نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

ليس لغيره من أهل عصره ، أخذ العلوم من أفواه الرجال حتى صار مضرب الأمثال ... وله تصانيف معتبرة مشهورة مفيدة ... » (١).

تفسيره

وقد ذكر تفسيره في ( كشف الظنون ) بقوله : « مدارك التنزيل وحقائق التأويل للإمام حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي المتوفى سنة ٧٠١ وقيل ٧١٠. أوّله : الحمد لله المتفرد بذاته عن إشارة الأوهام إلخ. وهو كتاب وسط في التأويلات جامع لوجوه الإعراب والقراءات ، متضمن لدقائق علم البديع والإشارات ، موشح بأقاويل أهل السنة والجماعة ، خال عن أباطيل أهل البدع والضلالة ، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل » (٢).

(٣٠)

عمر الفارسي القزويني

وأما تفسير عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني ( المولى ) بـ ( الأولى ) فهو حيث قال : « قوله :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

يصف بقرة وحشية نفرت من توجس ركز الصائد فزعة لا تدري أقدّامها الصائد أم خلفها. يقول فغدت البقرة كلا جانبيها الخلف والأمام ، تحسب أنه أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف ... » (٣).

__________________

(١) كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط.

(٢) كشف الظنون ٢ / ١٦٤٠.

(٣) كشف الكشاف ـ مخطوط.

٦١

ترجمة عمر القزويني وكتابه

وقد ذكر في ( كشف الظنون ) كتاب ( كشف الكشاف لعمر الفارسي القزويني ) حيث قال في ذكر حواشي الكشاف : « وممن كتب أيضا غير ما ذكره السيوطي : الامام العلاّمة عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني حاشية في مجلّد سماها الكشف. وتوفي سنة ٧٤٥. أولها : الحمد لله الذي أنار الأعيان بنور الوجود إلخ. وذكر أنه أشار إلى تأليفها من أمره مطاع ، فشرع وكتب فيها ما تلقّفه من الأئمة الماضين أو استنبطه بميامين أنوارهم ، وليس فيه التسمية وانما قال : أشار إليّ أن أحرّر في الكشف عن مشكلات الكشاف » (١).

(٣١)

ابن الصبّاغ المالكي

وأمّا ذكر نور الدين علي المعروف بابن الصباغ المالكي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهذا نص كلامه : « قال العلماء : لفظة المولى مستعملة بإزاء معان متعددة ، وقد ورد القرآن العظيم بها ، فتارة تكون بمعنى أولى قال الله تعالى في حق المنافقين : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه أولى بكم » (٢).

وسيأتي ذكر ترجمة ابن الصباغ فيما بعد إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) كشف الظنون ٢ / ١٤٨٠ وله ترجمة في طبقات المفسرين للداودي ٢ / ٥ ، الدرر الكامنة ٣ / ٢٥٦ ، شذرات الذهب ٦ / ١٤٣ ، طبقات القراء ١ / ٥٩٤.

(٢) الفصول المهمة في معرفة الأئمة : ٤٣.

٦٢

(٣٢)

جلال الدين المحلّي

وفسّر جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ( المولى ) بـ ( الأولى ) حيث قال : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أولى بكم » (١).

تفسير الجلالين

و « تفسير الجلالين » الذي اشترك في تأليفه جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي من التفاسير المشهورة المعتبرة ، قال تاج الدين الدهان في ( كفاية المتطلع في مرويات الشيخ حسن العجيمي ) : « التفسير المعروف بالجلالين العلامتين الامام المحقق جلال الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المحلّي الأخباري ، والحافظ العمدة جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور للحافظ السيوطي. وقد شرع الجلال المحلي من سورة مريم إلى آخر الكتاب العزيز ، ثم شرع في تفسير النصف الأول فمات بعد تفسير الفاتحة ، فأتمّه الحافظ السيوطي من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الكهف. أخبر بها ... » (٢).

ترجمة الجلال المحلّي

وقد ترجم للجلال المحلي شمس الدين السخاوي بما هذا ملخّصه :

__________________

(١) تفسير الجلالين : ٧١٦.

(٢) كفاية المتطلع لتاج الدين الذهان ـ مخطوط.

