نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٨

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

« الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري. وأبو بكر الشيرازي في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه‌السلام بالإسناد عن ابن عباس. والمرزباني في كتابه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب » (١).

ترجمة أبي بكر الشيرازي

١ ـ الذهبي : « الشيرازي الإمام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن ابن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي صاحب كتاب الألقاب. سمع أبا القاسم الطبراني بإصبهان ، وأبا بحر البربهاري وطبقته ببغداد ، وعبد الله بن عدي بجرجان ، ومحمد بن الحسن السّراج بنيسابور ، وعبد الله بن عمر بن علك بمرو ، وسعيد بن القاسم المطّوعي ببلاد الترك ، ومحمّد بن محمّد بن صابر ببخارى ، وسمع بالبصرة وواسط وشيراز وعدة مدائن.

روى عنه : محمّد بن عيسى الهمداني ، وأبو مسلم بن عروة ، وحميد بن المأمون ، وآخرون.

قال شيرويه نا عنه أبو الفرج البجلي. قال : كان صدوقا حافظا ، يحسن هذا الشأن جيّدا. خرج من عندنا سنة ٤٠٤ الى شيراز. وأخبرت أنه مات في سنة ٤١١. وذكره جعفر المستغفري فقال : كان يفهم ويحفظ ، كتبت عنه ... » (٢).

٢ ـ الذهبي : « وفيها توفي أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن الحافظ مصنّف الألقاب. كان أحد من عني بهذا الشأن ، وأكثر الترحال في البلدان ، ووصل إلى بلاد الترك ، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة :

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٧ / ١٥٥ عن المناقب لابن شهر آشوب.

(٢) تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٦٥ ـ ١٠٦٦.

٢٠١

مات في شوال » (١).

٣ ـ اليافعي : « وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي مصنف كتاب الألقاب » (٢).

٤ ـ السيوطي : « الشيرازي صاحب الألقاب ، الامام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد بن موسى الفارسي. سمع الطبراني وطبقته. وكان صدوقا حافظا يحسن هذا الشأن جيّدا. مات سنة ٤٠٧ قال جعفر المستغفري : كان يفهم ويحفظ ... » (٣).

(٣)

رواية ابن مردويه

وروى ذلك أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني كما علمت من عبارة ( الدر المنثور ) السالفة الذكر.

وفيه أيضا : « وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إنّ عليا مولى المؤمنين و ( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) » (٤).

وستعلم روايته أيضا من عبارة البدخشي الآتية.

__________________

(١) العبر حوادث ٤٠٧.

(٢) مرآة الجنان حوادث ٤٠٧.

(٣) طبقات الحفاظ : ٤١٥.

(٤) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٢٠٢

ترجمة ابن مردويه

١ ـ الذهبي : « ابن مردويه الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الاصفهاني صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك.

روى عن أبي سهل بن زياد القطان ، وميمون بن إسحاق الخراساني ، ومحمّد بن عبد الله بن علم الصفار ، وإسماعيل الخطبي ، ومحمّد بن علي بن دحيم الشيباني ، وأحمد بن عبد الله بن دليل ، وإسحاق بن محمّد بن علي الكوفي ، ومحمد ابن أحمد بن علي الأسواري ، وأحمد بن عيسى الخفاف ، وأحمد بن محمّد بن عاصم الكراني ، وطبقتهم.

وروى عنه : أبو القاسم عبد الرحمن بن مندة ، وأخوه عبد الوهاب ، وأبو الخير محمّد بن أحمد ، وأبو منصور محمّد بن سكرويه ، وأبو بكر محمّد بن الحسن ابن محمّد بن سليم ، وأبو عبد الله الثقفي ، وأبو مطيع محمّد بن عبد الواحد المصري ، وخلق كثير.

وعمل المستخرج على صحيح البخاري ، وكان قيّما بمعرفة هذا الشأن ، بصيرا بالرجال ، طويل الباع ، مليح التصانيف.

ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠. يقع عواليه في الثقفيات وغيرها » (١).

٢ ـ الذهبي أيضا : « وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه ، أبو بكر الحافظ الاصبهاني ، صاحب التفسير والتاريخ والتصانيف ، لست بقين من رمضان ، وقد قارب التسعين ، سمع بأصبهان والعراق ، وروى عن أبي سهل ابن زياد القطان وطبقته » (٢).

