نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

لقد نزل قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) بعد فراغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطبته في يوم غدير خم ، وتعيين أمير المؤمنين عليه‌السلام للامامة والخلافة ، وذلك من الأدلة القوية والبراهين القويمة على أن المراد من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » هو التنصيص على الامامة والخلافة لعلي عليه‌السلام من بعده ، إذ ليس هناك غير الامامة والخلافة أمر آخر يصلح لأن يكون به إكمال الدين وإتمام النعمة ، فإن الامامة والخلافة أصل عظيم من أصول الدين وبها قد كمل ، وتمت النعمة ، والحمد لله ربّ العالمين.

ذكر من روى نزول الآية في الغدير

ولقد روى جماعة من أئمة علماء أهل السنة حديث نزول آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) في واقعة يوم الغدير ، ومنهم :

١ ـ أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني.

٢ ـ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني.

٣ ـ أبو الحسن علي بن محمّد الجلابي المعروف بابن المغازلي.

٢٦١

٤ ـ الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خطباء خوارزم.

٥ ـ محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي.

٦ ـ أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني.

٧ ـ إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الحمويني.

(١)

رواية ابن مردويه

لقد روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني نزول قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في واقعة يوم غدير خم ، فقد قال الميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشي :

« أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه مثله ، وفي آخره ، فنزلت : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب » (١).

(٢)

رواية أبي نعيم

ورواه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني أيضا ، حيث أخرج بإسناده :

__________________

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط.

٢٦٢

« عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى علي في غدير خم ، وأمر بما تحت الشجرة من شوك فقمّ ، وذلك في يوم الخميس ، فدعا عليّا وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : الله أكبر على إتمام الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي إلخ » (١).

(٣)

رواية ابن المغازلي

ورواه أبو الحسن علي بن محمّد بن الخطيب الجلاّبي المعروف بابن المغازلي بسنده عن أبي هريرة ، وهذا عين عبارته : « أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن طاوان قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين ابن السماك قال : حدثني أبو محمّد جعفر ابن محمّد بن نصير الخلدي ، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي قال : حدثني ضمرة بن ربيعة القرشي ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : من صام ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم ، لمّا أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فأنزل الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

__________________

(١) ما نزل من القرآن في علي ـ مخطوط.

٢٦٣

دِينَكُمْ ) (١).

(٤)

رواية الخوارزمي

وروى ذلك الموفق بن أحمد بن أبي سعيد المكي الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم قائلا : « أخبرنا سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله ابن عبدوس الهمداني كتابة قال : حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال : حدثنا الحسن بن عقيل الغنوي ، حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن الذراع قال : حدّثنا قيس ابن حفص قال : حدثني علي بن الحسين الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري.

أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم دعا الناس إلى غدير خم ، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ وذلك يوم الخميس ، ثم دعا إلى عليّ ، فأخذ بضبعيه ثم رفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه صلّى الله عليه وسلّم ، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب » (٢).

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ١٨.

(٢) مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي : ٨٠.

٢٦٤

(٥)

رواية النطنزي

ورواه أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي بإسناده « عن أبي هريرة قال : من صام ثمانية عشر من ذي الحجة ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : نعم يا رسول الله. قال : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم. فأنزل الله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) كتب له صيام ستّين شهرا » (١).

(٦)

رواية الصالحاني

ورواه أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني أيضا ، كما ذكر السيد شهاب الدين أحمد حيث قال : « قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ). وبالاسناد المذكور عن مجاهد رضي الله تعالى عنه قال : نزلت هذه الآية بغدير خم فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي

__________________

(١) الخصائص العلوية ـ مخطوط.

٢٦٥

والولاية لعلي. رواه الامام الصالحاني » (١).