٦٣

« محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم ، الجلال أبو عبد الله ابن الشهاب أبي العباس بن الكمال الأنصاري ، المحلّي الأصل ـ نسبة للمحلة الكبرى من الغربيّة ـ القاهري الشافعي ولد كما رأيته بخطه في مستهل شوال سنة ٧٩١ بالقاهرة ونشأ بها. فقرأ القرآن وكتبا واشتغل في فنون ومهر وتقدّم على غالب أقرانه ، وتفنّن في العلوم العقلية والنقلية ، وتصدى للتصنيف والتدريس والاقراء ، ورغب الأئمة في تحصيل تصانيفه وقراءتها وإقرائها ، وارتحل الفضلاء للأخذ عنه ، وتخرّج به جماعة درسوا في حياته.

وكان إماما ، علاّمة ، محققا ، نظّارا ، مفرط الذكاء ، صحيح الذهن ، معظّما بين الخاصة والعامة ، مهابا ، وقورا ، عليه سيما الخير ، اشتهر ذكره وبعد صيته ، وقصد بالفتاوى من الأماكن النائية ، وهرع إليه غير واحد من الأعيان بقصد الزيارة والتبرك. هذا ، ولم أكن أقصر به عن درجة الولاية. وترجمته يحتمل كراريس ، مع أني قد أطلتها في معجمي. وقد حجّ مرارا. ومات سنة أربع وستّين » (١).

(٣٣)

الحسين الواعظ الكاشفي

وفسّر حسين بن علي الواعظ الكاشفي ( المولى ) بـ ( الأولى ) في تفسيره المشهور بـ ( تفسير حسيني ) بتفسير قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) (٢).

__________________

(١) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٧ / ٣٩ ـ ٤١.

(٢) تفسير حسيني ـ المواهب العلية. سورة الحديد.

٦٤

تفسير حسيني

و ( تفسير حسيني ) للواعظ الكاشفي يعدّ في التفاسير المعتبرة ، وقد اعتمد عليه العلماء ، كالشيخ أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله بن عبد الرزاق الحنفي الصالحي المعروف بـ ( ملاجيون ) المترجم له بكل تعظيم في ( سبحة المرجان ) ، في تفسيره المعروف بـ ( تفسير أحمدي ) ، ضمن التفاسير التي اعتمد عليها ونقل عنها كالتفاسير البيضاوي والبغوي والسيوطي والزمخشري. وقد وصفه بـ « الشيخ الكبير العلي الحسيني الواعظ الكاشفي ».

وكالمولوي تراب علي في آخر كتابه ( التدقيقات الراسخات في شرح التحقيقات الشامخات. الملقب بسبيل النجاح إلى تحصيل الفلاح ) وعدّه « من الصحف الموثوقة والزبر الأنيقة » كتفاسير الرازي والنسفي والنيسابوري والبغوي. وكالشيخ محبوب عالم في تفسيره المسمى ( تفسير شاهي ).

وقد ذكر تفسيره المذكور في ( كشف الظنون ) بقوله : « تفسير حسين بن علي الكاشفي الواعظ المتوفى في حدود سنة ٩٠٠. وهو تفسير فارسي متداول. في مجلد. سماه بالمواهب العلية ، كما ذكره ولده في بعض كتبه ، وترجمته بالتركية لأبي الفضل محمد بن إدريس البدليسي المتوفى سنة ٩٨٢. وله جواهر التفسير للزهراوين. يأتي في الجيم » (١).

(٣٤)

أبو السعود العمادي

وفسّر أبو السعود بن محمد العمادي ( المولى ) بـ ( الأولى ) بتفسير الآية

__________________

(١) كشف الظنون ١ / ٤٤٦.

٦٥

المذكورة ، وهذا نص كلامه : « قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ ) لا تبرحون أبدا ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم. وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه : هو أولى بكم. كما يقال هو مئنة الكرم. أي مكان لقول القائل : إنه لكريم. أو مكانكم عن قريب ، من الولي وهو القرب. أو ناصركم عن قريب من المولى وهو القرب. أو ناصركم على طريقة قوله : تحية بينهم ، ضرب وجيع. أو متولّيكم تتولاكم كما توليتم موجباتها » (١).

