التفسير المظهري - المقدمة

التفسير المظهري - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

الاية لتسليتهم (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ) اليهود ايها المؤمنون (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) منهزمين ولا يضروكم بقتل او نهب او اسر (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١١١) بل يكون النصر لكم عليهم هذه الاية بيان لقوله لن يضرّوكم وهو اخبار بالغيب وقد وقع كذلك على قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر وفدك. (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ) اى اليهود (الذِّلَّةُ) اى الهوان وذلك بسلب العصمة عن دمائهم وأموالهم وأهليهم (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) وجدوا (إِلَّا) متلبسين (بِحَبْلٍ) كائن (مِنَ اللهِ) يعنى القران او دين الإسلام الحاكم بعدم تعرض الكفار المستأمنين واهل الذمة قال الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) وقال (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)(وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) عهد من المؤمنين بالأمان بعد الاستيمان او عقد الذمة بعد قبول الجزية فالمراد بحبل الله وحبل الناس واحد ولو كان كل واحد منهما على حدة لكان الأنسب او مقام الواو ـ والمستثنى منصوب على الحالية يعنى ضربت عليهم الذلة فى جميع الأحوال الا فى حال الاستيمان او عقد الذمة (وَباؤُ) اى رجعوا الى ما كانوا عليه من الموت او الحيوة بعد الموت قال الله تعالى (كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)(بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) مستوجبين له (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) فهى محيطة بهم (١) احاطة البيت المضروب على اهله يعنى ضربت عليهم البخل والحرص فان البخيل لا ينفق ماله ويكون دائما على هيئة المساكين والحريص يكون دائما فى تعب وجدّ لطلب المال قال البيضاوي اليهود غالبا فقراء مساكين (ذلِكَ) اى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ) اى بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء (بِغَيْرِ حَقٍ) يعنى انهم يعرفون كونهم ظالمين غير محقين (ذلِكَ) الكفر والقتل (بِما عَصَوْا) ربهم تعنتا وعنادا عمدا لا خطأ (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (١١٢) حدود الله وقيل معناه ان ضرب الذلة فى الدنيا واستيجاب الغضب فى الاخرة كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو مسبب على عصيانهم واعتدائهم من حيث انهم مخاطبون بالفروع ايضا قلت وعلى هذا التأويل كان المناسب إيراد العاطف بين الاشارتين ـ

__________________

(١) فى الأصل به ـ

١٢١

اخرج ابن ابى حاتم والطبراني وابن مندة فى الصحابة عن ابن عباس قال لمّا اسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسيد بن تبيعة واسد بن عبيد ومن اسلم من يهود معهم فامنوا وصدقوا ورغبوا فى الإسلام قالت أحبار يهود واهل الكفر منهم ما أمن بمحمد وتبعه الّا شرارنا ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين ابائهم وذهبوا الى غيره فانزل الله فى ذلك. لَيْسُوا سَواءً) الى قوله (مِنَ الصَّالِحِينَ) واخرج احمد والنسائي وابن حبان عن ابن مسعود قال اخر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلوة العشاء ثم خرج الى المسجد فاذا الناس ينتظرون الصلاة فقال اما انه ليس من اهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم وأنزلت هذه الاية (لَيْسُوا سَواءً) يعنى ليست اليهود متساويين فيما ذكر من المساوى بل منهم على ضد ما ذكر بيانه قوله تعالى (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) فى الصلاة كما يدل عليه ما بعده ـ وقال ابن عباس اى مهتدية قائمة على امر الله لم يضيعوه ـ وقال مجاهد عادلة من أقمت العود فقام ـ وقال السدى مطيعة قائمة على كتاب الله وحدوده والمراد بهذه الامة عبد الله بن سلام وأمثاله من اليهود (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) اى القران حال من فاعل قائمة او صفة بعد صفة لامة (آناءَ اللَّيْلِ) اى ساعاته واحده انى ظرف للقيام والتلاوة (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (١١٣) عطف على قائمة وجاز ان يكون حالا من فاعل قائمة ومعناه وهم يصلون قال ابن مسعود المراد به صلوة العشاء لان اهل الكتاب لا يصلونها ـ وعن عبد الله بن عمر قال مكثنا ذات ليلة ننتظر الصلاة العشاء الاخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل فلا ندرى الشيء شغله او غير ذلك فقال حين خرج انكم تنتظرون صلوة ما ينتظرها اهل دين غيركم ولولا ان يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم امر المؤذن فاقام الصلاة وصلى رواه مسلم قلت والظاهر ان المراد به قيام الليل دون صلوة العشاء لان سياق الاية يقتضى كون دوام حالهم ذلك رقصة تأخير صلوة العشاء واقعة حال ونزول الاية فى تلك القصة لم يذكر فى الصحيح ـ وايضا صيغة يتلون للجمع والتالي فى صلوة العشاء انما هو الامام دون القوم الا مجازا ـ وقال عطاء المراد بامة قائمة أربعون (١) رجلا من اهل نجران من العرب واثنان (٢)

__________________

(١) فى الأصل أربعين

(٢) فى الأصل اثنين ـ

١٢٢

وثلاثون (١) من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه‌السلام وصدقوا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم اسعد بن زرارة والبراء ابن معرور ومحمد بن مسلمة ومحمود بن مسلمة وابو قيس صرمة بن انس كانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقومون لما عرفوا من شرائع الحنيفة حتى جاءهم الله بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصدقوه ونصروه. (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) لكمال خشيتهم وقصر أملهم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بادروا بالأعمال هرما ناغضا وموتا خالسا ومرضا حابسا وتسويفا مويسا ـ رواه البيهقي عن ابى امامة وقوله يؤمنون وما عطف عليه صفات اخر لامة وصفهم بخصائص متضادة لخصائص اليهود فانهم كانوا منحرفين عن الحق نائمين غافلين بالليل والنهار مشركين بالله ملحدين فى صفاته واصفين اليوم الاخر بخلاف ما هو عليه آمرون بالمنكر ناهون عن المعروف يسارعون فى الشرور (وَأُولئِكَ) الموصوفون (٢) بتلك الصفات على وجه الكمال (مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٤) ممن صلحت أجسادهم بصلاح قلوبهم وزكاء نفوسهم. (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) يعنى لن نضيعه ولن ننقص ثوابه سمى ذلك كفرانا كما سمى توفية الثواب شكرا وعدى الى المفعولين لتضمنه معنى الحرمان قرا حمزة والكسائي وحفص بالياء على الغيبة اخبارا عن الامة القائمة على نسق ما سبق والباقون بالتاء على نسق كنتم خير امّة وابو عمرو يرى القرائتين جميعا (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (١١٥) تبشير وتعليل لقوله تعالى فلن يكفروه فان علم الكريم بحسنات عبده علة للاثابة وفيه اشعار بان الصالح والمتقى اسماء للموصوفين بالصفات المتقدمة. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) مر تفسيره فى أوائل السورة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) ملازموها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١١٦). (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ) ما مصدرية اى مثل انفاق الكفار عداوة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم او مفاخرة وبطرا كانفاق كفار قريش فى الحروب او تقربا كانفاق اليهود على علمائهم وكفار قريش للاصنام او رياء كانفاق المنافقين (فِي

