نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

محفوظا على الجمع والتأليف ، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتى فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد ... قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ : ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا ، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ.

قلت : بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم ، والاطلاع وجودة الفهم ، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم ، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كلّ طائل ...

وكان ابن عساكر المذكور ـ رضي‌الله‌عنه ـ حسن السيرة والسريرة ، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب : لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة ... ذكره الامام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال : إمام المحدّثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان والمعرفة التامة والثقة به ، وبه ختم هذا الشأن ... وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي : رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر » (١).

٦ ـ الأسنوي : « ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره ، إمام الشافعية ، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات ... كان رحمه‌الله ديّنا خيّرا حسن السمت مواظبا على الاعتكاف ... » (٢).

٧ ـ ابن قاضي شهبة : « علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين ، الحافظ الكبير ، ثقة الدين ، أبو القاسم ابن عساكر ، فخر الشافعية ، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم ، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة ، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة ، ورحل إلى بلاد

__________________

(١) مرآة الجنان حوادث ٥٧١.

(٢) طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦.

٢٢١

كثيرة ، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة ، تفقه بدمشق وبغداد ، وكان ديّنا خيّرا ... » (١).

(١٠)

الفخر الرازي

وذكر فخر الدين محمّد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ( تفسيره ) ، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية ، حيث قال : « العاشر ـ نزلت هذه الآية في فضل علي رضي‌الله‌عنه ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر رضي‌الله‌عنه فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي » (٢).

أقول : إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى ، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمّد بن علي الباقر عليه‌السلام ، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع ، فإنه كلام لا موجب له إلاّ المكابرة والعناد ، ويكفي في سقوطه أنه ردّ على الامام المعصوم أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

ولو قيل : إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين ، بل إنّ بعضهم كابن الجوزي في ( الموضوعات ) والسيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) وابن العرّاق في ( تنزيه الشريعة ) يجرحون فيهم والعياذ بالله.

__________________

(١) طبقات الشافعية ١ / ٣٤٥.

(٢) تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.

٢٢٢

قلنا : فما يقولون في حق صحابة يقولون بعدالتهم كابن عباس والبراء بن عازب ، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول ـ كما في تفسير النيسابوري ، وسنذكر عبارته ـ وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟

فالحاصل : إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والامام الباقر ، وإن كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصبا وعنادا.

ترجمة الرازي

وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد :

١ ـ فقد ترجم له ابن خلكان بقوله : « أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي ، التيمي ، البكري ، الطبرستاني [ الأصل ] الرازي المولد ، الملقب فخر الدين ، المعروف بابن الخطيب ، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده ، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل ، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة ، منها تفسير القرآن الكريم ، جمع فيه كل غريب وغريبة ، وهو كبير جدّا لكنه لم يكمله ... وكل كتبه ممتعة.

وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة ، فإن النّاس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين ، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه ، وأتى فيها بما لم يسبق إليه ، وكان له في الوعظ اليد البيضاء ، ويعظ باللسانين العربي والعجمي ، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء ، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ، ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة ، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة ، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام ... وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشدّ إليه الرحال من الأقطار ... » (١).

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١ ـ ٣٨٥.

٢٢٣

٢ ـ ابن الوردي : « الامام فخر الدين ... الفقيه الشافعي ، صاحب التصانيف المشهورة ، ومولده سنة ٥٤٣ ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي ، ويلحقه فيه وجد وبكاء ، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول ، قصد الكمال السمناني ، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي ، واشتغل عليهما ، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر ، وجرت الفتنة التي ذكرت ، واتّصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل ، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش ، وشدّت إليه الرّحال ، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد ... » (١).

٣ ـ اليافعي : « وفيها الامام الكبير ، العلاّمة النحرير ، الأصولي المتكلّم المناظر المفسر ، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق ، الحظّية في سوق الإفادة بالنفاق ، فخر الدين الرازي ... الملقب بالإمام عند علماء الأصول ، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين ، والمبطل بها بإقامة البراهين ، الطبرستاني الأصل ، الرازي المولد ، المعروف بابن الخطيب ، الشافعي المذهب ، فريد عصره ونسيج دهره ، الذي قال فيه بعض العلماء : خصّه الله برأي هو للغيب طليعة ، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة ، ومدحه الامام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي ...

فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل ، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة ... وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك ، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة ، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم ، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك ... » (٢).

٤ ـ محمّد الحافظ خواجة بارسا : « قال الامام النحرير ، المناظر المتكلّم

__________________

(١) تتمة المختصر حوادث سنة ٦٠٦.