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٥٠.

(٢) العبر حوادث ٤١٠.

٢٠٣

٣ ـ السيوطي : « ابن مردويه الحافظ الكبير العلاّمة ... كان قيّما بهذا الشأن ، بصيرا بالرجال ، طويل الباع ، مليح التصانيف ، ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ » (١).

٤ ـ الزرقاني : « أبو بكر الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني الثبت [ اللبيب ] العلامة. ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ، وصنف التاريخ والتفسير المسند والمستخرج على البخاري ، وكان فهما بهذا الشأن ، بصيرا بالرجال طويل الباع ، مليح التصنيف ، مات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ ... » (٢).

وتظهر جلالة الحافظ ابن مردويه من كلام لابن قيّم الجوزية حول حديث بني المنتفق حيث قال بعد أن ذكره ما هذا نصه : « هذا حديث كبير جليل ، ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة ، لا يعرف إلاّ من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني ، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري ، وهما من كبار أهل المدينة ، ثقتان يحتج بهما في الصحيح ، احتج بهما إمام الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري ، رواه أئمة السنّة في كتبهم وتلقّوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد ، ولم يطعن أحد منهم فيه ، ولا في أحد من رواته.

فممّن رواه الامام ابن الامام أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي كتاب السنة ...

ومنهم الفاضل الجليل أبو بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل في كتاب السنّة له.

ومنهم الحافظ أبو أحمد بن أحمد بن ابراهيم بن سليمان العسّال في كتاب المعرفة.

ومنهم حافظ زمانه ومحدث أوانه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب

__________________

(١) طبقات الحفاظ : ٤١٢.

(٢) شرح المواهب اللدنية ١ / ٦٨.

٢٠٤

الطبراني في كثير من كتبه.

ومنهم الحافظ أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن حيان أبو الشيخ الاصبهاني في كتاب السنّة.

ومنهم الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيى ابن مندة حافظ أصبهان.

ومنهم الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.

ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الاصبهاني.

وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم » (١).

وتظهر جلالته أيضا من عبارة لتاج الدين السّبكي فإنه قال في ( طبقاته ) :

« فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة : أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وعلي المرتضى ...

ومن طبقة أخرى من التابعين : أويس القرني ...

... أخرى : وأبي عبد الله بن مندة ، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير ، وأبي عبد الله الحاكم ، وعبد الغني بن سعيد الازدي ، وأبي بكر بن مردويه ...

فهؤلاء مهرة هذا الفن ، وقد أغفلنا كثيرا من الأئمة ، وأهملنا عددا صالحا من المحدّثين ، وإنما ذكرنا من ذكرناه لننبّه بهم على من عداهم ، ثم أفضى الأمر إلى طيّ بساط الأسانيد رأسا وعدّ الإكثار منها جهالة ووسواسا » (٢).

وهذه العبارة تدل على جلالة ابن مردويه من وجوه عديدة لا تخفى.

كما تظهر جلالته من وصفهم إياه بالحفظ ، فقد قال السمعاني بترجمة حمزة

__________________

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.

(٢) طبقات الشافعية ١ / ٣١٧.

٢٠٥

ابن الحسين المؤدب الاصبهاني : « روى عنه أبو بكر ابن مردويه الحافظ » (١).

وقال ابن كثير حول حديث الطائر : « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة ، ومنهم أبو بكر ابن مردويه الحافظ ، وأبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي » (٢).

وقال الكاتب الجلبي : « تفسير ابن مردويه هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهاني المتوفى سنة ٤١٠ » (٣).

« الحافظ » في الاصطلاح

ثم إنّ « الحافظ » من الألقاب الجليلة في اصطلاح علماء الحديث ، قال الشيخ علي القاري : « الحافظ ـ المراد به حافظ الحديث لا القرآن. كذا ذكره ميرك ، ويحتمل أنه كان حافظا للكتاب والسنّة.

ثم الحافظ في اصطلاح المحدّثين من أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا ... » (٤).