(٧)

رواية الحمويني

ورواه إبراهيم بن المؤيّد الحمويني بإسناده حيث قال : « عن سيّد الحفّاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال : أخبرني الحسن بن أحمد ابن الحسن الحدّاد المقري الحافظ قال : نبأنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال : نبأنا محمّد بن أحمد بن علي قال : نبأنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال : نبأنا يحيى الحماني قال : حدّثنا قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى علي في غدير خم ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ ـ وذلك يوم الخميس ـ فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما ، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ). فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي ... إلخ » (٢).

* * *

__________________

(١) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ـ مخطوط.

(٢) فرائد السمطين ١ / ٧٤.

٢٦٦

مع ابن كثير

في تكذيبه لهذا الحديث

وإذ وقفت على رواية نزول قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) في واقعة يوم غدير خم ، وعرفت رواة هذه الرواية من أعلام أهل السنة بأسانيدهم ، فاعلم أن الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي قال بعد أن ذكر الحديث عن أبي هريرة : « فإنه حديث منكر جدا بل كذب ». ونحن ننقل هنا نصّ عبارته ، ثم نجيب عمّا ادّعاه في هذا المقام بالتفصيل :

أما عبارته فهذا نصّها : « فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : لمّا أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خم ، من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا. فإنه حديث منكر جدّا بل

٢٦٧

كذب ، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واقف بها كما قدّمناه.

وكذا قوله : إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا. لا يصح ، لأنّه قد ثبت ما معناه في الصحيح : إن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر ، فكيف يكون صيام واحد يعدل ستين شهرا. هذا باطل.

وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراد هذا الحديث : هذا حديث منكر جدّا ، رواه خيشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد الديري ـ وهما صدوقان ـ عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة ، قال : ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ، ومالك بن الحويرث ، وأنس بن مالك ، وأبي سعيد ، وغيرهم ، بأسانيد واهية. قال : وصدر الحديث متواتر أتيقّن أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاله. وأما : اللهم وال من والاه. فزيادة قويّة الإسناد. وأما هذا الصوم فليس بصحيح ولا والله نزلت الآية يوم عرفة قبل غدير خم بأيّام. والله أعلم » (١).

إبطال كلام ابن كثير

وهذا الكلام في غاية البطلان ، لأنّه قد اعترف بأن هذا الحديث يرويه ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة ، وهؤلاء كلهم من رجال الصحاح :

فأمّا ( ضمرة ) فهو من رجال : الترمذي وأبي داود وابن ماجة والنسائي في صحاحهم.

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٣ ـ ٢١٤.

٢٦٨

وأمّا ( عبد الله بن شوذب ) فهو من رجال الصحّاح الأربعة المذكورة.

وأمّا ( مطر الورّاق ) فهو من رجال مسلم والصحاح الأربعة المذكورة ، ابن حبان أيضا.

وأمّا ( شهر بن حوشب ) فهو أيضا من رجال مسلم بن الحجاج والأربعة المذكورة.

وستعلم فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ أن رواية واحد من أصحاب الصحاح عن رجل دليل على كونه ثقة عادلا معتمدا صحيح الضبط عندهم ، فكيف يكذّب حديث رواه أهل السنّة بأسانيدهم ، عن رجال أخرج عنهم في الصحاح واعتمد عليهم؟!

وقد رأينا أن علماء أهل السنّة ومصنّفيهم يثنون غاية الثناء على الصحاح ، ويشنّعون على الشيعة الامامية طعنهم في بعض أخبارها ورواتها ، فقد قال الميرزا مخدوم الشريفي : « ومن هفواتهم : إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقّت الأمة بقبولها ، منها صحيحا البخاري ومسلم الذين مرّ ذكرهما. قال أكثر علماء الغرب أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح مسلم بن الحجاج القشيري. وقال الأكثرون من غيرهم صحيح محمّد بن إسماعيل البخاري هو الأصح ، وهو الأصح.