(٢) مرآة الجنان حوادث سنة ٦٠٦.

٢٢٤

المفسر ، صاحب التصانيف المشهورة ، فخر الملة والدين الرازي ... في التفسير الكبير في قوله سبحانه : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيه لطيفة وهو : إن الرجس قد يزول عنّا ولا يطهر المحلّ ، فقوله سبحانه : ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب ، وقوله سبحانه : ويطهّركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا ، لا يكون بعده تلوّث » (١).

٥ ـ ابن قاضي شهبة : « محمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي ، العلامة سلطان المتكلّمين في زمانه ... المفسر المتكلم ، إمام وقته في العلوم العقلية ، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية ، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة ، ولد في رمضان سنة ٥٤٤ ، وقيل سنة ثلاث ، اشتغل أوّلا على والده ضياء الدين عمر ، وهو من تلامذة البغوي ، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمّد بن يحيى ، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد ، وقصده الطلبة من سائر البلاد ، وصنف في فنون كثيرة ... » (٢)

(١١)

رواية محمّد بن طلحة

وروى أبو سالم محمّد بن طلحة بن محمّد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال : « زيادة تقرير ـ نقل الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : أنزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير

__________________

(١) فصل الخطاب ـ مخطوط.

(٢) طبقات الشافعية ١ / ٣٩٦.

٢٢٥

خم في علي بن أبي طالب » (١).

ترجمة محمّد بن طلحة

وقد ترجم لمحمّد بن طلحة مشاهير علمائهم ، واصفين إيّاه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة ، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقّه حيث قال : « الكمال محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيسا محتشما بارعا في الفقه والخلاف ، ولّي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه ، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين ، وله دائرة الحروف ... » (٢).

(١٢)

رواية الرسعني

وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير ، قال محمّد بن معتمد خان البدخشاني : « أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : لما نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (٣).

__________________

(١) مطالب السئول في مناقب آل الرسول : ٤٤.

(٢) مرآة الجنان حوادث سنة ٦٥٢.

(٣) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط.

٢٢٦

ترجمة الرسعني

١ ـ الذهبي : « الرسعني العلاّمة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر ، المحدّث المفسّر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين ، وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا ، وصنف تفسيرا جيّدا ، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علما وفضلا وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر » (١).

٢ ـ الذهبي أيضا : « الرسعني الامام المحدّث الرحّال ، الحافظ المفسّر ، عالم الجزيرة ... عني بهذا العلم ، وجمع وصنف تفسيرا حسنا ، رأيته يروي فيه بأسانيده ، وصنّف كتاب مقتل الشهيد الحسين ، وكان إماما متقنا ذا فنون وأدب ، روى عنه ولده العدل شمس الدين ، والدمياطي في معجمه ، وغير واحد ، وبالاجازة أبو المعالي الأبرقوهي.

كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل ... وله شعر رائق ، ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير ، توفي سنة ٦٦١ » (٢).

٣ ـ ابن الجزري : « عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمّد الرسعني ، الامام العلاّمة ، المحدّث المقرئ ، شيخ ديار بكر والجزيرة ... » (٣).

٤ ـ السيوطي : « الرسعني الامام المحدّث الرحّال ، الحافظ المفيد ، عالم الجزيرة ، عز الدين أبو محمّد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري ، ولد برأس عين سنة ٥٨٩ ، وسمع الكندي وعدّة ، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيرا ، وكان إماما متقنا ذا فنون وأدب ، أجاز للدمياطي والأبرقوهي ،

__________________

(١) العبر حوادث ٦٦١.

(٢) تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٥٢.

(٣) طبقات القراء ١ / ٣٨٤.

٢٢٧

ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة ٦٦١ » (١).

٥ ـ وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه ، ففي باب التاء : « تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني ، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت : تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه : وفيه فوائد حسنة ، ويروى فيه الأحاديث بأسانيده » (٢).

وقال في باب الراء : « رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز ، للشيخ الامام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفى سنة ٦٦٠ » (٣).

وقال في باب الميم : « مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله ... وهو تفسير كبير حسن ، انتفاه السيوطي ، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة ٦٥٩ بدار الحديث المهاجرية بالموصل ... » (٤).

(١٣)

رواية النيسابوري

وأما رواية نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم ، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى

__________________

(١) طبقات الحفاظ : ٥٠٥.

(٢) كشف الظنون ١ / ٤٥٢.

(٣) المصدر ١ / ٩١٣.