وفي ( لواقح الأنوار ) بترجمة السيوطي : « وكان الحافظ ابن حجر يقول : الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمّي حافظا هي : الشهرة بالطلب : والأخذ من أفواه الرجال ، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم وتمييز الصحيح من السقيم ، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره ، مع استحفاظ الكثير من المتون ، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ ».

وقال البدخشي : « الحافظ ـ يطلق هذا الاسم على من مهر في فن الحديث بخلاف المحدّث » (٥).

__________________

(١) الأنساب ـ الاصبهاني.

(٢) تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٣.

(٣) كشف الظنون ١ / ٤٣٩.

(٤) جمع الوسائل في شرح الشمائل : ٧.

(٥) تراجم الحفاظ ـ مخطوط.

٢٠٦

ومن شواهد جلالة ابن مردويه : إن شمس الدين محمّد ابن الجزري ذكره في عداد مشاهير الأئمة ، وكبار علماء الحديث الذين روى عنهم في كتابه ( الحصن الحصين ) ، مع أصحاب الصحاح والمسانيد وسائر الكتب المعتبرة وجعل رمزه « مر » ، وذكر في خطبة كتابه ما نصه : « فليعلم أني أرجو أن يكون جميع ما فيه صحيحا » (١).

كما أن ( الدهلوي ) نفسه ذكر تفسير ابن مردويه في ( رسالة أصول الحديث ) في عداد تفاسير الديلمي وابن جرير وغيرهم ، وقدّمه عليها في الذكر ، وهذا يدلّ على أن تفسير ابن مردويه من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنّة.

(٤)

رواية الثعلبي

روى أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي نزول الآية الكريمة : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... ) في يوم غدير خم في تفسيره حيث قال :

« قال أبو جعفر محمّد بن علي : معناه : بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب ، فلمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

أخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري ، أنا أبو بكر محمّد بن عبد الله ابن محمد ، نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي ، نا حجاج بن منهال نا حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال : لمّا نزلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع كنا بغدير خم فنادى : إن الصلاة جامعة ، وكسح

__________________

(١) الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين بشرح القاري : انظر ٢٠ و ٢٥.

٢٠٧

للنبي صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرتين ، فأخذ بيد علي فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى. قال : هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال : فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

أخبرني أبو محمّد عبد الله بن محمّد القائني ، نا أبو الحسين محمّد بن عثمان النصيبي ، نا أبو بكر محمّد بن الحسن السبيعي ، نا علي بن محمّد الدهان والحسين ابن إبراهيم الجصاص ، نا حسين بن حكم ، نا حسن بن حسين عن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. قال : نزلت في علي ، أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبلّغ فيه فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).

ترجمة الثعلبي

وقد ذكرت ترجمة أبي إسحاق الثعلبي وآيات عظمته وجلالته ووثاقته في المنهج الأول من الكتاب ، في الجواب عن شبهات ( الدهلوي ) حول الاستدلال بقوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ).

كما ستأتي ترجمته في الدليل السادس من أدلة دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه‌السلام ، وستقف هناك على كلمات الثناء التي قالها والد ( الدهلوي ) في حق الثعلبي.

كما يتضح من عبارة الثعلبي في خطبة تفسيره عظمة هذا التفسير واعتباره.

__________________

(١) الكشف والبيان في تفسير القرآن ـ مخطوط.

٢٠٨

(٥)

رواية أبي نعيم

وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني نزولها في واقعة يوم غدير خم في كتاب ( ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام ). وقد ذكر روايته الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) نقلا عن الشيخ علي المتخلص بحزين ، وتلك الرواية هي بإسناده « عن علي بن عامر [ عياش ] عن أبي الجحاف والأعمش عن عطية قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في علي بن أبي طالب : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ).

وقد ذكر مثل هذه الرواية الحاج عبد الوهاب بن محمّد عن الحافظ أبي نعيم كما سيجيء.

ترجمة أبي نعيم

١ ـ ابن خلكان : « الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الاصبهاني ، الحافظ المشهور ، صاحب كتاب حلية الأولياء. كان من أعلام المحدّثين ، وأكابر الحفاظ الثقات ، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به. وكتاب الحلية من أحسن الكتب ، وله كتاب تاريخ أصبهان ... وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان. رحمه الله تعالى » (١).