ترجمة أبي السعود

وترجم له محمود بن سليمان الكفوي بما هذا ملخّصه « المولى الفاضل العلاّمة ، والحبر الكامل الفهّامة ، لسان الزمان ، إمام أهل اللسان ، بدائعه الحسان تجلّ عن البيان ، واسع التقرير كامل التحرير ، سحبان النثر حسّان الشعر ، كشّاف مشكلات التنزيل الجليل ، وحلاّل معضلات الكتاب بالتفسير والتأويل ، حافظ قوانين الفروع والأصول ، وضابط مسائل كلّ الفنون من المعقول والمنقول ، زبدة أرباب التقوى وعمدة أصحاب الفتوى ، إمام المفسرين ختام المجتهدين ، شيخ الإسلام وعماد الدين ، أبو السعود ابن الشيخ محيي الدين المنتسب بالعماد عامله الله بلطفه يوم المعاد.

وهو الأستاذ على الإطلاق ، والمشار إليه بالاتفاق ، قرعت به أسماع سكّان الآفاق ، وصكّت به آذان أهل فارس والعراق ، شيخ كبير ، إمام خبير ، عالم نحرير ، لا في العجم له مثيل ولا في العرب له نظير ، مشهور الاسم ، عالي الرتبة ، عظيم الجاه ، زائد الحشمة ، تضرب به الأمثال وتشدّ إليه الرّحال ، ترد الفتاوى عليه من أقطار الأرض وترد إليه بعضها على بعض ، ولقد كان على أحسن طريقة سلكها الأشراف ، وقلّدها أشراف الأخلاف ، من دين مكين وعقل رزين ، وكان

__________________

(١) تفسير أبي السعود ـ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ـ هامش تفسير الرازي : ٨ / ٧٢.

٦٦

من محاسن الزمان ، لم تر العيون مثله في العلم والعرفان ، وكان يجتهد في بعض المسائل ويخرج ويرجّح بعض الدلائل ، وكان إذا لم يجد واقعة الفتوى وجوابها في الكتب المتداولة المعمولة يكتب الجواب على رأيه الوجيز.

ولد رحمه‌الله في رأس المائة العاشرة ، ومكث في منصب الفتوى أكثر من ثلاثين سنة ، وصنّف فيها كتاب التفسير المسمى بإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في مجلدين ضخمين » (١).

(٣٥)

سعيد الجلبي

وذكر سعيد الجلبي مفتي الروم تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) في حاشية البيضاوي حيث قال : « قوله : فغدت كلا الفرجين. البيت. يصف بقرة وحشية نفرت من صوت الصائد. فغدت فزعة لا تدري أقدّامها الصائد أم خلفها. أي : فغدت البقرة كلا جانبيها الأمام والخلف ، تحسب أنه أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف ، والفرج بمعنى المخافة أي كلا موضعيها الذي يخاف منهما في الجملة. أو بمعنى : ما بين قوائم الدابّة ، فما بين اليدين فرج وما بين الرجلين فرج ، وهو بمعنى السعة والانفراج. وفسّره بالقدّام والخلف توسّعا ، أو بمعنى الجانب والطريق ، فعل بمعنى مفعول لأنه مفروج مكشوف ، وضمير أنه لكلا لأنه مفرد اللفظ. وخلفها وأمامها إمّا بدل من كلام ، وإمّا خبر مبتدأ محذوف ، أي هما خلفها وأمامها. كذا في الكشف.

قوله : حقيقته محراكم ، من الحرى ، فالمولى مشتق من الأولى بحذف

__________________

(١) كتائب أعلام الأخيار للكفوي. وتوجد ترجمة أبي السعود المتوفى سنة ٩٨٢ في : البدر الطّالع ١ / ٢٦١ ، شذرات الذهب ٨ / ٣٩٨ وغيرهما.

٦٧

الزوائد » (١).

(٣٦)

شهاب الدين الخفاجي

وأما تفسير شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي ( المولى ) بـ ( الأولى ) ، فتجده في حاشيته على تفسير البيضاوي ، فقد قال : « قوله : ( هي أولى بكم ) أي : أحق من النجاة. وهو بيان لحاصل المعنى. قوله : كقول لبيد. العامري الشاعر المشهور وهو من قصيدته المشهورة التي هي إحدى المعلقات السبع ... والشاهد في قوله : مولى المخافة ، فإنه بمعنى مكان أولى وأحرى بالخوف.