وما اتّفقا عليه هو ما اتفق عليه الأمة ، وهو الذي يقول فيه المحدّثون كثيرا صحيح متفق عليه ، ويعنون به اتّفاقهما لاتفاق الأمة وإن لزمه ذلك ، واستدل في الأزهار لثبوت الملازمة باتفاق الأمة على تلقّي ما اتفقا عليه والمتفق عليه بينهما هو الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، ويروي عنه راويان ثقتان من أتباع التابعين مشهوران بالحفظ ، ثم يروي عن كلّ واحد منهم رواة ثقات من الطبقة الرابعة ، ثم يروي عن كل واحد منهم شيخ البخاري ومسلم ، والأحاديث المروية بهذه الشرائط قريبة إلى عشرة آلاف.

وقد عمل بكتابيهما هذين الأئمة المجتهدون الكاملون بغير تفتيش وتفحص

٢٦٩

وتعديل وتجريح ، من غاية وثوقهم عليهما ، وبرئ جمع كثير من المرضى ونجي بيمنهما جم غفير من الغرقى ، وقد بلغ القدر المشترك مما ذكر في ميامنهما وبركاتهما حد التواتر وصارا في الإسلام رفيقي المصحف الكريم والقرآن العظيم.

فهؤلاء من كثرة جهلهم وقلة حيائهم ينكرون الصحيحين المزبورين وسائر صحاحنا ... إلخ » (١).

وقال الفضل ابن روزبهان : « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند الشيعة أنها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام ، فعملها وجعلها وديعة عند الامام جعفر الصادق ، فلما توفي حسب الناس أنه من كلامه والله أعلم بحقيقة هذا الكلام ، ومع هذا لا ثقة لأهل السنة بالمشهورات ، بل لا بدّ من الأسناد الصحيح حتى يصح الرواية.

وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كلّ ما عدّ من الصحاح ـ سوى التعليقات في الصحاح الستة ـ لو حلف رجل الطلاق أنه من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث » (٢).

فنقول لابن روزبهان : وإذا كان كذلك فلما ذا جعلت في كتابك حديث نزول آية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ... ) في يوم الغدير الذي رواه رجال الصحاح من مفتريات الشيعة؟!

ثم نقول : إن جميع هذه التشنيعات والمطاعن التي وجهها إلى الشيعة بسبب قدحهم في صحاح أهل السنة وإنكارهم لطائفة من أخبارهم ، تنطبق على الحافظ ابن كثير الذي كذّب حديث نزول آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) في يوم الغدير ، ورجاله من رجال الصحاح التي قد عرفت إجماعهم على توثيق رجالها.

__________________

(١) نواقض الروافض ـ مخطوط.

(٢) إبطال الباطل لابن روزبهان الشيرازي.

٢٧٠

رواة حديث أبي هريرة من رجال الصحاح وثقات

قد عرفت أن رجال خبر أبي هريرة المذكور من رجال الصحاح الستّة لأهل السنة ، فلا كلام في ثقتهم ، ونحن نذكر كلمات علماء الرجال الفطاحل في توثيق كل واحد من هؤلاء :

أما ضمرة بن ربيعة : فقد وثقه وأثنى عليه أحمد بن حنبل وجماعة ، فقد قال الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي : « ضمرة بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله الرملي ... روى عنه : الحكم بن موسى ، وهارون بن معروف ، ونعيم ابن حماد ، وبكير بن محمّد اسما بن أخي جويرية ، ومهدي بن جعفر وأبو عمير عيسى بن محمّد الرمليان ، وأبو علي الحسن بن واقع ، وعلي بن سعيد كان ينزل مدينة الداخل ، ودحيم ، وسليمان ، وعبد الرحمن ، وهشام بن عمار ، وأحمد بن عبد الله بن بشير بن ذكوان ، وأيوب بن محمّد الوزان ، وسليمان بن أيوب البرني ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن هاني ، وعيسى بن يونس ، وإدريس بن سليمان بن أبي الرباب ، وعلي بن سعيد بن بشير النسائي ، ومحمّد بن الوزير الدمشقي ، وعمرو ابن عثمان الحمصي ، ومحمّد بن عمرو بن حبان ، وعبيد الله بن محمّد الفريابي ، وهشام بن خالد الأزرق ، والحسن بن عبد العزيز الجروي ، وأبو عتبة أحمد بن الفرح ، وإسماعيل بن عباد الأرسوفي ، وسعيد بن راشد بن موسى ، وعمرو بن عبد الله بن صفوان والد أبي زرعة ، وعبد الرحمن بن واقد الواقدي ، وغيرهم.