__________________

(١) فى الأصل وثلثين ـ

(٢) فى الأصل الموصوفين ـ

١٢٣

هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) اى برد شديد كذا فى القاموس وحكى عن ابن عباس انها السموم الحارة التي تقتل (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعاصي (فَأَهْلَكَتْهُ) يعنى كما ان الريح المذكور تهلك الحرث كذلك انفاق الكفار أموالهم تهلكهم باستجلاب الانفاق عذاب الله إليهم او باستيصال أموالهم بلا منفعة فى الدنيا ولا فى الاخرة ـ وجاز ان يكون ما فى ما ينفقون موصولة والتشبيه مركبا أريد تشبيه القصة بالقصة ولذلك لم يبال بإدخال كلمة التشبيه على الريح دون الحرث ويجوز ان يراد تشبيه المال الذي أنفقوه وضيعوه بالحرث المذكور ويقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بذلك (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٧) بارتكاب انفاق أموالهم لا على وجه يفيدهم عند الله تعالى او بارتكاب ما استحق به اهل الحرث العقوبة ـ اخرج ابن جرير وابن إسحاق عن ابن عباس قال كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من الجوار والحلف فى الجاهلية فانزل الله تعالى. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) البطانة السريرة ويقال الصاحب الذي يعرّفه الرجل أسراره ثقة به (مِنْ دُونِكُمْ) اى من دون المسلمين اى من هو ادنى منكم رتبة وأسفل فيه نعت للمسلمين بانهم هم الأعلون فى الدنيا والاخرة وارشاد على طلب الأعالي للمصاحبة دون الأداني فان العزلة خير من الجليس السوء والجليس الصالح خير من العزلة ـ وصيغة من دونكم يشتمل اهل الأهواء ايضا من الروافض والخوارج وغيرهم فلا يجوز مباطنتهم كما لا يجوز مباطنة الكفار وقوله من دونكم متعلق بقوله لا تتخذوا او ظرف مستقر صفة لبطانة اى لا تتخذوا من دون المسلمين بطانة او بطانة كائنة من دونهم (لا يَأْلُونَكُمْ) اى لا يقصرون اى من هو على غير دينكم لكم (خَبالاً) شرا وفسادا بل يبذلون جهدهم فيما يورثكم شرا وفسادا منصوب على انه مفعول ثان للايألونكم على تضمين معنى المنع او النقص او منصوب بنزع الخافض اى لا يألونكم فى الخبال (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) ما مصدرية اى تمنوا شدة الضر والمشقة بكم (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) حيث لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم فيقولون فيكم ما يسوءكم بلا اختيار وقصد (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) من البغضاء (أَكْبَرُ) مما يبدون لانهم

١٢٤

يظهرون مودتكم مكرا وخديعة (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على عداوتهم او على وجوب الإخلاص لله وموالات المؤمنين ومعادات الكفار والجمل الاربعة (١) مستانفات على التعليل ويجوز ان يكون الثلاث الاول صفات لبطانة ـ وعلى كلا التقديرين التعليل بهذه الجمل او التقييد بها يفيد ان الكافر إذا لم يكن له عداوة مع مؤمن لاجل إيمانه ولا يقصد خبالا وكان بينه وبين مؤمن مودة لقرابة او غير ذلك لا بأس به كما كان بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين ابى طالب وعباس قبل إسلامه عن عباس رضى الله عنه انه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشىء فانه كان يحومك او يغضب لك قال نعم هو فى الضحضاح فى الأصل ما اجتمع من الماء على وجه : الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعير للنار ـ نهايه منه رح ضحضاح من نار ولولا انا لكان فى الدرك الأسفل من النار ـ رواه مسلم واخرج البزار مثله عن جابر ومسلم عن حذيفة وابى سعيد الخدري (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (١١٨) شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى فانتهوا عن موالاتهم وعادوهم او أخلصوا لله ووالوا المسلمين. (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) لقرابتهم منكم او لصداقتهم (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) لمخالفة فى الدين ـ ها للتنبيه عن غفلتهم فى خطائهم وأنتم مبتدا وأولاء خبره يعنى أنتم أولاء الخاطؤن فى محبة الكفار وما بعده جملة مبينة لخطائهم قال الرضى الجملة الواقعة بعد اسم الاشارة لبيان المستغرب ولا محل لها من الاعراب وهى مستانفة ـ وقال البيضاوي هو خبر ثان لانتم او خبر لاولاء والجملة خبر أنتم وجاز ان يكون أولاء بمعنى الذي وما بعده صلته والموصول مع الصلة خبر أنتم وجاز ان يكون جملة تحبونهم حالا والعامل فيه معنى الاشارة وجاز ان يكون أولاء منادى بحذف حرف النداء وما بعده خبر أنتم يعنى أنتم يا أولاء الخاطئون بموالات الكفار تحبونهم ـ وجاز ان يكون أولاء منصوبا بفعل يفسره ما بعده والجملة خبر أنتم والمشار اليه باولاء الكفار والواو فى ولا يحبّونكم للحال والمعنى ها أنتم ايها المؤمنون تحبون أولاء الكفار والحال انهم لا يحبونكم (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) واللام للجنس اى تؤمنون بجنس الكتب كله ـ او للعهد اى تؤمنون بالتورية كلها ـ والجملة حال من مفعول لا يحبونكم بتقدير المبتدا حتى يصح الواو للحال تقديره وأنتم تؤمنون وتقديم المسند اليه على الخبر الفعلى للحصر يعنى الكفار لا يؤمنون والمعنى لا يحبونكم والحال أنتم تؤمنون بكتابهم

