نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

ذي الحجة سنة ٨٥٥ » (١).

٣ ـ السيوطي أيضا : « ... وكان إماما عالما علاّمة ... » (٢).

٤ ـ محمود بن سليمان الكفوي : « قاضي القضاة بدر الدين ... ذكر جلال الدين السيوطي في طبقات الحنفية المصرية في حسن المحاضرة ، قال ... » (٣).

٥ ـ الزرقاني المالكي : « ... وتفقه واشتغل بالفنون وبرع ... » (٤).

٦ ـ الأزنيقي : « ... وتفقه ، واشتغل بالفنون ، وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة ، وكان إماما عالما علامة بالعربية والتصريف وغيرهما ... » (٥).

٧ ـ وقال الكاتب الجلبي في شروح البخاري : « ومن الشروح المشهورة أيضا شرح العلامة بدر الدين ... فإن شرحه حافل كامل في معناه ، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه وهلمّ جرّا » (٦).

٨ ـ وقد احتج المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ) بكلمات العيني في مقابلة أهل الحق ، مع الثناء على شرحه للبخاري ـ عمدة القاري ـ وقال في حق العيني بأن تبحّره وغزارة علومه ومهارته في فن الحديث أشهر من أن يذكر.

وهنا يحق لنا أن نسأل المولوي حيدر علي وأمثاله فنقول : كيف يجوز التمسك بما قال العيني في مجال الردّ على الشيعة ، مع وصفه بالتبحر والمهارة والفقه والامامة وغير ذلك من الأوصاف الجليلة ـ ولا يجوز الالتفات إلى كلام له أو رواية له لحديث ينفع الشيعة فيما يذهبون إليه؟

__________________

(١) حسن المحاضرة ١ / ٤٧٣.

(٢) بغية الوعاة ٢ / ٢٧٥.

(٣) كتاب الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.

(٤) شرح المواهب اللدنية ١ / ٥٨.

(٥) مدينة العلوم للأزنيقي.

(٦) كشف الظنون ١ / ٥٤٨.

٢٤١

(١٧)

رواية السيوطي

وروى جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي حديث نزول آية التبليغ : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... ) في واقعة يوم غدير خم ، في فضل سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، وهذا نص عبارته في تفسير الآية المذكورة : « أخرج أبو الشيخ عن الحسن : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : إن الله بعثني برسالة ، فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذّبي ، فوعدني لأبلغنّ أو ليعذّبني ، فأنزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ).

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : لمّا نزلت ( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ). قال : يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع ، يجتمع عليّ الناس فنزلت : ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ).

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس : ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلّغ رسالته.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ). على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ). إن عليا مولى المؤمنين ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).

وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال : كنت عند ابن عباس فجاءه رجل

٢٤٢

فقال : إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للناس. فقال : ألم تعلم أن الله قال : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ). والله ما ورّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوداء في بيضاء » (١).

وجوه اعتبار هذه الرواية

ورواية السيوطي هذا الخبر في سبب نزول آية التبليغ في يوم غدير خم في كتاب ( الدر المنثور ) معتبرة من وجوه :

الأول : إن سياق كلام السيوطي ظاهر في أنه يرى أن هذا القول هو الحق من بين الأقوال في هذا المقام ، لأنه لم ينقل قولا آخر يخالفه في الدلالة ، أما قول الحسن فلا ينافي القول بنزولها يوم الغدير في فضل علي عليه‌السلام ، لأنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى بعثه برسالة فضاق صلّى الله عليه وسلّم بها ذرعا ... فأنزلت الآية ... فلم يبيّن في هذه الرواية حقيقة تلك الرسالة ، فلا تأبى الحمل على أنها كانت حول الامامة والخلافة ، ونصب أمير المؤمنين عليه‌السلام لها ، بل إن قوله صلّى الله عليه وسلّم : « فضقت بها ذرعا وعرفت الناس مكذبي » يؤيد هذا الحمل ويؤكّده.

وكذا الأمر بالنسبة إلى ما ذكره مجاهد ، وإلى الخبرين عن ابن عباس ، فإن هذه الأخبار أيضا لا تنافي خبر نزول الآية الكريمة في واقعة يوم غدير خم بوجه من الوجوه.

