تراثنا ـ العددان [ 109 و 110 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 109 و 110 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٣٠

تضعيف أخبار جمع الإمام عليّ عليه‌السلام للمصحف ، حقيقة أم وهم؟ :

أجل إنّهم لم يكتفوا بهذا ، بل راحوا يضعّفون(١) روايات جمع الإمام عليه‌السلامللمصحف ، بل قالوا عن جمعه : بأنّه لم يكن جَمْعَ تدوين وكتابة ، بل هو جمع حفظ في الصدور ، أو جَمْعاً من الصدور.

فقد أخرج السجستاني في المصاحف بسنده عن أشعث ، عن محمّد ابن سيرين ، قال : «لمّا توفّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقسم عليّ أن لا يرتدي برداء إلاّ لجُمْعَة حتَّى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل ، فأرسل إليه أبوبكر بعد أيّام : أَكَرِهْتَ إمارتي يا أبا الحسن؟

قال : لا والله ، إلاّ أنّي أقسمت أن لا أرتدي برداء إلاّ لجمعة ، فبايعه ثمّ رجع.

قال أبوبكر [السجستاني] : لم يذكر المصحف أحد إلاّ أشعث ، وهو

__________________

(١) قال الآلوسي في روح المعاني ١/٢٢ «وما شاع أن عليّاً كرّم الله وجهه لمّا توفّي رسول الله تخلّف لجمعه ، فبعض طريقه ضعيف ، وبعضها موضوع ، وما صحّ فمحمول كما قيل على الجمع في الصدور ، وقيل : كان جمعاً بصورة أخرى لغرض آخر» انتهى.

فالضعيف الذي عناه الآلوسي إن كان يقصد به ما أخرجه أبو داود ـ في سننه الذي يعتبرمن الصحاح الستّ ـ من طريق ابن سيرين فله طريق آخر أخرجه ابن الضريس عن ابن سيرين عن عكرمة عن عليّ.

وأمّا الموضوع فلا أدري هل عنى به المتواتر المنقول في هذا الأمر كالذي أخرجه الصنعاني في مصنّفه ، وابن سعد في طبقاته ، وابن أبي شيبة في مصنّفه ، وابن ضريس في فضائل القرآن وغيرهم من كبار علماءالعامّة ومحدّثيهم والذين ذكرنا أسماءهم في آخر هذا القسم من البحث.

٦١

ليّن الحديث ، وإنّما رووا (حتّى أجمع القرآن) ، يعني أُتِمّ حفظه ، فإنّه يقال للذي يحفظ القرآن : قَدْ جَمَعَ القرآن»(١).

وما قاله السجستاني من كون الأشعث (ليّن الحديث) لا يقبله كثير من الرجاليّين ، ولو راجعت تهذيب الكمال(٢) لوقفت على أسماء رجاليّين يوثّقونه أو يحسّنونه أمثال يحيى بن مَعِيْن والعجلي وابن شاهين(٣) والبزّار ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ ما قاله السجستاني : (لم يذكر المصحف أحد إلاّ أشعث) غير صحيح ، إذ ورد ذكر (المصحف) في روايات أُخرى ، أي أنّ لخبر الأشعث شاهداً صحيحاً من الأخبار الأُخرى.

وثالثاً : إنّ جملة (حتّى يجمع القرآن في مصحف) أدلّ دليل على كون الجمع هو جمع تدوين لا جمع حفظ ، لجمعه القرآن في مصحف بين الدفّتين.

أمّا ما قالوه عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام بأنّه جلس في بيته كي يجمع القرآن من صدره فهو باطِلٌ أَيْضاً ؛ لأنّه ليست به حاجة إلى ذلك لاختصاصه بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وخُلُوِّه به في الليل والنهار وكتابة القرآن عنه فضلاً

__________________

(١) انظر المصاحف للسجستاني ١ : ١٦٩/ح ٣١ ، وقد تابع السجستاني في التشكيك فيورود كلمة المصحف كلّ من ابن كثير في تفسيره ٥/٥٨٥ ، وابن حجر في فتح الباري ٩/١٠كتاب الفضائل باب ٣ ، والعيني في عمدة القارئ ٢٠/١٧ ، تحفة الأحوذي ٨/٤٠٧ ، مرقاة المفاتيح ٥/١٠٤.

(٢) تهذيب الكمال ٣/٢٦٩.

(٣) تاريخ أسماء الثقات : ٣٦ / ت ٧٠.

