقلاني في شرح حديث عائشة الآتي :

« استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرف استيذان خديجة فارتاع لذلك ، فقال : اللهم هالة ، قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشدقين ، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها » فقال :

« قوله : قد أبدلك الله خيرا منها. قال ابن التين : في سكوت النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة ، إلاّ أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن انتهى.

__________________

(١) سيف مسلول ـ مخطوط.

(٢) تذكرة خواص الأمة : ٣٢.

٨٣

ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق أنّه صلّى الله عليه وسلّم ردّ عليها عدم ذلك ، بل الواقع أنه صدر منه ردّ لهذه المقالة.

ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصّة قالت عائشة فقلت : قد أبدلك الله بكبيرة السنّ حديثة السّن ، فغضب حتى قلت : والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلاّ بخير. وهذا يؤيد ما تأوّله ابن التين في الخيرية المذكورة. والحديث يفسّر بعضه بعضا » (١).

ونحن نقول بمقتضى « الحديث يفسّر بعضه بعضا » إنّ رواية الطبراني والاصبهاني تفسّر حديث الغدير ، ويتّضح أنّ المراد من ( المولى ) فيه هو ( الأولى ).

* * *

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١١١.

٨٤

مجيء ( المولى ) بمعنى :

( المتصرّف في الأمر ) و ( ولي الأمر )

و ( المليك ) ونحوها

٨٥
٨٦

١ ـ مجيء ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر )

ثم إنّه قد صرّح جماعة من أعلام أهل السنّة بأنّ من المعاني الحقيقية للفظ ( المولى ) هو « المتصرف في الأمر ». وهذا أيضا واف بمطلوب الشيعة ، وكاف لاستدلالهم بحديث الغدير ، إذ الحاصل من ( الأولى بالتصرف ) و ( المتصرف في الأمر ) واحد ... وممن صرّح بمجيء ( المولى ) بهذا المعنى :

ذكر من نص على ذلك

١ ـ ابن حجر المكي ، وقد تقدم نص عبارته قريبا.

٢ ـ عبد الحق الدهلوي ، حيث نقل مقالة ابن حجر في ( اللمعات ).

٣ ـ كمال الدين بن فخر الدين الجهرمي في ( البراهين القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة ).

٤ ـ محمد بن عبد الرسول البرزنجي ، إذ قال في الجواب عن حديث الغدير : « الثاني ـ إنه لو سلّمنا تواتره ففيه دلالة وليس نصّا في المدعى ، لأن القدر المصرح بذكر الخلافة فيه موضوع كما مر التنبيه عليه ، والقدر الصحيح غير صريح فيه ، لأنا لا نسلّم أن ( المولى ) هو ( الامام ) ، بل له معان كثيرة ، فإنه مشترك بين الناصر والمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والمحبوب وابن العم والقريب وغيرها.

٨٧

وهو حقيقة في الكل ، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكّم لا يعبأ به ... » (١).

٥ ـ الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي حيث أورد كلام ابن حجر المذكور في ( إيضاح لطافة المقال ) وارتضاه.

ومتى ثبت مجيء ( المولى ) بمعنى « المتصرف في الأمر » باعتراف علماء أهل السنة ، لم يجدهم إنكار مجيئه بمعنى ( الأولى ) ، لأن غرض الشيعة من الاستدلال بحديث الغدير إثبات دلالته على الامامة ، وهذه الدلالة تامة على كل تقدير ، فمن العجيب انكار ابن حجر والجهرمي والبرزنجي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) واثباتهم في نفس الوقت مجيئه بمعنى ( المتصرف في الأمر )!! ويزيد كون ( المتصرف في الأمر ) معنى حقيقيا للفظ ( المولى ) وضوحا أنهم لا ينكرون على الشيعة قولهم بمجيئه بهذا المعنى ، وإن أجابوا عن استدلالهم بذلك على الامامة ، فقد قال الحسين بن محمد الطيبي : « قالت الشيعة : المولى هو المتصرف في الأمور ، وقالوا : معنى الحديث إن عليا رضي‌الله‌عنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول صلّى الله عليه وسلّم التصرف فيه ، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. أقول : لا يستقيم أن يحمل الولاية على الامامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين ، لأن المتصرف المستقل في حياته صلّى الله عليه وسلّم هو لا غير ، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما » (٢).