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٢٦.

٢٠٩

٢ ـ الصلاح الصفدي : « أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران ، أبو نعيم الحافظ ، سبط محمّد بن يوسف بن البناء الاصفهاني ، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين ، له العلوّ في الرواية والحفظ والفهم والدراية ، وكانت الرّحال تشدّ إليه ، أملى في فنون الحديث كتبا سارت في البلاد وانتفع بها العباد ، وامتدت أيامه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد ، وتفرّد بعلوّ الأسناد ...

وكان أبو نعيم إماما في العلم والزهد والدّيانة ، وصنف مصنفات كثيرة منها : حلية الأولياء ، والمستخرج على الصحيحين ـ ذكر فيها [ فيه ] أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلما ، وأحاديث علا عليهما فيها كأنهما سمعاها منه ، وذكر فيها حديثا كأن البخاري ومسلما سمعاه ممّن سمعه منه ودلائل النبوة ، ومعرفة الصحابة ، وتاريخ بلده ، وفضائل الصحابة ، وصفة الجنّة ، وكثيرا من المصنفات الصغار.

وبقي أربعة عشر سنة بلا نظير ، لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ولا أحفظ ، ولمّا كتب كتاب الحلية إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار ... » (١).

٣ ـ الخطيب التبريزي : « أبو نعيم الاصفهاني هو : أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الاصفهاني صاحب الحلية ، هو من مشايخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم ، كبير القدر ، ولد سنة ٣٣٤ ومات في صفر سنة ٤٣٠ باصفهان وله من العمر ٩٦ سنة رحمه الله تعالى » (٢).

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

(٢) رجال المشكاة الإكمال في أسماء الرجال ط مع المشكاة ٣ / ٨٠٥.

٢١٠

(٦)

رواية الواحدي

وروى ذلك أيضا أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ، وعنه في ( مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ) و ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ) وهذا نص ما جاء في ( أسباب النزول ) له : « قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال الحسن : إن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لمّا بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعا ، وعرفت أن من الناس من يكذّبني ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهاب قريشا واليهود والنصارى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرنا أبو سعيد محمّد بن علي الصفار قال : أنا الحسن بن أحمد المخلدي قال : أنا محمّد بن حمدون بن خالد ، أنا محمّد بن إبراهيم الحلواني [ الخلواتي ] قال : أنا الحسن بن حماد سجادة قال : علي بن عياش [ عابس ] عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه » (١).

كلام الواحدي في خطبة أسباب النزول

ولأجل أن لا يبقى ريب في اعتبار هذه الرواية نورد نص عبارة الواحدي في خطبة كتابه ( أسباب النزول ) فإنه قال : « وبعد هذا : فإن علوم القرآن غزيرة ... فآل الأمر بنا إلى إفادة المستهترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي : ١١٥.

٢١١

الأسباب ، إذ هي أولى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما يصرف العناية إليها ، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها ، ولا يحلّ القول في أسباب نزول الكتاب إلاّ بالرواية والسماع ممّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطلاب.

وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل في العثار في هذا العلم بالنار : أنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، أنبأ أبو الحسين [ الحسن ] محمّد بن أحمد بن حامد العطار ، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، أنا ليث بن حماد ، ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : اتقوا الحديث إلاّ ما علمتم ، فإنه من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

والسلف الماضون ـ رحمهم‌الله ـ كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية ، أنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي ، أنا أبو عمرو بن مجيد ثنا أبو مسلم ، ثنا عبد الرحمن بن حماد ، ثنا أبو عمر عن محمّد بن سيرين قال : سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال : اتق الله وقل سدادا ، ذهب الذين يعلمون في ما أنزل القرآن.

فأما اليوم فكلّ واحد يخترع للآية سببا ويخلق إفكا وكذبا ، ملقيا زمامه إلى الجهالة ، غير مفكر في الوعيد لجاهل سبب الآية ، وذاك الذي حداني إلى إملاء الكتاب الجامع للأسباب ، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن ، والمتكلمون في نزول القرآن ، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ، ويجدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب » (١).

وإذا كان ما ذكر سبب تأليفه هذا الكتاب ، فإن هذا الحديث الذي رواه في سبب نزول الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ... ) يكون هو الخبر الصدق الوارد

__________________

(١) أسباب النزول : ٤.