٦٢

عن كتابته مع تفسيره وتأويله ، فمن كان هذا حاله فلا داعي لأنْ يجلس في بيته ويجمع القرآن من صدره ثانية.

وسؤالنا هو : لمن يجمع القرآن من صدره ، هل لأمّته وهم يتلون الكتاب ويعرفونه أم لنفسه ولا داعي له؟!.

بل كيف ينسبون إلى الإمام عليّ عليه‌السلام جمعه عن ظهر قلبه في الزمن المتأخّر وخليفتهم ينهى عن كتابة القرآن عن ظهر القلب؟!

فقد أخرج السجستاني في كتابه المصاحف بسنده عن قيس بن مروان أنّه : «جاء إلى عمر وهو بعرفة ، فقال : يا أميرالمؤمنين جئتك من الكوفة وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، قال : فغضب عمر وانتفخ حتّى كاد أن تملأ ما بين شُعْبَتَي الرجل قال : من هو ، ويحك؟ قال : هو عبدالله بن مسعود ...»(١).

فلو كان هذا حال عمر مع من يكتب القرآن عن ظهر قلبه ، فكيف يَرْتَضُوْنه بالنسبة إلى الإمام عليّ عليه‌السلام مع أنّه فعل كان لا يرتضيه خليفتهم عمر ابن الخطّاب؟!

فلو كان الحفظ بمعنى التدوين والتأليف عند الخلفاء الثلاثة ، فليكن كذلك عند الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أيضاً. فلماذا يقبلون ذلك للخلفاء ولايرتضون هذا لعليّ عليه‌السلام ويكيلون الأمور بمكيالين؟!

ألم يكن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من الحَفَظَة والكَتَبَة والقُرَّاء

__________________

(١) المصاحف ٢/٥١٠/ح ٤١٢.

٦٣

والعلماء؟! إنّه تساؤل يبيّن عمق الظلامة لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

أخبار مكذوبة :

بل الأنكى من كلّ ذلك أَنَّك تَراهُمْ ينسبون إلى الإمام عليّ عليه‌السلام أقوالاً يكذّبها الواقع التاريخي ومجريات الأحداث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد ذكرنا بعضها قبل قليل دون توضيح أبعادها.

فقد رووا عن سفيان ، عن السدّي ، عن عبد خير ، قوله : «سمعت عليّاً يقول : أعظمُ الناس أجراً في المصاحف أبو بكر ، رحمة الله على أبي بكر هو أوّل من جمع بين اللَّوْحَين»(١).

قالوا ذلك قبالاً لما عُرف عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من أنّه أوّل من جمع المصحف بين الدفّتين ، حيث أنّ المروي عن عبد خير نفسه أيضاً بخلاف ما جاء.

بل حكوا عنه عليه‌السلام أيضاً قوله في شرعية جمع عثمان للمصاحف : «لو لم يصنعه عثمان لصنعته»(٢) ، أو قوله في نصّ آخر : «والله لو ولّيت لفعلت

__________________

(١) المصاحف ١/١٥٤/ح ١٧ باب جمع أبي بكر الصديق القرآن في المصاحف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال السيوطي في الإتقان : «ومن غريب ما ورد في أوّل من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهَمْسَ ، عن ابن بريدة قال : أوّل من جمع القرآن في مُصْحف سالم مولى أبي حذيفة ، أقسم لا يرتدي برداء حتّى يجمعه فجمعه».

(٢) المصاحف ١/١٧٧/ح ٣٩.

٦٤

مثل الذي فعل»(١).

وصدور هذا الكلام عن الإمام عليّ عليه‌السلام وإن كان غير صحيح ، ولكن لو أحسنّا به الظنّ لقلنا : إنّ هدف الإمام عليه‌السلام كان رفع الاختلاف من بين المسلمين ، وهو منتهى هَمِّ الإمام وغمِّه ، لكنّهم بتصوّري ذكروا هذا كي يصحّحوا ما فعله عثمان من حرق المصاحف وليقولوا : بأنّ الإمام عليّاً عليه‌السلام رضي بعمل عثمان في حرق المصاحف ، كغيره من الصحابة!!