(٤) المصدر ٢ / ١٧١٥.

٢٢٨

( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ ) إذ قال : « ثم أمر رسوله بأن لا ينظر إلى قلّة المقتصدين وكثرة المعاندين ، ولا يتخوف مكرهم [ مكروههم ] فقال. ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [ رضي‌الله‌عنه وكرّم الله وجهه ] يوم غدير خم ، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر وقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمّد بن علي.

وروى أنه صلّى الله عليه وسلّم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلّق سيفه عليها ، فأتاه أعرابي وهو نائم ، فأخذ سيفه واخترطه وقال : يا محمّد من يمنعك مني؟ فقال : الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده ، وضرب برأسه الشجر [ ة ] حتى انتثر دماغه ونزل ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).

وقيل : لما نزلت آية التخيير : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) فلم يعرضها عليهن خوفا من اختيارهن الدنيا نزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ).

وقيل : نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.

وقيل : لمّا نزل : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) سكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عيب آلهتهم فنزلت ، أي : بلّغ معايب آلهتهم ولا تخفها.

وقيل : إنه صلّى الله عليه وسلّم لمّا بيّن الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال : هل بلغت؟ قالوا : نعم. فقال صلّى الله عليه وسلّم : اللهم اشهد. فنزلت.

وقيل : نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين.

وقال الحسن : إن نبي الله قال : لمّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا ، وتخوّفت أن من الناس من يكذّبني ، واليهود والنصارى يخوّفونني ، فنزلت الآية. فزال الخوف.

٢٢٩

وقالت عائشة : سهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقلت : يا رسول الله ما شأنك؟ قال : ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قالت : فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح ، فقال من هذا؟ قال : سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى سمعت غطيطه ، فنزلت هذه الآية ، فأخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه من قبة أدم فقال : انصرفوا أيّها الناس ، فقد عصمني الله.

وعن ابن عباس : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرس ، فكان يرسل معه أبو طالب كلّ يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه ، حتى نزلت هذه الآية ، فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسونه فقال : يا عمّاه إن الله تعالى قد عصمني من الجنّ والإنس » (١).

أقول : نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير ، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الصحيح من بين الأقوال ، ولذا قدّم هذا القول على سائر الأقوال ، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والامام الباقر عليه‌السلام ، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل.

ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدّما على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له : أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاما في موضوع ، ثم نسب إليه إختيار الأول منهما ، لذكره إياه مقدّما على القول الآخر ، وهذا كلام رشيد الدين في ( إيضاح لطافة المقال ) :

« وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق ، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد : ثم قيل : لا يفضّل أحد بعد الصحابة إلاّ بالعلم والتقوى ، وقيل : فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم ،

__________________

(١) تفسير النيسابوري ٦ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

٢٣٠

إلاّ أولاد فاطمة عليهما‌السلام ، فإنهم يفضّلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان ، لقربهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لأنهم العترة الطاهرة والذريّة الطيّبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

وتفيد هذه العبارة ـ من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق ـ أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد ، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد ».

الاعتماد على النيسابوري وتفسيره

وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله : « غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير ، للعلامة نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري ، المعروف بالنظام الأعرج ... » (١).

وعدّه المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه ( مرافض الروافض ) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان ، واصفا إياها بالكتب المعتبرة.

وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم ، من ذلك استناد ( الدهلوي ) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة (٢).

ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ) ، في كلامه حول حديث ارتداد الاصحاب بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذبّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم إيّاهم عن الحوض.

__________________

(١) كشف الظنون ٢ / ١١٩٥.

(٢) التحفة. باب المطاعن : ٢٧٢.

٢٣١

كلام النيسابوري في خطبة تفسيره

كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضا في خطبته ، إذ قال :

« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين ، والفضلاء المحققين ، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين ، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره ، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه ، نقلا وعقلا وأخذا واجتهادا ، فتباعدت مطامح همّاتهم ، وتباينت مواقع نياتهم ، وتشعّبت مسالك أقدامهم ، وتفننت مقاطر أقلامهم ، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز ، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم ، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل ، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل ، إلاّ من عصمه الله وإنه لقليل ، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين ، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج ، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.

وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة ، كما اشتهر ـ بحمد الله تعالى ومنّه ـ فيما بين أهل الزمان ، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان ، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان ، وطالما طالبني بعض أجلّة الإخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشارا عندهم بالبنان في البيان ، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم ، أن أجمع كتابا في علم التفسير مشتملا على المهمّات ، مبنيّا على ما وقع إلينا من نقل الإثبات وأقوال الثقات ، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين ، جعل الله تعالى سعيهم مشكورا

٢٣٢

وعملهم مبرورا ، استعنت بالمعبود وشرعت في المقصود ، معترفا بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون ، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون ، كيف وقد قال عز من قائل ( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً )؟ وكفى بالله وليا وكفى بالله وكيلا.

ولمّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل ، الحبر النحرير والبحر الغزير ، الجامع بين المعقول والمنقول ، الفائز بالفروع والأصول ، أفضل المتأخرين ، فخر الملة والحق والدين ، محمّد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي ، تغمّده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه ، اسمه مطابق لمسماه ، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى ، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى ، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين ، وأعوز تحصيله على الراغبين.

حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه ، وقربت مسالك أقدامه ، والتقطت عقود نظامه ، من غير إخلال بشيء من الفوائد ، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد ، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات ، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة ، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات ، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات ، مع إصلاح ما يجب إصلاحه ، وإتمام ما ينبغي إتمامه ، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات ، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات ، سوى الأبيات المعقّدات ، فإن ذلك يوردها من ظنّ أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات ، كلاّ ، فإنّ القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه ، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات ، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات ، وذكرت طرفا من الإشارات المقنعات ، والتأويلات الممكنات ، والحكايات المبكيات ، والمواعظ الرداعة عن المنهيات ، الباعثة على أداء الواجبات.

٢٣٣

والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أوّلا مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع ، يشتمل على إبراز المقدّرات وإظهار المضمرات ، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات ، وتحقيق المجازات والاستعارات ، فإنّ هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات ، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات ، وقلّما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية ، فضلا عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية ، واجتهدت كلّ الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد ، ووضعت الجميع على طرف الثمام ، ليكون الكتاب كالبدر في التمام ، وكالشمس في إفادة الخاص والعام ، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك ، ويبدد نظام الكلام ، فخير الكلام ما قل ودل ، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحل ، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان ، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان ، وخزائن البر والامتنان ، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن ».

(١٤)

رواية الهمداني

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ ، في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام في واقعة يوم غدير خم : « عن البراء بن عازب رضي‌الله‌عنه قال : أقبلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع ، فلمّا كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة ، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة ، وأخذ بيد علي وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. فقال : ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي‌الله‌عنه فقال : هنيئا لك يا علي بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وفيه نزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )

٢٣٤

الآية » (١).

ترجمة الهمداني وخطبة كتابه

والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الرّبانيين ، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين ، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف ، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره ، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

وأما كتابه ( مودة القربى ) فقد مدحه مؤلّفه في خطبته ، وبيّن اعتباره وشأنه بقوله : « وبعد ، فقد قال الله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أحبّوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلمّا كان مودة آل النبي مسئولا عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى ، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين ، وموجب وصولهم إليه وإلى آله عليهم‌السلام كما قال عليه‌السلام : من أحبّ قوما حشر في زمرتهم. وأيضا قال عليه‌السلام : المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبّة الرسول ومودة أهل بيت البتول ، وهذه لا تحصل إلاّ بمعرفة فضائله وفضائل آله عليهم‌السلام ، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخباره عليه‌السلام.

ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة ، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلاّ قليلا ، فلذا ـ وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني ـ أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم ، مختصرا موسوما بكتاب ( المودة في القربى ) تبركا بالكلام القديم ، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم ، وطويته على أربع عشرة مودة ، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل ، ولم يحوّل قلمي إلى ما لم ينقل ، بحق محمّد ومن اتبعه من أصحاب الدّول ».

__________________

(١) مودة القربى. أنظر ينابيع المودة : ٢٤٩.

٢٣٥

(١٥)

رواية ابن الصباغ

وروى نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه ( الفصول المهمة ) حيث قال :

« روى الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول ، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب » (١).

ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه

وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية ، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين ، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته ، ويصفونه ـ وهم ناقلون عنه ـ بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ).

وفي ( نزهة المجالس ) : « ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي : إن عليا ولدته أمه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى » (٢).

وعبّر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي بـ « الشيخ الامام علي ابن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » في كلام له حول حكم الخنثى

__________________

(١) الفصول المهمة في معرفة الأئمة : ٤٢.

(٢) نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

٢٣٦

وهذا نصه : « قلت : وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت ، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي ، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين ، ولد لبطنها وولد لظهرها ، وخلّفت تركة كثيرة ، وأن علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث واختلفت أحكامهم ، فمنهم من قال : يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال : يقتسمان التركة. ومنهم من قال : توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة ، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك.