٢١٢

عمّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب ، فيجب التصديق به والاعراض عن غيره ، لأنه من الكذب على القرآن ، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

ترجمة الواحدي

١ ـ ابن الأثير : « وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد بن متويه الواحدي المفسّر ، مصنّف الوسيط والوجيز في التفسير ، وهو نيسابوري إمام مشهور » (١).

٢ ـ الذهبي : « الامام العلامة الأستاذ أبو الحسن ... صاحب التفسير ، وإمام علماء التأويل ، من أولاد النجار ، وأصله من ساوه ، لزم الأستاذ أبا إسحاق الثعلبي وأكثر عنه ، وأخذ علم العربية من أبي الحسن القهندزي الضرير وسمع من أبي طاهر بن مخمس ، والقاضي أبي بكر الحيري ، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، ومحمّد بن إبراهيم المزكّي ، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي ، وأحمد بن إبراهيم النجار ، وخلق.

حدّث عنه : أحمد بن عمر الأرغياني ، وعبد الجبار بن محمّد الخواري وطائفة أكبرهم الخواري.

صنف التفاسير الثلاثة : البسيط والوسيط والوجيز ، وبتلك الأسماء سمّى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه ، ولأبي الحسن كتاب أسباب النزول مروي ، ...

تصدر للتدريس مدة وعظم شأنه ، وقيل : كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء بما لا ينبغي ، وقد كفّر من ألّف كتاب حقائق التفسير ، فهو معذور ... قال أبو سعد السمعاني : كان الواحدي حقيقا بكل احترام وإعظام ، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة ، وقد سمعت أحمد بن محمّد بن بشار يقول : كان الواحدي

__________________

(١) الكامل في التاريخ حوادث سنة ٤٦٨.

٢١٣

يقول صنّف السلمي كتاب حقائق التفسير ، ولو قال إن ذلك تفسير القرآن لكفر به.

قلت : الواحدي معذور مأجور. مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة ، وقد شاخ » (١).

٣ ـ الذهبي أيضا : « أحد من برع في العلم .. وكان رأسا في الفقه والعربية ... » (٢).

٤ ـ ابن الوردي : « كان استاذا في التفسير والنحو ، وشرح ديوان المتنبي أجود شرح ، وهو تلميذ الثعلبي ، وتوفي بعد مرض طويل بنيسابور » (٣).

٥ ـ اليافعي : « الامام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، أستاذ عصره في النحو والتفسير ، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي ، وأحد من برع في العلم ، وصنف التصانيف الشهيرة المجمع على حسنها ، والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها ... » (٤).

٦ ـ ابن الجزري : « إمام كبير علامة ، روى القراءة عن علي بن أحمد البستي ، وأحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي. روى القراءة عنه : أبو القاسم الهذلي. مات في سنة ٤٦٨ بنيسابور » (٥).

٧ ـ ابن قاضي شهبة : « كان فقيها ، إماما في النحو واللغة وغيرهما ، شاعرا ، وأما التفسير فهو إمام عصره فيه ، ... » (٦).

٨ ـ الديار بكري : « وفي سنة ثمان وستين وأربعمائة توفي أبو الحسن علي بن

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٣٩.

(٢) العبر ، حوادث سنة ٤٦٨.

(٣) تتمة المختصر ، حوادث سنة ٤٦٨.

(٤) مرآة الجنان ، حوادث سنة ٤٦٨.

(٥) طبقات القراء ١ / ٥٢٣.

(٦) طبقات الشافعية ١ / ٢٦٤.

٢١٤

أحمد بن محمّد بن متويه الواحدي المفسّر ، مصنّف البسيط والوسيط والوجيز في التفسير ، وهو نيسابوري إمام مشهور » (١).

٩ ـ الكاتب الجلبي : « أسباب النزول للشيخ الامام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر المتوفى سنة ٤٦٨. وهو أشهر ما صنّف فيه ، أوله : الحمد لله الكريم الوهاب » (٢).

١٠ ـ وذكر ولي الله الدهلوي الواحدي مع البغوي والبيضاوي ، واصفا إياهم بكبار المفسّرين ، وجاعلا إيّاهم قدوة المسلمين ... (٣).