وممّا يؤيّد كلامنا ما حكوه عن المختار الثقفي ـ والذي أخرجه السجستاني في المصاحف ـ بسنده عن عقبة بن جرول الحضرمي ، قال : «لمّا خرج المختار كُنّا ـ هذا الحيّ من حضرموت ـ أوّل من يسرع إليه ، فأتانا سُوَيْدُبْن غَفَلَةَ الجُعْفِيُّ فقال : إنّ لكم عَلَيَّ حقّاً وإنّ لكم جِواراً وإنَّ لكم قرابةً والله لا أحدّثكم اليوم إلاَّ شيئاً سمعته من المختار ، أقبلت من مكّة فإنّي لأسير إذ غمزني غامز من خلفي فإذا المختار ، فقال لي : يا شيخ ، ما بقي في قلبك من حبِّ ذلك الرجل ـ يعني عليّاً ـ؟ قلت : إني أُشْهِدُ الله أنّي أحبّه بسمعيوقلبي وبصري ولساني ، قال : ولكنْ أشهد الله أنّي أبغضه بقلبي وسمعيوبصري ولساني ، قال : قلتُ أَبيتَ واللهِ إلاَّ تثبيطاً(٢) عن آل محمّد وترثيثاً(٣) في إحراق المصاحف ـ أو قال : حَراق ، هو أحدها ، يشكّ أبوداود ـ فقال سويد : والله لا أحدّثكم إلاَّ شيئاً سمعته من عليّ بن أبي

__________________

(١) تاريخ دمشق ٣٩/٢٤٥ ، ٢٤٨ ، تاريخ المدينة ٢/١١٨ ـ ١١٩ / ح ١٧١٩.

(٢) التثبيط : التسويف والتعويق.

(٣) الترثيث : التضعيف في أمر الشيء. انظر لسان العرب ٣/١٥٨ مادّة رثث.

٦٥

طالب ، سمعته يقول : يا أيّها الناس ، لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلاَّ خيراً ـ أوقولوا له خيراً ـ في المصاحف ، وإحراق المصاحف ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاَّ عن ملأ مِنّا جميعاً.

فقال : ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول : إنّ قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً.

قلنا : فماترى؟

قال : نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف.

قلنا : فنِعْمَ ما رأيت.

قال : فقيل : أيّ الناس أفصح ، وأي الناس أقرأ؟ قالوا : أفصح الناس سعيدبن العاص ، وأقرؤهم زيد بن ثابت ، فقال : ليكتب أحدهما ، ويملي الآخر ، ففعلا ، وجمع الناس على مصحف. قال : قال عليّ : والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فَعَلَ»(١).

أجلْ إنّ الإمام أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام لا يمانع من وحدة المسلمين وتوحيد المصاحف وأخذهم بأصل واحد ـ وخصوصاً لو كان الأخذ عن الأصل المكتوب بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ لكنّه يمانع الحرق وما يستتبعه من تكثّر وجوه القراءة والقول في القرآن بالرأي والتقديم والتأخير في الآيات والنقصان والزيادة فيه و ... فإنّ هذه الأمور يخالفها الإمام عليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) المصاحف للسجستاني ١/٢٠٥ ـ ٢٠٦/ح ٧٧.

٦٦

نعم إنّهم ابتدعوا هذه التعاليل وردّوا الروايات الدالّة على جمع الإمام عليّ للقرآن ، كي يثبتوا للنّاس بأنّ الخلفاء الثلاثة هم الذين جمعوا القرآن دون أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام.

* * *

بهذا يمكننا أن نصطلح على الجمع المقصود في هذه المرحلة بأنّه جمع ترتيب الآيات من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ جواز تأليفه في مصاحف ؛ وإن كان مصحفاً ناقصاً.

ولا أنكر أن يكون تفسير القرآن السياقي كان سائداً عند الصحابة وأهل البيت ، فكلّ واحد منهم كان يكتب ما يحصل عليه من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في التفسير وتأويل الآيات ، وهي موجود بعضها اليوم في التفاسير المأثورة ـ مثل الدرّ المنثور للسيوطي وجامع البيان للطبري والبرهان في تفسير القرآن للبحراني وغيرهما ـ عن أولئك الصحابة وأهل البيت(١).

فسؤالنا هو : لماذا لا يأخذ الخلفاء الثلاثة بمصاحف كبار الصحابة والمجمع عليها وهم من جامعي القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نراهم يبدءون بكتابة المصحف من جديد وبشاهدين؟

هل جاء أخذهم بالشاهدين للتثبّت حقّاً؟

__________________

(١) سنناقش تلك الروايات في القسم الثاني من هذه الدراسة : (مناقشة روايات التحريف).

٦٧

وما يعني التثبّت بعد ثبوت تدوين أولئك الصحابة القرآن بين يدي رسول الله وبأمره ، وهم العدول حسبما يقولون؟.