وبعد الاتفاق به بسنتين ، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » (١).

وذكر محمّد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب ( الفصول المهمة ) ناسبا إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي ، ومصرّحا بكونه من كتب أهل السنة المؤلّفة في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

كما ذكر عبد الله بن محمّد المدني والمطيري شهرة ، الشافعي مذهبا ، الأشعري اعتقادا ، والنقشبندي طريقة ـ كتاب ( الفصول المهمة ) في خطبة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) حيث قال :

« أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمّد المطيري شهرة المدني حالا : هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ، جمعت فيه ما اطّلعت عليه مما ورد في هذا الشأن ، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان ، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب ».

__________________

(١) ذخيرة المآل ـ مخطوط.

٢٣٧

(١٦)

رواية العيني

وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ). في واقعة يوم الغدير ، في شرحه على صحيح البخاري ، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه : « ص ـ باب ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ).

ش ـ أي هذا باب من قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ ) ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجادة قال : ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد قال : نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

وقال مقاتل : قوله بلّغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء ، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون : أتريد يا محمّد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى حنانا. فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك سكت عنهم ، فحرّض الله تعالى نبيه عليه‌السلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء.

وقال الزمخشري : نزلت هذه الآية بعد أحد.

وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لما بعثني الله عزّ وجلّ برسالته ضقت بها ذرعا ، وعرفت أن من الناس من يكذّبني ـ وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى ـ فنزلت.

وقيل : نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة.

وقيل : نزلت في الجهاد ، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضا بعض

٢٣٨

المؤمنين ، وكان النبي عليه‌السلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم ، فنزلت.

وقيل : بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ، في أمر زينب بنت جحش ، وهو مذكور في البخاري.

وقيل : بلّغ ما أنزل إليك في أمر نسائك.

وقال أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين : معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فلمّا نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقيل : بلّغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين ، فلمّا نزلت هذه الآية خطب عليه‌السلام في حجة الوداع ، ثم قال : اللهم هل بلغت؟

وعند ابن الجوزي : بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص » (١).

هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام ، وقد رأيت أنه قد قدّم القول بنزولها في فضل علي عليه‌السلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر ، الأمر الذي يدلّ على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم ... ثمّ إنّه عاد وذكر قول سيدنا الامام الباقر عليه‌السلام وهو القول الفصل ، والحمد لله ربّ العالمين.

ترجمة البدر العيني

١ ـ شمس الدين السخاوي : « محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود ، القاضي بدر الدين أبو محمد ـ وقيل أبو الثناء ـ ابن القاضي شهاب الدين ، الحلبي الأصل ، العنتابي المولد ، القاهري الحنفي. أحد الأعيان ، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر ، وذلك ـ كما قرأته

__________________

(١) عمدة القاري ـ شرح صحيح البخاري ١٨ / ٢٠٦.

٢٣٩

بخطّه ـ في سابع عشر رمضان سنة ٧٦٢ ، فنشأ بها ، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار ...

وكان إماما عالما علاّمة ، عارفا بالتصريف والعربية وغيرهما ، حافظا للتاريخ واللغة ، كثير الاستعمال لها ، مشاركا في الفنون ، لا يمل من المطالعة والكتابة ، كتب بخطه جملة من الكتب ، وصنّف الكثير ، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه ، وقلمه أجود من تقريره ، وكتابته طريفة حسنة من السرعة ...

وحدّث وأفتى ودرّس ، مع لطف العشرة والتواضع ، واشتهر اسمه وبعد صيته ، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب ، وممن سمع عليه من القدماء : الكمال الشمني ، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه ، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة ٨٠٢ صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه ، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات ...

وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال : وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم ، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة ـ انتهى.

وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم ، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين ، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه ... » (١).

٢ ـ السيوطي : « العيني قاضي القضاة ... تفقّه واشتغل بالفنون ، وبرع ومهر ، ودخل القاهرة وولي الحسبة مرارا ، وقضاء الحنفية ، وله تصانيف منها : شرح البخاري ، وشرح الشواهد ، وشرح معاني الآثار ، وشرح الهداية ، وشرح الكنز ، وشرح المجمع ، وشرح درر البحار ، وطبقات الحنفية ، وغير ذلك. مات في

__________________

(١) الذيل الطاهر للسخاوي ـ مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنوار رحمه‌الله.

٢٤٠