التفسير المظهري - المقدمة

التفسير المظهري - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

والله اعلم ـ واضافة الحج الى البيت يقتضى ان سبب وجوب الحج هو البيت ولذا لا يتكرر الحج فى العمر لعدم تكرر البيت ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحج مرة فمن زاد فتطوع ـ رواه احمد والنسائي ـ والبيت عبارة عن لطيفة ربانية فى بعد موهوم مهبط لتجليات ذاتية مختصة به وليس اسما لسقف او جدارا وحجر او تراب الا ترى انه لو نقل الحجارة والتراب الى موضع اخر وترك ذلك المكان خاليا او بنى بناء اخر لا يجوز السجود الى موضع اخر بل الى تلك العرضة الشرقاء فصورة الكعبة مع كونها من عالم الخلق امر مبطن لا يدركه حس ولا خيال بل هو مع كونه من المحسوسات ليس بمحسوس وكونه فى جهة ليس له جهة متمثل ولا مثل له هذا شأن صورت الكعبة فما ادراك ما حقيقتها سبحان من جعل الممكن مراءة للوجوب ـ وجعل العدم مظهرا للوجوب والوجود ـ وفوق حقيقة الكعبة حقيقة القران وفوق ذلك حقيقة الصلاة وهناك ينتهى سير السالك بتوسط النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتحصل فى تلك المقامات الفناء والبقاء وفوق ذلك مقام المعبودية الصرفة لا مجال للسير هناك الا بالنظر قف يا محمد فان الله يصلى كناية عن ذلك المقام والله هو العلام. (قُلْ) يا محمد (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره وتخصيصهم بالخطاب لان كفرهم مع علمهم بالكتاب أقبح (وَاللهُ شَهِيدٌ) والحال انه مطلع (عَلى ما تَعْمَلُونَ) (٩٠) من الكفر والتحريف فيجازيكم عليها ولا ينفعكم استسرار الحق. (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ) تمنعون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى عن الإسلام الذي هو الموصل اليه تعالى شأنه (مَنْ آمَنَ) يعنى أراد الايمان منصوب على المفعولية من تصدون يعنى تصدون عن الايمان من أراد ان يؤمن كرر الخطاب والاستفهام مبالغة فى التقريع ونفى العذر واشعارا بان كل واحد من الامرين مستقبح فى نفسه مستقل باستجلاب العذاب (تَبْغُونَها) اى السبل (عِوَجاً) اى معوجة مصدر بمعنى المفعول او المعنى تبغون لها عوجا اى اعوجاجا ـ وجملة تبغون حال من فاعل تصدون ـ وكانت اليهود يلبسون على الناس الحق بتحريف صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقول بان دين موسى مؤبد ـ

١٠١

وبما يحرشون بين المؤمنين ليختلف كلمتهم ويأتون الأوس والخزرج ويذكّرونهم ما كان بينهم فى الجاهلية من العداوة (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) على ما تعملون او على ما فى التورية مكتوبا عندكم من نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وان دين الله هو الإسلام (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٩) وتختانون فى صد المؤمنين عن الايمان اخرج ابن إسحاق وابو الشيخ وابن جرير عن زيد مرسلا وذكره البغوي انه مرّ شمّاس بن قيس اليهودي وكان شيخا عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين على نفر من الأوس والخزرج فى مجلس جمعهم يتحدثون فغاظه ما راى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم فى الإسلام بعد ان كان بينهم فى الجاهلية من العداوة وقال ما اجتمع ملا بنى قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذ اجتمعوا بها من قرار فامر شابّا من اليهود كان معه فقال اعمد إليهم واجلس معهم ثم ذكّرهم يوم بعاث وما كان قبله وانشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الاشعار وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس مع الخزرج وكان الظفر فيه للاوس على الخزرج فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قبطى أحد بنى حارثة من الأوس وجبار بن صخر أحد بنى سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهم لصاحبه ان شئتم والله رددتها الان جذعة وغضب الفريقان جميعا وقالا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهى حرة فخرجوا إليها وانضمت الأوس والخزرج بعضها الى بعض على دعواهم التي كانوا عليها فى الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين فقال يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وانا بين أظهركم بعد إذ كرّمكم الله فى الإسلام وقطع به عنكم امر الجاهلية والف بينكم ترجعون الى ما كنتم عليه كفارا الله الله فعرف القوم انها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فالقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانقوا بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سامعين مطيعين فانزل الله تعالى فى أوس وجبار ومن كان معهما. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى الأنصار (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى شماسا وأصحابه (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) بالله ونبيه والقران (كافِرِينَ) (١٠٠) يعنى على اعمال

