نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

متفق عليه. وأخرجه ابن ماجة عن أبي مصعب الزهري ، فوافقناه بعلو » (١).

الحمويني شيخ الكازروني

والحمويني من مشايخ محمّد بن مسعود الكازروني ، فقد جاء في سيرته : « أخبرنا شيخنا صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمّد بن المؤيد الحمويني ، أنا شيخنا أصيل الدين أبو بكر عبد الله بن عبد الأعلى بن محمّد بن عبد الأعلى ابن محمّد بن عبد الأعلى بن محمّد أبي القاسم القطّان الاصفهاني ... عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال :

بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر على الموسم ، وبعث معه سورة براءة وأربع كلمات إلى الناس ، فلحقه علي ابن أبي طالب في الطريق ، فأخذ علي السورة والكلمات ، وكان يبلغ وأبو بكر على الموسم ، فإذا قرأ السورة نادى : ألا لا يدخل الجنة إلاّ نفس مسلمة ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا ، ولا يطوفنّ بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله إلى مدّته. فلمّا رجعا قال أبو بكر : مالي هل نزل فيّ شيء؟ قال : لا إلاّ خيرا ، وما ذاك؟ قال : إن عليا لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات. فقال : أجل لكن لم يبلغها إلاّ أنا أو رجل منّي » (٢).

ترجمة الكازروني

وقد أثنى ابن حجر العسقلاني على الكازروني بقوله : « محمّد بن مسعود ابن محمّد بن خواجه الامام ... ذكره ابن الجزري في مشيخة الجنيد البلباني

__________________

(١) المعجم المختص : ٦٥.

(٢) المنتقى في سيرة المصطفى ـ مخطوط.

٣٠١

... ثم قال : كان سعيد الدين محدثا فاضلا ، سمع الكثير ، وأجاز له المزي صاحب تهذيب الكمال وجماعة ، وخرّج المسلسل ، وألف المولد النبوي فأجاد ومات في أواخر جمادى الآخرة سنة ٧٥٨ » (١).

(٧)

رواية الكنجي

وقال أبو عبد الله الكنجي الشافعي في ذكر حديث الغدير : « قال حسان ابن ثابت في المعنى :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم فأسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليكم

وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تلف منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنك بلسانك » (٢).

__________________

(١) الدرر الكامنة ٤ / ٢٥٥.

(٢) كفاية الطالب : ٦٤.

٣٠٢

(٨)

رواية جلال الدين السيوطي

وقال جلال الدين السيوطي في رسالة له وصفها في أولها بقوله : « هذا جزء جمعت فيه الأشعار التي عقد فيها شيء من الأحاديث والآثار ، سميته بالأزهار ، وله فوائد منها الاستدلال به على شهرة الحديث في الصدر الأول وصحّته ، وقد وقع ذلك لجماعة من المحدّثين ، ومنها إيراده في مجالس الاملاء ، ومنها الاستشهاد به في فن البديع في أنواع العقد والاقتباس والانسجام » قال :

« في تذكرة الشيخ تاج الدين ابن مكتوم : لحسّان بن ثابت الأنصاري رضي‌الله‌عنه :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم فأسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليكم

وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تلف منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

وايضا للسيد الحميري :

يا بايع الدين بدنياه

ليس بهذا أمر الله

من أين أبغضت إمام الهدى

وأحمد قد كان يهواه

من الذي أحمد من بينهم

بيوم خم ثم ناداه

أقامه من بين أصحابه

وهم حواليه وسماه

هذا علي بن أبي طالب

مولى لمن قد كنت مولاه

٣٠٣

فوال من والاه يا ذا العلى

وعاد من قد كان عاداه

وقال بعضهم :

إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد

ولا عهده يوم الغدير مؤكّدا

فإني كمن يشري الضلالة بالهدى

تنصّر من بعد التقى أو تهوّدا (١)

ترجمة ابن مكتوم

والجلال السيوطي من أكابر حفاظ أهل السنة حتى لقّبه بعضهم بمجدّد القرن التاسع ، وتوجد ترجمته مفصّلة في مجلد حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ).