الثاني : إن كلام السيوطي في خطبة كتابه ( الدر المنثور ) صريح في أن الآثار المذكورة فيه في ذيل الآيات مستخرجة من الكتب المعتبرة ، وهذا نص عبارته : « الحمد لله الذي أحيا بمن شاء مآثر الآثار بعد الدثور ، ووفق لتفسير كتابه العزيز بما وصل إلينا بالاسناد العالي من الخبر المأثور ، وأشهد أن لا اله إلاّ الله وحده لا

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٢٤٣

شريك له ، شهادة تضاعف لصاحبها الأجور ، وأشهد أن سيدنا محمّدا عبده ورسوله الذي أسفر فجره الصادق فمحى ظلمات أهل الزيغ والفجور ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوى العلم المرفوع والفضل المشهور ، صلاة وسلاما دائمين على مرّ الليال والدهور.

وبعد ـ فلمّا ألّفت كتاب « ترجمان القرآن » وهو التفسير المسند عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم ، وقد تمّ بحمد الله في مجلدات ، وكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات ، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله ، فلخّصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر ، مصدّرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر ، وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور ، والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور ، ويعصمه عن الخطأ والزور ، بمنه وكرمه ، لأنه البر الغفور ».

الثالث : إن كتاب ( الدر المنثور ) من التفاسير الممدوحة المشهورة التي ذكرها ( الدهلوي ) في رسالته في ( أصول الحديث ) ، ذكره في عداد تفاسير ابن مردويه والديلمي وابن جرير ثم قال : وإن الدر المنثور للشيخ جلال الدين السيوطي أجمعها.

وقد صرّح صاحب ( منتهى الكلام ) بأن معنى « الشهرة » في هذا المقام هو الاعتبار والاعتماد عند العلماء الأعلام.

الرابع : إن السيوطي قد نصّ في مواضع عديدة من ( الدر المنثور ) على ضعف الخبر ، وهذا يدل على أنه لا يترك الحديث بحاله ، بل ينبّه على ضعفه إن كان ضعيفا عنده ، وعلى هذا الأساس يجوز لنا الاحتجاج بكل حديث يخرجه فيه ولا ينص على جرح له ، وقد ذكر هذا المعنى المولوي حيدر علي بالنسبة إلى حديث رواه الشيخ ابن بابويه الصدوق ولم يتعرض إلى جرح فيه.

وحينئذ نقول : إن السيوطي أخرج الروايتين الدالتين على نزول آية التبليغ

٢٤٤

في يوم الغدير ولم يقدح فيهما أصلا بنوع من الأنواع.

الخامس : لقد أكثر علماء الحديث والكلام من أهل السنة من الاستناد إلى أحاديث ( الدر المنثور ) والاحتجاج بها. ففي ( تنبيه السفيه ) لسيف الله بن أسد الله الملتاني ذكر ( الدر المنثور ) في سياق كتب مهمة ككتاب : الأسماء والصفات للبيهقي ، والمصنف لابن أبي شيبة ، والآثار للإمام محمّد الشيباني ، قائلا بأنها مصادر كتاب ( التحفة الاثنا عشرية ) من كتب أهل السنة.

وفي ( الشوكة العمرية ) لمحمّد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) ذكر ( الدر المنثور ) في كتب التفسير لأهل السنة ، المشتملة على الأخبار التفسيرية الواردة عن أمير المؤمنين وغيره من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

السادس : لقد زعم ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أن علماء أهل السنة ومحدثيهم مشهورون بالتقى والعدالة والديانة ، بخلاف الرواة في الفرق الأخرى ـ ولا سيما الشيعة ـ فإن جميعهم مطعونون ومجروحون عند أنفسهم (١).

أقول : وهذا الكلام ـ بغض النظر عمّا فيه من جميع نواحيه ـ فيه أعلى درجات التوثيق وأقصى مراتب التعديل لرواة أهل السنة ورجال أحاديثهم وأخبارهم ، وعلى هذا الأساس تسقط جميع المناقشات الصادرة من ( الدهلوي ) وغيره في أسانيد أحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، التي رواها المحدّثون من أهل السنة ، وأخرجها الأئمة والحفاظ في كتبهم المعتبرة ، ومنها حديث نزول آية التبليغ : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... ) في فضل سيدنا الأمير عليه‌السلام يوم الغدير ، فإنه حديث أخرجه جماعة كثيرة من كبار أئمة القوم ، عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وكفى الله المؤمنين القتال. والحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) التحفة. الباب الحادي عشر وفي جواب المطعن الثامن من مطاعن الصحابة.