فلو كان عثمان من جامعي الذكر الحكيم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قيل فلماذا يعيد عمليّة الجمع تارة أخرى أيّام خلافته؟ وماذا يعني هذا الأمر؟

وهل حقّاً أنّ جمعه كان بمعنى توحيدهم على قراءة واحدة؟ أم أنّه جمعها من الصحف وكان مصحف حفصة منها كما صرّحت بذلك النصوص؟أم أنّه فعل كلا الأمرين معاً؟.

بل لماذا اشترط الشيخان أخذ الآيات بشاهِدَين مع إيماننا بتواتر القرآن؟!

أيحتاج القرآن في إثباته إلى شاهدين والصحابة يتلون القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، ولهم دويٌّ كدويِّ النحل كما قيل ، ويتدارسونه ويعلّمونه ويتعلّمونه ويتلونه في صلواتهم؟!

فما يعني ما قالوه من نقصان آية أو آيتين منها ، ثمّ وجودها عند فلان وفلان؟ ألا يشكّك هذا في تواتر القرآن؟

فلو تأمّلت أخبار جمع القرآن عند الجمهور لرأيتها تتّفق على أنّ عثمان جمع مصحفه على ضوء مصحف أبي بكر وعمر ـ والذي كان عند حفصة ـ فما يعني هذا؟

فلو كان أبوبكر وعمر من جامعي القرآن فسيكون جمع عثمان في

٦٨

الزمن المتأخّر لغواً أو يكون جمعه سابقاً كذباً.

أمّا لو قلنا بأنّ عثمان هو جامع الذكر الحكيم فهو يخالف ما قيل عن جمع الشيخين للقرآن قبله ، بل كان عليهما أن يُقِرَّا على ما دوّن من قبل عثمان سابقاً.

نعم إنّهم يأوّلون ذلك ويقولون بأنّ جمع عثمان يختلف عن جمع أبي بكر وعمر ؛ لأنّه كان يعني بجمعه توحيدهم على مصحف واحد.

في حين أنّ هذا الكلام غير صحيح أيضاً ؛ لأنّ الصحابة كانت صدورهم أناجيلهم ، وكانوا يتلون القرآن حسبما سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولانرى اختلافاً بينهم في قرآن صلاتهم.

بلى حكى بعض الصحابة اختلافه مع الآخر في قراءة سورة أو آية ومجيئهم إلى رسول الله وتجويزه (صلى الله عليه وآله) لقراءة القرآن على سبعة أحرف ، كلّ ذلك تصحيحاً لرؤيتهم(١).

إنّ دعوى توحيد الأمّة على مصحف واحد لم يكن مختصّاً بعثمان ابن عفّان ، فقد ادّعي لعمر بن الخطّاب ذلك أيضاً ، وهو يضعّف المشهور عندهم.

فسؤالنا هو : لو كان جمع القرآن لابدّ منه ، فلماذا لا يكون جمعهم على ضوء مصحف ابن مسعود وأُبيّ وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وغيرهم ممّن عُرفوا بالتدوين والكتابة على عهده (صلى الله عليه وآله)؟! بل لماذا تختصّ روايات جمع

__________________

(١) سنناقش هذه الروايات في جمع القرآن على عهد عمر بن الخطاب.

٦٩

القرآن وتدوينه بزيد بن ثابت وابنه خارجة؟!.

بل ماذا يعني وجود كَتَبَة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يكتبون الوحي عنه؟ ألا يعني ذلك بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في عمله هادفاً ، وأنّه أراد أن يصون فكر أمّته من بعده ، وقد جمع تلك الآيات بالفعل تدويناً وكتابة كي تكون دستوراً للأجيال القادمة؟!

وعلى ما ادّعوه من جمع عثمان للمصاحف لاحقاً يكون عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ترتيب الآيات والسور لغواً والعياذ بالله.

من الطبيعي أن لا يقول مسلم ـ يؤمن بالله ورسوله ـ بالقول الثاني ؛ لأنّه لا يتّفق مع إسلامه وإيمانه.

وعليه ، فكتابة المصحف كانت موجودة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاءت مقصودة من قبله (صلى الله عليه وآله) (١).

فلو كان مكتوباً ومدوّناً وموجوداً في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلماذا لا يكلّفون أنفسهم السؤال عن ذلك المصحف المكتوب بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وأين ذهب؟ وبيد مَنْ وقع؟

ولو كان مكتوباً ومدوّناً ـ وإنّ الجمع لا يعني جمعه في الصدور بل هو الجمع في السطور ـ فلماذا يطلبون شاهدين على كون الآيات قد كتبت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويجلسون على باب المسجد مستفسرين الصحابة عن ما حفظوه من الذكر الحكيم؟!