١٠٢

الكفر قال زيد فقال جابر فما رايت قط يوما أقبح اولا واحسن آخرا من ذلك اليوم ـ ونزل فى شماس بن قيس (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ) الاية خاطب الله المؤمنين بنفسه وامر رسوله بخطاب اهل الكتاب إجلالا للمؤمنين واشعارا بانهم أحقاء بان يكلمهم الله واخرج الفرياني وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كانت الأوس والخزرج فى الجاهلية بينهم شر فبينما هم جلوس ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم الى بعض بالسلاح فنزلت. (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) عطف على يردّوكم والاستفهام للتعجب والإنكار (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) على لسان الرسول غضة طرية يعنى القران (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) ينهاكم ويعظكم ويزيح شبهكم يعنى والحال ان الأسباب الداعية الى الايمان المانعة من الكفر مجتمعة لكم قال قتادة فى هذه الاية علمان بينان كتاب الله ونبى الله اما نبى الله فقد قضى واما كتاب الله فابقاه الله رحمة منه ونعمة قلت ولكن نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرشدنا الى من ينوبه يعده من خلفائه الى يوم القيامة عن زيد بن أرقم قال قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربى فاجيبه وانى تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال واهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي ـ وفى رواية كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة رواه مسلم ـ ورواه الترمذي بلفظ انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتى اهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفونى فيهما ـ وروى الترمذي عن جابر قال رايت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فيقول يا ايها الناس انى تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتى اهل بيتي ـ قلت أشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى اهل البيت لانهم اقطاب الإرشاد فى الولايات أولهم على عليه‌السلام ثم ابناؤه الى الحسن العسكري وآخرهم غوث الثقلين محى الدين عبد القادر الجيلي رضى الله عنهم أجمعين لا يصل أحد من الأولين والآخرين الى درجة الولاية الا بتوسطهم كذا قال المجدد رضى الله عنه

١٠٣

ثم اولياء امة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلماؤها كلهم اتباع لاهل البيت داخلون فيهم بحكم الوراثة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العلماء ورثة الأنبياء (وَمَنْ يَعْتَصِمْ) اصل العصمة المنع فكل مانع شيئا فهو عاصم والاعتصام ان يتمسك بشىء حتى يمتنع عن الهلاك (بِاللهِ) اى بدينه وبدوام التوجه اليه (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٠١) طريق واضح لا يضل سالكه ابدا ـ قال البغوي قال مقاتل بن حبان كانت بين الأوس والخزرج عداوة فى الجاهلية وقتال حتى هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى المدينة فاصلح بينهم فافتخر بعده منهم رجلان ثعلبة بن غنم من الأوس واسعد بن زرارة من الخزرج فقال الأوس منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ومنا حنظلة غسيل الملائكة وعاصم بن ثابت بن أفلح حمى الدبر ومنا سعد بن معاذ اهتز عرش الرحمن له ورضى الله بحكمه فى بنى قريظة ـ وقال الخزرجي منا اربعة احكموا القران أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم وجرى الحديث بينهما فغضبا وانشدا الاشعار وتفاخرا (١) فجاء الأوس والخزرج ومعهم السلاح فاتاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانزل الله تعالى. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) اصل تقاة وقية قلبت واوها المضمومة تاء كما فى تودة وتخمة والياء الفا لانفتاحها بعد حرف صحيح ساكن وموافقة الفعل ـ اخرج عبد الرزاق والفرياني وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية فى تفاسيرهم والطبراني فى المعجم والحاكم فى المستدرك وصححه وابو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود موقوفا وقال ابو نعيم روى عنه مرفوعا ايضا هو ان يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى ـ وقال البغوي قال ابن مسعود وابن عباس هو ان يطاع فلا يعصى وهذا إجمال ما ذكر ـ قلت اما قوله يذكر فلا ينسى فمناطه فناء القلب واما قوله يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر فمناطه فناء النفس واطمينانه والايمان الحقيقي ـ فمقتضى هذه الاية وجوب اكتساب كما لات الولاية وكذا يقتضيه سبب نزوله فان تفاخر الأوس والخزرج انما كان من بقايا رذائل النفس فامروا بتهذيبها وتطهيرها عن الرذائل وتحلية القلب والنفس بمكارم الأخلاق وخشية الله ودوام الذكر ـ

__________________

(١). في الأصل وتفاخروا.

١٠٤

وقال مجاهدان تجاهدوا فى سبيل الله حق جهاده ولا يأخذكم فى الله لومة لائم وتقوموا لله بالقسط ولو على أنفسكم وابائكم وأبنائكم ـ وعن انس قال لا يتقى الله عبد حق تقاته حتى يحزن لسانه ـ قلت وقول مجاهد وانس بيان للطريق الموصل الى كمالات الولاية فان الرياضات والمجاهدات بقلة الطعام والمنام مع الذكر على الدوام وحفظ اللسان عن فضول الكلام المستلزم للعزلة وقلة المخالطة مع العوام وترك مبالاة الناس فى رعاية حقوق الملك العلام هى الطريقة الموصلة الى تلك الكمالات ـ قال البغوي قال اهل التفسير فلما نزلت هذه الاية شق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله ومن يقوى على هذا فانزل الله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فنسخت هذه الاية ـ قال مقاتل ليس فى ال عمران من المنسوخ الا هذه الاية ـ قلت ليس المراد منه ان ان حق التقوى صار منسوخا وجوبه كيف ورذائل النفس من الكبر والغضب فى غير محله والحسد والحقد والنفاق وسوء الأخلاق وجب الدنيا وقلة الالتفات الى الله واشتغال القلب بغيره ما زال حراما ولا يتصور نسخ حرمتها حتى تصير مباحة ـ بل المراد منه ان ازالة رذائل النفس دفعة ليست فى مقدور البشر بل يتوقف ذلك جريا على عادة الله تعالى على مصاحبة ارباب القلوب والنفوس الزاكية والمجاهدات المذكورة فالله سبحانه رخص لعباده فى ذلك وأوجب عليهم بذل الجهد فى تزكية النفس وتصفية القلب ما استطاع فمن اعرض عن ذلك بالكلية والتفت الى الشهوات فعليه اثم الرذائل كلها (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ومن اشتغل فى طلب الطريقة وبذل جهده فى دفع الرذائل ومات قبل تحصيل الكمالات فقد اتى بما وجب عليه وأرجو ان يغفر له ما ليس فى وسعه والله اعلم (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٢) بالإسلام الحقيقي المنقادون لله تعالى فى أوامره ونواهيه مخلصون له مفوضون أموركم اليه راضون بقضائه يعنى لا تكونن على حال سوا حال الإسلام حتى يدرككم الموت فالنهى عن الفعل المقيد بحال او وصف او غيرهما قد يتوجه بالذات الى الفعل نحو لا تزن فى ارض الله وقد يتوجه الى القيد كما فى هذه الاية وقد يتوجه الى المجموع دون كل واحد منهما نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن وقد يتوجه الى كل واحد منهما نحو لا تزن حليلة جارك ـ عن ابن عباس رضى الله