قال أحمد بن حنبل : من الثقات المأمونين ، رجل صالح الحديث ، لم يذكر بالشام رجل يشبهه ، وهو أحب إلينا من بقية ، بقية كان لا يبالي عمّن حدّث.

وقال أبو حاتم : صالح. وقال آدم بن أبي أياس : ما رأيت أعقل لما يخرج من رأسه من ضمرة. وقال أبو سعيد ابن يونس : كان فقيه أهل فلسطين في زمانه ، قدم مصر وحدّث بها وروى عنه من أهلها : عمر بن صالح ، وسعيد بن عفير ، ويحيى بن أبي بكير ، وتوفي بفلسطين في رمضان سنة ٢٠٢. وقال محمّد بن سعد :

٢٧١

كان ثقة مأمونا لم يكن هناك أفضل منه ، لا الوليد ولا غيره ، توفي سنة ٢٠٢. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة » (١).

وذكره الذهبي في ( الكاشف ) وأورد توثيق أحمد ومدح ابن يونس إياه (٢).

وأيضا ذكره في ( دول الإسلام ) وقال : « وكان من العلماء المكثرين » (٣).

وأمّا عبد الله بن شوذب : ففي ( الكمال ) : « عبد الله بن شوذب البلخي البصري ، سكن الشام ببيت المقدس ، عداده في التابعين ... روى عنه : أبو إسحاق الفزاري ، وضمرة بن ربيعة ، وعيسى بن يوسف ، وعبد الله بن المبارك وسلمة بن العيار الفزاري ، والوليد بن مزيد ، وأيوب بن سويد ، وإبراهيم بن أدهم ، وابن مسلم الحفاف الحلبي ، ومحمّد بن الكثير المصيصي.

قال سفيان الثوري : كان ابن شوذب عندنا وكنّا نعدّه من ثقات مشايخنا. وقال الوليد بن كثير : إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة ، وسئل عنه يحيى بن معين فقال : ثقة. وقال أحمد بن حنبل : لا أعلم به بأسا ـ وفي لفظ ـ لا أعلم إلاّ خيرا ، وهو من أهل بلخ ، نزل البصرة سمع بها الحديث وتفقه ، ثم انتقل إلى الشام فأقام بها ، وكان من الثقات. وقال أبو حاتم : لا بأس به. وقال ضمرة : مات سنة ١٥٦. روى له : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة » (٤).

وقال الذهبي : « وثّقه جماعة ، كان إذا رأي ذكرت الملائكة » (٥).

وقال ابن حجر : « صدوق عابد » (٦).

وفي ( تهذيب التهذيب ) : « قال أبو طالب عن أحمد : ابن شوذب من أهل

__________________

(١) الكمال في أسماء الرجال ـ مخطوط.

(٢) الكاشف ٢ / ٣٨.

(٣) دول الإسلام ـ حوادث ٢٠٢.

(٤) الكمال في أسماء الرجال ـ مخطوط.

(٥) الكاشف ١ / ٣٥٦.

(٦) تقريب التهذيب ١ / ٤٢٣.