__________________

(١) ولا يصحّ ما أشاعوه لاحقاً بأنّه (صلى الله عليه وآله) ترك تدوين كتاب ربّه.

٧٠

وهل حقّاً كان عملهم هذا للتثبّت والاطمئنان بصحّة كلام الصحابي في آيات القرآن أم كان شيئاً آخر؟

فلو كان الصحابي كاذباً ، كان بإمكانه أن يأتي بشاهد آخر يعينه على كذبه؟!

ولو قلنا بالتفسير المتأخّر للشاهدين والذي أتى به ابن حجر ، فيأتي سؤالنا : إذا كان مكتوباً من قبل صحابي مقبول كأُبيّ وابن مسعود والناس يقرؤون بتلك القراءة ، فما يعني تطابق المكتوب مع المحفوظ!

برأيي أنّ الأمر يرجع إلى وجود منهجين في القرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

أحدهما : يقول بتواتر آياته وأنّ العلم به كالعلم بالبلدان والحوادث والوقائع العظام وأنّه يجري مجرى ما علم بالضرورة ككتاب سيبويه والمزني ، فلو أدخل شخص باباً في كتاب سيبويه لعرف وميّز وعلم أنّه ليس من أصل الكتاب.

والآخر : يطلب آيات القرآن بالبيّنة والشهود.

فالمنهج الأوّل انتهجه غالب الصحابة وهو منهج الإمام عليّ عليه‌السلام وأهل بيته عليهم‌السلام وعلمائهم.

والمنهج الثاني هو منهج الخلفاء وهؤلاء هم الذين استعانوا بزيد بن ثابت وأمثاله لتدوين القرآن في خلافتهم!!

أجل إنّهم يقولون بأنّ زيد بن ثابت جمع السُّور من (العُسُب)

٧١

و (اللِّخاف) و (جريد النخل) بأمر أبي بكر أو عمر أو عثمان ، ولا نرى اسماً لغيره من الصحابة! فما يعني اختصاصهم جمع القرآن بـ : (زيد) دون غيره ؛ في خلافة الثلاثة؟

فمن هو زيد بن ثابت؟ وما دوره في بدء الدعوة ثمّ من بعدها؟ ولماذا هذا الإصرار من قبل الشيخين وعثمان على الأخذ بقراءته وترك قراءة كبار الصحابة أمثال ابن مسعود وأُبَيّ بن كعب وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام المنصوصِ على لزوم احترامهم والأخذ عنهم ، وخصوصاً في القرآن؟.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «اقرؤوا بقراءة ابن أُمّ عبد عبدالله بن مسعود»(١) ، كما اشتهر عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه أمر بالقراءة على وِفْقِ ما يقرؤه أُبيّ بن كعب كما في البخاري(٢) ، ولقّب أُبي بسيّد القرّاء(٣) ، وقال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «أَقْرَؤُكُمْ أُبيّ»(٤).

__________________

(١) الأحاديث المختارة ١/٩٢/ح ١٣ ، و١/٣٨٤/ح ٢٦٨ ، سنن ابن ماجة ١/٤٩ / ح١٣٨.

(٢) في البخاري ٤/١٨٩٧/ح ٤٦٧٧ أنّ النبيّ قال لاُبيّ بن كعب : «إنّ الله أمرني أن أقرئك القرآن ، قال : الله سمّاني لك؟ قال (صلى الله عليه وآله) : نعم ، قال : وقد ذكرت عند ربّ العالمين؟قال : نعم ، فذرفت عيناه».

وفي البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك قال : «قال النبيّ لاُبيّ : إنّ الله أمرني أن أقرأعليك (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال : وسمّاني؟ ، قال : نعم ، فبكى» ، انظر صحيح البخاري٤ /١٨٩٦/ح ٤٦٧٦ ، صحيح مسلم ١/٥٥٠/ح ٧٩٩ ، و٤/١٩١٥ ، سنن الترمذي ٥/٦٦٥/ح ٣٧٩٢.

(٣) سنن بن ماجة ١/٥١٢/ح ١٦٠٦ ، سنن الترمذي ٣/٣٧٥/ح ١٠٦١.

(٤) فتح الباري ٢/١٧١ ، تحفة الأحوذي ١٠/٢٠٥.