قوله : وحقيقته. أي : حقيقة مولاكم هنا محراكم بالحاء والراء المهملتين ، أي المحلّ الذي يقال فيه إنه أحرى وأحق بكم ، من قولهم هو حرى بكذا أي خليق وحقيق وجدير به ، كلّها بمعنى واحد ، وليس المراد إنه اسم مكان من الأولى على حذف الزوائد كما توهم ، وسترى معناه عن قريب.

قوله : كقولك هو مئنة الكرم إلخ. يعني : إن مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمّن صدر عنه ، وهذا محل للمفضل على غيره الذي هو صفته ، فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتق منه ، كما أن المئنة مأخوذة من أن التحقيقية وليست مشتقة منه ، إذ لم يذهب أحد من النحاة إلى الاشتقاق من اسم التفضيل ، كما لم يقل أحد بالاشتقاق من الحرف ، ومئنة الكرم وصف له على طريق الكناية الرمزية في قولهم : الكرم بين برديه كما في

__________________

(١) لاحظ سورة الحديد من حاشية تفسير البيضاوي للجلبي مفتي الروم. وتوجد ترجمته في : الشقائق النعمانيّة ٢ / ٤٣ ، الفوائد البهيّة : ٧٨. توفي سنة ٩٤٥.

٦٨

شروح الكشاف ... » (١).

ترجمة الخفاجي

وشهاب الدين الخفاجي من شيوخ مشايخ شاه ولي الله الدهلوي والد عبد العزيز ( الدهلوي ) كما لا يخفى على من راجع رسالته في أسانيده المسماة بـ ( الإرشاد ).

وقد ترجم للخفاجي محمد أمين المحبي ترجمة حافلة نختصر منها ما يلي :

« الشيخ أحمد بن محمد بن عمر قاضي القضاة الملقّب بشهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي ، صاحب التصانيف السائرة ، وأحد أفراد الدنيا المجمع على تفوّقه وبراعته ، وكان في عصره بدر سماء العلم ونير أفق النثر والنظم ، رأس المؤلفين ورئيس المصنفين ، سار ذكره سير المثل ، وطلعت أخباره طلوع الشهب في الفلك ، وكلّ من رأيناه أو سمعناه به ممن أدرك وقته معترفون له بالتفرّد في التقرير والتحرير وحسن الإنشاء ، وليس فيهم من يلحق شأوه ولا يدعي ذلك ، مع أن في الخلق من يدعي ما ليس فيه.

وتآليفه كثيرة ممتعة مقبولة وانتشرت في البلاد ، ورزق فيها سعادة عظيمة فإنّ الناس اشتغلوا بها. وأشعاره ومنشآته مسلّمة لا مجال للخدش فيها. والحاصل إنه فاق كلّ من تقدّمه في كلّ فضيلة ، وأتعب من يجيء بعده ، مع ما خوّله الله تعالى من السعة وكثرة الكتب ولطف الطبع والنكتة النادرة.

وقد ترجم نفسه في آخر ريحانته من حين مبدئه ، ثم ذكر أن من تآليفه : حواشي تفسير القاضي وهي التي سمّاها عناية القاضي ، وشرح الشفا ، وشرح درة الغواص ، والريحانة ...

وأخذ عنه جماعة اشتهروا بالفضل الباهر ... » (٢).

__________________

(١) عناية القاضي ـ حاشية تفسير البيضاوي. سورة الحديد.

(٢) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٣٣١.

٦٩

(٣٧)

سليمان الجمل

وذكر الشيخ سليمان الجمل تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) في حاشيته على تفسير الجلالين حيث قال : « قوله : ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) يجوز أن يكون مصدرا أي ولايتكم أي ذات ولايتكم ، وأن يكون مكانا أي مكان ولايتكم ، وأن يكون بمعنى أولى كقولك : هو مولاه أي أولى به إلخ. سمين.

وفي أبي السعود : هي مولاكم أي أولى بكم ، وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم ، كما يقال هو مئنة الكرم ، أي مكان لقول القائل إنه لكريم أو مكانكم عن قريب ، من الولي وهو القرب ، أو ناصركم على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجيع. إلخ.

وفي الشهاب : قوله هو مئنة الكرم يعني : إن مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة ، فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمّن صدر عنه. وهذا محل للمفضل على غيره الذي هو صفته ، فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتقة منه ، كما أن المئنة مأخوذة من أن وليست مشتقة منها. إلخ.