١٠٥

عنهما قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ايّها النّاس (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) الاية فلو ان قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لامرّت على اهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه وليس له طعام غيره رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح ـ. (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) يعنى بدين الإسلام قال الله تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) او بكتابه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وقد مرّ استعار له الحبل من حيث ان التمسك به سبب للنجاة عن التردي فى النار كما ان التمسك بالحبل سبب للنجاة عن التردي من فوق وللوثوق به والاعتماد عليه بالاعتصام ترشيحا للمجاز (جَمِيعاً) حال من فاعل اعتصموا او من مفعوله اعنى بحبل الله او منهما جميعا فعلى تقدير كونه حالا من الفاعل معناه حال كونكم مجتمعين فى الاعتصام يعنى خذوا فى تفسير كتاب الله وتأويله ما اجتمع عليه الامة ولا تذهبوا الى خبط آرائكم على خلاف الإجماع عن ابى هريرة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ان الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا وان تناصحوا من ولى الله أمركم ـ ويسخط لكم قيلا (١) وقالا واضاعة المال وكثرة السؤال ـ رواه مسلم واحمد ـ وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ فى النار رواه الترمذي ـ وعنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اتبعوا السواد الأعظم فانه من شذ شذ فى النار رواه ابن ماجة وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاذة والقاصية والناحية وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة رواه احمد ـ وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه احمد وابو داود وعلى تقدير ان يكون حالا من المفعول فالمعنى اعتصموا بجميع كتاب الله ولا تقولوا نومن ببعض الكتاب ونكفر ببعض فان بعض طاقات الحبل لا يقوى على الحفظ (وَلا تَفَرَّقُوا) عطف على ما سبق وهذه الجملة تأكيد على أحد التأويلين وتأسيس على الاخر (٢) يعنى لا تفرقوا عن الحق باختلاف كاهل الكتاب ـ عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله

__________________

(١) فى الأصل قيل وقال.

(٢) فى الأصل الاخرى.

١٠٦

عليه وسلم ليأتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان كان منهم من اتى امه علانية لكان فى أمتي من يصنع ذلك وان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم فى النار الا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي ـ رواه الترمذي وفى رواية احمد وابى داود عن معاوية ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة وهى الجماعة وانه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى (١) بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ـ قلت فلم يتفرق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فى زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا فى خلافة ابى بكر وعمرو عثمان وأول بغى كان على الامام الحق خروج اهل المصر على عثمان رضى الله عنه ـ وأول اختلاف وقع فى امر الخلافة كان من معاوية غفره الله تعالى وقال (كُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ـ وأول اختلاف وقع فى الدين اختلاف الحرورية الذين خرجوا على على عليه‌السلام ـ ثم أوقع الخلاف ورفض الحق عبد الله بن سبا منشأ الروافض ـ ثم ظهر مذهب الاعتزال فى زمن التابعين فتشبثوا بأذيال الفلاسفة واشتغلوا بقيل وقال وأحبوا كثرة الجدال وتركوا ظواهر كتاب الله المتعال وسنة نبيه ومذهب السلف اهل الكمال بتقليد آرائهم الكاسدة المنشئات الضلال ـ (وَاذْكُرُوا) يا معشر الأنصار (نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) التي من جملتها الهداية للاسلام المودي الى التالف (إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) قبل الإسلام (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام (فَأَصْبَحْتُمْ) اى صرتم (بِنِعْمَتِهِ) برحمته وهدايته (إِخْواناً) فى الدين والولاية والمحبة ـ قال محمد بن إسحاق وغيره من اهل الاخبار كانت الأوس والخزرج أخوين لاب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل فتطاولت العداوة والحرب بينهم مائة وعشرين سنة الى ان أطفاه الله بالإسلام والف بينهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان بدو إسلامهم وألفتهم ان سويد بن الصامت أخا بنى عمرو بن عوف يسميه قومه الكامل القوة والصبر ـ نهايه منه رح لجلده ونسبه قدم مكة حاجّا او معتمرا وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بعث وامر بالدعوة فتضدى له حين سمع به ودعاه الى ربه عزوجل والى الإسلام فقال له سويد فلعل الذي معك

__________________

(١) اى يتواقعون فى الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها تشبيها بجرى الفرس ـ والكلب بالتحريك داء معروف يعرض للكلب فمن عرضه قتله ـ نهايه ـ منه رحمه‌الله