٧٢

وعُرف عن أهل بيت النبوّة أنّهم كانوا يقرؤون بقراءة أُبيّ(١) ، فما يعني هذا الإجحاف والإهمال لقراءة أمثال هؤلاء الصحابة وفي المقابل ترى ترجيح قراءة أمثال زيد عليهم؟!.

وقد يكون في تأكيد ابن مسعود على يهودية زيد إشارات إلى هذا الأمر؟وقد لا يعني شيئاً من هذا القبيل.

وهل اليهودية كانت ذمّاً للصحابي في صدر الإسلام؟ أم أنّها كانت بيان لحالة رائجة بين المسلمين ، لأنّ ما من مسلم في صدر الإسلام إلاّ وقد كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسيّاً أو مشركاً ، أتركه للقارىء.

روي عن عمرة بنت عبدالرحمن «أنّ أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها ، فقال أبوبكر : ارقيها بكتاب الله»(٢).

فما يعني هذا النصّ وهذا الخطاب من ابن مسعود في زيد؟ هل لكونه وصوليّاً وحكوميّاً أم لشيء آخر؟!

ففي مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري ، قال : «لمّا توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام خطباء الأنصار فجعل منهم من يقول : يا معشر المهاجرين إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منّا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منّا.

قال : فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك ، قال : فقام زيد بن ثابت ،

__________________

(١) انظر الكافي ٢/٦٣٤/ح ٢٧ ، وسائل الشيعة ٦/١٦٣/ح ٧٦٣٣.

(٢) موطأ مالك ٢/٩٤٣ ، الأم للشافعي ٧/٢٤١ ، المجموع للنووي ٩/٦٤.

٧٣

فقال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من المهاجرين ، وإنّما الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره ، كما كنّا أنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله)!

فقام أبوبكر ، فقال : جزاكم الله خيراً من حيّ يا معشر الأنصار وثبّت قائلكم ، ثمّ قال : والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم»(١).

وفي السيرة النبوية لابن كثير : « ... أنّ زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه»(٢).

فقد تكون هذه الخطبة من قبل زيد في مدح أبي بكر هي التي جعلته كاتباً لدار الخلافة(٣) والقاضي عنده ومقسّم مواريث المسلمين(٤).

كما أنّها وأمثالها هي التي سبّبت أن يكون قاضياً في عهد عمر بن الخطّاب وممّن يستخلفه عمر على المدينة ، وقد قدّم عمر بن الخطّاب اسم زيد على اسمه ، تعظيماً له.

ففي سير أعلام النبلاء عن يعقوب بن عتبة : «أنّ عمر استخلف زيداً ، وكتب إليه من الشام : إلى زيد بن ثابت ، من عمر(٥).

وفي تاريخ المدينة عن نافع : «أنّ عمر استعمل زيداً على القضاء ، وفرض له رزقاً ...

__________________

(١) مسند أحمد ٥/١٨٥.

(٢) السيرة النبوية ٤/٤٩٤.

(٣) أسد الغابة ١/٥٠.

(٤) المجموع للنووي ١٦/٦٨.

(٥) سير أعلام النبلاء ٢/٤٣٨.

٧٤

عن خارجة بن زيد ، قال : كان عمر كثيراً ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الأسفار ، وقلّما رجع من سفر إلاّ أقطع زيداً حديقة من نخل!»(١).

لا أدري هل يقبل الباحث الموضوعي بما قالوه عن زيد وأنّه اختير لهذا العمل دون غيره من الصحابة ؛ لأنّه شابٌّ ، فهو أقدر على العمل منهم ، وهولشبابه أقلّ تعصّباً لرأيه واعتزازاً بعلمه ، بل شبابه يدعوه إلى الاستماع لكبار الصحابة من القرّاء والحفّاظ والأخذ عنهم دون إيثار لما حفظه هو (٢).

أترك القارئ لكي يستنبط بنفسه صحّة هذا الكلام وسقمه وعمّن يجب أن يأخذ الإنسان في قراءته ، هل يأخذ عمّن هو أكثر اعتزازاً بعلمه وتعصّباً لرأيه؟ أم يأخذ ممّن يتأثّر برأي غيره ويستسلم لمن يملي عليه؟.

هذه الأمور يجب أن تبحث في تاريخ جمع القرآن ، مؤكّدين بأنّ عملية الجمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تنتهي على عهده وبقيت تحتاج إلى من يستكلمها ، وهو الذي ألزم الإمام علي عليه‌السلام أن يكملها بوصيّة من الرسول (صلى الله عليه وآله).