__________________

(١) فى الأصل الأربع ـ

١٢٥

كله فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشىء من كتابكم بل لا يؤمنون بكل التورية ايضا حيث ينكرون نعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيه توبيخ بانهم فى باطلهم أصلب منكم فى حقكم (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا) نفاقا (آمَنَّا) كما أمنتم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالقران (وَإِذا خَلَوْا) الى أنفسهم (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ) أجل (الْغَيْظِ) فى الصحاح الغيظ أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان فى ثور ان دم قلبه يعنى يعضون انا ملهم تأسفا وتحسرا حين يرون دولتكم ولا يجدون سبيلا الى اضراركم من أجل غيظهم عليكم او لكراهتهم قولهم أمنا واضطرارهم اليه ـ وجاز ان يكون هذا مجازا عن شدة الغيظ وان لم يكن ثمه عض (قُلْ) يا محمد او خطاب لكل مؤمن وتحريض لهم بعداوتهم وحث لهم بخطابهم خطاب الأعداء فانه اقطع للمحبة من جراحة السنان (مُوتُوا) ايها الكفار والمنافقون (بِغَيْظِكُمْ) قيل هذا دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وفيه ان المدعو عليه لا يخاطب بل الله سبحانه يخاطب فى الدعاء والظاهر انه اخبار بانكم لن تروا ما يسركم واعلام بانا مطلعون على عداوتكم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١١٩) اى بامور ذات الصدور يعنى ما فى صدورهم من الغيظ وهو يحتمل ان يكون داخلا فى المقول اى قل لهم ان الله يعلم ما فى قلوبكم فيفضحكم فى الدنيا ويعذبكم فى الاخرة ولا يفيدكم اخفاؤكم ـ وجاز ان يكون خارجا عنه متصلا بما قبله كالجمل اللاحقة يعنى وان لم تعلموا انهم لا يحبونكم ويعضون عليكم الأنامل فالله يعلم ذلك فعليكم اتباع ما أمركم الله به من البغض فى الله دون المحبة لاجل وصلات بينكم ـ. (إِنْ تَمْسَسْكُمْ) ايها المؤمنون (حَسَنَةٌ) نعمة من ظهور الإسلام وغلبتكم على عدوكم ونيل الغنيمة وخصب فى المعاش (تَسُؤْهُمْ) تحزنهم ذلك حسدا وفى لفظا المس اشعار الى انهم يحزنون على ادنى حسنة أصابتكم (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) اى ما يسوءكم من إصابة عدو منكم او حدب او نكبة (يَفْرَحُوا بِها) شماتة بما أصابكم الجملة الشرطية بيان لتناهى عداوتهم متصلة بالشرطية السابقة وبينهما اعتراض (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على إذا هم او على المصائب كلها او

١٢٦

على مشاق التكليف (وَتَتَّقُوا) موالاتهم وغيرها مما حرم الله عليكم (لا يَضُرُّكُمْ) قرا اهل الكوفة والشام بضم الضاد والراء من الضرر مجزوم فى جواب الشرط وضمة الراء للاتباع كضمة مد واهل الحرمين والبصرة بكسر الضاد وسكون الراء للجزم من ضار يضير الأجوف (كَيْدُهُمْ) يعنى قصد الكفار اضراركم على سبيل الإخفاء (شَيْئاً) من الضر يعنى لا يضركم كيدهم بفضل الله وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولان المجد فى الأمر المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال جريّا على الخصم ولان المؤمن يرجو فى المصيبة ثوابها الموعود فيفرح بها أشد مما يفرح فى النعمة والعاشق بعلمه ان ما أصابه انما هو من محبوبه يلتذّ بالمصيبة اكثر مما يلتذّ بالنعمة لان مراد المحبوب ألذّ عنده من مراد نفسه عن ابن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما فقال يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سالت فاسئل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشىء لم ينفعوك الا بشىء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا ان يضروك بشىء لم يضروك الا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجف الصحف ـ رواه احمد والترمذي وقال حسن صحيح وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انى لا علم اية لو أخذ الناس بها لكفتهم (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) رواه احمد وابن ماجة والدارمي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ربكم عزوجل لو ان عبيدى أطاعوني لاسقيت عليهم المطر بالليل واطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد ـ رواه احمد وعن صهيب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره له كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) اى الكفار من اضرارهم بالمؤمنين (مُحِيطٌ) (١٣) بعلمه فيجازيهم عليه ويحفظكم عن اضرارهم ان شاء ويجازيكم على الضراء ان أراد بكم. (وَ) اذكر (إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) تنزلهم وتسوّى وهى لهم (مَقاعِدَ) مواطن ومواقف من الميمنة والقلب والساقة (لِلْقِتالِ) متعلق

١٢٧

بتبوئ (وَاللهُ سَمِيعٌ) لاقوالهم (عَلِيمٌ) (١٣١) لنياتهم قال الحسن هو يوم بدر وقال مقاتل يوم الأحزاب ـ وقال سائر المفسرين وهو الصحيح انه هو يوم أحد اخرج ابن ابى حاتم وابو يعلى عن المسور بن مخرمة انه قال لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ بعد العشرين ومائة من ال عمران تجد قصتنا وإذ غدوت من أهلك الى قوله إذ همّت طائفتن منكم ان تفشلا قال هم الذين طلبوا الامان من المشركين الى قوله (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) الاية قال هو تمنى المؤمنين لقاء العدو الى قوله (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) قال هو صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد الى قوله (أَمَنَةً نُعاساً) قال القى عليهم النوم الى اخر (١) ستين اية (يعنى الى قوله تعالى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ويتلوه قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ) قال ابن إسحاق رحمه‌الله وكان مما انزل الله تعالى فى يوم أحد يعنى فى شأن يوم أحد ستون اية من ال عمران فيها صفة ما كان فى يومهم ذلك ومعاتبة من غاب منهم قال مجاهد والكلبي والواقدي غدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من منزل عائشة رضى الله عنها فمشى على رجليه الى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوم القدح ـ واخرج ابن جرير والبيهقي فى الدلائل من طريق محمد بن إسحاق عن رجاله ورواه عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري ان المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء ثانى عشر شوال سنة ثلاث من الهجرة وكانوا ثلاثة آلاف فاستشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن ابى بن سلول ولم يدعه قط قبلها فقال هو واكثر الأنصار أقم يا رسول الله بالمدينة لا تخرج إليهم فو الله ما خرجنا الى عدو منا قط الا أصاب منا ولادخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماههم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وان رجعوا رجعوا خائبين فاعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الرأى وكان هذا رأى الأكابر من المهاجرين والأنصار وقال حمزة بن عبد المطلب وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك فى طائفة من الأنصار رضى الله عنهم (غالبهم احداث لم يشهدوا البدر وطلبوا الشهادة وأحبوا إلقاء العدو وأكرمهم الله بالشهادة يوم الأحد) اخرج بنا يا رسول الله الى هذه الا كلب لا يرون انا حببنا عنهم وضعفنا ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) فى الأصل الى الأخر