وقوله : أو ناصركم. فالمعنى لا ناصر لكم إلاّ النار ، كما أن معنى البيت لا تحية لهم إلا الضرب على التهكّم. والمراد نفي الناصر ونفي التحية. إلخ شهاب » (١).

__________________

(١) حاشية تفسير الجلالين سورة الحديد. وتوجد ترجمته في الأعلام ٣ / ١٣١.

٧٠

(٣٨)

جار الله الاله آبادي

وأمّا ذكر الملاّ جار الله الإله آبادي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في حاشيته على تفسير البيضاوي بتفسير الآية من سورة الحديد حيث قال : « قوله : وحقيقته محراكم من الحرى ، فالمولى الحري ، مشتق من الأولى بحذف الزائد » (١).

(٣٩)

محبّ الدين الأفندي

وقد فسّر محبّ الدين الأفندي ( المولى ) بـ ( الأولى ) في شرح بيت لبيد الذي استشهد به الزمخشري في الكشاف (٢).

(٤٠)

محمد الأمير اليماني

وذكر محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني مجيء ( المولى ) بمعنى

__________________

(١) حاشية البيضاوي. سورة الحديد. توجد ترجمته في نزهة الخواطر ٦ / ٥٤.

(٢) تنزيل الآيات في شرح شواهد الكشاف : ١٤٠. وتوجد ترجمته في : ريحانة الألباء : ٩٩. توفي سنة ١٠١٤.

٧١

( الأولى ) نقلا عن الفقيه حميد ضمن معانيه حيث قال : « ومنها بمعنى الأولى. قال تعالى : ( هُوَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم وبعذابكم » (١).

وسيأتي طرف من ترجمة محمد بن اسماعيل الأمير فيما بعد إن شاء الله تعالى.

(٤١)

عبد الرحيم بن عبد الكريم

وفسّر عبد الرحيم بن عبد الكريم ( المولى ) بـ ( الأولى ) في شرح بيت لبيد العامري حيث قال : « وأراد بالمولى الأولى ... يقول : فغدت البقرة في كلا الفرجين تحسب أنّ كلّ واحد من الفرجين ـ وهما خلفها وأمامها ـ أولى بالمخافة » (٢).

(٤٢)

رشيد النبي

وكذا فسّره رشيد النبي في شرح بيت لبيد المذكور (٣).

__________________

(١) الروضة الندية ـ شرح التحفة العلوية.

(٢) شرح المعلّقات السبع.

(٣) شرح المعلّقات السبع. وتوجد ترجمته في نزهة الخواطر ٧ / ١٧٨.

٧٢

(٤٣)

السيّد الشبلنجي

وذكر السيّد مؤمن بن حسن الشبلنجي ( الأولى ) من معاني ( المولى ) نقلا عن العلماء (١).

أقول :

فهل يمكن أن يقال أن ( الدهلوي ) لم يطّلع على هذه الكلمات التي ذكرناها عن كبار الأئمة ومشاهير اللغة والتفسير والحديث والأدب؟

وهل يمكن أن يقال إنه لم يراجع شيئا من التفاسير ولم يقف على كلمات المفسّرين حتى التفاسير المتداولة كالكشاف ومعالم التنزيل وتفسير الجلالين وأنوار التنزيل؟

أللهم كلاّ ... إنه ليس إلاّ التعصب والعناد ، إنه يحاول خديعة العوام وتضليلهم بالأكاذيب وإنكار الحقائق الراهنة ، ونحن نكشف النقاب عن ذلك كله بكلمات علماء طائفته ومشاهير أئمتهم في كل مورد ، والله وليّ التوفيق.

__________________

(١) نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار : ٧٨.

٧٣

اعتراف علماء الكلام بمجيء ( المولى )

بمعنى ( الأولى )

بل إن بعض مشاهير متكلّمي أهل السنّة ـ في الوقت الذي ينكرون تواتر حديث الغدير ودلالته تبعا للفخر الرازي ـ يعترفون بشيوع استعمال ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف ) وهذا دليل آخر على شدة تعصب ( الدهلوي ) الذي ينكر هذه الجهة أيضا ، ولا بأس بإيراد نصوص عباراتهم في هذا المقام :

التفتازاني

قال سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : « ولفظ ( المولى ) قد يراد به المعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف. قال الله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ ) أي أولى بكم. ذكره أبو عبيدة. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير.