فترى أن الطيبي لا ينكر مجيء ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر ). كما أن كلامه ظاهر في أن التصرف في أمور المؤمنين هي الامامة بعينها.

وذكر علي بن سلطان القاري كلام الطيبي هذا بنصه في شرحه على المشكاة حيث قال : « وفي شرح المصابيح للقاضي قالت الشيعة : المولى هو المتصرف

__________________

(١) نواقض الروافض ـ مخطوط.

(٢) شرح المشكاة ـ مخطوط.

٨٨

وقالوا : معنى الحديث إن عليّا رضي‌الله‌عنه يستحق التصرف في كلّ ما يستحق الرسول صلّى الله عليه التصرّف فيه ، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. قال الطيبي : لا يستقيم أن يحمل الولاية على الامامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين ، لأن المتصرف المستقل في حياته صلّى الله عليه وسلّم هو لا غير ، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما » (١).

وقال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى : ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ ) « البحث الثالث ـ إنه تعالى سمّى نفسه في هذه الآية باسمين ، أحدهما : المولى وقد عرفت أن لفظ المولى ولفظ الولي مشتقان من الولي أي القرب ، وهو سبحانه القريب البعيد الظاهر الباطن ...

وأيضا قال : مولاهم الحق. والمعنى إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة ، وهي النفس والشهوة والغضب ، كما قال : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) فلمّا مات الإنسان تخلّص من تصرفات الموالي الباطلة ، وانتقل إلى تصرّفات المولى الحق » (٢).

وقال بتفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ ) : « وقال القفال : اجعلوا الله عصمة لكم مما تحذرون ، هو مولاكم : سيدكم والمتصرف فيكم. فنعم المولى : فنعم السيد. ونعم النصير. فكأنه سبحانه قال : أنا مولاك ، بل أنا ناصرك وحسبك » (٣).

وقال النيسابوري بتفسير الآية الأولى : « والمعنى : إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة ، وهي النفس والشهوة والغضب ، فلمّا ماتوا تخلّصوا إلى تصرف المولى الحقّ » (٤).

__________________

(١) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨.

(٢) تفسير الرازي ١٣ / ١٧ ـ ١٨.

(٣) تفسير الرازي ٢٣ / ٧٤.

(٤) تفسير النيسابوري ٧ / ١٢٨.

٨٩

وقال ابن كثير بتفسيرها : « أي ورجعت الأمور كلّها إلى الله الحكم العدل ففصلها ، وأدخل أهل الجنة وأهل النار النار » (١).

ففسّر ابن كثير ( المولى ) بـ ( الحكم ) ، ولو أنا فسرنا ( المولى ) في حديث الغدير بهذا المعنى لثبتت الامامة كذلك.

٢ ـ مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر )

وقد ثبت مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) من كلمات علماء العربية والمفسرين ، وهذا المعنى أيضا يفيد الامامة والخلافة كسابقه ، لأنّ ( المتولي ) هو ( المتصرف ) كما هو ظاهر جدّا ، وبه صرح سعيد الجلبي ، والشهاب الخفاجي في حاشيتيهما على البيضاوي كما سيجيء.

ذكر من قال بذلك

ومجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) قد ثبت من كلمات جماعة من أعلام المحققين في العلوم المختلفة ، وممن صرّح بذلك :

١ ـ أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد.

٢ ـ أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالرّاغب الاصفهاني.

٣ ـ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.

٤ ـ أحمد بن الحسن بن أحمد الزاهد.