١٢٨

انى رايت فى منامى بقرا فاولتها خيرا ورايت فى ذباب سيفى ثلما فاولتها هزيمة ورايت انى ادخلت يدى فى درع حصينة فاولتها المدينة فان رايتم ان تقيموا بالمدينة وكان يعجبه ان يدخلوا عليهم المدينة فيقاتلوهم فى الازقة ـ روى احمد والنسائي والدارمي بسند صحيح بلفظ رايت فى درع حصينة ورايت بقرا تنحر فاولت ان الدرع الحصينة المدينة وان البقر خير والله ـ وروى البزار والطبراني عن ابن عباس قال لما نزل ابو سفيان وأصحابه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاصحابه انى رايت فى المنام سيفى ذا الفقار انكسر وهى مصيبة ورايت بقرا تذبح وهى مصيبة ورايت علىّ درعى وهى مدينتكم لا يصلون إليها ان شاء الله قال ابن إسحاق وابن عقبة وابن سعد وغيرهم كانت هذه الرؤيا ليلة الجمعة ـ قال عروة وكان الذي راى بسيفه ما أصاب وجهه ـ وقال ابن هشام واما الثلم فى السيف فرجل من اهل بيتي يقتل وفى رواية ثم هززته يعنى السيف مرة اخرى فعاد احسن ما كان فاذا هو ما جاء الله به من الفتح ـ وقال حمزة والذي انزل عليك لا اطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفى خارج المدينة وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما ـ وقال (١) النعمان بن مالك يا رسول الله لا تحرمنا الجنة فو الذي نفسى بيده لادخلنها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قال انى أحب الله ورسوله وفى لفظ اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله ولا أفر يوم الزحف فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقت فاستشهد يومئذ وحث مالك بن سنان الخدري وإياس بن عتيك على الخروج للقتال ـ فلما أبوا الا ذلك صلى الجمعة بالناس فوعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم ان لهم النصر ما صبروا ففرح الناس بالشخوص الى عدوهم وكره ذلك المخرج بشر كثير وصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العصر بالناس وحضر اهل العوالي ورفعوا النساء فى الآطام ودخل بيته ومعه ابو بكر وعمر وقد صف الناس له ما بين حجرته الى منبره ينتظرون خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقال للناس استكرهتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلتم له ما قلتم والوحى ينزل اليه من السماء فردوا الأمر اليه فما أمركم به فافعلوا فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد لبس لامته ولبس الدرع اى السلاح ـ منه رح

__________________

(١) فى الأصل وقال وقال

١٢٩

فاظهرها وحزم وسطه بمنطقة من حمائل السيف من آدم واعتم وتقلد السيف ـ وندم الناس على إكراهه فقالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن لنا ذلك فان شئت فاقعد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دعوتكم الى هذا الحديث فابيتم وما ينبغى لنبى إذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل انظروا ما أمركم به فاتبعوه امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم ووجد مالك بن عمرو النجاري قد مات ووضعوه عند موضع الجنائز فصلى عليه ثم خرج ثم ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرسه السكب وتقلد القوس وسعد بن عبادة وسعد بن معاذ وكل منهما دارع والناس عن يمينه وشماله حتى (١) إذا انتهى الى رأس الثنية رأى كتيبة خشنا لها رحل فقال ما هذا قالوا (٢) هؤلاء حلفاء عبد الله بن ابى من اليهود فقال اسلموا فقيل لا فقال انا لا نستنصر باهل الشرك على اهل الشرك وسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعسكر بالشيخين وهما اطمان ـ وعرض (٣) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عسكر فاستصغر غلمانا فردهم رد سبعة عشر وهم أبناء اربعة عشر وعرضوا عليه وهم أبناء خمسة عشر فاجازهم منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت واسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عاذب وابو سعيد الخدري وأوس بن ثابت الأنصاري ـ وأجاز رافع بن خديج بعد الرد لما قيل انه رام فقال سمرة بن جندب أجاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رافع بن خديج وردنى وانا اصرعه فاعلم بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال تصارعا فصرع سمرة رافعا فاجازه ـ فلما فرغ العرض وغابت الشمس اذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه ثم اذن بالعشاء فصلى بهم وبات بالشيخين واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة فى خمسين رجلا يطوفون بالعسكر ونام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كان السحر فصلى الصبح ثم قال اين الأدلاء من رجل يخرج بنا من كثب لا يمر بنا عليهم فقام ابو خثيمة الحارثي فقال انا يا رسول الله فسلك به فى حرة بنى حارثة وبين أموالهم حتى سلك فى مال لمربع بن قنطى وكان منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب فى وجوههم ويقول ان كنت رسول الله فانى لا أحل لك ان تدخل حائطى وأخذ حفنة من تراب ثم قال والله لو اعلم انى لا أصيب غيرك لضربت بها وجهك ـ فابتدر لا القوم

__________________

(١) فى الأصل حتى انتهى.

(٢) فى الأصل قال.

(٣) فى الأصل وعرض رسول الله.