١٠٧

مثل الذي معى فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما الذي معك قال مجلة لقمان يعنى حكمته فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعرضها علىّ فعرضها فقال ان هذا حسن ومعى أفضل من هذا قران انزل الله عزوجل نورا وهدى فتلا عليه القران ودعاه الى الإسلام فلم يبعد منه وقال ان هذا القول حسن ثم انصرف الى المدينة فلم يلبث ان قتله الخزرج قبل يوم بعاث وان قومه ليقولون قد قتل وهو مسلم ثم قدم ابو الحيسر انس بن رافع ومعه فئة من بنى الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج فلما سمع بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاهم فجلس إليهم فقال هل لكم الى خير مما جئتم له قالوا وما ذاك قال انا رسول الله بعثني الى العباد ادعوهم ان لا تشركوا بالله شيئا وانزل علىّ الكتاب ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القران ـ فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا اى قوم هذا والله خير مما جئتم له فاخذ ابو الحيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال دعنا منك فلعمرى لقد جئنا لغير هذا فصمت إياس وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانصرفوا الى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ ان هلك ـ فلما أراد الله عزوجل اظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الموسم الذي لقى فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع فى كل موسم فلقى عند العقبة رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وهم ستة نفرا سعد بن زرارة ـ وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ـ ونافع بن مالك العجلاني ـ وعطية بن عامر ـ وعقبة بن عامر ـ وجابر بن عبد الله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالى يهود قالوا نعم قال أفلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى الله عزوجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القران ـ قال وكان مما صنع الله لهم فى الإسلام وان اليهود (١) كانوا معهم ببلادهم وكانوا اهل كتاب وعلم وهم كانوا اهل أوثان وشرك وكانوا إذا كان بينهم شىء قالوا ان نبيا الان مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد ارم فلما كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولئك النفر ودعاهم الى الله عزوجل قال بعضهم لبعض يا قوم تعلمون والله انه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا تسبقنكم اليه

__________________

(١) فى الأصل ان يهود كان

١٠٨

فاجابوه وصدقوه واسلموا وقالوا انا قد تركنا قوما ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله ان يجمعهم بك وسنقدم عليهم فندعوهم الى أمرك فان يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راجعين الى بلادهم قد أمنوا فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوهم الى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها ذكر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا كان العام المقبل اتى الموسم من الأنصار اثنا (١) عشر رجلا اسعد بن زرارة ـ وعوف ومعاذ ابنا عفراء ـ ورافع بن مالك العجلاني ـ وذكوان بن عبد القيس ـ وعبادة بن الصامت ـ وزيد بن ثعلبة ـ وعباس بن عبادة ـ وعقبة بن عامر ـ وعطية بن عامر فهولاء خزرجيون ـ وابو الهيثم بن التيهان وعويمر بن الساعدة من الأوس فلقوه بالعقبة وهى العقبة الاولى فبايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بيعة النساء على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا الى آخره فان وفيتم فلكم الجنة وان غشيتم بشىء من ذلك فاخذتم بحده فى الدنيا فهو كفارة له وان ستر عليكم فامركم الى الله ان شاء عذبكم وان شاء غفر لكم قال وذلك قبل ان يعرض عليهم الحرب فلما انصرف القوم بعث معهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وامره ان يقرائهم القران ويعلمهم الإسلام ويفقههم وكان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ وكان منزله على اسعد بن زرارة ـ ثم ان اسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطا من حوائط بنى ظفر فجلسا فى الحائط واجتمع إليهما رجال ممن اسلم فقال سعد بن معاذ لا سيد بن حضير انطلق الى هذين الرجلين الذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما فان اسعد ابن خالى ولو لا ذلك لكفيتك وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدى قومهما من بنى عبد الأشهل وهما مشركان فاخذ أسيد بن حضير حربته ثم اقبل الى مصعب واسعد وهما جالسان فى الحائط فلما راه اسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله تعالى فيه قال مصعب ان يجلس أكلمه قال فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلا ان كان لكما فى أنفسكما حاجة فقال له مصعب او تجلس فتسمع فان رضيت امرا قبلته وان كرهته كف عنك ما تكره

__________________

(١) فى الأصل اثنى عشر

١٠٩

قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرا عليه القران فقال والله لعرفنا فى وجهه الإسلام قبل ان يتكلم فى اشراقه وتسهله ثم قال ما احسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم ان تدخلوا فى هذا الدين قالا له تغتسل وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال ان ورائي رجلا ان اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسارسله اليكما الان وهو سعد بن معاذ ثم أخذ حربته فلما وقف على النادي قال له سعد ما خلفت قال كلمت الرجلين فو الله ما رايت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت ـ وقد حدثت ان بنى حارثة خرجوا الى اسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك انهم عرفوا انه ابن خالك ليخفروك (١) فقام سعد مغضبا مبادرا للذى ذكره من بنى حارثة فاخذ الحربة وقال والله ما أراك أغنيت شيئا فلما راهما مطمئنين عرف ان أسيدا انما أراد ان يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لا سعد بن زرارة لو لا ما بينى وبينك من القرابة ما رمت اى ما قصدت ـ منه رح هذا منى تغشانا فى دارنا بما نكره وقد قال اسعد لمصعب جاءك والله سيد قومه ان يتبعك لم يخالفك منهم أحد ـ فقال له مصعب او تقعد فتسمع فان رضيت امرا ورغبت فيه قبلته وان كرهته عزلناك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة فجلس فعرض عليه الإسلام وقرا عليه القران فقالا فعرفنا والله فى وجهه الإسلام قبل ان يتكلم فى اشراقه وتسهله ثم قال كيف تصنعون إذ أنتم أسلمتم ودخلتم فى هذا الدين قال تغتسل وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين ـ ثم أخذ حربته فاقبل عامدا الى نادى قومه ومعه أسيد بن حضير فلما راه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ـ قال يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون امرى فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة (٢) ـ قال فان كلام رجالكم ونسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال فما امسى فى دار بنى عبد الأشهل رجل ولا امراة الا مسلم او مسلمة