وأما ابن مكتوم الذي نقل السيوطي شهر حسّان عن « تذكرته » فمن أكابر علماء أهل السنة كذلك ، وإليك بعض كلماتهم في الثناء عليه : ـ

١ ـ الصفدي : « أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم ... هو الامام تاج الدين ، اشتغل بالحديث وفنونه ، وأخذ الحديث عن أصحاب البخت وابن علاف وهذه الطبقة ، وهو مقيم بالديار المصرية ، بلغني أنه يعمل تاريخا للنحاة ، ووقفت له على الدر اللقيط من المحيط من تفسير القرآن ، وهو كتاب ملكته بخطّه في مجلدين ، التقط فيه إعراب البحر المحيط تصنيف شيخنا العلامة أثير الدين ، فجاء في غاية الحسن ، وقد اشتهر هذا الكتاب وورد إلى الشام ونقلت به النسخ ، رأيته بالقاهرة مرّات ، ثم إنني اجتمعت به في سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالقاهرة وسألته الإجازة بكل ما يرويه ، فأجاز لي متلفظا بذلك ... » (٢).

٢ ـ ابن الجزري : « ... إمام عالم نحوي أستاذ ، ولد في أوائل ذي الحجة سنة ٦٨٣ ، قرأ على التقي الصائغ وأبي حيان وببعض الروايات على ابن يوسف

__________________

(١) الأزهار فيما عقده الشعراء من الأشعار ـ للسيوطي.

(٢) الوافي بالوفيات ٧ / ٧٤.

٣٠٤

الشطنوفي ، وسمع الكثير وكتب وجمع ، وتصدّر للإقراء بالجامع الظاهري بالحسينية بعد موسى بن علي القطني ، توفي في السابع والعشرين من رمضان سنة ٧٤٩ » (١).

٣ ـ السيوطي : « ... جمع الفقه والنحو واللغة ، وصنّف تاريخ النحاة ، والدر اللقيط من البحر المحيط ، ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة. ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة » (٢).

٤ ـ السيوطي : « ... تقدّم في الفقه والنحو واللغة ، ودرّس وناب في الحكم ... » (٣).

وجوه صحة الاستدلال بهذا الشعر

وشعر حسان بن ثابت في يوم الغدير صريح في دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا.

فهذا معنى حديث الغدير وما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم العظيم ، وفي ذلك الحشد المنقطع النظير من المسلمين ، لا ما ذكره المتأوّلون المتأخّرون عن الصدر الأول ، لغرض صرفه عن الدلالة على الامامة لعلي عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل.

ثم إنه لا ريب في صحة استدلالنا بهذا الشعر لتوضيح دلالة حديث الغدير على معناه لوجوه منها :

__________________

(١) طبقات القراء ١ / ٧٠.

(٢) حسن المحاضرة ١ / ٤٧٠.

(٣) بغية الوعاة ١ / ٣٢٦.

٣٠٥

١ ـ قائله من الصحابة

إن قائل هذا الشعر ـ وهو حسّان بن ثابت ـ من الصحابة المعروفين والموصوفين بالمناقب الجليلة ، ففي ( الاستيعاب ) بترجمته : « وروينا من وجوه كثيرة عن أبي هريرة : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لحسّان : أهج ـ يعني المشركين ـ وروح القدس معك.

وإنه صلّى الله عليه وسلّم قال لحسان : اللهم أيّده بروح القدس لمناضلته عن المسلمين.

وقال صلّى الله عليه وسلّم : قوله فيهم أشدّ من وقع النبل.

ومر عمر بن الخطاب بحسان بن ثابت وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : تنشد الشعر؟ أو قال : هذا الشعر في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له حسان بن ثابت : قد كنت أنشد فيه من هو خير منك يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم فسكت عمر ».

« وروى ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال : فضل حسان الشعراء بثلاث ، كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي صلّى الله عليه وسلّم في النبوة ، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. قال أبو عبيدة : واجتمعت العرب على أن أشعر المدر أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف ، وعلى أن أشعر المدر حسان بن ثابت. وقال أبو عبيدة : حسان بن ثابت شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر أهل اليمن في الإسلام ، وهو شاعر أهل القرى ».