٢٧٢

بلخ ، نزل البصرة ، وسمع بها الحديث وتفقّه وكتب ، ثم انتقل إلى الشام فأقام بها وكان من الثقات. وقال سفيان : كان ابن شوذب من ثقات مشايخنا. وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد : لا أعلم به بأسا. وقال مرة : لا أعلم إلاّ خيرا. وقال ابن معين وابن عمار والنسائي : ثقة. وقال أبو حاتم : لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال وليد بن كثير : كنت إذا نظرت إلى ابن شوذب ذكرت الملائكة ... قلت : ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وغيره ووثقه العجلي أيضا. وأما أبو محمّد ابن حزم فقال : إنه مجهول » (١).

وأما مطر الورّاق فذكره الحافظ أبو نعيم بقوله : « ومنهم العالم المشفاق والعامل المنفاق أبو رجاء مطر الوراق. حدّثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر قال : ثنا إسحاق بن أحمد قال : ثنا عبد الرحمن بن عمر بن رسته قال : ثنا أبو داود قال : ثنا جعفر بن سليمان قال : سمعت مالك بن دينار يقول : يرحم الله مطرا كان عبد العلم.

حدّثنا أبو حامد بن جبلة قال : ثنا محمّد بن إسحاق قال : ثنا العباس بن أبي طالب قال : ثنا الخليل بن عمر بن إبراهيم قال : سمعت عمي أبا عيسى يقول : ما رأيت مثل مطر في فقهه وزهده ».

حدّثنا أبو حامد بن جبلة قال : ثنا محمّد بن إسحاق قال : ثنا علي بن مسلم قال : ثنا سيار قال : ثنا جعفر بن سليمان قال : سمعت مالك بن دينار يقول : يرحم الله مطرا إني لأرجو له الجنة » (٢).

وأما شهر بن حوشب : فقال الحافظ عبد الغني المقدسي بترجمته : « شهر بن حوشب أبو سعيد ـ ويقال أبو عبد الله ، ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو الجعد ـ الأشعري الشامي الحمصي وقيل الدمشقي ... روى عنه : قتادة ، ومعاوية بن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٥٥ ـ ٢٦١.

(٢) حلية الأولياء ٣ / ٧٥ ـ ٧٦.

٢٧٣

قرة ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وشمر بن عطية ، وعبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي ، وعوف الأعرابي ، ويزيد بن أبي مريم السلولي ، وأبان بن صالح ، وداود بن أبي هند ، وعبد الله بن أبي زياد المكي ، وثعلبة بن مسلم الخثعمي ، وميمون بن سياه البصري ، وعبد الحميد بن بهرام ، وأشعث الحداني ، وثابت البناني ، وسماك بن حرب ، وسعيد بن عطية ، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وعبد العزيز بن عبيد الله ، والحكم بن لبان ، وبديل بن ميسرة ، وعبد العزيز ابن صهيب ، وحفص بن أبي حفص أبو معمر التميمي ، وأبو جعفر حماد بن جعفر البصري ، وليث بن أبي سليم ، ومستقيم بن عبد الملك ، ويزيد أبو عبد الله الشيباني ، وإبراهيم بن عبد الرحمن الشيباني ، وزيد العمي ، والحكم بن عتبة ، وعقبة بن عبد الله الرفاعي ، وعلي بن زيد بن جدعان ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبو كعب صاحب الحرير.

وقال عمرو بن علي : ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شهر بن حوشب وكان يحيى لا يحدث عنه. وسمعت معاذ بن معاذ يقول : ما نصنع بحديث شهر؟ إن شعبة ترك حديثه. وقال أحمد بن إسماعيل الكرماني عن أحمد بن حنبل : ما أحسن حديثه ووثقه وهو شامي من أهل حمص وأظنه كنديا ، روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسانا.