وبالجملة استعمال ( المولى ) بمعنى : المتولى والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة. والمراد إنه اسم لهذا المعنى ، لا أنّه صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنه لا

٧٤

يستعمل استعماله » (١).

القوشجي

وقال علاء الدين علي بن محمد القوشجي : « ولفظ ( المولى ) قد يراد به المعتق والمعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف. قال الله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم ذكره أبو عبيدة. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها في التصرف والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير » (٢).

ولا يتوهم : أن هذا الكلام من التفتازاني والقوشجي هو تقرير لدلالة حديث الغدير على الامامة من جانب الامامية ولا يدلّ على قبولهما ذلك.

لأنّ سكوتهما في مقام الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير عن الجواب عن هذه الناحية وتعرّضهما لسند حديث الغدير ، وجعل ذيل الحديث وهو : « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » مشعرا بأنّ المراد من ( المولى ) هو الناصر والمحب ... دليل على قبولهما شيوع استعمال ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف ) ، وأن هذا الكلام لهما وليس من جانب الشيعة. وإن كنت في ريب مما ذكرناه فراجع نص عبارتيهما.

ويدل على ما ذكرناه بوضوح تصريح المولوي عبد الوهاب القنوجي بذلك حيث أنه بعد أن نقل عن ( المواقف وشرحها ) إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) ردّ عليه باعتراف القوشجي شارح التجريد بمجيئه بهذا المعنى ... ولننقل نص عبارته الواردة ضمن ما ذكره في الجواب عن حديث الغدير :

« وعن الثالث ـ بمنع صحة الحديث ... ولأن عليّا رضي‌الله‌عنه لم يكن

__________________

(١) شرح المقاصد ٢ / ٢٩٠.

(٢) شرح التجريد : ٣٦٣.

٧٥

يوم الغدير مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان باليمن. وردّ هذا بأنّ غيبته لا تنافي صحة الحديث ، إلاّ أن يروى هكذا : أخذ بيده واستحضره وقال كذا وكذا ...

ولأن مفعلا بمعنى أفعل لم يذكره أحد ، ويقال أولى من كذا دون مولى من كذا ، وأولى الرجلين والرجال دون مولى الرجلين أو الرجال. هكذا في المواقف وشرحه.

وفيه بحث أورده شارح التجريد حيث قال : قد يراد بالمولى الأولى بالتصرف قال الله تعالى : ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم. ذكره أبو عبيدة ، وقال صلّى الله عليه وسلّم : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها في التصرف والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير ، وبالجملة ، استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب ، منقول عن أئمة اللغة ، والمراد إنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل ، وأنه لا يستعمل استعماله.

ولو سلّم أن المراد بالمولى هو الأولى فأين الدليل على أنّ المراد هو الأولى بالتصرف والتدبير ، بل يجوز أن يراد الأولى في الاختصاص به والقرب منه ... ».

ترجمة التفتازاني

وإذ علمت باعتراف التفتازاني بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وشيوع ذلك في كلام العرب فلنذكر خلاصة ترجمته :

قال السيوطي : « مسعود بن عمر بن عبد الله الشيخ سعد الدين التفتازاني ، الامام العلاّمة ، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها ، شافعي. قال ابن حجر : ولد سنة ٧١٢ ، وأخذ عن القطب والعضد ، وتقدّم في الفنون ، واشتهر بذلك ، وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه. وكان في لسانه لكنة

٧٦

وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق ، مات بسمرقند سنة ٧٩١ » (١).

وقال الكفوي : « وكان من كبار العلماء الشافعية ، ومع ذلك له آثار جليلة في أصول الحنفية » (٢).