__________________

(١) حفرت الرجل اى أجرته وحفظته وخفّرته إذ أكدت خفيرا وحاميا وتخفرت به إذا استجرت به والخفارة الزمام وأخفرت الرجل إذ انقضت عهده وذمامه والهمزة فيه للازالة اى زالت خفارته ـ نهايه منه رحمه‌الله

(٢) النقيبة منحج الفعال مظفر المقال والنقيبة النفس وقيل الطبيعة والخليقة ـ نهايه ـ منه رحمه‌الله ـ

١١٠

ورجع اسعد بن زرارة ومصعب الى منزل اسعد بن زرارة فاقام عنده يدعوا الناس الى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها رجال ونساء مسلمون الا ما كان من دار بنى امية بن زيد وحطمة ووائل وواقف وذلك انه كان منهم ابو قيس ابن الاسلت الشاعر وكانوا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق ـ قالوا ثم ان مصعب بن عمير رجع الى مكة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من اهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العقبة من اوسط ايام التشريق وهى بيعة العقبة الثانية قال كعب بن مالك وكان قد شهد ذلك فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام ابو جابر أخبرناه وكنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر انك سيد من ساداتنا وشريف من اشرافنا وانا نرغب بك عما أنت فيه ان تكون حطبا للنار غدا ودعوناه للاسلام فاسلم وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه فشهد معنا العقبة وكان نقيبا فبتنا تلك الليلة مع قومنا فى رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نتسلك مستخفين تسلك القطا حتى اجتمعنا فى الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بنى النجار واسماء بنت عمرو بن عدى أم منيع احدى نساء بنى سلمة فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج (انما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها واوسها) ان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن على مثل رأينا وهو فى عز فى قومه ومنعة فى بلده وانه قد ابى الا الانقطاع إليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فانتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم ترون انكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الان فدعوه فانه فى عز ومنعة قال فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما شئت قال فتكلم

١١١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلا القران ودعا الى الله تعالى ورغّب فى الإسلام ثم قال ابايعكم على ان تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع أزرنا (١) فبايعنا يا رسول الله فنحن اهل الحرب واهل الحلفة ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول (والبراء يكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ابو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله ان بيننا وبين الناس حبالا يعنى العهود وانا قاطعوها فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال لا الدم الدم والهدم الهدم أنتم منى وانا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اخرجوا الى منكم اثنى عشر نقيبا (٢) كفلاء على قومهم ككفالة حواريين لعيسى بن مريم فاخرجوا اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس قال عاصم بن عمرو بن قتادة ان القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل انكم تبايعون على حرب الأحمر والأسود فان كنتم ترون انكم إذا نهكت اى اتلفت ـ منه رح أموالكم مصيبة واشرافكم قتلى اسلمتموه فمن الان فهو والله ان فعلتم خزى فى الدنيا والاخرة وان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه على نهكة الأموال وقتل الاشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والاخرة قالوا فانا ناخذه على مصيبة الأموال وقتل الاشراف فما لنا بذلك يا رسول الله ان نحن وافينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسطيده فبايعوه وأول من ضرب على يده البراء بن معرور ثم تتابع القوم فلما بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بانفذ صوت سمعته قط يا اهل الحباحب هل لكم فى مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا عدو الله هذا اسم شيطان ـ وهو الحية ـ منه ر ح ازبّ العقبة اسمع اى عدو الله انا والله لا فرغن لك ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارفضوا الى رحالكم فقال العباس بن عبادة بن نضلة والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على اهل منى (٣)

__________________

(١) نمنع أزرنا اى نساءنا وأهلنا كنى عنهن بالأزر وقيل أراد أنفسنا وقد يكنى عن النفس بالإزار ـ نهايه منه رح

(٢) النقيب كالعريف على القوم المقدم عليهم الذي يتعرف اخبارهم وينقب عن أحوالهم اى يفتش وقد جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل واحد منهم نقيبا على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الإسلام ويعرفوهم شرائطه ـ نهايه منه رحمه‌الله

(٣) فى الأصل على اهل منا ـ

١١٢

بأسيافنا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا الى رحالكم قال فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة من قريش حتى جاءونا فى منزلنا فقالوا يا معشر الخزرج بلغنا انكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وانه والله ما حى من العرب ابغض إلينا ان تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم قال فانبعث من هناك من مشركى قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شىء وما علمناه وصدقوا لم يعلموا وبعضنا ينظر الى بعض وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان فقلت له كلمة كانّى أريد ان أشرك القوم بها فيما قالوا يا جابرا ما تستطيع ان تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلى هذا الفتى من قريش ـ قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما الىّ قال والله لتنتعلنهما ـ قال يقول ابو جابر مه والله احفظت الفتى فاردد اليه نعليه ـ قال لا أردهما فال صالح والله ان صدق الفال لا سلبنه ـ قال ثم انصرف الأنصار الى المدينة وقد شدّد العقد فلما قدموا المدينة اظهر الإسلام بها وبلغ ذلك قريشا فاذوا اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاصحابه ان الله تعالى قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها وأمرهم بالهجرة الى المدينة واللحوق بإخوانهم من الأنصار فاول من هاجر الى المدينة أخو سلمة بن عبد الله المخزومي ثم عامر بن ربيعة ثم عبد الله بن جحش ثم تتابع اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إرسالا الى المدينة فجمع الله اهل المدينة اوسها وخزرجها بالإسلام وأصلح ذات بينهم بنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا) طرف (حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) اى متقاربين الوقوع فيها لم يكن بينكم وبين الوقوع فيها الا ان تموتوا على كفركم (فَأَنْقَذَكُمْ) اى اخلصكم الله بالإسلام (مِنْها) الضمير للحفرة او للنار او للشفا وتأنيثه لتأنيث المضاف اليه ولانه بمعنى الشفة فان شفا البير وشفتها طرفها كالجانب والجانبة وأصله شفو فقلبت الواو الفا فى المذكر وحذفت فى المؤنث (كَذلِكَ) التبيين (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) دلائله (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠٣) لتثبتوا على الهدى وتزدادوا فيه ـ. (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) من للتبعيض لان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفاية ولانه لا يصلح له كل أحد حيث يشترط له شروط من العلم والتمكن على الاحتساب وطلب من الجميع