١٣٠

ليقتلوه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر وقد بدر اليه سعد بن زبدة الأشهلي قبل نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضربه بالقوس فشجه ـ وكان رسول الله خرج الى أحد فى الف رجل وقيل فى تسعمائة وخمسين رجلا فلما بلغوا بالمهملات الخلط اى مقام خلط العسكرين ـ منه رح السوط انحزل عبد الله بن ابى بثلث الناس ورجع فى ثلاثمائة وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعهم ابو جابر السلمى فقال أنشدكم فى نبيكم وفى أنفسكم فقال عبد الله بن ابى لو نعلم قتالا لاتّبعنكم وبقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سبعمائة وفرسه وفرس لابى بردة وقال ابن عقبة لم يكن مع المسلمين فرس ـ وهمت بنوا سلمة من الخزرج وبنوا حارثة من الأوس وكانا جناحى العسكر بالانصراف مع عبد الله بن أبيّ فعصمهم الله فلم ينصرفوا فذكّرهم الله تعالى عظيم نعمته وقال. (إِذْ هَمَّتْ) بدل من قوله إذ غدوت او ظرف عمل فيه سميع عليم (طائِفَتانِ) يعنى بنى حارثة وبنى سلمة (مِنْكُمْ) فيه تعريض على ابن أبيّ انهم ليسوا منكم ولذا لم يذكر رجوعهم (أَنْ تَفْشَلا) اى ان تجبنا وتضعفا (وَاللهُ وَلِيُّهُما) اى محبهما او المعنى عاصمهما عن اتباع تلك الخطرة او المعنى والله ناصرهما ومتولى أمرهما فما لهما تفشلان ولا يتوكلان (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٢٢) وتقديم الظرف للحصر يعنى فليتوكلوا عليه لا على غيره فلا يفشلوا بفرار المنافقين عن جابر بن عبد الله قال فينا نزلت هذه الاية ـ قالوا ما سرّنا انا لم نهم بالذي هممنا به وقد اخبر الله تعالى انه ولينا ـ ثم ذكّرهم ما يوجب التوكل مما يسّر لهم الله من الفتح يوم بدر وهم فى حالة قلة وذلة فقال. (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) الأكثرون على ان بدرا اسم لموضع بين مكة والمدينة وقيل اسم لبير هناك قيل كانت بدر بيرا (١) الرجل يقال له بدر قاله الشعبي وأنكره الآخرون (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) جمع ذليل حال من الضمير ـ وانما قال اذلة ولم يقل ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح فانهم كانوا ثلاثمائة رجل (٢) ومعهم سبعين بعيرا يعتقبون عليها وفرسان فرس لمقداد وفرس لزبير بن العوام (فَاتَّقُوا اللهَ) فى الثبات (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢٣) ما أنعم به عليكم بتقواكم من نصره او لعلكم بنعم الله عليكم فتشكرون فوضع الشكر موضع الانعام لانه سببه وفيه تنبيه

__________________

(١) فى الأصل بير ـ

(٢) فى الأصل رجلا ـ

١٣١

على انه لا بد ان يكون نظر العبد فى الانعام على الشكر وانه انما يرغب فى الانعام لانه وسيلة للشكر. (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ظرف لنصركم على ما قال قتادة انه كان هذا يوم بدر أمدهم الله تعالى بألف من الملائكة كما قال (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف كما ذكر هاهنا ـ اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن ابى حاتم عن الشعبي انه بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين يوم بدر ان كرز بن جابر المحاربي يريد ان يمد المشركين فشق ذلك عليهم فانزل الله تعالى (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (١٢٤) قرا ابن عامر بفتح النون وتشديد الزاء من التفعيل على التكثير هاهنا وفى العنكبوت انّا منزلون والآخرون بسكون النون والتخفيف من الانزال استفهام لانكار ان لا يكفيهم ذلك ـ وجئ بلن اشعارا بانهم كانوا كالايسين من النصر لضعهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم. (بَلى) إيجاب لما بعد لن اى بلى يكفيهم ذلك ـ ثم وعدهم بالزيادة بشرط الصبر والتقوى حثّا عليهما وتقوية لقلوبهم (إِنْ تَصْبِرُوا) على القتال (وَتَتَّقُوا) خلاف ما يأمركم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَيَأْتُوكُمْ) اى المشركون (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) اى من ساعتهم هذه وهو فى الأصل مصدر فارت القدر فورا إذا غلت فاستعير للسرعة ثم اطلق للحال التي لا تراخى عنه والمعنى ان يأتوكم فى الحال حال ضعفكم وقوتهم ـ قلت الظاهر ان التقييد بالفور لا مفهوم له بل للترقى والمعنى ان يأتوكم بالتراخي بعد ما تقوون على قتالهم ينصركم الله بالطريق الاولى وان يأتوكم من فورهم هذا ايضا (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ) الامداد اعانة الجيش بالجيش (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (١٢٥) روى ابن ابى شيبة وابن ابى حاتم عن الشعبي انه بلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين فلم يمد المسلمين بخمسة آلاف والله اعلم ـ قرا ابن كثير وابو عمرو وعاصم مسوّمين بكسر الواو على وزن اسم الفاعل والباقون بالفتح على وزن اسم المفعول من التسويم بمعنى الاعلام (١) قال قتادة والضحاك كانوا قد اعلموا بالعهن فى نواصى الخيل وإذ نابها ـ واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف

__________________

(١) اخرج الطبراني وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قوله تعالى مسومين اى معلمين قال ابن عباس كان سماء الملائكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر ـ منه رحمه‌الله