« ذكر الزبير بن بكار : قال إبراهيم بن المنذر عن هشام بن سليمان عن ابن جريج عن محمّد بن السائب بن بركة عن أمّه : أنها كانت مع عائشة في الطوائف ـ ومعها أم حكيم بنت خالد بن العاص ، وأم حكيم بنت عبد الله بن أبي ربيعة ـ فتذاكرنا حسان بن ثابت فابتدرتاه بالسبّ ، فقالت عائشة : ابن الفريعة تسبّان! إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بذبّه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بلسانه. أليس

٣٠٦

القائل شعر :

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبى ووالدتي وعرضي

لعرض محمّد منكم وقاء

فبرّأته من أن يكون افترى عليها ... » (١).

وقال ابن الأثير بترجمته : « يقال له : شاعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ووصفت عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت : كان والله كما قال فيه حسان ... وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينصب له منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله يقول : إن الله يؤيد حسّان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (٢).

وقال ابن حجر العسقلاني : « وفي الصحيحين عن البراء : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لحسان : أهجم أو هاجم وجبرئيل معك.

وقال أبو داود ثنا لوين [ لؤي ] عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن هشام بن عروة عن عائشة : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائما يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال رسول الله : إنّ روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله » (٣).

وأخرج الحاكم بترجمته أحاديث ذكر بعضها ، ومن ذلك قوله : « حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، ثنا الحسن بن علي بن عفان ، ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي الحسن مولى بني نوفل : إنّ عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين نزلت طسم الشعراء يبكيان وهو يقرأ عليهم ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) حتى بلغ :

__________________

(١) الاستيعاب ١ / ٣٤٥.

(٢) أسد الغابة ٢ / ٤.

(٣) الاصابة ١ / ٣٢٥.

٣٠٧

( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) قال : أنتم ( وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) قال : أنتم ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) قال : أنتم » (١).

٢ ـ إنه قيل بإذن النبي

لقد قال حسان هذا الشعر بعد ما استأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إنشاده ، فإذن له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا : قل على بركة الله. وذلك أكبر شاهد وأصدق برهان على حجية هذا الشعر.

٣ ـ تقرير النبي له

وقد علمت من أحاديث القوم استماع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذا الشعر وتقريره إياه. وقد ثبت باتفاق المسلمين أن تقريره دليل قاطع على الحجية والصواب.

٤ ـ استحسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولقد استحسن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الشعر بصراحة ، حيث قال لحسّان بعد ما فرغ منه : يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك. كما روى محمّد بن يوسف الكنجي وسبط ابن الجوزي.

٥ ـ إنه قيل في حضور الصحابة

وإن هذه الأبيات أنشدها حسان بن ثابت في نفس يوم غدير خم ، وبعد خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، أي قبل أن تتفرق تلك الحشود الغفيرة من صحابة النبي العدول وجماهير المسلمين ، ولم يسمع من أحد منهم إنكار

__________________

(١) المستدرك ٣ / ٤٨٦.

٣٠٨

أو أيّ اعتراض على ما قاله واستفاده من حديث الغدير ، فثبت بإجماع جميع الصحابة أن المراد من ( المولى ) في هذا الحديث هو ( الامام ) و ( الهادي ) ، وبذلك يسقط اعتراض المعترضين وتأويل المتأولين.

٦ ـ تقرير المشايخ الثلاثة له

ولا ريب في وجود المشايخ الثلاثة وحضورهم يوم غدير خم وعند إنشاد حسان تلك الأبيات ، ولم ينقل إلينا اعتراض من أحدهم ، مع أن المعروف عن ثانيهم كثرة الاعتراض ، ومن هنا نقول بثبوت هنا المعنى عند الثلاثة أيضا كسائر المسلمين الحاضرين في ذلك اليوم.

* * *

٣٠٩
٣١٠

(٤)

شعر قيس بن سعد

٣١١
٣١٢

ومن الدلائل الباهرة على أن المراد من ( حديث الغدير ) هو إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : شعر قيس بن سعد بن عبادة ـ وهو من أكابر الصحابة وأعاظمهم ـ الذي أنشده في معنى حديث غدير خم ، وقد صرّح فيه بأن عليا « إمامنا وإمام لسوانا » وأن هذا الحكم « أتى به التنزيل » وذلك « يوم قال النبي من كنت مولاه فهذا مولاه ».