للبحث صلة ...

__________________

(١) تاريخ المدينة ٢/٦٩٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢/٤٣٨.

(٢) هذا ما نقله الدكتور شاهين في تاريخ القرآن : ١٤٤ عن الدكتور هيكل وهو منقول عن غيره أيضاً.

٧٥

صفحة مشرقة عن تاريخ السماع

والقراءة والإجازة عند الإماميّة

(نسخة نهج البلاغة برواية السيّد الراوندي أُنموذجاً)

السيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الشريف الرضي محمّد بن الحسين الموسوي البغدادي (٤٠٦هـ) عالماً معروفاً ، وسيّداً شريفاً مبجّلا معظّماً ، ذا هيبة عظيمة ، ضاربَ الجذور في العلم إلى أبعد غاية ، ولا غرابة في ذلك فقد نشأ في ظلال أُسرة الزعامة والعظمة ، ودرج في أحضان الإمامة ، فكان لهذا أثر بليغ في رفعته وشممه ومنهجه وعواطفه وميوله ، حتّى أوجب لنفسه اللياقة لتسنّم أريكة الخلافة ، فقال مخاطباً الخليفة العبّاسي القادر بالله :

عطفا أمير المؤمنين فإنّنا

عن دوحة العلياء لا نتفرّق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت

أبداً كلانا في المعالي معرق

٧٦

إلاّ الخلافة ميّزتك فإنّني

أنا عاطل منها وأنت مطوّق(١)

فلم ينكر عليه الخليفة ولا استظهر بطيب مغرسه ، نعم ردّ عليه بقوله : «على رغم أنف الشريف»(٢).

ولأجل ذلك وغيره كان إذا كتَبَ كتاباً أو ألَّفَ مُؤلَّفاً انتشر بعد تأليفه مباشرة ، وملأ الآفاق ، وتكثّرت نسخه في عصره ومن بعده ، وخير دليل على ذلك كتابه المعروف نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وقد كنتُ متحيّراً حين انتخابي نسخة نفيسة له تفوق على باقي النسخ ببعض الفوائد ؛ وذلك لغرض البحث والدراسة عنها ، فراجعتُ المعاجم والفهارس ، فوقفتُ على المئات من نسخه الخطيّة ، وجلّها يرجع تأريخها إلى قبل القرن التاسع الهجري ، وجملة كثيرة منها بخطوط العلماء والأُدباء مزيّنة بالإجازات والسماعات والقراءات ، وظنّي أنّ كتاب نهج البلاغة هو الكتاب الوحيد الذي حظي بهذا الجانب المهمّ من الاعتناء والانتشار من بين جميع التراث المخطوط الإسلامي بأجمعه بعد كتاب الله (٣).

__________________

(١) ديوان الشريف الرضي ٢/٥٤٤.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١/١١.

(٣) وقد جمع العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي رحمه‌الله فهرستاً من مخطوطات كتاب (نهج البلاغة) التي كانت معروفة إلى ذلك الوقت في كتابه القيّم (نهج البلاغة عبر القرون) ، وكذا عمل العلاّمة المتتبّع السيّد محمّد حسين الجلالي فهرستاً منها في كتابه

٧٧

ولمّا كان مشايخنا ـ رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين قد أجروا في عروقنا حبّ التراث ومعرفته والمحافظة عليه بمختلف صوره ، ومن منطلق أنّ الخلف الصالح يجري على مسار السَّلف الصالح ، ولأنّ الناقد البصيربمرصد ؛ حاولت أن أنتخب بعين الدقّة نسخةً نفيسةً من كتاب النهج ، فصادفتُ هذه النسخة الكريمة العتيقة ، والتحفة النادرة ، والدرّة الفريدة التي لها شأن من الشأن(١) ، والتي تعدّ من أقدم نسخ الكتاب وأنفسها وأكملها ؛ لشرح يأتي إن شاء الله تعالى.

ولمّا تبيّنت لنا نفاستها وقداستها عزمنا بعون الله تعالى على طبعها في مجموعتنا الفاخرة ، مع ذكر شيء مبسوط يتعلّق بما في هذه النسخة الشريفة من تراجم المشايخ المرتبطة بها من مجيز ومجاز ومَنْ له تأثير في إيصال النسخ الصحيحة للكتاب دون تحريف وتصحيف في القرون الهجرية الثلاثة : الخامس ، والسادس ، والسابع ، مستوعباً في ذلك جوانب البحث ، عسى أن تكون فيه بعض المعلومات المستجدّة ، الخالية من التكرار والاجترار.