١١٣

خاطب الجميع وطلب فعل البعض ليدل على انه واجب على الكل حتى لو ترك الكل أثموا جميعا ولكن يسقط بفعل بعضهم وهذا شأن فروض الكفاية ـ وجاز ان يكون من للتبيين ويكون النهى عن المنكر واجبا على كل أحد واقله ان ينكر بقلبه يعنى كونوا (أُمَّةٌ يَدْعُونَ) الناس (إِلَى الْخَيْرِ) يعنى خير العقائد والأخلاق والأعمال التي فيها صلاح الدين والدنيا اخرج ابن مردوية عن ابى جعفر محمد الباقر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخير اتباع القران وسنتى ـ قال السيوطي معضل عن عثمان انه قرا (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ويستغيثون على ما أصابهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ قلت يعنى يدعون لدفع البلاء عن الناس (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) اى ما عرف من الشرع حسنه واجبا كان او مندوبا (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) يعنى ما أنكره الشرع من المحرمات والمكروهات عطف الخاص على العام إيذانا بفضله (وَأُولئِكَ) يعنى الداعون الى الخير والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٠٤) خاب وخسر من لم يفعل ذلك عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ـ رواه مسلم وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل المدهن فى حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم فى أسفلها وصار بعضهم فى أعلاها فكان الذي فى أسفلها يمر بالماء على الذين فى أعلاها فتاذوا به فاخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فاتوه فقالوا مالك قال تاذيتم بي ولا بد لى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه ونجّوا أنفسهم وان تركوه اهلكوه واهلكوا أنفسهم ـ رواه البخاري ـ وعن حذيفة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال والذي نفسى بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله تعالى ان يبعث عليكم عذابا من عنده ثم ليدعوا به فلا يستجاب لكم رواه الترمذي ـ وعن ابى بكر الصديق قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الاية. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ان الناس إذا راو منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله بعذابه ـ رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وروى ابو داود نحوه وعن جرير بن عبد الله نحوه رواه ابو داود وابن ماجة ـ وعن عدى بن عدى الكندي قال حدثنا

١١٤

مولى لنا انه سمع جدى يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلا ينكرون فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة رواه البغوي فى شرح السنة وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا وقعت بنو إسرائيل فى للعاصى نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم فى مجالسهم وأاكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض فلعنهم (عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ـ قال فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان متكيا قال لا والذي نفسى بيده حتى تاطروهم اى تعطفوا عليهم ـ نهايه ـ منه رح اطرا العطف ـ منه رح رواه الترمذي وابو داود ـ فان قيل هل يجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بهذه الاية على من لا يأتى بالمعروف ويرتكب المنكر قلنا نعم يجب عليه الأمر بالمعروف عبارة وإتيانه اقتضاء والنهى عن المنكر عبارة والانتهاء عنه اقتضاء كيلا يلزمه قوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) وقوله تعالى (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) ـ عن اسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق اى تخرج من مكانه الأمعاء ـ منه اقتابه فى النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاء فيجتمع اهل النار عليه ويقولون اى فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت أمركم بالمعروف ولم آته وأنهاكم عن المنكر واتيه ـ متفق عليه وعن انس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رايت ليلة اسرى بي رجالا يقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون بالبر وينسون أنفسهم ـ رواه البغوي فى شرح السنة والبيهقي فى شعب الايمان نحوه ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) يعنى اليهود تفرقوا على ثنتين وسبعين فرقة (وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) الدلائل الواضحة القاطعة من الآيات المحكمة والاخبار المتواترة المحكمة من الأنبياء ونحو ذلك كاجماع هذه الامة سواء كان ذلك الاختلاف فى اصول الدين كاختلاف اهل الأهواء مع اهل السنة او فى الفروع المجمع عليها كمسئلة غسل الرجلين ومسح الخفين فى الوضوء وخلافة الخلفاء الاربعة واحترز بهذا القيد عن اختلاف بالاجتهاد فى ما ثبت بالادلة الظنية فان الاختلاف فيها ضرورى