٥ ـ جار الله محمود بن عمر الزمخشري.

٦ ـ أبو السعادات مبارك بن محمد الجزري.

٧ ـ أحمد بن يوسف بن حسن الكواشي.

٨ ـ ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي.

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٢ / ١٣٨.

٩٠

٩ ـ عبد الله بن أحمد النسفي.

١٠ ـ أبو حيّان محمد بن يوسف الأندلسي.

١١ ـ نظام الدين حسن بن محمد بن حسين النيسابوري.

١٢ ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.

١٣ ـ محمد طاهر الكجراتي.

١٤ ـ أبو السعود بن محمد العمادي.

١٥ ـ سعيد الجلبي.

١٦ ـ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي.

(١)

محمد بن يزيد المبرّد

قال المبرد ـ على ما نقل عنه السيد المرتضى ـ بعد تأويل قوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) : « والولي والمولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم » (١).

(٢)

الراغب الاصفهاني

وقال الراغب الاصبهاني في كتابه ( غريب القرآن ) الذي قال عنه السيوطي

__________________

(١) الشافي في الامامة : ١٢٣ عن كتاب العبارة عن صفات الله للمبرد.

٩١

في ذكر كتب غريب القرآن : « ومن أحسنها المفردات للراغب » ـ قال ما هذا نصه : « الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ، ومن حيث النسبة ، ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ، والولاية النصرة ، والولاية تولّي الأمر ، والولي والمولى يستعملان في كل ذلك ، وكلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي ، وفي معنى المفعول اي الموالي ، يقال للمؤمن هو ولي الله ، ولم يرد مولاه » (١).

(٣)

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي

وقال أبو الحسن الواحدي : ( ثُمَّ رُدُّوا ) يعنى العباد يردون بالموت ( إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) الذي يتولى أمورهم » (٢).

(٤)

أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي

وقال الزاهد الدرواجكي : « قوله ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) والمولى في اللغة : من يتولى مصالحك فهو مولاك ، يلي القيام بأمورك وينصرك على أعدائك ، ولهذا سمي ابن العم والمعتق مولى ، ثم صار اسما لمن لزم الشيء ، كما يقال أخ الفقراء وأخ المال » (٣).

__________________

(١) المفردات : ٥٣٣.

(٢) التفسير الوسيط ـ مخطوط.

(٣) تفسير الزاهدي ـ مخطوط.

٩٢

(٥)

جار الله الزمخشري

وقال الزمخشري : « ( مَوْلانا ) سيدنا ونحن عبيدك ، أو ناصرنا ، أو متولي أمورنا ( فَانْصُرْنا ) فمن حق المولى أن ينصر عبيده ، فان ذلك عادتك ، أو فان ذلك من أمورنا التي عليك توليها » (١).

(٦)

أبو السعادات ابن الأثير

وقال المبارك بن محمد بن الأثير الجزري : « وقد تكرر ذكر المولى في الحديث ، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة ... وكلّ من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليّه ... ومنه الحديث : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وفي رواية وليّها. أي متولي أمرها ... » (٢).

__________________

(١) الكشاف ١ / ٣٣٣.

(٢) النهاية : ولي.

٩٣

(٧)

أحمد بن يوسف الكواشي

وقال أحمد بن يوسف الكواشي : « ولا يوقف على ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا ، لوجود الفاء في قوله ( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) لأنك سيدنا ، والسيد ينصر عبيده » (١).

(٨)

ناصر الدين البيضاوي

وقال ناصر الدين البيضاوي : « ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم كقول لبيد :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

... أو متوليكم. تتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا وبئس المصير النار » (٢).

__________________

(١) التلخيص في التفسير. توجد منه في المكتبة الناصرية نسخة مكتوبة في حياة المؤلف تاريخها ٦٧٧.

(٢) تفسير البيضاوي : ٧١٦.

٩٤

(٩)

عبد الله بن أحمد النسفي

وقال النسفي : ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ونحن عبيدك ، أو ناصرنا أو متولي أمورنا » (١).