١٣٢

عن عمرو بن إسحاق مرسلا انه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاصحابه يوم بدر تسوّموا فان الملائكة قد تسوّمت بالصوف الأبيض فى قلانسهم ومغافرهم (١) ـ وكذا اخرج ابن جرير وزاد وقال وهو أول يوم وضع فيه الصوف او بمعنى الاسامة يعنى الإرسال يعنى مرسلين قال عروة بن الزبير كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر ـ وقال على وابن عباس رضى الله عنهم كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم ـ وقال هشام بن عروة والكلبي عليهم عمائم صفر مرخاة على أكتافهم ـ قال قتادة فصبروا يوم بدر واتقوا فامدهم بخمسة آلاف كما وعد ـ وقال الحسن فهؤلاء الخمسة آلاف ردء للمؤمنين الى يوم القيامة يعنى بشرط الصبر والتقوى وقال ابن عباس ومجاهد لم يقاتل الملائكة فى المعركة الا يوم بدر وفيما سوا ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون انما يكونون عددا ومددا ـ وقال جماعة وعد الله المسلمين يوم بدر ان صبروا على طاعته واتقوا محارمه ان يمدهم فى حروبهم كلها فلم يصبروا الا فى يوم الأحزاب ـ فامدهم حين حاصروا قريظة والنضير ـ قال عبد الله بن ابى اوفى كنا محاصرى قريظة والنضير ما شاء الله تعالى فلم يفتح لنا فرجعنا فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبرئيل عليه‌السلام فقال وضعتم أسلحتكم ولم يضع الملائكة أوزارها فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ثم نادى فينا فقمنا حتى اتينا قريظة والنضير فيومئذ امدّنا الله تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ففتح لنا فتحا يسيرا ـ وقال الضحاك وعكرمة كان قوله تعالى (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) الاية حكاية عن يوم أحد وعدهم المدد ان صبروا واتقوا فلم يصبروا وخالفوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يمدوا وعلى هذا قوله تعالى (إِذْ تَقُولُ) بدل ثان من إذ غدوت ـ وقال مجاهد والضحاك معنى قوله تعالى من فورهم من غضبهم هذا لانهم انما رجعوا للحرب يوم أحد من غضبهم ليوم بدر وقد امدّ الله تعالى رسوله فى تلك الوقعة بجبرئيل وميكائيل لصبره وتقواه عن سعد بن ابى وقاص قال رايت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رايتهما قبل ولا بعد متفق عليه والرجلان جبرئيل وميكائيل ـ قال محمد بن إسحاق لما كان يوم أحد

__________________

(١) المغفر هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الرادع ـ منه رحمه‌الله

١٣٣

انجلى القوم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبقي سعد بن مالك يرمى وفتى شاب ينبل له فلما فنى النبل أتاه به جبرئيل فنثره فقال ارم أبا إسحاق مرتين فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل فلم يعرف. (وَما جَعَلَهُ اللهُ) اى ما جعل امدادكم بالملائكة (إِلَّا بُشْرى) اى بشارة (لَكُمْ) بالنصر (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) (١) فلا تجزعون من كثرة أعدائكم وقلتكم فان الإنسان معتاد بتشبث الأسباب فيطمئن قلبه عند ملاحظة الأسباب بالنصر عند كثرة الأعوان (وَمَا النَّصْرُ) فى الحقيقة (إِلَّا مِنْ) (٢) (عِنْدِ اللهِ) لا من العدة والعدد لان الأسباب كلها عادية وافعال العباد بشرا كان او ملائكة مخلوقة لله تعالى (الْعَزِيزِ) الغالب الذي لا يغلب عليه أحد (الْحَكِيمِ) (١٢٦) الذي ينصر او يخذل بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة تفضلا من غير ان يجب عليه شىء. (لِيَقْطَعَ) متعلق بقوله (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ) او بقوله يمددكم او بقوله وما النّصر ان كان اللام للعهد (طَرَفاً) اى طائفة (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فى القاموس الطرف الناحية وطائفة من الشيء والرجل الكريم يعنى نصركم لكى يهلك جماعة منهم فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون واسر سبعون ـ ومن حل الاية على حرب أحد فقال قد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصرة للمؤمنين حتى خالفوا امر رسول الله صلى الله عليه فانقلب عليهم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) فى الصحاح الكبت الرد بعنف وفى القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسر؟؟؟ رد العدو بغيظة واذلة قلت وهذه المعاني كلها لازمة للهزيمة وكلمة او للتنويع لا للترديد يعنى نصركم لكى يهلك طائفة من الكفار ويهزم سائرهم (فَيَنْقَلِبُوا) الى بلادهم (خائِبِينَ) (١٢٧) لم ينالوا شيئا مما أرادوا ـ روى مسلم واحمد عن انس ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كسرت رباعيته

__________________

(١) فى الأصل به قلوبكم.

(٢) عن عياض الأشعري قال شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء ابو عبيدة ويزيد بن ابى سفيان وابن حسنة وخالد بن الوليد وعياض وليس عياض هذا قال وقال عمر إذا كان قتالا فعليكم ابو عبيدة فكتبنا اليه انه قد جاء إلينا الموت فاستمددناه فكتب إلينا انه قد جاءنى كتابكم تستمدونى وانى أدلكم على من هو أعز نصرا واحضر جندا الله عزوجل فاستنصروه فان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نصر يوم بدر فى اقل من عدتكم فاذا جاءكم كتابى هذا فقاتلوهم ولا تراجعونى فقاتلناهم فهزمنا اربع فراسخ ـ منه رح

١٣٤

يوم أحد وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يصلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فانزل الله تعالى. (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) شىء اسم ليس ولك خبره واللام بمعنى الى كما فى قوله (مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) ومن الأمر حال من شىء روى احمد والبخاري عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اللهم العن فلانا وفى رواية اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحرث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن امية فنزلت هذه الاية الى آخرها فتيب عليهم كلهم وروى البخاري عن ابى هريرة نحوه قال الحافظ ابن حجر طريق الجمع انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا على المذكورين فى صلاته بعد ما وقع له من الأمر المذكور يوم أحد فنزلت الاية فى الامرين معا فيما وقع له وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم ـ وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن إسحاق لما راى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون يوم أحد ما نال أصحابهم من جزع الاذان والأنوف وقطع المذاكير قالوا لئن انا لنا الله منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد فانزل الله تعالى هذه الاية ـ وقيل أراد النبي ان يدعوا عليهم بالاستيصال فنزلت هذه الاية وذلك لعلمه تعالى فيهم بان كثيرا منهم يسلمون لكن يشكل ما رواه مسلم من حديث ابى هريرة انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول فى الفجر اللهم العن رعلا وذكوان وعصية حتى انزل الله تعالى هذه الاية فان قصة رعل وذكوان كان بعد ذلك وهم اهل بير معونة بعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين رجلا من القراء ليعلموا الناس القران والعلم أميرهم المنذر بن عمرو ـ فقتلهم عامر بن الطفيل فوجد من ذلك وجدا شديدا وقنت شهرا فى الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين ـ قال الحافظ ثم ظهرت لى علة فى حديث ابى هريرة هذه وان فيه إدراجا فان قوله حتى انزل الله منقطع من رواية الزهري عمّن بلغه بيّن ذلك مسلم وهذا البلاغ لا يصح ـ ويحتمل ان يقال ان قصة رمل وذكوان كان عقيب غزوة أحد باربعة أشهر فى صفر سنة اربع من الهجرة فلعلها نزلت فى جميع ذلك وتأخير نزول الاية عن سبب نزولها قليلا غير مستبعد ـ وورد فى سبب نزول الاية ايضا ما أخرجه البخاري فى تاريخه وابن إسحاق عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال

١٣٥

انك تنهى عن الشيء ثم تحول فحول قفاه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكشف استه فلعنه ودعا عليه فانزل الله تعالى هذه الاية ثم اسلم الرجل فحسن إسلامه وهو مرسل غريب (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ان اسلموا (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الاخرة بالنار ان أصروا على الكفر (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٢٨) تعليل للتعذيب قال الفراء كلمة او فى قوله او يتوب عليهم بمعنى حتى وقال ابن عيسى انها بمعنى الّا ان كقولك لا لزمنك او تعطينى حقى يعنى ليس مفوضا إليك من أمرهم من التعذيب او الانجاء شىء حتى يتوب الله عليهم بإسلامهم فتفرح به او يعذبهم بظلمهم فتشفى منهم ـ وقيل يحتمل ان يكون او يتوب عليهم معطوفا على الأمر او على شىء بإضمار ان والمعنى ليس لك من أمرهم او من التوبة عليهم او من تعذيبهم شىء انما أنت عبد مامور بانذارهم وجهادهم والأمر كله لله قال التفتازانيّ فهو من قبيل عطف الخاص على العام وفى مثله بكلمة او نظر وأجيب بان هذا إذا كان الأمر بمعنى الشأن ـ ولك ان تجعل الأمر بمعنى التكليف والإيجاب ـ والمعنى ليس ما تأمر به من عندك وليس الأمر وإيجاب الواجبات بيدك ولا التوب عليهم ولا التعذيب قلت ولو كان نزول الاية متصلا بما قبله فالظاهر ان يكون قوله او يتوب عليهم معطوفا على قوله او يكبتهم والمعنى نصركم الله ببدر ليقطع ويهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل او يكبت طائفة منهم بالهزيمة او يتوب على طائفة منهم بالإسلام او يعذب طائفة منهم بالأسر وأخذ الفدية فهو بيان لانواع احوال الكفار وقوله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) جملة معترضة لمنعه عن الدعاء عليهم. (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا فله الأمر كله لا لغيره (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) مغفرته بفضله بعد توفيقه للاسلام سواء تاب او لم يتب (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعذيبه صريح فى نفى وجوب التعذيب عليه (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢٩) فلا تبادر بالدعاء عليهم ـ اخرج الفرياني عن مجاهد قال كانوا يتبايعون الى الاجل فاذا حل الاجل زادوا عليهم وزادوا فى الاجل فنزلت. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) اى زيادات مكررة فهو نهى عن الربوا مع توبيخ على ما كانوا يعملونه لا

١٣٦

للاحتراز (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما نهيتم عنه من الربوا وغيره (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٣٠) راجين الفلاح. (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (١٣١) قال البيضاوي فيه تنبيه على ان النار بالذات معدة للكافرين وبالعرض لعصاة المؤمنين ـ قلت والظاهر ان النعت للتخصيص والنار المعدة للكافرين مغائرة للنار المعدة للعصاة فيكون فيه اشارة الى ان أكل الربوا يوجب قساوة القلب بحيث ربما يفضى الى الكفر ويؤيده ما فى المدارك انه كان ابو حنيفة رحمه‌الله يقول هى أخوف اية فى القران حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين ان لم يتقوه فى اجتناب محارمه وقد أمد ذلك بما اتبعه من تعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله بقوله. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٣٢) راجين رحمته وعلى كلا التأويلين يعنى سواء كانت النار بالذات معدة للكافرين وبالعرض للعصاة او كانت النار المعدة للكافرين مغائرة للنار المعدة للعصاة فى هذه الاية رد على المرجئة حيث قالوا لا يضر مع الايمان معصية قال اكثر المفسرين ان لعل وعسى من الله تعالى للتحقيق والظاهر انه لا يفيد الوجوب بل يفيد الرجاء مع بقاء الخوف وقال البيضاوي ان لعل وعسى فى أمثال ذلك دليل على عرة التوصل الى ما جعل خبرا له. (وَسارِعُوا) معطوف على أطيعوا قرا نافع وابن عامر بحذف واو العطف والباقون بالواو (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) قال ابن عباس الى الإسلام وروى عنه الى التوبة قاله عكرمة وقال على بن ابى طالب رضى الله عنه الى أداء الفرائض ـ وروى عن انس بن مالك انها التكبيرة الاولى ومرجع الأقوال كلها الى ما يستحق به مغفرة الذنوب الموجب للتفصى من النار ورحمة الله تعالى الموجب لدخول الجنة من الإسلام والاعتقادات الحقة والأخلاق والأعمال الصالحة وقد مر فيما سبق حديث ابى امامة بادروا بالأعمال هرما ناغضا الحديث وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفندا او موتا مجهزا او الدجال فانه شر منتظر او الساعة والسّاعة أدهى وامرّ رواه الترمذي والحاكم (عَرْضُهَا) اى سعتها صفة للجنة (السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) اى كعرضهما وسعتهما وهذا على التمثيل دون الحقيقة فان أوسع