٢٤٥

(١٨)

رواية محبوب العالم

وروى محمّد محبوب العالم ابن صفي الدين جعفر المعروف ببدر العالم نزول الآية المباركة : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... ) في يوم غدير خم بتفسير الآية في تفسير المشهورة ( تفسير شاهي ) حيث قال بعد ترجمة الآية ، ونقل رواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في معنى العصمة : « وفي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري : هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يوم غدير خم ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه وقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي رضي الله تعالى عنهم ».

وقد أورد هذه الرواية ولم يذكر رواية أخرى مخالفة لها.

اعتبار تفسير شاهي من كلام ( الدهلوي ) وغيره

وقد نص ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) على اعتبار ( تفسير شاهي ) ، ووصف الروايات الواردة فيه عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بأنها « مضبوطة » وهذا كلامه حيث قال بتعريف كتب الشيعة : « وأما التفاسير فمنها « التفسير » الذي ينسبونه إلى الامام الحسن العسكري عليه‌السلام ، رواه عنه ابن بابويه بإسناده عنه ، ورواه عنه غيره أيضا بإسناده ، مع تفاوت زيادة ونقصانا.

وإن أهل السنة أيضا يروون عن الامام المذكور وغيره من الأئمة في التفسير ، كما جاء في « الدر المنثور » ، وتلك الروايات مجموعة ومضبوطة في « تفسير

٢٤٦

شاهي » ، لكن ما يرويه الشيعة عن الأئمة لا يتطابق أبدا مع تلك الروايات » (١).

وبعد هذا المدح والثناء للتفسيرين المذكورين ، لا تسمع الخدشة في ثبوت هذا الحديث المذكور فيهما ، لأنه لا يكون إلاّ عن مكابرة واضحة.

كما ذكر تلميذه محمّد رشيد الدين خان الدهلوي « تفسير شاهي » مع تفسير الفخر الرازي ، في بيان أن تفاسير أهل السنة مليئة بالأخبار والروايات عن الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ومن هذا الكلام يتضح أن هذا التفسير من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنة. والعجب أنهم مع ذلك يقدحون في حديث نزول آية التبليغ المروي في « تفسير شاهي » ـ وتفسير الرازي أيضا ـ وينسون ما ذكروه في الثناء والاعتماد على التفسير المذكور!!

(١٩)

رواية الحاج عبد الوهاب البخاري

وروى الحاج عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع الدين أحمد نزول الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم حيث قال بتفسير قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : « عن البراء بن عازب رضي‌الله‌عنه قال في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي بلّغ من فضائل علي. نزلت الآية في غدير خم. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فقال عمر رضي‌الله‌عنه : بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. رواه أبو نعيم. وذكره أيضا الثعالبي في كتابه ».

__________________

(١) التحفة الاثنا عشرية. الباب الثالث : ١١١.

٢٤٧

ترجمة الحاج عبد الوهاب

والحاج عبد الوهاب البخاري من أكابر العلماء المشاهير من أهل السنّة ، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ في ( أخبار الأخيار ) (١).

وكذلك ترجم له السيد محمّد ابن السيد جلال ماه عالم في ( تذكرة الأبرار ). وقد توفي عبد الوهاب البخاري سنة : ٩٣٢.

(٢٠)

رواية جمال الدين المحدّث

ورواه عطاء الله بن فضل الله الشيرازي ، المعروف بجمال الدين المحدّث ، حيث قال بعد ذكر حديث الغدير : « أقول : أصل هذا الحديث ـ سوى قصة الحارث ـ تواتر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام. وهو متواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا. رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة.

فرواه ابن عباس ولفظه قال : لما أمر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به ، فانطلق النبي إلى مكة فقال : رأيت الناس حديثي عهد بكفر ، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه ، ثم مضى حتى قضى حجة الوداع ، ثم رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزّ وجلّ : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة ، ثم قام وأخذ بيد علي فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (٢)

__________________

(١) أخبار الأخيار : ٢٠٦. وتوجد ترجمته في كتاب نزهة الخواطر ٤ / ٢٢٣ وقد وصفه بقوله : « الشيخ الصالح » ولد سنة ٨٦٩. توفي سنة ٩٣٢.

(٢) كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ـ مخطوط.