روى ذلك أبو المظفر سبط ابن الجوزي بقوله : « قال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ـ وأنشدها بين يدي علي بصفّين :

قلت لمّا بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

وعلي إمامنا وإمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

إن ما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل » (١)

__________________

(١) تذكرة خواص الامة : ٣٣.

٣١٣

مدح قيس والثناء عليه

ومن المناسب أن نذكر هنا طرفا من مدائح القوم لقيس بن سعد بن عبادة وثنائهم عليه ، فقد قال ابن عبد البر : « قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي ... قال الواقدي : كان قيس بن سعد بن عبادة من كرام أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسخيائهم ودهاتهم. قال أبو عمر : كان أحد الفضلاء الجلّة ، وأحد دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب ، مع النجدة والبسالة والكرم ، وكان شريف قومه غير مدافع هو وأبوه وجدّه.

صحت قيس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وأبوه وأخوه سعيد بن سعد بن عبادة. قال أنس بن مالك : كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي بمكان صاحب الشرطة من الأمير ، وأعطاه رسول الله الرّاية يوم فتح مكة ، إذ نزعها من أبيه لشكوى قريش لسعد يومئذ. وقد قيل : إنه أعطاه الزبير.

ثم صحب قيس بن سعد علي بن أبي طالب ، وشهد معه الجمل وصفين والنهروان وقومه ولم يفارقه حتى قتل ، وكان ولاّه علي على مصر ، فضاق به معاوية وأعجزته فيه الحلية ، فكايد فيه عليا ففطن علي لمكيدته ، فلم يزل به الأشعث وأهل الكوفة حتى عزل قيسا وولّى محمّد بن أبي بكر ، ففسدت عليه مصر » (١).

وقال عز الدين ابن الأثير ما ملخصّه : « وكان من فضلاء الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم ، وكان من ذوي الرأي الصائب والمكيدة في الحرب مع النجدة والشجاعة ، وكان شريف قومه غير مدافع ومن بيت سيادتهم.

عن أنس قال : كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير.

عن قيس بن سعد بن عبادة : إن أباه دفعه إلى النبي يخدمه. قال : فمر بي

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١٢٨٩.

٣١٤

النبي وقد صلّيت فضربني برجله وقال : ألا أدلّك على باب من أبواب الجنّة؟ قلت : بلى. قال : لا حول ولا قوة إلاّ بالله.

قيل : إنه كان في سرية فيها أبو بكر وعمر ، فكان يستدين ويطعم الناس. فقال أبو بكر وعمر : إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه. فمشيا في الناس ، فلمّا سمع سعد قام خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب! يبخلان عليّ ابني.

وقال ابن شهاب : كانوا يعدّون دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة رهط ، يقال لهم ذوو رأي العرب ومكيدتهم : معاوية ، وعمرو بن العاص ، وقيس بن سعد ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء. فكان قيس وابن بديل مع علي وكان المغيرة معتزلا في الطائف ، وكان عمرو مع معاوية.

وقال قيس : لو لا أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : المكر والخديعة في النار ، لكنت من أمكر هذه الأمة.

وأمّا جوده فله فيه أخبار كثيرة لا نطوّل بذكرها.

ثم إنّه صحب عليّا لمّا بويع له بالخلافة ، وشهد معه حروبه ، واستعمله علي على مصر ، فكايده معاوية فلم يظفر منه بشيء ، فكايد عليا وأظهر أنّ قيسا قد صار معه يطلب بدم عثمان ، فبلغ الخبر عليا ، فلم يزل به محمّد بن أبي بكر وغيره حتى عزله ، واستعمل بعده الأشتر فمات في الطريق ، فاستعمل محمّد بن أبي بكر فأخذت مصر منه وقتل.