وقال أحمد بن عبد الله : هو تابعي ثقة. وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى : هو ثقة. وقال أبو حاتم : هو أحبّ إليّ من أبي هارون وبشر بن حرب وليس بدون أبي الزبير لا يحتج به. وقال أبو زرعة : لا بأس به ولم يلق عمرو بن عبسة ، وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : عبد الحميد بن بهرام أحاديثه مقاربة هي حديث شهر ، كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن ، وانما هي سبعون حديثا وهي طوال ومنها حروف ينبغي أن تضبط ولكن يقطعونها. وقال الترمذي قال أحمد بن حنبل : لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب. وقال محمد : شهر حسن الحديث وقوّى أمره وقال : إنما يتكلم فيه ابن عون ، ثم روى عن هلال بن أبي

٢٧٤

زينب عن شهر بن حوشب ، وقال محمّد بن عبد الله بن عمار ـ وسئل عن شهر بن حوشب فقال ـ روى عنه الناس وما أعلم أحدا قال فيه غير شعبة. قلت : يكون حديثه حجة؟ قال : لا.

وقال يعقوب بن شيبة : هو ثقة. وقال صالح بن محمّد البغدادي : شهر بن حوشب شامي قدم العراق على حجاج بن يوسف ، روى عنه الناس من أهل الكوفة وأهل البصرة ، وأهل الشام ، ولم يوقف منه على كذب ، وكان رجلا ينسك إلاّ أنه روى أحاديث يتفرد بها لم يشركه فيها أحد ، مثل حديث ثابت البناني عن شهر بن حوشب.

أخرج له مسلم مقرونا بغيره ، وأخرج له الجماعة إلاّ البخاري » (١).

وقال ابن حجر : « قال يعقوب بن شيبة قيل لابن المديني : تروي [ ترضى ] حديث شهر؟ فقال : أنا أحدّث عنه ، وكان عبد الرحمن يحدّث عنه ، وأنا لا أدع حديث الرجل إلاّ أن يجتمعا عليه يحيى وعبد الرحمن ـ يعني على تركه ـ وقال حرب ابن اسماعيل عن أحمد : ما أحسن حديثه ووثّقه وأظنه قال : هو كندي وروى عن أسماء أحاديث حسانا. وقال أبو طالب عن أحمد : عبد الحميد بن بهرام أحاديثه مقاربة هي أحاديث شهر كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن ، وقال حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال عثمان الدارمي : بلغني أن أحمد كان يثني على شهر ، وقال الترمذي قال أحمد : لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر ، وقال الترمذي عن البخاري : شهر حسن الحديث وقوى أمره وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين : ثقة. وقال عباس الدوري عن ابن معين : ثبت. وقال العجلي : شامي تابعي ثقة. وقال يعقوب بن شيبة : ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه. وقال يعقوب بن سفيان : وشهر وإن قال ابن عون تركوه فهو ثقة ... وقال أبو جعفر الطبري : كان فقيها قارئا عالما ، وقال أبو بكر البزار :

__________________

(١) الكمال في أسماء الرجال ـ مخطوط.

٢٧٥

لا نعلم أحدا ترك الرواية عنه غير شعبة ... » (١).

وقال الذهبي : « ... قال أبو عيسى الترمذي قال محمد ـ هو البخاري ـ شهر حسن الحديث وقوّى أمره. وقال أحمد بن عبد الله العجلي ثقة شامي ، وروى عياش عن يحيى : ثبت. وقال يعقوب بن شيبة : شهر ثقة طعن فيه بعضهم قال ابن عدي : شهر ممن لا يحتج به ولا يتديّن بحديثه.

قلت : ذهب إلى الاحتجاج به جماعة ، وقال حرب الكرماني عن أحمد ما أحسن حديثه ووثقه وهو حمصي ، وروى حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال الفوي : شهر وإن تكلم فيه ابن عون فهو ثقة » (٢).

وإذ قد عرفت توثيق هذه الكثرة من الأئمة لشهر بن حوشب فإنه يسقط عن الاعتبار أمام ذلك جرح بعضهم إياه.