٢٤٨

خطبة كتاب الأربعين

ويتّضح من كلام الجمال المحدّث في خطبة كتاب ( الأربعين ) اعتبار الأحاديث المخرجة فيه ، فإنه قال : « وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدّث الحسيني ، حسّن الله أحواله وحقّق بجوده العميم آماله : هذه أربعون حديثا في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين ويعسوب المسلمين ، ورأس الأولياء والصدّيقين ، ومبينّ مناهج الحق واليقين ، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب ، المتصدّق في المحراب ، فارس ميدان الطعان والضراب ، المخصوص بكرامة الأخوة والانتخاب ، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب ، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب ، المكنى بأبي الريحانتين وأبي تراب.

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

المشرف بمزيّة : من كنت مولاه فعلي مولاه ، المدعو بدعوة : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فكم كشف عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدة وبؤسى ، حتى خصّه بقوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وكم فرّج عنه من عمة وكربى حتى أنزل الله فيه ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ).

ثم زاده شرفا ورفعة ، ووفّر حظه من أقسام العلى توفيرا ، وإنما أنزل فيه وفي بنيه : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مظهر جسيمات المكارم ، ومظهر عميمات المنن ، الذي حبه وحب أولاده العظام وأحفاده الكرام من أوفى العدد وأوقى الجنن ، شعر :

أخو أحمد المختار صفوة هاشم

أبو السادة الغر الميامين مؤتمن

وصيّ إمام المرسلين محمد

علي أمير المؤمنين أبو الحسن

٢٤٩

هما ظهرا شخصين والنور واحد

بنص حديث النفس والنور فاعلمن

هو الوزر المأمول في كلّ حطّة

وإن لا تنجينا ولايته فمن؟

عليهم صلاة الله ما لاح كوكب

وما هزّ ممراض النسيم على فنن

وإن كانت مناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة ، بحيث لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستقصى ، كما ورد عن ابن عباس مرفوعا : لو أنّ الرياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. وروي : أن رجلا قال لابن عباس : سبحان الله ما أكثر مناقب علي بن أبي طالب! إني لأحسبها ثلاثة آلاف. قال : أولا تقول أنها إلى ثلاثين ألف أقرب؟

لكني اقتصرت منها على أربعين حديثا روما للاختصار ، ومراعاة لما اشتهر من سيد الأبرار وسند الأخيار محمّد المصطفى الرسول المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ترادف الليل والنهار وتعاقب العشى والابكار أنه قال : من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله تعالى فقيها عالما. وفي رواية : بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء. وفي رواية : كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء. وفي رواية : وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا وفي رواية : قيل له : أدخل من أي أبواب الجنة شئت.

جمعتها من الكتب المعتبرة على طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ».

(٢١)

رواية شهاب الدين أحمد

وروى شهاب الدين أحمد نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ذكر الآيات النازلة في حق أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال : « قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا )

٢٥٠

( الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).

وبالاسناد المذكور عن أبي الجارود إلى حمزة [ أبي جعفر ـ ظ ] قال : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) نزلت في شأن الولاية. وفي رواية أبي بكر ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليّا مولى المؤمنين و ( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) » (١).

وقد ذكر شهاب الدين أحمد في عنوان الباب الذي ذكر فيه الآيات النازلة في حق الامام عليه‌السلام : « الباب الثاني في فضله الذي نطق القرآن ببيانه ، وما نزل من الآيات في علو شأنه ـ اعلم أن الآيات بعضها وردت متفقا عليها في شأن هذا الولي النبي ، وبعضها قد اختلف فيها هل هي لغيره أم هي فيه ، فأنا أذكرهما كليهما ، معتمدا على ما رواه الصالحاني الامام ، وأسردهما كما ذكرها بإسناده برواية الحفّاظ الأعلام ، عن الحافظ أبي بكر ابن مردويه ، بإسناده إلى أفضل البشر مرفوعا ، أو جعله في التحقيق بالاعتزاء إلى الصحابي مشفوعا ، غير أني أذكر السور على ترتيب المصاحف في الآفاق ، وإن وافقه غيره من الأئمة في شيء أذكر ذلك الوفاق ».

عبارته في خطبة كتابه

وذكر في خطبة كتابه ما يدل على عظمة شأن هذا الكتاب ، وجلالة الأحاديث المروية فيه حيث قال : « واعلم أن كتابي هذا إن شاء الله تعالى خال عن موضوعات الفريقين ، حال بتحري الصدق وتوخّي الحق وتنحّي مطبوعات

__________________

(١) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ـ مخطوط.

٢٥١

الطريقين ».