ولما عزل قيس أتى المدينة فأخافه مروان بن الحكم ، فسار إلى علي بالكوفة ، ولم يزل معه حتى قتل ، فصار مع الحسن وسار في مقدّمته إلى معاوية ، فلمّا بايع الحسن معاوية دخل قيس في بيعة معاوية وعاد إلى المدينة » (١).

وقال ابن حجر العسقلاني ما حاصله : « كان قيس ضخما حسنا طويلا إذا

__________________

(١) أسد الغابة ٤ / ٢١٥.

٣١٥

ركب الحمار خطّت رجلاه الأرض. وقال الواقدي : كان سخيا كريما داهية ، وقال أبو عمر : كان أحد الفضلاء الجلّة ، من دهاة العرب من أهل الرأي والمكيدة في الحرب ، مع النجدة والسخاء والشجاعة ، وكان شريف قومه غير مدافع ، وكان أبوه وجدّه كذلك. وأخرج ابن المبارك عن ابن عيينة عن موسى بن أبي عيسى أنّ رجلا استقرض من قيس بن سعد ثلاثين ألفا فلمّا ردّها عليه أبى أن يقبلها.

وشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشاهد كلها ، وصحب عليا وشهد معه مشاهده » (١).

* * *

__________________

(١) الاصابة ٣ / ٢٣٩.

٣١٦

(٥)

شعر أمير المؤمنين عليه‌السلام

٣١٧
٣١٨

ومن الأدلة والبراهين القويمة الواضحة على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام : قول سيدنا أمير المؤمنين في أشعار له :

« لذاك أقامني لهم إماما

وأخبرهم به بغدير خم »

فلقد ذكر عليه‌السلام حديث الغدير ودلالته على إمامته عليه‌السلام في تلك الأشعار ، التي ضمّنها طرفا من فضائله ، وجملة من مناقبه الخاصّة به ، متباهيا ومفتخرا بها على سائر الأنام ، وهذه هي تلك الأشعار كما في ديوانه :

لقد علم الأناس بأنّ سهمي

من الإسلام يفضل كلّ سهم

وأحمد النبي أخي وصهري

عليه الله صلّى وابن عمّي

وإني قائد للناس طرّا

إلى الإسلام من عرب وعجم

وقاتل كل صنديد رئيس

وجبّار من الكفار ضخم

وفي القرآن ألزمهم ولائي

وأوجب طاعتي فرضا بعزم

كما هارون من موسى أخوه

كذاك أنا أخوه وذاك اسمي

لذاك أقامني لهم إماما

وأخبرهم به بغدير خم

فمن منكم يعادلني بسهمي

وإسلامي وسابقتي ورحمي؟

٣١٩

وويل ثم ويل ثم ويل

لمن يلقى الآله غدا بظلمي

وويل ثم ويل ثم ويل

لجاحد طاعتي ومريد هضمي

وويل للذي يشقى سفاها

يريد عداوتي من غير جرم »

ولقد شرح الحسين بن معين الدين الميبدي هذه الأشعار ، في شرحه لديوان أمير المؤمنين عليه‌السلام المسمّى بـ ( الفواتح ) وأوضح معناها ، ثم ذكر في شرح البيت الذي أشار فيه الامام عليه‌السلام إلى حديث الغدير رواية أحمد بن حنبل لحديث الغدير ، وذكر عن الثعلبي رواية نزول آية التبليغ وهي قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ... ) في ذلك اليوم ، كما نصّ على اتفاق المفسرين على نزول الآية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) في شأن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ثم ذكر في نهاية شرحه للأشعار المذكورة عن الامام علي بن أحمد الواحدي عن أبي هريرة : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنشأ هذه الأبيات في حضور : أبي بكر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، والفضل بن العباس ، وعمّار ، وعبد الرحمن وأبي ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعبد الله بن مسعود » (١).

دلالة الأبيات من وجوه أخرى

ثم إن هذه الأبيات تدلّ على إمامة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام من وجوه أخرى :

( الأول ) قوله عليه‌السلام : « لقد علم الأناس بأنّ سهمي من الإسلام يفضل كلّ سهم » فإنّ هذا القول نصّ صريح في أفضليته عليه‌السلام من غيره

__________________

(١) الفواتح في شرح ديوان أمير المؤمنين ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

٣٢٠