١٣٧

المسافات المكانية فى ظن العوام سعة السموات والأرض فمثل فى هذه الاية بها كما مثل فى قوله تعالى خلدين فيها ما دامت السّموات والأرض المسافة الزمانية للخلود فى الجنة بمدة دوامها يعنى عند ظنكم قال البغوي سئل انس بن مالك رضى الله عنه عن الجنة أفي السماء أم فى الأرض فقال فاى ارض وسماء تسع الجنة فقيل فاين هى قال فوق السموات السبع تحت العرش وقال قتادة كانوا يرون ان الجنة فوق السموات السبع وان جهنم تحت الأرضين السبع ـ اخرج ابو الشيخ فى العظيمة من طريق ابى الزعراء عن عبد الله قال الجنة فى السماء السابعة العليا (قلت يعنى فوقها) والنار فى الأرض السابعة السفلى قلت يعنى تحتها (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣) حقيقة التقوى وهم الذين اتقوا من شغل قلوبهم بغير الله ومن رذائل أنفسهم ويجرى فيه التأويلان كما جريا فى النار التي أعدت للكافرين ـ. (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ) اى المسرة بكثرة المال (وَالضَّرَّاءِ) اى النقص فى الأموال كذا فى القاموس اى لا يخلون فى حال ما من الانفاق بما قدروا عليه من قليل او كثير قال البغوي أول ما ذكر من اخلاقهم الموجبة للجنة السخاء قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار وجاهل سخى أحب الى الله من عابد بخيل رواه الترمذي عن ابى هريرة وذكر البغوي بلفظ أحب الى الله من العالم البخيل ـ ورواه البيهقي عن جابر والطبراني عن عائشة وعن ابن عباس مرفوعا السخاء خلق الله الأعظم رواه ابن النجار ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات فى الدنيا فمن أخذ يغصن منها قادة ذلك الغصن الى الجنة والبخل شجرة من أشجار النار أغصانها متدليات فى الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن الى النار رواه الدارقطني والبيهقي عن على عليه‌السلام وابن عدى والبيهقي عن ابى هريرة رضى الله عنه وابو نعيم فى الحلية عن جابر رضى الله عنه والخطيب عن ابى سعيد رضى الله عنه وابن عساكر عن انس رضى الله عنه والديلمي فى مسند الفردوس عن معاوية رضى الله عنه وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبق درهم مائة الف فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله فقال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة الف درهم تصدق بها ورجل

١٣٨

ليس له الا درهمان فاخذ أحدهما فتصدق به رواه النسائي وصححه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الكظم حبس النفس عند امتلائها يعنى الكافين أنفسهم عن إمضاء الغيظ مع القدرة من كظمت القربة إذا ملاتها وشددت رأسها عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملا الله قلبه أمنا وايمانا رواه احمد وعبد الرزاق وابن ابى الدنيا فى ذم الغضب ـ وروى البغوي عن انس مرفوعا بلفظ من كظم غيظا وهو يقدران ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤس الخلائق حتى يخيره من اىّ الحور شاء وروى ابن ابى الدنيا عن ابن عمر مرفوعا من كف غضبه ستر الله عورته (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال الكلبي العافين عن المملوكين سوء الأدب ـ وقال زيد بن اسلم ومقاتل العافين عمن ظلمهم وأساء إليهم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان هؤلاء من أمتي قليل الا من عصم الله ـ رواه الثعلبي فى تفسيره عن مقاتل والبيهقي فى مسند الفردوس من حديث ابن مالك (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣٣) اللام للجنس ويدخل تحته هؤلاء او للعهد فيكون اشارة إليهم ووضع المظهر موضع المضمر للمدح والاشارة الى ان تلك صفات المحسنين عن الثوري الإحسان ان تحسن الى المسيء فان الإحسان الى المحسن متاجّرة ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه الشيخان فى الصحيحين من حديث عمر فى قصة سوال جبرئيل الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك قلت فالمحسنون هم الصوفية ولعل كظم الغيظ كناية عن فناء النفس لان الغيظ منشاه رذائل النفس من الكبر والحسد والحقد والبخل ونحو ذلك ولعل العفو عن الناس كناية عن فناء القلب لان بفناء القلب يسقط الناس عن نظر اعتباره ويرى الافعال كلها منسوبة الى الله تعالى فلا يرى جواز مواخذة أحد من الناس بشىء مما اتى به الا لحق الله تعالى على حسب ما امر به امتثالا وتعبدا ولعل الانفاق فى السراء والضراء عبارة عن عدم اشتغال قلوبهم بامتعة الدنيا والله اعلم ـ لمّا ذكر الله سبحانه فى هذه الاية المتقين المحسنين العارفين عقبهم بذكر اللاحقين

١٣٩

بهم التائبين فقال. (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) فعلى هذا الموصول مبتدا وجملة أولئك جزاؤهم الاية خبره ـ وجاز ان يكون الموصول معطوفا على المتقين او على الذين ينفقون فعلى هذا جملة أولئك مستانفة والأظهر هو الاول قال ابن مسعود قال المؤمنون يا رسول الله كانت بنوا إسرائيل أكرم على الله منا كان أحدهم إذا أذنب أصبح وكفارته مكتوبة فى عتبة بابه اجدع انفك او اذنك افعل كذا فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية ـ وقال عطاء نزلت فى نبهان التمّار وكنيته ابو معبد أتته امراة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها ان هذا التمر ليس بجيد وفى البيت أجود منه فذهب بها الى بيته فضمها الى نفسه وقبلها فقالت له اتق الله فتركها وندم على ذلك فاتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الاية ـ وقال مقاتل والكلبي أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار والاخر من ثقيف فخرج الثقفي فى غزاة واستخلف الأنصاري على اهله فاشترى لهم اللحم ذات يوم فلما أرادت المرأة ان تأخذ منه دخل على اثرها وقبل يدها ثم ندم وانصرف ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه ـ فلما رجع عليه الثقفي لم يستقبله الأنصاري فسال امرأته عن حاله فقالت لا اكثر الله فى الاخوان مثله ووصفت له الحال والأنصاري يسيح فى الجبال تائبا مستغفرا فطلبه الثقفي حتى وجده فاتى به أبا بكر رجاء ان يجد عنده راحة وفرجا وقال الأنصاري هلكت وذكر القصة فقال ابو بكر ويحك ما علمت ان الله تعالى يغار للغازى ما لا يغار للمقيم ثم لقيا عمر فقال مثل ذلك فاتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له مثل مقالتهما فانزل الله تعالى هذه الاية ـ واصل الفحش القبح والخروج عن الحد والمراد بالفاحشة هاهنا الكبيرة لخروجه عن الحد فى القبح والعصيان وقال جابر الفاحشة الزنى (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالصغائر او بما دون الزنى من القبلة والمعانقة واللمس وقيل فعلوا فاحشة قولا او ظلموا أنفسهم فعلا وقيل الفاحشة ما يتعدى الى غيره وظلم النفس ما ليس كذلك وهذا اظهر (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) يعنى ذكروا وعيد الله وان الله سائلهم فندموا وتابوا واستغفروا وقال مقاتل بن حبان ذكروا لله باللسان عند الذنوب قلت يمكن ان يقال المراد بذكر الله صلوة الاستغفار لحديث علىّ عن ابى بكر رضى الله عنهما انه

١٤٠