(١٠)

أبو حيان الأندلسي

وقال أبو حيان : « ( هُوَ مَوْلانا ) أي ناصرنا وحافظنا قاله الجمهور. وقال الكلبي : أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل : مالكنا وسيّدنا فلهذا يتصرف كيف شاء ، فيجب الرضى بما يصدر من جهته. وقال : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) فهو مولانا الذي يتولانا ويتولاهم » (٢).

وقال أبو حيان أيضا : « ومعنى ( إِلَى اللهِ ) إلى عقابه. وقيل : إلى موضع جزائه ( مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) لا ما زعموه من أصنامهم ، إذ هو المتولي حسابهم ، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في النصر والرحمة » (٣).

__________________

(١) تفسير النسفي ١ / ١٤٤.

(٢) البحر المحيط ٥ / ٥٢.

(٣) نفس المصدر ٤ / ١٤٩.

٩٥

(١١)

نظام الدين النيسابوري

وقال نظام الدين النيسابوري : « ... وهو قوله : ( أَنْتَ مَوْلانا ) ففيه الاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمة ينالونها ، وهو المعطي لكل مكرمة يفوزون بها ، وأنهم بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلاّ بتدبير قيّمه ، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهماته إلا بإصلاح مولاه. وبهذا الاعتراف يحق الوصول إلى الحق ، من عرف نفسه أي بالإمكان والنقصان عرف ربه أي بالوجوب والتمام » (١).

وقال النيسابوري أيضا : « ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم ، يحفظكم ويدفع شر الكفار عنكم ، فإنّه ( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) فثقوا بولايته ونصرته » (٢).

وقال أيضا : ( هُوَ مَوْلانا ) لا يتولى أمورنا إلاّ هو ، يفعل بنا ما يريد من أسباب التهاني والتعازي ، لا اعتراض لأحد عليه » (٣).

وقال : « ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) متولي أموركم. وقيل : أولى بكم من أنفسكم ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم » (٤).

وقال : « ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) حتى تصلوا إليه ، هو متولي إفنائكم عنكم ، ( نِعْمَ الْمَوْلى ) في افناء وجودكم ( وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) في إبقائكم بربكم » (٥).

__________________

(١) تفسير النيسابوري ٣ / ١١٣.

(٢) نفس المصدر ٩ / ١٥٣.

(٣) نفس المصدر ١٠ / ١٠٤.

(٤) نفس المصدر ٢٨ / ٨٠.

(٥) تفسير النيسابوري ١٧ / ١٢٦.

٩٦

(١٢)

جلال الدين السيوطي

وقال جلال الدين السيوطي : « ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا » (١).

وقال : « ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم » (٢).

وقال : « ( لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا ) إصابته ( هُوَ مَوْلانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا » (٣).

(١٣)

محمد بن طاهر الكجراتي

وقال محمد طاهر الفتني الكجراتي نقلا عن النهاية : « ... وكلّ من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليّه ... ومنه : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. وروى وليها. أي متولي أمرها » (٤).

__________________

(١) تفسير الجلالين : ٦٦.

(٢) تفسير الجلالين : ٢٤٠.

(٣) المصدر نفسه : ٢٥٦.

(٤) مجمع البحار : ولي.

٩٧

(١٤)

أبو السعود العمادي

وقال أبو السعود : ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أو متوليكم تتولاكم كما توليتم موجباتها » (١).

(١٥)

سعيد الجلبي

وقال سعيد الجلبي بتفسير ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) : ... أو متوليكم. أي المتصرف فيه » (٢).

(١٦)

الشهاب الخفاجي

وقال شهاب الدين الخفاجي : « وقوله : متوليكم. أي المتصرف فيكم كتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها من أمور الدنيا ... » (٣).

__________________

(١) تفسير أبي السعود هامش الرازي ٨ / ٧٣.