(٧)

رواية أبي سعيد السجستاني

ورواه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتابه حول حديث الولاية بإسناده عن ابن عباس إنه قال : « أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يبلّغ بولاية علي ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية فلمّا كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال صلّى الله عليه وسلّم : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلّم : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره ، وأعز من أعزه ، وأعن من أعانه ».

__________________

(١) تاريخ الخميس ٢ / ٣٥٩.

(٢) كشف الظنون ١ / ٧٦.

(٣) إزالة الخفاء.

٢١٥

ترجمة أبي سعيد السجستاني

وأبو سعيد السجستاني من مشاهير حفاظ أهل السنّة الثّقات ، وقد تقدم سابقا ذكر طرف من ترجمته عن السمعاني والذهبي.

(٨)

رواية الحاكم الحسكاني

وروى أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني نزول قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... ) في واقعة يوم غدير خم ، ففي كتاب ( مجمع البيان ) بتفسير الآية المباركة : « عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينصب عليّا علما للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه هذه الآية ، فقام عليه‌السلام بولايته يوم غدير خم ».

قال : وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل » (١).

__________________

(١) مجمع البيان في تفسير القرآن المجلد الثاني / ٢٢٣ وهو في شواهد التنزيل ١ / ١٨٧.

٢١٦

(٩)

رواية ابن عساكر

وممّن روى نزول تلك الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم : أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي ، كما عرفت ذلك من عبارة السيوطي في ( الدر المنثور ) (١).

ترجمة ابن عساكر

١ ـ ياقوت الحموي : « هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ... الحافظ أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين. ولد في المحرم سنة ٤٩٩. ومات في الحادي عشر من رجب سنة ٥٧١ ... » (٢).

٢ ـ ابن خلكان : « الحافظ أبو القاسم ... المعروف بابن عساكر الدمشقي الملقب ثقة الدين. كان محدّث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية ، غلب عليه الحديث فاشتهر به ، وبالغ في طلبه ، إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره ، ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشايخ ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن السمعاني في الرحلة.

وكان حافظا دينا ، جمع بين معرفة المتون والأسانيد ... وصنّف التصانيف المفيدة وخرّج التخاريج ، وكان حسن الكلام على الأحاديث ، محفوظا في الجمع والتأليف ، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدة ، أتى فيه بالعجائب ،

__________________

(١) وهو في ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ / ٨٦.

(٢) معجم الأدباء ١٣ / ٧٣.

٢١٧

وهو على نسق تاريخ بغداد ، قال لي شيخنا الحافظ العلامة أبو محمد عبد العظيم المنذري حافظ مصر أدام الله به النفع ـ وقد جرى ذكر هذا التاريخ وأخرج لي منه مجلّدا وطال الحديث في أمره واستعظامه ـ ما أظن هذا الرجل إلاّ عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه ، وشرع في الجمع من ذلك الوقت ، وإلاّ فالعمر يقصر عن أن يجمع الإنسان فيه مثل هذا الكتاب بعد الاشتغال والتنبّه. قال ـ ولقد قال الحق ـ من وقف عليه عرف حقيقة هذا القول ، ومتى يتسع للإنسان الوقت حتى يضع مثله ، وهذا الذي ظهر هو الذي اختاره وما صح له هذا إلاّ بعد مسودات ما كاد ينضبط حصرها.

وله غيره تواليف حسنة وأجزاء ممتعة ... » (١).

٣ ـ الذهبي : « ابن عساكر الامام الحافظ الكبير محدّث الشام فخر الأئمة ثقة الدين ... قال السمعاني : أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديّن خيّر حسن السمت ، جمع بين معرفة المتن والاسناد ، وكان كثير العلم غزير الفضل ، صحيح القراءة ، متثبّتا ، رحل وتعب وبالغ في الطلب ، وجمع ما لم يجمعه غيره ، وأربى على الأقران ... وقال المحدث بهاء الدين القاسم : كان أبي رحمه‌الله مواظبا على الجماعة والتلاوة ، يختم كلّ ليلة ختمة [ يختم كل جمعة ] ، ويختم في رمضان كلّ يوم ، ويعتكف في المنارة الشرقية ، وكان كثير النوافل والأذكار ، ويحيي ليلة العيدين بالصلاة والذكر ، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب ...