__________________

(دراسات حول نهج البلاغة) وكذا في مقدّمة كتابه (مسند نهج البلاغة) ، وكذا يوجد فهرست من نسخه في مجموعة (فهرستگان نسخه هاي خطي حديث) ، وفي (فهرستواره دستنوشته هاي ايران(دنا)) أيضاً ، وعملتُ أنا فهرستاً لنسخه الموجودة في العالم أيضاً وهو عندي.

(١) وذلك من بين عشرات صور النسخ الموجودة من كتاب (نهج البلاغة) والتي جمعتُ صورنفائسها في مكتبتي «مكتبة العلاّمة المجلسي رحمه‌الله» في قم المقدّسة ، وحتّى الآن عندي أكثر من خمسين نسخة ؛ ولله الحمد.

٧٨

محلّ حفظ النسخة :

هذه النسخة من جملة النسخ الخطّيّة التي لم تمتدّ لها يد الدمار في العراق ، وأهل الفنّ يعرفون ماجرى على مخطوطات هذا البلد الجريح إبّان حكم الطاغيّة ، وهي من ممتلكات مكتبة المتحف العراقي ، وتسلسلها : (٣٧٨٤) ، وهي مذكورة في فهرستها المعنون بـ : (مخطوطات الأدب في المتحف العراقي) ؛ لأُسامة النقشبندي وظمياء عبّاس ، صفحة : ٦٤٢/١٨٨٧.

ويجدر بنا قبل كلّ شيء أن نورد نصّ ما ذكره مُفهرِسا هذه المكتبة ؛ فدونكه :

«نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين (رض)

لأبي القاسم علي بن الحسين بن موسى ، المعروف بالشريف المرتضى [كذا] المتوفّى سنة ٤٣٦ هـ / ١٠٤٤ م.

كتبها بقلم النسخ الجيّد وبالمدادين الأسود والأحمر محمّد بن الحسن بن محمّد بن العبّاس القمّي سنة ٥٥٦ هـ / ١١٦٠ م ، وهي ثالث أقدم نسخة في العالم ، وقد قابلها الناسخ على نسخة أُخرى ، قرأها فضل الله بن علي الحسني سنة ٥٧١هـ / ١١٧٥ م ، في آخرها فائدة عن أختام الإمام علي بن أبي طالب ، ووفوائد أُخرى بخطّ علي بن ميثم بن معلّى البحراني سنة ٦٤٣ هـ / ١٢٤٥م.

٧٩

الرقم : ٣٧٨٤.

٢٠٣ ص.        ٢٤ × ١٧ سم.           ٢٥ س.

الذريعة : ٢٤/٤١٣ ، معجم المؤلّفين : ٧/٨١ ، طبع معجم : ١١٢٤».

هذا كلّ ما وصفا به هذه النسخة ، وقد قصّرا ـ مع شكر سعيهما في إعطاءالصورة العلميّة الكاملة والتفصيليّة لهذه النسخة النفيسة حسب ما يوردهاالمفهرسون عامّةً في فهارسهم الخطّيّة ؛ فإنّ فيها من الإجازات والأسانيدوالبلاغات ما هو ذو قيمة علميّة عظيمة ـ كما سيأتي تفصيل ذلك. والملاحظ أنّ أكثر النسخ التي ذكراها إنّما كانت على نحو الفهرسة الإجماليّة ولم تكن فهرسة علميّة دقيقة.

وإنّ إعطاء هذا الأصل حقَّه من الدراسة والبيان يحتاج إلى إفراده في مجلَّد ، لو صَبَر الدارس على قراءة سماعاتها وقراءاتها ومقابلاتها ، ويكفيه من المتعة الروحيّة أن يعايش مجالس أئمّة وجهابذة القرنين الخامس والسادس ، ويتعلّم منهم عزّة العلماء وصبرهم وحرصهم على طلب العلم وتحصيلهم له.

ويرى الدقّة والأمانة في تفرقتهم بين سماع فلان وفلان ، ومن أين سمع هذا الأصل ، وأين انتهى سماعه وقراءته ، دون مجازفة بإثبات القراءة والسماع للأصل كلّه ... إلى أُمور كثيرة يمكن للناظر في هذا الأصل الأصيل الوقوف عليها والشرح لها علميّاً وتربويّاً ، ولو لا ضيق الوقت لأسهبت ، لكن لا بدّ

٨٠