على أنه قد تقرّر عندهم أن التعديل يترجح على الجرح ويجعله كأن لم يكن عند التعارض ، وممّن نصّ على ذلك أبو المؤيّد الخوارزمي ، وحكاه عن ابن الجوزي الذي قد نصّ على هذه القاعدة الكلية في كلام حول شهر بن حوشب الذي وقع في طريق حديث ، وإليك عبارة أبي المؤيّد الخوارزمي بعينها :

« والدليل على ما ذكرنا : إنّ التعديل متى ترجّح على الجحر يجعل الجرح كأن لم يكن ، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في ( كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ) في مواضع منه ، فقال في حديث المضمضة والاستنشاق الذي يرويه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه قال : المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلاّ بهما : فإن قال الخصم ـ أعني الشافعي رحمه‌الله فانه يراهما سنة فيهما ـ جابر الجعفي قد كذّبه أيوب السختياني وزائدة. قلنا : قد وثّقه سفيان الثوري وشعبة وكفى بهما.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٢.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٢٨٤.

٢٧٦

وقال في حديث الأذنان من الرأس فيما يرويه سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه قال : الأذنان من الرأس : فإن قال الخصم ـ أعني الشافعي فإنه يأخذ لهما ماء جديدا ـ إن سنان بن ربيعة مضطرب الحديث ، وشهر بن حوشب لا يحتج بحديثه. قال ابن عدي : ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه.

قلنا في الجواب : أمّا شهر بن حوشب فقد وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وأما سنان فاضطراب حديثه لا يمنع ثقته. إلى أن قال : وهكذا فعله غيره من علماء الحديث متى ترجح التعديل جعل الجرح كأن لم يكن ، فالذي يروي عن بعض المحدثين توثيقه لا يعتبر فيه طعن الطاعنين ... » (١).

ومن هنا أيضا يثبت وثاقة شهر عند ابن الجوزي أيضا.

بطلان ما ذكره ابن كثير حول صيام يوم الغدير

وأمّا قول ابن كثير ـ بالنسبة إلى ثواب صوم يوم غدير خم الوارد في رواية أبي هريرة ـ : « وكذا قوله إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل ستين شهر ، لا يصح ، لأنه قد ثبت معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر ، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا؟ هذا باطل » فلا يخفى بطلانه على من له أدنى خبرة بالأخبار ، إذ قد ورد له نظائر كثيرة ، نذكر هنا بعضها :

١ ـ فضل صوم السابع والعشرين من رجب

قال نور الدين الحلبي في ذكر مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وقيل : كان ذلك ليلة أو يوم السابع والعشرين من رجب. فقد أورد الحافظ

__________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٣٩.

٢٧٧

الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا ، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالرسالة ، وأول يوم هبط فيه جبرئيل. هذا كلامه » (١).

والعجب من الحلبي كيف يذكر الاعتراض على حديث أبي هريرة في صوم يوم الغدير بمثل ما ذكر ابن كثير ، وهو يروي مثله عن أبي هريرة في صوم يوم المبعث؟ نعم قد أمر في آخر كلامه بالتأمل ، وهذا نص كلامه : « وما جاء من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا ، قال بعضهم قال الحافظ الذهبي : هذا حديث منكر جدّا أي بل كذب ، فقد ثبت في الصحيح ما معناه إن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر ، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا. هذا باطل. هذا كلامه فليتأمل » (٢).

ترجمة الحافظ الدمياطي

والحافظ الدمياطي راوي حديث أبي هريرة في فضل صوم يوم المبعث ترجم له الحافظ الذهبي بقوله : « الدمياطي شيخنا الامام العلاّمة ، الحافظ الحجة الفقيه النسابة ، شيخ المحدثين ، شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن أبي الحسن اليوني الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف.

مولده في آخر سنة ٦١٣ ، تفقه بدمياط وبرع ، ثم طلب الحديث ... وكتب العالي والنازل وجمع فأوعى ، وسكن دمشق فأكثر بها من ابن مسلمة وغيره ، ومعجم شيوخه يبلغون ألفا وثلاثمائة إنسان. وكان حاذقا حافظا متقنا ، جيد العربية عزيز اللغة ، واسع الفقه ، رأسا في علم النسب ، ديّنا كيّسا متواضعا

__________________

(١) إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ١ / ٣٨٤.