وقال : « وخرّجت من كتب السنّة المصونة عن الهرج ودواوينها ، وانتهجت فيه منهج من لم ينتهج بنهج العوج عن قوانينها ، أحاديث حدث حديثها عن حدث الصدق في الأخبار ، ومسانيد ما حدث وضع حديثها بغير الحق في الأخبار. معزوة في كلّ فصل إلى رواتها ، مجلوّة في كلّ أصل عن تداخل غواتها ».

قال : « فيا أهل الانتصاب وجيل سوء الاصطحاب ، ويا شرّ القبيل ، لا تغلو في دينكم غير الحق ، ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلوا كثيرا ، وضلّوا عن سواء السبيل ، إن تجدوا في الكتاب ما وجدتكم على وجدانكم مخالفا لأمر الخلافة ، أو ترونه على رأيكم مناقضا للإجماع على تفضيل الصديق منبع الحلم والرأفة ، فلا تواضعوا رجما بالغيب في الحكم ، تحكما بوضع أخبار أخبر بها نحارير علماء السنة في فضائل مولانا المرتضى ، ولا تسارعوا نبذا في الجيب إلى إلقائها قبل تلقّيها ، فإنّها تلاقت قبول مشاهير عظماء الأمة من كل من اختار الحق وارتضى ...

والغرض في هذا الباب من تمهيد هذه القواعد ، أن لا يقوم بالرد لأخبار هذا الكتاب من كان كالقواعد ، فإنّ معظماتها في الصحاح والسنن ، ومروياتها مأثورات أصحاب الصلاح في السنن ».

(٢٢)

رواية البدخشاني

وروى الميرزا محمّد بن معتمد خان الحارثي البدخشاني نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير ، كما عرفت في تخريج رواية ابن مردويه ، ورواية عبد الرزاق الرسعني ، وهذا نص عبارته كاملة في هذا المقام :

٢٥٢

« الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرة جدا لا أستطيع استيعابها ، فأوردت في هذا الكتاب لبّها ولبابها ...

وأخرج ـ أي ابن مردويه ـ عن زر عن عبد الله رضي‌الله‌عنه قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليا مولى المؤمنين و ( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).

وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : لمّا نزلت هذه الآية ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه مثله ، وفي آخره : فنزلت ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال النبي : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب » (١).

ترجمة البدخشاني

والميرزا محمّد البدخشاني من أكابر مشاهير علماء أهل السنة ، وقد صرّح محمّد رشيد الدين خان الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) بأنه من عظماء أهل السنة ، وإن كتابه ( مفتاح النجا ) يدلّ كغيره من كتب عظماء أهل السنة ـ بزعمه ـ على موالاة أهل السنة لأهل البيت عليهم الصلاة والسّلام.

وذكر المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( إزالة الغين ) هذا الرجل من جملة علماء أهل السنة ، الذين يعتقدون بلعن يزيد بن معاوية عليه اللعنة وسوء العذاب.

* * *

__________________

(١) مفتاح النجا ـ مخطوط.

٢٥٣

دلالة نزول آية التبليغ في الغدير على الامامة

ثمّ إن نزول هذه الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم دليل على أنها إنّما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لتأكّد على لزوم تبليغه أمر خلافة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، وتوضّح المراد من حديث الغدير وما خطب به رسول الله في ذلك اليوم ، إذ أن قوله تعالى : ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يدل على عظمة شأن ما أمره تعالى بتبليغه ، بحيث أنه إن لم يبلّغه القوم فما بلغ الرسالة الإسلامية ، ولذهبت متاعبه وأعماله هباء منثورا ، وما ذلك إلاّ حكم الامامة الذي هو أصل عظيم من أصول الدين ، وبه يتم صلاح المسلمين في الدنيا والآخرة.

قال في ( بحار الأنوار ) : « إن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) مما يعين أن المراد بالمولى : الأولى والخليفة والامام ، لأن التهديد بأنه إن لم يبلّغه فكأنه لم يبلّغ شيئا من رسالاته ، وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام ، وبه

٢٥٤

يتبين للناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة ، وكان قبوله صعبا على الأقوام ، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ « المولى » مما يظن فيه أمثال ذلك ، فليس المراد إلاّ خلافته عليه‌السلام وإمامته ، إذ بها يبقى ما بلّغه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحكام الدين ، وبها ينتظم أمور المسلمين. وضغائن الناس لأمير المؤمنين عليه‌السلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين ، فلذا ضمن الله له العصمة من شرّهم » (١).