(٢) حاشية البيضاوي للجلبي.

(٣) حاشية البيضاوي للخفاجي.

٩٨

اعتراف الرازي

وإنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) في غاية الثبوت والوضوح ، حتى فسّر به الفخر الرّازي ـ الذي سعى في إنكار مجيئه بمعنى ( الأولى ) ـ فقال في تفسير قوله تعالى ( أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) : « وفي قوله : أنت مولانا فائدة أخرى ، وذلك : أن هذه الكلمة تدل على نهاية الخضوع والتذلل ، والاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمة يصلون إليها ، وهو المعطي لكلّ مكرمة يفوزون بها ، فلا جرم أظهروا عند الدعاء أنهم في كونهم متكّلين على فضله وإحسانه بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلاّ ببرّ [ بتدبير ] قيّمه ، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهمّاته إلاّ بإصلاح مولاه ، فهو سبحانه قيّوم السماوات والأرض ، والقائم بإصلاح مهمّات الكلّ ، وهو المتولي في الحقيقة للكلّ على ما قال : ( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (١) ».

٣ ـ مجيء ( المولى ) بمعنى ( الوارث الأولى )

على أنّ الرازي الذي أطال الكلام في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) بإبداء التشكيكات الواهية والاعتراضات السخيفة التي أضلت بعض الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ـ قد ألجأته الحقيقة الراهنة إلى نقل تفسير ( المولى ) بـ ( الوارث الأولى ) عن أبي علي الجبائي ، واستحسانه هذا المعنى كالوجوه الأخرى المذكورة بتفسير قوله تعالى : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ... ) وهذا نصّ كلامه :

« المسألة الثالثة ـ من الناس من قال : هذه الآية منسوخة ، ومنهم من قال : إنها غير منسوخة. أمّا القائلون بالنسخ فهم الذين فسّروا الآية بأحد هذه الوجوه

__________________

(١) تفسير الرازي ٧ / ١٦١.

٩٩

التي نذكرها ...

القول الثاني ـ قول من يقول : الآية غير منسوخة ، والقائلون بذلك ذكروا في تأويل الآية وجوها : الأول ـ تقدير الآية : ولكل شيء ممّا ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي وورثة فآتوهم نصيبهم. أي : فآتوا الموالي والورثة نصيبهم. فقوله : والذين عاقدت أيمانكم معطوف على قوله : الوالدان والأقربون ، والمعنى : إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به ، وسمّي الله تعالى الوارث المولى ، والمعنى : لا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى المولى والوارث ، وعلى هذا التقدير فلا نسخ في الآية. وهذا تأويل أبي علي الجبائي ».

ثم قال الرازي بعد ذكر ثلاثة وجوه أخرى : « وكل هذه الوجوه حسنة محتملة. والله أعلم بمراده » (١).

وأيضا ، فقد اعترف الرازي في ( نهاية العقول ) بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري بأنّ لفظة ( المولى ) تأتي لـ ( الأولى ) وهذا نصّ كلامه : « لا نسلّم أن كلّ من قال بأن لفظه المولى محتملة للأولى قال بدلالة الحديث على إمامة علي رضي‌الله‌عنه. أليس أن أبا عبيدة وابن الأنباري حكما بأن لفظ المولى للأولى مع كونهما قائلين بامامة أبي بكر رضي‌الله‌عنه » (٢).

فالحمد لله الذي وفّقنا لإظهار بطلان كلامه في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) من كلام نفسه في ( التفسير ) و ( نهاية العقول ). كما أثبتنا بطلان ردّه لحديث الغدير من كلامه في هذين الكتابين والتفسير. والله ولي التوفيق.

٤ ـ مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )

وقد فسّر جماعة من كبار المفسرين لفظة ( المولى ) بـ ( ولي الأمر ) فقد قال

__________________

(١) تفسير الرازي ١٠ / ٨٨.

(٢) نهاية العقول ـ مخطوط.

١٠٠