قال سعد الخير : ما رأيت في سنن [ سن ] ابن عساكر مثله.

قال القاسم ابن عساكر سمعت التاج المسعودي يقول سمعت أبا العلاء الهمداني يقول لرجل استأذنه في الرحلة [ قال ] : إن عرفت أحدا أفضل مني فحينئذ آذن لك أن تسافر إليه ، إلاّ أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب.

وحدثني أبو المواهب بن صصري قال : لما دخلت همدان قال لي الحافظ : أنا

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٣٣٥.

٢١٨

أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد ، فلو خالق الناس ومازجهم كما ينبغي [ أصنع ] إذا لاجتمع عليه الموافق والمخالف ، وقال لي يوما : أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت : هو بعيد من هذا كلّه ، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلاّ بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته ، قال : الحمد لله هذا ثمرة العلم ، إلاّ أنا حصل لنا [ من ] هذا المسجد والدار والكتب تدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال : ما كان يسمى أبو القاسم إلاّ شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.

قال أبو المواهب : كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفّاظ الذين لقيهم. فقال : أما بغداد فأبو عامر العبدري ، وأما أصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن اسماعيل بن محمّد الحافظ كان أشهر. فقلت : فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه. قال : لا تقل هذا قال الله : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) قلت : فقد قال [ الله تعالى ] ( أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ). فقال : لو قال قائل : إن عيني لم تر مثلي لصدق.

ثم قال أبو المواهب : لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه ، من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة ، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلاّ من عذر ، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة ، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور ، قد أسقط ذلك عن نفسه ، وأعرض عن طلب المناصب من الامامة والخطابة ، وأباها بعد أن عرضت عليه ...

وكان شيخنا أبو الحجاج يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظا مثل نفسه.

قال الحافظ عبد القادر : ما رأيت أحفظ من ابن عساكر.

وقال ابن النجار : أبو القاسم إمام المحدّثين في وقته ، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والنقل والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي ـ بمنى ـ وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان. وكان شيخنا اسماعيل بن محمّد الامام

٢١٩

يفضّله على جميع من لقيناهم ، قدم أصبهان ونزل في داري ، وما رأيت شابا أودع ولا أحفظ ولا أتقن منه ، وكان مع ذلك فقيها أديبا سنّيا ، جزاه الله خيرا وكثّر في الإسلام مثله ، وإني كثيرا سألته عن تأخره عن المجيء إلى أصبهان فقال : لم تأذن لي أمّي.

قال القاسم : توفي أبي في حادي عشر رجب سنة ٥٧١. ورئي له منامات حسنة ، ورثي بقصائد ، وقبره يزار بباب الصغير » (١).

٤ ـ الذهبي أيضا : « فيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلّدا ... ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله ، وبلغ في ذلك الذروة العليا ، ومن تصفّح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ. توفي في حادي عشر رجب » (٢).

٥ ـ اليافعي : « وفيها : الفقيه الامام ، المحدث البارع ، الحافظ المتقن الضابط ذو العلم الراسخ ، شيخ الإسلام ، ومحدّث الشام ، ناصر السنّة ، وقامع البدعة زين الحفّاظ وبحر العلوم الزاخر ، رئيس المحدّثين المقر له بالتقدم ، العارف الماهر ، ثقة الدين ، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر ، الذي اشتهر في زمانه بعلو شانه ، ولم ير مثله في أقرانه ، الجامع بين المعقول والمنقول ، والمميز بين الصحيح والمعلول.

كان محدّث زمانه ، ومن أعيان الفقهاء الشافعية ، غلب عليه الحديث واشتهر به ، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره ، رحل وطوّف وجاب البلاد ، ولقي المشايخ ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني في الرحلة.

وكان أبو القاسم المذكور حافظا دينا ، جمع بين معرفة المتون والأسانيد ... ـ وصنف التصانيف المفيدة ، وخرّج التخاريج ، وكان حسن الكلام على الأحاديث

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ ـ ١٣٣٣.

(٢) العبر حوادث ٥٧١.

٢٢٠