ثم إنه لمّا نزلت الآية المباركة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمر بتبليغ هذه الرسالة العظيمة مع ذلك التهديد ، ضاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ذرعا لأنه عرف أن الناس يكذّبونه. وذلك من جملة البراهين الواضحة على عظمة تلك الرسالة وصعوبة تقبّل بعض الصحابة إياها ، ولو كان من أمر بتبليغه من الأمور الفرعية السهلة ، أو كان مجرّد إيجاب محبّة أمير المؤمنين ومودّته لما ضاق بإبلاغه ذرعا ، ولما خاف تكذيب الناس إياه ، والحال أن جملة من روايات حديث الغدير تضمّنت هذه الجهات :

فعن كتاب ( مناقب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ) لابن مردويه بإسناده في شأن نزول آية التبليغ : « عن زيد بن علي قال : لمّا جاء جبرئيل عليه‌السلام بأمر الولاية ضاق النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك ذرعا وقال : قومي حديثو عهد بجاهلية فنزلت ».

وعنه بإسناده « عن ابن عباس قال : لمّا أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال ، فقال صلّى الله عليه وسلّم : يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ، ثم مضى بحجّة ، فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فأخذ بعضد علي ثم خرج إلى الناس. إلى آخر ما سيجيء فيما بعد إن شاء الله تعالى ».

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٨ / ٢٤٩.

٢٥٥

وقد رواه السيد جمال الدين المحدث الشيرازي كما عرفت.

وعرفت أيضا قول السيوطي : « أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول صلّى الله عليه وسلّم قال : إنّ الله بعثني رسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي ، فوعد ربي لأبلغنّ أو ليعذبني ، فأنزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ).

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : لمّا نزلت ( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال رسول الله : يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس! فنزلت ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) (١).

وما رواه ابن مردويه وغيره يفسر هذا الحديث ، لأن « الحديث يفسر بعضه بعضا » كما تقرر في علم أصول الحديث. ونص عليه الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) وقد تقدم ذكر عبارته سابقا.

فإن قيل : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحذر تكذيب الكفار والمشركين لا الصحابة.

قلنا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بتبليغ هذه الرسالة إلى المسلمين ، وقد كان الحاضرون في يوم الغدير كلهم مسلمين وصحابة له ، ومتى كان الكفار موجودين في الغدير حتى يخاف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكذيبهم؟!

فإن قيل : فقد كان من بين الصحابة منافقون.

قلنا : فذلك ما نقول به ، وقد كان أكثرهم كذلك ، ولو كانوا أقل من المؤمنين به والمخلصين له لما خاف وضاق بالتبليغ ذرعا ، ولما قال : « يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس » ، على أن اللفظ الذي رواه المحدث وابن مردويه صريح في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخاف صحابته المسلمين الذين وصفهم بأنهم حديثو عهد بالجاهلية ، ولو كان الذين يحذرهم كفرة لما وصفهم بهذا

__________________

(١) الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.

٢٥٦

الوصف.

فتلخص أن نزول الآية المباركة في الغدير ، وإن ما كان في ذلك اليوم ، دليل قطعي على الامامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، وأنه لم يكن ما أمر بتبليغه مجرد إيجاب مودة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الأمر الذي فعله من ذي قبل مرارا وتكرارا ، إما تصريحا باسمه وإما في ضمن إيجاب مودّة أهل البيت وذوي القربى ، من غير خوف وحذر ، مع كون الصحابة أقرب عهدا بالكفر والجاهلية.

لا يقال : فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بيّن أمر الخلافة قبل يوم الغدير ، وعيّن أمير المؤمنين عليه‌السلام لها ، فيلزم أن يكون من الرسالة غيرها.

لأن الغرض إثبات أن الأمر الذي أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغه في غاية العظمة والأهمية ، ولا يتصور غير الامامة والخلافة أمر آخر بهذه المثابة ، بحيث يخاف من تكذيب الصحابة ، وإن تبليغ هذا الأمر العظيم من ذي قبل لا ينافي تبليغه والتأكيد عليه في حجة الوداع وفي يوم الغدير ، مع أمور جديدة لم تقع من قبل ، وهي استخلافه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي والتنصيص على ذلك ، وأخذ البيعة على خلافته قرب وفاته ، وفي هذا المشهد العظيم المنقطع النظير.

* * *

٢٥٧
٢٥٨

(٢)

نزول قوله تعالى :

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

٢٥٩
٢٦٠