(٢) نفس المصدر ٣ / ٣٣٧.

٢٧٨

نسّابا ، محبّبا إلى الطلبة ، مليح الصورة ، نقي النية ، كبير القدر ... وسمعت أبا الحجاج الحافظ ـ وما رأيت أحدا أحفظ منه لهذا الشأن ـ يقول : ما رأيت أحفظ من الدمياطي ... فتوفي في ذي القعدة سنة ٧٠٥. وكانت جنازته مشهودة. ومن علومه القراءات السبع ، تلا بها على الكمال العباسي الضرير » (١).

وهذا الحديث الذي رواه الدمياطي في فضيلة صيام السابع والعشرين من رجب قد رواه جماعة من أكابر أهل السنة ، قال الشيخ عبد القادر الجيلاني : « فصل في فضيلة صيام السابع والعشرين من رجب. أخبرنا الشيخ أبو البركات هبة الله السقطي قال : أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال : أخبرنا عبد الله بن محمّد بن علي بن بشر قال : أخبرنا علي بن عمر الحافظ [ قال ] أخبرنا أبو نصر حبشون بن موسى الخلال قال : أخبرنا علي بن سعيد الرملي قال : أخبرنا ضمرة بن ربيعة القرشي ، عن ابن مرزوق ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستّين شهرا ، وهو أول يوم نزيل فيه جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرّسالة » (٢).

وفي ( نزهة المجالس ) : « عن النبي صلّى الله عليه وسلّم : من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهرا » (٣).

بل لقد رووا أن من صام هذا اليوم كان كمن صام مائة سنة ، فقد قال الشيخ عبد القادر الجيلاني ، « أخبرنا هبة الله بإسناده عن أبي مسلم [ سلمة ] عن أبي هريرة وسلمان الفارسي ـ رضي الله عنهما ـ قالا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن في رجب يوما وليلة ، من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٧٧.

(٢) غنية الطالبين ٥٠١ ـ ٥٠٢.

(٣) نزهة المجالس ١ / ١٥٤.

٢٧٩

الأجر كمن صام مائة سنة وقامها ، وهي لثلاث بقين من رجب ، وهو اليوم الذي بعث فيه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم » (١).

وفي ( نزهة المجالس ) أيضا : « وعن أبي هريرة وسلمان الفارسي ـ رضي الله عنهما ـ قالا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إنّ في رجب يوما وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من الأجر كمن صام مائة عام وقامها ، وهي لثلاث بقين من رجب. حكاه الشيخ عبد القادر الكيلاني في الغنية » (٢).

وقال علي بن يحيى البخاري الزندويستي : « قال سلمان الفارسي قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في رجب ليلة ويوم ، من قام تلك الليلة وصام ذلك اليوم ، كان كمن صام مائة سنة ، وهو لثلاث بقين من رجب ، فيه بعث الله تعالى محمدا » (٣).

٢ ـ فضل صوم أيام شهر رجب

وفي ( غنية الطالبين ) حول فصل صيام واحد ويومين وثلاثة أيام من شهر رجب ما نصه : « فمن ذلك ما أخبرنا به الشيخ الامام هبة الله بن المبارك السقطي رحمه‌الله ، عن الحسن بن أحمد بن عبد الله المقري ، بإسناده عن هارون بن عنترة ، عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن شهر رجب شهر عظيم ، من صام منه يوما كتب الله تعالى له صوم ألف سنة ، ومن صام منه يومين كتب الله صوم ألفي سنة ، ومن صام منه ثلاثة أيام كتب الله تعالى له صوم ثلاثة آلاف سنة » (٤).

__________________

(١) غنية الطالبين ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

(٢) نزهة المجالس ١ / ١٥٤.

(٣) روضة العلماء ـ مخطوط.

(٤) غنية الطالبين ٤٨٣.

٢٨٠