ترجمة القوشجي

والقوشجي أيضا من كبار علماء أهل السنة المحققين ، فقد ذكر في ( كشف الظنون ) في شروح التجريد : « ثم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بالقوشجي المتوفى سنة ٨٧٩ شرحا لطيفا ممزوجا أوّله : خير الكلام حمد الملك العلاّم إلخ. لخّص فيه فوائد الأقدمين أحسن تلخيص ، وأضاف إليها نتائج فكره ، مع تحرير سوّده بكرمان وأهداه إلى السلطان أبي سعيد خان. قد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد. قال في ديباجته بعد مدح الفن والمصنف :

إن كتاب التجريد الذي صنّفه المولى العظم قدوة العلماء الرّاسخين ، أسوة الحكماء المتألهين نصير الحق والملة والدين ، تصنيف مخزون بالعجائب وتأليف مشحون بالغرائب. فهو وإن كان صغير الحجم وجيز النظم ، فهو كثير العلم جليل الشأن ، حسن الانتظام مقبول الأئمة العظام ، لم يظفر بمثله علماء الأمصار ، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمهات ، مملو بجواهر كلّها كالفصوص متضمن لبيانات معجزة في عبارات موجزة ، يفجر ينبوع السلاسة من لفظه ولكن معانيه لها السحر ، وهو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار تداولته أيدي النظار.

ثم إنّ كثيرا من الفضلاء وجّهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب ونشر معانيه ... وإني بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطرا من عمري

__________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢٨٥.

(٢) كتائب الأعلام ـ مخطوط.

٧٧

ووقفت على الفحص عن دقائقه قدرا من دهري ... فرأيت أن أشرحه شرحا يذلّل صعابه ويكشف نقابه وأضيف إليها فوائد ... » (١).

* * *

__________________

(١) كشف الظنون ١ / ٣٤٨ وللقوشجي ترجمة في : البدر الطالع ١ / ٤٩٥ وغيره.

٧٨

فهم الشيخين ( الأولى )

من ( المولى )

هذا كلّه ، بالإضافة إلى فهم الشيخين أبي بكر وعمر بالخصوص معنى ( الأولى ) من لفظ ( المولى ) يوم الغدير ، فقد ذكر ابن حجر المكي في وجوه الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير :

« ثالثها ـ سلّمنا أنه ( أولى ) ، لكن لا نسلّم أنّ المراد أنه الأولى بالامامة ، بل بالاتباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال ، بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ، وناهيك بهما في الحديث ، فإنهما لمّا سمعاه قالا له : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني. وأخرج أيضا أنه قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : إنه مولاي » (١).

وذكر الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) هذا الكلام عن ابن حجر المكي وارتضاه.

وقال شهاب الدين أحمد العجيلي : « وقد تولّيت الامام المرتضى لقبا وفعلا

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٦.

٧٩

وقولا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، والمراد بالتولي الولاية ، وهو الصديق الناصر ، أو الأولى بالاتباع والقرب كقوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) وهذا هو الذي فهمه عمر رضي‌الله‌عنه من الحديث ، فإنّه لمّا سمعه قال : ليهنئك يا ابن أبي طالب أمسيت وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة » (١).

تناقض من ابن حجر

لكنّ العجب من ابن حجر المكي إذ ناقض نفسه فأنكر مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) مطلقا ، فإنه مع تنصيصه في الوجه الثالث على أن كون ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالاتباع والقرب من النبي ) « هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ... » قال في الوجه الثاني من وجوه الرد على تمسك الشيعة بحديث الغدير :

« وثانيها : لا نسلّم أنّ معنى المولى ما ذكروه ، بل معناه الناصر ، لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والناصر والمحبوب ، وهو حقيقة في كلّ منها ، وتعيين بعض معنى المشترك من غير دليل يقتضيه تحكّم لا يعتد به ، وتعميمه في مفاهيمه كلها لا يسوغ ، لأنه إن كان مشتركا لفظيا بأن تعدّد وضعه بحسب تعدّد معانيه كان فيه خلاف ، والذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاء الاستعمالات العصماء للمشترك أنه لا يعمّ جميع معانيه ، على أنّا لو قلنا بتعميمه على القول الآخر أو بناء على أنه مشترك معنوي بأن وضع وضعا واحدا للقدر المشترك وهو القرب المعنوي من الولي بالفتح فيصلح لصدقه على كلّ مما مر ، فلا يتأتى تعميمه هنا ، لامتناع إرادة كل من العتق والعتيق.

فتعيّن إرادة البعض ، ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر. وعلي رضي‌الله‌عنه سيدنا وحبيبنا.

على أنّ كون المولى بمعنى الامام لم يعهد لغة ولا شرعا. أمّا الثاني فواضح ،

__________________

(١) ذخيرة المآل ـ مخطوط.

٨٠