١١٥

ضرورة حطاء بعض المجتهدين فى الاجتهاد ـ فذلك الاختلاف بعد بذل الجهد بلا مكابرة وتعصب معفوّ بل هو رحمة وسعة للناس روى عبد بن حميد فى مسنده والدارمي وابن ماجة والعبد رى فى الجمع بين الصحيحين وابن عساكر والحاكم عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سالت ربى عن اختلاف أصحابي من بعدي فاوحى الله يا محمد ان أصحابك عندى كالنجوم بعضها أقوى من بعض ـ وفى رواية بعضها أضوء من بعض ولكل نور فمن أخذ بشىء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندى على هدى ـ ورواه الدارقطني فى فضائل الصحابة وابن عبد البر عن جابر والبيهقي فى المدخل عن ابن عباس ـ وروى البيهقي ايضا فى المدخل بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به ولا عذر لاحد فى تركه فان لم يكن فى كتاب الله فسنة نبى ماضية فان لم يكن سنة نبى فما قال أصحابي ان أصحابي بمنزلة النجوم فى السماء فايها أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة واخرج البيهقي فى المدخل وابن سعد فى الطبقات عن القاسم بن محمد قال اختلاف اصحاب محمد رحمة لعباد الله والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز نحوه (وَأُولئِكَ) الذين تفرقوا بعد القواطع (لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) التنوين عوض عن المضاف اليه يعنى تبيض وجوه المؤمنين (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) اى وجوه الكافرين او التنوين للتكثير اى وجوه كثيرة ويوم منصوب على الظرفية من الظرف المستقر اى لهم او بعظيم او باذكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قرا هذه الاية قال تبيض وجوه اهل السنة وتسود وجوه اهل البدعة ـ اخرج الديلمي فى مسند الفردوس بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال تبيض وجوه اهل السنة وتسود وجوه اهل البدع (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) يقال لهم (أَكَفَرْتُمْ) بالقطعيات وتفرقتم فى الدين واتبعتم تأويل المتشابهات (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) بالنبي والكتاب والاستفهام للتوبيخ والتعجيب عن حالهم (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (١٠٦) والاية فى اهل الأهواء من هذه الامة ومن الأمم السابقة كذا قال ابو امامة وقتادة روى احمد وغيره عن ابى امامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال هم الخوارج ـ وايضا فى اهل الأهواء حديث اسماء بنت ابى بكر قالت قال

١١٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انى على الحوض حتى انظر من يرد علىّ منكم وسيؤخذ ناس دونى فاقول يا رب منى ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ـ رواه البخاري وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل رواه مسلم واحمد والترمذي ـ وقيل هذه الاية فى المرتدين ـ وقيل فى اهل كتاب كفروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ايمانهم بموسى والتورية او بعد ايمانهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مبعثه وقيل فى جميع الكفار كفروا بعد ما اشهدهم الله على أنفسهم او بعد ما تمكنوا من الايمان بالنظر الى الدلائل. (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) يعنى اهل السنة (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) يعنى الجنة والثواب المخلد عبر عن الجنة بالرحمة تنبيها على ان المؤمن وان استغرق عمره فى طاعة الله لا يدخل الجنة الا برحمته وفضله ـ عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله بمغفرة ورحمة ـ رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد ـ وروى الشيخان عن ابى هريرة نحوه ولمسلم من حديث جابر لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا رحمة من الله وقد ورد هذا ايضا من حديث ابى سعيد رواه احمد ومن حديث ابى موسى وشريك بن طارق رواهما البزار ـ ومن حديث شريك بن طريق واسامة بن شريك واسد بن كرز رواها الطبراني واستشكل هذا مع قوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وأجيب بان للجنة منازل ودرجات ينال بالأعمال وذلك محمل الاية واما اصل دخولها والخلود فيها بفضل ورحمته وذلك معنى الأحاديث ويدل عليه قول ابن مسعود تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون المنازل بأعمالكم رواه هناد فى الزهد وابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله (هُمْ فِيها) اى فى الرحمة او الجنة (خالِدُونَ) (١٠٧) أخرجه مخرج الاستيناف للتأكيد كانّه فى جواب كيف يكونون فيها وللتنبيه على ان الرحمة نعمة والخلود نعمة مستقلة. (تِلْكَ) الآيات (آياتُ اللهِ) الواردة فى وعده ووعيده (نَتْلُوها عَلَيْكَ) خبر بعد خبر

١١٧

متلبسة (بِالْحَقِ) بحيث لا شبهة فيها (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) (١٠٨) إذ لا يتصور منه الظلم لانه لا يجب عليه فعل شىء ولا تركه فيظلم بترك ما وجب عليه لانه المالك على الإطلاق يتصرف فى ملكه كيف يشاء ـ قلت والظاهر ان المراد بالظلم هاهنا ما هو ظلم من العباد فيما بينهم والمعنى ان الله لا يريد ان ينقص ثواب من عمل خيرا بفضله ولا ان يزيد فى عذاب العاصي على قدر جريمته والكفر بالله تعالى أعظم الخطايا لا ذنب فوقه فيعذب بالنار المخلدة عذابا لا يكون عذاب فوقه جزاء وفاقا. (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا فهو تعليل لعدم ارادة الظلم على التأويل الاول وبيان لقدرته على اجراء وعده ووعيده على التأويل الثاني (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (١٠٩) فيجازى كلا على حسب وعده ووعيده ـ قال البغوي قال عكرمة ان مالك بن الضيف ووهب بن يهودا من اليهوديين قالا لابن مسعود ومعاذ بن جبل وسالم مولى ابى حذيفة نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعونا اليه فانزل الله تعالى. (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) اضافة صفة الى موصوفه مثل اخلاق ثياب والمفضل منه محذوف يعنى كنتم امة خير الأمم كلها وكان تدل على ثبوت خبرها لاسمها فى الماضي ولا يدل على عدم سابق ولا انقطاع لاحق الا بقرينة خارجية قال الله تعالى وكان الله غفورا رحيما فهذه الجملة دلت على خيريتهم فيما مضى ويدل على خيريتهم فى الحال والاستقبال قوله تعالى تأمرون إلخ ويحتمل ان يكون كنتم فى علم الله او فى الذكر فى الأمم السابقة خير امة (أُخْرِجَتْ) يعنى أظهرت وأوجدت والخطاب اما للصحابة خاصة كذا قال جويبر عن الضحاك وروى عن عمر بن الخطاب قال كنتم خير امة يكون لا ولنا ولا يكون لاخرنا ـ وعن ابن عباس انهم هم الذين هاجروا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى المدينة ـ وعن عمر انه قال لو شاء الله لقال أنتم ولكن قال كنتم فى خاصة اصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن صنع مثل صنيعهم (١) كانوا خير امّة أخرجت للنّاس ـ واما لامة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عامة وكلا المعنيين ثابت بالنصوص وعلى كل منهما انعقد الإجماع فان امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من الأمم كلها والأفضل منهم قرن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنا

__________________

(١) وعن قتادة عن عمر فى قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) انه تلا هذه الاية ثم قال يا ايها الناس من سرّه ان يكون فى الامة التي أخرجت للناس فليؤد شرط الله فيها ـ منه رحمه‌الله فى الأصل ملتبسة ـ

١١٨

فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) وقال (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) الاية وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجنة حرمت على الأنبياء حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى يدخلها أمتي رواه الطبراني فى الأوسط بسند حسن عن عمر بن الخطاب وروى ايضا عن ابن عباس مرفوعا الجنة محرمة على جميع الأمم حتى أدخلها انا وأمتي الاول فالاول وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انى لارجو ان يكون من تبعني ربع اهل الجنة ثم قال أرجو ان يكون ثلث اهل الجنة ثم قال أرجو ان يكون الشطر رواه احمد والبزار والطبراني بسند صحيح عن جابر وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم اهل الجنة عشرون ومائة صفا ثمانون منها من هذه الامة والباقون من سائر الأمم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وروى الطبراني مثله من حديث ابى موسى وابن عباس ومعاوية بن جندة وابن مسعود ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انكم تتمون سبعين امة أنتم خيرها وأكرمها على الله عزوجل رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة والدارمي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده والبغوي عن ابى سعيد الخدري نحوه وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس ورزين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده نحوه وقال عليه‌السلام ان الله تجاوز عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجة والبيهقي وفى الفصل الثاني قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجىء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته رواه الشيخان فى الصحيحين والترمذي واحمد من حديث ابن مسعود والطبراني نحوه ومسلم عن عائشة نحوه والترمذي والحاكم عن عمران بن حصين نحوه وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وقوله عليه الصلاة والسلام ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة (لِلنَّاسِ) قيل هذا متعلق بخير امة قال ابو هريرة معناه خير الناس للناس يجيئون بهم فى السلاسل فتدخلونهم فى الإسلام أخرجه ابو عمرو ـ قلت رجال هذه الامة اكثر إرشادا وأقوى تأثيرا فى الناس بالجذب الى الله تعالى من رجال الأمم

١١٩

السابقة وكان قطب ارشاد كمالات الولاية على عليه‌السلام ما بلغ أحد من الأمم السابقة درجة الأولياء الا بتوسط روحه رضى الله عنه ثم كان بتلك المنصب الائمة الكرام ابناؤه الى الحسن العسكري وعبد القادر الجيلي ومن ثم قال ووقتى قبل قلبى قد صفالى وهو على ذلك المنصب الى يوم القيامة ومن ثم قال شعرا :

فلت شموس الأولين وشمسناه

ابدا على أفق العلى لا تغرب

وقيل للناس متعلق باخرجت يعنى أخرجت للناس (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) استيناف لبيان خيريتهم او خبرثان لكنتم او صفة ثانية لامة والمراد تفضيلهم على امم موصوفين بهذه الصفات يعنى كنتم امة كذلك خيرا من كل امة كذلك (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) قيل المراد بالايمان بالله الايمان بكل ما يجب ان يؤمن به لانه المعتد به يدل عليه قوله تعالى ولو أمن اهل الكتب مع كونهم مؤمنين بالله وقوله عليه الصلاة والسلام فى حديث طلحة بن عبيد الله أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكوة وصيام رمضان وان تعطوا من المغنم الخمس متفق عليه وانما اخر ذكر الايمان وكان حق الايمان بالله ان يقدم لقصد الاشعار على انهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ايمانا بالله وتصديقا لا رياء فصار كانه قيد للامر بالمعروف او لقصد ارتباط قوله (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) كلهم كما تؤمنون (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) فانهم يدخلون حينئذ فى خير الأمم قلت وجاز ان يكون المراد بالايمان بالله الايمان الحقيقي يعنى تخلية القلب عما سواه وتزكية النفس عن الرذائل وتمرينه بالمحبة الصرفة التي لا تشوب فيها اقتضاء نفسه من الأغراض الدنيوية او الاخروية (مِنْهُمُ) اى من اهل الكتاب (الْمُؤْمِنُونَ) ايمانا يعتد به كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (١١٠) الخارجون عن الايمان الى الكفر هذه الجملة مبيّنة لما سبق فان المطلوب ايمان الجميع والموجود ايمان بعضهم دون أكثرهم وفيه دفع لسوء الظن بالمؤمنين منهم الذي نشاء من قوله تعالى ولو أمن إلخ. (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) اى ضرارا يسيرا باللسان ونحوه قال مقاتل لمّا أراد رءوس اليهود السوء بمن أمن منهم عبد الله بن سلام وأصحابه انزل الله تعالى هذه

١٢٠